الأخبار

المحاضرة (94)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

انتهى بنا الحديث إلى إشكال سيدنا الشهيد على المحقق الأصفهاني، السيد الشهيد أشكل قال بأنكم تقولون لابد من المطابقة بين الوجود العيني والوجود الذهني، وهذا أصل لا نوافق عليه باعتبار أن الوجود العيني قد يكون بنحو والوجود الذهني بنحو آخر. كما هو الحال في الأعراض، فإن العرض في الخارج وجوده في نفسه ولكن قائم في موضوع، أما عندما يأتي العرض إلى الذهن فوجوده ليس قائماً في موضوعه بل يمكنك أن تلحظه في نفسه. فليكن أمر المعنى الحرفي أيضاً كذلك، هذا بيان السيد الشهيد، يقول للمحقق الأصفهاني فليكن المعنى الحرفي في الواقع الخارجي قائم بالمنتسبين بالطرفين، قوامه بالطرفين، ولكن عندما يأتي إلى الذهن يلحظ بنحو استقلالي، ما المحذور في ذلك. ونظير ذلك ما هو؟ العرض، فأنه في الخارج في محل وفي الذهن مستغني عن المحل، إذن من أين تقولون إذا كان في الخارج ليس له إلا نحو واحد فلابد أن يكون في الذهن أيضاً ليس له إلا نحو واحد. ننقض عليكم بالأعراض. هذا إشكال سيدنا الشهيد على المحقق الأصفهاني. هل أن الإشكال وارد أو ليس بوارد؟

أولاً: المحقق الأصفهاني ملتفت إلى ذلك، مرة نريد أن ندافع عن المحقق الأصفهاني بما لم يلتفت إليه ومرة هو ملتفت إلى أنه لا ينقض علينا بالعرض فإن نقض علينا ناقض فنحن نجيبه، قياس مع الفارق، المعنى الحرفي والعرض. هذا مهمة كثيراً. مرة أنا أريد أن أدافع عن المحقق الأصفهاني فقد يقول قائل أن هذا الدفاع عن المحقق الأصفهاني وهو غير ملتفت لهذه النكتة. ومرة لا يقول لنا قائل ماذا تقولون في العرض، في العرض هذا حاله، الجواب: قياس مع الفارق فإن العرض له حكم والحرف له حكم آخر.

ما هو الفرق بينهما بنحو الإجمال؟

كما أشرنا في الدرس السابق بنحو الإجمال يقول أن العرض له وجود في نفسه، فإذا كانت له نفسية، إذن له هوية بغض النظر عن نحو وجوده. نعم، العرض الذي هو ماهية تامة في نفسها خصوصية وجوده يختلف في الخارج عن الذهن، العرض ليس في هويته قائم في الغير، العرض في وجوده الخارجي بقيد الخارجي قائم بالغير، فإذا جاء إلى الذهن يقوم بالغير أو لا يحتاج؟ لماذا؟ لأنه أساساً ارتباطه بالغير وقيامه بالغير كان من خصائص وجوده الخارجي، وبطبيعة الحال عندما يأتي إلى الذهن فله حكم آخر. وهل المعنى الحرفي كذلك؟ يقول: لا، المعنى الحرفي حقيقته ذاته هويته هي أنه قائم بغيره، في أي ظرف من الظروف فرضته، فرضته خارجاً حقيقته … قوامه أنه بالغير، أصلاً لا معنى له إلا في غيره، في الذهن، في عالم الملكوت كذلك، في عالم الجبروت كذلك، بتعبير أحد أعلامنا في عالم الهاهوت كذلك.

قضية عالم الهاهوت، مرزا مهدي الاشتياني صاحب التعليقة القيمة على المنظومة عنده تعليقة مهمة على منطق المنظومة وعلى فلسفة المنظومة ولعل أفضل ما كتب على المنظومة هي حاشية مرزا مهدي الاشتياني الذي هو أستاذ من أساتذتنا المعاصرين، وله كتاب قيم لم يترجم وهو مهم وهو (قاعدة الواحدة) هذا الكتاب إذا ترجم وطبع لعله يقع في مجلدين وهو كتاب مهم في قاعدة الواحد.

كان في طهران، يقال أنه جاء إلى قم وصعد في مسجد الإمام الحسن وعادة في ذلك الوقت كان يجلس عنده عموم الناس فبدأ يقول أن العوالم عالم الناسوت وعالم الملكوت وعالم الجبروت … إلى أن قال وأنا أقول أن هناك عالم هو عالم الهاهوت، بعض تلامذته المقربين قال له: شيخنا هؤلاء … المقصود من هاروت مقام الأحدية بتعبير العرفاء يعني مقام اللا بشرط المقسمي أو القسمي. قالوا له هذا الكلام لم تقوله فهؤلاء لا يفهمونه، قال لهم أنا أقوله لنفسي. بعض الأحيان الإنسان يتكلم لنفسه.

يقول: في أي ظرف قوامه … اضرب لكم مثاله الوجود الإمكاني باللحاظ يتبدل عن حاله، يعني باللحاظ يصير إمكاني وبلحاظ آخر يصير واجب، في أي ظرف مرتبة فرضت الوجود فهو وجود ممكن، مثال أوضح: الأربعة بحسب الوجود الخارجي الأربعة زوج، بحسب الوجود الذهني ، بحسب عالم المثال الأربعة ماذا، في عالم العقول الأربعة ماذا؟ لماذا؟ لأن الزوجية قوام ذاتي لهذه الأربعة، لا أنه باللحاظ يصير هكذا وبلحاظ آخر يصير هكذا … أبداً. يقول المعنى الحرفي قوامه أن قائم بغيره، إذن فلا معنى أن يكون في الخارج بنحو وفي الذهن بنحو آخر. فإذن لا يقاس المعنى الحرفي بوجود العرض، فأن العرض فوجوده في الخارج قائم في غيره أو في المعاني لا مطلقاً.

تقول لي: سيدنا هذا الذي بينته يشير إليه هو. ولذا قلت بالأمس أننا لو قرأنا العبارة إلى الآخر لما أشكل هذا الإشكال، ولعل السيد الشهيد نقل الإشكال من مكان آخر أو قرأ أول العبارة. هذه هي عبارة المحقق الاصفهاني، يقول: (قد عرفت أن مجرد لزوم القيام بالغير لا ينافي الوجود النفسي كيف والعرض من أنحاء الموجود في نفسه مع أن وجوده في نفسه) يعني في الخارج عين وجوده لغيره، من قال لكم بأنه بمجرد أنه صار قائماً بالغير يعني فقد النفسية، لا، قد يكون قائماً بالغير في الوجود الخارجي ومع ذلك له وجود في نفسه. إلى أن يقول: (مع أن من البديهي أن حقيقة النسبة لا توجد في الخارج إلا بتبع وجود المنتسبين) يعني المحمول والموضوع (من دون نفسية واستقلال اصلاً) أصلاً ليس له أي نفسية، وبهذا اختلفت عن العرض. العرض له نفسية (فهي متقومة في ذاتها بالمنتسبين) أصلاً هويتها قائمة … فإذا كانت كذلك فيختلف وجودها الذهني عن وجودها الخارجي أو لا يختلف؟ كالأربعة متقومة بكونها زوج، لازمها الذاتي زوج، (لا في وجودها فقط كما هو الحال في العرض، بخلاف العرض فإن ذاته غير متقومة بموضوعه) له هوية في نفسه، (بل لزوم القيام بموضوعه ذاتي وجوده) أي وجود؟ وجوده الخارجي (فإن وجوده في نفسه وجوده لموضوعه، وإذا كان النسبة بذاتها وحقيقتها متقومة بالطرفين فلا محالة يستحيل اختلافها باختلاف الوجودين من الذهني والعيني.

إذا ذاتيها الإنسان الإمكان، فهل يختلف وضعها خارجاً وذهناً وملكوتاً وجوهراً أو لا يختلف؟ لا يختلف. هذا في (ص53) إلى أن يقول: (وأما حقيقة المعنى الحرفي والمفهوم الأدوي فهو ما كان في حد ذاته غير استقلالي بأي وجود فرض) ذاته هكذا، (فعدم استقلاله باللحاظ كعدم استقلاله في الوجود العيني) ذهناً وخارجاً وفي غيره. من جهة نقصان ذاته، أصلاً الذات نقول ذاتي مثل الإمكان، أصلاً الإمكان ذاتاً أو الإمكان عرضي عليه، أي منهما؟ الوجود ذاتي الواجب، طبعاً ليس ذاتي باب الإيساغوجي بل ذاتي باب البرهان، يمكن أن تنزع الوجوب من الحق، يعني وجوب الحق عارض عليه؟ وذاته غير واجبة… لا لا، ليس مثل الجسم والبياض، الوجوب النسبة للحق ليس مثل البياض بالنسبة إلى الجسم. بالنسبة إلي كالناطقية بالنسبة إلى الإنسان إذا اخذت الناطقية من الإنسان يبقى إنسان أو لا يبقى، الله إذا أخذ عنه الوجوب فلا يبقى الله. هذه حقيقته أنه ما هو؟ قائم في غيره. فلا يفرق ذهناً أو خارجاً.

قال: (من جهة نقصان ذاته عن قبول الوجود النفسي في أي وعاء كان لا أن اتصافه بعدم الاستقلال بلحاظ اللحاظ) لا يتبادر إلى ذهنك عندما نقول أن المعنى الحرفي آلي غير مستقل اللحاظ جعله آلياً، بل هو في ذاته هو آلي، ليس هو في نفسه آلي وكذلك استقلالي وأنت باللحاظ ماذا تجعله؟ مثل هذا الجسم يمكن أن يكون أبيض ويمكن أن يكون أحمر ويمكن أن يكون أسود وأنت بالعرض ماذا تفعل … يقول لا، المعنى الحرفي سنخ معنى في ذاته قائم في غيره. حتى يكون الوصف المذكور وصفاً له يعني الآلية، بحال متعلقه لا بحاله نفسه، يقول: لا، وصفه بالآلية بحال نفسه لا بحال متعلقه.

ثم يدعي هذا المعنى ويقول: (ما ذكرناه في تحقيق المعاني الحرفي والمفاهيم الأدوية هو الذي صرح به أهل التحقيق والأكابر من أهل فن المعقول). إذن تبين أن هذا المعنى أخذه من الفلسفة.

إذن في جملة واحدة، إشكال سيدنا الشهيد أو النقض على المحقق الأصفهاني بالعرض هذا النقض وارد أو ليس بوارد؟ وببيان آخر: قياس المعنى الحرفي بالأعراض قياس مع عدم الفارق أو قياس مع الفارق؟ قياس مع الفارق.

إذن إشكال سيدنا الشهيد غير وارد على المحقق الأصفهاني.

سؤال: إشكال المحقق الأصفهاني وارد على المحقق صاحب الكفاية أو غير وارد؟ في النتيجة إلى ماذا انتهى المحقق الأصفهاني؟ انتهى المحقق الأصفهاني إلى حقيقة قال أن المعنى الأدوي يعني المعنى الحرفي في ذاته هو حرفي، والاستقلالي في ذاته، إذن هما معنى واحد أو معنيان؟ … وهذا هو البرهان الذي أدى بالقوم أن يرفضوا اتجاه المحقق الرضي وما ذكره صاحب الكفاية وذهبوا إلى أن الاختلاف بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي اختلاف ذاتي تباين ذاتي، هذا معنى وذاك معنى.

هذا البيان الذي ذكره أو البرهان بتعبيره في (ص51) قال: (والبرهان على ذلك هو أن الاسم والحرف لو كانا متحدين معنى).

تعالوا نرى أعزائي ماذا تصور المحقق الأصفهاني من صاحب الكفاية وماذا يريد صاحب الكفاية لنرى إن إشكاله وارد أو غير وارد. ماذا قال الأصفهاني؟ قال: نحن عندما نأتي إلى المعنى الحرفي في الخارج نجد قوامه قائم بماذا؟ الطرفين. فهل يتحول عما هو عليه أو لا يتحول؟ لو تحول عما هو عليه للزم الانقلاب في وجوده من معنى حرفي إلى معنى اسمي، وحيث أن المعنى الحرفي في الخارج لا يكون إلا بحالة واحدة إذن لابد في الذهن أيضاً لا توجد له إلا حالة واحدة، إذن بطل كلام صاحب الكفاية الذي قال أن المعنى واحد والاختلاف إنما هو باللحاظ الخارجي.

وهنا بودي أن أبين نكتة ظريفة، أبين الجملة يكتبها الأخوة وبعد ذلك يتأملوا فيها. المحقق صاحب الكفاية لم يدعِ أن المعنى الملحوظ باللحاظ الآلي مع قيد كونه آلياً باللحاظ الآخر يكون استقلالياً. الاصفهاني ماذا تصور؟ تصور أن صاحب الكفاية يقول أن المعنى الآلي باللحاظ، مع كونه آلياً نستطيع أن نبدله باللحاظ نفسه، فقال يستحيل ذلك، والحق معه. أن المعنى الآلي بما هو معنى آلي باللحاظ يكون استقلالياً؟ محال، لماذا؟ لأنه فرضته أنه آلي فكيف يمكن أن اللحاظ يبدل الحقيقة إلى غير حقيقة. لا فقط هناك، المعنى الاستقلالي، يعني باللحاظ الاستقلالي مع كونه بهذا اللحاظ هل باللحاظ يتبدل إلى آلي أو لا يتبدل؟ أيضاً لا يتبدل. هذا بشرط المحمول.

