الأخبار

المحاضرة (104)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

قلنا أن المرزا ميز بين المعنى الحرفي وبين المعنى الاسمي بأن الاسمي إخطاري وأن الحرفي إيجادي، ولبيان المراد من الإخطارية والإيجادية في كلمات المرزا توجد هناك بيانات متعددة في كلمات المرزا.

البيان الأول: أشرنا إليه بالأمس،وهو أن المراد من الإخطار يعني له تقرر المعنى في وعاء العقل قبل الوصول إلى الوضع والاستعمال، وهذا بخلافه في المعنى الحرفي فإنه ليس له مثل هذا التقرر بل معناه إنما يكون في مرحلة الاستعمال وقبل الاستعمال له معنى أو ليس له معنى؟ ليس له معنى. هذا بيان أشرنا إليه. ثم صار البحث في بيان الفرق بين الحركات الإعرابية وبين المعنى الحرفي الذي يقوله أصحاب الاتجاه الثالث وقلنا بأن المرزا بين نكتة هذه النكتة جداً مهمة وهي أن الحركات الإعرابية كاشفة وحاكية عن شيء بخلاف المعاني الحرفية فإنها تضيف معنى جديداً للمعنى الاسمي. إذن الحركة تكشف عن معنى موجود في المعنى الاسمي في الاسم، بخلاف المعنى الحرفي تكشف عن معنى موجود أو تضيف معنى جديداً إلى المعنى الاسمي، قلنا بالأمس أنه صرح أن الحركة تكشف عن معنى موجود وأن الحرف يضيف معنى جديداً للمعنى الاسمي.

هذا المعنى في (فوائد الأصول، ص37) قال: (والفرق بين كونه علامة صرفة) يعني الحركات الإعرابية (وبين كونه معنى قائم بغيره) يعني المعنى الحرفي (هو أنه بناء على العلامة) والحركة الإعرابية (يكون الحرف حاكياً عن معنى في الغير) ذاك المعنى موجود وهو كونه ضارب فاعل ولكنه أريد علامة على كونه فاعل، لا أن الضمة أوجدت فيه الفاعلية، لا، هذه الضمة أمر اعتباري كيف يمكن أن توجد أمراً تكوينياً في الواقع الخارجي. نعم، الحركة كشف عن كون زيد فاعل. كشفت عن كونه مبتدأ ونحو ذلك.

(بخلاف الحرف يكون حاكياً عن معنى كحكاية الرفع عن الفاعلية الثابتة لزيد في حد نفسه) ثابتة له وهذه كاشفة (مع قطع النظر عن الاستعمال وهذا بخلاف كون الحرف قائماً في الغير فإنه ليس فيه حكاية عن ذلك المعنى القائم بالغير بل هو موجد لمعنى في الغير) يعني المعنى الاسمي له حالة وله معنى فعندما يأتي الحرف يضيف إليه معنى آخر، قبل هذا الحرف كان هذا المعنى الإضافي موجود أو غير موجود؟ غير موجود. هذا كلام المحقق النائيني.

هذا الكلام بشكل واضح وصريح وأفضل من هذا ورد في كلمات المحقق الرضي، المحقق الرضي كما نقلنا فيما سبق في (شرح الكافية) قلت هذه العبارة أنقلها من (مباحث الأصول تقريرات السيد الصدر للسيد الحائري، الجزء الأول من القسم الأول، ص122) قال: (إلا أن الفرق بينهما) بين الاسم وبين الحرف (أن لفظ الابتداء) يعني المعنى الاسمي (ليس مدلوله مضمون لفظ آخر) وإنما معناه متقرر في نفسه قبل الاستعمال وقبل أي شيء آخر (بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة) محل الشاهد (ومعنى (من)) الذي هو المعنى الحرفي (ومعنى (من) مضمون لفظ آخر ينضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي. اللفظ الأصلي ما هو؟ المعنى الاسمي، المعنى الحرفي ماذا يفعل؟ يضيف له معنى آخر. وهذا نفسه الذي قاله المرزا النائيني. طبعاً المحقق الرضي يقول هذه النظرية يقولها في ضمن الاتجاه الثاني لا في ضمن الاتجاه الثالث، لأنه لم يكن يرى أي تناقض بين الاتجاهين، وهذا ليس مهم، المهم هذا المعنى كاملاً. طبعاً يكون في علمكم المحقق الرضي من أعلام الإمامية الكبار في النحو والصرف والأدبيات وكتبه من شرح الكافية وشرح الشافية وغيرها ووفاته 676ه.

ولكنه الذي أضاف إليه المرزا على هذا المعنى أضاف إليه ماذا؟ أضاف إليه لفظ الإخطار ولفظ الإيجاد. سمى المعنى الحرفي إيجادي لأنه أوجد معنى جديداً، وسمى المعنى الاسمي إخطارياً. هذه أيضاً له أو أنه مأخوذة من مكان آخر؟ الجواب: أيضاً هذه مأخوذة من مكان آخر، وهي ما ورد في (هداية المسترشدين في شرح معالم الدين، ص22) الطبعة الحجرية، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، يقول: (الثانية: الغالب في أوضاع الألفاظ أن تكون بإزاء المعاني التي يستعمل اللفظ فيها) عادة يقول الألفاظ موضوعة بإزاء المعاني المستعملة لا المهمة، (كما هو الحال في معظم الألفاظ الدائرة في اللغات) محل الشاهد (وحينئذ فقد يكون ذلك المعنى أمراً حاصلاً في نفسه مع قطع النظر عن اللفظ الدال عليه) يعني له تقرر في وعاء العقل قبل عالم الألفاظ والاستعمال، هذا نص عبارات المرزا التي قرأناها، موجودة في هداية المسترشدين. (فليس من شأن اللفظ إذا أطلق إلا إحضار ذلك المعنى) فسمى المعنى الاسمي المرزا سماه إخطاريات، هنا يسميها إحضاريات والمعنى واحد. قال: (فليس من شأن اللفظ إلا إحضار ذلك المعنى ببال السامع) هذا المعنى الاسمي. (وقد يكون ذلك المعنى حاصلاً من اللفظ من غير أن يحصل هناك معنى قبل أداء اللفظ) يعني المعنى يحصل في مرحلة الاستعمال وإلا قبل الاستعمال يوجد معنى أو لا يوجد معنى؟ لا يوجد معنى. وهذا ما أكده المرزا قال المعاني الحرفية إنما تظهر في مرحلة الاستعمال، أما قبل الاستعمال لها تقرر أو ليس لها تقرر؟ ليس لها تقرر.

قال: (من غير أن يحصل هناك معنى قبل أداء اللفظ فيكون اللفظ آلة لإيجاد معناه) إذن المعاني الحرفية ماذا تكون … إذن أصل المطلب في كلمات المحقق الرضي، اصطلاح المطلب في كلمات المحقق الشيخ محمد تقي الأصفهاني، الذي هو صاحب كتاب هداية المسترشدين على شرح معالم الدين، قال: (لإيجاد معناه وأداة لحصوله) ثم يقول (ويجري كل من القسمين في المركبات والمفردات) وهذا بحث آخر وهو بحث لطيف. وهو يقول هذه الإيجادية والإخطارية تجري في المفردات وتجري في المركبات، يعني في الجمل التامة وفي المفردات، وتفصيله موكول إلى هناك.

هذا أعزائي كله البياني الأول في المقام.

البيان الثاني: بعد ذلك أنا قلت أقرر مطالب المرزا النائيني جيداً وبعد ذلك نأتي لاستعراض كلمات الأعلام الذين جاءوا بعد النائيني سواء كانوا من مقرري بحثه كالسيد الخوئي أو غيرهم، لنرى أنه عندما أشكلوا عليه وقفوا على مطالبه وما يريده المرزا أو لم يكونوا كذلك؟

البيان الثاني: هذا البيان الثاني من البيانات المهمة وآثاره كثيرة لا فقط في المعنى الحرفي والمعنى الاسمي بل في مواضع أخرى إن شاء الله تعالى وسأشير إلى بعض الفوائد والآثار المترتبة على هذه النكتة.

لو كانت هناك حقيقة من الحقائق في عالم الأعيان الخارجية سواء كان في عالم المادة أو في عالم الناسوت أو كان في عالم الملكوت أو كان في عالم الجبروت أو كان في عالم الهاهوت، لا فرق، في أي حقيقة في أي عالم من العوالم. طبعاً هذا عالم الهاهوت عالم مهم جداً، الذي عادة لا يلتفت إليه في الاصطلاح وإنما فقط يذهبون إلى الجبروت والملكوت الأعلى والأسفل وعالم الناسوت، أما عالم الهاهوت فهو عالم الهو كما هو في قوله (قل هو الله أحد) يعني مقام الله جاء بعد مقام هو، تعطيه للنحوي يقول أن هذا ضمير وصل وضمير ربط ولا معنى له، ولكنه عند أهل المعنى (هو) مقام فوق مقام الله، (قل هو الله أحد) هذه أحدية مرتبطة بمقام الله لا … وهناك بحث مفصل عند الاقايون. رأيت رسالة في هذا المجال لم تطبع بعد، أحد الأعلام القدماء يعني قبل مئة أو مئة وخمسين سنة، أنه في (قل هو الله أحد) كتب لا اقل 300 صفحة في هذه الجملة، أنه أساساً هذا ترتب المقامات هنا ما هو؟ ومع الأسف الشديد أن كثير من رسائلنا المرتبطة بعلوم القرآن بالتفسير وبغيره الآن مهملة، والسبب في ذلك هو أن عموم مؤسساتنا التي تتشكل في قم تعتني بالرسائل المرتبطة بالبحث الفقهي، أما ماذا كتب علمائنا في الزوايا والتكايا وفي المهملين … كتبوا والمخطوطات موجودة ولكن لم يعتنى به، والآن والحمد لله توجد مؤسسة تجمع كل ما كتب في التفسير عند الشيعة الإمامية وعند ذلك سيتضح أن عندنا تراث ضخم في هذا المجال، لعله فقط في (إنا أنزلناه) جمعت إلى الآن ما يقارب أربعة مجلدات في الرسائل مكتوبة، وكذلك في (قل هو الله أحد) لعله ثمانية، وفي سورة الحمد لعله 12 مجلد. رسائل كتبت تقوم هذه المؤسسة بجمعها، مجلة القلم، أن علماء الطائفة … قد يقول قائل أنت سيدنا قبل قليل في درس الفقه قلت هذا المعنى كما خطر على ذهن البعض أن علمائنا … الجواب: لا، أنا قلت الحالة الرسمية في المئة سنة أو المئة وخمسين سنة الأخيرة، وإلا الحالات غير الرسمية كثير من الأعلام كتبوا ولكن صاروا في الهوامش والمهملات لم يعتني بهم أحد، وإلا كثير من الأعلام حتى في زماننا يوجد الآن من يكتب ولكن المؤسسات لا تطبع له، ولا تهتم بتراثهم.

أرجع إلى بحثي:

إذا كانت هناك حقيقة من حقائق هذا العالم، هذه حقيقة من حقائق هذا العالم، إذا لم تكن عندنا ألفاظ نعبر عنها، ماذا نقول؟ لابد أن يكون عندنا لسان الصم والبكم وهو لسان الإشارة، يقيناً كانوا عبروا عن هذا السائل بتعبير … أنت جنابك الذي تعرف لفظاً ماذا تقول؟ هذا ماء … هذا سائل … هذا وجود خارجي، هذا أيضا ًوجود خارجي، هذا مادة فهذا أيضاً مادة. انظروا الواضحات إذا أرد أحد أن يوضحها كيف … هذا عطشان … هذا ماء في الإناء، وأنا أدري ماء ولكن ماء أين؟ ماء في النهر؟ هذا ماء في الإناء.

مداخلة لاحد الطلبة: …

وهو كذلك لا مانع، يتقدم يتأخر مبتدأ خبر لا مشكلة.

الآن عندما نأتي إلى هذا إناء فيه ماء أو ماء في إناء. لا فرق. كم كلمة عندنا؟ عندنا (ماء، وأناء، وفي) يعني تريد أن تقول بأنه صورة الماء في ذهني تحكي هذا الماء الخارجي، وصورة الإناء في ذهني تحكي الوجود الذهني. في الواقع الخارجي يوجد ربط وهو علاقة الظرف والمظروف بين الإناء وبين الماء، الذي أنتم في اللغة العربية تسمونها علاقة الظرفية، هذه العلاقة هي التي أوجدت حقيقة الربط بين الإناء وبين الماء، وهذه العلاقة شيء وراءهما أو قائم بهما؟ إذا شيء ورائهما كان الماء بهذا الجانب والإناء بذلك الجانب، لا لا، هناك علاقة ظرفية الظرفية ليست شيئاً وراء … وهذا هو المعنى الحرفي، المعنى الحرفي ما هو؟ لو كنت أنت والماء وحده، والإناء وحده، هناك ظرفية أو ليست هناك ظرفية؟ أما عندما وضع الماء في الإناء الذي صار ظرفية أعطى مفهوماً وأضاف مفهوماً جديداً للماء وللإناء، فلهذا قلت: الماء في الإناء.

إذن أنت في ذهنك عندك مفهومين عن هذا الشيء الخارجي أو ثلاثة مفاهيم؟ الأول مفهوم الماء، والثاني مفهوم الإناء، والثالث مفهوم النسبة أو الربط. ثلاث مفاهيم.

سؤالنا المطروح: هذه الأمور الثلاثة التي جاءت إلى الذهن وأنت من خلالها عبرت عن واقع خارجي، هذه مجيئها إلى الذهن على نحو واحد أو على نحوين؟ يعني ماذا؟ يعني عندما جاءت صورة الماء جاءت حقيقة الماء أو جاء مفهوم الماء؟ لا إشكال أنه لم يأتِ حقيقة الماء وإلا لو جاءت حقيقة الماء إلى ذهني لتبلل ذهني. النار في الموقد لو جاء النار إلى ذهني لاحترق. الكافر غير عادل أو فاسق أو يدخل النار لو جاء الكافر إلى ذهني للزم أن يكون … حقيقة الكفر لو جاءت إلى ذهني أنا أصير كافراً. مع أنه نجد أن المفهوم يأتي، ولكن خصائص المفهوم الخارجية وحقيقته الخارجية لا تأتي إلى الذهن، ولذا لا صورة الماء في ذهني يحمل خصائص الماء الخارجي ولا صورة الإناء في ذهني تحمل خصائص الإناء الخارجي.

سؤال: هذه النسبة القائمة هذه مثل المفهومين الآخرين أو لا، هي بنحو تختلف عن هاتين الصورتين؟ هنا نقول محال أن الذي جاء إلى الذهن هو مفهوم النسبة، الذي جاء إلى الذهن هو حقيقة النسبة بخصائصه الخارجية، يعني ماذا؟ يعني أقول هذا: النسبة في الخارج كانت قائمة فيهما أو شيء منفصل عن هذا وعن ذاك، ما هي خصوصيته؟ قائمة، مستقل عنهما أو قائم فيهما؟ إذا أنت تريد أن تجعل جملة تامة السكوت يصح السكوت عليها في الذهن، يكفيك أن تأتي بمفهوم النسبة أو لابد من أن تأتي بنفس النسبة في الذهن؟ إذا جئت بمفهوم النسبة سيصير عندك مفهوم الإناء مفهوم النسبة مفهوم الماء، هذه جملة يصح السكوت عليها؟ متى يصح السكوت عليها؟ إذا كان بين الماء الذهني والإناء الذهني نسبة حقيقية يعني لها خصائص الربط، كما أنه بين الماء الخارجي والإناء الخارجي توجد نسبة لها خصائص الربط.

إذن ما الفرق بين هذه المفاهيم الثلاثة؟ الواقع أنه في الإناء وفي الماء جاء مفهومهما إلى الذهن، أما النسبة فجاء مفهومها أو حقيقتها؟ وإلا إذا لم تأتِ حقيقتها تتشكل جملة أو لا تتشكل؟ متى تتشكل الجملة، ما هي الجملة التي يصح السكوت عليها؟ الجملة التي يصح السكوت عليها هي كلام من مفردات مترابطة بعضها مع بعضن وإلا لم تكن جملة، أنت الآن قل الماء النسبة الإناء، هذا يبين لك أن الماء في الإناء؟ متى يقول الماء في الإناء، إذا وجدت نسبة الظرفية مفهوم الظرفية أو حقيقة الظرفية؟ حقيقة الظرفية لابد أن تأتي… ولكن بحسب الذهني وتلك بحسب الوجود الخارجي.

إذن في المعاني الاسمية لكي تحكم بحكم يكفي إخطار مفهومها في الذهن، لا أن تأتي هي في الذهن، أما في المعاني الحرفية هل يكفي إخطار مفهومها أو لابد أن تأتي حقيقتها؟ هنا المرزا النائيني يقول بأن المعنى الحرفي سنخ معنى هو فرقه عندما يأتي إلى الذهن لا يمكن أن يأتي مفهومه لإيجاد الربط، لابد أن يأتي مصداقه ليتحقق الربط، أنت عندك مفهوم الإنسان ومصداق الإنسان، في الذهن عندما يأتي يأتي المفهوم أو المصداق؟ المفهوم يأتي، المصداق لا يأتي. أما في المعنى الحرفي فالذي يأتي إلى الذهن المفهوم أو المصداق؟ يقول لكي يتحقق الربط لابد أن يأتي المصداق، وإلا لم يأتِ المصداق لا يتحقق الربط بين المبتدأ وبين الخبر، بين الإناء وبين الماء. إذن الفارق الثاني أو المميز الثاني بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي هو أنه لكي نحكم على المعنى الاسمي بحكم يكفي إخطار معناه في الذهن، وهذا معنى أن المعنى الاسمي معنى إخطاري، يعني يكفي أن نأتي بمفهومه، أما في المعنى الحرفي يكفي إخطار معناه أو لابد من إيجاده حتى يتحقق الربط؟ فالمعنى الحرفي هو إيجادي، لعله يحتاج توضيح أكثر إنشاء الله تعالى إلى الغد ونقرأ عبارات المرزا في هذا.

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات