بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
كان الكلام في التقسيمات بلحاظ المعنى الذي وضع له اللفظ، قلنا بأننا تارة نتصور معنى من المعاني ونضع بإزائه لفظ معين، ولا فرق بعد ذلك أن المعنى المتصور هل هو معنى عام أو معنى خاص، فإن كان المعنى المتصور عاماً ووضع لفظ بإزاء هذا المعنى العام فهو الوضع العام والموضوع له العام، وإن كان المعنى المتصور خاصاً فهو الوضع الخاص والموضوع له الخاص، ولم يقع كلام بين فقهاء اللغة وعلماء الأصول في هذين القسمين، في إمكانهما ووقعهما.
أما إذا تصورنا معنى ووضعنا لفظاً لما لم نتصوره، وهذان هما القسمان الآخران الوضع العام والموضوع له الخاص والوضع الخاص والموضوع له العام، تتصور معنى عاماً وتضع لفظاً لأمر خاص، افترضوا أن تضعوا لفرد من أفراده ولمصداق من مصاديقه، فالمتصور عام والذي وضع له اللفظ هو الخاص أو العكس، أن تتصور الخاص ولكن تضع لفظاً لما هو أعم من المتصور، وهذا هو الوضع الخاص والموضوع له العام، فيما يتعلق أعزائي بالقسم الرابع لم يقع بحث كبير بين فقهاء اللغة وعلماء الأصول، لماذا؟ باعتبار أنه لم يقع بحث في مورد أنه من الوضع الخاص والموضوع له العام، يعني لا يوجد هناك ثمرة لذلك البحث حتى يبحث عنه، وإنما القسم الثالث ولكنهم بحثوا في القسم الثالث وهو الوضع العام والموضوع له الخاص، لماذا بحثوا ذلك؟
الجواب: لأنهم بعد ذلك سيتضح ان الوضع في الحروف (من، وإلى وعلى ونحو ذلك) أو وضع الهيئات، هيئة اسم الفاعل أو هيئة اسم المفعول ونحو ذلك، هل هي هذا الوضع فيها، هل هو من الوضع العام والموضوع له العام أو هو من الوضع العام والموضوع له الخاص؟ إذن هناك ثمرة علمية أساسية في هذا المجال لابد أن تبحث. من هنا يتذكر الأعزاء في العام الماضي نحن دخلنا تفصيلاً في هذا القسم الثالث وهو هل أن الوضع العام والموضوع له الخاص هل هو ممكن أو غير ممكن؟ ولم نبحث عن الوقوع لأن الوقوع بحث آخر، لأنه قد يكون الشيء ممكناً والإمكان أعم من الوقوع كما يقال. ولذا إن شاء الله تعالى البحث في هذه السنة سوف يكون في بحث الوقوع لا في بحث الإمكان.
فيما يتعلق بالإمكان أشرنا في البحث السابق قلنا بأنه توجد مشكلة أساسية في الوضع العام والموضوع له الخاص، ما هي المشكلة؟ في جملة واحدة أننا عندما نتصور العام ونريد وضع اللفظ لغير ما تصورناه يلزم ما تصور لم يوضع له وما وضع له لم يتصور، وأنتم تعلمون أن الوضع لابد من الحكم من خلال المفهوم أو اللفظ على المعنى، لا الموضوع والمحمول، لابد من تصور المعنى وتصور اللفظ ثم الحكم أن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى، ومع فرض عدم تصور المعنى كيف يوضع اللفظ له، هذا لازمه وضع اللفظ لما لم يتصور. سؤال: إذا وضعنا اللفظ لمعنى غير متصور، كيف إذا أنا أطلقت ذلك اللفظ يتبادر إلى ذهن السامع المعنى المقصود، مع أنه أنا تصورت المعنى أو لم أتصور؟ لم أتصور المعنى. هذه أعزائي هي الإشكالية الأصلية في القسم الثالث وهي الوضع العام والموضوع له الخاص.
وإذا يتذكر الأخوة من باب الاستذكار فقط وإلا البحث تقدم في السنة الماضية، أننا قلنا أن الجواب عن ذلك يتم من خلال أصلين أصلنا لهما في السنة الماضية:
الأصل الأول: أننا قد نتصور معنى في نفسه وقع نتصور معنى بلحاظ حكايته عن مفاهيمه، التفتوا جيداً، إذا قلت الإنسان ضاحك. سؤال: هذه الجملة صحيحة صادقة أو غير صادقة؟ صحيحة أو غير صحيحة؟ الجواب: في فرض صحيحة وفي فرض غير صحيحة. إذا كان مقصودك مفهوم الإنسان في الذهن ضاحك فغير صحيح، لأن مفهوم الإنسان يضحك أو لا يضحك؟ لا يضحك، أما إذا قلت الإنسان ضاحك بلحاظ مصاديقه الخارجية، أفراده الخارجية ومصاديقه الخارجية تتصف بالضحك أو لا تتصف؟ نعم.
الإنسان كاتب صحيحة أو غير صحيحة؟ إذا نظرت إلى الموضوع بما هو هو، لا، مفهوم الإنسان ليس بكاتب، ولذا الآن عندما أقول مفهوم الإنسان كاتب هذه الجملة صحيحة أو خاطئة؟ خاطئة لأن مفهوم الإنسان ليس بكاتب. نعم، أفراد الإنسان في الخارج فيها صلاحية الكتابة.
الأصل الأول: إذا لاحظنا المعنى بما هو هو في نفسه ووضعنا اللفظ للخاص فهذا غير ممكن، أما إذا تصورنا المعنى بلحاظ حكايته عن مصاديقه وأفراده فوضع اللفظ ممكن للخاص أو غير ممكن؟ نعم ممكن، لماذا؟ لأنه تصورت الخاص ولكن لا تصورته بنفسه بل تصورته من خلال المفهوم الحاكي عنه. والشاهد على إمكان هذا هو أن جنابك تقول الإنسان كاتبن مع أنك تتصور الإنسان ولكن لا بما هو إنسان ومفهوم في الذهن بل بما هو حاك … كذلك في الوضع العام والموضوع له الخاص إذا كان المعنى المتصور هو المعنى العام بما هو عام فوضع اللفظ بإزاء الخاص ممكن أو غير ممكن؟ غير ممكن، أما إذا تصورت المعنى العام لا بما هو عام بل بلحاظ حكايته عن مصاديقه وأفراده فالأفراد والمصاديق والخاص متصورة أو غير متصورة؟ إذن الإشكال الذي يقول وضع اللفظ لما لا يتصور، الجواب: كلا، في هذه الصورة وضع اللفظ لما تصور. نعم، قلنا لابد أن نضيف أصلاً آخر إلى هذا الأصل، وهو عندما نقول يتصور العام حاكياً عن أفراده لا الأفراد الخارجية، ولا الأفراد النفس الأمرية، بل الأفراد الذهنية. يعني أن مرتبة من الذهن تكون حاكية … عن ماذا حاكية؟ لا عن الخارج ولا عن الواقع النفس الأمري، وإنما حاكية عن مرتبة أخرى من الذهن.
وضربنا مثال في البحث السابق قلنا تعالوا إلى مفهوم الإنسان وإلى مفهوم زيد، لا إلى زيد الخارجي، زيد الخارجي مصداق خارجي لمفهوم الإنسان، أما مفهوم زيد مصداق لمفهوم الإنسان أو ليس بمصداق؟ نعم، مصداق، ولكن مصداقه الذهني لا مصداقه الخارجي. لماذا نقيد هذا القيد؟ نقول: بشرط الحكاية عن أفراد الذهنية على عن أفراده الخارجية، لماذا؟ لأن عالم الوضع مرتبط بعالم المفاهيم، أنا لا استطيع أن أتصور المفهوم العام وأضع اللفظ للمصداق الخارجي، لا علاقة بين المصداق الخارجي والمفهوم الذهني. اللفظ مفهوم وجود لفظي في الذهن لابد أن يوضع بإزائه مفهوم آخر، لا يمكن وضع اللفظ بإزاء الواقع الخارجي، ومن هنا أضفنا الأصل الثاني. قلنا أن المفاهيم الموجودة في الذهن على نحوين:
قسم منها حاكية وقسم منها محكية. وأنت تتصور المفهوم العام لتضع اللفظ للمفهوم الخاص، لا للواقع الخارجي. وبهذا يصح أعزائي القسم الثالث وأنه ممكن ولا محذور فيه من أي جهة من الجهات.
