بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
من هذا اليوم إن شاء الله تعالى نبدأ في بحث آخر من الأبحاث المتعلقة بالعنوان الذي عرضنا له في الدروس السابقة.
وهو أنه: ما هو نوع وحقيقة التغيّر الذي يحصل للموضوع من خلال الزمان والمكان. باعتبار أن موضوع بحثنا في هذه الدروس هو تأثير الزمان والمكان في موضوع الحكم الشرعي وأن الزمان والمكان يؤثران في تغير الموضوع فالموضوع الذي يكون في زمانٍ ومكانٍ تحت حكم ألف نجده أنه بسبب الزمان والمكان يتغير موضوعه من الحكم ألف إلى الحكم باء. وما هو هذا النوع من التغير وهذا النحو من التغير الذي يطرأ على الموضوع؟
وأهمية هذا البحث إنما تأتي من خلال أن الأحكام تابعة للموضوعات, نحن أشرنا إلى هذه الحقيقة في الأبحاث السابقة وقلنا أن نسبة الحكم إلى الموضوع نسبة المعلول إلى العلة نسبة المسبب إلى السبب ولذا قبل تحقق الموضوع لا حكم, وهذا ما أوضحناه مفصلاً في بيان الفرق بين المتعلق وبين الموضوع, قلنا أنه ما لم يتحقق الموضوع فلا معنى لوجود الحكم, أي نحوٍ من أنحاء تحقق الموضوع الآن إما تحقق فرضي وإما تحقق خارجي وفعلي في الواقع الخارجي, هذا بحث.
البحث الثاني الذي هنا أيضاً تأتي أهميته هو أنه لابد أن نعرف أقسام تغير الموضوعات في الفقه عندنا حتى يمكن أن نشخص ما هو نوع التغير الذي يحصل في الزمان والمكان, إذن في هذا البحث سوف لا نقتصر فقط على بيان معنى تأثير الزمان والمكان في تغير موضوع الحكم الشرعي بحسب الاصطلاح, وإنما بقدر ما يمكن سوف نستقرأ كل أنواع التغيرات التي تقع لموضوعات الأحكام الشرعية ومن خلالها سوف نميز أن هذا النحو من التغير والتأثير يختلف عن النحو الأول عن النحو الثاني عن النحو الثالث -إن كانت هناك أنحاء متعددة لتغير الموضوعات- موضوعات الأحكام الشرعية.
من هنا إن شاء الله تعالى سوف ندخل في هذا البحث وهو أنواع وأنحاء تغير موضوعات الأحكام الشرعية.
النحو الأول والنوع الأول من تغير الموضوعات هو المتعارف والمعروف عندنا في كتب الفقه الاصطلاحية وهو الاستحالة, من الواضح أنه في بحث الاستحالة الحكم لا يتغير وإنما الذي يتغير موضوع الحكم الشرعي, وبتغير موضوع الحكم الشرعي يتغير عندنا ماذا؟ يتغير نفس الحكم الشرعي.
ولكنّه -حتى أنه لا تخلو أبحاثنا أيضاً من أبحاث تقليدية واصطلاحية مرتبطة أيضاً بالأبحاث الموجودة- أيضاً نقف بالمقدار الذي ينسجم مع هذه الأبحاث يعني لا ندخل البحث التفصيلي ولكن أيضاً لا نمر عليها مرور التعاريف والفتاوى الفقهية وإنما نقف عندها قليلاً.
ما هو المراد من الاستحالة التي ذكرت في أبحاث المطهرات أنّ الاستحالة مطهّر من المطهرات؟
فيما يتعلق بتعريف الاستحالة هناك تعاريف متعددة في كلمات الفقهاء لبيان المراد من الاستحالة.
السيد اليزدي+ في تعريف الاستحالة هكذا يقول, يقول: الرابع من المطهرات الاستحالة, الاستحالة وهي تبدل حقيقة الشيء وصورته النوعية إلى صورةٍ أخرى -الآن افتحوا قوس- حتى تعرفون بأنه طيب الآن الذي لم يقرأ الفلسفة والذي لم يقرأ الاصطلاحات الفلسفية واقعاً هل يمكنه أن يفهم هذا التعريف الآن سواء كان هذا التعريف صحيحاً للاستحالة الفقهية أو ليس صحيحاً المهم استعانة بالاصطلاحات الفلسفية لفهم مسألةٍ فقهية ولفهم موضوع مسألةٍ فقهية, طيب بطبيعة الحال سواء أكان يريد أن يقبل هذا التعريف أو يريد أن يرفض هذا التعريف, عليه أولاً: أن يتصور موضوع المسألة وتعريف الموضوع في المسألة حتى يمكنه أن يقول أنني أقبل أو أنه أرفض, وهذا الذي ذكرناه للإخوة الأعزاء مراراً وتكراراً بأنه أساساً البحث الفلسفي داخل في عمق كل المعارف الدينية عندنا ابتداءً من الفقه والأصول ومروراً بالتفسير والكلام و… إلى آخره. على أي الأحوال.
قال: الاستحالة هي تبدل حقيقة الشيء وصورة الشيء النوعية إلى صورة أخرى.
السيد الحكيم+ في المستمسك في ذيل هذه العبارة, يقول: هذا التعريف نسبه الشهيد في محكي حواشيه على القواعد إلى الأصوليين -هذا معنى الاستحالة- وفي محكي قواعده -أي الشهيد- نسب إلى الفقهاء تفسير الاستحالة بتغيير الأجزاء وانقلابها من حال إلى حال.
الآن هذه التعاريف صحيحة أو غير صحيحة وما هو المراد من الاستحالة بحسب الاصطلاح الفقهي لا الاصطلاحي الفلسفي لأنه في الاصطلاح الفلسفي أيضاً عندنا استحالة أو تحول من حال إلى حال, الآن حديثنا في الاستحالة الفقهية, هذه التعاريف تامة أو غير تامة أو أنها واقعاً تجتمع فيها الشروط المطلوبة للتعريف أو لا.
لعله سنشير وإلا واضح أن هذه التعاريف فيها إشكالات كثيرة -على سبيل المثال- هو أنه هذا التعريف الذي أشار إليه ثانياً, قال: تفسيرها بتغيير الأجزاء ومن الواضح أن الاستحالة التي يقولها في التعريف السيد اليزدي وهو تبدل الصورة النوعية شيء وتبدل الأجزاء شيء آخر, تبدل الصورة النوعية يعني تبدل حقيقة إلى حقيقة أخرى لا تبدل أجزاء إلى أجزاء أخرى مع حفظ الحقيقة الواحدة, لأنه واحدة من العناوين الموجودة في الفقه عندنا أيضاً تبدل الأجزاء تبدل الأوصاف.
ولذا إن شاء الله تعالى بعد ذلك سنشير إلى أنه عدة عناوين موجودة عنوان الاستحالة موجود, عنوان الانقلاب موجود, عنوان الاستهلاك موجود عنوان تبدل الأوصاف موجود, عنوان تبدل الأجزاء موجود, وهذه عناوين كلها لها أحكامها الفقهية الخاصة بها. هذا أولاً.
وثانياً: أنه فسّر الاستحالة بالانقلاب, قال: وانقلابها من حالٍ إلى حال, مع أنكم تعلمون أن الانقلاب أيضاً هو أحد المطهرات الذي يقع في قبال الاستحالة فلا معنى لأن نأخذ قسماً في تعريف قسم آخر, أن نأخذ مطهراً كتعريف في تعريف مطهرٍ, هذا بحسب الاصطلاح الفني, أما إذا يقال بأنه يتسامح في مثل هذه المسائل ذاك حديث آخر, أما إذا قيل أنه تعريف وأننا نريد أن نعرف الاستحالة ما هي حقيقة الاستحالة, من الواضح أن هذه التعاريف فيها مسامحات كثيرة.
وربما فسّرت بتدل الحقيقة النجسة إلى حقيقة أخرى ليست من النجاسات, وهذا التعريف أيضاً فيه من الغموض ما لا يخفى لأنه ما هو المراد من الحقيقة التي أخذ في التعريف, هل المراد من الحقيقة يعني الصورة النوعية, المراد من الحقيقة يعني الحقيقة العرفية, ما هو المراد من ذلك؟ هذه التفاسير إلى آخرها يبدأ السيد الحكيم& الآن بالإشكال على بعضها أو قبولها أو عدم قبولها ونحو ذلك.
هذان تعريفان أشير إليهما.
من التعاريف الأخرى الواردة في المقام أو ما ذكر لكلماتهم, ما ذكره السيد الخوئي في الجزء الرابع ص167 من التنقيح -طبعاً بحسب هذه الطبعة الموجودة عندي مؤسسة آل البيت وأنا ما أدري أن هناك في الطبعات الحديثية متبدلة أم لا- المهم, في المطهرات وهو المطهّر الرابع الاستحالة. يقول: عدوا الاستحالة من المطهرات وعنوا بها تبدل جسم بجسم آخر مبائن للأول, طيب هذا التعريف من الواضح -ولذا بعد ذلك يقول يحتاج إلى توضيح- طيب تبدل جسم إلى جسم لماذا يكون سبباً للطهارة, افترضوا تبدل جسم إلى جسم, التفتوا جيداً, تبدل جسم إلى جسمٍ آخر ولكن مع حفظ العنوان الأول, هل يؤدي إلى الطهارة أو لا يؤدي إلى الطهارة؟ فانتم تعلمون بأن الأحكام تدور مدار العناوين افترضوا بأن هذا الجسم تبدل من جسم إلى جسم آخر, ولكن العنوان عرفاً بقيّ يسمى كما يسمى العنوان الأول, هل هذا يغير الحكم الشرعي إذا تبدل جسم إلى جسمٍ آخر أو بالإضافة إلى تبدل الجسم لابد أن يتبدل العنوان وما لم يتبدل العنوان فإنه يتبدل الحكم الشرعي أو لا يتبدل؟
وهذا بحث آخر إنشاء الله تعالى سيأتي في أنواع التغيرات وهو أن الحقيقة لو كانت ثابتة, طبعاً عكس هذا المطلب أن الحقيقة لو كانت ثابتة ولكن العناوين العرفية تبدلت هل يؤدي إلى تغير الحكم الشرعي أو لا يؤدي؟ خصوصاً فيما يتعلق إذا تتذكرون بعد ذلك سيأتي في البيع والربا, طيب من الناحية الواقعية تجده ما هو؟ هو نفس المعاملة نعم تبدل عنوانها من عنوان الإقراض إلى عنوان البيع.
طيب هنا في الواقع الخارجي تبدل شيء أو لم يتبدل؟ لم يتبدل شيء ولكن العنوان تبدل كان يقول أقرضتك الآن يقول بعتك, هل يؤدي إلى تغير الحكم الشرعي بتغير العنوان أو لا يؤدي؟ هنا العنوان العكس, لو فرضنا وحدة العنوان اتحاد العنوان وإن كان المعنون متبدل يعني تبدل من جسمٍ من حقيقةٍ إلى حقيقة أخرى ولكن بقي العنوان الأول على حاله, فهل يؤدي إلى تغير الحكم الشرعي أو لا يؤدي؟
لذا تجدون بعد ذلك هو عندما يبين هذا يقول: وتوضيحه, عندما يأتي إلى التوضيح نجد أنه يأخذ قيداً آخر إضافي, ما هو القيد؟ يقول بأنه هذا التبدل إذا لزم منه تبدل العنوان ايضا لا أنه تبدل جسم بجسم آخر.
يقول: وإن لم يكن بينهما معاً, يقول: وعنوا بها تبدل جسم بجسم آخر مبائن للأول في صورتهما النوعية -التفتوا- في صورتهما النوعية -ولكن يقيدها عرفاً, وإلا البحث الآن ليس بحثنا فلسفي أنه نبحث أن هذه الصورة النوعية الثانية غير الصورة النوعية الأولى فلسفياً وعقلياً وواقعياً أم أنها يكفي التغاير العرفي, العرف يرى أن هذه الحقيقة غير تلك الحقيقة- وإن لم تكن بينهما -بين الجسم الأول والجسم الثاني- وإن لم تكن بينهما مغائره عقلاً, وتوضيحه: أن التبدل قد يفرض في الأوصاف الشخصية أو الصنفية -الآن هذا بحث لم يدخل في بحثنا- وقد يفرض التبدل في الصورة النوعية كما إذا تبدلت الصورة بصورة نوعية أخرى وهذه الصورة هي المرادة بالاستحالة في كلماتهم بلا فرق في ذلك بين أن تكون الصورتان متغايرتان بالنظر العقلي أم لم تكونا -الآن- الذي يشفع لهذا التعريف ويصحح هذا التعريف أنظروا, قال: كما في تبدل الجماد أو النبات حيواناً أو تبدل الحيوان جماداً كالكلب الواقع في المملحة إذا صار ملحاً أو الميتة أكلها حيوان وصارت نطفة وصارت النطفة … إلى آخرها. طيب هذه الأمثلة التي أشار إليها بشكل واضح ليس فقط فيه تبدل جسمٍ إلى جسمٍ آخر بل هو نحو من التبدل الذي أدى إلى تبدل العنوان أيضاً, كان نباتاً صار حيواناً, كان حيواناً صار جماداً, كان كذا صار تراباً, إذن هذا معناه أن العناوين ماذا؟
إذن هنا في الاستحالة إذا أردنا أن نقول شيء على الاصطلاح مثلاً -ليس بالتعريف بالمعنى الاصطلاح- وإنما بما يبين المراد, المراد هو تغير شيء من حقيقةٍ إلى حقيقة أخرى عرفية مستلزم لتبدل العنوان وإلا إذا تبدلت الحقيقة إلى حقيقة أخرى مع حفظ العنوان فإنه لا يستلزم.
إضافةً إلى هذا والعكس بالعكس, إن شاء الله بعد ذلك سيتضح وهو أنه إذا تبدلت العنوان ولكن الحقيقة لم تتبدل كما لو كان حنطة وصار خبزاً, طيب ماذا تقولون يطهر؟ افترضوا أن الحنطة كانت نجسة ولكنه نحن عجناها وجعلناها خبزاً, طيب العنوان محفوظ أو ليس بمحفوظ؟ (كلام أحد الحضور) لم يحفظ الحنطة أين والخبز أين, عرفاً هذان عنوان واحد؟ أبداً عنوانان, كما لو كانت قطناً وصارت لباساً القطن كان نجس, والآن نحن فصلناه وقطعناه وجعلناه ثوب عباءة يلبسها, طيب من الواضح أن العنوان محفوظ أو غير محفوظ؟ العنوان غير محفوظ, ولكن هل يطهر هذا أو لم يطهر؟ لا يطهر من الواضح.
إذن انظروا ليس مطلق أي تبدل من عنوان إلى عنوان آخر, هذا أولاً, ليس مطلق أي تبدل من جسم إلى جسم آخر, من حقيقة إلى حقيقة أخرى, وإنما هذه مجموعة الكلمات بنحو الإجمال وإلا عندهم أبحاث كثيرة, هذا هو البحث الأول ولا أريد أن أدخل في تفاصيله فقط إجمالاً أنا أريد أن أشير والثغرات الواردة عليه.
البحث الثاني: أننا أساساً نحتاج إلى تعريف الاستحالة أو لا نحتاج إلى تعريف الاستحالة؟ يعني هذا الذي أتعب الفقهاء أنفسهم -قدس الله أنفسهم- في تعريفه أو تعريف هذا العنوان وهو الاستحالة, أساساً توجد حاجة إلى ذلك أو لا توجد؟ وهذه قضية أنا أحاول القضايا وإن كانت هي مرتبطة بهذا البحث ولكن أعطيها عنوان عام حتى يمكن الاستفادة منها في مواضع أخرى.
الجواب: إخواني الأعزاء, العناوين الواردة في كلمات الفقهاء أو في كلمات الأصوليين أو في كلمات غيرهم من الأعلام -الفقهاء أو الأصوليين- إن العنوان وأن المفردة إنما تحتاج إلى تعريف ومعرفة حدودها الكلمة وثغورها إذا وردت في نص شرعي لابد أن نعرف ماذا أراد الشارع منها, وهذه قاعدة عامة وكثيراً ما نغفل عنها, إذا وردت في آية قرآنية طيب نقول القرآن عندما قال زكاة ما هو مراده من الزكاة, عندما قال خمس ما هو مراده من الخمس, عندما قال نجس {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} ما هو مراده من النجس, عندما .. إلى غير ذلك, أما إذا كان هناك عنوان انتزاعي انتزعه الفقهاء من فهمهم لآية أو رواية فهل نحن مسؤولون من الناحية الفنية أن نضع لها تعريفاً محدداً؟ لا, لابد أن نسأل الفقهاء أنتم عندما قلت استحالة ما هو مرادكم؟ فهو اصطلاح أنت تستطيع أن توافق عليه وتستطيع أن لا توافق عليه. وقضية الاستحالة ومفهوم الاستحالة وعنوان الاستحالة لم يرد عندنا لا في آية ولا في رواية, نعم قد ورد أين؟ في كلمات الفقهاء, بل لعله ورد أيضاً في معاقد إجماع الفقهاء ولكن لا ورود في كلمات الفقهاء ولا ورود معاقد إجماع الفقهاء يؤدي بنا إلى أن نقف عنده لنعرف ما هو مراد الشارع من الاستحالة, لا الشارع لم يقل استحالة حتى أسأل ما هو مراد الشارع من الاستحالة. نعم, لابد أن نسأل الفقهاء الذين استعملوا هذا اللفظ هذا العنوان الانتزاعي هذا العنوان المتصيد هذا ما هو مرادهم منه, الآن إما بحسب النصوص الواردة وإما بحسب البحث العقلي.
ولذا تجدون أن جملة من الأعلام -ومنهم صاحب الجواهر+- لعله هذا المورد الذي رجعت إليه, لم أجد أنه يعرّف الاستحالة, وإنّما يذكر بيان الاستحالة من خلال الأمثلة الواردة, أنه النار تحيل كذا إلى تراب, وكذا إلى الملح يحيل إلى كذا وكذا.
وهذه قاعدة عامة ينبغي على الفقيه على الإنسان الذين يريد أن يكون دقيقاً في مثل هذه المسائل أن لا ينجر إلى بحث مفصل الآن ما هو الاستحالة هل هو تغير صورة نوعية, عرفي أو فلسفي أو … أبداً, وإنما لابد من الرجوع إلى القواعد الموجودة عندنا وهو أن الأحكام تابعة للموضوعات, الآن هذه تابعة للموضوعات تابعة لعناوين الموضوعات دون حقيقتها, تابعة لحقائق الموضوعات دون عناوينها هذا البحث هنا لابد أن ينصب على هذه النقطة وهو أن نقف جيداً أن الأحكام عندما نقول تابع للموضوع بمجرد تغير العنوان يكفي لتغير الحكم وإن كان الموضوع على حقيقته وبملاكه موجود أو لا.
وهذا باب واسع في مسألة الحيل الشرعية, أنتم تجدون في باب الحيل الشرعية فقط العناوين تتبدل ولكن حقائق الأمر باقية على حالها, فهل هذا يكفي لتبدل الحكم الشرعي أو لا يكفي؟ إن أدخلنا عنصر الملاك في هذه الموضوعات فتبدل العنوان يؤثر على تبدل الحكم أو لا يؤثر؟ لا يؤثر, أما إن لم ندخل عنصر الملاك من هذه الموضوعات وهذه الأحكام التي وردت لهذه الموضوعات لا, بمجرد أن يتغير العنوان يتغير الحكم الشرعي.
وهذا باب -مع الأسف الشديد- طرح في كلمات الفقهاء ولكن طرح متناثراً مع أنه هو في نفسه عنوانٌ مستقل لابد أن يبحث عنه, وهو أن الأحكام تابعة لموضوعات الأحكام الشرعية أي موضوع مرادك من الموضوع يعني عناوين الموضوعات العرفية أو العناوين بما لها حقائق بالحمل الشائع لا فقط عنوان بما هو عنوان, على أي الأحوال.
ولذا هذا المعنى أيضاً أشير إليه ولو إجمالاً, في الجواهر+, في جواهر الكلام المجلد السادس ص266 توجد عنده إشارة إلى هذا البحث, قال: ومنها النار التي أشار المصنف إليها بقوله: وتطهّر النار ما أحالته رماداً أو دخاناً من الأعيان النجسة ذاتاً على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً شهرةً كادت تكون إجماعاً بل هي كذلك في جامع المقاصد وظاهر التذكرة وعن السرائر فيهما وفي الخلاف واللوامع وعن ظاهر المبسوط في الأول وفي ظاهر المنتهى والتذكرة في الثاني بل في أولهما أن الناس مجمعون على عدم التوقي عن رماد الأعيان النجسة بل في الثاني عن دخانها وأبخرتها كصريح المعتبري والذكرى في الدخان وهو الحجة بعد الأصل العقلي والشرعي السالم عن معارضة غير الاستصحاب الواضح عدم جريانه -يعني جريان الاستصحاب في المقام باعتبار تبدل ماذا؟ تعلمون أنه من أهم أركان الاستصحاب وحدة الموضوع, ومع تغير الموضوع هنا أيضاً بحث أنظروا هذا العنوان الذي أنا أشرت إليه تغيّر الموضوع يعني ماذا تغيّر الموضوع؟ تغيّر الموضوع عنواناً أم تغيّر الموضوع حقيقةً, وإن بقي العنوان واحد أو تغيّرهما معاً أي منهما؟ في باب الاستصحاب هذا الذي قلت لك بأنه الآن لو أنت تبحث كلمات الأعلام في هذه المسألة كن على ثقة تستطيع أن تكتب كتاب كامل عن تغير الموضوع, ولكن كله متناثر لا يوجد عنوان لهذه المسألة وهو ما هو المراد من تغيّر الموضوع سواء كان في باب الاستصحاب أو في غير باب الاستصحاب, هذا لابد أن ينقح أن المراد تغير الموضوع عنواناً فقط, أو تغيّر الموضوع حقيقةً فقط, أو تغيّر الموضوع عنواناً وحقيقةً- على أي الأحوال.
قال: وهو الحجة بعد الأصل العقلي والشرعي السالم عن معارضة غير الاستصحاب الواضح عدم جريانه في المقام بتغيّر – التفتوا جيداً- بتغيّر اسم الموضوع وحقيقته المعلّق عليهما حكم النجاسة.
إذن يظهر من كلام صاحب الجواهر في هذا المورد ماذا أريد من أن الموضوع إذا تغيّر يتغير الحكم الشرعي؟ اسمه فقط؟ لا, حقيقته فقط؟ لا, وإنما اسمه ومسماه يعني العنوان والمعنون, هذا بحث مهم واقعاً مهم جداً مهم, وإلا ما لم يلتفت إلى هذا نحن سنبتلي في مواضع أخرى كما أنه موجودة أخرى في كلمات الفقهاء, كما أنها موجودة في كل من كتب في الحيل الشرعية تجد أنه يقول أن الأحكام تدور مدار العناوين والعناوين تبدلت حتى لو كانت حقائقها معنوناتها واقعياتها على -خصوصاً في باب الربا- طيب في باب الربا الآن كثير من الموارد يقولون جائز, جائز, مع أن حقيقته هو حقيقة الربا, يعني ملاك الربا متوفر فيه ولكن مع ذلك يقول الفقهاء جائز, ما هو سبب الجواز؟ سبب الجواز أنه يدور مدار العنوان بغض النظر عن المعنون وعن ملاك هذا المعنون, طيب من أراد أن ينتخب صار رأيه أنه العنوان كافي, نحن نحترم ذاك الرأي ولكن نريد أن نقول لابد أن تنقح المسألة لا تبقى هذا الفقيه هنا يقول العنوان كافي, ولكن في مكان آخر نجده هو نفسه يقول تغير العنوان ليس بكافي وإنما لابد أن يتغير العنوان وحقيقة المعنون, طيب ما الفرق, لماذا هناك يكفي العنوان هنا لا يكفي العنوان لابد من إضافة المعنون ونحو ذلك, هذا كله يحتاج.
أنتم تتذكرون بأنه جملة من كلمات فقهائنا يقول بأنه له آراءٌ بعدد كتبه, طيب لماذا له آراءٌ؟ لأنه هذه المسألة باعتبار لم تنقح في موضعها, في كل موضع يقول فيها شيئاً, طيب تتعدد كلماته بل تتهافت في جملة من الأحيان هذه المسألة أيضاً من تلك المسائل -أنا طرحتها لأهميتها واقعاً- لأن البعض يتصور سيدنا أساساً الموضوعات أصلاً لا علاقة لنا بها نحن ما هي علاقتنا بالموضوع, الفقيه عليه الحكم الشرعي.
لا يا إخوان, أساساً يكون في علمك كن على ثقة إذا أردنا أن نتكلم بلغة الأرقام إذا ما أريد أن أقول بأنه سبعين بالمائة للموضوع ثلاثين بالمائة للحكم, لأنه في الأعم الأغلب كونوا على ثقة لا يوجد اختلاف في الأحكام الشرعية في خمسة وتسعين بالمائة من الأحكام واضحة إنما الكلام أن هذا داخل تحت هذا الحكم أو داخل تحت ذاك الحكم, وإلا من عنده شك أن الصلاة واجبة, أن الزنا حرام, من عنده شك هذه الأحكام واضحة ما فيها مشكلة وإنما الكلام في موضوعات هذه الأحكام هل هذا موضوع يدخل تحت هذا الوجوب أو يدخل تحت الحرمة ونحو ذلك. هذا المعنى.
وكذلك وجدت بأنه -طبعاً جملة من الأعلام التفتوا إلى هذا منهم صاحب الجواهر- وكذلك أيضاً لابد أن يشار& السيد السبزواري+ في مهذب الأحكام أشار إلى هذه النقطة بشكل واضح وصريح, في مهذب الأحكام الجزء الثاني ص81 قال: الاستحالة بعد أن ذكر تعريف السيد اليزدي قال: وهي من المبينات العرفية, نحن لا نحتاج إلى أن نذهب إلى تعاريف لها, ولابد من الرجوع في فهم حقيقتها إلى العرف وإذا راجعناهم يحكمون بأن المراد بها تبدل موضوع الحكم بالنجاسة بحسب المتفاهم من الأدلة بل يكون كذلك عقلاً لأن تقوم الحكم بموضوعه المأخوذ إلى آخره, وليس للفقهاء اصطلاحٌ خاص حتى نحتاج إلى بيان تعريفاتهم, أصلاً أولاً: لم يرد في رواية حتى نبحث, والفقهاء أيضاً عندما ذكروه لا يريدون اصطلاحاً خاصاً وإنما يريدون تبدل موضوع الحكم الشرعي فإذا تبدل.
طيب هنا يأتي هذا السؤال أنه أي نحو من أنحاء التبدل الذي نحتاج إليه, هذه أيضاً القضية الثانية, هذا البحث الثاني.
البحث الثالث: هل الاستحالة من المطهرات أم لا؟ طيب أنتم قرأتم بأن الاستحالة ذكر رابعاً الاستحالة من المطهرات, ما معنى مطهّر, يعني ماذا يتبادر إلى ذهننا من عنوان هذا مطهّرٌ؟ الواقع كما ذكر جملة من الأعلام هذه القضية قالوا معنى مطهّر يعني أن الشيء يكون ثابتاً ولكنّه بسبب هذا المطهّر تحصل له الطهارة, من قبيل ثوب نجسٌ يأتي الماء ليرفع عنه هذا الوصف وهو النجاسة فنقول الماء مطهر, الشمس على التفاصيل المذكورة مطهّرة, في المقام أيضاً الاستحالة بأي نحوٍ وقعت, الآن إما بالنار وإما وإما, هذه مطهّرة واقعاً أو ليست بمطهّرة؟ قالوا أساساً هذه من المسامحة الواضحة لماذا؟ لأنه هذا من السالبة بانتفاء الموضوع والمطهّر إنما يصح في مورد السالبة بانتفاء المحمول يعني أن الموضوع يكون ثابتاً الموضوع الشرعي ما أتكلم في الموضوع الفلسفي أبداً, لم أتكلم في الحقيقة وإلا هذا شيءٌ وذاك بحسب الفلسفة هذا شيء الذي كان مثلاً عذرةً وبعد ذلك يكون تراباً أيضاً ذلك شيء؟ هذا جسم وذاك جسم, هذا وجود وذاك وجود, لا, ليس البحث في هذا وإلا الشيئية والجسمية والوجود والمادية كلها محفوظة أو غير محفوظة؟ هذه كلها محفوظة, وإنما الكلام الموضوع الشرعي الذي وقع موضوعاً للحكم الشرعي هذا محفوظ في الاستحالة أو غير محفوظ, ليس محفوظاً لأنه كان حقيقةً عرفية والآن صار حقيقة, إذن لا معنى لأن نعبر عن الاستحالة بأنها من المطهرات, لأن المطهّر إنما يكون فيما لو كان الموضوع محفوظاً فيأتي ليزيل عنه وصل النجاسة مع حفظ ذلك الموضوع السابق, أما في الاستحالة الموضوع محفوظ أو غير محفوظ عرفاً؟ الموضوع غير محفوظ عرفاً.
إذن جعل الاستحالة من المطهّرات هذا فيه من المسامحة الواضحة التي لا تخفى.
البحث الرابع, إن شاء الله إلى غد.
والحمد لله رب العالمين.