الأخبار

المحاضرة (87)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

كان الحديث في ما ذكره المحقق العراقي في تصوير القسم الثالث وهو تصور أو لحاظ العام ووضع اللفظ للخاص، في مقام هذا التصوير حاول المحقق العراقي أن يشير إلى أنحاء ثلاثة من المفاهيم:

النحو الاول من المفاهيم: وهي المفاهيم العامة التي تحكي الجزء المشترك الماهوي، كالحيوان أو الإنسان بالنسبة إلى أفراده أو الحيوان بالنسبة إلى أنواعه. من الواضح بأن هذا المفهوم يحكي مصاديقه وأفراده ولكنه إنما يحكي الجزء المشترك لا الجزء المختص.

النحو الثاني من المفاهيم: هي تلك المفاهيم التي تحكي أيضاً الجزء المشترك ولكنها ليست معقولات ماهوية، وإنما هي معقولات بحسب الاصطلاح فلسفية، فلهذا ليست هي ذاتية بمعنى باب الإيساغوجي وإنما هي ذاتية بمعنى باب البرهان.

النحو الثالث من المفاهيم: أيضاً عامة، هذه المفاهيم أيضاً عامة ولكنها لا تحكي الجزء المشترك فقط، وإنما تحكي الشيء بتمام خصوصياته مع أنها عامة، وبهذا تمتاز هذه المفاهيم عن مفهوم زيد وعمر وبكر وخالد، فإن مفهوم زيد يحكي زيد إلا أنه لا يحكي غير زيد، فهي مفاهيم خاصة، أما هذه المفاهيم مفاهيم عامة ولكنها عامة وتحكي الأفراد بتمام خصوصياتها، وبهذا يتضح لنا أن المفاهيم العامة بنحو من الأنحاء تنقسم إلى ثلاثة أقسام وبنحو آخر تنقسم إلى قسمين، القسم الأول يحكي الجزء المشترك والقسم الثاني لا، لا يكتفي بالجزء المشترك وإنما يحكي الشيء بتمام خصوصياته. وهنا المحقق العراقي أنا قدمت هذه المقدمة وكررتها يرتب عليها بحثاً فقهياً، ما هو هذا البحث الفقهي؟ هذا البحث الفقيه اشار إليه في تقرير له اسمه وصل إلينا أخيراً هو (منهاج الأصول بتقريرات الشيخ محمد إبراهيم الكرباسي، ج1، 29) يقع في خمسة مجلدات، دار البلاغة، الطبعة الأولى 1411، يقول: (على هذا الأساس فلو كان متعلق الأمر هو العام من النحو الأول) العام من النحو الاول أعم من أن يكون ماهوي أو … يعني الذي يحكي الجزء المشترك (فلو كان متعلق الأمر من النحو الأول فلو قام المكلف بإتيان الفعل بعنوان الخصوصية لكان فعله بدعة) لماذا؟ لأن الأمر متعلقه هو الجزء المشترك، فالاتيان بالخصوصية لم يكن متعلق للأمر. فلهذا يقول: (فإنه على القسم الأول) مراده من القسم الأول يعني متعلقه الجزء العام بنحو الجزء المشترك (فلو أردت التقرب بالخصوصية فهو تشريع محض حيث أن تلك الخصوصية على ذلك التقدير غير متعلقة للأمر حتى لو أتيت بها قد امتثلت الأمر كما لو قال صل على الإطلاق فإنه لا يصح التقرب بخصوصية المسجدية لما عرفت من أن الخصوصية لم تدخل في حيز الخطاب وهذا بخلافه ما لو كان متعلق الأمر النحو الثاني) النحو الثاني ما هو؟ يعني الذي يشير … هو عام ولكنه يشير إلى الخصوصيات، ولكنه ليس الخصوصية الخاصة كزيد، لا، الخصوصية العامة (كما لو أردت بخلافه … لما عرفت من أن الخصوصية … بخلاف ما لو وقعت العناوين الإجمالية) هذه العناوين الإجمالية إشارة إلى هذا النحو الثالث الذي اشرنا إليه، لماذا عبر عنها إجمالية؟ لأنها في قبالها زيد وعمرو وبكر التي هي التفصيلية. قال: (بخلاف ما لو وقعت العناوين الإجمالية في حيز الأمر فأنه لك التقرب بتلك الخصوصيات كما لو قال صل في أحد المساجد) هذا أحد المساجد عنوان عام أو خاص؟ الجواب: عنوان عام، لم يقل في مسجد نمرة، لم يقل في المسجد النبوية، وإنما قال في أحد المساجد، ولكن هذا أحد أو أحدهما أو أحدهم هذا ليس من النحو الأول ولا هو من النحو الثاني، وهذا المعنى بشكل فني وأدق من هذه العبارة وردت في (مقالات الأصول، ص76) والتي هي بقلمه، قال: (وربما يشهد لهذه الجهة من الفرض فرض وقوع العنوانين في حيز الخطاب حيث أنه لو كان المأخوذ ما كان من قبيل الأول والثاني) يعني النحو الأول والنحو الثاني (فلا شبهة أنه في مقام الامتثال ليس للمكلف قصد التقرب بالخصوصية … بخلاف العنوان الأخير فأن له التقرب بأي خصوصية يأتي بها ففي مثل هذه العناوين لا محيص من الالتزام بكونها من العناوين الإجمالية الحاكية عن الخصوصيات التفصيلية) بخلاف العناوين العامة تحكي عن الخصوصيات التفصيلية المختصة أو المشتركة؟ تحكي فقط المشتركة. (وحيث تكون نسبتها إلى الخصوصيات التفصيلية كنسبة الإجمال إلى التفصيل). هذا ما أشرنا إليه بالأمس وأضفنا إليه هذه النقطة.

ثم قلنا أنه عندما جئنا إلى كلمات الأعلام في فهم ما ذكره المحقق العراقي وجدنا أنه يوجد هناك فهمنان:

الفهم الأول: أن المفاهيم الثلاثة التي أشرنا إلينا سواء كانت تحكي المشترك أو تحكي الخصوصية هذه كلها منتزعة من الواقع الخارجي، كما كان فهم السيد الخوئي بالأمس اشرنا، في مقابل ذلك السيد الصدر يقول: لا، أنه هذا النوع الثالث ليس مفهوماً انتزاعياً بل مفهوم إنشائي اختراعي، ولعله أوضح ما بينه هو السيد الحائري كما أشرنا بالأمس في (ج1، ص112) قال: (بدعوى أن الجامع قد يكون أخذياً وانتزاعياً أي أن النفس تأخذه وتنتزعه من الأفراد بعد تقشيرها عن الخصوصيات) وقلنا هذا على المبنى المشهور في نظرية المشائين وإلا اساساً فليس معقول في نفسه (من قبيل جامع الإنسان الذي ينتزع من الأفراد بعد إلغاء خصوصيات الحجم واللون وغير ذلك، وقد يكون إنشائياً وإلباسياً) ينشئه وبتعبيرها يخيط ويفصل … ولهذا بعد ذلك السيد الشهيد سيشكل على هذا يقول أصلاً هذا معناه أن كل واحد يفصل له عنوان ويجعله على واقع خارجي ويلبسه … هذا لازمه لا يستقر حجر على حجر. (وقد يكون إنشائياً وإلباسياً بمعنى أن النفس تنشأ ذلك الجامع إنشاءً وتلبسه على الأفراد وذلك من قبيل عنوان الفرد وعنوان الخاص وعنوان أحد المساجد) الذي هو ضرب المثال (أو عنوان أحدهما في العلم الإجمالي ونحو ذلك مما ليس مأخوذاً من الأفراد والخصوصيات بالتقشير بل هو عنوان تنشئه النفس إنشاءً وتخترعه اختراعاً وتلبسه على الأفراد والخصوصيات فالنفس التي هي المنشئة لهذا الجامع والمخيطة له تخيطه بنحو) هذه نص عبارات السيد في الدرس، يعني لا يتبادر أن هذا تقرير، السيد كان يتكلم بهذه الطريقة، مع حذف بعض الكلمات هنا وهناك كان يصلح أن يكون هناك كتاب. قال: (تخيطه بنحو ينطبق على الفرد بتمام خصوصيات) أحد المساجد أنت ضع يدك على أي مسجد ينطبق عليه أحد المساجد، لا أنه ينطبق الجزء المشترك، المسجد بما له من الخصوصيات ينطبق عليه أحد المساجد (فجامع من هذا القبيل يعقل أن يكون حاكياً عن الأفراد بخصوصياتها، فيتصور الواضع العام) ولكن أي عام؟ ليس العام بالنحو الأول ولا العام بالنحو الثاني وإنما العام بالنحو الثالث ويضع اللفظ لأحد أفراده، وهذا اللفظ حاك عن تمام الأفراد أو ليس بحاكٍ؟ نعم، عن تمام خصوصيات الأفراد حاكٍ.

(فيتصوره الواضع ويضع اللفظ للأفراد فالمحقق العراقي …).

قلنا بأنه توجد قراءتان وفهمان، وإلا عبارة السيد الخوئي في (المحاضرات، ص50) قال: (وأما العناوين الكلية التي تنتزع من الأفراد والخصوصيات الخارجية كمفهوم الشخص والفرد والمصداق) إذن يجعل هذا النحو الثالث عناوين انتزاعية كما هو الحال في النحو الأول والنحو الثاني.

فالحق مع من، الحق مع الأول أو مع الثاني؟

مداخلة لأحد الطلبة: …

لا، إن شاء الله إذا سمح الوقت أبين ماذا يقول العراقي في العلم الإجمالي، العراقي في العلم الإجمالي يقول بأنه العلم متعلق بالواقع لا بالفرد المردد ولا بالجامع، هذا إن شاء الله سأبينه إذا سمح الوقت.

الحق مع من، الحق مع السيد الخوئي عندما عبر أنه عناوين كلية انتزاعية أو الحق مع السيد الشهيد الذي عبر عناوين كلية إنشائية اختراعية الباسية؟

أنا بيني وبين الله راجعت عبارات صاحب المقالات، في المقالات وجدتها وفي غير المقالات لم أجد عبارة للمحقق العراقي، أنا أقرا لكم ثلاث مقاطع أو ثلاث عبارات من المحقق العراقي في (المقالات، ج1، ص76 و 77) أنا أقرأ العبارات والحكم لكم. يقول: (ومرجعها) مرجع هذا النحو الثالث من العناوين الكلية التي هي تحكي عن تمام الخصوصيات الفردية لا أنها عن الجزء المشترك، مرجع الضمير هناك (ومرجعها في الحقيقة إلى اختراع نفسي صورة إجمالية قبال الصورة التفصيلية المنتزعة عن كل خصوصية خارجية). أتصور العبارة واضحة جداً، وهو أنه عندما نأتي إلى الصور التفصيلية يعني زيد وبكر عمر وخالد هذه إنشائية أو منتزعة؟ هذه منتزعة مأخوذة من الواقع الخارجي، أما هذه الصورة الإجمالية التي نسبتها إلى هذا التفصيل نسبة الإجمالي إلى التفصيل ماذا يعبر عنها؟ لا يعبر عنها انتزاعية وإنما يعبر عنها إنشائية، يقول: (مرجعها في الحقيقة إلى اختراع نفسي صورة إجمالية في قبال الصورة التفصيلية).

العبارة الثانية يقول: (فلا يبقى حينئذ مجال دعوى أن المفهوم الواحد) هنا قد يرد إشكال على فهم السيد الخوئي لعبارة العراقي، وهو أنه هذا المفهوم الواحد من أين انتزع، إذ انتزع من هذا الفرد لا ينطبق على هذا، وإن انتزع من ذاك فلا ينطبق على ذاك، وإن انتزع من الخصوصيات المتباينة لزم انتزاع الواحد من الكثير، فلابد من فرض جهة جامعة فيما بينها حتى ينتزع … إذن هذا المفهوم الثالث أيضاً يكون ممثلاً وحاكياً عن الجزء المشترك لا عن الجزء المختص، ولذا هو بعد أن ذكر العبارة الأولى قال: (فلا يبقى حينئذٍ مجال دعوى أن المفهوم الواحد كيف ينتزع عن أمور متعددة متباينة فلابد وأن يكون بجامع ولو عرضي زائداً على الخصوصيات) يعني يكون جامع مشترك (محفوظاً فيها … إذ ذلك كذلك) هذا الإشكال يرد لو كانت أمثال هذه العناوين، التي هي من النحو الثالث أن هذا الإشكال إنما يرد (إذ ذلك كذلك لو كانت أمثال هذه العناوين أيضاً من المنتزعات عن الخارجية) هذا الإشكال إنما يرد علينا لو كنا نقول أن النحو الثالث من المفاهيم أيضاً منتزع عه الخارج فيقال منتزع من هذا بخصوص فكيف ينطبق على هذا من ذاك بخصوص … تقول منها بما لها من الخصوصيات، أقول انتزاع الواحد من الكثير. إذن لابد من جامع مشترك فرجع إلى النحو الأول.