تعالوا معنا إلى ثمرة البحث كما قلنا في أول البحث، ما هي ثمرة البحث؟
فيما يتعلق بثمرة البحث تارة نحن نقول كما ذهب البعض من أن وضع الحروف هو من الوضع العام والموضوع له العام، إذن هنا لا يفرق عندنا القسم الثالث وهو الوضع العام والموضوع له الخاص ممكن أو ممتنع، حتى لو كان ممتنعاً لا يؤثر على وضع الحروف. إنما الكلام كل الكلام إذا قلنا أن وضع الحروف، وضع الحروف واضح يعني قيل لفظة (من) موضوعة للابتداء، لفظ الابتداء وضع له لفظ (من)، أو هيئات الجمل أو هيئات الكلمات ونحو ذلك. المعاني الحرفية بالمعنى الأعم لها بحسب فقه اللغة لا المعنى الحرف بحسب الفلسفة. طبعاً يميز بينهما في الفلسفة يعبر عنه بنحو الوجود الحرفي وفي علم الأصول أو فقه اللغة يعبر عنه بالمعنى الحرفي، لأن المعنى مرتبط بعالم المفاهيم والوجود مرتبط بعالم الحقائق الخارجية.
إذا قلنا أن الحروف والهيئات موضوعة على نحو القسم الثالث يعني الوضع العام والموضوع له الخاص، هنا يأتي هذا السؤال وهو أن هذا القسم الثالث ممكن أو ليس بممكن؟ نحن الآن انتهينا إلى إمكانه، إذن لابد أن نأتي ونرى أن وضع الحروف والهيئات هل هو من القسم الثاني أو هو من القسم الثالث؟ لماذا نبحث هذا البحث؟ باعتبار أن كلا القسمين ممكن، القسم الثاني ممكن والقسم الثالث أيضاً ممكن. أما إذا قلنا أن القسم الثالث ممتنع فلا إشكال أن وضع الحروف والهيئات هو من القسم الثاني لأنه إذا كان الثالث ممتنع فلا يعقل أن يكون من القسم الثالث.
تعالوا معنا إلى الحروف والهيئات، أعزائي يوجد بحثان عند فقهاء اللغة وعند الأصوليين، هذا البحث مأخوذ من فقه اللغة ولكن كما ذكرنا مراراً وتكراراً أن علماء الأصول عندما كانوا يحتاجون إلى بحث ولا يجدوه مكتوب عندهم بالنحو الذي يريدون كانوا يأتون به إلى علم الأصول وقد تقدم تفصيل ذلك فيما سبق.
أعزائي فيما يتعلق في وضع الحروف والهيئات عند الأصوليين بحثوا في مقامين:
المقام الأول: وهو بحث مفيد في نفسه، وبعد ذلك سيتضح بعض الأحيان له ثمرة وفي كثير من الأحيان من الأبحاث المرتبطة بفقه اللغة في محله البحث مفيد ولكن ليس بالضرورة أن تظهر آثاره في الأبحاث الأصولية والفقهية. ولكنه ذهنية ومذاق الطالب في الحوزات العلمية منظم في تنظيم أن الإنسان إذا لم يبحث هذه الأبحاث ولا يقف عندها مباشرة يتهم أنه (ملا نيست) لا يفهم … إذن لابد أن يقضي عمراً طويلاً عشرين عام أو ثلاثين عام أو أربعين عام في أمور ذكر جملة من الأعلام ولا أريد أن أأتي بأسمائهم بعضهم كان يقول أقسم بالله أني أخاف يوم القيامة أن يوقفني رب العالمين ويسألني عن تضييع عمر الناس في هذه المسائل. لأنه الطالب يأتي إلى الحوزات العلمية ويعيش فقي هذه الأجواء ويعيش في هذه السياقات فإذا لا يعرف هذه الاصطلاحات إذن هو طالب علم أو ليس بطالب علم؟ لا أنه فقط ليس بمجتهد، أساساً ليس بطالب علم، ولذا لا يجوز إعطائه الحقوق الشرعية من سهم الإمام. وأنتم أقرأوا في بعض الرسائل العملية في العروة وفي تعليقات العروة أنظروا عندما يريدون أن يذكروا بعض مصاديق من لا يستحق سهم الإمام يذكروا من. ولذا صريحاً أقول للأعزاء كونوا على ثقة لولا هذا الوضع السياق العام في الحوزات العلمية أنا من الناس أقصى ما كنت أقوله في الأصول سنة واحدة، عشرة أو عشرين مسألة في الأصول ولا تستحق هذا الوقت الطويل، وأمامكم نماذج كبار في عصرنا كالسيد السبزواري قدس الله نفسه. انظروا إلى كتابه في الأصول ولذا في الحوزة اتهم بأن هذا لا يعرف الأصول. أصوله كله لا يتجاوز مجلدين صغار لا يتجاوزان 500 صفحة. وبتعبير سيدنا الشهيد وقد اشرت إلى هذا في مقدمة هذه الأبحاث وبتعبير سيدنا الشهيد أن علم الأصول طغى ثم طغى ثم طغى إلى أن وصل إلى مرحلة أخشى أن يقضي على علم الفقه، والآن في الحوزة كذلك، الطالب مذاقه الأصولي يجعله يقرأ ثلاثين عاماً، أما في الفقه يقول إن شاء الله نقرأ … فلا مشكلة. وإلا كونوا على ثقة القضية لا تحتاج إلى هذا الوقت الطويل العريض. نعم، من يريد أن يبحث فقه اللغة … ولكن هذا لا علاقة لها بأدوات عملية الاستنباط، نحن نبحث هذا العلم بعنوان علم له موضوعية أو له آلية وطريقية للاستنباط أي منهما؟ ولكنه في حشوه وفي بطنه مئات المسائل التي لا علاقة لها بعملية الاستنباط، كما في هذه المسألة. بعد ذلك سيتضح هم يقولون لا نحتاج، لماذا لم تقل من الأول أننا لا نحتاج ولا ندخل في الوضع العام والموضوع له الخاص. اتصل بي الأخوة وقالوا سيدنا والله بالله هكذا يقولون في الحوزة وإلا لم يقل لي أحد هكذا أهمية البحث وهكذا. الكل يقولون هكذا يقولون.
إذن أنت هذا عمرك المبارك تقضيه حتى فقط تقف أمام هكذا يقولون، هناك أحد المفكرين يذكر جملة يقول هذه المقولة من أقوى المقولات الفلسفية والعقلية والقرآنية والروائية ولها تأثير لا تعادلها أي مقولة أخرى. أنا أتحدى أنا عندما أذكر هذه المقولة تأتوا لي بمقولة في قبالها أقوى منها. يذكر ذلك في كتابه، وهذه المقولة هي مقولة (يقولون) أنت انظر إلى معلومات في الحوزة 90% مما ينقل إليك ويترتب عليه الأثر لو سألته ما الدليل؟ يقول (يقولون، قالوا). أنت سمعت؟ أنت رأيت؟ أنت قرأت؟ يقول: لا، هكذا قالوا، خصوصاً إذا كان صاحب عمامة كبيرة ولحية بيضاء فلا يشك فيها، هذه العمامة الكبيرة واللحية البيضاء التي أدت إلى أن ينحوا علياً عن الخلافة، واحدة من أدلة أن علي لا يصلح كان صغر سنه، واللطيف في ذلك الزمان ولا أريد أن أقول أن التاريخ كتب أو لا، قالوا له يا علي لماذا تستعجل فعمرك يساعد. أترك هؤلاء قبلك يصيروا خلفاء وستأتيك النوبة. وقس على أمثالها في عصرنا. بمجرد أن يظهر أحد كفوء وعنده قدرة يقال له لا تستعجل ستأتيك النبوة، كأن القضية ليست قضية كفاءة بل قضية نوبة تأتي.
ارجع إلى بحثي، ولذا في هذا العام بقدر ما أمكن … إذا انتقلنا إلى المكان الآخر … أنا على هذه الطريقة سيغلق صوتي، أنا ممنوع من التكلم بلا مكبر صوت، لأني عادة أرى الجمع كثير وبعض الأخوة يجلسون بعيداً فاضطر إلى رفع صوتي، أنا لا أسمع صوتي بشكل مناسب فاضطر … ولذا نحن انتقلنا إلى ذلك المكان لتتوفر لنا فرصة وضع مكبر الصوت.
أحاول في هذه السنة بقدر ما يمكن حتى لا يضيع البحث أن ألخص الأبحاث، يعني لا ندخل في التفاصيل الكثيرة، بل بالقدر الذي يتضح للطالب هذه الأبحاث، وإلا أقسم لكم بالله وتالله ووالله في كثير من هذه الأبحاث لا نفع الدنيا ولا ثواب الآخرة. لا تقولوا لم يقل لنا السيد، يعني يوم القيامة لا تقول سيدنا أنت أجلستنا في علم الأصول عشر سنوات، أبداً، أنا أقولها لكم صريحاً الكثير من هذه الأبحاث، السيد الخوئي قدس الله نفسه درس سبع دورات علم الأصول أقصى دوراته كانت ست سنوات، والآن تعلمون الدورة الأصولية في بعض الحوزات صارت عشرين عاماً. بينك وبين الله دورة أصول واحدة عشرين عاما فهذا المسلكين كيف يستطيع أن يركز على التفسير وعلى غيره. ولذا عموماً تجدون طالب العلم عندما يذهب إلى منطقة للتبليغ لا توجد عنده بضاعة ليبلغها للناس، لأنه يعرف قاعدة الواحد أو يعرف تعريف علم الأصول أو يعرف لا تنقض اليقين بالشك وهذه لا تنفع الناس.
أرجع إلى بحثي، نأتي إلى ما يتعلق بمعرفة أن معاني الحروف والهيئات وضع الألفاظ لمعاني الحروف والهيئات هل هو من الوضع العام والموضوع له العام أو من الوضع العام والموضوع له الخاص. ولكنه كما تعلمون مقدمة هذا البحث أساساً لابد أن نعرف أساساً ما هي معاني الحروف، أنت الذي تسأل أن الوضع في الحروف والهيئات هل هو من الوضع العام والموضوع له العام أو من الوضع العام والموضوع له الخاص، أول سؤال يرد: الحروف لها معاني أو ليس لها معاني؟ أساساً الحروف موضوعة لمعنى أو ليست موضوعة لمعنى؟ قد يقال أن الحروف والهيئات غير موضوعة لمعنى، فتكون خارجة سالبة بانتفاء الموضوع، لأننا في هذه الأقسام ماذا نقول؟ نقول: التقسيمات بلحاظ وضع اللفظ للمعنى، إذن ثبت أن الحروف والهيئات لها معنى حتى نقول أنه من القسم الأول من القسم الثاني من القسم الثالث، أما إذا صار مبناك لا معنى لها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولا مشكلة في هذا.
من هنا تجد الأعلام من فقهاء اللغة والأصوليين دخلوا في بحث ما هو المعنى الموضوع له في الحروف والهيئات؟
من الواضح نحن عندما نأتي نجد أنه قيل بحسب التقسيم الثلاثي وهو: أن الكلمة أما اسم أو فعل أو حرف. عندما نأتي إلى هذا القسم الثالث وهو الحرف، ذكروا في اللغة لكل حرف معنى معين، قالوا (من) للابتداء، و (على) للفوقية أو الاستعلاء و(إلى) للانتهاء وهكذا … ثم وجدوا أنه لا يترادف المعنى مع اللفظ، يعني عندما تقول (الانتهاء خير من الابتداء) هذه الجملة لها معنى أو ليس لها معنى؟ نعم. ولكن تعال وضع مكانها الحروف، بدل الانتهاء ضع (إلى) فتصير (إلى خير من من) فلا معنى لها. الانتهاء مقابله (إلى) والابتداء مقابله (من) الآن بدل الجملة الانتهاء خير من الابتداء إلى جملة (إلى خير من من) لها معنى أو ليس لها معنى؟ ليس لها معنى. طبعاً وإن كان المتداول على الألسن هذا ولكن في جملة من الأماكن وفي جملة من الموارد يمكن أن يصح كلاهما كقوله (زيد جالس على السطح) زيد جالس فوق السطح، صحيح أو لا، على معنى حرفي وفوق معنى اسمي. من قال مطلقاً لا يصح، هناك موارد للنقض، ولكن المتداول هذا، أن هذا لا يوضع مكان هذا.
مثال آخر: أخذت من الدراهم، من تفيد التبعيضية، أخذت بعض الدراهم صحيح، ولا مشكلة فيها. أو قولهم: زيد كالأسد. ضع مكانها زيد مثل الأسد، لا مشكلة فيها. إلا أن الأعم الأغلب لا يوضع هذا مكان هذا.
فيما يتعلق بالمعاني التي وضعت أو الحروف ما هو معناها؟ توجد اتجاهات ثلاثة بشكل عام وموجودة في الكتب، في كثير من هذه الأمور الأربعة موجودة في الكتب وإنما حتى تترابط الأبحاث نحن نشير لها.
الاتجاهات الثلاثة:
الاتجاه الأول: يقول أساساً أن الحروف والهيئات لم توضع لمعنى أصلاً، وعلى هذا الأساس تخرج عن محل الكلام، لأن بحثنا أين؟ في الوضع العام والموضوع له العام والوضع العام الموضوع له الخاص بحثنا أين؟ فيما له معنى، فإذا لم يكن له معنى فسالبة بانتفاء الموضوع، هذا الاتجاه الأول.
الاتجاه الثاني: يقول له معنى، كالمعنى الاسمي. لا فرق بينهما إلا في بعض الخصوصيات، ولعله المنسوب إلى صاحب الكفاية وسيأتي بحثه.
الاتجاه الثالث: يقول له معنى ويختلف حقيقة وذاتاً ويباين المعنى الاسمي.
إذن الاتجاه الأول يقول من قال لكم أن الحروف والهيئات لها معنى، لا معنى لها. والاتجاه الثاني يقول لها معنى لا تختلف عن المعنى الاسمي. والاتجاه الثالث يقول لها معنى يختلف عن المعنى الاسمي.
أما الاتجاه الأول اشير له وإن شاء الله إلى غد. تقول إذا لم يكن لها معنى إذن فما هو دورها في الكلام؟ يقول في جملة واحدة: دور الحروف والهيئات دور الحركات الإعرابية. الضمة أو الفتحة أو الكسرة، هذه في اللغة موضوعة لمعنى؟ لا، ليست موضوعة لمعنى، إذن ماذا تبين؟ تبين خصوصية موجودة في معنى الاسم. هي غير موضوعة لمعنى وإنما هي ماذا؟ هذا المعنى الاسمي تبين الحركات الإعرابية خصوصيات المعنى الاسمي، لا أنها هي معنى في قبال المعنى الاسمي.
إذن على هذا الأساس في كلمة واحدة أن الحروف (من) دورها دور الفتحة، (على) دورها كدور الضمة، (في) دورها كدور الكسرة، كيف أن تلك الحركات ليست لها معانٍ، وإنما تبين حالات وخصوصيات المعنى الاسمي، كذلك الحروف ليست موضوعة بإزاء معنى وإنما تبين خصوصيات المعنى الاسمي. وعلى هذا الأساس موضوعة بالوضع العام والموضوع له العام أو موضوعة بالوضع العام والموضوع له الخاص؟ الجواب: لا الثاني ولا الثالث، لماذا؟ لأن ذلك التقسيم مقسمه ما له معنى، والحروف لها معنى أو ليس لها معنى؟ إذن لا معنى للسؤال عنها. وبناء على هذا فتضييع هذا العمر في أقسام الوضع بلحاظ المعنى له معنى أو لا معنى له؟ هذا الذي أنا قلته للأعزاء قبل قليل. وهو أنه لو صار مبناك أنت أن هذه كالحركات الإعرابية فهل يحتاج بينك وبين الله أن تقضي عشرين يوم أو حتى يوم واحد … نعم، الاغايون طريقتهم يقول لو تنزلنا وصار لها معنى، إذن تعال نبحث … يا أخي هذه لو تنزلنا أبحثها في أمر فيه نفع للطالب وفيه نفع للأمة وفيه نفع للبحث العلمي، هذا أجريه في التفسير، أجريه في روايات أصول الكافي، أجريه في باب الحجة من باب البحار، أفرض له هذه، لماذا تفرض لي هذه الأمور التي لا منفعة فيها.
إذن أعزائي القول الأول وهو الذي أشار إليه جملة من الأعلام ومنهم السيد الخوئي في (الدراسات، ج1، ص35) يقول: (أنها ليست إلا علائم لكيفية استعمال المعاني الاسمية ولحاظها كالإعراب والتقدم والتأخر). لماذا؟ لأن المعنى الاسمي له حالة واحدة أو حالات متعددة؟ زيد قد يكون فاعلاً وقد يكون مفعولاً وقد يكون اسم أن وقد يكون خبر أن، في كل حالة من الحالات قد يكون له خصوصية وله حكم وله معنى معين، (تأتي الحركات لتبين الخصوصيات الموجودة في المعاني الاسمية، وهكذا الهيئات ولهذا قال: (فإن المعنى الاسمي تارة يلاحظ بما أنه عين ومن حيث هو فيقال الدار قيمتها كذا، وأخرى يلاحظ بما هو أين وظرف مكان فيقال زيد في الدار، فلفظ (في) يكون علامة على أن الدار ملحوظة ظرفاً له لا أنها مستقلة …) كما تقول زيد أو ضرب زيد، زيد هنا عندما رفعته تريد أن تشير بالضمة إلى أنه فاعل، وعندما تقول زيد في الدار (في) علامة على أنه وقع في هذه الحالة، لا زيد نائم، وإنما زيد في كذا. هذا هو الاتجاه الأول. تتمة الكلام تأتي غداً في المكان الجديد.
والحمد لله رب العالمين