بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
بالأمس أشرنا إلى أصل من أهم أصول نظرية المعرفة، وقلنا أن هذه القواعد والأصول التي نشير لها صحيح أنها لا تدخل في بحثنا المباشرة ولكنها تلازمنا من اول دخولنا في أي بحث فقهي أو أصولي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. دائماً عندما يتكلمون عن المحكي للمفهوم وعن المصاديق للمفاهيم مباشرة الذهن يتبادر إلى المصاديق والمحكي الخارجي، ومراده من الخارجي هنا الخارجي الوجودي، أنا أقيد هذا حتى يتضح بعد ذلك أن الخارج على نحوين.
هذه القاعدة أو هذا البيان أو هذا المتداول على الألسن قلنا أنه منقوض في موارد كثيرة، وهو أنه هناك جملة من المفاهيم التي ليس لها محكي في الوجود الخارجي، مع أن لها محكي إذا كان المفهوم افرادي، ولها مطابق صدقي صادقة إذا كانت قضية في الذهن، لأن الموجود في الذهن إما مفهوم افرادي وإما جملة، فإذا كان مفهوم افرادي فله محكي ومصداق، أما إذا صار الذي في الذهن قضية فلا نقول له مصداق وإنما نقول صادقة أو غير صادقة، ونحن نجد ان كثيراً من المفاهيم وكثير من القضايا لها مصاديق يقيناً لها مصداق وكثير من القضايا صادقة وليس لها وجود خارجي، بل أساساً في بعض الأحيان نجد أن مصاديقها ممتنعة الوجود في الخارج، ولذا قرأتم أن القضية الشرطية صادقة حتى مع كذب طرفيها، كيف تكون صادقة وكذب، المقصود من الكذب يعني ليس لها مصداق خارجي، يعني ليس له ما بإزاء في الوجود الخارجي، وإلا كيف يجتمع الصدق مع الكذب، كما في قوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا). وبتعبير الإمام الرضا عليه السلام عالم آل محمد عليهم السلام قال: (يعلم الممتنع لو وجد كيف يوجد). والله لو يبقى العقل خمسة آلاف سنة يفكر لا يستطيع أن يقول هذا القسم الرابع من العلم، لأنه علم ما كان وما هو كائن وما يكون هذا واضح. أما علم الممتنع لو وجد كيف يوجد، هذا القسم الرابع هذه من بيانات أئمة أهل البيت، ولن تجد له مورد في كلمات أحد من روايات أهل السنة والجماعة. هذه موجودة فقط في رواياتنا.
أين مصداقها؟ هذه الروايات عجيبة … هذه الروايات واردة (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) الإمام يجعلها من الممتنعات، لماذا ممتنع؟ الله يرجع الآخرة يجعلها دنيا. ويذكر مصداق آخر (لو كان فيما آلهة غير الله لفسدتا) الإمام الرضا يذكر هذين المثالين، يقول هذه من مصاديق يعلم الممتنع لو وجد، لا يوجد، لو وجد كيف يوجد.
سؤال: بماذا صدقها؟ صدقها بمطابقتها للوجود الخارجي؟ هي ممتنعة، صدقها بمطابقتها لنفسها؟ هذه القضية تكون بشرط المحمول ولا قيمة لها. إذن صدقها بمطابقتها لأي شيء؟ هذه من المسائل التي تحتاج إلى بحث لأنها من أعقد المسائل.
هنا ذكر جملة من المحققين هو أنه نحن نستطيع بالبرهان بهذا البرهان، ببرهان أن كل مفهوم أفرادي أو كل قضية في العلم الحصولي لابد أن يكون لها محكي ومصداق وحيث يستحيل أن يكون لبعض هذه المفاهيم محكي بحسب الوجود الخارجي، أو بعض القضايا مصداق ومطابق بحسب الوجود الخارجي إذن هناك لوح أو واقع نسميه الواقع النفس الأمري، هذا هو الذي المفهوم الافرادي يحكي والقضية التي لا مصداق خارجي لها تكون مطابقتها لأي شيء؟ لا للوجود الخارجي بل للواقع النفس أمري. من هنا تجدون أن الحكماء والمناطقة كتبوا رسائل في بيان حقيقة نفس الأمر، المشكلة من هنا نشأت، لأنه إذا لم تتضح هذه القضية ملاك الصدق في القضايا لا يتضح عندنا، محكي المفاهيم لا يتضح عندنا.
إذن اجتماع النقيضين ممتنع، هذه قضية لأنها موضوع ومحمول ونسبة وعلم حصولي، هذه صادقة أو كاذبة؟ لا إشكال ولا شبهة أنها صادقة بالقطع واليقين، صدقها بمطابقتها لنفسها؟ بشرط المحمول لا قيمة لها. إذن مطابقتها للواقع ونفس الأمر.
العدم مفهوم من المفاهيم له محكي أو ليس له محكي. محكيه أين؟ في الوجود الخارجي؟ خلف طبيعة هذا المفهوم، لأن كل مصداق لابد أن يسانخ مفهومه الذي يحكي عنه، فإذا فرضنا أن مفهوم العدم مصداقه أمر وجودي فهو يسانخه أو لا يسانخه؟ من طبيعته أو من نقيض طبيعته؟ إذن صدقه بماذا؟ أو أين مصداقه؟
هذه قاعدة، إذن القاعدة الأولى في هذا المجال هي أن مصاديق هذه المفاهيم الافرادية ومطابق تلك القضايا هو الواقع النفس الأمري.
سؤال آخر: أن هذا الواقع النفس الأمري وجود أو عدم؟
الجواب: لا وجود ولا عدم، لماذا؟ لأن هذا الواقع النفس الأمري كل بحسبه، فإذا كانت القضية وجودية واقعها النفس الأمري وجودي، وإذا كانت القضية أو المفهوم عدمي فواقعه النفس الأمري عدمي. واقعية كل مفهوم أو واقعية مصداق ومحكي كل مفهوم بحسب ذلك المفهوم. فإن كان مفهوماً وجودياً فواقعه النفس الأمري ماذا يكون؟ وجودي. أما إذا كان ذلك المفهوم مفهوماً عدمياً فواقعه النفس الأمري وجودي؟ لا، لابد أن يكون مسانخاً معه.
إذا أردنا أن نقرب إلى ذهن الأعزاء المثال، تكون عندنا دائرتان واحدة في بطن الأخرى، لا أنه واحدة كبيرة وواحدة صغيرة، دائرة كبيرة ودائرة في وسطها صغيرة، الدائرة الكبيرة هي الواقع النفس الأمري، لا يذهب ذهنك إلى الوجود أنت يقيناً يذهب ذهنك إلى الوجود، الواقع النفس الأمري ليس وجود، أنا أؤكد على هذا لأنه بعد ذلك تصريحات هؤلاء الأعلام كلهم يقولون أنه هذا الواقع النفس الأمري لا مجعول بل هو ازلي، إذا صار هكذا فالازلي يكون اثنين واجب الوجود الله والواقع، لا لا، أنا أؤكد لهذا السبب.
إذن دائرة كبيرة عبروا عنها الواقع من باب التمثيل الواقع النفس الأمري، لا الوجود، وفي بطنها توجد دائرة أصغر هي الوجود الخارجي. فإذا كان المفهوم وجودياً فواقعه النفس الأمري يقع في الدائرة الأوسع أو في الدائرة الأضيق؟ في الدائرة الأضيق، أما إذا كان المفهوم عدمياً العدم البطلان، زيد المعدوم …. الذي يأتي بعد عشرة قرون، زيد المعدوم إنسان وليس بحمار، هذه صادقة أو كاذبة؟ هل يستطيع أحد أن يقول بأنها كاذبة لأنه لم يأت زيد، يقول يقيناً زيد هو إنسان حقيقة معدوم، يقول نعم صادقة. صدقها بماذا؟ بانطباقها للوجود الخارجي؟ أنت تأخذ قيد العدم، محال أن يكون مصداقها الوجود الخارجي، فإذا كان أمراً وجودياً فيدخل واقعه النفس الأمري في الوجود الخارجي، أما إذا كان أمراً عدمياً أعم من أن يكون عدم إمكاني أو عدم امتناعي، مصداقه أين يقع؟ محكيه أين؟ في الدائرة الأضيق أو الأوسع؟ في الدائرة الأوسع.
ومن هنا كل وجود خارجي له واقعية نفس أمرية، ولكن وليس كل واقعية نفس أمرية لها وجود خارجي. وأنا مقدمة أقول للأعزاء تصوروا هذا الواقع النفس الأمري مشكل جداً، لماذا؟ باعتبار أنه نحن تصوراتنا تدور بين الوجود والعدم. هذه القضية كثير من الأعلام لم يلتفتوا إليها وواقعاً وقعوا في مشاكل واشتباهات كثيرة. ولكن بعض الأعلام التفتوا لها.
أنا أشير إلى بعض هؤلاء الأعلام وأقرأ عباراتهم وبعد ذلك أعلق عليها.
المورد الأول ما ورد في (تمهيد القواعد، ص182) لابن تركة، وهو من الكتب العرفانية الدرسية، تحقيق شيخنا الأستاذ الشيخ حسن زاده، قال: (فنفس الأمر حينئذ أعم من الخارج) مراد من الخارج هنا الخارج الوجودي لا الخارج الأعم لأن نفس الأمر له أيضاً خارجية لأنه يقع مصداقاً (فنفس الأمر حينئذ أعم من الخارج لأنه متى تحقق أمر في الخارج تحقق في نفس الأمر وليس كل ما تحقق في نفس الأمر تحقق في الخارج، فلئن قيل فكيف يحكم بصدق إنسانية زيد المعدوم وكذب حماريته إذا لم يكن لها مطابق في الخارج أصلاً) أنتم تقولون زيد المعدوم إنسان وليس بحمار، وإذا لم يكن له مطابق من أين علمت أن هذه صادقة وتلك كاذبة (وليس له مطابق في الخارج أصلاً والصادق على مباني المتداولة هو الذي له مطابق في الخارج. قلنا: أن الخارج مشترك بالاشتراك اللفظي، قد يطلق الخارج) بنحو الاشتراك اللفظي (ويراد منه الوجود الخارجي) عندما نقول الوجود الخارجي ليس مقصودنا ما يقابل الذهني بل الذي له ما بإزاء أعم من أن يكون خارجي أو أن يكون ذهني. وقد يطلق الخارج ويراد منه الأعم من الوجود الذي هو الواقع النفس الأمري. قال: (تارة يطلق ويراد به الواقع في الخارج أي الخارج عن اعتبار وهو مرادف لنفس الأمر، وتارة يطلق على ما يقابل الوجود الذهني). هذا هو المورد الأول.
المورد الثاني: الذي وجدته أن الحكيم السبزواري كاملاً ملتفت إلى هذه النكتة في حواشيه على الاسفار، ونادراً ما وجدت هذا في كلمات صدر المتألهين، ولكن الحكيم السبزواري في موارد متعددة أنا أشير إلى موردين:
المورد الأول: في (الأسفار، ج1، ص350) في طبعة التسع مجلدات، في الفصل السادس في كيفية علية كل من عدمي العلة والمعلول للآخر. هناك توجد حاشية وهي الحاشية رقم (2) يقول: (وكما يضع لأنحاء الوجودات … كمفهوم اجتماع النقيضين والمثلين ومفاهيم الدور والتسلسل وكمفهوم نفس العدم الصادق عليها وعلى أعدام الممكنات وبالمفهوم يتصحح النفس الأمرية للعدم) يعني ماذا يتصحح؟ قال: (والنفس الأمرية في معنون العدم عدم المعنون الوجودي). نفس الأمرية للعدم ما هو؟ وجود المعنون أو عدم المعنون؟ عدمه، وإلا لو لم يكن كذلك لكان مصداقه معنونه مسانخ أو مناقض؟ مناقض.
ولذا يقول: (والنفس الأمرية في معنونه) يعني معنون العدم (عدم المعنون الوجودي، فحقيقة الباطل ومعنونه ومصداقه) بنحو البطلان مصداق البطلان بطلان لأن مصداق كل أمر بحسبه فإذا كان عدماً فمصداقه أمر عدمي (فإن كل مصداق لابد أن لا ينازع طبيعة المفهوم المحكي به) كل مفهوم لا يحكي إلا مصداقه.
تعالوا قليلاً لنربط البحث حتى لا نخرج كثيراً، إذا كان المعنى المتصور عاماً فلا يحكي إلا … محال أن يحكي غير العام. يحكي معنونه ومعنونه العام. لا يمكنه أن يحكي غير مصداقه لا تفصيلاً ولا إجمالاً، لماذا لا يستطيع؟ باعتبار أن كل مفهوم خصوصيته حكاية مصداقه.
التفتوا جيداً حتى تعرفون إشكالية القسم الثالث من أين تنشأ، وأنت تريد أن تضع اللفظ للمعنى العام أو للمعنى الخاص؟ المعنى الخاص متصور تفصيلاً، لا، وإلا لكان من الخاص الموضوع له الخاص. متصور إجمالاً؟ الجواب كلا، لماذا؟ لأن كل مفهوم إنما يحكي عن مصداقه. ولذا انظروا إلى العبارة الآن تتضح لكم عبارة السيد الخوئي، قال: (أن أي مفهوم جزئياً كان أو كلياً لا يحكي إلا عن نفسه) يعني عن ماذا؟ لا عن مفهومه، بل يحكي عن مصداقه، محال أن يحكي مفهوم غير مصداقه.
أصلاً هذا قانون من قوانين العلم الحصولي، كيف عندك قانون إذا وقفت أمام شيء تنعكس الصورة في الذهن، هذا أنت وضعته أو هو أمر تكويني، والله لو تصدر ألف ومئتين أمر للعين أنا لا أريد أن تعكس صورة الشيء أين … أصلاً هذا الإنسان أو هذا المنظر بالنسبة إلي قبيح، مؤذي لا أريد أن ينعكس صورته الذهنية في ذهني، نقول له ليس الأمر بيدك. نعم، أنت تستطيع أن تجعل سالبة بانتفاء الموضوع أن لا تنظر إلى الشيء. أما إذا نظرت إليه فينعكس صورته، مثل المرآة. قانون من قوانين الذهن البشري هو أن المفهوم لا يحكي إلا عن … لا أريد الخروج ولكن اضطراراً تسمحوا لي … في التوحيد هذه المشكلة وهو أنه عندما تقول عالم هذا المفهوم يحكي عن ماذا؟ يحكي عن القدرة، مفهوم العلم في الواجب يحكي عن قدرة الواجب يحكي عن سمعه عن بصره عن حياته؟ لا. فكيف أنت تريد بواسطة مفهوم واحد … يقول هذا لا يمكن، هذا من قبيل ضعف القابل لابد أن يأتي بخمسين مفهوم يركبها واحد على الآخر حتى يكون هذا، ومن هنا يأتي تعدد الحيثيات، حيثية العلم نفس حيثية ا لقدرة أو لا، وهكذا. هذه كلها أصلها هذا أن كل مفهوم لا يحكي إلا عن نفسه، يعني عن مصداقه الخاص به.
الآن تعالوا إلى عبارة الحكيم السبزواري (فإن كل مصداق لابد أن لا ينازع طبيعته) يعني طبيعة المفهوم الذي يحكي هذا المصداق (وإلا ارتفع الموضوع من البين) إذا صار المفهوم شيء والمصداق شيئاً آخر إذن هذا مفهوم ذاك المصداق وهذا المصداق مصداق ذاك المفهوم؟ الجواب: كلا، لأنه ذاك مفهوم حقيقته شيء ومصداقه شيء آخر، وصار المصداق شيء ومفهوم … وظهر الخلق (ألا ترى أن مصداق الحركة) مثال لطيف جداً، ما هي الحركة الشيء القار أو الشيء السيال؟ فإذا أنت بحثت عن مصداق الحركة عن شيء قار فهو مصداقه أو لا؟ (ألا ترى أن مصداق الحركة لو كان أمراً قاراً لم تكن حركة) هذا خلف، وعلى هذا القياس. هذه حاشية قيمة أحفظوها.
الحاشية الأخرى في (ص150) من الأسفار، هذه الحواشي جمعناها كلها في كتاب ولكن لم نطبعه، كل حواشي الحكيم السبزواري أنا جمعتها من الأسفار، وكذلك حواشي السيد الطباطبائي على الاسفار أيضاً جمعتها في مكان ولكن للأسف لم استطع أن أنظمها وأعطيها عناوين لتطبع.
في (ص150، في الموارد الثلاث، الفصل السابع في استقراء المعاني التي يستعمل فيها لفظ الإمكان) في الحاشية رقم (4) قال: (المراد بالتحقق في نفس الأمر الذي هو مناط المادية الوقوع فيها) في نفس الأمر، ما معنى التحقق في نفس الأمر؟ يعني أن يكون له واقعاً في نفس الأمر. (الوقوع فيها) أي في نفس الأمر (أعم من وقوع الوجود أو وقوع العدم) العدم ماذا حتى يقع؟ الجواب: ذهنك يذهب إلى الوجود وتقول لي كيف يقع العدم في الوجود. لا، هذا ليس وقوع العدم في الوجود، هذا وقوع العدم في نفس الأمر. ولهذا قلنا دائرة نفس الأمر أوسع من دائرة الوجود فليس كل ما في نفس الأمر فهو موجود. (أعم من وقوع الوجود أو وقوع العدم) أحفظوا هذا الأصل والقاعدة (فإن النفس الأمرية في كل شيء بحسبه) فإذا كان الشيء وجودياً فنفس أمريته … وإذا كان الشيء وجودياً فنفس أمريته ماذا … إذا كان الشيء وجودياً فنفس أمريته وجودية، إذا كان الشيء عدمياً فنفس امريته عدمية، (فإن النفس الأمرية في كل شيء بحسبه) هذه أحفظوها لي لأني عندي نتيجة مهمة أريد أن أرتبها (فواقعية العدم) هل للعدم واقعية؟ (فواقعية العدم هو عدم الواقعية) أو عدم الوجود، هذا واقعيته، فواقعية العدم بنحو البطلان وإلا إذا كان واقعية العدم يعني محكيه النفس الأمري الوجودي سانخ المفهوم أو خالف المفهوم؟ خالف المفهوم.
هذا المعنى الذي هؤلاء شرحوه بشكل تفصيلي واقعي، بشكل واضح مفصل مبين في عبارات السيد الشهيد جاء بشكل آخر ومن هنا صار مشكلاً للإشكال لمن لا يعرف، أن السيد الشهيد يكرر هذه العبارة أن لوح الواقع أوسع من لوح ا لوجود، هذه من عبارات تقريرات السيد الشهيد، من هنا أشكلوا عليه بأنه يلزم ارتفاع النقيضين. سمعت من بعض الأفاضل يقول ما هذا الكلام، هذا المعنى في موارد متعددة، منها في (تقريرات السيد الهاشمي، ج2، ص397) قال: (إذ من الواضح أن هذه الأعراض حقة وثابتة) أحفظوا لي هذه الجملة لأن لنا فيه بحث كثير، من قبيل تقول الإنسان ممكن، هذه إمكانية الإنسان واقعية أو لا؟ مجعولة؟ يعني الله جعله ممكن وهو كان يستطيع أن يكون واجباً، أو كان هو ممتنع والله جعله … أو إمكانه واقع نفس أمري ذاتي أزلي لهذا الشيء، هذا الإمكان … أين هذه القضية صادقة … أين ملاك صدقها، أين مصداقها؟ الواقع النفس الأمري. ولذا التفتوا إلى العبارات، يقول: (أن هذه الأعراض) أي أعراض؟ عندما تقول الإنسان ممكن، لأنه عرض من الأعراض هذا (حقة وثابتة وواقعية حتى لو فرض عدم الواجب سبحانه وتعالى) لو جاء مادي أنكر أنه عندنا موجود اسمه واجب الوجود، ولكنه هل يستطيع أن ينكر أن هذه الموجودات ممكنة، بعد أن يتضح مفهوم الممكن وهو أنه لم يكن ثم كان. يقول: لا، أنا أقبل أنها ممكنة ولكن لا تحتاج إلى علة، تمشي في سلسلة العلل لا إلى نهاية والتسلسل ليس باطل، لو أراد أحد أن ينكر التسلسل ماذا أفعل له، وآخر الدواء الكي أضربه على رأسه وإلا فأنا لا استطيع أن أفعل له شيئاً. فإذن يقول لا يثبت لي واجب الوجود. تقول له: هذا ممكن. يقول: نعم، ممكن، له علة ولم يكن موجوداً ثم يموت، كل هذا صحيح، ولكن تقولون أن هناك موجود اسمه … إذن هذا الإنسان يقبل صدق قضية هذا ممكن وصادقة هذه القضية مع أنه لا يؤمن بوجود الله. أقول حتى مع عدم وجود الواجب فحتى المنكر لوجود الواجب يمكنه، يعني يجب عليه أن يتقبل حقانية هذه القضايا، وقضية امتناع اجتماع النقيضين صادقة وثابتة حتى في عالم نفترض فيه عدم وجود الواجب ولو محالاً.
هذه ا لقضية صادقة أو لا؟ صادقة ولكن تقول له تؤمن بوجود … يقول لا، لا أؤمن، لكن هذه القضية صادقة. (ولا ينيط عقلنا المدرك لصدقها وواقعيتها وثبوتها بوجود شيء من الأشياء أصلاً، إذن فلا محيص من الالتزام بأن هذه الأعراض والمعاني أمور من لوح الواقع الذي هو أوسع من لوح الوجود).
اتضحت هذه العبارة، إذا أشكل عليها يتضح ما هو المراد من هذه العبارة.
وكذلك في (ج4، ص41، تقريرات السيد الهاشمي) هناك بحث من أهم الأبحاث الكلامية وهو العدل حسن والظلم قبيح هذه قضايا عقلية أو مشهورية أو قضايا مجعولة أو غير مجعولة؟ السيد الشهيد يقول لا، هذه قضايا نفس أمرية واقعية، على حد واقعية اجتماع النقيضين ممتنع. قلت لكم لا نريد الخروج …. وإلا إذا صارت واقعيات الله عندما يفعل على أساس الواقعيات أو خارج الواقعيات؟ فعله على أي أساس ينتظم؟ هذه مسألة العدلية مبانيها من هنا تأتي. (أنها قضايا واقعية دور العقل فيها دور المدرك الكاشف على حد القضايا النظرية، غاية الأمر أن هذه القضايا قضايا واقعية) التفتوا إلى هذه العبارة المتكررة في عبارات الأصوليين لا في كلمات السيد الشهيد (تحققها لا بوجودها، بل تحققها بنفسها). الآن عندما تقرأ أنت كتب الأصول افترضوا المحقق الأصفهاني أو السيد الخوئي تجد أنهم يعبرون أن القضايا الحقيقية تحققها بنفسها لا بوجودها، ما معنى تحققها بنفسها؟ يعني خارجة عن عالم الوجود، صادقة. (تحققها بنفسها لا بوجودها الخارجي) مثل ماذا؟ يقول: (نظير مقولات الإمكان والاستحالة والامتناع) وأنا أيضاً أضيف عدم وبطلان وهلاك …
وبهذا يتضح هذا اللفظ الذي اشرنا إليه وهو في (المحاضرات، ج1، ص32) الزوجية أو الأربعة زوج، هذه الملازمة أي ملازمة، خارجية يعني وجود خارجي أو واقعية نفس امرية. افترض في هذا العالم نحن ليس عندنا أربعة، الأربعة زوج أو ليست بزوج، هذه القضية صادقة أو لا، أين مصداقها؟ مصداقها ليس في الوجود الخارجي لأنه لا يوجد عندنا أربعة، مصداقها الواقع النفس الأمري. هذا يذكره في بحث الارتباط بين اللفظ والمعنى أنها ملازمة ذاتية أو لا توجد ملازمة ذاتية.
يقول: (ولو أريد أن الارتباط المزبور بينهما بحد يوجب نظير الملازمات الثابتة بين أمرين) كالزوجية والأربعة (فانها ثابتة في الواقع والأزل بلا توقف على اعتبار أي معتبر أو فرض أي فارض، وبلا فرق بين أن يكون طرفاها ممكنين أو مستحيلين أو مختلفين فكل هذه القضايا صادقة) طبعاً نفس هذه الكلمات موجودة عند الآخرين ولا أريد الدخول فيها.
سؤال: هذه الواقعية يقولون الأعلام أزلية أو لا؟ هذا لازمه أن واجب الوجود كم واحد يصير؟ له يلتزم هؤلاء الأعلام … نحن عندنا واجب وجود أزلي وعندنا واقع نفس أمري أزلي أيضاً. الجواب: أن الذي يتصف بالوجوب والإمكان مقسمه الوجود والواقعية النفس الأمرية موجودة أو غير موجودة؟ لا هي موجودة ولا هي غير موجودة.
يعني لأطرح السؤال بشكل آخر: هذا الواقع النفس الأمري واجب أو ممكن؟ الجواب: لا واجب ولا ممكن، لأن مقسم الوجوب والإمكان هو ماذا … الموجود إما واجب وإما ممكن، فإذا نظرت أنت إلى الوجود فواجب الوجود واحد لا يتعدد، أما إذا نظرت إلى غير الوجود يعني الواقع النفس الأمري فليتعدد، والبرهان إنما دل على أن واجب الوجود واحد أزلي لا يتعدد، ولم يدل على أكثر من هذا.
هذا لم أقله أنا في الفلسفة لقالوا انظروا هذه هي مشكلة الفلسفة يقولون أن الازلي متعدد، لا لا، أصولي يقوله وليس أنا.
أقرأ العبارة، يقول: (ثابتة في الواقع والأزل بلا توقف على اعتبار أي معتبر أو فرض أي فارض وبلا فرق بين أن يكون طرفاها ممكنين مستحيلين مختلفين إذ صدقها لا يتوقف على صدق طرفيها فهي صادقة مع استحالتهما) استحالة الطرفين كما في قوله (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (نعم، إن سنخ ثبوتها) هذه الواقعيات النفس الأمرية (غير سنخ ثبوتات المقولات كالجواهر والعرض) تلك مرتبطة بعالم الوجود فلا تخلط هذا الثبوت مع ذاك الثبوت، فهما نحوان من الثبوت.
[المعتزلة المساكين قالوا بالثابتات الأزلية هل هذا هو مقصودهم؟ فلماذا نستنكر عليهم هذا القول، واقعاً لابد من التحقق أن المعتزلة ماذا قالوا في الثابتات الأزلية، طبعاً الثابتات الازلية غير الأعيان الثابتة التي قال بها العرفاء، فهما نظريتان متمايزتان فل يقع الخلط بينهما. معروفة نظرية الثابتات الأزلية].
ويترتب على هذا، نفس هذا الكلام الذي أشرت إليه أنا أيضاً حتى تعرفون أن كلمات الأصوليين عموماً بهذا الاتجاه، وهو ما ذكره السيد الروحاني في (المنتقى، ج1، ص45) قال: (إن الأمور الحقيقة على نحوين ما يكون لها وجود في الخارج) وهذا ما عبرنا عنه بالدائرة الضيقة (ويعبر عنه بما يكون الخارج ظرفاً لوجودها، والثاني ما يكون الخارج ظرفاً لنفسها لا لوجودها) ولهذا قلنا أن هؤلاء يعبرون تحققها بنفسها لا بوجودها، تمييزاً لهذين الأمرين الحقيقيين. يقول الأمور الحقيقية على نحوين ما يكون تحققها بوجودها كالواجب والممكن، والممكن بأقسامه. وما يكون تحققه بنفسه. هذا خارج عن ذاك المقسم. بما يكون الخارج ظرفاً نفسه، مثل ماذا؟ (كالملازمات العقلية فإن الملازمة بين شيئين من الأمور الحقيقية التي لها تقرر في نفس الأمر ولا ترتبط بجعل جاعل) أبداً، إذن هذه ممكنة أو غي ممكنة؟ تحتاج إلى جاعل أو لا؟ أزلية، لا، لأنها إذ كانت حادثة تحتاج إلى محدث. أزلية.
(إلا أنه لا وجود لها في الخارج) عجيب تقول أمور حقيقة وتقول أيضاً … الجواب: لأن الخارج مشترك لفظي كما قرأنا في تمهيد القواعد.
وهنا رتب شيخنا الأستاذ الشيخ جوادي وكذلك السيد العلامة الطباطبائي على هذه الواقعية قالوا أن إثبات الواجب ضروري غير قابل للنفي حتى لمن نفاه، ففي نفيه إثبات للواجب، هذه تأتي غداً.
والحمد لله رب العالمين