بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
قلنا بأنّه واحدة من أهم المحاذير التي تذكر في كلمات علمائنا -تقريباً- بنحو التسالم أنه إذا لزم من رأي أو فتوىً أو فهمٍ معين لزم تأسيس فقهٍ جديد فإن ذلك علامة بطلان ذلك الرأي.
ومن هنا أنتم تجدون تقريباً في كل أبواب الفقه هذه القاعدة أو هذا المحذور يُشار إليه بنحو المسلمات بنحو الأمور المفروغ عنها أنه لو التزم بذلك للزم تأسيس فقه جديد.
طبعاً هذا المعنى أيضاً يمكن أن يطبق على ما نحن بصدده وهو تأثير الزمان والمكان سواء كان على مستوى ملاكات الأحكام الشرعية أو كان على مستوى نفس الأحكام الشرعية أو كان على مستوى متعلق الأحكام أو كان على مستوى موضوعات الأحكام أو كان على مستوى مصاديق المتعلقات والموضوعات, قد يقال بأنه يلزم تأسيس فقهٍ جديد. وحيث أن التالي باطل وحيث أن المحذور مفروغ عن بطلانه إذن هذه النظرية وهو تأثير الزمان والمكان بأي نحوٍ من الأنحاء أيضاً لابد من الالتزام ببطلان.
وهذا مبنيٌ على أصل ذكره بعضٌ صرح بعض به والبعض الآخر يوجد في كلامه ولكنّه مستبط يعني لم يشر إليه, ولكنّه يلتزمون به عملاً, هذه القاعدة هي التي أشار إليها السيد البروجردي+ في هذا الكتاب وهو (البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر, بتقرير الشيخ المنتظري, ص176) توجد قاعدة, هذه القاعدة سيّالة في مختلف أبواب الفقه, التفتوا إليها وهذا هو الذي يقوم عليه تقريباً فقهنا المصطلح الآن في حوزاتنا العلمية, أنا أقرا القاعدة الآن من كلمات السيد البروجردي بحسب هذا التقرير.
يقول: [ويظهر بذلك أن الاعتبار في هذه الأمور] هو يتكلم في مسألة المسافة وبماذا تتحقق المسافة الشرعية, هل أن الزمان مأخوذ في تحقق المسافة أو غير مأخوذ فيها.
بعبارة أخرى: يعني أن المسافة الشرعية في ذلك الزمان كانت لكي تتحقق المسافة نحتاج إلى يوم وليلة, أما هذه المسافة الشرعية الآن في زماننا قد تتحقق في نصف ساعة أو ساعة, هل أن طول الزمان وقصر الزمان له مدخلية في تحديد المسافة الشرعية أو ليس له مدخلية؟ طيب من الواضح الآن في كلمات فقهائنا أن طي المسافة الشرعية – ذلك التحديد وهو أربعة فراسخ- طي هذه المسافة الشرعية لم يلحظ فيها الزمان سواء كانت في يوم وليلة أو كانت في نصف ساعة وغداً لو صارت في عشرة دقائق الإنسان يذهب ويرجع, هل أنّ هذا يؤثر على التحديد الشرعي أو لا يؤثر؟ وهذا ليست فقط في باب المسافر وإنما في أبواب متعددة أخرى أيضاً قد تكون الوسائل الحديثة للانتقال قد تؤثر على ذلك, واحدة من مصاديقها فيما يتعلق بالمسافة الشرعية, ولذا نحن قلنا فيما سبق بأنّه أساساً يوجد بحث في أنّه المقصود هو الزمان أو أنّ الزمان هو المسافة كيف ما تحققت, من قال هو الزمان يعني يوم وليلة طيب في هذا الزمان في ثمانية فراسخ ما يحصل يوم وليلة ما يحتاج إلا نصف ساعة إلى ساعة, أما إذا قلنا لا, أن الزمان ليس محلوظاً سواء كان في أربعة وعشرين ساعة في يوم وليلة أو كان في نصف ساعة, هو أنظروا إلى القاعدة التي يؤسس لها, الآن ليس المهم عندي تطبيقها -تطبيقها في صلاة المسافر- ولكن القاعدة التي يؤسسها.
[فيظهر من ذلك أنّ الاعتبار في هذه الأمور] يعني في التحديدات الشرعية [ليس بما يقتضيه وضع زماننا, بل يجب على كل أحدٍ أن يفرض نفسه في المحيط الذي صدر فيه الأخبار عن الأئمة الأطهار, ومن المعلوم] التفتوا جيداً, إذن المدار على ماذا؟ المدار على ذلك العهد على ذلك الزمان, أنت صحيح تعيش بفاصل ألف سنة ألفين سنة خمسة آلاف سنة عن عصر صدور النص ولكن لابد أن تفرض نفسك في فهم هذه التحديدات من أين تفهمها؟ تفرض نفسك في ذلك الزمان.
ولذا تجدون فيما سبق أن السيد الشهيد& قال ذاك الظهور هو الحجة ولهذا إما توسلنا بأصالة عدم النقل إما بالاستصحاب القهقرائي إما بأصالة الثبات وكل ذلك لأنه ماذا؟ هذا هو المدار, الآن بعض يصرح بهذا وبعضٌ أصلاً هذا أصل انطلاقته في فهم الأحكام الشرعية.
يقول: [فيظهر من ذلك بل يجب على كل أحدٍ أن يفرض نفسه في المحيط الذي صدر فيه الأخبار عن الأئمة الأطهار ومن المعلوم أنّ طي الفرسخين مثلاً في ذلك الأعصار كان يتوقف على تهيأ أسبابه] الذي يريد أن يطوي فرسخين عرفت كيف أو أربعة فراسخ لابد أن تتهيأ له مقدمات و… إلى غير ذلك حتى يقطع المسافة في يوم وليلة [وحمل الزاد وصرف زمانٍ معتدٍ به وكان هذا المعنى عندهم مبايناً لمفهوم الإقامة التي أخذ فيها إلى, وإن كان طي هذا المقدار في أعصارنا أمراً عادياً غير مستلزم لتهيئة الأسباب أو لصرف زمانٍ معتد به, وبالجملة في المفاهيم والتحديدات الواردة في هذا الباب] الذي هو باب السفر [بل في جميع أبواب الفقه] التفتوا إذن ماذا؟ ليست القضية مرتبطة بباب السفر, بل جميع أبواب الفقه [يجب أن نفرض أنفسها في محيط صدور الأخبار فما هو المتبادر بحسب وضع ذلك المحيط فهو الذي يجب أن يحمل عليه هذه المفاهيم وهذه التحديدات] ما أدري واضح صار هذا, هذه القاعدة الأساسية التي ينطلق منها فقهنا المتعارف الآن فقهنا الكلاسيكي في حوزاتنا العلمية يقوم على هذا الأساس.
ومن الواضح إذا شخص أراد أن يبدل هذا الأساس فبطبيعة الحال يلزم تأسيس فقهٍ جديد أو لا يلزم؟ بشكل واضح يلزم تأسيس فقهٍ جديد, والتالي باطل والمحذور مسلّم أنه باطل عندهم, فالمقدم مثله. إذن لا يجوز أن نتجاوز عن هذه التحديدات التي في ذلك الزمان.
هذا هو المحذور الذي في جملة من الأحيان تجدون أنهم يصرحون به, ولكن -مع الأسف الشديد- في كلمات علمائنا لم يبحث هذا العنوان عنوان محذور تأسيس فقهٍ جديد ما هو حدود هذا العنوان؟ ما هي ضوابط هذا العنوان؟ متى يتحقق ومتى لا يتحقق؟
من هنا, نحن إن شاء الله تعالى لكم يوم, سنقف ولو بحسب الاستقراء الناقص, عند بعض الموارد لنعرف من خلالها أن هؤلاء أين يستعلمون هذه القاعدة, هل تستعمل في الفقه فقط, هل مصاديقها فقهية فقط, مصاديقها أصولية فقط, أو فقهية وأصولية أو تشمل الموارد الكلامية والأبحاث الكلامية أو إلى غير ذلك.
ولكن الآن أنا سوف أقدم الخصوصيات الموجودة في الموارد التي استعملوها حتى نعرف أنه على بينّة ندخل إلى البحث.
إخواني الأعزاء, هؤلاء لا يقولون هذا المحذور يعني: يلزم تأسيس فقهٍ جديد, هذا المحذور لا يذكرونه مختصاً بباب الفقه, ولا يذكرونه مختصاً بباب الأصول, بل تجد في جملة من المسائل الأصولية عندما يبطلون الرأي يبطلونه من خلال أنه لو لم يكن كذلك للزم تأسيس فقهٍ جديد, مع أنه هو يتكلم هو أين؟ في قاعدة أصولية, ولكن يقول يلزم تأسيس فقهٍ جديد, في باب التعارض يتكلم ولكن يقول يلزم تأسيس فقهٍ جديد, وكذلك لا يخصصونها في بحث الفقه فقط, بل توجد في الأصول, لا يخصصونها في الأصول بل توجد في بحث الفقه أيضاً, تجدونهم عندما يصلون إلى قاعدة القرعة يقولون لا يمكن التمسك بإطلاقها وعمومها لكل أمرٍ مشكل, لماذا؟ لأنه يلزم تأسيس فقهٍ جديد.
