نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (66)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    قلنا في الأبحاث السابقة أن واحدة من أهم المحاذير التي تذكر في كلمات فقهائنا (رضوان الله تعالى عليهم) لإبطال دعوىً أو لإبطال قولٍ أو لإبطال رأيٍ أو لإبطال نظريةٍ يقولون لو التزمنا بذلك للزم تأسيس فقهٍ جديد.

    وبينّا فيما سبق كأنّه هذه الكبرى مسلمة أو يقيناً مسلمة عند القوم أنّه لا يجوز تأسيس فقهٍ جديد, وأنّ تأسيس فقهٍ جديد من الخطوط التي لا ينبغي تجاوزها.

    يعني بعبارة أخرى: أنّ هذا الإطار الفقهي سواء كان على مستوى القواعد الفقهية أو على مستوى القواعد الأصولية, أو على مستوى كل هذه الأطر التي من خلالها نستنبط الحكم الشرعي أنّه لا يمكن تجاوزها بأي نحوٍ من الأنحاء.

    ولكنّه أيضاً أشرنا للإخوة وبينا قلنا بأنّه لم يرد في كلمات الفقهاء أو الأصوليين عنوانٌ مستقل لهذا البحث, يعني لم يعقدوا لنا في أبحاثهم الأصولية أو الفقهية أو القواعد الفقهية ونحو ذلك, لم نجد في كلماتهم ما يدل على بيان ما هو المراد من هذا اللازم الباطل, يعني هذه الكبرى وهو قولهم يلزم تأسيس فقهٍ جديد, ما هي هذه القاعدة ما هي حدودها ما هي شروطها, متى يلزم هذا اللازم متى لا يلزم هذا اللازم؟ هذا عندما ندقق في الكلمات لا نجد عنواناً مستقلاً لهذا البحث, وبإمكان الإخوة أن يتابعوا الكتب الفقهية الموجودة عندنا لمعرفة أنه هل يوجد بحث عن هذه القاعدة عن هذا الأصل عن هذا اللازم أو أنه لا يوجد في كلماتهم.

    بحسب الموجود في كلمات القوم لا يوجد بحثٌ مستقل وعنوان مستقل لهذا البحث, ولكنّه بحسب الاستقراء, ولابد للإخوة أن يستقرئوا هذه القضية -وأشرت إلى ذلك في الحلقة أو البحث السابق- قلنا بأن الإخوة لابد أن يرجعوا إلى كلمات الفقهاء لمعرفة أنّه متى يستعملون هذه القاعدة, متى يقولون وهذا لو التزم به للزم منه تأسيس فقهٍ جديد, هذه القاعدة لا يقولونها في كل مكان وإنما في موارد مخصوصة يشيرون إلى ذلك وإلا في كثيرٍ من الأحيان بل في الأعم الأغلب تجدهم يقولون أن هذا منافٍ للإطلاق هذا منافٍ للعموم هذا منافٍ للقاعدة المنقحة هذا منافٍ للظهور الكذائي, هذا منافٍ للإجماع الذي وقع الإجماع عليه, أو للتسالم الموجود, في النتيجة عندما يريدون أن يبطلوا شيئاً يستندوا إلى هذه المستندات أو أن الرواية سندها غير تام, أن الرواية دلالتها غير تامة, أو أن القاعدة الأصولية التي استند إليها هذه القاعدة غير تامة ونحو ذلك, أما أنه متى يستعملون هذه, طبعاً هذا يحتاج إلى استقراء تقريباً تام وإن كان الاستقراء الناقص أيضاً يعطي تصور, وبتعبيرٍ حديث: يلقي ضوءاً على استعمال هذه القاعدة عندهم.

    ولذا نحاول أن نشير إلى بعض هذه الموارد التي وردت في كلماتهم ومنه في الأخير سيتضح أنه أساساً هذه قاعدة فقهية هذه قاعدة أصولية هذه قاعدة كلامية هذه قاعدة أساساً فلسفية هذه القاعدة ما هي؟ ويلزم من ذلك تأسيس فقهٍ جديد.

    أما الموارد التي الآن بقدر ما يمكن وأيضاً أنا سوف أحاول أتوسع بقدر ما يمكن في هذه الموارد, وذلك باعتبار أنها في أبواب متعددة, في باب النكاح في باب الصوم في أبواب متعددة وهذا يبين لك أن هذه القاعدة ليست مختصة ببابٍ فقهي معين, بل إن شاء الله تعالى سيتضح أنه تستعمل أيضاً في بعض القواعد الأصولية, وهذا يكشف لك عن أنّ هذه القاعدة أو أن هذا المحذور لا يشار إليه فقط في الأبحاث الفقهية, وإنّما يجري أيضاً في الأبحاث الأصولية. بعد استقراء -ولو استقراء ناقصاً- هذه الموارد التي هي أيضاً تعطي نكهةً فقهية بالمعنى التقليدي للبحث وهو أنه نعرف بأنه أساساً في أبواب متعددة كيف يستعملون هذه القاعدة.

    المورد الأول: ما جاء في الجواهر, في (الجواهر, ج8, ص155, وص187) في موردين, في ص 155 هناك بحث وهو أن هذا البحث من الأبحاث المفيدة والتي لها آثار واسعة, وهو أن الرسول’ عندما قال >صلوا كما رأيتموني أصلي< هذه >صلوا كما رأيتموني أصلي< هل المراد -على فرض صحة مثل هذا السند وأنّه عندما مثل هذا النص وأنه مقبول وإن كان هو مسلم تقريباً عندهم >صلوا كما رأيتموني< هذا مضافاً إلى الأدلة العامة بغض النظر عن الصلاة- وهو أنه: هذا النص هل يشمل الأمور التي تركها في الصلاة أيضاً كما يشمل التي فعلها أو يختص بالأمور التي فعلها, طيب هذه القضية جداً خطيرة, لأنه نحن لابد أن نذهب إلى رسول الله لنعرف أنه ما هي الأمور التي لم يفعلها في الصلاة لا فقط ما هي الأمور التي فعلها في الصلاة, طيب إذا كان هكذا فلابد بالدقة نقف على تروك الصلاة أيضاً لا على ما فعله في الصلاة, طيب في الصلاة افترضوا ما كان يلبس الثوب الطويل أو القميص الطويل مثلاً في الصلاة, هذه من متروكاتها, يعني لم يعهد أنه كان يلبس كذا, لم يُعهد أنه كان يلبس عباء مثلاً, لم يُعهد أنه كان يلبس العمّة بطريقةٍ كذائية, لم … هذه عشرات بل مئات من لم لم .. هذه كلها مشمولة لهذا النص أو غير مشمولة؟ الآن اتركونا >صلي كما رأيتموني أصلي< الآن هذه فقط مقصوده في الأفعال في الحركات في اللباس في الستر ما هو المقصود؟ هذا بحث واسع جداً على تمامية هذا النص.

    انظروا ماذا يقول في ذيل هذا البحث صاحب الجواهر, يقول: [وفي الثاني] مراده هذا الذي أشرنا >صلوا كما رأيتموني أصلي< [وفي الثاني بعد تسليم حجية مثله] مثل هذا النص الذي ممّا لم نجده مسنداً في طرقنا, في طرقنا لعله مرسل موجود ولكنّه مسند غير موجود, الآن ابحثوا عن هذا الخبر بأنّه أساساً له سند عندنا ليس له صحيح ليس صحيح [مضافاً إلى ما عرفت ما في كشف اللثام قال: إنّه ظاهرٌ في إرادة أجزاء الصلاة وكيفية هذه الأجزاء لا كيفيات شروط الصلاة] الآن هذا الآن ما أريد أن أتكلم [قلت: بل لو كان المراد من هذا الخبر تناول اعتبار كل ما تركه’ في صحة الصلاة] الآن نحن لم نتكلم في الفعل نتكلم في ماذا؟ في الترك, يقول: [لو كان المراد من هذا الخبر تناول اعتبار كل ما تركه’ في صحة الصلاة وإن لم يُعلم كونه لها] يعني كون الترك لأجل ماذا؟ لأجل, بل لعادته مثلاً, لأنه مرة نعلم أنه تركها لأجل أنها صلاة أنه منافية للصلاة, ومرة لا تركها لأنه أساساً مزاج الرسول’ أساساً ما كان يقوم بهذا العمل, ما مرتبط بالصلاة في غير الصلاة أيضاً كان تاركاً للصلاة, يقول: [وإن لم يعلم كونه] أي الترك [لها, لكان مقتضاه ثبوت فقهٍ جديد لا يقول به أحدٌ من الإمامية بل ولا من المسلمين].

    إذن الآن صاحب الجواهر أين يستعمل هذه القاعدة؟ يستعملها في مسألة إجماعية, لا لا أبداً ليست المسألة مسألة إجماع أو عدم إجماع, وإنما يستعملها في موردٍ هذا المورد الأعلام عبروا عنهم الفقهاء الآن من مدرسة أهل البيت أو من المدارس الأخرى, لم يفهموا من هذا النص أنّه يشمل التروك كما يشمل الأفعال, انتهى, وإلا يقيم قرينة على ذلك؟ أبداً, يقيم دليلاً على ذلك؟ أبداً, يستدل على ذلك عقلياً نقلياً؟ أبداً وإنما يقول فقط أنّ الفقهاء من المدرستين من علماء المسلمين فهموا منها أنها شاملة للتروك أو لم يفهموا منها ذلك؟ لم يفهموا منها ذلك وانتهت القضية, ثم ذكر مجموعة من اللوازم, الآن لماذا يلزم تأسيس فقهٍ جديد؟

    يقول: [وليس هو من التخصيص قطعاً بناء على جوازه وإن كان أضعاف الداخل, بل هو مما لم يرد فيه العموم أصلا كما ذكرنا, ولعله إلى ذلك يرجع ما عن المختلف من الجواب بأن المراد] يعني من النص >صلوا كما رأيتموني أصلي< [المتابعة في الأفعال والأذكار لا في الجميع]يعني بما يشمل التروك أيضاً [وإلا لم تجز الصلاة] التفتوا جيداً وإلا يقول لو كنا نحن وهذا النص ونريد أن نتعامل معه تعامل حرفي >صلوا كما رأيتموني أصلي< لازمه هذا [وإلا لم تجز الصلاة إلا في عين ما صلى فيه من اللباس والمكان والزمان لأنه’ تاركٌ للصلاة في غير هذا الزمان والمكان واللباس والستر و… إلى غير ذلك] طيب سؤال: ما المحذور نلتزم؟ ماذا الآن بعض الاتجاهات المعاصرة لا أنه تلتزم, أنّه كل ما يقولون جائز يقول لا لا هذه بدعة لأنه لم يكن في عهد رسول الله’, أساساً لو كان جائزاً لزار رسول الله وحيث أن لم يزر القبور إذن ماذا؟ يعني ترك, ترك البناء على القبر إذن صار البناء على القبر ماذا يكون؟ بدعة, هذا الآن تجدون أنه في موارد أخرى.

    وهذه من النقوض على هؤلاء الجهلة, أنّه إذا كان الأمر كذلك إذن لابد أن تكون الصلاة كما صلاها رسول الله فعند ذلك أنت من حقك أن تضع أمامك مكروفون أو ليس من حقك؟ لأن رسول الله فعلها أو تركها, أو يذكرون لنا ضابطة أنه لماذا هنا يجوز وهنا لا يجوز؟

    إذن انظروا الآن بالدقة رجع هذا النص إلى بحث واحد وهو أنه: فقهاء المسلمين لم يفهموا من هذا النص هذا العموم والإطلاق وإنما فهموا منه موارد مخصوصة في الفعل لا أكثر من ذلك, لذا يقول: [وإلا لم تجز الصلاة إلا في عين ما صلى لأنه تارك للصلاة في غيرها وإن قال لابد من المتابعة في ترك نوع ما تركه لزم أن لا تجوز الصلاة إلا في الأنواع التي صلى فيها من الألبسة فلم يجز في غيرها ولا يقول به واحتمال أن له أن يقول لابد من المماثلة في كيفية الستر لا كيفية الألبسة في أنفسها ولا في أنواعها يدفعه ما عرفت مع أنه تشهٍ وتحكم]. جيد.

    إذن ماذا نفهمه من هذا؟ الآن القضية ليست فقط قضية إجماعية أبداً لا لا, ليس أنه إدعاء الإجماع, وإنما هناك فهم مخصوص لهذا النص أولاً, التفتوا جيداً حتى تعرفون أن كل الموارد التي استعملت فيها هذه القاعدة تجدون أن هاتين الخصوصيتين محفوظة.

    الخصوصية الأولى: أنّ هناك فهم مخصوص من الفقهاء. هكذا فهموا من هذا النص, هذا أولاً. ثانياً: لو لم يلتزم بهذا الفهم ليست المسألة مرتبطة بفرعٍ معين وإنما لها فروع متعددة كثيرة يعني في باب الصلاة كم فرع عندنا كم مسألة عندنا.

    إذن القضية ليست, وبهذا تمتاز مسألة يلزم تأسيس فقهٍ جديد عن الإجماع في موردٍ معين, في موارد الإجماع يوجد إجماع على مسألةٍ معينة, هنا ليست مسألة واحدة وإنما تؤثر على باب الصلاة بأكمله التي فيها مئات المسائل أو لعله آلاف المسائل في الزمان في المكان في اللباس في الستر في القيام في الجلوس في الحركات في الأذكار في … إلى غير ذلك. طيب الآن لو تأتون كثير من الأذكار أن الرسول’ كان يقرأها في الصلاة أو لم يقرأها في الصلاة؟ لا يقرأها في الصلاة, إذن هذه أيضاً تكون من التروك فلا يجوز قراءتها في الصلاة وإنما فقط يجوز قراءة تلك الأذكار التي كان يقرأها رسول الله’ في الصلاة؟ طيب لابد أنه يصير تحقيق في هذه المسألة.

    هذا هو المورد الأول في هذا المجال وهو فيما يتعلق بكيفية الصلاة بشرائط الصلاة بموانع الصلاة بالتروك … إلى غير ذلك, تجدون أنهم يستعلمون هذه القاعدة.

    المورد الثاني: طبعاً هذا في (كتاب الصلاة في مسألة استحباب الصلاة في النعل العربية) وأنه في هذا المورد باعتبار أن رسول الله كان يلبس النعل أو لا يلبس, وطُرحت هذه المسألة.

    المورد الثاني: ما ورد في نفس (ج8, ص186و 187) مسألة فقهية, قلت بأنه حتى مذاق البحث بمقدار يتغير في أبواب متعددة, مسألة فقهية وهو أنه: في الستر – بشكل عام أتكلم كلمات الفقهاء ما عندي شغل أتكلم عنوان عام- في الستر, يعني: ستر العورتين في الصلاة هل يجوز الستر بأي شيء كان وبأي نحوٍ كان أو لابد أن يكون الستر أو الساتر من الأمور المتعارفة كأن يكون قماشاً كأن يكون ثوباً فإن لم يوجد عند ذلك ننتقل إلى البدائل إلى الحشيش إلى الورق إلى الطين, إلى .. إلى ما شاء الله, فإذا لم يوجد ذلك فعند ذلك يصلي بلا ركوع ويومأ حتى أنه القضية بأنه تكون بتلك الطريقة المخصوصة, طيب ما هو الحكم الشرعي؟