ونحن معك، أن المعنى الحرفي في الخارج له حالة واحدة, وفي الذهن أيضاً له حالة واحدة. من قال لك أن المعنى الحرفي في الذهن له حالتان. تقول لي: هكذا يقول الأصفهاني؟ أقول: نعم، هكذا يقول، وهذه عبارته: (فإن المعنى الحرفي لا يوجد في الخارج إلا على نحو واحد) شيخنا من قال لك في الخارج، في الذهن ايضاً المعنى الحرفي لا يوجد إلا على نحو واحد. من قال لك أن المعنى الحرفي يوجد على نحوين، وهي يعقل أن المعنى الحرفي باللحاظ يتبدل ويصير … صاحب الكفاية هو هذا ما قاله المسكين، قال: عندنا معنى كلي، هذا المعنى الكلي إذا لوحظ بآلية يصير حرف، إذا لوحظ باستقلالي يصير اسم، لا أن المعنى الحرفي له حالتان.

صاحب الكفاية يقول المعنى باللحاظ ماذا يصير؟ آلي واستقلالي، لا أن المعنى الحرفي باللحاظ ينقلب إلى … وفرق بين المقامين. إذا أردت تقريب المطلب إلى أذهان الأعزاء افترضوا أن المعنى كالجنس، مثل حيوان. ويأتي اللحاظ الآلي أو الاستقلالي ويجعل هذا حرفي وهذا … اللحاظ اجعلوه بمنزلة الفصل وإن كان قياس مع الفرق، لأنه اللحاظ المعنى لا المعنى جنس ولا اللحاظ فصل، ولكن من باب التقريب، لو كان صاحب الكفاية يقول أن المعنى الجنسي بعد لحوق الفصل المنوع له يمكن أن يتبدل الإشكال وارد، ولكن هو لا يقول هذا، أن المعنى الحرفي باللحاظ يكون استقلالي حتى تشكل عليه أن المعنى الحرفي في الخارج لا يمكن أن يتبدل. هو يقول المعنى الذي هو معنى واحد حقيقة، أنت بحسب حاجتك وبحسب استعمالاتك وبحسب لغتك هذا المعنى مرة تعبر عنه بنحو المعنى الاسمي وأخرى تعبر عنه بنحو المعنى الحرفي، ومع التعبير عن أحدهما أسمياً كان أو حرفياً باللحاظ يتبدل عما هو عليه أو لا يتبدل؟ لا يتبدل.

انظروا إلى عبارة صاحب الكفاية، هذا المطلب ليس من عندي بل منه قدس الله نفسه، في (الكفاية) يقول: (إن نحو إرادة المعنى) عندك معنى واحد وهو الابتداء، طبعاً لا يذهب ذهنك إلى ابتداء يعني المعنى الاسمي … المعنى … ولكن لا أعلم هذا التعبير كيف … سمه (أ). هذا المعنى (أ) مرة تعبر عنه بلفظ أسمي هو الابتداء ومرة تعبر عنه بلفظ أو كلمة حرفي وهو (من). يقول: (إن نحو إرادة المعنى) المعنى الواحد (لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصياته ومقوماته) نحو الإرادة لا يكون من خصوصيات المعنى، لماذا؟ لأن الإرادة متأخرة رتبة عن المعنى. فكيف تكون من خصوصيات المعنى. هذا المعنى الواحد. أنت في جملة تريده أن يكون في غيره. تضع له أي لفظ حتى يشير له؟ (من). وفي آخر لغرض آخر تريد أن يكون في نفسه فأي لفظ تضعه له؟ ابتداء.

صاحب الكفاية أين قال أن المعنى الآلي باللحاظ ينقلب استقلالي، أو أن المعنى الاستقلالي باللحاظ ينقلب إلى آلي. حتى تقول أنه في الخارج واحد له حالة واحدة إذن في الذهن أيضاً … الجواب: نحن نقول معك، واقعاً الحق معك والأصل تام، وهو أن نحو وجود الآلي في الخارج هو آلي أين؟ في الذهن. ونحو وجود الاستقلالي في الخارج هو استقلالي في الذهن. من قال لك … إذن قولك أنه باللحاظ يتعدد وفي الواقع الخارجي لا يتعدد، لا أبداً، كما في الخارج لا يتعدد هو نحو واحد، في الذهن أيضاً لا يتعدد وهو نحو واحد.

إذن إشكال المحقق الأصفهاني غير وارد على صاحب الكفاية. الإشكال الثاني يأتي.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات