الأخبار

تعارض الأدلة (24)

بسم الله الرحمن الرحيم

و به نستعين

و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين

انتهينا بحمد الله تعالى من مسألة في غاية الأهمية من حيث البحث العقدي ومن حيث البحث الفقهي, يعني هذه المسألة وهي مسألة التفويض والتشريع في بعض شؤون الدين من المسائل من جهةٍ لها بُعد كلامي وعقدي, ومن جهة أخرى لها بعدٌ وآثار فقهية واسعة النطاق, كما أشرنا إلى بعضها في الأبحاث السابقة.

ولكنّه حتّى تتم هذه المسألة والأعزة يكونوا على بينّة من المسألة ويدفعوا بعض الإشكالات التي تورد على هذه المسألة, لا بأس ولو إجمالاً أن نشير إلى بعض الإشكالات الواردة على هذه النظرية.

هذه النظرية أشكل عليها بعدّة إشكالات, طبعاً بعض الإشكالات مختصة بالنبي, يعني: أنه حتّى النبي أيضاً لم يفوّض إليه أمر التشريعة, ولو في دائرة مخصوصة.

تقول: فماذا نفعل بهذه الروايات؟ يقول: باعتبار أنه لابدَّ من عرضها على الكتاب وعلى الأمور القطعية فإذا خالفتها لابدَّ من توجيهها لابدَّ من تأويلها لابدَّ من رد علمها إلى أهلها.

وبعض الإشكالات مختصة بمن؟ يقول: حتّى لو قبلنا ذلك بالنسبة إلى النبي الأكرم’, فلا يمكن أن نقبل ذلك بالنسبة لمن؟ للأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

ومن هنا تجد, ولعله من بعض المعاصرين أيضاً, يفصّل بين النبي فيقبل بأنه أوكل إليه دائرة من دوائر التشريع ولكنه يتوقف في الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام). يقول: نحن من المتوقفين أن لهم هذا المقام أو ليس لهم هذا المقام.

أما الإشكالات الواردة في هذا المقام أعزائي, فأجملها تقريباً في (مصابيح الأنوار, ج1, ص469, في ذيل الحديث 59, حديث >تفويض الأحكام إلى النبي والأئمة), قال: [والتفويض بهذا المعنى وإن ورد به النقل ولم يحله العقل] لا هو مستحيلٌ عقلاً, يعني: الإمكان ثابت, والوقوع أيضاً ثابت لأن الإمكان أعم من الوقوع الروايات التي دلّت على ذلك, [إلاَّ أن فيه إشكال من وجوه] أنا هذه الوجوه أقرأها واحدة تلو الأخرى وأعلق عليها بقدر الممكن, وإلا نخرج عن طبيعة البحث وهو بحث التعارض.

يقول: [الأوّل: أنه مخالفٌ لظاهر قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}] لأن صريح الآية المباركة: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}.

هذا أتصور أجبنا عليه مراراً وتكراراً وهو أيضاً يجيب عليه في (ص472) يقول: [ويمكن رفع الإشكال الأوّل, أن كلّ واحدٍ من معاني التفويض الصحيحة قد ثبت بالوحي أيضاً] يعني إنَّما فوض إليه {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} وهو الذي قاله فوض إليه هذا وحيٌ أوحي إليه, لم تقل الآية كلّ مفردة من الأحكام يوحى إليه, قال: كلّ ما يقوله يوحى إليه, ومما قاله ما هو؟ أنه فوض إليه, إذن هذا وحيٌ إلهي, هذه نكتة مهمة وهذا غير البحث السابق الذي أشرنا إليه.

قلنا أنه نقول: أن الوحي أعم من التأسيسي والإمضائي, لا هذا بيان آخر, هذا البيان الثاني, وهو أنّه نعم, هذا وحيٌ لأنه رسول الله’ عندما يقول فوض إليّ أو فوّضني الله أدبني فأحسن تأديبي ثمَّ قال لي, يعني ماذا؟ هذا الذي يقوله يقوله من عند نفسه أو يقوله بمقتضى الوحي؟ ينقل عن الله أن الله كما هو شرّع في بعض الأمور فإنه فوض في أمور أخرى إليّ, إذن هذه الآية وأمثال هذه الآيات لا تنافي ما نحن بصدد إثباته.

[فمثلاً قوله تعالى: {مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}] طيب أوحي إليه التفويض وهو اتبعه وهو ماذا؟ شرّع في بعض الدوائر.