    هذه مسألة وقع الكلام فيها بين الفقهاء في (ص186) يقول: [وكيف كان فإذا لم يجد ثوباً] من هذا ماذا نستكشف أنه أولاً لابد أن يستر العورتين بالثوب فإن لم يوجد هذا ينتقل إلى ماذا؟ ما أبحث في الفتوى الفقهية الرسائل العملية ماذا يقولون راجعوا, أنا أبحث القضية من الناحية, من ناحية النصوص وكلمات الفقهاء, يقول: [فإذا لم يجد ثوباً يستر به القُبل والدُبر سترهما بما وجده ولو بورق الشجر, >لصحيح ابن جعفر سأل أخاه عن رجلٍ قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال: إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتم صلاته بركوع وسجود, وإن لم يصب شيئاً<] من هنا ذكر جملة من الفقهاء ومنهم صاحب الجواهر أنه ما ذكر في قوله >حشيشاً< قال: >إن أصاب حشيشاً يستر< قالوا ذكر الحشيش من باب المثال بأي قرينة؟ بقرينة قول الإمام >وإن لم يصب شيئاً< يعني سواء كان حشيشاً ورقاً أي شيء كان, لا أنه يقتصر بعد الثوب ننتقل إلى الحشيش, قال: [>وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم< إذ من المعلوم إرادة المثال من الحشيش لما يشمل الورق ونحو الورق, خصوصاً بعد قوله× >وإن لم يصب شيئاً<] باعتبار أنه صحيح ذكر مثال [مؤيداً بإمكان دعوى الإجماع على عدم الفرق بين هذه الأفراد يعني الحشيش والورق] نظائر هذا الحشيش والورق [نعم, لا دلالة فيه على اشتراط جواز الستر بها بانتفاء الثوب] لا توجد دلالة, وهو أنه لا توجد طولية بين الستر بالثوب فإن لم يكن الثوب ننتقل إلى ماذا؟ يقول لأنه أساساً الإمام× ليس بصدد بيان الطولية, السائل يسأله بأنه ما عنده ثوب, الإمام× يقول أي شيء يقوم مقام الثوب, ليس بصدد أن يقول أولاً: الثوب, فإن لم يكن الثوب موجوداً تنتقل إلى البدائل من الحشيش والورق ونحو ذلك.

    يقول: [نعم, لا دلالة فيه] يعني في الصحيح الذي أشرنا إليه [لا دلالة فيه على اشتراط جواز الستر بها] يعني بهذه الأفراد من الحشيش والورق ونظائرها [بانتفاء الثوب وإن ظنّه بعض الناس ضرورة أعميّة فرض السؤال من ذلك, فالأصل حينئذٍ يقتضي عدمه وفاقاً للذكرى وجامع المقاصد و… إلى غير ذلك]. طيب هذا محل المسألة.

    الآن تعالوا إلى مورد المسألة, يعني هذه الآن مقدمة المسألة للدخول في المسألة. طيب الآن لو فرضنا أنه يشترط الثوب فإن لم يكن ننتقل إلى البدائل الحشيش وكذا أو مطلقا, فهل يوجد هناك طريقة مخصوصة لوضع الستر والساتر, أو لا يوجد؟

    بعبارة أخرى: هل لابد من الرجوع لنعرف أنّه ما هو المتعارف في الستر والساتر الكيفية, طبعاً المادة أيضاً داخلة يعني إذا اشتراطنا الثوب, ثوب معين أو أنه لا يشترط ثوب معين؟ هذه عبارته يقول: [وكون الدرع والثوب والقميص والملحفة ونحوها في النصوص مثالاً لصنفها مادةً وهيئة بعض يقف] يعني هذه الأمور التي ذكرت في النصوص ثوب وملحفة وقميص أيضاً هيئتها لابد تلك التي كانت في ذلك الزمان, فإذا صارت لنا أثواب ليست على تلك المادة القديمة مادة أصلاً مستحدثة جديدة وهيئة جديدة, [مادةً وهيئة أو هيئةً لا مادة ليس بأولى من دعوى كونها مثالاً لما يشمل الحشيش والورق ونحوهما] يقول لا فرق كما أننا لا نشترط في الثوب كما أننا لا نشترط أن يكون الوصول إلى الحشيش بعد عدم الثوب لا نشترط أن يكون الثوب بهيئة ومادة معينة, هذا كله ليس شرطاً في الستر [بل قد يقال أنها خصت بالذكر لغلبتها وتعارفها لا لإرادة عدم جواز الصلاة بغيرها وغير صنفها وليس في النصوص لفظ الساتر والستر] يقول نحن أساساً في النصوص لا يوجد عندنا لفظ الساتر والستر, الآن محل الشاهد, هذه المقدمة بعد أن اتضحت, أأتي إلى محل الشاهد.

    [وبأدنى نظرٍ وتأملٍ في خلوا النصوص عن الإشارة إلى شيء من ذلك تقطع ببطلان الدعوى المزبورة] أي دعوى؟ دعوى أن يكون الثوب أولاً ثم الحشيش ونظائره, دعوى أن يكون الثوب ضمن هيئة ومادة معينة, أو ضمن مادة معينة أو ضمن هيئة معينة, مما تقدم اتضح بطلان مثل هذه الدعاوى. [تقطع ببطلان الدعوى المزبورة وإن اشتهرت في هذه الأعصار] في أعصار صاحب الجواهر, محل الشاهد هذه الجملة التفتوا جيداً, [التي قد اشتهر فيها قاعدة الشغل] يعني الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني, لأنه أنت جنابك أنت مكلف بالستر لا تعلم أنه مكلف بهذا أو بذاك, فإذا صليت بهذا لا تعلم أنه فرغت الذمة أو لم تفرغ الذمة فتطبق قاعدة الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني, الآن على التفصيل أنه هذه القاعدة تجري في التكليف في المكلف به, ذاك بحثه في محله.

    قال: [التي قد اشتهر فيها] يعني في هذه الأعصار [قاعدة الشغل المقتضي لليقين بالخروج عن العُهدة فاُثبت بها فقهٌ جديد لم يكن معروفاً في الأزمنة السابقة] ما أدري واضح ماذا يقول صاحب الجواهر؟ صاحب الجواهر يقول المتأخرين هذه القاعدة قاعدة الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني هذه طبقوها في كثير من الموارد لزم منها تأسيس فقه جديد, وكان ينبغي تطبيق هذه القاعدة أو لا ينبغي؟ أساساً لا ينبغي.

    إذن ارجع وأقول, انظروا هذا المورد الثاني أيضاً فيه خصوصيتان, طيب ما المحذور في ذلك؟ يقول باعتبار أن القدماء لم يطبقوا قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني هذه لم يطبقوها, والثاني: أن هذه القاعدة إذا طُبقت لا في مورد واحد وإنما لها آثار كثيرة, ولذا يقول: [التي اشتهر فيها قاعدة الشغل المقتضي لليقين بالخروج عن العُهدة فاُثبت بها فقهٌ جديدٌ لم يكن معروفاً] هذا الفقه الجديد [في الأزمنة السابقة].

    إذن تبين هذه النتيجة التي نصل إليها من المورد الثاني وهو أنه: قد تؤسس قواعد في زمانٍ وتترتب عليها آثار كثيرة هذه القاعدة كانت موجودة في الزمان السابق أو غير موجودة؟ غير موجودة, إذن تبين هذه القاعدة يلزم تأسيس فقهٍ جديد, ليس محذوراً على مر الزمان بل إذا اتفق في زمان على مجموعة من الضوابط والقواعد فليزم منها تأسيس فقهٍ جديد فيه محذور أو ليس فيه محذور؟ لا يوجد فيه محذور.

    يعني بعبارة أخرى: إذا قبل هذه الأزمنة التي ما كان يطبقون قاعدة الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني, أولئك الفقهاء لو جاؤوا إلى زماننا يقولون بتطبيق هذه القاعدة لزم منها تأسيس فقهٍ جديد يقولون لا محذور فيه, لأي شيء لماذا لا محذور فيه؟ يقولون باعتبار أن الأدلة العقلية أو النقلية القطعية أوصلتنا إلى هذه إذن فليزم منها تأسيس فقه جديد, لا محذور فيه. ما الذي أريد أن أقوله؟ أريد أن أقول بأنه هؤلاء إذن عندما يجدون قواعد جديدة مستدلٌ عليها حتى لو لزم منها تأسيس فقهٍ جديد يوجد محذور أو لا يوجد محذور؟ لا يوجد محذور.

    أضرب لكم مثال حتى يتضح المطلب: أنتم تعلمون أنه أساساً التمييز بين باب التعارض -في علم الأصول- وبين باب التزاحم -في علم الأصول- من المفاتيح الأساسية في عملية استنباط الأحكام الشرعية, وهذه لعله من زمن الميرزا النائيني وما بعد ذلك, وإلا قبل ذلك نحن لم نعهد بشكل فني التمييز بين باب التعارض الذي قواعده ما هو؟ الآن قواعده إما العرض على الكتاب, إما مخالفة العامة, وبعد ذلك الذي لا هذا ولا ذاك التعارض التساقط التخيير, هذه القواعد التي قراناها أين؟ في باب التعارض, طيب في باب التزاحم ما هي القواعد؟ من الواضح في باب التزاحم تأتي قاعدة الأهم والمهم, قواعد الأهم والمهم هذه ليست من قواعد التعارض, هذه من قواعد باب التزاحم.

    الآن تقول لي ما هو الفرق بين التزاحم والتعارض؟ هذا في علم الأصول, ولكن بناءً على هذا التفريق لزم عندنا تأسيس قواعد فقهية جديدة يعني لزم تأسيس فقهٍ جديد, يوجد فيه محذور أو لا يوجد فيه محذور؟ لا يوجد فيه محذور لماذا؟ لأنّه هذا التمييز فني قائم على أسس صحيحة, الذي أريد أن أقوله هذا, وهو أنّه ليس كلما لزم تأسيس فقهٍ جديد فهو باطل. نعم, إذا لزم تأسيس فقهٍ جديد على أسس قواعد غير مستدلٍ عليها وغير منقحةٍ, مثل هذا المحذور تام, أما إذا كانت عندك هناك مجموعة من القواعد.

    بعبارتنا التي نحن اشتغلنا عليها لأيام طويلة ولأبحاث طويلة كان هناك منهجٌ مستدلٌ عليه عقلياً أو نقلياً وأنتج لك قواعد يلزم منها تأسيس فقهٍ جديد, فعند ذلك يوجد فيه محذور أو لا يوجد فيه محذور؟ لا يوجد فيه محذور.

    بعبارة ثالثة: أنت إذا استطعت أن توجد منهجاً جديداً وتقرأ النصوص الدينية بقراءة أخرى ووصلت إلى نتائج مختلفة عن النتائج التي وصل إليها السابقون هذا فيه محذور أو لا يوجد فيه محذور؟ من هذا الكلام ماذا نفهم؟ من صاحب الجواهر؟ يقول لا لا أبداً لا محذور فيه, أقرأ العبارة مرةً أخرى, قال: [وإن اشتهرت في هذه الأعصار التي قد اشتهر فيها قاعدة الشغل المقتضي لليقين بالخروج عن العهدة فأثبت بها فقهٌ جديدٌ لم يكن معروفاً في الأزمنة السابقة] طيب سؤال: الآن كثير من الأحكام التي ذكروها فقهائنا قالوا بأنه هذا باطل لماذا؟ لأن الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني هذا شرط أو هذا مانع لماذا؟ لأن الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني, تقول بأنه هذا يلزم منه تأسيس فقهٍ جديد؟ يقول لا محذور, الفقهاء السابقين الذين كانوا يقولون لا يوجد فيه محذور باعتبار لم يكونوا ملتفتين إلى قاعدة الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني, فإذا التفتوا إليها.

    مثال أوضح أضرب لكم: السيد الشهيد&, في الأصول عندما جاء وأنكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان واستبدلها بقاعدة أو نظرية حق الطاعة, لزم تأسيس علم أصول جديد أو لم يلزم؟ لزم, بلي لزم, لأنه كثير من المباني والنتائج تبدلت بتبدل ذلك الأصل, طيب هذا باطل يلزم منه تأسيس أصول جديد أو ليس بباطل؟ ليس بباطل, لماذا؟ لأنّه الأصل الذي أصله أقام أدلة على بطلان قاعدة قبح العقاب بلا بيان وأسس لقاعدة أخرى كلامية وهي نظرية حق الطاعة.

    مثال آخر -أنا أضرب الأمثلة حتى تخرجون من الوحشة بكرة إذا أردنا أن نؤسس لا يأتينا شخص ويقول لنا هذا يلزم منه تأسيس فقهٍ جديد- إذا كانت مقدماتك مستدلة طيب ما المحذور أن يلزم تأسيس ماذا؟ إذن أنا أريد أن أصل إلى هذه النتيجة وهي أن تأسيس فقهٍ جديد إنما يكون محذوراً لا يمكن الالتزام به إذا كانت مقدماته ومنهجه غير مستدلٍ وغير صحيحٍ, أما إذا كانت المقدمات والمنهج الذي اعتمد عليه كان منهجاً صحيحاً.

    مثال أوضح من هذا: من آمن بنظرية حجية خبر الثقة -في باب الأصول- طيب في مقابله ماذا نحن يوجد عندنا من نظرية؟ نظرية القائلين بالانسداد وحجية خبر الثقة أو عدم حجية خبر الثقة؟ عدم حجية خبر الثقة, طيب النتائج الفقهية واحدة أو النتائج الفقهية مختلفة؟ بطبيعة الحال أصلاً وجه الفقه بناء على حجية خبر الثقة يكون بنحوٍ, والفقه بناء على عدم حجية خبر الثقة يكون بنحوٍ آخر, طيب هذا ألم يلزم منه تأسيس فقهٍ جديد؟ نعم, فليزم منه ما المحذور في ذلك؟ القائل بحجية خبر الثقة يرتب النتائج بنحوٍ, والقائل بعدم حجية خبر الثقة يرتب النتائج بنحوٍ آخر ولو لزم بالقياس إلى المنهج الأول تأسيس فقهٍ جديد, فيه محذور أو لا يوجد فيه محذور؟ لا, لا محذور, أي محذور لا يوجد. ما أدري واضحة القضية.

    إذن لابد أن يلتفت من هذا الكلام الذي أنا أشرت إليه, أنه ليس كل ما لزم تأسيس فقهٍ جديد إذن فهو باطل, لا ليس الأمر كذلك, وإنّما هذا المحذور إنّما يكون مانعاً متى؟ إذا لم تكن مقدماته التي استند إليها يمكن الاستدلال عليها.

    عند ذلك أنا أتصور بناءً على هذا ينفتح لنا بابٌ لفهم ماذا؟ لنرجع إلى المناهج والأسس والقواعد التي استند إليها السابقون الذي أنتج عندنا هذا الفقه المتعارف, فإن وافقنا عليها, طبيعي هذا الفقه لابد أن نلتزم به لأن النتائج تتبع تلك المقدمات, ولا يمكن أن نلتزم بتلك المقدمات وبتلك القواعد والمناهج ونخرج عن نتائجها هذا لا يمكن.

    أما إذا صار بناء المستدل الفقيه الأصولي رجع إلى تلك المناهج تلك القواعد وتلك الأسس ووجد فيها خللاً فأسس منظومة استدلالية جديدة, منهج استدلال جديد, فبطبيعة الحال سوف ينتهي إلى ماذا؟ سوف ينتهي إلى نتائج فقهية, وبتعبير القوم: ينتهي إلى فقهٍ جديد, طيب يوجد فيه محذور أو لا يوجد فيه محذور؟ الجواب: لا, لا محذور فيه.

    إلّا أن تقولوا أساساً, أساساً تلك القواعد التي أسسوها تلك اُطر يمكن الخروج عنها أو لا يمكن الخروج عنها؟ لا يمكن الخروج, يعني فهم الأصحاب في الطبقة الأولى من الأصحاب سواء في الغيبة الصغرى أو بعد الغيبة الصغرى ذاك الفهم هو الأصل, ويجوز الخروج عليها أو لا يجوز؟ لا يجوز, وهذا الآن توجد نظريات من هذا القبيل, البعض يتصور أن هذه النظريات فقط موجودة عند بعض الموجودين في مدرسة الصحابة, لا ليس الأمر كذلك, عندنا أيضاً موجودة, إن شاء الله غداً أبين أن أولئك ماذا يقولون وأنّه نحن الآن بماذا من الناحية المنهجية مبتلون بشيء من ذاك القبيل.

    تتمة البحث تأتي.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/06
    • مرات التنزيل : 1257

  • جديد المرئيات