الأخبار

المحاضرة (88)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

بالأمس ذكرنا بأنه أشكل سيدنا الشهيد على المحقق العراقي بأن العنوان أو المفهوم الإنشائي والاختراعي المحض والبحت إذا لم يكن فيه بعد انتزاعي فلا يحل المشكلة، لكي يحل الإشكالية أو يحل المشكلة لابد أن يكون المفهوم الاختراعي مطعم بالبعد الانتزاعي. وهذا المعنى بشكل واضح وصريح لعله أيضاً كما قرأناه عن السيد الحائري كذلك عند السيد الهاشمي في (ج1، ص914) قال: (ووجه النظر أن كون الجامع مما ينطبق على الفرد بخصوصه ويصلح للحكاية عنه بما هو كذلك ليس مرهوناً بمحض اختراعية المفهوم وكونه مُنشأ من قبل الذهن بحتاً) لو كان كذلك فهذا قابل للانطباق أو غير قابل، يعني يحل المشكلة أولا يحل المشكلة؟ لا يحل، لماذا؟ لأن نسبة هذا المفهوم إلى هذا المصداق كنسبته إلى أي مصداق آخر. إذن متى يصح؟ لابد أن يطعم بالبعد الانتزاعي، لذا يقول: (إذ بعد فرض أن العنوان الانتزاعي) لابد أن يؤخذ فيه هذا المعنى.

فيما مقام الجواب إذا يتذكر الأعزاء نحن قلنا أن العناوين الاختراعية أو المفاهيم الإنشائية وبتعبير السيد الشهيد الإلباسية هذه العناوين على نحوين:

النحو الأول: العناوين الاختراعية التي لا علاقة لها بالواقع أصلاً. كأنياب الأغوال، هذا عنوان اختراعي مرتبط بالواقع أو لا علاقة له؟ لا، أمر وهمي لا واقعية له.

النحو الثاني: اختراعية مرتبطة بنحو من الأنحاء بالواقع الخارجي.

هنا قلنا بأنه إذا كان العراقي يقول العنوان الاختراعي أو المفهوم الإنشائي بالنحو الأول فإشكال السيد الشهيد وارد عليه، أما إذا كان بالنحو الثاني فإشكال السيد الشهيد غير وارد.

ثم طلبنا من الأعزاء ولم يجبنا أحد، قلنا دققوا في كلمات المحقق العراقي أي نوع من النوعين والنحوين يقول. وجدت عبارة واحدة للمحقق العراقي يشير إلى أن مرادنا من المفهوم الاختراعي ليس مطلق المفهوم الاختراعي، بل المفهوم الاختراعي في دائرة معينة. أضرب لكم مثالاً، إذا تتذكرون قلنا بأنه افترضوا يتصور المعنى العام ويريد أن يضع اللفظ للخاص، وهنا قال العراقي الفرد، قال الفرد عنوان يستطيع أن يحكي جميع الأفراد بخصوصياتها، لا الجامع المشترك.

سؤال: عنوان الفرد مختص بفرد الإنسان؟ أو يشمل فرد البقر أيضاً ويشمل فرد الغنم؟ أو المصداق، مختص بمصداق الإنسان؟

إذن بأي قرينة تقول أن الفرد هو الذي يوضع له فيكون حاكياً عن مصاديقه، يجيب عليه في (المقالات، ج1، ص77) يقول: (ففي الحقيقة الحاكي عن الخاص هو المفهوم الإجمالي المخترع في النفس بإزاءه) فإن قلت هذا المفهوم الإجمالي المخترع يشمل أفراد الإنسان وغير أفراد الإنسان. قال: (وإنما شأن المفاهيم التفصيلية) يعني كمفهوم الإنسان لأنه تصور معنى عام وهو الإنسان ويريد أني ضع اللفظ لأفراده، قال: (وإنما شأن المفاهيم التفصيلية ف أمثال المقام ليس إلا تحديد دائرة الإجمال) هذا الإنسان يقول هذا الفرد في دائرة الإنسان، والإنسان فيه بعد انتزاعي أو ليس فيه بعد انتزاعي؟ إذن انحلت المشكلة عند المحقق العراقي وهو أنه لا يقصد الاختراعي مطلقاً وإنما مقصوده الاختراعي في دائرة الانتزاعي.

قال: (ليس إلا تحديد دائرة الإجمال في مفهوم آخر في المقام هو المرآة لا أنها) هذه العناوين التفصيلية (هي المرآة كما لا يخفى) إذن أشكال سيدنا الشهيد غير وارد على كلام المحقق العراقي.

ثم انتقلنا إلى ما ذكره السيد الشهيد في تقريرات الدورة الأولى فيما يتعلق بالعناوين الاختراعية الرمزية بتعبيره هو، طبعاً هذا المطلب غير موجود في الدورة والثانية وإنما موجود فقط في الدورة الأولى في (ج4، القسم الثاني، تقريرات السيد الحائري، ص23) يقول: (القسم الثاني الصورة التي يخلقها الذهن البشري ويلبسها على ما في الخارج ويجعلها رمزاً لكل فرد من الأفراد) لا أن هذا الرمز يشير إلى الجامع المشترك، لا، يشير إلى الفرد بكل خصوصياته. من قبيل عنوان أحدهما، هذا عنوان أحدهما يشير إلى الجامع المشترك أو يشير إلى هذا بتمامه أو هذا بتمامه؟ هذا نفس الذي قاله في النحو الثالث المحقق العراقي وهو أنه عنوان إجمالي تنشئه النفس ويكون ليس حاكياً عن الجامع المشترك بل حاكياً عن الفرد بقشوره وخصوصياته، أقول بقشوره باعتبار عند المشائين يقشروه فنحن نقول بقشوره.

قال: (وثوباً قابلاً للإلباس على كل فرد من الأفراد، فليست هذه الصورة قابلة للانطباق على ما في الخارج).

مثاله ما هو؟ يقول أولاً مثاله أحدهما. مثال جيد وأصولي، فلسفي يقول مثاله العدم، مفهوم العدم من أين جئت به؟ هل جئت بصور الأعدام التفصيلية في الخارج ثم قشرتها كما تقشر الرقي وصنعت مفهوم العدم العام منها، هكذا؟ لا.

المثال الثالث: وكذلك ما يقال من أن الوجود، ومثله صورة الوجود، هذا المفهوم الذي في ذهنك الذين نعبر عنه أبده وأوضح المفاهيم، يقول: (ومثله صورة الوجود حيث أن أفراد الوجود) يعني مصاديقه( لم تأت إلى الذهن) لماذا؟ لأن حقيقة الوجود في الأعيان، فلو جاء إلى الذهن للزم ما حقيقته الوجود الخارجي أن ينتقل إلى الذهن، والعكس كذلك الكلي المنطقي، هذا الكلي المنطقي يمكن أن يوجد في الخارج أو لا يمكن؟ وإلا لو وجد في الخارج للزم ما حقيقته ذهنية أن يكون ماذا … وهذا هو الانقلاب. مفهوم الوجود … من أنه هذا لم يأت إلى الذهن (فلما لم يقدر الذهن البشري على السيطرة على أفراده) هذه التعابير مع كل احترامي للمقرر تعابير غير دقيقة. نعم، في الدرس كانت موجودة ولكن ليست دقيقة، لأن القضية ليست قضية سيطرة بل قضية عدم إدراك الأفراد الموجودة في الذهن حتى يقشرها، هي ليست قضية يسيطر أو لا يسيطر، يدرك أو لا يدرك، الأفراد يستطيع أن يدركها أو لا يستطيع أن يدركها؟ لأن حقيقتها أنها في الأعيان.

قال: (جعل في نفسه هذا الرمز) يعني اخترع لنفسه مفهوماً وألبسه على هذا وعلى هذا وعلى هذا.

هذا البحث في نفسه واقعاً من مفاتيح نظرية المعرفة، لأنه يبين لنا أن المفاهيم كلها ليست مفاهيم جاءت من الخارج، وإنما النفس بتعبير السيد الشهيد الله سبحانه وتعالى أعطى هذا الإنسان قوة خاصة في الفهم البشري أودعها الله تعالى فيه أولاً ليدرك الأشياء وثانياً ليخترع مفاهيم ويطبقها على الأشياء الخارجية.

هذه من إبداعات الفكر الأصولي أو لا؟

تعالوا معنا إلى البحث الفلسفي لهذه المسألة، البحث الفلسفي، طبعاً هذه مهمة كثيراً عندنا في كل الأبحاث، أنتم أمامكم الآن بحث العلم الإجمالي إذا لم تهتم بالعقائد والأبحاث العقلية ليس مهما، ولكنه اتضح لك أن القسم الثالث من أقسام الوضع وهو الوضع العام والموضوع له الخاص متوقف على فهم ماذا … لا أقل عند المحقق العراقي، وكذلك فهم حقيقة العلم الإجمالي متوقف على فهم النوع الثالث من المفاهيم أو النوع الثاني من المفاهيم.

ومع ذلك تقول: ماذا نفعل بالفلسفة؟ هذه نتيجتها أنه واقعاً تدخل إلى الأصول أعمى وتخرج من الأصول لا أعمى بل مركب أعمى، لماذا؟ لأن هذه المطالب أصلاً من يقول أن هذا أعطي للعقل الإنساني.

تعالوا معنا إلى كلمات الأعلام، في كلمات الفلاسفة – ولمعرفة الاصطلاح أيضاً- يقسمون المفاهيم إلى حقيقية واعتبارية، معرفة الاصطلاح نصف العلم. ما معنى الحقيقي وما معنى الاعتباري؟

يقولون المفهوم الاعتباري هو المفهوم الذي لم تأتِ مصاديقه من الخارج إلى الذهن وإنما اعتبرها الإنسان اعتباراً، هذا أي قسم من الأقسام التي تكلم عنها السيد الشهيد؟ هذا القسم الثاني وهو أنه إنشاء من النفس.

الحقيقية ما هي؟ يقول: الحقيقية سنخ مفاهيم بحقيقتها موجودة في الخارج بلباس الوجود الخارجي وهي نفسها تأتي إلى الذهن بلباس الوجود الذهني وهي الماهيات، فلهذا من المفارقات في كلمات هؤلاء واقعاً ولم يلتفت أحد، يقول هؤلاء هذه من جهة يقولون الماهية أمر اعتباري ومن جهة يقولون أن الماهية مفهوم حقيقي أو مفهوم اعتباري؟ يقولون حقيقي. في (نهاية الحكمة، ص256، الفصل العاشر من المرحلة 11) يقول: (ينقسم العلم الحصولي إلى حقيقي واعتباري) ما هو الحقيقي؟ يقول: (هو المفهوم الذي يوجد تارة في الخارج فيترتب عليه آثاره وتارة في الذهن فلا يترتب عليه آثاره كمفهوم الإنسان) فالإنسان ما هو؟ مفهوم ماهوي أو ليس مفهوم ماهوي؟ نعم، ماهية من الماهيات، يعني هذا المفهوم برمائي، في الخارج موجود وفي الذهن أيضاً. أما الاعتباري ما هو؟ يقول: (والاعتباري خلاف الحقيقي وهو من المفاهيم التي حيثية مصداقها أنها لا تدخل في الذهن) مثل ماذا؟ يقول مثل الوجود، تقول له مفهوم الوجود ما هو. يقول: هذا مفهوم أنت اخترعته لنفسك، هناك حقيقة مجهولة الكنه في الواقع الخارجي، تعرفها أو لا تعرفها؟ تعرف أن هناك شيء يقيناً موجود، ولكن ما هي؟ لا أعلم، أنت عندما ترى شيئاً يأتيك من بعيد تعلم أنه يأتيك قطعاً، أقول لك ما هو؟ تقول: شبح، هذا الشبح ماهيته أو فصله؟ لا، أنت اخترعت مفهوم حتى تحكي هذه الواقعية التي عبر عنها السيد الشهيد بأنها رمز، هذه رموز وعلامات، مفاهيم اعتبارية أنت تعتبرها أنت توجدها أنت تخلقها، وأعزائي إذا لم تميزوا بين القسم الأول من المفاهيم والقسم الثاني من المفاهيم أقسم لكم لا تفهمون من العلم شيئاً، لماذا؟ لأنه في النتيجة القسم الأول من المفاهيم فيها مجموعة من الأحكام والقواعد والأصول، والقسم الثاني لها أحكام أخرى لا علاقة لها بالقسم الأول، فأنت إذا لم تميز بينهما تعطي أحكام القسم الأول للقسم الثاني وأحكام القسم الثاني للقسم الأول.

قال: (فلا يدخل الذهن) لماذا (الذي حيثيته حيثية عدم ترتب الآثار) أصلاً الوجود يعني حيثية ترتب الآثار، المفهوم ترتب الآثار أو عدم ترتب الآثار؟ يعني جنابك عندما يأتيك مفهوم النار إلى ذهنك بآثاره أو بلا آثار؟ والله كان سهل جداً أنه بمجرد التفكير يتحقق المعلوم، نعم في الجنة هذا يحصل. بمجرد أن تفكر (لهم فيها ما يشاؤون) وأخاف أن يكون عقلهم قاصر وجزماً قاصر (ولدينا مزيد) نحن أيضاً نعطيهم ما لا يتصورونه. طبعاً المشكلة ذو حدين، لا تتصوروا أنها فقط في الجنة، بل في النار كذلك، يقول أنا الآن أتعذب هكذا لو صار هكذا ماذا يكون، فيصير ذلك المتصور. في البعد الإيجابي أبداً لا يستطيع أن يفكر، بدليل ماذا؟ بدليل أنه في الدنيا هو لم يفكر بصورة إيجابية بل كل وجوده كان للمؤامرات كيف يسقط هذا وكيف يتهم هذا. فلذلك هناك طريق الجنة أمامه ولكنه لا يدخلها، لا يرى، أمامه ولكنه لا يراه، لماذا؟ بدليل أنه في الدنيا المؤسسات الدينية كانت موجودة ولكنه لا يرى إلا الملاهي ولا يرى تلك ولا يسمعها ولا يحضر عندها، فهو أعمى (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى).

طبعاً تقول القرآن يقول (ربنا أبصرنا) يعني ماذا؟ نعم، يبصر الطريق إلى النار فقط، ليس عنده طريق. من جهة يقول (ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً) ومن جهة أخرى يقول (ربنا أبصرنا) أنت إما بصير أو أعمى؟ يقول: نعم، أعمى وبصير، كما كان في الدنيا كذلك.

إذن هناك من الحقائق الخارجية ما لا يمكن أن تأتي إلى الذهن أولاً، أو من الحقائق النفس الأمرية التي لا وجود خارجي لها، مثل العدم، مثل اجتماع النقيضين، مثل الممتنع، هذه حقائق أو ليست حقائق؟ نعم حقائق، ولكن ليس لها وجود خارجي ولكن لها حقائق نفس أمرية، هذه كلها الذهن ماذا يفعل؟ يخلق لها مفاهيم ويوجدها ويلبسها لهذه الحقائق النفس الأمرية، ولذا الأمثلة التي يضربها السيد العلامة يقول (كالوجود، والعدم …) ويضرب أمثلة للمفاهيم المنطقية، يقول المفاهيم المنطقية كلها مفاهيم اعتبارية؟ لماذا؟ لأن حقيقتها أنها في الذهن يمكن أن تنتقل في الخارج أو لا يمكن؟ أيضاً هذه مفاهيم اعتبارية.

ومن يريد مراجعة البحث يراجعه في(الأسفار، ج1، ص49، حاشية السيد الطباطبائي) قال: (مفهوم الوجود العام البديهي من الاعتبارات الذهنية التي لا تحقق لها في خارجه) ما شاء الله بتعبيرنا علم حقيقي كثير عندنا. الفلسفة موضوعها ما هو؟ مفهوم الوجود، عندك شيء غيره، وتبين أن مفهوم الوجود منتزع من الخارج أو اعتباري؟ فلهذا العرفاء هنا يدخلون على الخط، عندما نقول لكم الفلسفة لا تفيد، العلم الحصولي لا يفيد، تعالوا إلى العلم الحضوري لأن هذا العلم الحصولي هذا هو … موضوعه الوجود والوجود مفهوم أنت جعلته لنفسه، مخلوق مردود لكم. فلهذا ندعوكم … ولذا صدر المتألهين … وكذلك يمكن للأعزاء الرجوع إلى (الأسفار، ج9).

هذه وإن كانت قد يتصور البعض أنه مدح ولكنه بيني وبين الله أنها (وأما بنعمة ربك فحدث) أقسم بالله أنا هذه لم أكتبها في مكان وغير موجودة عندي في مكان، وإنما عندما أدخل إلى بحث كاملاً أتذكر أن هذه المصادر أين موجودة، هذا البحث من الساعة 7.30 إلى الساعة 9.00 وإلا أنا أعلم أن هذا البحث قد رأيته، أين رأيته؟ أعلم أين رأيته، في الصفحة اليمنى أو في الصفحة اليسرى، فأتصفحه فأجده، وإلا لا تتصورون أني أراجع …

في (ج9، ص185) يقول: (وليس الوجود … بل حق القول في الوجود أن يقال إنه) الوجود (من الهويات العينية) مراده من الوجود لا مفهوم الوجود بل واقع الوجود (من الهويات العينية التي لا يحاذيها مفهوم ذهني) له مفهوم أو ليس له مفهوم؟ بخلاف الإنسان هذا من الوجودات العينية الذي له مفهوم يحاذيه في الذهن (ولا يمكن الإشارة إليه إلا بصريح العرفان الشهودي) الطريق إليه يمر من طريق العلم الحضوري والشهود.

تقول لي: سيدنا الآن ميزت لنا بين نحوين من المفاهيم في نظرية المعرفة، ما هي خصائصها وما هي أحكامها؟

الفرق الأول بين هذين النحوين: أنه ما يرتبط بالمفاهيم الحقيقية يقولون لها أفراد في الخارج، أما المفاهيم الاعتبارية يقولون له مصاديق في الخارج. وهذا الخطأ الشائع في كثير من لكلمات يرادفون بين الفرد والمصداق، مع أنه حسب الاصطلاح الفرد للمفهوم الحقيقي والمصداق للمفهوم الاعتباري. هذا أين موجود؟ طبعاً يكون في علمكم هم أسسوا هذا الاصطلاح ولكن في كثير من الموارد لا يلتزمون به، على طريقة الأصوليين يؤسس في الأصول ولكن لا يلتزم في الفقه. هنا أيضاً كذلك. يقول في (نهاية الحكمة): (وإن كانت حيثية المفهوم أو حيثية تلك الحقيقة حيثية أنه في الخارج فهي مصاديق له وليست بأفراد) هذا ما إذا كان حقيقته في الخارج وفي الذهن فهي أفراد. هذا مورد.

لعله هناك مورد آخر وهو ذهني ذكره السيد العلامة في (ص17 من نهاية الحكمة، في آخر الفصل الثاني من المرحلة الأولى) (فقد بان أن حقيقة الوجود لا صورة عقلية لها كالماهيات) لا يتبادر بأن صورة مفهوم الوجود هو كمفهوم الإنسان، مفهوم الوجود شيء ومفهوم الإنسان شيء آخر. هذا هو الفارق الأول.

ولكن المهم هو الفارق الثاني وهو أن النسبة بين المفاهيم الانتزاعية – يعني النحو الأول من المفاهيم- إلى الأفراد التي بينها بالنسبة إليها الخارج يكون أفرادها، نسبة المقوم إلى المتقوم، يعني عندما نقول حيوان وناطق في الإنسان حيوانية وناطقية ذاتيات هذا الفرد الخارجي، ذاتياته بحسب باب الأيساغوجي، كليات باب المنطق. يعني مقوم له. إذن أنت عندما تتعرف على الماهية تتعرف على ماذا؟ تتعرف على حقائق الأشياء الخارجية، وهنا دخل الحكماء على الخط وقالوا وحيث أن الواجب لا ماهية له، هل يمكن معرفة ذاته أو لا يمكن؟ لماذا؟ سالبة بانتفاء الموضوع. على مبنانا الواجب له ماهية ونحن لا نعرف ماهيته سالبة بانتفاء المحمول، يعني (يا من لا يعرف ما هو إلا …).

أما نسبة المفاهيم الاعتبارية، لا المفاهيم الحقيقية، إلى ماذا؟ ليس إلى أفرادها، بل إلى مصاديقها نسبة المقوم إلى المتقوم؟ لا، نسبة اللازم إلى الملزوم، نحن لا نعلم ذلك الملزوم ما هو. لازم نحن صنعناه ولكن لم نصنعه بالنحو الأول، بل صنعناه بالنحو الثاني، لا يذهب ذهنك أنه هذا المفهوم نحن صنعناه فنلبسه أين ما نشاء، لا، أنت لا تستطيع أن تلبس مفهوم الوجود على العدم، ولا تلبس مفهوم الامتناع على الممكن، هل هذا ممكن؟ لا، غير ممكن.

إذن مفهوم الامتناع ومفهوم الإمكان ومفهوم الوجود ومفهوم أحدهما لا يمكن أن يصدق على أي مصداق كان، نسبته نسبة اللازم إلى الملزوم، وعلى هذا الأساس هذا الذي تجدونه بشكل واضح وصريح في (الأسفار، ج1) الملة صدرا يقول: (فقد تبين لك إلى الآن أن مفهوم الوجود العام وإن كان أمراً ذهنياً) عجيب، أنت قائل بأصالة الوجود أو لست قائل بأصالة الوجود؟ يقول: نعم، أنا قائل بأصالة الوجود ولكن هذا المفهوم عندي أمر اعتباري ذهني (لكن أفراده) شيخنا مفهوم الوجود ليس له أفراد، ماذا فيه؟ … مباشرة حتى يرفع هذا الوهم قال: (وملزوماته أمور عينية) يعني أفراده مقومة متقوم هذا بها أو ملزوم؟ والمفهوم ماذا يكون؟ يكون لازماً. إذن فمن عرف المفاهيم من قبيل الوجود وغيره فقد عرف حقيقة الأشياء أو لم يعرفها؟ لم يعرف. ولذا يقول عنها (لكن أفراده وملزوماته أمور عينية كما أن الشيء فنسبة مفهوم الوجود) مفهوم الوجود (إلى أفراده) بحسب الاصطلاح يعني إلى مصاديقه، قلت لكم لا يلتزمون (كنسبة مفهوم الشيء إلى أفراده) الشيء تقول هذا شيء، هذا نسبة الشيئية إلى مصاديقه في الخارج نسبة الحيوان والناطق إلى الإنسان في الخارج، لو كان نفس النسبة لابد أن تقول حيوان ناطق، ولا تقول شيء، إذن الشيئية نسبتها لازم وملزوم أو مقوم ومتقوم؟ لازم وملزوم.

شيخنا اللازم عرفناه الملزوم ما هو؟ يقول: (لكن الوجودات) يعني الملزومات (معانٍ مجهولة …) لا نعرف عنها شيء، ولأجل أن نضع لها إشارة أو علامة أو رمز عبرنا عنها كذا وكذا وكذا.

هناك حاشية قيمة للسيد الطباطبائي (ص49) يراجعها الأعزاء. كذلك إذا أرادوا مراجعة هذا البحث في (الأسفار، ج6، ص85 و 86) يقول: (لأنك قد علمت أن مفهوم الوجود وكذا مفهوم التشخص والمتشخص …) هذه كلها مفاهيم حقيقية أو اعتبارية؟ بعبارة أخرى انتزاعية أو إلباسية اختراعية؟ وهذا الذي ترى المحقق العراقي تشخص وفرد ومتشخص … بيني وبين الله الحق والإنصاف المحقق العراقي لا أقل بعض مباني الفلسفة كانت بيده، أما أولئك الذين ليست الفلسفة بأيديهم جاءوا إلى هذه المفاهيم وعبروا عنها مفاهيم انتزاعية، هذا معناه ماذا؟ هذا معناه أنه لا أقل منظومة بالمعنى الدقيق ليست بأيديهم، وإلا واضحة في المنظومة، لأن المنظومة هو خلاصة عميقة للأسفار لمن يستطيع أن يقرأ المنظومة بشكل جيد فقارئ دورة أسفار جيدة ولكن بشرطها وشروطها، هذه المنظومة مكتوبة بعد 22 سنة بعد تدريس سبعة دورات من الأسفار، فخلاصة ما وصل إليه موجود، ولهذا ترون أن هذا الكتاب صار له 200 سنة إلى الآن ولا زال قوياً في الحوزات العلمية.

يقول: (لأنك قد علمت أن مفهوم الوجود والموجود وكذا مفهوم التشخص والمتشخص والجزئي الحقيقي والهوهوية وأمثالها ليست لها أفراد ذاتية) يعني ليس المفهوم مقوم للمصداق (كما للأجناس والأنواع) إذن ما هي النسبة؟ قال: (وإنما هي عنوانات ذهنية وحكايات) هذا الذي عبر عنه السيد الشهيد بالرموز (وحكايات لآحاد وأفراد لا وجود لها في الذهن).

كذلك في (النهاية، ص17 و ص257) قال: (فقد بان كذا … وبان أيضاً أن نسبة مفهوم الوجود إلى الوجودات الخارجية ليست نسبة الماهية الكلية إلى أفرادها الخارجية) لأن نسبة الماهيات الكلية يعني المفاهيم الحقيقية إلى أفرادها نسبة المقوم إلى المتقوم، أما هذه أيضاً كذلك؟ يقول: لا، (وتبين بما تقدم أيضاً أن المفهوم) متى يكون المفهوم ماهية؟ يعني متى يتصف المفهوم بأنه مفهوم ماهوي؟ ومتى يكون مفهوم فلسفي؟ إذا تتذكرون معقول أول فلسفي ومنطقي كان عندنا هنا أيضاً كذلك، كثير الدوران على ألسنة الأعلام المحققين في هذا الباب وهو أنه يعبر أن هذا مفهوم فلسفي وهذا مفهوم ماهوي، ما هو الفرق؟ يقول: إذا كان للمفهوم فرداً في الخارج فهو ماهوي، وإذا لم يكن له فرد فهو فلسفي. يقول: (أن المفهوم إنما تكون ماهية أو يكون ماهية إذا كان للماهية فرد خارجي تقومه) يعني ذلك الماهية تقوم الفرد، أما إذا لم يقومه وكانت نسبة اللازم والملزوم فمفهوم فلسفي.

وكذلك في (ص257) من النهاية نفس هذه العبارة قال: (فهي مصاديق له وليست بأفراد مأخوذة فيها مفهومها أخذ الماهية في أفرادها، ثم تنتزع من مصاديقه ..).

سؤال: هذا هو المبنى المشهور في نظرية المعرفة تقريباً مذ زمان صدر المتألهين إلى يومنا هذا، وعموم الأبحاث الفلسفية والكلامية والأصولية – إذا كان يعرفون فلسفة – قائمة على هذا التمييز، ولذا تجد محقق كالمحقق العراقي ملتفت كاملاً استفاد من هذا الأصل لحل هذه الإشكالية، وذكر أنه إذا كان هذا النوع من المفاهيم لا يدخل على الخط تنحل الإشكالية أو لا تنحل؟ لا تنحل، وليس هنا فقط لا تنحل بل لا تنحل عندك حتى في تعلق الأوامر بالمتعلقات العامة والخاصة، إذن لها آثار كلامية وأصولية وفقهية أيضاً.

أولاً هذا يبين لك أن الإنسان إذا أراد أن ينقل هذه المعارف لابد أن يعرف الاصطلاح لا أقل، لا أقل دورة أو دورتين حتى يعرف ماذا يصطلح هؤلاء المساكين. وثانياً أنه حتى يرتب الآثار في محلها.

هذا التقسيم بهذين النحوين من المفاهيم تام أو لا؟ أنا أرجع الأعزاء إلى كتابي (شرح الأسفار، ج2، ص372 إلى ص379) وواقعاً لا أنه لشيء، بل لهذا العنوان الذي سأذكره للأعزاء، عنوان البحث كان (النتيجة الرابعة على مبناي لأصالة الوجود لا المبنى المشهور لأصالة الوجود لمفهوم الوجود أفراد حقيقة في الخارج) خلافاً لهذا المشهور، بأي بيان؟ بالبيان الذي ذكرته هناك.

ولذا عندي ملاحظة والأعزاء هم أحرار … هذان المجلدان إذا صار عندكم وقت باحثوهن لا أريد أن أقول فقط أقرءوهن، لا لا، القراءة ليست كافية، أجلسوا فيما بينكم وباحثوهن، كونوا على ثقة الكثير من مفاتيح الفلسفة أنا وضعتها في المجلدين وخصوصاً في المجلد الثاني من شرح الأسفار، الذي أولاً شارح المباني بشكل دقيق وعميق وثانياً أنه إذا كان هناك إشكالات علينا أيضاً ذكرتها في هذا المجلد.

انتهينا من البحث.

إذن هذا البحث الذي ذكره الأعلام المحقق العراقي وتبعاً له سيدنا الشهيد هذا أصله موجود في كلمات أعلام الفلاسفة من خلال التمييز بين المفاهيم الحقيقية والمفاهيم الاعتبارية وخصائص كل قسم من هذه المفاهيم.

يبقى عندنا إشكال أخير مرتبط بالقسم الثالث ولا أعلم أني أوفق للانتهاء منه ولعله أيضاً هذه من الطلبات الكثيرة التي يطلبها الطلبة هذه واحدة من تلك الطلبات، وهي أنه أساساً هو أنه قد يورد إشكال على العنصر الثاني من العنصرين المتقدمين، قلنا أن إشكالية القسم الثالث متقومة بعنصرين، وهو أنه كيف يمكن للعام المتقوم بالجزء المشترك أن يحكي الخاص المتركب من الجزء المختص؟ هنا قلنا المحقق العراقي حل هذه الإشكالية.

تبقى الإشكالية الثانية وهو أنه إذا كان اللفظ، هذا مرتبط بالعنصر الثاني وهو أن العلقة الوضعية قائمة بين اللفظ والمعنى أو بين اللفظ والواقع الخارجي؟ قلنا بأن العنصر الثاني هو … وهذا هو الذي لم يحل في كلمات المحقق العراقي، ولكن هناك إشكال يرد على هذا العنصر الثاني، لا على كلام المحقق العراقي، على هذا العنصر الثاني، وهو أنه لو كان اللفظ موضوعاً للمعنى الذهني بقيد أنه مفهوم في الذهن فكيف يمكن أن يصدق على المصاديق الخارجية مع أن اللغة إنما وضعت للتفهيم والتفاهم بحسب المفاهيم الذهنية أو المصاديق الخارجية؟ إذا أنت قلت أن العلقة الوضعية قائمة بين اللفظ وبين المعنى يعني الوجود الذهني، إذن تحصل عملية التفهيم والتفاهم، يصدق على المصاديق الخارجية أو لا يصدق؟ لا يصدق، لماذا؟ لأن هذا اللفظ موضوع لهذا … فيحكي عنه أو عن مصاديقه؟ أصلاً ليس موضوعاً للمصاديق الخارجية. إذن قولكم أن العلقة الوضعية إنما هي بين اللفظ والمعنى لا يمكن قبوله. وإذا تم هذا الكلام إذن كلام المحقق العراقي يكون تاماً، وقبول السيد الخوئي لكلامه يكون أيضاً فيه إشكال أو لا يوجد فيه إشكال؟ لا يوجد فيه إشكال.

والجواب: هناك جوابين سنذكرهما بعد أربعة أشهر حيث سنكون بخدمة الأعزاء.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات