بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
قلنا: بأنه هنا توجد مجموعة من التساؤلات:
التساؤل الأول: ويعدّ تساؤلاً أساسياً في المعارف العقدية والمعارف الفقهية, يعني أن هذه المسألة لها أبعاد كلامية وعقائدية, وهي الخلافة السياسية والإمامة السياسية للأئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وهي التي وقع الخلاف فيها مذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا.
مضافاً إلى أبعادها الفقهية باعتبار أنه إذا ثبت أن للنبي’ شأناً وراء شأن التشريع والنبوة والرسالة ونحو ذلك إذن لابد أن نتعرف إلى تلك التشريعات التي صدرت منه (عليه أفضل الصلاة والسلام) لا باعتبار أنه نبي ومشرع ومبلغ عن الله, بل باعتبار أنه إمام وقائد وله سلطة سياسية وحكم سياسي في الأمة.
إذن لا يتبادر إلى ذهن الإخوة بأن هذه المسألة ما هي علاقتها بالأبحاث الفقهية. الجواب: نحن قلنا مراراً وتكراراً أن أبحاثنا هنا ليست بالطريقة التقليدية التي توجد في الأبحاث الفقهية, وإنما نحاول أن نقف على المسائل المرتبطة بالأبحاث بشكل عام سواء كان لها بعد كلامي عقائدي أو كان لها بعد فقهي, فيما يتعلق إخواني الأعزاء بهذه المسألة هو أنه: قلنا توجد عدة تساؤلات:
التساؤل الأول: لا إشكال ولا شبهة أن الله (سبحانه وتعالى) جعل منصب النبوة والرسالة للنبي الأكرم’ هذا مما لا ريب فيه ويكون في علم الإخوة أن مقام النبوة والرسالة مقامٌ مجعول من قبل الله (سبحانه وتعالى) يعني يحتاج إلى نصبٍ من الله يحتاج إلى نصٍ من الله, يحتاج إلى جعلٍ بتعبير القرآن من الله (سبحانه وتعالى) النبوة والرسالة منصبٌ تشريعي لا منصب تكويني هذا احفظوه جيداً, النبوة والرسالة منصبٌ تشريعي يحتاج إلى تشريع ونصب ونص من قبل الله, وما لم ينصب ولم يجعل يكون نبياً أو لا يكون؟ لا يكون, حتى لو كان له العلم الكافي والمقام الكافي, التفتوا جيداً.
أنا أضرب مثال للإخوة حتى أنه يخرجون من حالة الإستيحاش والغربة, هو أنه لو فرضنا شخصين كانوا في العدالة سواء وفي الفصاحة سواء وفي الأصبحية … إلى آخره, يعني الشرائط التي لابد أن تتوفر في إمام الجماعة كلاهما موجود عنده هذا موجود عنده وهذا موجود عنده, كلاهما يصلح أن يتصدى لإمامة ماذا؟ الجماعة, ولكنه افترضوا أن المسجد بيد المتولي أو بيد الأوقاف أو كذا تقول جعلنا فلاناً إمام ماذا؟ إمام الجماعة, هذه جعله إمام الجماعة هذا منصب تشريعي وإن كان يوجد هناك شخص آخر مساوٍ له في العدالة ولكن يوجد له هذا المنصب أو لا يوجد؟ لا يوجد, القضاء الحاكم القاضي, القاضي يشترط فيه على الشرائط المذكورة الاجتهاد والعدالة والضبط و … إلى غير ذلك, ولكن ما لم يجعل الآن إما من السلطة القضائية أو التنفيذية أو الإمام أياً كان, ما لم يجعل قاضياً فإنه لا يكون له هذا المقام وإن كان عالماً عادلاً ضابطاً إلى آخره.
النبوة أيضاً كذلك إخواني الأعزاء, نحن نعتقد أن العلم الذي كان عند علي والمقام الذي كان عند علي بلا إشكال أنه كان فوق مقام علم ومقام ودرجات كثيرٍ من الأنبياء ولكن جُعل له منصب النبوة أو لم يكن له منصب النبوة؟ لم يُجعل, ليس بالضرورة إذا كان له مقام علمي أن يُجعل له هذا المنصب.
إذن النبوة الرسالة منصبٌ ما هو؟ تشريعي, ولذا الله (سبحانه وتعالى) بشكل صريح وواضح قال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} هذا الجعل ليس الجعل التكويني, هذا الجعل التشريعي, على أي الأحوال.
لا إشكال أن النبوة جعلت لرسول الله’ وأن الرسالة جُعلت لرسول الله’ يعني هذان المنصبان أو لا أقل منصب الرسالة جعل للنبي الأكرم بنص القرآن {الله أعلم حيث يجعل رسالته}.
السؤال المطروح: وهو سؤال قرآني مهم يعني يُسأل القرآن به, هل أن الإمامة السياسية أيضاً جُعلت للنبي الأكرم’ أم لم تُجعل؟ وبالأمس بينا معنى الإمامة السياسية يعني ليست هي فقط بيان وإنما هي إجراء تنفيذ, تطبيق, إقامة الدين في حياة الناس.
قد يقول قائل:
ما دل عليه الدليل هو المقام ماذا؟ هو الشأن الأول وهو أنه يبلغ الدين, أما أن يقيم الدين في حياة الناس لم يثبت أن ذلك ثابت لمن؟ لا فقط لرسول الله, لم يثبت أنه ثابت لأحدٍ من الأنبياء, وظيفة الأنبياء والمرسلين أن يأتوا إلى الناس ويقدمون التشريعات هذا الذي عبرنا عنه بالأمس بالسلطة التشريعية, يبينون للناس والناس أحرارٌ في أن يعملوا أو لا يعملوا, أن يطبقوا يجعلوا حياتهم وفق التشريعات الدينية أو لا يجعلونها كذلك, هذا هو التساؤل.
ما هو الجواب؟
الجواب: الآيات التي عرضت للإمامة السياسية للأنبياء بشكل عام وللنبي الأكرم’ بشكل خاص متعددة في القرآن الكريم, ولكن من الواضح لا أنا عندي استعداد أنه واقعاً أبحث هذا البحث التفصيلي هنا لأنه يطول جداً ولا أيضاً في حوصلة الإخوة أن يتحملوا في درس الفقه أن نبحث ماذا؟ الآيات الدالة على الإمامة السياسية, ولكنه كما يقال >ما لا يُدرك كله لا يُترك كله< أحاول أن أقف عند بعض الآيات ولو إجمالاً, لأنه أبحاث مفيدة ومفصلة وهي محل النزاع والحوار الآن في الفضائيات وغير الفضائيات.
من أهم هذه الآيات المباركة هي آية سورة البقرة وهي آية {إني جاعلك للناس إماما}.
أحاول أنه هذه الآية أقف عليها بالنحو الذي لا يحصل تكرار في ذهن الإخوة الأعزاء.
الآية 124 من سورة البقرة قال تعالى {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن قال إني} الآن هذا صدر الآية الآن لا علاقة لنا به أنه هذا الابتلاء ما هو ما هي الكلمات؟ تلك أبحاث أخرى ليست محل كلامنا الآن, محل كلامنا يبدأ من قوله قال: {إني جاعلك للناس إماما} هذا المقطع الثاني من الآية.
المقطع الثالث: {قال ومن ذريتي} هذا المقطع الثالث من الآية, المقطع الرابع: {قال لا ينال عهدي الظالمين}.
إذن انظروا قال الأولى وقال الثانية وقال الثالثة, إذن مقاطع ثلاثة مهمة مرتبطة ببحثنا, {قال إني جاعلك للناس إماما} يخاطب إبراهيم الخليل, مباشرة إبراهيم يخاطب ربه مباشرة يقول {ومن ذريتي} يعني هذا المقام مختص بي أو أعطي لذريتي, الله أيضاً أجاب قال نعم أعطيها لذريتك ولكن بشرطها وشروطها ليس مطلقاً موجودة في ذريتك, هذه هي المقاطع الثلاثة في الآية.