إذن كيف تنحل المشكلة شيخنا؟ قال: (وإلا مخترعات الذهنية) هناك عبر مرجعها في الحقيقة إلى اختراع، وهنا يقول مخترعات (ففي المخترعات الذهنية أمكن تصور مفاهيم إجمالية قابلة للتطبيق على تمام الخصوصيات التفصيلية خارجاً). هذه العبارة الثانية التي بها يدفع إشكال كيف ينتزع الواحد من الكثير بما هو كثير.

والجواب: أنه سالبة بانتفاء الموضوع يقول أنا لم أنتزع، أنا تصورت هذا الكثير فوضعت لها جامعاً، اخترعت لها جامعاً.

العبارة الثالثة التي وردت في هذا المجال قال: (كيف وقد أشرنا إلى أن كل مفهوم إنما يحكي … ففي الحقيقة) هذه عبارته الأخيرة بعدما يرتب المطالب (ففي الحقيقة الحكاية عن الخاص) من الذي يحكي عن الخاص (هو المفهوم الإجمالي) الذي هو النحو الثالث (المخترع في النفس بإزائه) بإزاء الخاص (وإنما شأن المفاهيم التفصيلية) إذن لا أقل في مواضع ثلاثة يصرح المحقق العراقي أن هذه المفاهيم من النحو الثالث ليست انتزاعية كما عبر السيد الخوئي وتبعه على ذلك السيد الروحاني وتبعه على ذلك الشيخ الفياض وكل من كتب. ولم يراجع أحد منهم عبارات المحقق العراقي، أن المحقق العراقي يصرح لا أقل في ثلاثة مواضع أن هذه ليست انتزاعية وإنما هي اختراعية إنشائية، وبتعبير السيد الشهيد في تقريرات السيد الحائري، إلباسي، وهو تعبير لطيف الباسي.

إذن إلى هنا اتضح بأنه الحق أن المحقق العراقي يريد أن يقول الفهم الثاني لا الفهم الأول.

السؤال الآخر الذي لابد أن يشار إليه وهو أنه أساساً هل أن هذا البيان والتصوير الذي ذكره المحقق العراقي تام لحل إشكالية القسم الثالث أو ليس بتام؟

من الواضح في كلمة واحدة أن السيد الخوئي وجد أن هذه الإشكالية تنحل ببركة كلام المحقق العراقي، ولذا قال (وبتعبير آخر … فهي تحكي) وقال أن المشكلة تنحل بالبيان الذي ذكره المحقق العراقي، فهل أن هذا تام أو لا؟

أعزائي ارجع إلى الوراء خطوة أو خطوتين، إذا تتذكرون أن إشكاليتنا في القسم الثالث كانت متقومة بركنين:

الركن الأول: كيف نتصور المعنى العام ونضع اللفظ للخاص. لأن العام لا يحكي إلا عن الجزء المشترك ونحن نريد أن نضعه للخاص والخاص متصور بالعام أو غير متصور؟ غير متصور. هذا هو الركن الأول من الإشكالية والذي المحقق العراقي بيني وبين الله ملتفت له، لا يتبادر إلى الذهن أنه غير ملتفت إلى هذه الإشكالية، ولذا في أواسط (ص77) قال: (وقد أشرنا إلى أن كل مفهوم لا يحكي إلا عما بإزائه من الجهة الخارجية) والمفهوم العام، العام بالنحو الأول أو بالنحو الثاني، يحكي عن الجهة المشتركة، فهل يمكن أن يحكي عن الجهة المختصة أو لا يمكن؟ إذن لم يلحظ إذن لا يمكن وضع اللفظ له. (وحيث كانت الخصوصيات الزائدة عن هذه الجهة) يعني الجهة المشتركة (في أمثال هذه العمومات فلا مجال لحكايتها بالعمومات) لا إجمالاً ولا تفصيلاً في عالم … وهذا الذي جاء في كلمات السيد الخوئي أن المفهوم أي مفهوم إنما يحكي عن نفسه ولا يحكي عن غيره. وهذا هو نفسه الذي السيد إذا تتذكرون السيد الصدر في (تقريرات السيد الهاشمي، ص88) بينه ببيان فني، نفس هذا الإشكال، قال (وإن شئت قلت أن الجامع جزء تحليلي من الفرد والفرد هو المركب منه ومن الجزء الآخر) يعني المختص (ولا يمكن الاكتفاء بتصور الجزء) الذي هو الجامع (للوضع للكل الذي هو الخاص) يعني لا يمكن تصور العام الذي هو المشترك لأن نضع للخاص الذي هو المجموع من المشترك والمختص (فالوضع العام والموضوع له الخاص من قبيل أن يتصور الجنس أو الفصل فيوضع اللفظ للنوع، فكما لا يكفي تصور الجنس …).

هذا الركن الأول من الإشكال المحقق العراقي أجاب عنه بدقة وعلمية عالية جداً قال: نعم، إذا كان المفهوم من النحو الأول أو من النحو الثاني فأن العام لا يحكي الخاص، أما إذا كان المفهوم من النحو الثالث فأنه يحكي الخاص أو لا يحكي الخاص. واقعاً هذا يكشف لك أن هؤلاء كيف قضوا أعمارهم في ترتيب هذه الأفكار وتنظيمها كالرياضيات بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها. أنا من الناس أعتقد بها أنها لوحة فنية جميلة بغض النظر … إذن نظرت إلى لوحة تراها غير منتظمة … قد تكون هذه واقعية وهذه غير واقعية … ولكن بيني وبين الله هذا يقدم لوحة جميلة تجتذب الناس. ولذا علينا إذا أردنا هذه معارف أهل البيت ومعارف القرآن إذا أردنا إيصالها لا طريق لنا إلا أن نعرضها بأجمل صورة ممكنة وإلا أقسم لكم لو أنت مطالبك الحقيقية والواقعية لو كانت مطالب خاتم الأنبياء كما هي مطالبنا، ولكن عرضتها بصورة غير جذابة وغير فنية أقسم لك أن الناس يذهبون إلى الباطل لجذابيته. والحمد لله رب العالمين الأعزاء من المبلغين والخطباء هذه التفتوا لها، البيان،ولذا القرآن الكريم تكلم كثيراً عن العلم ولكنه عندما جاء إلى خصوصية الإنسان خصوصية مهمة، قال (علمه البيان) البعض يقول أن البيان لفظ أو النطق … أبداً أبداً، على ظاهره، لأن هذا هو أهم … إذا كان عندنا أجزاء العلة … أهم أجزاء العلة لإيصال المطالب هو البيان. هذا الرجل رتب القضية، هناك مثل … .

مقصودي إذن هذا الرجل … أنا في بعض الأحيان أجد أن المحدث يعطي لوحة عن تصوير فعل الله، الله فاعل وهذا العالم فعله، وهي لوحة، أنت تريد أن تصور فاعل وفعله، المحدث يعطيني صورة ولوحة عن هذه العملية، المتكلم يعطيني صورة، الفيلسوف المشائي يعطيني صورة، الحكيم في الحكمة المتعالية يعطيني صورة، العارف يعطيني لوحة، أنا في جملة من الأحيان كونوا على ثقة لأن هذه كلها اجتهادات نظرية، ولكن في بعض الأحيان أجد هذه اللوحة عرضها للناس تجتذب مئات الملايين ولعله إذا قلت أن هذا خلاف ظواهر الأدلة. أقول: نعم، خلاف ظواهر الأدلة، ولكن هذه تجتذبهم وتربطهم وجدانياً وعاطفياً. لا كذباً، لا تقولوا لي لنكذب لأن الغاية تبرر الوسيلة، أبداً لا، ولكنه عدة اجتهادات وعدة ألواح فنية أنت حاول أن تصور لعموم الناس عندما تكلمهم تكلمهم وبتعبير المحقق الطوسي يقول بأنه عندما تريد أن تتحدث عليكم بخصوصيتين: أولاً أن يفهمك العامة، يعني ماذا يفهمك؟ لا أن يفهموا فقط بل ينجذبوا ويعشوا. وثانياً: أن لا يعترض عليك الخاصة. أريد أن أربط بأهل البيت بولهم ودمهم طاهر … هذا مورد خلاف … هناك صور ولوحات فنية كثيرة في حياة الأئمة وأنت لم تجد ألا بوله ودمه. هناك روايات في البخاري شربوا بول النبي. بينك وبين الله هذه لوحة فنية تقدم للبشرية أن أمة محمد كانوا يشربون … هذه ليست لوحة قابلة للعرض.

ارجع إلى بحثي:

يقول (ثم أنه بعدما اتضح لك ذلك فنقول أن ما يصلح للإشارة إلى المصاديق في باب عموم الوضع وخصوص الموضوع له هو العناوين العامة الإجمالية) هذا يحل المشكلة، أما ما كان من النحو الأول ومن النحو الثاني يحل الإشكالية أو لا يحلها؟ يقول: (لا العمومات الحاكية عن الجوامع التفصيلية) ذلك لا يحل المشكلة. ولذا عبارته أوضح في (المنهاج) التي هي تقريراته الأخرى يقول: (فأعلم أن ما يجعل مرآة للأفراد) ص29 (ويكفي لحاظه عن لحاظ الأفراد هو القسم الثاني الذي هو عنوان إجمالي منطبق على الخصوصيات فأتضح مما ذكرنا أن الإشكال يتم لو كان المراد من العام الكلي) يعني النوع الأول أو النوع الثاني (لا العنوان المجمل …).

إذن إلى هنا المحقق العراقي نظراً إلى الركن الأول منا لإشكالية حله أو لم يحله؟ حله واقعاً. وحيث أن السيد الخوئي قدس الله نفسه كان متصور أن كل الإشكالية في هذا الركن الأول فقال أن الجواب تام. قال (وأما العناوين الكلية التي تنتزع من الأفراد فهي تحكي في مقام اللحاظ عن الأفراد والمصاديق بوجه وعلى نحو الإجمال فأنها وجه لها وتصورها في نفسها تصور لها بوجه وعنوان وبتعبير آخر أن مرآتيتها للأفراد والأشخاص ذاتية لها فتصورها لا محالة تصور لها إجمالاً بلا إعمال عناية في البين، فإذا ما تصورنا مفهوم ما ينطبق عليه مفهوم الإنسان فقد تصورنا جميع أفراد).

السؤال: ونسي هؤلاء الركن الثاني من الإشكالية، ما هو الركن الثاني؟ أنه عندما يضع تصورنا المحقق العراقي تصور لنا العام وهذا العام حاكي عن تمام الخصوصيات، يضع اللفظ لأي شيء؟ للمصاديق الخارجية أو لمفاهيم هذا المفهوم العام؟ فإن قلت للمصاديق الخارجية قلنا باطل لأن العلقة الوضعية ليست قائمة بين اللفظ وبين المصداق الخارجي، وإنما العلقة الوضعية قائمة بين اللفظ وبين الخاص الذهني، يعني المعنى الخاص لا المصداق الخاص. فإذا استطعنا … طبعاً في كلمات السيد الخوئي الإشكال وارد عليه، لماذا؟ لأنه كاملاً يقول مصاديق أفراد خارجية … فواضحة القضية. يقول أفراد منتزعة وخصوصيات خارجية … نعم، لعله وأنا دققت كثيراً في عبارات المحقق العراقي لأنه في كلمات السيد الخوئي تصريح، إذن الإشكال وارد عليه بلحاظ الركن والعنصر الثاني. نعم، وإن لم يرد عليه بلحاظ العنصر والركن الأول. ولكن في عبارات المحقق العراقي تأملت كثيراً ولم أجد نكتة في ألفاظه هنا وهناك … إذا الأخوة بأيديهم تقريرات المحقق العراقي، لعله يريد أن يشير من خلال هذا النوع الثالث من المفاهيم إلى مصاديق ذهنية لا مصاديقه الخارجية، فإذا كان مقصود العراقي المصاديق الخارجية فالعلقة الوضعية لا تتحقق بين اللفظ وبين المصداق الخارجي، وإذا كان مقصوده المصاديق الذهنية إذا كانت عباراته تؤدي فيكون كلاماً تاماً.

إذن الإشكال الأول الوارد على هذه النظرية مع كل دقتها هي أنها وإن استطاعت أن تكون موفقة في رد إشكالية العنصر والركن الأول إلأ أنها لم تكن موفقة لرد الإشكال بلحاظ العنصر الثاني.

هذا مضافاً … الإشكال الثاني، هذا مضافاً إلى أن المحقق العراقي صرح أنه لو كانت المفاهيم من النوع الأول والنوع الثاني فأن هذا الإشكال باقٍ أو مندفع؟ الإشكال قائم. هذا لابد أن نرجع إلى علم المنطق مرة أخرى أنه عندما نضع اللفظ في النحو الثاني من القسم الأول نشير إلى الجزء المختص أو إلى الجزء المختص؟ هذا بحث منطقي طويل الذيل يأتي في محله. المهم أن هذا الإشكال وارد على المحقق العراقي وبتبع ذلك السيد الخوئي.

أما السيد الشهيد يقول بأنه هذا الجواب فيه إشكال وإشكاله ذكره السيد الحائري في (ج1، ص113) أوضح من عبارة السيد الهاشمي، يقول: (فالتحقيق أن مثل عنوان الفرد أو الخاص لا يعقل أن يكون إنشائياً وإلباسياً صرفاً، بل حتماً يجب أن تكون له جهة أخذ وانتزاع) يقول: هذا النحو الثالث من المفاهيم لا يمكنها أن تكون مطلقة وإنما لابد أن تكون مركبة من الانتزاع والإنشاء، لماذا؟ يقول بالقياس الاستثنائي، وغلا لزم أن يخترع الإنسان أي مفهوم ليطبقه على أي مصداق (بل حتماً يجب أن تكون له جهة أخذ وانتزاع من الأفراد، إذ لو كان مجرد إنشاء صرف من قبل النفس كما تنشئ بحر من زئبق مثلاً لما صح حمله على الخارجيات إلا بالعناية والمجاز وذلك لأن ملاك الحمل هو الاتحاد) وإذا لم يأخذ من الخارج فكيف صح حمله على الخارج.

في مقام الجواب … طبعاً قريب منه عبارة السيد الهاشمي (ج1، ص91) في مقام الجواب الصور الاختراعية أو المفاهيم الاختراعية على نحوين، الفلاسفة بحثوها بشكل تفصيلي وأوقعتهم في مشكلة في نظرية المعرفة، قالوا عندنا صور اختراعية تخيلية، أصلاً لا واقعية لها، النفس عندها هكذا قدرة أو لا؟ نعم، عندها هكذا قدرة، تتصورك لك موجود لا أنه ما أنزل الله به من سلطان، من قبيل الحصان المجنح، والصور التي تصور الملائكة كالحصان المجنح. وهذه تخيلات، وهي غير مأخوذة من مكان خارجي، وإنما هي من انشاءات النفس، طبعاً هناك بحث وهو أن هذه الصور المنشئة من قبل النفس هل هي إبداعية محضة أو غير إبداعية؟ ذكروا في محله أنه يستحيل أن تكون إبداعية صرفة وإنما هي مركبة من صور موجودة عند النفس فأنت تأخذ مقطع من هنا ومقطع من هناك وتركب الصور. هذا نحو الصور الإنشائية.

ونحو آخر من الصور الإنشائية هو أنه ليست اختراعية صرفة، لا، وإنما النفس تأخذ مجموعة من الحقائق ثم تتدبر فيها الحقائق فتنشأ مفهوماً بلحاظ هذه الأمور الانتزاعية. ولذا في العلم الإجمالي عندما يوجد موردين لا تقول أنا عندي علم بأحدهم، تقول عندنا علم بنجاسة أحدهم أو أحدهما؟ لماذا تقول بأحدهما، لماذا لا تقول بأحدهم بنحو الجمع إن صح أن الجمع ثلاثة ولم يكن اثنين فما فوق. لماذا؟ الجواب يقول أن هذا العنوان الاختراعي أنا اخترعه بلحاظ هذا الواقع، لا أني أنشأ لفظاً اختراعياً حتى يكون قابلاً، بعبارة أخرى: من قبيل أنت عندما بتعبير سيدنا الشهيد أنت تريد أن تخيط ثوباً، أنت تخيطه ولكن بلحاظ ماذا أنت تخيطه؟ بلحاظ هذا البدن، إذا طوله افترض متر وسبعين فلا يعقل أن تخيط له ثوباً طوله سبعة أمتار، ولا تخيط له ثوباً يلبسه أكثر من واحد، لماذا؟ لأنه أنت تريد أن تخيط ثوب مطلق أو تريد أن تخيط ثوب لهذا الشخص. إذا كان دعوى المحقق العراقي أنه يدعي تنشأ النفس مفهوماً مطلقاً، فالإشكال وارد على المحقق العراقي وللزم انطباق أي مفهوم على أي … ولكن هذا بعيد جداً أن المحقق العراقي يقول ينشأ لفظاً ومفهوماً مطلقاً لا علاقة لها بالواقع الخارجي. ولذا قبلت هذا المعنى سيدنا وهو أنه أساساً النفس تنشأ ولكن بلحاظ الواقع، إذن إذا لم تقبل هذا بلحاظ الواقع إذن لماذا قبلت أحدهما في العلم الإجمالي. السيد الشهيد في (تقريرات السيد الهاشمي، الجزء الرابع من القسم الثاني، ص21و22) قال: (وتحقيق الحال أن الصور الكلية المستوردة في الذهن على قسمين: صورة مستوردة في الذهن من الجزئيات، الصورة التي يخلقها الذهن البشري نفسه ويلبسها على الخارج) هذا القسم الثاني أي صورة أو الصورة بلحاظ … هو يقول يخلق مفهوم العدم، أصلاً مفهوم العدم ليس منتزعاً، لأن هؤلاء صاروا في حيص بيص أنه إذا كان الصور التي تأتي إلى الذهن منتزعة فالعدم أين هو حتى ننتزع منه مفهوم. قالوا هنا: أبداً، العدم مفهوم اختراعي إنشائي وليس مفهوماً انتزاعياً. سيدنا له تطبقه على الواقع الخارجي، العدم. أو لا تطبقه؟ طبعاً لا تطبقه. لماذا؟ لأن هذا المفهوم إنما خلق وأنشأ لينطبق على ما لا تحقق له، لا أن ينطبق على أي واقعية كانت. مفهوم الوجود، طبعاً يكون في علمك أن هذا الكلام لا يتبادر ذهنك أنه للأصوليين، الفلاسفة بحثوه بشكل مفصل، ومنشأه هذه الجملة إن شاء الله أوضحها فيما بعد. ومنشأه هو أن الوجود بناء على أصالة الوجود أن الوجود حقيقته أنه في الأعيان، فما هذه حقيقته يأتي إلى الذهن أو لا يأتي إلى الذهن؟ من قبيل الكلي، حقيقته أنه في الذهن، يأتي إلى الخارج أو لا يأتي، وإلا لزم انقلاب الذهن خارجياً وانقلاب الخارج … قالوا إذن مفهوم الموجود ما هو؟ قالوا: هذا مفهوم تخلقه النفس لتشير إلى تلك الواقعية المجهولة الكنه وإلا نحن الوجود لا نفهمه بالعلم الحصوري، إذا كانت لك قدرة بالعلم الحضوري اذهب … وإلا بالعلم الحصولي لا توجد عندك إلا ألفاظ ومفاهيم تشير إلى حقائق مجهولة الكنه. تأمل في كلامنا.

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات