بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
فی الواقع بأنه لكي تترابط الأبحاث التي انتهينا إليها في السنة الماضية مع ما نريد بحثه في هذه السنة لابد من الإشارة ولو إجمالاً إلى موضع البحث في السنة الماضية. يتذكر الأعزاء أننا دخلنا بحث الوضع وقلنا بأنه في مبحث الوضع يعني وضع الألفاظ للمعاني يمكن أن يقع البحث في أمور ثلاثة:
البحث الأول الذي لابد أن يقع فيه البحث هو في حقيقة الوضع وما هي نوع العلاقة القائمة بين اللفظ وبين المعنى، أي لفظ وأي معنى. وهذا الذي اشرنا إليه بنحو مفصل في السنة الماضية، هذه العلقة الوضعية قلنا تنقسم بانقسامات متعددة، التقسيم الأول لهذه العلقة هي ما يرتبط بأنه هل الوضع تعييني أو تعيني، وهذا مرتبط بحقيقة العلاقة القائمة ومنشأ العلاقة القائمة بين اللفظ وبين المعنى، قد يكون منشأها تعييني وقد يكون منشأها تعيني. وهذا ما تكلمنا فيه في السنة الماضية.
البحث الثاني أو المسألة الثانية أو التقسيم الثاني هو ما يتعلق بالمعنى، المعنى أعزائي في عملية الوضع يوجد عندنا طرفان: أحدهما المعنى والآخر اللفظ. الآن نريد أن نتكلم أو تكلمنا في المعنى وكيفية تصور المعنى، فيما يتعلق بالمعنى المتصور تارة أن الواضع يتصور معنى عاماً أو كلياً ويضع اللفظ بإزاء ذلك المعنى أو ذلك الأمر الكلي، وهذا هو المعروف في كلماتهم بالوضع العام والموضوع له العام. يعني تصور عاماً كالإنسان معنى الإنسان، مفهوم الإنسان ووضع بإزائه لفظاً بإزائه مباشرة، يعني وصف بحال نفس الموصوف، لا أنه وصف بحال متعلق الموصوف، وهذا هو المعروف بالوضع العام والموضوع له العام. وهذا لم يستشكل فيه أحد لا إمكاناً ولا وقوعاً، وأساساً المفاهيم الكلية في المنطق كلها قائمة على هذا الأساس، وهو أن الواضع يتصور معنى عاماً ويضع اللفظ بإزاء ذلك المعنى العام المتصور. وأخرى يتصور معنى خاصاً ويضع اللفظ بإزاء ذلك المعنى الخاص، وهذا أيضاً كما في الأسماء الشخصية يتصور هذا الموجود ا لخارجي أمامه أبنه فيضع له لفظ بإزائه علي، محمد، حسن … وهذا هو المصطلح عليه بالوضع الخاص والموضوع له الخاص.
إنما الكلام كله فيما يرتبط بالقسم الثالث والرابع، وهما أن الواضع عندما يريد أن يضع لفظاً لمعنى يتصور معنى عاماً كمفهوم الإنسان، لا اللفظ بل المعنى، يتصور معنى عاماً ولكن لا يضع اللفظ بإزاء المعنى المتصور وإنما يضع اللفظ بإزاء أفراد ومصاديق ذلك المعنى المتصور.
يعني يتصور العام ولكن يضع اللفظ بإزاء العام أو بإزاء الخاص؟ بإزاء الخاص، وهذا هو المعروف بالوضع العام والموضوع له الخاص، وهذا هو محل الكلام بين الأعلام هل هو ممكن أو لا؟ وإذا كان ممكناً هو واقع أساساً في اللغة العربية توجد عندنا مثل هذه الأوضاع يعني وضع عام والموضوع له خاص، أو لا، هذا بحث نظري فقط، سواء كان ممكن أو كان ممتنع لا تترتب عليه أي ثمرة.
أعزائي يوجد في المقام اتجاهان:
الاتجاه الأول: يرى بأنه ممتنع عقلاً فإذا كان ممتنع عقلاً إذن لا معنى للبحث في أنه واقع أو ليس بواقع. هذا القول الأول، طبعاً من حضر من السنة الماضية يعرفون جيداً بأننا لسنا قائلين بجريان الأحكام العقلية من الإمكان والامتناع في الأمور اللغوية والفقيهة والاعتبارية، ومسألة الوضع من الأمور الاعتبارية، أساساً لا معنى لهذا البحث أنه ممتنع أو ممكن، لأن الأحكام الامتناع الفلسفي والوجوب الفلسفي والإمكان الفلسفي يعني هذه المواد الثلاث إنما هي مرتبطة بالأمور التكوينية ولا علاقة لها بالأمور الاعتبارية، لا فقط هنا، بل كل القواعد العقلية إنما جريانها في الأمور التكوينية الوجودية لا في الأمور الاعتبارية، ولذا لم نجري من اليوم الأول قاعدة الواحد في تعريف علم الأصول كما فعل صاحب الكفاية وتبعه جملة من الأعلام، لأن قاعدة الواحد مرتبطة بمكان آخر وهو الأمور التكوينية. المهم نحن نتكلم الآن على مذاق القوم على مذاق المشهور من الأصوليين الذين يرون أن الأحكام العقلية جارية في علم الأصول أيضاً، وإلا نحن الذي نعتقد بأن علم الأصول في الأعلم الأغلب مسائله اعتبارية ولا مجال لجريان الأحكام العقلية في الأمور الاعتبارية، بالنحو الذي تقدم تفصيله في السنة الماضية.
هل هو ممكن أو لا؟ وهل هو واقع أو لا؟ فيما يرتبط بالوقوع سيأتي بحثه بعد ذلك أنه ما هي أمثلته لو تممنا الإمكان، أولاً لابد أن نرى أنه ممكن أو ليس بممكن.
السؤال المطروح هنا: أين الإشكالية بنحو الإجمال وإلا هذا البحث طرحناه في العام الماضي في (16) درس، والآن نلخص من الدرس رقم (72) إلى الدرس (88) حتى الأعزاء أجد بعض الوجوه الجديدة أضطر أن أربط الأبحاث بعضها ببعض.
الإشكالية الأصلية المطروحة في المقام هي أن عملية الوضع التي يقوم بها الواضع تشبه بنحو من الأنحاء عملية الحكم الذي يقوم بها أي حاكم وأي قاضٍ مثلاً. تشبه تشكيل أي قضية من القضايا، أنت عندما تريد أن تقول: زيد قائم، أو محمد عالم أو علي شجاع، أو أي قضية أخرى تحتاج أولاً إلى تصور الموضوع وإلى تصور المحمول وإلا النسبة القائمة بين الموضوع وبين المحمول المصطلح عليها بالنسبة الحكمية في الفلسفة والمنطق أو نظرية المعرفة، ثم بعد أن تعرفت على الموضوع وعلى المحمول وعلى النسبة القائمة بين الموضوع والمحمول، وإلا قد تتعرف على الموضوع والمحمول ولا تلحظ النسبة، تستطيع أن تحكم او لا تستطيع أن تحكم؟ لا تستطيع أن تحكم. متى يحق لك الحكم؟ بعد لحاظ النسبة بين الموضوع وبين المحمول، عند ذلك تقول: زيد قائم، وباللغة الفارسية هذه الهيئة التي تخرج بكلمة (است) زيد قائم است. هذه قائم است، هذا الحكم، متى يأتي هذا الحكم، وهذا هو من الفوارق بين اللغة العربية واللغة الفارسية، في اللغة العربية الهيئات كلها معاني حرفية غير منظور إليها، بخلافه في اللغة الفارسية الكثير من الهيئات يشار لها بكلمات بنحو المعاني الاسمية.
الآن جنابك في عملية الوضع أي وضع كان حتى لو كان وضع شخصي، أنت تتصور الموضوع أولاً وهو المعنى وتتصور المحمول وهو في المقام اللفظ، ثم تتصور النسبة بين الموضوع والمحمول، يعني بين المعنى واللفظ ثم تحكم أن هذا اللفظ يشير إلى هذا المعنى. فإذا تحقق ذلك عند ذلك إذا سمعت هذا اللفظ يتبادر ذهنك إلى المعنى الموضوع له. إذن في الوضع والواضع يقوم بعملية شبيهة بالحكم التي يحكم بها من خلال المحمول على الموضوع.
السؤال: تعالوا لنرى أن هذا في الوضع العام والموضوع له الخاص هذا معقول أو غير معقول، أصلاً ممكن أو غير ممكن؟ ممكن وغير ممكن بالمعنى الأصولي لا بالمعنى الفلسفي.
ماذا يدعى في القسم الثالث؟ أنك تتصور معنى عاماً، هذا المتصور، واللفظ لمن يوضع؟ لمن تضع اللفظ؟ فإن وضعت اللفظ لذلك المعنى العام الذي تصورته فهو من الوضع العام والموضوع له العام، وإن وضعت اللفظ للخاص، الجواب؟ أنت تصورت الخاص أو لم تتصور، الجواب المفروض أننا نتكلم في الوضع العام والموضوع له الخاص، يعني أنت لم تتصور الخاص فإذا لم تتصور الخاص ووضعت اللفظ يلزم من ذلك وضع اللفظ لما لم يتصور، إذن ما تصور لم يوضع له اللفظ وما وضع له اللفظ لم يتصور. هذا خلف. أتصور أن الإشكالية واضحة جداً، وهو أنه أنت تصورت العام ولكن وضعت اللفظ لأي شيء؟ للخاص. هذا اللفظ فالذي وضعت اللفظ له تصورته أو لم تصورته؟ فإن قلت تصورته ووضعت اللفظ له يلزم أن يكون من الوضع العام والموضوع له العام أو من الوضع الخاص والموضوع له الخاص. وأن لم تتصور ووضعت له اللفظ إذن ما تصور لم يوضع له اللفظ وما وضع له اللفظ لم يتصور. وهذا خلف. وهذا هو منشأ القائلين بأنه هذا القسم الثالث لا معنى له وغير متصور. طبعاً هناك إشكالات أخرى لعلنا نشير لها في الأبحاث اللاحقة.
وفي قبال هذا القسم الثالث وجد قولان: قول يقول إذن الوضع العام والموضوع له الخاص غير متصور، وقول يقول الوضع العام والموضوع له الخاص ممكن ومتصور. بغض النظر عن الوقوع وعدم الوقوع.
ماذا كان مختارنا في السنة الماضية؟ نحن قلنا بأنه لا إشكال في إمكان الوضع العام والموضوع له الخاص. لا محذور فيه، وإذا يتذكر الأعزاء الذين حضروا السنة الماضية نحن أشرنا إلى أربعة أصول مهمة، فقط أنا أعنون تلك الأصول:
الأصل الأول: أساساً كيف نحصل على المفاهيم الكلية، يتذكر الأعزاء لأننا نقول نتصور العام ونضع اللفظ لمصاديق ذلك العام، وهنا يأتي السؤال الأول أساساً العام ممكن أن نتصوره أو قد نكون كالاسميين الذين أنكروا تصور المفاهيم الكلية، هناك اتجاه في نظرية المعرفة تنكر أن الإنسان قادر أن يتصور المفاهيم الكلية، ومن هنا طرحنا بحث الأصل الأول كيف نحصل على المفاهيم الكلية. ما هو الطريق للحصول على المفاهيم الكلية؟ هل هو هذا الطريق المعروف الذي يسمى في كلمات المناطقة بالتقشير، يعني نأخذ المفاهيم الجزئية نقشرها ثم نخرج منها مفهوماً كلياً، قلنا أن هذا الكلام عارٍ عن الصحة وليس له أي مستند علمي دقيق، وهذا تقدم بحثه في السنة الماضية.
الأصل الثاني: أين يقع محكي المفاهيم الذهنية؟ أنت عندما تقول أنا يوجد عندي مفهوم في الذهن، هذا المفهوم ما هو مصداقه وما هو محكيه؟ عن ماذا يحكي؟ أنا عندما أقول زيد جالس واضح محكيه أمامي زيد الذي هو جالس أمامي، أو عندما أقول هذا المصباح مضيء، هذا المصباح الآن فيه إضاءة أو عندما أقول الشمس طالعة واضح أن هذه الشمس والنهار موجود، هذه لا مشكلة فيها، لا مشكلة في محكي هذه القضايا، وصدقها بماذا؟ إن كانت مطابقة للواقع الخارجي فصادقة وإن كانت مخالفة للواقع الخارجي فغير صادقة.
ولكن عندنا مجموعة من القضايا هذه القضايا ليس لها واقع خارجي، وبعض القضايا لا ليس له واقع خارجي فقط بل يستحيل أن يكون لها واقع خارجي، شريك الباري ممكن أو ممتنع؟ قرأتم في محله أن شريك الباري ممتنع عقلاً. تعالوا معنا إذن إلى قوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) يعني لو كان مع الباري شريك لفسد العالم. هذه لو كان معه شريك هذه القضية ممكنة أو ممتنعة؟ ممتنعة، لأن شريك الباري ممتنع، مع ذلك تقول لو كان معه شريك للزم فساد العالم، هذه المقدمة ممتنعة إذن يوجد له شريك أو لا يوجد، مع أن القضية صادقة. صدقها بمطابقة ماذا؟ بمطابقة الواقع الخارجي؟ إذا كان مطابق للواقع الخارجي لابد أن يوجد شريك للباري وأيضاً يتحقق فساد العالم حتى تكون القضية صادقة مع أنه لا شريك الباري موجود ولا فساد العالم وجود، ومع ذلك تقول القضية صادقة.
إذن بمطابقتها لأي شيء؟ من هنا نحن دخلنا في العام الماضي وقلنا ليس محكي جميع القضايا هو الواقع الخارجي، بل محكي بعض القضايا هو الواقع الخارجي ومحكي قسم آخر من القضايا هو الواقع النفس الأمري، الذي هو غير الواقع الخارجي. هذا بحث تقدم في الأصل الثاني من الأصول التي قدمناها في السنة الماضية.
الأصل الثالث: أشرنا إلى أقسام القضايا بلحاظ تصور الموضوع، أعزائي في المنطق بحث مهم وأنا أشرت إليه في شرح منطق المظفر، كل هذه التقسيمات ذكرتها. من التقسيمات هذا التقسيم وكذلك في الفلسفة (شرح الأسفار، ج2).
أعزائي القضية كل قضية القضايا فيها تقسيمات متعددة: تارة تقسيمات بلحاظ الموضوع وأخرى تقسيمات بلحاظ المحمول وثالثة تقسيمات بلحاظ الحمل، ولهذا نقول حمل أولي وحمل ذاتي وحمل حقيقة … ورابعة تقسيمات بلحاظ الجهة، بلحاظ المادة، بلحاظ السور … هذه كلها تقسيمات القضايا في علم المنطق.
الأصل الثالث قلنا لابد أن نلحظ بعض التقسيمات المرتبطة بلحاظ الموضوع. فقد أنا أشير إلى واحد من التقسيمات وتفصيله يراجعه الأخوة في الدرسين (85 و 86) من السنة الماضية. انظروا في ذاك البحث قلنا إذا جئنا إلى موضوع من الموضوعات، مفهوم وهو مفهوم الإنسان، هذا مفهوم الإنسان عندما أقول مفهوم لا أقصد اللفظ لا يذهب ذهنك إلى اللفظ، أنت عادة عندما أقول مفهوم الإنسان يذهب ذهنك إلى لفظ الإنسان، لا لا، مقصودنا المحكي بلفظ الإنسان. أنت تصور هذا المفهوم وهو معنى الإنسان، مرة أنت تنظر إليه بما هو مفهوم قائم في الذهن بلا حكاية عن شيء أبداً، هذا المفهوم في الذهن خارجي أو ذهني؟ هذا المفهوم القائم في الذهن خارجي أو ذهني؟ من الواضح أنه أمر ذهني. وجود أو عدم؟ إذا كان عدماً فلم يتصور ومع أنك تتصوره إذن هو أمر وجودي. جزئي أو كلي؟ هذا المفهوم في الذهن، هذا المعنى المتصور كلي أو جزئي؟ تارة إذا لوحظ بما هو حاكٍ عن أفراده يكون كلياً أما لوحظ بما هو موجود في عالم الذهن فهو شخصي جزئي.
أنا أستذكر المطالب لأنه العام الماضي أقول كما بينا، يقين عندي أن الأعزاء لا يراجعون الدروس السابقة فلذا أضطر أنا في خمس دقائق أن أوضحه.
أعزائي هذا المعنى المتصور يمكن أن يلحظ بلحاظين، تارة يلحظ بما هو حاكٍ يكون كلياً، وأخرى يلحظ بما هو هو، لا بما هو حاكي، هذا الذي عبرنا عنه في السنة الماضية ما فيه يُنظر وما به يُنظر. هذا الذي ضربنا له مثال قلنا المرآة مرة أن تذهب إلى السوق لتشتري المرآة تنظر فيها أو لا تنظر فيها، تنظر بها نفسك أو لا تنظر؟ لا، تنظر في المرآة لترى أنها سالمة أو لا، حتى إذا سألتك هل صورتها جيدة، تقول لي لا أعلم، لأني لم أر فيها نفسي، أنا كنت أريد أن أرى بأنها سليمة أو معيبة، هذا ما فيه ينظر، نظرت إليها. وأخرى لا، تجعلها وسيلة للنظر إلى صورتك.
المفهوم الذي في الذهن مرة ينظر إليه بما فيه ينظر، ومرة بما به ينظر، مع ذلك يأتي لك بعض الناس في الحوزات العلمية ويقول نحن ندرس الأصول ونصير فقهاء أصوليين ونصير مجتهدين لا نحتاج إلى المنطق ولا إلى الفلسفة ولا إلى نظرية المعرفة، هذا أمامك لابد أن يعرف الوضع العام والموضوع له الخاص إذا يريد أن يقول أنها وضعت للهيئات والحروف لابد أن ينتهي من هذا البحث المعرفي الفلسفي المنطقي، وإلا هو مقلد من حيث لا يشعر.
هذه النكات بعض الناس يستثقل هذه الكلمات عندما نقولها ويقول لماذا السيد يقول هكذا، لا أعزائي، أنا أذكر شواهد على هذا المعنى,.
ارجع إلى المفهوم: نتكلم في الأصل الثالث في تقسيمات القضايا، الأصل الثالث أن المفهوم في الذهن تارة تنظر إليه بما هو موجود من موجودات هذا العالم فيكون جزئياً شخصياً، وتارة تنظر إليه بما هو حاكٍ عن أفراده، يعني عن زيد وعمرو وخالد … فيكون كلياً. لأنه مفهوم قابل للصدق على كثيرين. إذن الموضوع تارة الذي معنى الكلي تارة يُنظر إليه بما فيه يُنظر، وأخرى يُنظر إليه بما به يُنظر. هذا هو الأصل الثالث.
الأصل الرابع وهو مهم جداً: إلى هنا كنا نقول أن المفاهيم التي ما به يُنظر يعني بلحاظ الكلية، محكياتها أين؟ أشرنا إلى أن نوعين من المحكي: النوع الأول محكيه الواقع الخارجي، هذا الواقع، الموجود، النوع الثاني الواقع النفس الأمري، الآن نريد في الأصل الرابع الذي أريد أن أبينه الآن، لا، بعض الأحيان محكيه لا الواقع الخارجي ولا الواقع النفس الأمري، إذن أين محكيه ومصداقه؟ لا الواقع النفس الأمري ولا الواقع الخارجي، إذن أين واقعه؟ الجواب: مرتبة من الذهن تكون حاكية ومرتبة أخرى من الذهن تكون محكية، فمحكيه أمر ذهني آخر لا الواقع الخارجي ولا الواقع النفس الأمري. إذن أين مصداق هذا المفهوم، أين محكيه؟ ما هو موقع المحكي؟
أعزائي: لا الأول ولا الثاني، وإنما مرتبة من مراتب ذهن الإنسان. أضرب لكم مثال نعيشه دائماً، الإنسان مفهوم كلي. زيد ماذا؟ الجواب: مرة أقول زيد ومرادي هذا الموجود الخارجي، هذا وجود خارجي، هذا مصداقه بلحاظ الواقع الخارجي. ومرة لا أتكلم عن وجوده الخارجي بل أتكلم عن صورته الذهني فهو جزئي أو كلي؟ هذا المفهوم، مفهوم جزئي في قبال الإنسان الذي هو مفهوم كلي. ولذا أنت تقسم في علم المنطق المفاهيم إلى كلية وإلى جزئية، يعني مقسم الكلية والجزئية ما هو؟ نفس المفهوم. إذن الإنسان الكلي في الذهن يحكي الوجود الخارجي لزيد أو يحكي مفهوم زيد في الذهن أي منهما؟ لا إشكال ولا شبهة أنه لا يحكي الوجود الخارجي وإنما يحكي المفهوم الذهني لزيد ومفهوم الذهني لزيد يحكي الوجود الخارجي. إذن صار عندنا في الواقع الذهني مفهوم كلي حاكي، وفي الذهن مفهوم جزئي محكي. إذن محكي المفاهيم على ثلاثة أنحاء: الواقع الخارجي، الواقع النفس الأمري، ومرتبة من مراتب الوجود الذهني. هذا هو الأصل الرابع.
الآن بالجمع، الآن فتوى أقولها وكفى. إذن بالجمع بين الأصل الثالث والأصل الرابع يصح عندنا القسم المعروف الوضع العام والموضوع له الخاص. تصويره يأتي غد.
والحمد لله رب العالمين