بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
كان الكلام في الاتجاه الثالث قلنا أن قوام هذا الاتجاه يقوم على أساس أن هناك تبايناً تاماً بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي، وبهذا يمتاز هذا الاتجاه عن الاتجاه الثاني الذي كان يرى أنه من حيث المعنى لا اختلاف بين الاسمي والحرفي وإنما الاختلاف في حيثية الاستعمال أو اللحاظ بالنحو الذي تقدم.
ولكن فيما يتعلق بهذا الاتجاه الثالث وجدت عدة نظريات لتفسير الفرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي. وحيث أن التفسير الذي هو على الألسنة بين الطلبة والفضلاء وفي كلمات الأصوليين هو التفسير الذي قدمه المحقق النائيني وهو أن المعنى الاسمي خصوصيته هي الإخطار وأن المعنى الحرفي يتقوم بالإيجاد، ومن هنا ميز بين المفاهيم الاسمية والمعاني الاسمية بأنها إخطارية وبين المفاهيم أو المعاني الحرفية بأنها إيجادية. ولكنه بعد ذلك وقع الكلام في ما هو المراد المرزا من قوله الإخطارية والإيجادية.
وعلى القاعدة قلنا نحن إنما نعرض لهذه الأبحاث لا بالضرورة أن لها ارتباط ببحثنا ولكن فيها مجموعة من النكات ومجموعة من المباحث قد تفيدنا في مواضع أخرى وهو بحث قيم في فقه اللغة ما هو الفرق بين المعنى الاسمي وبين المعنى الحرفي. ولذا أحاول إن شاء الله تعالى بقدر ما نستطيع في هذا اليوم أن نقرر كلمات المرزا وأن المرزا ما هو مبناه في الإخطارية والإيجادية، وماذا ذكر في تفسيره هذا. هذا الكلام أعزائي سوف نحاول أن نقف فيه على فوائد الأصول وإلا في أجود التقريرات الكلام مختصر جداً.
في (فوائد الأصول، ج1، ص33) مؤسسة النشر الإسلامي، في البحث عن المقام الأول في بيان معاني الحروف. وفي (ص34 و 35) في القول الثالث، يقول: (إن للحروف معاني ممتازة الهوية عن معاني الأسماء) وليست كما قال صاحب الكفاية أنه أساساً لا امتياز ماهوي بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي. ثم يقول: (بحيث تكون معاني الحروف مباينة لحروف الأسماء تبايناً كلياً لا أن معانيها متحدة مع معاني الأسماء) هذه نظرية صاحب الكفاية (ولا أنها علامات صرفة ليس لها معاني) الذي هو الاتجاه الأول الذي اشرنا إليه.
وتوضيح ذلك يقتضي رسم أمور: أنا أحاول أولاً أن أقرر الأمور أمراً أمراً ونكتة نكتة بالترتيب الذي اعتقده لا بالترتيب الموجود في الكتاب. وبعد ذلك أقرأ بعض العبارات لتأييد المطلب.
الأمر الأول: يقول: لابد أولاً نفهم ما هو المراد من المعنى والمفهوم، يقول: المعنى المفهوم هو ذلك الذي يدركه الإنسان من الحقائق في عالم تقررها العقلي، قبل عملية الوضع لأن هذه متأخرة عن إدراك ذلك المعنى، وقبل عملية الاستعمال أيضاً لأن الاستعمال فرع … إدراك المعنى ثم وضع الألفاظ ثم الاستعمال. قبل أن نصل إلى مرحلة وضع الألفاظ وقبل أن نصل إلى مرحلة الاستعمال فهناك مجموعة من الحقائق المدركة عندنا، هذه الحقائق وهذه المعاني المدركة عندنا هي المفاهيم والمعاني.
بغض النظر عن أن تكون لتلك المفاهيم والمعاني ما بإزاء خارجي أو لم يكن له ما بإزاء خارجي. وهذا الذي قلناه فيما سبق بأنه أساساً ليس المراد من أنه بإزاء المصداق أن المصداق هو الواقع الخارجي، لا، بعض المعاني والمفاهيم لها مصاديق خارجية أو ليس له مصاديق خارجية … ولكن معاني حقيقة، يقول: (المراد من المعنى والمفهوم هو المدرك العقلاني الذي يدركه العقل من الحقائق سواء كان لتلك الحقائق خارج يشار إليه أو لم يكن له خارج يشار إليه) ومع ذلك حقيقة من الحقائق كالعدم فإن العدم مفهوم ومعنى يدركه الإنسان في قبال الوجود مع أن له مصداق خارجي أو ليس له؟ أصلاً محال أن يكون لمفهوم العدم مصداق خارجي. أو كشريك الباري إذا قلنا أنه ممتنع بالذات أو اجتماع النقيضين مع أنه يدرك اجتماع النقيضين ولكن له مصداق في الواقع الخارجي أو ليس له مصداق؟ ليس له مصداق. هذا هو الأمر الأول، هذا يقوله حتى بعد ذلك عندما يأتي إلى المعنى الاسمي والمعنى الحرفي يبين موضع المعنى الاسمي أين تقرره وموضع المعنى الحرفي أين تقرره.
نعم، في هذا الأمر الأول يذكر كيف حصل الإنسان على هذه المعاني والحقائق، هذه المعاني والحقائق لم يولد الإنسان (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) من أين حصل عليها؟ هنا تأتي نظرية – والتي شرحناها في العام الماضي في علم الأصول- نظرية التقشير المعروفة على الألسن وهو أنه يأخذ المعنى من الخارج ثم يقشره وهماً وخيالاً إلى أن يجعله خالصاً، وقلنا أن هذه النظرية واضحة البطلان كما شرحناها مفصلاً في محلها، وليس مهماً الآن مناقشة ما ذكره في هذا المجال.
هذا هو الأمر الأول.
إذا اتضح ذلك يقول تعالوا معنا لنرى ما هو المعنى الاسمي وما هو المعنى الحرفي؟ بعد هذه المقدمة. يقول: (المعنى الاسمي هو ما دل على معنى قائم في نفسه في عالم تقرره ووعائه العقلي) قبل أن نصل إلى الألفاظ وقبل أن نصل إلى الاستعمال، لو فرضنا لا مستعمل ولا لافظ ولا واضح فذلك المعنى يفهمه. هناك كثير من الحقائق يفهمها الأطفال، الآن كثير من المعاني الآن يفهمونها ولكن لا يستطيعون أن يفهموا ألفاظها ولا يستطيعوا أن يستعملوها. يقول: إذا كان هناك معنى له تقرر في وعاء العقل قبل أن يصل إلى مرحلة اللفظ والاستعمال فهو معنى اسمي. لذا عبارته (إن الاسم ما دل على معنى في نفسه وهو أن المعنى الاسمي مدرك من حيث نفسه وله تقرر في وعاء العقل) يعني قبل أن نصل إلى مقام اللفظ والاستعمال (من دون أن يتوقف إدراكه على إدراك شيء آخر). هو في نفسه، لو لم يكن في العالم إلا هو لأمكن إدراكه (حيث أنه بنفسه معنى يقوم بنفسه في مرحلة التصور والإدراك وله نحو تقرر وثبوت ولا فرق بين أن يكون هذا المعنى المتصور والمدرك في وعاء العقل بحسب وجوده الخارجي محتاج إلى الغير كالأعراض أم مستغنياً عن الغير كالجواهر) كونه مستغناً عن الغير في الخارج أو محتاج إلى الغير في الخارج هذا مرتبط بعالم وجوده في الخارج لا بعالم تقرره العقلي في وعاء العقل. (سواء كان من مقولة الجواهر أو الأعراض … والحاصل أن المراد من كون المعنى الاسمي قائم بنفسه) هنا يصرح (هو أن للمعنى نحو تقرر وثبوت في وعاء العقل سواء كان هناك لافظ ومستعمل أو لم يكن وسواء كان هناك واضع أو لم يكن).
معنى من المعاني، حتى لو لم تفهم اللغة أنت تفهم معنى الثبوت ومعنى الوجود ومعنى الأب …
إذا كان عندك هكذا معنى وهو أن له تقرر في وعاء العقل من غير أن يتوقف على واضح ولافظ ومستعمل وإدراك شيء آخر فهو معنى اسمي. هذه ضابطته.
تعالوا معنى إلى المعنى الحرفي. أتصور ان المعنى الحرفي بناء على هذا الضابط هو الذي ليس له تقرر في وعاء العقل في نفسه. ليس له تقرر، إذن لكي يدرك يمكن أن يكون محتاجاً إلى الغير أو لا يكون محتاجاً؟ نعم، فهو معنى قائم في نفسه أو في غيره؟ هو معنى قائم في غيره. وأنت مباشرة هنا تستطيع أن تقول هذه نظرية الوجه الأول بالحركات والوجه الثاني لصاحب الكفاية أيضاً قالوا بهذا. يقول: لا لا، اصبروا قليلاً وأنا أبينها.
وأما المعنى الحرفي، في (ص36) ما هو؟ يقول: (إن الحرف ما دل على معنى في غيره أو قائم بغيره فالمراد منه هو أن المعنى الحرفي ليس له نحو تقرر وثبوت في حد نفسه، بل معناه قائم بغيره) فإن قلت، سؤال: ما الفرق بين الحركات وبين ماذا … يعني الاتجاه الأول. فإن قلت: ما الفرق بين الاتجاه الأول وهي الحركات الإعرابية أيضاً معنى … الحركة الفتحة أو الكسرة أو الضمة هذه إذا لم تكن على كلمة لها معنى أو ليس لها معنى؟ لا معنى لها. متى يتحقق معناها؟ من خلال الغير، فلو لم يكن الغير فلا معنى لها، بخلاف كلمة زيد، يعني تلك الحقيقة لها معنى سواء كان فاعل أو مفعول أو مرفوع أو مجرور أو منصوب.
الجواب يقول: لا، هذه النكتة التفتوا لها. هذه من النكات لعله أنا إلى الآن لم أراها في كلمات الآخرين، هذه من الكلمات التي رأيتها في كلمات المحقق النائيني وحقه لابد أن يكون محفوظاً من الناحية العلمية. يقول: هناك فرق أساسي بين الحركات الإعرابية وبين المعاني الحرفية، طبعاً هذا من متابعتي لكلمات … لا اقل في هذا الموضوع حتى لا أتكلم في المطلقات، السيد الخوئي هنا مع أنه تلميذه في كل تقريراته في هذه المواضع لم يشر إلى هذه النكتة. وهكذا الأعلام الآخرين عندما جاءوا لتمييز الفرق بين الاتجاه الأول والاتجاه الثالث لم يشيروا إلى هذه النكتة. ما هي النكتة؟ يقول: في الاتجاه الأول الحركة حاكية عن حال من أحوال ما تعرض عليه. ولكنه في المعنى الحرفي المعنى الحرفي موجد لمعنى في غيره لم يكن في الغير قبل هذا … المعنى الحرفي.