إذن الخصوصية الأولى في هذه القاعدة, وبعد ذلك سيتضح للإخوة, أنّه حتى لا تختص بالفقه والأصول بل لعلها يمكن أن تنجر إلى أبحاثٍ كلامية, يعني أنهم لا يلتزمون برأي كلاميٍ لماذا؟ يقولون لأنه لو التزم به للزم منه تأسيس فقهٍ جديد, ولعله سنشير إلى بعض مصاديق هذه المسألة. هذه الخصوصية الأولى.
الخصوصية الثانية -التي لابد أن ينظر إليها-: هو أنّ هذه القاعدة لا يستعلمونها في مسألة فقهيةٍ بعينها, وإنما يستعلمونها بنحوٍ تشكل عنصراً مشتركاً, يعني لها تأثير لا في مسألة, لعله في بابٍ فقهيٍ لعله في بابين فقهيين لعله في عشرة أبواب فقهية, المثال الذي أشرنا إليه في أبحاث سابقة وسيأتي إن شاء الله: افترضوا مسألة الستر والساتر التي أشرنا إليها في الدرس السابق, قلنا: بأنّه هذه مرتبطة بعدّة مسائل متعددة لا بمسألة واحدة, وبهذا تمتاز هذه القاعدة عن مسألة الإجماع, فإن الإجماع عادةً إنما يكون على مسألة بعينها خاصة, أما بخلافه يلزم تأسيس فقهٍ جديد لا تختص بمسألة معينة, الآن قد تشمل مائة مسألة وقد تشمل ألف مسألة, عبروا عنها -كما عبر سيدنا الشهيد- بأنها عنصراً مشترك في مسائل متعددة. هذه أيضاً المحور أو الحقيقة أو الخصوصية الثانية.
الخصوصية الثالثة: وهي من أهم هذه الخصوصيات وهو أن لزوم تأسيس فقهٍ جديد هل هو باطل مطلقا أو في بعض الأحيان لا محذور بتأسيس فقه جديد, وهذه هي نقطة البحث التي تنفعنا كثيراً يعني الأعلام عندما قالوا يلزم تأسيس فقهٍ جديد جعلوا هذا المحذور باطل على نحو الإطلاق أو لا, في بعض الأحيان قالوا لا محذور من الالتزام بتأسيس فقهٍ جديد, وفي بعض الأحيان قالوا يوجد محذور في الالتزام بتأسيس فقهٍ جديد.
ومن هنا أيضاً لابد أن نرجع إلى كلمات فقهائنا إلى كلمات علمائنا في هذا المجال لنعرف الضابط والمعيار الذي على أساسه يقولون إذا لزم تأسيس فقهٍ جديد لا محذور فيه, أما في مورد آخر إذا لزم تأسيس فقهٍ جديد يوجد فيه محذور, ويا ليت أن هذا العنوان يعنون واقعاً في أبحاثنا الأصولية, أنّه متى إذا لزم تأسيس فقهٍ جديد لا محذور فيه, ومتى إذا لزم تأسيس فقهٍ جديد يوجد فيه محذور, يعني متى يكون صحيحاً ومتى يكون باطلاً, متى يكون حقاً ومتى لا يكون كذلك. هذه هي القضية الأساسية التي لابد أن يلتفت إليها.
في هذا اليوم نحاول إن شاء الله تعالى ولعله غد, أنّه أشير إلى بعض المسائل أو بعض المصاديق أو بعض الأمثلة التي تقريباً اتفق الأعلام على بعضها أنّه حتى لو لزم منها تأسيس فقهٍ جديد يوجد محذور أو لا يوجد محذور؟ لا يوجد محذور.
من أوضح أمثلة ذلك: هذه المسألة وهي: هل أنّ الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده أو لا يقتضي؟ أنتم تعلمون بأنه بُرهة من الزمان وجمع من أعلامنا لعله إلى عصور متأخرة كانوا يقولون أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده, ورتبوا عليه بأنه إذا الإنسان إذا أمر بشيء وترك ذلك الشيء فهل يمكن أن يأتي إلى ضد ذلك الشيء ويقوم به أو هو منهي عنه؟ منهي عنه.
أضرب مثال: الشارع الآن أمره بإنقاذ الغريق ولكن هو ترك الإنقاذ والآن دخل وقت الصلاة يريد أن يقف ويصلي, فهل صلاته صحيحة أو صلاته باطلة أي منها؟ طيب بناءً على أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص الذي هو الفعل الخاص الخارجي أو ضده الوجودي, إذن هو منهي عن هذه الصلاة, إذا كان منهياً عن الصلاة يمكن أن يصلي أو لا يمكنه أن يصلي؟ لا يمكنه, أمّا إذا قلنا أن الأمر بشيء لا يقتضي النهي عن ضده, عند ذلك يأتي بحث الترتب, ما هو بحث الترتب؟ وهو أن الشارع يقول: إن عصيت الأهم فيوجد أمر بالمهم, طيب هذه مسألة مسألتين ثلاث عشرة مائة؟ لا محذور في ذلك. بناءً على هذا المبنى الجديد وهو أن الأمر بشيء لا يقتضي النهي عن ضده يلزم تأسيس فقهٍ جديد, يقول لا محذور في هذا لماذا؟ لأن ما بنى عليه القدماء السابقون تلك القاعدة اتضح بطلانها فإذا اتضح بطلانها واتضح صحة أن الأمر بشيء لا يقتضي النهي عن ضده فلا محذور في أن يلزم منه تأسيس فقهٍ جديد. لا محذور في عشرات المسائل كنا نقول بالبطلان الآن نقول بالصحة لا محذور في ذلك.
وهكذا في مسألة أخرى: وهي جواز اجتماع الأمر والنهي, هل يجوز اجتماع الأمر والنهي أو لا يجوز؟ طيب أنتم تعلمون إذا قلنا بالجواز فتترتب مجموعة من الآثار, وإذا قلنا بعدم الجواز أيضاً تترتب مجموعة من الآثار, طيب الذين كانوا يقولون بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي -وإلى الآن يوجدون- يرتبون مجموعة من الآثار, والقائلون بجواز اجتماع الأمر والنهي يرتبون مجموعة أخرى من الآثار, تقول طيب يلزم تأسيس فقهٍ آخر غير الفقه؟ يقول لا محذور فيه لأن هذا مرتبط بالمبنى.
مسألة أوضح وإن كان لا يوجد الآن قائل ولكن كان يوجد عندنا قائل من القدماء وهو أننا الآن من الانفتاحيين أو من الانسداديين؟ ما هو مبناكم, انفتاحي أم انسدادي؟ فإن قلتم بالانفتاح وأنه يوجد عندنا دليل على حجية بعض الإمارات فأنت لست انسدادياً, الانسدادي يقول انسداد باب العلم والعلمي, لا عندك طريق للوصول إلى القطع ولا عندك طريق للوصول إلى الظن الخاص الحجة, فإذا اغلق هذان الطريقان إلى ماذا ننتهي؟ إلى الانسداد, الآن في الانسداد ماذا نقول؟ نقول: مطلق الظن حجة -عفواً- خصوص الظن حجة أو أنه نجري البراءة مطلقاً أو أنه نجري الاحتياط مطلقاً أو .. هنا يأتي مقدمات دليل الانسداد لتثبت لك طريقاً مخصوصاً للحجية وهو الظن بمختلف من أي طريق حصل, الآن سواء بنينا على مبنى الكشف أو بنينا على مبنى الحكومة, الكشف يعني بهذه المقدمات إذا تمت نكشف أن الشارع جعل الظن حجة, الحكومة لا, يقول: أن العقل يرى أن الظن حجة, ذاك هناك شرعٌ هنا عقل, على اختلاف في معنى الكشف والحكومة وآراء العلماء في هذه المسألة موكول إلى محله.
طيب سؤال: بينكم وبين الله من يبني على الانفتاح هل أن الفقه الذي يؤسسه كمن يبني على الانسداد أو يتأسس عندنا نحوان من الفقه, هذا فقه وذاك فقه آخر, يعني بعبارة أخرى: القائل بالانسداد يقول للانفتاحي لو التزمنا لزم تأسيس فقهٍ جديد والعكس بالعكس أيضاً.
إذن الموارد كثيرة جداً, عندما تأتي أنت إلى المسائل الأصولية تجد بأن المسائل الأصولية لها تأثير مباشر, وإن شاء الله بعد ذلك سأقرأ بعض الموارد من كلمات الأعلام, هذا بشكل عام أشير إليه.
طبعاً الآن هذه المسائل الأصولية تأثير المسائل الكلامية والفلسفية فيها أين؟ أيضاً له بابٌ آخر, إخواني الأعزاء, العلوم مترابطة الذي يقول لا علاقة لي بالفلسفة هذا معناه أنّه يقول ما عندي شغل بالعلم, الذي يقول ما عندي شغل بعلم الكلام, هذا معناه أنه يقول ما عندي شغل بالعلم, لأنه فلسفة وكلام وفقه وأصول وتفسير هذه كلها تريد أن توصلك إلى فهم النص الديني, خصوصاً الأبحاث الكلامية, خصوصاً الأبحاث التفسيرية.
أنا أقرأ لك نصين من السيد الشهيد& في (تقريرات السيد الهاشمي, ج3, ص58) يأتي إلى مسألةٍ من المسائل الأصولية وهي: أن الأوامر هل هي متعلقة بالطبائع أو متعلقة بالأفراد؟ يعني الشارع عندما يقول صل أو عندما يقول صم, هذا متعلق الأمر ما هو؟ متعلق الأمر الإنسان أو متعلق الأمر زيد, ما الفرق بين الإنسان وزيد؟ الإنسان هو الطبيعة النوعية وزيد فرد هذه الطبيعة النوعية, سؤال: الشارع عندما يقول صلِ, صم, حج, إلى غير ذلك, هذه الأوامر التي صدرت من الشارع متعلقها الطبيعة أو متعلقها الفرد الخارجي؟ الآن تقول لي سيدنا الآن هذا بينك وبين الله نحن أين توجد عندنا آية رواية تكلمت أنّ المتعلق طبيعة, المهم هذه مسألة معنونة في كتبنا الأصولية, انظروا الأعلام هذه المسألة أين ربطوها؟ أي مسألة؟ أن الأوامر متعلقة بالطبائع أو بالأفراد؟ انظر ماذا يقول السيد الشهيد.
يقول: [أن يكون المراد مراد البحث عن تعلق الأمر بالطبائع أو الأفراد مردّه إلى البحث عن أصالة الوجود أو أصالة الماهية, فمن يقول بأنّ الأصل هو الوجود يقول بتعلق الأوامر بالأفراد ومن يقول بأنّ الأصل هو الماهية يقول بتعلقها بالطبيعة لا بالفرد] الآن بغض النظر إخواني الأعزاء أن هذا الربط صحيح أو غير صحيح, طيب مسألة أصالة الماهية وأصالة الوجود مسألة ماذا كلامية تفسيرية فقهية رجالية؟ مسألة فلسفية, أما مسألة اجتماع الأمر والنهي مسألة أصولية, وهذه المسألة الأصولية لها آثارٌ فقهية, إذن تبين أن مسألة أصالة الوجود وأصالة الماهية الالتزام بأصالة الوجود يؤدي إلى تأسيس نوع من الفقه, والقول بأصالة الماهية يؤدي إلى تأسيس نوع آخر.
ولذا تجدون في مسألة اجتماع الأمر والنهي جملة من الأعلام النائيني وغير النائيني هذه المسألة بحثوها قالوا على مباني أصالة الوجود هذه النتيجة وعلى مباني أصالة الماهية هذه النتيجة.
وهذا هو الذي قلته لكم قبل قليل وهو أنّه أساساً المسائل الفلسفية أيضاً بشكل من الأشكال تدخل في تأثيرها في تأسيس فقهٍ جديد.
أضرب لكم مثالين ثلاثة كلامية: ماذا تقولون يوجد معصوم بعد رسول الله أو لا يوجد معصوم بعد رسول الله؟ القائل بوجود معصومٍ بعد رسول الله يؤسس فقهاً على أساس قول هؤلاء المعصومين, أما الذي ينكر أن يوجد معصوم بعد رسول الله, فقه ماذا يكون؟ كاملاً يختلف عن الفقه الذي نحن نقوله, ولذا تجدهم أنهم أسسوا القياس والاستحسان والمصالح المرسلة … لماذا؟ لأنه أعوزتهم مصادر التشريع, أغلق عليهم هذا الباب فاضطروا إلى فتح أبواب أخرى.
مثال أوضح: ماذا تقولون أن الصحابة كلهم عدول أو ليسوا بعدول؟ فمن يقبل بعدالة الصحابة جميعاً, طيب يتعامل معهم بنحوٍ, ومن لا يقبل بعدالة الصحابة جميعاً يتعامل معهم بنحوٍ آخر, وهذا أين يؤثر؟ يؤثر على عملية الاستنباط, من يؤمن بعدالة الصحابة جميعاً يؤسس لك نحواً من الفقه, ومن لا يؤمن بعدالتهم جميعاً يؤسس لك نحواً آخر من الفقه. هذه كلها مسائل كلامية.
بل أوضح من هذه المصاديق جميعاً ما أشار إليه السيد الشهيد+ في قبح العقاب بلا بيان, من يؤمن بقبح العقاب بلا بيان يبني نصف علم الأصول على هذه القاعدة كما قال سيدنا الشهيد, ومن ينكر هذه القاعدة يبني نصف علم الأصول على إنكار هذه القاعدة. ولذا تجدون أن السيد الشهيد هذه القاعدة من أول القسم الثاني من علم الأصول قال على قاعدة قبح العقاب بلا بيان النتيجة تكون كذا, وعلى قاعدة حق الطاعة النتيجة تكون ماذا؟ هذه ليست فقط قضايا نظرية إخواني الأعزاء وإنما قضايا لها ارتباط مباشر بعملية الاستنباط, طيب ذاك يؤسس نحو من الفقه وهذا يؤسس ماذا؟ الآن تقول لي لماذا أن السيد الصدر لم يختلف؟ ذاك بحث آخر, لابد أن نسأل السيد الشهيد لماذا أنت مع أن مبانيك اختلفت ماذا؟ النتائج لم تختلف, هذا بعد ذلك إذا صار وقت نشرحها للإخوة. وهذه ليست فقط السيد الشهيد&, جملة من الأعلام تغيرت مبانيهم الأصولية ولكنهم حافظوا بكل ما أتوا من قوة على أن يقللوا تأثير تغيير تلك المباني الأصولية على الأبحاث الفقهية.
وأختم كلامي بهذا المثال, الذي واقعاً هذا البحث لا فقط أساسي وإنما البحث ضروري منهجي ما لم تلتفتوا إليه أساساً لا يحق لكم أن تدخلوا إلى علم الأصول أو لا يحق لكم أن تدخلوا في عملية استنباط الحكم الشرعي بشكل عام, لا يمكن. ما هو ذلك؟
في ذهن الإخوة لا يتبادر أنه هذه أبحاث بعيدة, نحن تكلمنا من اليوم الأول قلنا لا نريد أن نتكلم في مسألة كلاسيكية في الفقه وإلا بإمكاننا نأخذ كتاب الطهارة أو الاجتهاد والتقليد ونشرحه للإخوة هنا, ولكن أنا أتصور أن الأخوة الأعزاء هم بإمكانهم الآن بحدود معينة أن يراجعوا هذه ويطالعونها لا يوجد بحث جديد, المهم هذه الأبحاث التي على أساسها يقرر الباحث العالم المحقق المجتهد كيف يدخل إلى عملية استنباط الحكم الشرعي.
إخواني الأعزاء, هناك بحث أساسيٌ ومهم وضروري هو أنّ علم الأصول وبتبع ذلك علم الفقه هل تجري في هذين العلمين القواعد العقلية أو لا تجري؟ القواعد العقلية ما هي؟ استحالة انفكاك المعلول عن العلة, الدور محال, التسلسل محال, تقدم المشروط بشرطٍ على شرطه محال, تقدم الشيء على نفسه محال, وعشرات القواعد الفلسفية, العقلية لا تعبر عنها فلسفية, سؤال: هذه القواعد يمكن إجرائها في المسائل الأصولية والفقهية أو لا يمكن إجرائها؟ ما هو مبناكم؟
الجواب: أنت انظر إلى أصولنا الموجود أنهم يجرون كل تلك القواعد في الأبحاث الأصولية, ولذا أنتم قرأتم الشرط المتأخر والبحث المفصل الموجود هنا, المشروط متقدم والشرط متأخر وكيف نحلّها, لماذا؟ لأنه يستحيل تقدم المشروط على, المشروط عدم عند عدم شرطه, طيب كيف يمكن تقدم المشروط على شرطه؟ المركب عدم, الكل عدم عند انتفاء جزئه, كيف يعقل أن يكون المركب باقٍ والأجزاء منتفية؟ يمكن الجمع بينهما أو لا يمكن؟ القاعدة الفلسفية تقول يستحيل ذلك, يمكن أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم أو لا يمكن؟ قالوا لا يمكن, لأنه يلزم الدور تقدم الشيء على نفسه, ولذا قالوا أن الأحكام مختصة بالعالم بها أو يستحيل أن يكون مختصة بالعالمين بها؟ قالوا يستحيل ذلك, إلا على دورانات متعددة, (انلوف إلها لوفات) وإلا مقتضى القاعدة أنه لا يمكن أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم, وإلا يلزم تقدم المتأخر وتأخر المتقدم ونحو ذلك, يعني يلزم الدور .. إلى غير ذلك.
وأنت أدخل إلى علم الأصول من أوله إلى آخره, تجد بأنك تقرأ قواعد عقلية, سؤال, هذا السؤال الأول الذي لابد أن يطرحه كل محققٍ على نفسه قبل أن يدخل الأبحاث الأصولية والفقهية, وهو: أن القواعد العقلية هل تجري في العلوم غير الحقيقية أو لا تجري؟ ما هو العلم الحقيقي, ما هو العلم غير الحقيقي؟ العلم الحقيقي هو الذي توجد فيه ملازمات ذاتية بين الموضوع وبين المحمول يعني إذا صار الشيء ممكناً يمكن أن لا تكون له علة لوجوده أو لا يمكن؟ مستحيل, ملازمة توجد بين الإمكان وبين الاحتياج إلى العلة, يعقل غير هذا؟ مستحيل هذا, أما خبر الثقة جعل الحجية له أيضاً من قبيل الاحتياج إلى العلة في الممكن؟ جنابك تقول خبر الثقة حجة, هذه الحجية الموجودة لخبر الثقة لازم ذاتي لخبر الثقة أو مجعولة؟ أما أن الممكن محتاج إلى علةٍ هذا مجعول أو لازم ذاتي لا ينفك عنه؟
طيب من الواضح يوجد فرق واضح بين هذه المسألة الرابط الموجود بين الموضوع والمحمول وبين هذه, الفاعل مرفوع, المفعول منصوب, طيب هذا الرفع والنصب هذه ذاتيات من قبيل الزوجية للأربعة من قبيل الفردية للثلاثة أو أنها مجعولات توافقات عقلائية أو توافقات نحوية صرفية -سموها ما شئتم- أي منهما؟ فإذا كان عندنا كانت عندنا مسألة العلاقة بين الموضوع والمحمول فيها ذاتي ومسألة المحمول والموضوع العلاقة ليست ذاتية, هل الأحكام والقواعد المطبّقة لاستكشافها هل هي واحدة أو القواعد مختلفة أي منهما؟ أنت جنابك الآن في المسائل التي يوجد تلازم ذاتي بين الموضوع والمحمول تطبق مجموعة ماذا؟ فإذا وجدته ممكناً تستكشف يعني يستكشف العقل بالضرورة أنّ له ماذا؟ أن له خالق أن له علة توجده, وهل يمكن غير هذا؟ أبداً يستحيل غير هذا. إذا ثبت أن هذين نقيضان فيجتمعا أو لا يجتمعا؟ لا يجتمعا, هذه أين هذه القاعدة؟ أين طبق هذه القاعدة؟ طبقها في الأمور التي توجد بينها ملازمات ذاتية لا يمكن أن يكون إلا هذا النحو, طيب وهذه هل يمكن تطبيقها أيضاً على تلك المسائل التي لا توجد فيها ملازمات ذاتية أو لا يمكن التطبيق؟ علماء الأصول مع الأسف الشديد لم يبحثوا في مقدمة علم الأصول أن علم الأصول حقيقي أو أن علم الأصول اعتباري؟ لم يبحثوا ذلك, نحن لا توجد عندنا مشكلة معهم فليأتوا من مقدمة البحث يقولون نحن نعتقد أن علم الأصول كعلم الرياضيات أن علم الأصول كعلم الفلسفة, فكل القواعد المستعملة في الرياضيات أو في الفلسفة أو في الأمور العقلية تستعمل أين؟ في المسائل الأصولية لا محذور في ذلك.
أما إذا صار مبناك لا, أن علم الأصول ليس علماً حقيقياً بل هو علمٌ اعتباري, إذن القواعد المنطبقة فيه أو التي تطبق فيه هل يجوز أن تكون قواعد عقلية أو قواعد عقلائية أي منهما؟ من الواضح أنه يستحيل أن تكون قواعد عقلية؛ لأنّه هذه القواعد إنما هي للأمور الحقيقية, لا للأمور المجعولة الاعتبارية.
السؤال المطروح هنا وهو: أن علم الأصول الذي يبنى على أساس أنه علم حقيقي, ينتج لنا نتائج وعلى أساسه يشكل لي فقهاً بنحوٍ أما العلم الأصول الذي يبنى على أنه ليس علم حقيقي وإنما هو علم اعتباري فينتج لنا فقهاً غير هذا الفقه, النتائج تختلف اطمأنوا تختلف, ومع الأسف الشديد أخاف أنا أدخل فيها تفصيلاً إذا أدخل في ذاك البحث تقولون سيدنا هذا خرجنا عن كونه البحث فقه, ولكن أشير إليها إجمالاً فقط. ويوجد رأيٌ وأنا ذكرت هذا مراراً أن السيد الطباطبائي يعتقد أن علم الأصول هذا الموجود بأيدينا علمٌ من أساسه غير صحيح, وكل القواعد المستعملة فيه لا ينبغي أن تستعمل, وإنما لابد أن يبنى على أساسٍ آخر وهو أساسٍ عقلائي لا على أساسٍ عقلي, لأن محمولات المسائل فيها في علم الأصول بالنسبة إلى موضوعاتها ليست ذاتية وإنما هي مجعولة يعني باعتبار العقلاء الممضى من قبل الشارع.
هذا البحث فقط أنا أشير إلى موارده الإخوة يراجعون لأنه لا وقت لدي لأقرأ العبارات كاملة, في حاشية عنده جيدة الإخوة يكون عندهم لا أقل يعرفون وجهة النظر الأخرى في (حاشيته على الكفاية) التي ما أدري طبعاتها الحديثة ما هي؟ طبعة قديمة عندي في مقدمة هذه الأبحاث يعني من (ص10 إلى ص تقريباً15) يقول: [ومن هنا يظهر أن كل مسألة منها فيها مقدمة مطوية بها تتم النتيجة وهي أن الشارع جرى على هذا البناء ولم يرد عنه فيقال أن الأمر يدل على كذا عند العقلاء والشارع بنى على بنائهم فهو يدل على كذا في خطاباته] يعني الأصل في كل الأبحاث الأصولية أبحاث عقلائية ولا مجال لجريان الأحكام العقلية. وتفصيل هذا المعنى أشار إليه (الشيخ مطهري& في حواشيه على أصول الفلسفة, في تعليقاته على أصول الفلسفة, ج1, هذه الطبعة, التي هي ترجمة السيد عمّار أبو رغيف, ج1, ص531) يوجد عنده بحثٌ مفصل بودي أن الإخوة يراجعون هناك هذا البحث وهو مهمٌ جداً, يقول: [وعلى هذا الأساس فتقدم الشيء على نفسه والترجيح بلا مرجح وتقدم المعلول على علته والتسلسل والدور في العلل وتوارد العلل المتعددة على المعلول الواحد, وصدور المعلولات المتعددة من العلة ووجود العرض بلا موضوع, واجتماع العرضين المتماثلين] هذه كلها التي يقال أنها محال في الفلسفة ليس بالضرورة أن يكون محال أين؟ في علم الأصول [كما يمكن] إلى أن يأتي إلى هذه الجملة الأخيرة [من هنا تتضح] [وبهذا يتضح لنا أن الباحث إذا اعتمد الأمور الاعتبارية لإثباتها في الأصول الخاصة وقد تقدمت نظير معظم الأدلة التي تستخدم عادةً في أبحاث علم أصول الفقه] يقول كلها من هذا الخلط بين العلوم الحقيقية وبين العلوم الاعتبارية, الآن أنا ما أقول جنابك أنت قل الآن أنا لا اعتقد أن علم الأصول علم اعتباري بل هو علم حقيقي, جيد جداً ثبت العرش ثم انقش, في أول بحثك في علم الأصول قل هذه أدلة أن علم الأصول علم حقيقي إذن تنطبق عليه هذه القواعد, أما إذا لم يثبت أن علم الأصول علم حقيقي, فيحق لك أن تطبق قواعد العلم الحقيقي فيها أو لا يحق لك ذلك؟
ولذا عنده حاشية أخرى مفصلة الإخوة يمكن أن يرجعوا إليها وهي ما أشار إليها في (حواشيه على الأسفار, ص31 – 32, هذه الطبعة تسعة مجلدات) يقول هناك مجموعة من القواعد مرتبطة تقول لكل علم موضوع وأن الموضوع, وموضوع كل علم ما يبحث عن عوارضه الذاتية وأن هذه الأعراض لابد أن لا تكون أعم من موضوع العلم بل هي إما مساوية وإما .. إلى غير ذلك. إلى أن يقول… انتهى الوقت.
والحمد لله رب العالمين.