هذه الآية المباركة إخواني الأعزاء التفتوا جيداً كما قلت بأن الوقت لا يسع.
ما هي هذه الإمامة واقعاً هنا عدّة أبحاث:
البحث الأول: في هذه الآية المباركة, {قال إني جاعلك} ما أريد أن أدخل أنه لماذا لم يقل إنّا, قال {إني} لأن القرآن الكريم بنحوين يتكلم في القرآن الكريم, مرة يقول {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ومرة يتكلم بلغة ماذا؟ {إني} الآن المفسرين للتيسر والتسهيل بتعبيرنا – حتى يعبرون بسرعة- تارة يقولون للتعظيم وأخرى يقولون لغير التعظيم – هذا الكلام للمبتدئين- يعني ماذا الله (سبحانه وتعالى) بعض الأحيان يعظم نفسه وبعض الأحيان لا يعظم نفسه – هذا المنطق أي منطق هذا- ولكن هذا موجود في كلمات المفسرين وغير المفسرين, توجد نكتة تفسيرية, القرآن هذا نقل بالمعنى هذا ألفاظ من؟ هذا نازل من العرش هذا نازل من اللوح المحفوظ, لماذا مرة يقول {إني} ومرة يقول {إنا نحن نزلنا الذكر} {إنا أنزلناه في ليلة القدر} {إني جاعل في الأرض خليفة} على أي الأحوال.
هذه {إني} أيضاً دعوها طلب عندكم.
أولاً: قال {جاعلك} إذن الإمامة في الآية المباركة مجعولة أو غير مجعولة؟ إذن الحمد لله رب العالمين أولاً: ثبت أن الإمامة التي أعطيت لإبراهيم هي مجعولة وليست باختيار وبالشورى وبالديقراطية وبالأقلية وبالأكثرية, يعني على حدّ قوله تعالى {الله أعلم حيث يجعل} وهنا أيضاً مستعمل ماذا؟ يعني نفس اللفظ الذي استعمل لجعل منصب النبوة والرسالة أعطيت لمن؟ لجعل منصب الإمامة.
الأمر الثاني: أن الإمامة هي عهدٌ بين الناس وبين الأمة – نظرية العقد الاجتماعي والتوافق الاجتماعي وأن الأمة لها دور- أو أن الإمامة خارجة عن عهد بين الناس وبين الإمامة؟ صريح الآية المباركة يقول: {قال ومن ذريتي, قال لا ينال عهدي} يعني هذه الإمامة, مرة عبر عنها بالإمامة, ومرة عبر عنها ماذا؟ عهدي, فهي عهد الله وليس عهد الناس, التفتوا إلى هذه النكتة, فهي ماذا؟ فهي {عهدي} وليست عهدكم, فهي من شؤونكم أم من شؤوني؟ الله يقول هذه شأني وليست شأنكم, فهي أمري أم أموركم؟ هذه أمري, الإمامة أمري وشأني وعهدي, إذن لا يأتي بعض الجهلة ويقول لي إذن ماذا تفعلون في قوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم} طيب واضح ما أدري ماذا أقول – أيها الغافل- ولا أقول شيئاً آخر, الآية تقول الإمامة عهدي والشورى في أمري أو في أموركم؟ والإمامة ليست من أموركم وإنما هي من أموري وشؤوني.
نعم, ما يرتبط بأموركم الدنيوية تريد أن تفتتح شارع, طيب اذهب … أما الإمامة ليست من شؤونكم حتى أيضاً أنتم تجعلونها ماذا؟ بالأكثرية لم تنعقد بالإجماع أيضا ما تنعقد, الإمامة لا تنعقد إلا بعهدٍ من الله.
ولذا أنتم ارجعوا إلى النصوص الواردة عندنا يقول >عهد عهده إليّ<, >عهد عهده إليّ< يعني الله عهد إلى نبيه والنبي عهده إلى من؟ هذا عهد الله ليس لأحدٍ أن يتدخل في هذا الشأن, هذا الأمر الثاني.
الأمر الثالث: الذي أشارت إليه الآية المباركة هي قوله تعالى {قال ومن ذريتي, قال لا ينال عهدي الظالمين} أن هذه الإمامة التي وضعت في إبراهيم وجعلت لإبراهيم تخرج عن ذرية إبراهيم أو لا تخرج, الله هذه الإمامة قالها أين موجودة؟ قال: ومن ذريتي, والله أيضاً ماذا أجاب؟ قال نعم, ولكن بشرط أن لا يكون ظالماً, إذن هذه الإمامة الإبراهيمية بنص القرآن الكريم أين موجودة؟ في ذرية إبراهيم, فلا توجد يعني لا يوجد عندنا دليل على وجودها في موضع آخر, التفتوا جيداً إلى هذه النكتة, من ثبت أنه من ذريتي إبراهيم فهذه الإمامة أين؟ موجودة, أما إذا لم يثبت أنه من ذرية إبراهيم لا دليل على شمول هذه الإمامة له.
فإذا كانت الذرية الإبراهيمية مستمرة إلى قيام الساعة فهذه الإمامة ما هي؟ مستمرة, نعم إذا انقطعت الذرية تكون سالبة بانتفاء الموضوع, أما مع وجود ذريته فهي مستمرة, الذين يبحثون عن ضرورة استمرار الإمامة الإبراهيمية هذا خير دليل عندهم, قبل أن تذهب إلى قوله تعالى: {وجعلها كلمة باقية في عقبه} والروايات أشارت إلى أن هذه الكلمة الباقية هي الإمامة, روايات صحيحة وصريحة ومن جميع علماء المسلمين, الإمامة, الآن بغض النظر قد واحد يخالف يقول لا الروايات ليست بصحيحة لم يصرح بها, لا نحتاج, الآية المباركة قالت: أني جعلت الإمامة, الله يقول: جعلت الإمامة لإبراهيم, وإبراهيم أيضاً طلبها لذريته, والله استجاب لدعائه أو لم يستجب؟ استجاب قال: نعم في ذريتك ولكن بشرط ماذا؟ بشرط أن لا يكون ظالماً.
إذن هذا دليل استمرار الإمامة الإبراهيمية, إخواني الأعزاء هنا جملة أقولها وأتجاوز.
من هنا يُجاب على هذا التساؤل الذي يُسأل على الفضائيات وعلى المواقع وغيرها ومع الأسف الشديد لا يُجيب عليها الأكثر إن لم أقل الجميع, يقولون هذه الآية مرتبطة بإبراهيم, طيب ما هي علاقتها بأئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام)؟ طيب الله قال لإبراهيم {جاعلك} وهذا مرتبط بالشرائع السابقة والنبوات السابقة, طيب كيف تستدلون بها على إمامتكم ما علاقة هذه الآية بإمامتكم؟
الجواب: نحن لا نستدل بها إلا بهذا الطريق وهو: على أنها مستمرة في ذرية إبراهيم لا أنه بنص الآية نستدل, الآية لا يوجد فيها دلالة على أنها مرتبطة بعلي وأهل بيته (عليهم أفضل الصلاة والسلام).
الأمر الرابع: وهو أن الآية قالت: {لا ينال عهدي الظالمين} يعني قالت أن الظالم يمكن أن يكون إماماً بالإمامة الإبراهيمية أو لا يكون؟ لا يكون, من هو الظالم قرآنياً؟ الذي صدر منه ولو ذنب واحد في آنٍ واحد, انتهى, هذا يسقط عن صلاحية الإمامة الإبراهيمية, التفتوا جيداً, الآن أنا ما أريد أن أدخل في البحث التفصيلي الإخوة يمكن أن يراجعوا الأبحاث في كتاب العصمة أنا بشكل إجمالي ذكرت هذا, أرجع وأقول أن هذه الآية أثبتت أنه لابد أن يكون الإمام أو الشخص معصوماً حتى ينال مقام الإمامة الإبراهيمية.
وهذا ما فهمه كثير من المفسرين لا يتبادر إلى ذهنكم, أما علماء مدرسة أهل البيت المحققون منهم كلهم أجمعوا أن الآية دالة على العصمة, ولكنه العجيب أنه لا فقط هم فهموا هذا المعنى, الرازي أيضاً أشار بشكل واضح وصريح إلى هذا المعنى في ذيل هذه الآية المباركة قال هذه عبارته, قال: فإن قيل ظاهر الآية يقتضي انتفاء كونهم ظالمين ظاهراً وباطناً ولا يصح ذلك في الأئمة والقضاة, باعتبار أن الأئمة عموم الأئمة والقضاة هؤلاء لعلهم لا يذنبون ظاهراً ولكن لا يذنبون باطناً هذا من أين؟ قلنا: أما الشيعة فيستدلون بهذه الآية على صحة قولهم في وجوب العصمة ظاهراً وباطناً – استدلوا بهذه الآية- طيب فهمنا الشيعة استدلوا, طيب أنت ماذا تقول- يقول: وأما نحن فنقول – الرازي يقول- وأما نحن فنقول مقتضى الآية ذلك, يعني ماذا؟ الحق معكم أنتم, ولكن مع ذلك, إلا أنا تركنا اعتبار الباطن لا نلتزم به لماذا؟ بلا دليل انتهى, مقتضى الآية ذلك, الحق معهم, إلا أنا تركنا اعتبار الباطن فتبقى العدالة الظاهرة معتبرة أكثر من هذا لا نحتاج, لأنه هو يعلم إذا هذا الشرط قبله فكل الذي حدث بعد رسول الله يتم أو يبطل من أساسه؟ يبطل من أساسه, انتهى. لابد أن يجد مخرج, مقتضى الآية ذلك, إلا أنا تركنا اعتبار الباطن, فتكفي العدالة الظاهرية وإن كان في باطنه فاسقاً وإن كان في باطنه منافقاً لا يهم ظاهره العدالة والإسلام.
رأيت بياناً جيداً ينقله السيد الطباطبائي& عن بعض أساتيذه في دلالة الآية على العصمة, التفتوا جيداً لطيفة, يقول: بحسب القسمة العقلية الناس على أربعة أنحاء من حيث الإيمان والكفر, من حيث الإيمان والعدالة و … إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يكون أول حياته وآخر حياته ظالماً.
القسم الثاني: أن يكون في أول حياته غير ظالم وفي آخر حياته ظالم.
القسم الثالث: أن يكون عكس الثاني في أول حياته ظالم وفي آخر حياته غير ظالم, طبعاً تعلمون والشرك {إن الشرك لظلم عظيم}.
القسم الرابع: عكس القسم الأول, أن يكون في أول حياته وآخر حياته غير ظالم.
سؤال: هل من شأن إبراهيم أن يطلب الإمامة للقسم الأول وللقسم الثاني؟ يعني من كان ظالماً في كل حياته, ومن كان ظالماً في آخر حياته يعقل أن الإمامة يطلبها لهؤلاء, هو الذي لم يصل إليها إلا في وأخريات حياته بعد جهد جهيد يطلب الإمامة لمثل هؤلاء معقول هذا أو غير معقول؟ غير معقول, إذن يبقى عندك قسمان آخران, وهو أن يكون كل حياته غير ظالمٍ أن يكون في آخر حياته غير ظالم وإن كان في أول حياته ظالم, الآية المباركة أخرجت القسم الأول وأبقت القسم الرابع وهو أن لا يكون في أي آنٍ من آنات حياته ظالماً وهي العصمة.
إخواني الأعزاء, هذه مجموعة الأبحاث الموجودة وأنتم تعلمون أن كل بحث من هذه الأبحاث تستحق أبحاثاً مفصلة.
كل هذا نحن لا يعنينا لا الآن نريد أن ندخل في العهد ولا في العصمة ولا في الجعل ولا أبداً وإنما نريد أن نقف عند قوله {إني جاعلك للناس إماما} ما هي هذه الإمامة التي جعل لإبراهيم؟
توجد فيها احتمالات أربعة:
الاحتمال الأول: أن المراد من الإمامة هي الرسالة {إني جاعلك للناس إماما} إني جاعلك للناس ماذا؟ رسولا, وأنا أتصور أن هذا الاحتمال واضح الدفع والبطلان لماذا؟ لأنه أولاً التواريخ أثبتت أنه كان في أخريات حياته, وثانياً: يخاطبه يعني كان نبياً ورسولاً أو لم يكن؟ إذا لم يكن إذن فكيف يقول له {إني جاعلك للناس إماما}.
هناك قرائن كثيرة تقول بأنه هذا الخطاب هذه المحاورة بين إبراهيم وبين الله تعالى, إنما كانت بعد النبوة وبعد الرسالة, الإخوة الذين يريدون أن يراجعون, يراجعون هذا الاحتمال في المنار ج1, ص395, وجملة من المفسرين أتباع السنة قالوا بهذا الاحتمال وهو واضح الدفع.
الاحتمال الثاني: أن المراد من الإمامة هي القدوة والأسوة {إني جاعلك للناس إماما} أي جعلتك إماماً يقتدى بك, هذا أيضا قرآنياً مدفوع, وذلك لأن هناك تلازماً بين النبوة وبين أن يكون الإنسان قدوة, لا معنى أن يكون الإنسان نبياً ولا يكون قدوة أساساً له تصور أو لا تصور له؟ {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} أصلاً مقتدى هو, إذا كان رسول فيقتدى به أو لا يقتدى به؟ يقتدى به, لا حاجة إلى أن الله يجعل له الإمامة القدوة بجعل وذاك في أخريات حياته.
الاحتمال الثالث: وهو من الاحتمالات الدقيقة والعميقة ولكن إن ساعد عليه البحث التفسيري وإن كان هو بنفسه صحيح, ولكن إن ساعدنا البحث التفسيري هو: أن المراد من الإمامة في الآية هي الوساطة التكوينية ووساطة الفيض الإلهي, يعني الله (سبحانه وتعالى) إذا أراد أن ينزل إلى المؤمن فيضاً خاصاً وعناية خاصة فلا تصل إليه مباشرة وإنما تصل إليه من خلال من؟ من خلال الإمام المعصوم في كل زمانٍ, إذا في إبراهيم فإبراهيم, إذا في زمان رسول الله فرسول الله.
وهذه النظرية أنا ما أدري أن أقف عندها طويلاً الآن, لأنه أولاً: يحتاج إلى وقت طويل لفهمها وعميقة النظرية.
وثانياً: الشواهد التفسيرية عليها أيضاً تحتاج إلى دقة, ولكنهم الإخوة بإمكانهم أن يرجعوا إلى هذه النظرية أنا أشير إلى موضعين لها:
أولاً: هذه النظرية مختصة بالسيد الطباطبائي&, ولا توجد في كلمات غيره لا أقل بحسب تتبعي للتفاسير لم أجدها في كلمات غير السيد الطباطبائي, هذا أولاً.
وثانياً: أنها تعد من أهم أصول تفسيره, واحدة من أهم مفاتيح تفسير السيد الطباطبائي فهم الإمامة بهذه الطريقة, في الجزء الرابع عشر في ص304 في ذيل الآية 73 من سورة الأنبياء وهي قوله تعالى {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات} يقول المراد فالإمام هو الرابط بين الناس وبين ربهم, أي نوع من الروابط في إعطاء الفيوضات الباطنية وأخذها يعني أخذها من الله وإعطائها لمن؟ لمن يستحقها, كما أن النبي رابطٌ بين الناس وبين ربهم في أخذ الفيوضات الظاهرية والتشريعية وإعطائها للناس, النبي ما هي وظيفته؟ يأخذ فيضاً يأخذ حكماً تشريعاً من الله ويبلغه لمن؟ للناس, مع فارق أن الفيوضات الظاهرية إراءة الطريق وأن الفيوضات الباطنية الإيصال إلى المطلوب هذا كما قلت بحث الآن لا أريد أن أدخل إليه, وكذا أشار إلى هذا البحث في الجزء الأول في ذيل هذه الآية المباركة ص 272 هذه عبارته: فالإمام هادٍ يهدي بأمر ملكوتي فالإمامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم. جيد.
هذه أيضا إلى هنا هذه الاحتمالات الثلاثة تنفعنا شيء أو لا تنفعنا؟ لا لا الاحتمال الأول ولا الاحتمال الثاني ولا الاحتمال الثالث, عند ذلك لا يأتيني واحد مباشرة يقول بأن الرسول عنده الإمامة السياسية أو لا؟ يقول من الواضحات, تفضل هذه الآيات القرآنية نريد أن نرى بأنه كيف من الواضحات هي, ما الدليل عليها؟ الآن يوجد إنكار رسمي لهذه اطمأنوا, لأن هؤلاء وجدوا, التفتوا جيداً حتى أبين لكم النكتة العقائدية إخواني الأعزاء.
هؤلاء وجدوا أنهم إذا أثبتوا الإمامة السياسية لرسول الله إما بآية المباهلة وإما بحديث الغدير الذي قال >من كنت مولاه فهذا علي مولاه< إذا أثبتوا المولوية السياسية والإمامة والولاية السياسية إذن هذه أيضاً تثبت لمن؟ لعلي, قالوا من الأصل نحن ماذا نفعل لها؟ نحذفها حتى ننتهي منها, نقول أساساً موجودة في رسول الله أو غير موجودة؟ غير موجودة انتهت القضية, فإذن نحن نقبل النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم, ولكن هذه أي أولية؟ أولية محبة وأولية مودة وأولية طاعة إلى آخره, لا أنه أولية بالمعنى السياسي والإمامة السياسية, >من كنت مولاه< وليه أي ولاية؟ الولاية الدينية الولاية التشريعية ولاية بيان الأحكام ولاية المحبة ولاية النصرة ولاية المودة كلها بلي موجودة, أصلاً لم يثبت لرسول الله حتى نثبته لمن؟ لعلي, أصلاً من الأصل نحذفها.
ولذا إخواني الأعزاء الطريق منحصر لإثبات لا طريق لإثبات الإمامة السياسية لأئمة أهل البيت الذي وقع فيه الكلام والنزاع والاختلاف مذ 1400 عام إلى يومنا هذا إلا أولاً: إثبات ماذا؟ إثبات الولاية السياسية لرسول الله’ وما لم تثبت فدون إثباتها خرط القتاد للفقهاء في عصر الغيبة, ما أدري واضح أم لا. إذا هي غير ثابتة لرسول الله فهي ثابتة للأئمة أو غير ثابتة؟ ثابتة للفقهاء في عصر الغيبة أو غير ثابتة؟ هو رسول الله لم تثبت له أنت تقول لي فقيه ثابتة له الولاية السياسية!
وهذا أيضاً طريق يستعمله الآن جملة من المفكرين المحدثين في الجامعات, لم يأتوا لمناقشة نظرية ولاية الفقيه بحسب أدلتها حتى تقل له لا السياق العام والنسيج العام والمنظومة الدينية و … أصلاً يذهب إلى الأصل ويقول أصلاً رسول الله ما عنده ولاية سياسية في الأمة فكيف أنتم عندكم ولاية سياسية؟!
إذ أرجع كما قلت بالأمس, القضية إخواني ليست فقط مصيرية وإنما هي محل ابتلائنا اليومي ونُسأل هنا وهناك في كل محل.
إذن هذه الاحتمالات الثلاثة في الآية نافعة أو غير نافعة؟ غير نافعة, وهو أن المراد بالإمامة القدوة, المراد من الإمامة الرسالة, المراد من الإمامة الإمامة وساطة الفيض التكويني هذه كلها صحت أم لم تصح لا تنفعنا شيئاً.
يبقى احتمال رابع في الآية المباركة:
وهو أن يراد من الآية أو الإمامة في الآية هي الإمامة السياسية الولاية السياسية التي اصطلحنا عليها بالأمس السلطة التنفيذية.
وبتعبير آخر: إقامة الدين في حياة الناس, إقامة حدود الله في حياة الناس.
هذا الاحتمال تابعوه في كلمات المفسرين, أنا بشكل واضح وتفصيلي لم أجده إلا في كلمات أحد الأعلام المعاصرين وهو السيد السبزواري+ في تفسيره, السيد السبزواري في تفسيره القيمة مواهب الرحمن في تفسير القرآن المجلد الثاني هذه عبارته, في ص 10 يقول: والإمامة هي الزعامة الإلهية – في ذيل الآية- والرئاسة الربانية على الناس, والإمام هو القوة المجرية لأحكام الله تعالى, القوة المجرية يعني – السلطة التنفيذية-.
هذه القوة المجرية اصطلاح فارسي ولكن طيب على الطريقة أنه هذه الاصطلاحات الفارسية الذين يكتبون بالعربي نعم, كما أنه السيد الطباطبائي في جملة من الأحيان يقول بأنه والفرمانات الصادرة من الله (سبحانه وتعالى) الفرمان أيضاُ تعرفون لغة تركية هذه فجاءت إلى أين؟ والفرمانات الصادرة من الله, وقيل له للسيد الطباطبائي& قالوا له يعني أنا نقل لي شيخ محمد أمين زين الدين& في النجف يقول: بعثت إليه عندما وصل إليّ الجزء الأول أو الجزء الثاني من الميزان بعثت إليه برسالة أن هذا الميزان لو كان مكتوباً بلغة في ضلال القرآن للسيد القطب لكان جداً أنفع مما هو مكتوب بهذه الطريقة, يقول: فأجابني برسالة أخرى الشيخ محمد أمين زين الدين يقول & يقول: فأجابنا وأنا سمعته منه, فأجابني أدينا ما علينا فأدوا ما عليكم, نحن هذا الذي استطعنا أن نفعله أنتم إذا تستطيعون فافعلوا, ثم فيها تذييل هذا التذييل قال أنه أنت ماذا تتوقع من شخص تركي درس بالفارسي وكتبه بالعربي ماذا يخرج الكتاب … تركي درس بالفارسية وذاك الذي درسه بالفارسي كتبه بالعربي, على أي الأحوال.
قال: فهو القوة المجرية لأحكام الله تعالى وتدبيراته في خلقه من حيث التشريع, فالإمامة هي السلطة الفعلية الإلهية على تنظيم أمور الرعية بما يريده رب البرية ولا ريب أنها أعلى مقامات الإنسانية أمين الله تعالى في خلقه, وأمين الخلق بينهم وبين الله فلابد أن يكون أعلم الناس بأحكام الله وأتقاهم وأعقلهم وأسوسهم في ترتيب أمور العباد وتنظيم البلاد بما يفاض عليه من الله تعالى كما في نبينا الأعظم وإبراهيم إلى آخره, فيقال: أن إبراهيم الخليل إلى ذلك الزمان كان مأموراً بإبلاغ الشريعة, أما في هذه الآية أمر بماذا؟ بإجراء الشريعة والسعي لتطبيق الشريعة في حياة الناس.
الآن يبقى أن نرى أنه توجد هناك شواهد تؤيد هذا الاحتمال الرابع أو لا, يأتي.
والحمد لله رب العالمين.