أعيد الرؤية وبعد ذلك أطبقها واضرب لكم أمثلة:
يقول في الاتجاه الأول الحركات كاشفة عن واقع موجود في الغير، أما في الاتجاه الذي نحن نقوله في الثالث المعاني الحرفية ليست كاشفة، معطية لشيء الغير عنده أو لا؟ ليس عنده، يعني لو لم يأتي هذا الغير لوجد فيه هذا المعنى الإضافي أو لم يوجد؟ لم يوجد، بخلافه في الاتجاه الأول فإن المعنى موجود ولكن الحركة تأتي لتحكي عنه ولتكشف عن وجوده. لا توجده، مثاله: يقول أنت عندما تقول ضرب زيد هذا الرفع في زيد لم يجعل زيد فاعلاً، لا، زيد هو ضرب وهو فاعل حقيقة، وأنت تريد أن تعبر عن فاعليته فتعبر عنها بحركة الضمة. فحركة الضمة لم توجد كونه فاعلاً، لا، حركة الضمة كشفت أن هذا زيد ليس مضروب بل ضارب. ليس مأكول بل آكل، ليس مقتول بل قاتل.
هذه في الحركات.
أما في المعاني الحرفية (من) إذا أنت لم تقل (سرت من البصرة) هذا الابتداء الذي يكون من البصرة إذا (من) غير موجودة فليس في البصرة ابتداء، هذا الابتداء هذه النسبة وهذا المعنى الذي حصل من (من) قبل لفظ (من) البصرة لم يكن يوجد فيها هذا المعنى، وهذه نكتة جداً قيمة الحق والإنصاف. الليلة إن شاء الله تراجعون كلمات الأعلام عندما ميزوا بين الاتجاه الأول والاتجاه الثاني هذه النكتة بهذا الوضوح لعله توجد في حواشي كلماتهم، لكنها بهذا الوضوح موجودة في كلمات المرزا النائيني قدس الله نفسه.
لاقرأ لكم العبارة، يقول في (ص37): (والحاصل أن المعنى الحرفي يكون قوامه بغيره) إذن له تقرر في وعاء العقل في نفسه أو ليس له تقرر؟ هذا أولاً. وإذا لم يكن له تقرر في وعاء العقل فمفاده ومعناه يأتي في المرتبة الأولى أو يأتي في الوضع والاستعمال؟ لأنه ليس … وإلا لو كان له تقرر في نفسه … لو كان له معنى في نفسه لكان له تقرر قبل وعاء … قبل الوضع وقبل الاستعمال. (ونحو تقرره وثبوته بتقرب الغير وثبوته). ثم يقول: (والفرق بين كونه علامة صرفة) كما هو الاتجاه الأول (وبين كونه معنى قائم بغيره) كما هو الاتجاه الذي هو يريد أن يفسر (هو أنه بناء على العلامة يكون الحرف حاكياً عن معنى في الغير متقرر في وعاء الغير) يحكي يكشف لا أنه يوجد. هو موجود ولكن أنت تريد أن تعبر عنه، تعبير عنه بالضمة أو بالكسرة أو بالفتحة (كحكاية الرفع على الفاعلية الثابتة لزيد في حد نفسه) كونه فاعل لا أنه أنت وضعت له الرفع صار فاعلاً، أنت تستطيع أن تغير الواقع وتضع له فتح وتجعله مفعولاً؟! لا ليس هكذا. هو في الواقع فاعل فأنت تكشف بالرفع أنه فاعل.
(كحكاية الرفع عن الفاعلية الثابتة لزيد في حد نفسه مع قطع النظر عن عالم الاستعمال) يعني هو فاعل في الواقع، (وهذا بخلاف كونه معنى قائماً بغيره فإنه ليس فيه حكاية عن ذلك المعنى القائم بالغير بل هو موجد لمعنى في الغير). هذا المعنى لم يكن موجوداً إذا لم ينضم إليه هذا الحرف. فإذا انضم إليه يعطيه معنى فوق معناه المتقرر في نفسه. البصرة ماذا تعني؟ البلد الكذائي، لا لغة، بل إشارة إلى … ماذا تحكي البصرة؟ تحكي ذلك البلد الكذائي. ولكن عندما تقول (من البصرة) لا تحكي المكان فقط بل المكان وأنه صار مبدأ لشيء لسير أو لغيره، هذا كونه لمبدأ من أين استفدناه؟ لا من كلمة البصرة، وإنما أنت أضفته ببركة كلمة (من أو إلى أو غير ذلك).
ثم يضيف نكتة وهذه النكتة جداً مهمة، وهي أنه يأتي في (ص42) يقول لكي تعطي الحروف أو المعاني الحرفية تعطي شيئاً لم يكن في أصل المعاني الاسمية، نفس المعاني الاسمية لم يكن فيها معنى الابتداء أو الانتهاء أو الفوقية أو الظرفية، لم يكن فيها في نفسها. متى تستطيع هذه الحروف أن تعطي هذه المعاني الإضافية تعطيها أين؟ للمعاني الاسمية. هذه الحروف متى تكون قادرة على إضافة هذه المعاني للمعاني الاسمية التي لم تكن موجودة للمعاني الاسمية قبل إضافة هذه الحروف إليها؟ يقول: ها إنما يتم في الربط الكلامي في عالم الاستعمال وإلا إذا لم يوجد استعمال تستطيع هذه الحروف أن تضيف شيئاً أو لا تستطيع؟ يعني أنت إذا لم تقر (سرت من البصرة إلى الكوفة) المثال المعروف، هذه (من) تفيد الابتداء و(إلى) تفيد الانتهاء قبل هذا العالم قبل الوضع وقبل الاستعمال هذه المعنى الإضافي يضاف إلى البصرة والكوفة أو لا يضاف؟ متى يضاف إذن. إذن المعاني الحرفية يكون لها معنى في الغير في أي مرحلة؟ مرحلة التقرر العقلي؟ لا، مرحلة الألفاظ؟ لا. مرحلة الاستعمال.
إذن تبين الآن فارق أساسي آخر بين المعنى الاسمي وبين المعنى الحرفي، أن المعنى الحرفي كما لا تقرر له في وعاء العقل كذلك إنما هو متأخر بمرتبة أو مرتبتين من عالم التقرر العقلي للمعاني الاسمية. يوجد ربط بين الكلمات، يقول الكلمات متباينة بالذات (البصرة، الكوفة) صاحبنا أراد أن يتكلم بالعربية وهو لا يعرف أن يتكلمها كان يتصور أن كل ما يضاف له (ال) يصير عربي، فكل كلمة كان يضيف لها (ال) قالوا له بغداد قال البغداد، افترض البصرة الكوفة البغداد، كل هذه تعطي معنى أو لا تعطي معنى. لا فيها ابتداء ولا فيها انتهاء ولا فيها ظرفية ولا فيها خيرية وفلا فيها تقدم … ابداً، أي معنى من المعاني بين هذه الكلمات الاسمية يوجد أو لا يوجد؟ مفاهيم متباينة بتمام ذواتها، من يعطيها هذا الربط لتبدأ لتعطي معاني إضافية، من؟ هنا يأتي دور المعاني الحرفية. دور المعاني الحرفية بمعناها الواسع لا فقط مقصود من، حتى الهيئات، والنسب وغير النسب وأدوات النداء وكل الحروف. ولذا في (ص42) يقول: (إن شأن أدوات النسبة ليس إلا إيجاد الربط بين جزئي الكلام فإن الألفاظ بما لها من المفاهيم) يعني المعاني الاسمية (متباينة بالهوية والذات لوضوح مباينة لفظ زيد بما له من المعنى للفظ القائم بما له من المعنى، وكذلك لفظ السير مباين للفظ الكوفة والبصرة بما لها منا لمعنى) إذن هذه (من وإلى) ماذا تفعل؟ يقول (وأداة النسبة إنما وضعت لإيجاد الربط بين جزئي الكلام بما لهما من المفهوم) لا فقط إيجاد الربط، إيجاد الربط وإيجاد معنى لم يكن قبل هذا الربط في الكلام. كان موجود أو لا؟ غير موجود.
وبهذا يتضح لماذا يسمي المحقق النائيني الحروف أنها إيجادية، ما معنى إيجادية المحقق النائيني؟ بعد ذلك نأتي إلى السيد الخوئي لنرى ماذا فسر الإيجادية، ونأتي إلى السيد الشهيد ونرى بماذا فسر الإيجادية، ونأتي إلى الأعلام عندما أشكلوا عليه ماذا فهموا من الإيجادية، هل فهموا شيئاً آخر أو شيئاً قريب وبدأوا … المهم أولاً لنفهم ماذا يقول المرزا وبعد ذلك نأتي إلى كلمات الأعلام.
ما معنى أن الحروف إيجادية؟ يعني يوجد معنى ولكن في نفسه أو في غيره؟ في غيره، هو يضيف شيئاً، وبهذا يتضح أن المعاني الاسمية توجد معنى أيضاً ولكن المعاني الاسمية توجد معنى أو تخطر معنى متقرر في وعاء العقل، أي منهما؟ هناك معنى متقرر تضع له لفظاً للحكاية عن ذلك المعنى، جدار هذا الذي الآن قبل أن نسميه، سميته جدار، هذا لفظ الجدار يحكي عن هذا الواقع، فهو يخطر معنى موجود في الذهن، بخلاف الحروف فهي لا تخطر معنى موجود في الذهن، بل ماذا توجد؟ توجد معنى في الغير.
تعالوا معنا إلى (ص37) يقول: (الأمر الثاني: لا إشكال في أن المعاني المرادة من الألفاظ على قسمين: ما تكون إخطارية وما تكون إيجادية). أما الأولى فكذا وأما الثانية فكذا يأتي إن شاء الله والحمد لله رب العالمين.
الليلة يراجع الأعزاء كلمات الأعلام وكلمات الشراح حتى يعرفوا كيف فسروا الإيجادية.
كان الكلام في الاتجاه الثالث قلنا أن قوام هذا الاتجاه يقوم على أساس أن هناك تبايناً تاماً بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي، وبهذا يمتاز هذا الاتجاه عن الاتجاه الثاني الذي كان يرى أنه من حيث المعنى لا اختلاف بين الاسمي والحرفي وإنما الاختلاف في حيثية الاستعمال أو اللحاظ بالنحو الذي تقدم.
ولكن فيما يتعلق بهذا الاتجاه الثالث وجدت عدة نظريات لتفسير الفرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي. وحيث أن التفسير الذي هو على الألسنة بين الطلبة والفضلاء وفي كلمات الأصوليين هو التفسير الذي قدمه المحقق النائيني وهو أن المعنى الاسمي خصوصيته هي الإخطار وأن المعنى الحرفي يتقوم بالإيجاد، ومن هنا ميز بين المفاهيم الاسمية والمعاني الاسمية بأنها إخطارية وبين المفاهيم أو المعاني الحرفية بأنها إيجادية. ولكنه بعد ذلك وقع الكلام في ما هو المراد المرزا من قوله الإخطارية والإيجادية.
وعلى القاعدة قلنا نحن إنما نعرض لهذه الأبحاث لا بالضرورة أن لها ارتباط ببحثنا ولكن فيها مجموعة من النكات ومجموعة من المباحث قد تفيدنا في مواضع أخرى وهو بحث قيم في فقه اللغة ما هو الفرق بين المعنى الاسمي وبين المعنى الحرفي. ولذا أحاول إن شاء الله تعالى بقدر ما نستطيع في هذا اليوم أن نقرر كلمات المرزا وأن المرزا ما هو مبناه في الإخطارية والإيجادية، وماذا ذكر في تفسيره هذا. هذا الكلام أعزائي سوف نحاول أن نقف فيه على فوائد الأصول وإلا في أجود التقريرات الكلام مختصر جداً.
في (فوائد الأصول، ج1، ص33) مؤسسة النشر الإسلامي، في البحث عن المقام الأول في بيان معاني الحروف. وفي (ص34 و 35) في القول الثالث، يقول: (إن للحروف معاني ممتازة الهوية عن معاني الأسماء) وليست كما قال صاحب الكفاية أنه أساساً لا امتياز ماهوي بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي. ثم يقول: (بحيث تكون معاني الحروف مباينة لحروف الأسماء تبايناً كلياً لا أن معانيها متحدة مع معاني الأسماء) هذه نظرية صاحب الكفاية (ولا أنها علامات صرفة ليس لها معاني) الذي هو الاتجاه الأول الذي اشرنا إليه.
وتوضيح ذلك يقتضي رسم أمور: أنا أحاول أولاً أن أقرر الأمور أمراً أمراً ونكتة نكتة بالترتيب الذي اعتقده لا بالترتيب الموجود في الكتاب. وبعد ذلك أقرأ بعض العبارات لتأييد المطلب.
الأمر الأول: يقول: لابد أولاً نفهم ما هو المراد من المعنى والمفهوم، يقول: المعنى المفهوم هو ذلك الذي يدركه الإنسان من الحقائق في عالم تقررها العقلي، قبل عملية الوضع لأن هذه متأخرة عن إدراك ذلك المعنى، وقبل عملية الاستعمال أيضاً لأن الاستعمال فرع … إدراك المعنى ثم وضع الألفاظ ثم الاستعمال. قبل أن نصل إلى مرحلة وضع الألفاظ وقبل أن نصل إلى مرحلة الاستعمال فهناك مجموعة من الحقائق المدركة عندنا، هذه الحقائق وهذه المعاني المدركة عندنا هي المفاهيم والمعاني.
بغض النظر عن أن تكون لتلك المفاهيم والمعاني ما بإزاء خارجي أو لم يكن له ما بإزاء خارجي. وهذا الذي قلناه فيما سبق بأنه أساساً ليس المراد من أنه بإزاء المصداق أن المصداق هو الواقع الخارجي، لا، بعض المعاني والمفاهيم لها مصاديق خارجية أو ليس له مصاديق خارجية … ولكن معاني حقيقة، يقول: (المراد من المعنى والمفهوم هو المدرك العقلاني الذي يدركه العقل من الحقائق سواء كان لتلك الحقائق خارج يشار إليه أو لم يكن له خارج يشار إليه) ومع ذلك حقيقة من الحقائق كالعدم فإن العدم مفهوم ومعنى يدركه الإنسان في قبال الوجود مع أن له مصداق خارجي أو ليس له؟ أصلاً محال أن يكون لمفهوم العدم مصداق خارجي. أو كشريك الباري إذا قلنا أنه ممتنع بالذات أو اجتماع النقيضين مع أنه يدرك اجتماع النقيضين ولكن له مصداق في الواقع الخارجي أو ليس له مصداق؟ ليس له مصداق. هذا هو الأمر الأول، هذا يقوله حتى بعد ذلك عندما يأتي إلى المعنى الاسمي والمعنى الحرفي يبين موضع المعنى الاسمي أين تقرره وموضع المعنى الحرفي أين تقرره.
نعم، في هذا الأمر الأول يذكر كيف حصل الإنسان على هذه المعاني والحقائق، هذه المعاني والحقائق لم يولد الإنسان (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) من أين حصل عليها؟ هنا تأتي نظرية – والتي شرحناها في العام الماضي في علم الأصول- نظرية التقشير المعروفة على الألسن وهو أنه يأخذ المعنى من الخارج ثم يقشره وهماً وخيالاً إلى أن يجعله خالصاً، وقلنا أن هذه النظرية واضحة البطلان كما شرحناها مفصلاً في محلها، وليس مهماً الآن مناقشة ما ذكره في هذا المجال.
هذا هو الأمر الأول.
إذا اتضح ذلك يقول تعالوا معنا لنرى ما هو المعنى الاسمي وما هو المعنى الحرفي؟ بعد هذه المقدمة. يقول: (المعنى الاسمي هو ما دل على معنى قائم في نفسه في عالم تقرره ووعائه العقلي) قبل أن نصل إلى الألفاظ وقبل أن نصل إلى الاستعمال، لو فرضنا لا مستعمل ولا لافظ ولا واضح فذلك المعنى يفهمه. هناك كثير من الحقائق يفهمها الأطفال، الآن كثير من المعاني الآن يفهمونها ولكن لا يستطيعون أن يفهموا ألفاظها ولا يستطيعوا أن يستعملوها. يقول: إذا كان هناك معنى له تقرر في وعاء العقل قبل أن يصل إلى مرحلة اللفظ والاستعمال فهو معنى اسمي. لذا عبارته (إن الاسم ما دل على معنى في نفسه وهو أن المعنى الاسمي مدرك من حيث نفسه وله تقرر في وعاء العقل) يعني قبل أن نصل إلى مقام اللفظ والاستعمال (من دون أن يتوقف إدراكه على إدراك شيء آخر). هو في نفسه، لو لم يكن في العالم إلا هو لأمكن إدراكه (حيث أنه بنفسه معنى يقوم بنفسه في مرحلة التصور والإدراك وله نحو تقرر وثبوت ولا فرق بين أن يكون هذا المعنى المتصور والمدرك في وعاء العقل بحسب وجوده الخارجي محتاج إلى الغير كالأعراض أم مستغنياً عن الغير كالجواهر) كونه مستغناً عن الغير في الخارج أو محتاج إلى الغير في الخارج هذا مرتبط بعالم وجوده في الخارج لا بعالم تقرره العقلي في وعاء العقل. (سواء كان من مقولة الجواهر أو الأعراض … والحاصل أن المراد من كون المعنى الاسمي قائم بنفسه) هنا يصرح (هو أن للمعنى نحو تقرر وثبوت في وعاء العقل سواء كان هناك لافظ ومستعمل أو لم يكن وسواء كان هناك واضع أو لم يكن).
معنى من المعاني، حتى لو لم تفهم اللغة أنت تفهم معنى الثبوت ومعنى الوجود ومعنى الأب …
إذا كان عندك هكذا معنى وهو أن له تقرر في وعاء العقل من غير أن يتوقف على واضح ولافظ ومستعمل وإدراك شيء آخر فهو معنى اسمي. هذه ضابطته.
تعالوا معنى إلى المعنى الحرفي. أتصور ان المعنى الحرفي بناء على هذا الضابط هو الذي ليس له تقرر في وعاء العقل في نفسه. ليس له تقرر، إذن لكي يدرك يمكن أن يكون محتاجاً إلى الغير أو لا يكون محتاجاً؟ نعم، فهو معنى قائم في نفسه أو في غيره؟ هو معنى قائم في غيره. وأنت مباشرة هنا تستطيع أن تقول هذه نظرية الوجه الأول بالحركات والوجه الثاني لصاحب الكفاية أيضاً قالوا بهذا. يقول: لا لا، اصبروا قليلاً وأنا أبينها.
وأما المعنى الحرفي، في (ص36) ما هو؟ يقول: (إن الحرف ما دل على معنى في غيره أو قائم بغيره فالمراد منه هو أن المعنى الحرفي ليس له نحو تقرر وثبوت في حد نفسه، بل معناه قائم بغيره) فإن قلت، سؤال: ما الفرق بين الحركات وبين ماذا … يعني الاتجاه الأول. فإن قلت: ما الفرق بين الاتجاه الأول وهي الحركات الإعرابية أيضاً معنى … الحركة الفتحة أو الكسرة أو الضمة هذه إذا لم تكن على كلمة لها معنى أو ليس لها معنى؟ لا معنى لها. متى يتحقق معناها؟ من خلال الغير، فلو لم يكن الغير فلا معنى لها، بخلاف كلمة زيد، يعني تلك الحقيقة لها معنى سواء كان فاعل أو مفعول أو مرفوع أو مجرور أو منصوب.
الجواب يقول: لا، هذه النكتة التفتوا لها. هذه من النكات لعله أنا إلى الآن لم أراها في كلمات الآخرين، هذه من الكلمات التي رأيتها في كلمات المحقق النائيني وحقه لابد أن يكون محفوظاً من الناحية العلمية. يقول: هناك فرق أساسي بين الحركات الإعرابية وبين المعاني الحرفية، طبعاً هذا من متابعتي لكلمات … لا اقل في هذا الموضوع حتى لا أتكلم في المطلقات، السيد الخوئي هنا مع أنه تلميذه في كل تقريراته في هذه المواضع لم يشر إلى هذه النكتة. وهكذا الأعلام الآخرين عندما جاءوا لتمييز الفرق بين الاتجاه الأول والاتجاه الثالث لم يشيروا إلى هذه النكتة. ما هي النكتة؟ يقول: في الاتجاه الأول الحركة حاكية عن حال من أحوال ما تعرض عليه. ولكنه في المعنى الحرفي المعنى الحرفي موجد لمعنى في غيره لم يكن في الغير قبل هذا … المعنى الحرفي.
أعيد الرؤية وبعد ذلك أطبقها واضرب لكم أمثلة:
يقول في الاتجاه الأول الحركات كاشفة عن واقع موجود في الغير، أما في الاتجاه الذي نحن نقوله في الثالث المعاني الحرفية ليست كاشفة، معطية لشيء الغير عنده أو لا؟ ليس عنده، يعني لو لم يأتي هذا الغير لوجد فيه هذا المعنى الإضافي أو لم يوجد؟ لم يوجد، بخلافه في الاتجاه الأول فإن المعنى موجود ولكن الحركة تأتي لتحكي عنه ولتكشف عن وجوده. لا توجده، مثاله: يقول أنت عندما تقول ضرب زيد هذا الرفع في زيد لم يجعل زيد فاعلاً، لا، زيد هو ضرب وهو فاعل حقيقة، وأنت تريد أن تعبر عن فاعليته فتعبر عنها بحركة الضمة. فحركة الضمة لم توجد كونه فاعلاً، لا، حركة الضمة كشفت أن هذا زيد ليس مضروب بل ضارب. ليس مأكول بل آكل، ليس مقتول بل قاتل.
هذه في الحركات.
أما في المعاني الحرفية (من) إذا أنت لم تقل (سرت من البصرة) هذا الابتداء الذي يكون من البصرة إذا (من) غير موجودة فليس في البصرة ابتداء، هذا الابتداء هذه النسبة وهذا المعنى الذي حصل من (من) قبل لفظ (من) البصرة لم يكن يوجد فيها هذا المعنى، وهذه نكتة جداً قيمة الحق والإنصاف. الليلة إن شاء الله تراجعون كلمات الأعلام عندما ميزوا بين الاتجاه الأول والاتجاه الثاني هذه النكتة بهذا الوضوح لعله توجد في حواشي كلماتهم، لكنها بهذا الوضوح موجودة في كلمات المرزا النائيني قدس الله نفسه.
لاقرأ لكم العبارة، يقول في (ص37): (والحاصل أن المعنى الحرفي يكون قوامه بغيره) إذن له تقرر في وعاء العقل في نفسه أو ليس له تقرر؟ هذا أولاً. وإذا لم يكن له تقرر في وعاء العقل فمفاده ومعناه يأتي في المرتبة الأولى أو يأتي في الوضع والاستعمال؟ لأنه ليس … وإلا لو كان له تقرر في نفسه … لو كان له معنى في نفسه لكان له تقرر قبل وعاء … قبل الوضع وقبل الاستعمال. (ونحو تقرره وثبوته بتقرب الغير وثبوته). ثم يقول: (والفرق بين كونه علامة صرفة) كما هو الاتجاه الأول (وبين كونه معنى قائم بغيره) كما هو الاتجاه الذي هو يريد أن يفسر (هو أنه بناء على العلامة يكون الحرف حاكياً عن معنى في الغير متقرر في وعاء الغير) يحكي يكشف لا أنه يوجد. هو موجود ولكن أنت تريد أن تعبر عنه، تعبير عنه بالضمة أو بالكسرة أو بالفتحة (كحكاية الرفع على الفاعلية الثابتة لزيد في حد نفسه) كونه فاعل لا أنه أنت وضعت له الرفع صار فاعلاً، أنت تستطيع أن تغير الواقع وتضع له فتح وتجعله مفعولاً؟! لا ليس هكذا. هو في الواقع فاعل فأنت تكشف بالرفع أنه فاعل.
(كحكاية الرفع عن الفاعلية الثابتة لزيد في حد نفسه مع قطع النظر عن عالم الاستعمال) يعني هو فاعل في الواقع، (وهذا بخلاف كونه معنى قائماً بغيره فإنه ليس فيه حكاية عن ذلك المعنى القائم بالغير بل هو موجد لمعنى في الغير). هذا المعنى لم يكن موجوداً إذا لم ينضم إليه هذا الحرف. فإذا انضم إليه يعطيه معنى فوق معناه المتقرر في نفسه. البصرة ماذا تعني؟ البلد الكذائي، لا لغة، بل إشارة إلى … ماذا تحكي البصرة؟ تحكي ذلك البلد الكذائي. ولكن عندما تقول (من البصرة) لا تحكي المكان فقط بل المكان وأنه صار مبدأ لشيء لسير أو لغيره، هذا كونه لمبدأ من أين استفدناه؟ لا من كلمة البصرة، وإنما أنت أضفته ببركة كلمة (من أو إلى أو غير ذلك).
ثم يضيف نكتة وهذه النكتة جداً مهمة، وهي أنه يأتي في (ص42) يقول لكي تعطي الحروف أو المعاني الحرفية تعطي شيئاً لم يكن في أصل المعاني الاسمية، نفس المعاني الاسمية لم يكن فيها معنى الابتداء أو الانتهاء أو الفوقية أو الظرفية، لم يكن فيها في نفسها. متى تستطيع هذه الحروف أن تعطي هذه المعاني الإضافية تعطيها أين؟ للمعاني الاسمية. هذه الحروف متى تكون قادرة على إضافة هذه المعاني للمعاني الاسمية التي لم تكن موجودة للمعاني الاسمية قبل إضافة هذه الحروف إليها؟ يقول: ها إنما يتم في الربط الكلامي في عالم الاستعمال وإلا إذا لم يوجد استعمال تستطيع هذه الحروف أن تضيف شيئاً أو لا تستطيع؟ يعني أنت إذا لم تقر (سرت من البصرة إلى الكوفة) المثال المعروف، هذه (من) تفيد الابتداء و(إلى) تفيد الانتهاء قبل هذا العالم قبل الوضع وقبل الاستعمال هذه المعنى الإضافي يضاف إلى البصرة والكوفة أو لا يضاف؟ متى يضاف إذن. إذن المعاني الحرفية يكون لها معنى في الغير في أي مرحلة؟ مرحلة التقرر العقلي؟ لا، مرحلة الألفاظ؟ لا. مرحلة الاستعمال.
إذن تبين الآن فارق أساسي آخر بين المعنى الاسمي وبين المعنى الحرفي، أن المعنى الحرفي كما لا تقرر له في وعاء العقل كذلك إنما هو متأخر بمرتبة أو مرتبتين من عالم التقرر العقلي للمعاني الاسمية. يوجد ربط بين الكلمات، يقول الكلمات متباينة بالذات (البصرة، الكوفة) صاحبنا أراد أن يتكلم بالعربية وهو لا يعرف أن يتكلمها كان يتصور أن كل ما يضاف له (ال) يصير عربي، فكل كلمة كان يضيف لها (ال) قالوا له بغداد قال البغداد، افترض البصرة الكوفة البغداد، كل هذه تعطي معنى أو لا تعطي معنى. لا فيها ابتداء ولا فيها انتهاء ولا فيها ظرفية ولا فيها خيرية وفلا فيها تقدم … ابداً، أي معنى من المعاني بين هذه الكلمات الاسمية يوجد أو لا يوجد؟ مفاهيم متباينة بتمام ذواتها، من يعطيها هذا الربط لتبدأ لتعطي معاني إضافية، من؟ هنا يأتي دور المعاني الحرفية. دور المعاني الحرفية بمعناها الواسع لا فقط مقصود من، حتى الهيئات، والنسب وغير النسب وأدوات النداء وكل الحروف. ولذا في (ص42) يقول: (إن شأن أدوات النسبة ليس إلا إيجاد الربط بين جزئي الكلام فإن الألفاظ بما لها من المفاهيم) يعني المعاني الاسمية (متباينة بالهوية والذات لوضوح مباينة لفظ زيد بما له من المعنى للفظ القائم بما له من المعنى، وكذلك لفظ السير مباين للفظ الكوفة والبصرة بما لها منا لمعنى) إذن هذه (من وإلى) ماذا تفعل؟ يقول (وأداة النسبة إنما وضعت لإيجاد الربط بين جزئي الكلام بما لهما من المفهوم) لا فقط إيجاد الربط، إيجاد الربط وإيجاد معنى لم يكن قبل هذا الربط في الكلام. كان موجود أو لا؟ غير موجود.
وبهذا يتضح لماذا يسمي المحقق النائيني الحروف أنها إيجادية، ما معنى إيجادية المحقق النائيني؟ بعد ذلك نأتي إلى السيد الخوئي لنرى ماذا فسر الإيجادية، ونأتي إلى السيد الشهيد ونرى بماذا فسر الإيجادية، ونأتي إلى الأعلام عندما أشكلوا عليه ماذا فهموا من الإيجادية، هل فهموا شيئاً آخر أو شيئاً قريب وبدأوا … المهم أولاً لنفهم ماذا يقول المرزا وبعد ذلك نأتي إلى كلمات الأعلام.
ما معنى أن الحروف إيجادية؟ يعني يوجد معنى ولكن في نفسه أو في غيره؟ في غيره، هو يضيف شيئاً، وبهذا يتضح أن المعاني الاسمية توجد معنى أيضاً ولكن المعاني الاسمية توجد معنى أو تخطر معنى متقرر في وعاء العقل، أي منهما؟ هناك معنى متقرر تضع له لفظاً للحكاية عن ذلك المعنى، جدار هذا الذي الآن قبل أن نسميه، سميته جدار، هذا لفظ الجدار يحكي عن هذا الواقع، فهو يخطر معنى موجود في الذهن، بخلاف الحروف فهي لا تخطر معنى موجود في الذهن، بل ماذا توجد؟ توجد معنى في الغير.
تعالوا معنا إلى (ص37) يقول: (الأمر الثاني: لا إشكال في أن المعاني المرادة من الألفاظ على قسمين: ما تكون إخطارية وما تكون إيجادية). أما الأولى فكذا وأما الثانية فكذا يأتي إن شاء الله والحمد لله رب العالمين.
الليلة يراجع الأعزاء كلمات الأعلام وكلمات الشراح حتى يعرفوا كيف فسروا الإيجادية.