الإشكال الثاني: [أن التفويض إنَّما يكون فيما لم يرد فيه من الله تعالى وحيٌ ولا كتاب].

نعم, يعني عندما يقول صلاة الصبح ركعتين, هذا تشريع إلهي, أما صلاة الظهر ركعتان من الله وركعتان أنا أزيدهما أو في الصوم أو في الحج هذا لم يرد فيه نصٌ من الوحي الإلهي يقول كما أوجبنا ركعتين أوجبنا الركعتين الأخيرتين, لا لم يرد.

[والأحكام الشرعيّة بأسرها منصوصة حتّى أرش الخدش, قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}].

أيضاً انظروا المغالطة, أين المغالطة التفتوا؟ نعم, نحن أيضاً نعتقد حتّى أرش الخدش مبيّن من من؟ في الشريعة, نحن نحتاج أن نضيف على الشريعة شيء أو لا نحتاج؟ لا نحتاج, لماذا؟ لأنه سالبة بانتفاء الموضوع, ما بقي شيء لم تبينه الشريعة حتّى نحتاج إلى بيانه, ولكن كيف بينته الشريعة؟ هذه الآية ما قالت لنا كيف بينته, كله تشريع إلهي أو بعضه تشريع إلهي وبعضه تشريع نبوي وبعضه تشريع ولوي هذا لم تقله, قالت: كلّ ما تحتاجون إليه فهو موجود أين؟ موجود في الكتاب, نعم موجود في الكتاب, نحن نتعقد كلّ شيء موجود في الكتاب, حتّى هذا التفويض موجودٌ في الكتاب, أين؟ {مَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} هذا التفويض.

ولذا تجدون الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) مراراً وتكراراً كان يقولون كلّ ما نقول لكم شيء اسألونا أين في كتاب الله؟ نعم مع الأسف الشديد إما لضعف في القابل وإما وإما .. كثير من القضايا لو كانوا يسألون الأئمة لأجابوا, ولكن ما سألوا الأئمة, والأئمة في كثير من الأحيان ما كان يجدون مصلحة في أن يبتدؤا البحث, فإذا سألوا كانوا يجيبون, ما يسألون لا يجيبون. وفي بعض الأحيان كانوا يسألون ولكن لا يجدون مصلحة في الإجابة, {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أعطوا وأعطوا صلاحية ماذا؟ وفوض إليهم أمر الإجابة وأمر الكتمان, فوض إليهم, هذه من موارد التفويض, لأن البعض يتصور أن التفويض فقط ماذا؟ في الأحكام الشرعية, لا لا, هذا من أهم موارد التفويض, فوض به سليمان الذي هو نبيٌ ليس من أنبياء أولي العزم, فما بالك بأنبياء أولي العزم, فما بالك بمن هو أفضل من أنبياء أولي العزم وهو الخاتم’, هذا موجود.

إذن هذه الآيات التي قالت: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} نعم, ومما دل عليه الكتاب أنه فوض لمن؟ فوض للنبي, وما دل عليه حديث النبي أنه فوض لمن؟ للأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هذه كله أصله أين؟

ولذا, ويؤيد هذا المعنى هذه الرواية: >قال: ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاَّ وله أصلٌ في كتاب الله تعالى< لا يتبادر إلى ذهنك نحن نقول شيء ولا يوجد في هذه الدائرة, ولكن المشكلة أين؟ >ولكن لم تبلغه عقول الرجال< ليس بالضرورة أنت تقول أين أين؟ أنا راجعت لم أجد.

في وقتها أتذكر (كاكارين عندما صعد إلى القمر في الخمسينات يمكن, فقال: بأنه نحن كنّا نبحث عن الله في الأرض قالوا لنا في السماء, ذهبنا إلى السماء أيضاً ما وجدنا الله, طيب إذن أين الله, في وقتها من باب النقض أجابوا أنه بيني وبين الله كثير من السموات ماذا؟ وكثير من النجوم وكثير من الكواكب مليارات السنوات الضوئية عند ذلك هذه كلها إذا بحثتها وما وجدت عند ذلك استقراءك يصبح تاماً, ولكن الآن استقراء ناقص عزيزي). هذا الجواب طبعاً الجدلي هذا وإلا الجواب الحقي: أن الله ليس شيء في عرض الأشياء حتّى تبحث عنه في عالم الأشياء, شيءٌ لا كالأشياء, فإذن إذا تريد أن تبحث عنه لا تبحث عن الذي تبحث عن باقي الأشياء. على أي الأحوال, أرجع إلى البحث.

يقول: >ولكن لا تبلغه عقول الرجال< هذا صحيح, يقول: >وعنه إن الله تبارك وتعالى< هذه كلها إشكالات على نظرية التفويض >أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء< نعم نحن أيضاً نقول, ومما أنزل به التفويض, نحن, الآية لم تقل لنا أنزل تبيان كلّ شيء يعني حتّى الركعتين الأخيرتين من صلاة الظهر, هكذا قالت؟ قالت: بينت كلّ شيء في الكتاب, طيب نحن أيضاً نقول كلّ شيء في الكتاب, ومما بين في الكتاب التفويض إلى النبي والأئمة.

قال: >والله ما ترك شيئاً يحتاج إليه العباد حتّى لا يستطيع عبد أن يقول< الله كم الله سبحانه وتعالى رءوف بعباده, يقول أنا هذا الكتاب قرآني مذ أوجدته وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, رتبته بشكل ما من أحدٍ يأتي عارفاً كان, فيلسوفاً كان, فقيهاً كان, متكلماً كان, منجماً كان, طبيباً كان, رتبته نظمته هندسته بشكل لا يستطيع أن يقول ولو في موردٍ واحد لو كان كذا لكان أفضل, يعني: رتبته على أحسن ما يكون, أنتم واجدين الآن بعض البيوت كثير من المنهدسين يدخلون وتجدوه كثيراً يمجدون يقولون عجيب بناء ولكن لو كان فلان شيء صار في فلان مكان لكان أحسن, وفوق كلّ ذي علم عليم, الله سبحانه وتعالى يقول الرواية هنا, عجيبة هذه الرواية.

يقول: >والله ما ترك شيئاً يحتاج إليه العباد حتّى لا يستطيع عبدٌ أن يقول لو كان هذا أنزل في القرآن إلاَّ وقد أنزله الله فيه< يعني: ليس في الإمكان أبدع مما كان وأحسن مما كان, وبرهاني واضح إني ولمي أعزائي, إني إلى الآن ما استطاع أحد أن يشكل على هذا الكتاب, واللمي وهو أنه صادر من اللامتناهي المطلق, طيب بطبيعة الحال لا يمكن لأحد أن يشكل عليه.

ثمَّ يشير إلى مجموعة من الروايات, وفي (العيون عن الرضا) هذه الروايات كلها يريد أن يجعلها مقابل روايات التفويض, الرواية عن الرضا: >جهل القوم وخدعوا عن أديانهم إن الله لم يقبض نبيه حتّى أكمل له الدين, وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كُملا, فقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}< طيب إذا كان الأمر كذلك, فنحتاج إلى تشريع النبي وتفويض النبي أو لا نحتاج؟ قد يقول قائل ماذا؟ كما هو يشكل, قد يقول قائل هذه كلها ما أجاب عنها, كلّ الإشكالات ذكرها وحار في الجواب عنها ولم يجب عنها إلاَّ في سطر واحد, سنقرئه لكم, نحن نجيبه حتّى بكرة إذا قرأتموه لا تقعون في مثل هذه الإشكالات. وإلا دعوني استبق البحث هذه الإشكالات كلها يجيب عليها, [وبالنسبة إلى البواقي بأنَّ المراد بالتفويض إليهم التفويض في الأحكام الظاهرية كالتقية ونحوها دون الأحكام الواقعية] يقول لا, الأحكام الواقعية ما فوضوا إليهم, دعونا نخلص من مائة إشكال, لا لا, فوض إليهم, أساساً فيما فوض إليهم, لا يوجد حكمٌ واقعي حتّى يكون ماذا هناك؟ الحكم الواقعي بجعلهم يكون حكماً واقعياً, وإلا قبل جعلهم وقبل إرادتهم لا يوجد.

الآن هذه الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام), يقول: >وبين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام< هؤلاء الأعلام ذهنهم كان يروح إلى الأحكام يعني الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية المتعارفة, طيب من الأحكام التفويض, طيب هذا حكمٌ من الأحكام الإلهية, من الحدود التفويض أليس حدٌ من حدود الله, نعم الله فوض رسوله ذلك.

رواية أخرى: في (النهج عن أمير المؤمنين) قال: >أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه أم كانوا شركاء له فعليهم أن يقولوا وعليه أن يرضى, أم أنزل ديناً تاماً فقصّر الرسول عن تبليغه وأداءه, والله سبحانه وتعالى يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}<. هذا قياس استثنائي, استعمله الإمام وفيه في التالي شقوق ثلاثة, والتالي بأسره باطل فالمقدم مثله.

يقول: بأنَّ هذا الذي تقولون تفويض هذا إما لازمه أن يكون الدين ناقصاً فاستعان بغيره على إتمامه, هذا الشق الأوّل, وإما أن يكون للحق شركاء في التشريع, فإذا حكموا عليه أن يرضى, هذا الشق الثاني, وإما أنزل ديناً تاماً والرسول قصر في إبلاغه حتّى تشرّعوا, والتالي بأسره باطل لا أنزل ديناً ناقصاً ولا .. إذن لا نحتاج.

الجواب: لم ينزل ديناً, أنزل ديناً تاماً ومن أجزاء هذا الدين هو التفويض إليه, نعم لو لم يفوض كان ديناً ناقصاً, من قال بأنَّ التفويض دلالة النقص, بل التفويض دلالة تمام هذا الدين وهذه هي الشريعة.

الثالث: هذا الإشكال الثالث, الأوّل والثاني مربوط بالنبي, هذا الثالث مربوط بالأئمة, وهو إشكال كثيراً ما يتداول على الألسن, أحفظوا جيداً الإشكال حتّى تعرفوا الجواب.

يقول: [إن أكثر الروايات الدالة على تفويض الأحكام إلى النبي تضمنت تفويض الأحكام إلى الأئمة أيضاً] وهذا إشكال غير الإشكال السابق, الإشكال السابق مرتبط بالتفويض إلى النبي, هذا الإشكال مرتبط بالتفويض إلى الأئمة [والقول بتفويض الأحكام إلى الأئمة منافٍ لما ثبت من استكمال الشرع في زمان النبي كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا}. أساساً لم يبقَ شيء من الكتاب والسنة لم يبين حتّى يبينه أو يشرعه الأئمة. وهذا إشكال الحق والإنصاف إشكال فني هذا, وقريب من هذا الإشكال, قليلاً أخرج إلى البحث الكلامي.

الرازي وأمثال الرازي عندهم إشكال في هذه الآية, ماذا يقولون؟ التفتوا جيداً, الإشكال قلت لكم في الأعم الأغلب لا يلتفت إلى الإشكال, وهو, يقول: تقولون يوم نصب علي للإمامة كمُل الدين.

يقول الرازي, سؤال: قبل نصبه للإمام كان الدين كاملاً أو كان الدين ناقصاً؟ ماذا تقولون؟ الرازي يقول: فإنَّ قلتم: كان كاملاً إذن فلا نحتاج إلى علي, وإن قلتم كان ناقصاً إذن رسول الله إلى أخريات حياته عاش مع دينٍ ناقص. ولا يمكن الالتزام بالثاني ولا الأوّل ينفعكم بل يضركم. هذا إشكال الرازي, وهو قريب من هذا الإشكال, يقول: أساساً كمُل بحياة النبي’؟

الجواب -في جملة واحدة-: وهي أنّنا نعتقد أنّ الدين كماله بإمامته, وهذه الآية ما تتكلم عمّا سبق, وإنما تتكلم عمّا سيأتي, يعني لو تركت الدين بلا إمامٍ وقيم لكان الدين لكان التشريع ناقص, أما في حياتي, لا, ما كان ناقصاً كان تاماً ولكن كان تاماً بماذا بنبوة النبي, نعم إذا ترك ذهب النبي وتركت الأمة سوف تكون شريعة ناقصة, إذن {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يعني بإعلان الإمامة العامة لكم بعدي صار هذا الدين لو لم أفعل لكان ناقصاً.

نفس هذا الجواب نقوله في التفويض, {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يعني ماذا؟ يعني: نصبت لكم أئمة وفوضت إليهم فلو لم يفوض لكانت ناقصة.

إذن لا أن التفويض دليل النقص, بل التفويض دليل كمال هذا الدين.

إذن, فتلخص مما تقدم: مجموعة هذه, طبعاً كلّ إشكالات القائلين بإنكار التفويض في شؤون الدين في النبي أو الأئمة, تدور في محور هذه الروايات.

إذن, إلى هنا انتهينا أعزائي وهذا هو المختار, وهذا هو مختارنا في المسألة, هو أنّه أساساً أن هناك دائرة من شؤون الدين أوكل تشريعها إلى من؟ إلى النبي, ودائرة أخرى التي لم يشرّع فيها النبي, وإلا لو شرّع تكون كجزء ثابت, فالإمام الذي يأتي بعده يستطيع أن يغير أو لا يستطيع أن يغير؟ لا يستطيع أن يغير شيئاً أبداً, أما هناك دائرة أضيق منها أو بقدرها أوكلت لمن؟ إلى الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هم الذين شرّعوا فيها.

هذا تمام الكلام في مسألة التفويض.

إذن, أكرر من باب الذكرى, إذن لابدَّ أن نميز جداً بين تشريعات الله وبين تشريعات النبي والأئمة, لأن لكل واحد من التشريعين أحكامه وآثاره الخاصة به, وعلى أساسه سوف تتضيّق عندنا دائرة اختلاف الأحاديث.

تبقى عندنا مسألة أخرى وهي: أن هذا التفويض والتشريع للنبي والأئمة بمقتضى نظرية ولاية الفقيه تثبت للفقيه أو لا تثبت؟ قد يقول قائل: كلّ ما ثبت للإمام, بمقتضى الكلام الذي ذكره صاحب الجواهر+, قال: [ويمكن بناء على ذلك] (الجواهر, ج40, ص18): [ويمكن بنا ذلك, بل لعله الظاهر على إرادة النصب العام في كلّ شيء على وجهٍ يكون له ما للإمام] كلّ ما ثبت للإمام فهو لمن؟ للمجتهد المطلق للحاكم الشرعي لرواة الحديث لمن عرف حلالهم وحرامهم [بل هو مقتضى قول صاحب الأمر >وأما الحوادث الواقعة< فإنها تدل ضرورة المراد منه, أنهم حجتي عليكم] التفت [حجتي عليكم في جميع ما أنا فيه حجة الله عليكم] ولذا نحن مراراً ذكرنا أنه صاحب نظرية ولاية الفقيه المطلقة من؟ صاحب الجواهر, لو تجمعون واقعاً رسالة ماجستير أنه ماذا يقول صاحب الجواهر في ولاية الفقيه, في الجواهر مع الأسف هذا الكتاب إلى الآن مظلوم في أواسطنا العلمية, ماذا يقول صاحب الجواهر في علم الإمام, واقعاً اجمعوا واقعاً نافع, الذي يقوله صاحب الجواهر في علم الإمام في كتاب الجواهر لعلك لا تجد نظير نادراً تجد نظير له في كلمات علمائنا [في جميع ما أنا فيه حجة الله عليكم إلاَّ ما خرج].

سؤال: تفويض التشريع أي تشريع؟ ليس الحكم الولائي, يعني ماذا؟ يعني أن الفقيه يشرع حكماً يكون جزءاً من الشريعة, فيجب التسليم والطاعة له على حد التسليم والطاعة لله ولرسوله وللأئمة. فهل هو داخل في عموم هذا التوقيع المعتبر الصحيح سنداً أو إلاَّ ما خرج من المستثنيات أي منهما؟

الجواب: هذا من المستثنيات هذه الصلاحية لم تعطَ لأحدٍ غير النبي والأئمة, بالاتفاق -لا تتصور أن هذا رأيي- بالاتفاق, لدليلين:

الدليل الأوّل: أشبه ما يكون بالدليل العقلي.

والدليل الثاني: أشبه ما يكون بالدليل النقلي.

أما الدليل العقلي: أنه بعد أن ثبت عند العدليّة أن الأحكام الشرعية قائمة على أساس المصالح والمفاسد الواقعية, وأن من يريد أن يعطي حكماً ثابتاً يعني حلال إلى يوم القيامة أو حرام إلى يوم القيامة, لابدَّ أن يكون محيطاً بجميع المصالح والمفاسد الواقعية في لوح الواقع. وهذه تتوفر لغير المعصوم أو لا تتوفر؟ محال أن تتوفر لغير المعصوم.

نعم, قد تتوفر له بعد اللتيا والتي وبعد كلّ الإمكانات أن تتوفر له بعض المصالح والمفاسد أو التعرف على بعض المصالح والمفاسد الآنية الوقتية المرتبطة بزمان معين بأشخاص معينين بدولة معينة, أما لا يمكنها أن تتوفر لكل زمان ولكل مكان, ولكل ظرف, ولكل شروط ولكل الناس إلى قيام الساعة.

لو كانت الأحكام لم تنشأ عن المصالح والمفاسد نعم, أما مبنى العدليّة ماذا يقول؟ يقول: ناشئ عن مصالح ومفاسد فمن يريد أن يعطي حكماً كلياً لابدَّ أن يعرف صالح هذا الإنسان, كان إنسان المحراث, أو كان إنسان الذرة, أو كان إنسان عصر اتصالات, صلاة الصبح ركعتين ماذا؟ فيه مصلحة انتهت القضية, هذا كلّ واحد لا يستطيع. هذا أولاً.

وأما الدليل النقلي:

في الدليل النقلي هذه الرواية واضحة في (بصائر الدرجات, ج2, ص242) في نفس الباب الذي نحن مراراً أشرنا إليه, يعني: (باب ما فوض الله إلى رسوله, الرواية رقم 12, أو التسلسل العام: 1375) الرواية: >قال: قال أبو عبد الله (عليه أفضل الصلاة والسلام): لا والله ما فوّض الله إلى أحدٍ من خلقه إلاَّ إلى رسول الله وإلى الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام)<. هذا التفويض نفي الاستثناء, واضح أن هذا التفويض الآن أما أعم من أن يكون تفويض أمر التكوين فالوجدان يكذبه من يدعي ذلك. الآن نتكلم على مستوى تفويض شؤون الدين, فهي واضحة بشكل واضح لا مراء فيها أنه يمكن أن تكون. الجواب يقول لا, لم يفوض ذلك إلاَّ للنبي والأئمة >فقال: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} وهي جارية في الأوصياء< لا يتبادر إلى ذهنكم أن هذه الآية مختصة بالنبي, لا لا, هذه روايات الجري, هذه كما تشمل النبي تشمل باقي الأوصياء. جيد.

تبقى عندنا قضية واحدة, حتّى نغلق هذا الملف وننتهي وننتقل إلى ملف آخر, وهي الأحكام الولائية, وهو: بيان مثالٍ للتفويض, أنا أضرب أعنون البحث إن شاء الله بيانه إلى غد.

من أهم وظائف النبوة عموماً هي أنه هو المسؤول عن إبلاغ الوحي الإلهي, بنص القرآن {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} أصلاً وظيفتك وظيفة النبي هي بيان الإبلاغ الإلهي, إبلاغ البيان الإلهي, قال: {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} أصلاً أنت مسؤول, {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} أصلاً ليس من حقه إذا أمر أن… إذن الرسول وظيفته الأصلية, التفتوا جيداً هذه كمثال أضربها لقضية التفويض من مصاديق التفويض.

الرسول مسؤول عن التبليغ معارف الدين. سؤال: هل فوض رسول الله في بعض المكاناة أو الأمكان والموارد هو لا يبلغ وإنما ينيب غيره ليبلغ أصل الدين أو هذا غير مسموح له؟ مرة رسول يأتي ويقف أمام الناس ويبلغ الأمر الإلهي ثمَّ يقول فليبلغ الشاهد الغائب, ويبلغ الحي الميت, طيب الناس من سمع منه ينقل, صحيح أو لا, وهذه كانت الطريقة العامة, ومرة لا, يجيء أمين الوحي يبلغه الحكم يقول له هذا ماذا؟ حكم الله فإذن وظيفته ماذا؟ ما هي؟ التبليغ رسول الله يقول أنا سوف لا أبلغ تعال يا فلان, بعده لم يبلغ, تعال يا فلان, هذا أقوله لك هذا أنت بعد خمسين سنه قله, هذا مفوض له أو لا؟ أو لابدَّ أن كلّ شيء يبينه, وهذه قضية مهمة أعزائي في فهم ما صدر من الأئمة, أن هؤلاء شرّعوا أو أن هؤلاء أظهروا ما بلغهم رسول الله أي منها؟ ما أدري واضحة هذه المسألة أم لا؟ يعني نحن نجد الآن كثير من أحكامنا من بينها لنا؟ الأئمة بينوها, بعضها نسبوها إلى الرسول, قالوا رسول الله هكذا قال, انتهينا, بعضها ينسبوها إلى أنفسهم, هذا الذي ينسبوه إلى أنفسهم هذا تشريع من عندهم, أو هذا إبلاغ أمروا بإظهاره في زمانه المناسب أي منهما؟

فإنَّ قبلنا الأصل أن رسول الله فوض إليه أن يفوض أمر الإبلاغ الابتدائي واضحة تصير, أما إذا لم نقبل ذلك إذن كلّ ما صدر من الأئمة سوف يكون ماذا؟ تشريعاً.

هذه القضية إن شاء الله في غد.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات