الأخبار

المحاضرة (84)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في الأصل الثالث وهذا الأصل الثالث يعد من أهم مفاتيح حل إشكالية الوضع العام والموضوع له الخاص، ولذا التفتوا إليه جيداً حتى سوف ارجع إليه ولن أشرحه مرة أخرى، أنا لم أدخل الجواب مباشرة باعتبار أن الجواب يتوقف على مقدمات، فلابد من تحقيق هذه الأصول والمقدمات قبل تحقيق هذا البحث.

في مسألة المفاهيم قلنا بأنه في القضية بلحاظ الموضوع تارة يلحظ الموضوع بما مفهوم، وأخرى يلحظ الموضوع بمحكي ذلك المفهوم، مرة نجعل الموضوع في القضية المفهوم، ومرة نجعل الموضوع في القضية لا المفهوم وإنما محكي ذلك المفهوم. مصداق ذلك المفهوم.

أما القسم الأول فقلنا أن المفهوم إذا لوحظ في القضية في موضوع القضية يمكن أن يلحظ بنحوين، تارة ما فيه ينظر المفهوم، وأخرى ما به ينظر. فهنا الموضوع في القضية في النحو الثاني وإن كان هو المفهوم ولكن بلحاظ مصاديقه، وهذا ينفعنا كثيراً في الموضوع له العام والموضوع له الخاص، وهو أن الموضوع المعنى عام ولكن يوضع لفظ لهذا المعنى العام أو بلحاظ محكي ذلك المعنى العام، هذا هو بحثنا في الوضع العام والموضوع له الخاص. إذن هذا النحو الثاني من القسم الأول احفظوه لي جيداً، ولكنه بنفسه لا يكفي لحل الجواب ما لم ينضم إليه الأصل الرابع الذي سأشير إليه. القسم الثاني وهو بحثنا لهذا اليوم وهو أن الموضوع في القضية ليس هو المفهوم لا باللحاظ الأول ولا باللحاظ الثاني لا بالنحو الأول ولا بالنحو الثاني، وإنما المحكي بالمفهوم، أنا عندما أعطي الحكم أريد أن أعطي حكم المفهوم أو حكي المحكي بذلك المفهوم؟ حكم المحكي، أما في القسم الأول من القضية فأريد أن أعطي بالمحمول حكم المفهوم، أما فيه ينظر أما ما به ينظر. هنا لا، أريد أن أعطي حكم، يعني هذا المحمول محمول حقيقة على المحكي لا على الحاكي، لا باللحاظ الأول ولا باللحاظ الثاني.

وهنا أيضاً بنحوين أعزائي:

تارة أنني أريد أن أتكلم عن طبيعة المحكي بغض النظر عن أنه له فرد واحد أو أفراد كثيرة، أصلاً له فرد أو ليس له فرد، طويل أو … لا علاقة لي بالفرد بل أتكلم عن الطبيعة. أصلاً هذه الطبيعة المحكية بهذا المفهوم، هذه الطبيعة ممكنة أو واجبة، يمكن أن توجد أو لا يمكن أن توجد، حتى لو كانت ممكنة ولكنها معدومة في الخارج. الكلام عن الطبيعة لا عن الأفراد.

هذه هي المصطلح عليها عندهم بالقضية الطبيعية في المنطق إذا قرأتم قضية طبيعية مرادهم من القضية الطبيعية يعني أن يكون المحمول لبيان طبيعة المحكي. وبعض الأحيان لابد أنت بالقرائن تميز، كيف في علم الرجال تميز الرجل بالراوي والمروي عنه، هنا أيضاً قد يسمى النحو الأول من القسم الأول يسمى قضية طبيعية. ولكنه ذاك تعبير مسامحي لأن تلك ليست طبيعة وإنما هي مفهوم، الطبيعة أين حقيقة؟ هنا.

إذن في القسم الثاني النحو الأول أن المحمول ناظر إلى طبيعة المحكي، لا علاقة لها لا بالمفهوم ولا بأفراد ومصاديق، وإنما طبيعي المحكي.

النحو الثاني أن يكون النظر لا إلى المفهوم كما في القسم الأول ولا إلى طبيعي المحكي كما في النحو الأول من القسم الثاني وإنما النظر إلى أفراد هذه الطبيعة، في النتيجة كل طبيعة لها أفراد ومصاديق، يعني طبيعة الإنسان، هذا النوع له أفراد بعضها طويل وبعضها قصير بعضها جالس بعضها جاهل بعضها عالم بعضها قائم … كلها أحكام … ليست أحكام الطبيعة بل هي أحكام … بعضها عالم وبعضها جاهل، هل هذه أحكام الطبيعة؟ لا، لا علاقة لها بالطبيعة، بل هي أحكام الأفراد. وهنا تنقسم القضية إلى شخصية وخارجية وحقيقية، هذا القسم. الذي أنا أعتقد عموماً أو لا أقل – وإلا الكثير من المحققين ملتفتين- عموماً الأصوليون عندما يبحثون أن القضايا الشرعية قضايا حقيقية أو ليست حقيقية لا يعلمون البحث أين، أي قضايا يتكلمون عنها؟ الجواب: تقسيم القضايا إلى شخصية وخارجية وحقيقية مقسم هذه الأقسام ما هو؟ لا القسم الأول من القضايا ولا النحو الأول من القسم الثاني وإنما النحو الثاني من القسم الثاني.

حتى إذا وصلنا في يوم إلى بحث القضايا الحقيقية تعرفون محل الكلام أين.

ما هو الفرق بين هذه القضايا الثلاثة؟ إجمالاً وبنحو الفتاوى، عبروا عنها فتاوى منطقية، ولهذا نحن لا نحتاج إلى الفتاوى الفقهية فقط، بل نحتاج إلى فتاوى عقائدية وفتاوى فلسفية وفتاوى … التي يعبرون عنها الآغايون بأنها أصول موضوعة، ماذا يعني بأنها أصول موضوعة؟ يعني أفتى فيها جماعة في محلها، ولا أعلم ما هي.

ما هو الفرق؟ في القضية الخارجية النظر إلى شخص معين في الخارج، زيد أمامي أقول زيد قائم، هذه قضية شخصية، وهذه هي التي لا يعتمد عليها في الاستدلال المنطقي ويقولون أنها لا كاسبة ولا مكتسبة، والبعض يتصور أن المراد القضية الخارجية، لا، القضية الشخصية لا كاسبة ولا مكتسبة. وإلا القضية الخارجية فهي كاسبة ومكتسبة أيضاً وهذا يأتي في المنطق.

ما هي القضية الخارجية؟ في القضية الخارجية ليس النظر إلى شخص، وإنما النظر إلى نسبة موجودة لشخص في الخارج. فإذا كانت نسبة الشخص إلى شيء بالفعل فنقول أنها قضية خارجية، ولا فرق أن هذه النسبة الفعلية بين المحمول وبين الموضوع أن تكون في المضي أو في الحال أو في الاستقبال، ولكن أنتم ارجعوا إلى القضايا الخارجية يضربون أمثلة في القضايا الشخصية. هذه لست قضايا خارجية وإنما هي قضايا شخصية. أما في القضايا الخارجية النظر إلى فعلية النسبة بين المحمول والموضوع نسميها قضية خارجية أعم من أن تكون في المضي أو في الحال أو في الاستقبال.

القضية الحقيقية ما هي؟ الجواب: في القضية الحقيقية يكون النظر إلى النسبة القائمة أو المتصور بين الموضوع والمحمول أعم من أن تكون بالفعل أو أن تكون بالقوة. ولا تختلف من حيث الحال والمضي والاستقبال، الخارجية والحقيقية حال مضي استقبال كلاهما شاملة. الفرق بينهما في ماذا؟ في أنه في الخارجية النسبة بالفعل وفي الحقيقية أعم مما بالفعل ومما بالقوة. وهذا معنى قولهم أن الحقيقية مآلها إلى شرطية، لأنها فيها بالقوة. هذه كانت فذلكة وفائدة، وإلا لا ربط لها بالبحث.

إذن إلى هنا اتضح لنا الأصل الثالث وهو أنواع القضايا بلحاظ الموضوع، قلنا ينقسم إلى قسمين: الموضوع بما هو مفهوم والموضوع بما هو محكي المفهوم، والأول على نحوين والثاني على نحوين. والذي ينفعنا في المقام وفي محل كلامنا هو النحو الثاني من القسم الأول. وسأقول بعد ذلك لماذا هذا ينفعنا.

الأصل الرابع: في هذا الأصل الرابع من الأبحاث المهمة التي أنتم تذهبون إلى الفقه تعيشون معها إلى الأصول تعيشون معها، فلسفة منطق تفسير كلام … أينما تذهبون تجدون بأنه هذه ملازمة لطالب العالم مذ صار طالب علم بالحمل الشائع إلى أن يرحل من هذا العالم، ما هو؟

وهو المعقول الأولي والمعقول الثانوي، أنتم تعلمون أنه الآن يقولون هذا معقول أولي وذاك يقول معقول ثانوي. ما هو المراد من المعقول الأولي والمعقول الثانوي إجمالاً؟

المعقول الأولي والمعقول الثانوي مشترك لفظي بين المنطق والفلسفة. يعني أن المعقول الثانوي في المنطق شيء والمعقول الثانوي في الفلسفة شيء آخر. كلاهما معقول، طبعاً المعقول يعني المفهوم، المفاهيم أعم من الكلية والجزئية، ولكن المقصود من المعقول يعني المفهوم. المعقول الأولي لا ربط لنا به كثيراً، وإنما الكلام في المعقول الثاني.

في المعقول الثانوي يوجد اشتراك لفظي بينما يقوله الحكيم وبين ما يقوله المنطقي. من قبيل الاشتراك المعنوي … مفهوم الوجود مشترك لفظي أو مشترك معنوي؟ ما المراد من المشترك المعنوي؟ نذهب إلى كتب اللغة والبلاغة لنعرف ما هو الفرق بين المشترك اللفظي وبين المشترك المعنوي؟ الجواب: كلا، إن الفيلسوف له اصطلاحه في المشترك المعنوي والمشترك اللفظي، أصلاً اللغوي مرتبط بعالم الألفاظ يقول اللفظ إذا وضع مرة أو إذا وضع كذا … معنى واحد وضع له لفظ واحد أو … والفلسفة لا تبحث عن الألفاظ ولا علاقة لها بالألفاظ وإنما الفلسفة لها علاقة بعالم المفاهيم. إذن المشترك المعنوي والمشترك اللفظي مشترك لفظي بين اللغوي وبين الفيلسوف.

إذن هنا نرجع إلى بحثنا، المعقول الأولي الثانوي في اصطلاح البحث الفلسفي هو مشترك لفظي مع المعقول الأولي والثانوي باصطلاح المنطقي.

ما هو المراد من الفلسفة؟ إجمالاً … ما هو المراد من البحث الفلسفي أو المعقول الأولي والثانوي في البحث الفلسفي؟ في المعقول الأولي والثانوي في البحث الفلسفي ما له بإزاء في الواقع العيني، لا في الواقع النفس الأمري، ما له بإزاء في الواقع العيني وما ليس له بإزاء في الواقع العيني. فما له بإزاء يسمونه معقول أولي، وما ليس له بإزاء يسمونه المعقول الثانوي.

هذا البحث واضح، الماهية معقول أولي أو الوجود معقول أولي؟ الجواب: على أصالة الماهية المعقول الاولي الماهية، الوجود ماذا يكون؟ هل له بإزاء أو منتزع من ذاك؟ منتزع، يصير معقول ثانوي. وأعكس الأمر على أصالة الوجود فيكون مفهوم الوجود معقول أولي لأنه له ما بإزاء وهو الأصيل، هو الذي يملأ الأعيان والماهية منتزعة منه فتكون معقول ثانوي.

يعجبني أنا الآن أن تذهب إلى من يتكلم وليس من أهل الاختصاص تجده هو قائل بأصالة الوجود ولكن عندما يأتي إلى مفهوم الوجود يقول معقول ثانوي. هذا معقول ثانوي على مبنى أصالة الماهية أما على مبنى أصالة الوجود المعقول الثانوي … أنتم تابعوا عندما تقرءون الكتب حتى تلتفتون.

أو عندما تقول الآن هذا الشيء الذي فوقي السقف فوق، السقف عرفنا أنه ما بإزاء، فوق أين؟ فلهذا الفوقية تكون منتزعة من … ولكن التفتوا لي جيداً في الفلسفي الأولي والثانوي كلاهما منتزعان من الخارج. كلاهما منتزعان من الخارج. نعم، واحد منتزع ما بإزاء له والآخر منتزع وليس له ما بإزاء، وإلا كلاهما من الخارج. هذه خصوصية.

الخصوصية الثانية أو وصف الأولي والثانوي هذا وصف المعقول أو وصف متعلقه؟ ليس المعقول، المعقول لم يصر أولي ولا ثانوي، متعلقه له ما بإزاء أو ليس له ما بإزاء؟ وإلا كلاهما منتزع من الواقع الخارجي. يعني بلحاظ محكيه يصير أولي وثانوي، وإلا المفهوم بما هو مفهوم كلاهما ينتزع من الخارج. إذن وصف الأولي والثانوي في الفلسفي وصف بحال نفس الموصوف أو بحال متعلق الموصوف؟ بحال متعلق الموصوف وكلاهما ينتزع من الخارج ولكن أحدهما ينتزع مما له ما بإزاء والثاني ينتزع من منشأ انتزاع، لماذا سمي أولي وثانوي، اعكسه؟ يقول: لا، لأنه إذا لم يكن له ما إزاء فلا معنى لأن ينتزع مما له منشأ، منشأ الانتزاع مقدم على الأمر المنتزع.

هذا ا لبحث أعزائي إذا أردتم مراجعته في (شرح المنظومة للسبزواري، القسم الأول من الجزء الثاني، ص166) للشيخ الأستاذ الشيخ حسن الآملي، لأنه هناك يقول: (غرر في تعريف المعقول الثاني وبيان الاصطلاحين فيه) قيد المعقول الثاني يوجد فيه اصطلاحين، وهو كذلك، لأن المعقول الأول كلاهما مأخوذ من الواقع الخارجي، المعقول الثاني يختلف، واحد مأخوذ من الخارج ولكن من منشأ انتزاعه وواحد مأخوذ من شيء آخر وسيأتي.

هناك يقول: (فمثل شيئية أو إمكان معقول ثان جاء بمعنى ثان يعني إذا عرفت عقد الاصطلاحين في المعقول الثاني لا تختلط كما خلط بعضهم الاصطلاحين في فهم كلام العلامة الطوسي فإنه حيث قال الجوهرية والعرضية والشيئية وغيرهما من المعقولات الثانية أراد المعنى الثاني) يعني أراد المعنى الفلسفي وهم تصوروا أنه أراد المعنى المنطقي.

(وتوهم ذلك البعض أن لا معنى له … فقدح في كلامه …).

أما تعالوا إلى المنطقي، وهو المعروفة بالمعقولات الثانية المنطقية، فلهذا لو سأل سائل ما هو موضوع علم المنطق؟ الجواب: موضوعه هو المعقولات الثانية المنطقية. لا المعقولات الثانية الفلسفية. ذاك موضوع علم الفلسفة. ما هي خصائص هذه المعقولات؟

أولاً: وصفه بالأولي والثانوي أو لا أقل وصفه بالثانوي وصف بحال نفس الموصوف، المعقول هو ثانوي، في قبال المعقول هو المعقول أولي. لا بلحاظ محكيه. هذا أولاً ولكن هذا فرق في الاصطلاح. النقطة الثانية وهي التي تهمنا هنا في البحث وهو أنه تأتي مجموعة من المفاهيم على الطريقة المتعارفة التي من الخارج وتنتهي إلى الذهن التي قلنا نحن في الأصل الأول هذا الكلام تام أو غير تام؟ قلنا أنه غير تام لأن المفاهيم التي تأتي من عالم آخر لا من عالم الخارج. الآن نحن نمشي إلى ممشى القوم وهو أنه هذه أتت من الخارج. جاءت مجموعة من المفاهيم عندي.

الذهن عنده هذه القدرة، يأتي إلى هذه المفاهيم التي جاءت إلى الذهن فيتعامل معها تعامل الذهن مع الخارج العيني، يعني ماذا؟ يعني تلك مصداق وهذه تكون مفهوماً لها، يجعل المفهوم محكياً فيعطي أحكام المفاهيم الموجودة في الذهن، لا يريد أن يعطي أحكام الخارج، أبداً علاقته ليست بالخارج بل علاقته بعالم الذهن، يعني إذا أردنا أن نتكلم بلغة أخرى وباصطلاح آخر الذهن الذين يتكون من مرتبتين مرتبة منه حاكية ومرتبة محكية. مرتبة منه مفهوم ومرتبة منه مصداق، وإن كان هذا المصداق هو أيضاً مفهوم لشيء آخر. ولكن هو كيف يتعامل معه؟ يتعامل بما هو مفهوم أو بما هو مصداق؟ يتعامل بما … يقول هذه المفاهيم التي أتت إلى الذهن لها أحكام مشتركة أو لها أحكام مختصة. مثلاً يأتي إلى مفهوم زيد الذي أخذه – على المشهور- من الخارج، هذا المفهوم يسأل عنه ويقول أن هذا مفهوم كلي أو مفهوم جزئي؟ ماذا يقول كلي أو جزئي؟ يقول: جزئي. لأنه زيد ينطبق على كثيرين مفهوم زيد ينطبق على كثيرين أو لا ينطبق على كثيرين؟ لا ينطبق على كثيرين فهو جزئي. يأتي إلى خالد يسأل هذا مفهوم جزئي أو كلي؟ جزئي. إذن زيد جزئي وخالد جزئي وعمروا جزئي وبكر جزئي. فجزئي هذا المفهوم كلي أو جزئي؟ كلي بلحاظ ماذا؟ هذا المفهوم مفهوم الجزئي كلي أو جزئي؟ كلي، بلحاظ ماذا؟ لا بلحاظ الواقع الخارجي، هو لا يتكلم عن الواقع بل يتكلم عن … إذن في عالم المفاهيم أيضاً عندك حاكي وعندك محكي، كما عندك في عالم المفاهيم … كما عندنا حاكي ومحكي واقعي نفس أمري أو واقعي عيني في عالم المحكيات أيضاً عندنا محكي هو في واقعه مفهوم أو نفس أمر وواقع عيني؟ لا، مفهوم من المفاهيم.

ولذا هذا المعنى بشكل واضح وصريح في (الأسفار، ج1، ص332) (الفصل الثاني من تتمة أحكام الوجود في أن الوجود على أي وجه يقال أنه من المعقولات الثانية وبأي معنى يوصف بذلك) يقول: (المعقولات المعاني المنطقية والمفهومات الميزانية التي هي في الدرجة الثانية من المعقولية) لأن المفاهيم المأخوذة من الخارج هذه بتوسط مفهوم آخر أخذت أو بلا توسط مفهوم آخر، يعني زيد أخذ من الخارج بتوسط مفهوم أو بلا توسط مفهوم؟ بلا توسط، ولكن تجعل مفهوماً يتوسط للحصول على مفهوم آخر، ولذا قال: (وهي في الدرجة الثانية من المعقولية) ليس مرادهم من الثانية يعني في قبال الثالثة والرابعة، إذن ما هو مقصودهم من الثاني؟ يعني ما ليس بأول. وإلا ولعله يكون المعقول التاسع هو. يعني أنت هذا المفهوم … بعبارة أخرى الضابط في المنطق هذا: وهو الأولي ما لم يتوسط مفهوم آخر للحصول عليه، أما في الثانوي ما توسط مفهوم آخر، سواء كانت الواسطة واحدة أو كانت مئة واسطة، كلها معقول ثاني، معقول ثاني، يعني ما ليس بأول، ليس ثاني في قبال الثالث والرابع والعاشر … ما ليس بأول. هنا في المعقولات المنطقية. لأنه في بعض الأحيان … انظروا إلى هذه القضية مفهوم أخذته من الواقع العيني بأي طريق أخذته، صار مفهوم في الذهن، فتنظر إليه بعنوان أنه مصداق فتنتزع منه حكماً فتعطي لهذا المفهوم فيصير هذا المفهوم الثاني حاكٍ عن هذا المفهوم الأول بعنوان محكيه، ثم ترجع إلى المفهوم الثاني فتجعله مصداقاً لمفهوم ثالث، وهكذا يتسلسل إلى ما شاء الله، لا مشكلة في ذلك.

يقولك (هي المحمولات) ما هي المعقولات الثانوية الميزانية أو المنطقية؟ (وهي المحمولات والعوارض العقلية التي يكون مطابق الحكم والمحكي عنها في حملها على المفهومات) إذن مطابقها في الواقع الخارجي أو في الواقع النفس الأمري أو أن محكيها في الذهن؟ فالحاكي ذهني والمحكي ماذا … ولكن مع اختلاف اللحاظ، الحاكي بما هو مفهوم والحاكي بما هو مصداق وبما هو محكي.

إلى أن يقول: (إذ قد تحقق لك أن المعقولات الثانية) في اصطلاح المنطقي (هي ما يكون مطابق الحكم بها) مطابق يعني المصداق (هو نحو وجود المعقولات الأولى في الذهن). إذن عندك مفهوم مطابق يصير ثانوي، مصداقه أين؟ مطابقه أين؟ في المعقول الأولي مطابقه الخارجي، في المعقول الثانوي مطابقه في الذهن. يقولك (وهذا هو المراد بقولهم المعقولات الثانية مستندة إلى المعقولات الأولى). مستندة يعني منتزعة من المعقولات. إذن أولي وثانوي وصف بحال نفس الموصوف أو متعلق الموصوف؟ نفس المعقول صار أولي ونفس الموصوف والمعقول صار ثانوياً، لا بلحاظ محكيه.

هذا البحث من أراد مراجعته تفصيلاً تجده في (شرح المنظومة) هذا مختصر المنظومة بترجمة السيد عمار أبو رغيف، مؤسسة أم القرى. يبدأ هذا البحث من (ص117) وهو تعريف المعقولات الثانية والفرق بينها وبين المعقولات الأولية. وفي (ص124) يقول: (اصطلاح الفلاسفة في تعريف المعقولات الأولية والثانوية).

إلى هنا اتضحت هذه الأصول الأربعة، تعالوا نرجع إلى إشكاليتنا في الوضع العام والموضوع له الخاص ونرى أن المشكلة أين وقابلة للحل أو غير قابلة للحل، وإنما ذكر في كلمات الأعلام وكبار أصوليينا هل أنه تام أو أنه فيه إشكالات كثيرة، هذه لابد أن يلتفت لها. ومنه سيتضح لكم أن مثل هذه الأبحاث ينبغي على من لا خبرة له بالبحث الفلسفي والمنطقي يأتي إلى المحققين يقول وفي هذه المسألة نقلد فلان الذي قال بإمكان الوضع العالم والموضوع له الخاص. وهناك بحث في باب الاجتهاد والتقليد قال بأنه إذا كان الفقيه مقلداً في المباني الأصولية ولكن كان قادراً على تطبيق المباني الأصولية واستنباط الأحكام الفرعية والفقهية منها هل هو مجتهد أو ليس بمجتهد، هذه المسألة معنونة. أنت أذهب واختار مبنى أنه لا مشكلة أن يكون في الأصول مقلد وفي الفقه مجتهد، كما أنكم قبلتم أن تصيروا مقلدين في أبواب كثيرة، كما قلتم في حجية قول اللغوي وحجية قول النحوي، أن هذا هنا يكون منصوب أن مرفوع، هذا هل اجتهدت فيه؟ نعم، قد يكون أحد مجتهد ولكنه عموماً تأخذها من سيبويه ومن ابن عقيل وغيرها. وهكذا في البحث البلاغي وغيرها وغيرها. هذه أنت مجتهد فيها؟ هل هناك من يدعي أنه مجتهد في كل هذه، وإذا قلت له النتيجة تتبع أخس المقدمات، يقول لا، مع تعدد الوسائط تنخرم هذه القاعدة. تقول له في الأصول. يقول: لا، هذه مقدمة قريبة ومقدمات القريبة … إذن حلها، ولعل أفضل من وجدت قد بحث هذه المسألة السيد رضا الصدر، عنده كتاب في الاجتهاد والتقليد من أفضل الكتب في الاجتهاد والتقليد. السيد رضا الصدر أنا بالدقة المتن والشرح أيضاً علقت عليها. هناك طرح هذا العنوان في النتيجة أن هذه القاعدة أن النتيجة تتبع أخس المقدمات أين حدها؟ فإذا فتحت أفقك تقول لا مشكلة في الأصول مقلد وفي الرجال مقلد وفي النحو مقلد، تقول: مجتهد أين؟ يقول: في تطبيق هذه على هذه.

أين الإشكالية كانت في الوضع العام والموضوع له الخاص، أين كانت الإشكالية؟

حتى لا أطيل على الأعزاء كثيراً أنا سأقرأ الإشكالية مرة أخرى من كلام السيد الشهيد وهو أوضح من بين الإشكالية في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص88) أقرأ لكم الإشكالية حتى تتضح لكم ما هي. لأقدم مقدمتين:

أولاً: أن المفهوم لا يحكي إلا مصداقه الخاص، هل يمكن لمفهوم أن يحكي غير مصداق؟ هذا محال. هذا أصل.

الأصل الثاني: أن المفهوم لا يحكي عن مفهوم. نعم، الحق معهم أن مفهوماً لا يحكي عن مفهوم بما هو مفهوم. نعم، مفهوم يحكي عن مفهوم ما هو … هذا بحثه سيأتي وهذا ما لم يلتفت له أعلامنا، هذا الأصل الثاني وهو أن المفهوم لا يحكي مفهوماً آخر بما هو مفهوم. هذا القيد مني حتى تتم الإشكالية.

المقدمة الثالثة: أن الوضع عموماً بين اللفظ وبين المفهوم لا بين اللفظ وبين المصداق الخارجي. يعني أنت عندما تريد أن تضع لفظاً لمعنى ليس لفظاً لمعنى بلحاظ مصاديقه الخارجية لأنه لا توجد علاقة بين أمر ذهني وأمر خارجي، وإنما العلاقة بين أمر ذهني وهو اللفظ وأمر ذهني آخر وهو المعنى. على هذا الأساس يستحيل الوضع العام والموضوع له الخاص. لماذا؟ لأنه اللفظ نريد أن نضعه لخارج أو لمفهوم؟ لمفهوم. وإذا تصورت المفهوم العام يمكن أن يحكي المفهوم الخاص أو لا يمكن؟ إذن كيف تضع اللفظ للمفهوم. تقول: كل مفهوم يحكي عن مصاديقه وجه من وجوه مصاديقه. الجواب: نعم، عن مصاديقه الواقعية النفس الأمرية لا عن المفاهيم الأخرى، وعالم الوضع مرتبط بعالم المفاهيم، لا بعالم المفهوم والواقع. والإشكالية الحق والإنصاف إشكالية منهجية وعلمية.

اليوم نقرر مطلب سيدنا الشهيد. يقول: (وقد يعترض على هذا التقريب) البيان الذي ذكر (أن المفهوم الكلي للإنسان مثلاً وغيره من المفاهيم الكلية) المفهوم في الذهن إما كلي كالإنسان وإما جزئي كزيد، كلي كإنسان وجزئي كزيد، (منتزع عن الواقع الخارجي لهذا المفهوم بلحاظ الحيثية المشتركة المحفوظة في ضمن الأفراد) في الأصل الأول تبين أن هذا الكلام تام منهجياً أو غير تام؟ هذا غير تام. (والمفاهيم الجزئية لزيد وعمر وخالد منتزعة عن ذلك الواقع الخارجي أيضاً بلحاظ الحيثية المميزة) إذن ما الفرق بين الإنسان وزيد مع أن كلاهما مفهوم الإنسان مفهوم وزيد مفهوم؟ الجواب: هذا منتزع من الواقع الخارجي وذلك أيضاً منتزع من الواقع الخارجي ولكن أحدهما بلحاظ الجهة المشتركة والأخرى بلحاظ الجهة المختصة. هذه مقدمة. إذن المفاهيم جميعاً كلية كانت أو جزئية منتزعة من الواقع الخارجي، هذه مقدمة. والمقدمة الثانية … والألفاظ إنما تقوم العلاقة الوضعية بينها وبين المفاهيم لا بينها وبين الواقع الخارجي … لا فرق بين أن تكون كلية أو أن تكون جزئية. اللفظ إنما تقوم العلاقة بينه وبين مفهوم كلي ومفهوم جزئي (وبين المفاهيم سواء كانت كلية أو جزئية لا بينها وبين الواقع الخارجي المحكي لتلك المفاهيم ابتداء كما هو واضح. سواء كانت كلية أو كانت جزئية.

الآن أنا جئت – هذه هي الإشكالية- وتصورت المعنى العام أريد أن أضع اللفظ للمعنى العام، لا إشكال فيه لأنه من الوضع العام والموضوع له العام. تصورت المعنى الخاص الجزئي ووضعت اللفظ للجزئي والخاص من الوضع الخاص والموضوع له الخاص ليس فيه إشكال. ولكن إذا تصورت المعنى العام وأريد أن أضع اللفظ للمعنى الخاص، المعنى العام يحكي المعنى الخاص أو يحكي مصاديقه الخارجية؟ إذن لم أتصور المعنى الخاص، فيكون وضع اللفظ بلا تصور المعنى والتالي باطل فالمقدم مثله. ولذا السيد الشهيد+ يقول: هذا الذي يتصور الوضع العام ويريد أن يضع اللفظ للخاص عنده ثلاث أو أربع شقوق: الشق الأول (فعند إرادة الوضع العام والموضوع له الخاص هذا الواضع ماذا استحضر في ذهنه؟ إن استحضر الواضع نفس مفهوم زيد ووضع اللفظ له فهذا خلف أن الوضع عام والموضوع له …) هذا لازمه أن الوضع خاص والموضوع له خاص، لأنه من الوضع الخاص والموضوع له الخاص (وإن استحضر مفهوم الإنسان) الآن يضع اللفظ بإزاء ماذا؟ فإن وضع اللفظ بإزاء الإنسان، هذا من الوضع العام والموضوع له العام، وإن وضع اللفظ بإزاء مصاديقه مصاديقه أمور خارجية وليست معاني جزئية، فيمكن وضع اللفظ؟ فتوجد علاقة أو لا توجد علاقة؟ يقول: (فإن استحضر مفهوم الإنسان فإذا وضع اللفظ له ملاحظاً إياه على وجه الموضوعية) على وجه الموضوعية يعني النحو الأول من القسم الأول من أقسام القضية، نحن سبق أن قسمنا في القسم الثالث وهو أن ننظر إليه، ما فيه ينظر. (كان من الوضع العام والموضوع له العام وهو خلاف المقصود، وإذا وضع اللفظ له) يعني الإنسان (ملاحظاً له بما هو فان في واقعه وحاكٍ عن الخارج) لازمه قيام العلاقة الوضعية بين اللفظ وبين المحكي والمحكي مفهوم أو واقع خارجي؟ (فهذا غير معقول في المقام لأن مفهوم الإنسان لا يكون فانياً في المفاهيم الجزئية بل هو فانٍ في مصاديقه العينية) بل في الواقع الخارجي المحكي بالمفهومين الكلي والجزئي … (فيؤدي) على هذا (إلى إقامة العلاقة الوضعية بين اللفظ والخارج ابتداء وهو باطل لأن طرف العلاقة الوضعية يجب أن يكون مفهوماً لا مصداقاً خارجياً). إذن إذا أردنا أن نحل الإشكالية ماذا لابد أن نفعل؟ عندنا طريق واحد؟ وهو أن نتصور المعنى العام بنحو يكون حاكياً عن معنى خاص. وهذا نحن تصورناه أو لم نتصوره؟ أين تصورناه؟ تصورناه في المعقول الثاني المنطقي. قلنا بأنه أساساً الحاكي مفهوم والمحكي مفهوم. إذن هذا إجمال القضية وسيأتي تفصيله.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات