نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (128)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    بالأمس قلنا أن هذه الآية المباركة وهي قوله تعالى في سورة الأنفال وهي الآية 41 من سورة الأنفال هذه الآية المباركة تشتمل على أبحاث كثيرة ولكن بشرطها وشروطها, {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}.

    في الواقع أنه يمكن استخراج أكثر الأبحاث المرتبطة بمباحث الخمس من هذه الآية المباركة.

    ولذا أحاول إنشاء الله تعالى في كتاب الخمس أن نستفيد أو تكون أبحاثنا تقريباً ضمن مفردات هذه الآية المباركة.

    ولكنه قبل الدخول في مباحث هذه الآية المباركة تعلمون بأن هذه الآية تعد واحدة من آيات الأحكام في القرآن الكريم. والبحث في آيات الأحكام في القرآن الكريم هناك عناية من علماء المدرستين والفريقين علماء مدرسة أهل البيت وعلماء أهل السنة, حيث أنهم حاولوا أن يكتبوا كتباً خاصة ببيان آيات الأحكام وتفسير آيات الأحكام.

    ولكنه لا أقل نتكلم على مستوى الأبحاث الفقهية عندنا نحن عندما نأتي إلى مصنفاتنا الفقهية عموماً لا نجد أن البحث عن آيات الأحكام يتصدر الباب الفقهي, مثلاً الآيات التي تعرضت لبحث الجهاد في القرآن, الآيات التي تعرضت لبحث الصوم في القرآن, الآيات التي تعرضت لبحث الصلاة في القرآن, الآيات التي تعرضت لبحث الحج في القرآن, نحن لا نجد أن الفقهاء عندما يدخلون في تلك الأبواب يصدرون ذلك الباب بالآيات المختصة بذلك البحث.

    على سبيل المثال: عندما نأتي إلى باب التجارة أو إلى باب المكاسب المحرمة, تجدون أن المتن الأساسي والأصلي في حوزاتنا العلمية المعاصرة مذ مائة وخمسين عام هو كتاب مكاسب للشيخ الأعظم+, أنتم عندما تأتون إلى هذا الكتاب, يقول: وينبغي أولاً: التيمن بذكر بعض الأخبار الواردة على سبيل الضابطة للمكاسب, إذن عندما يريد أن يستخرج الضابطة ويؤسس للقواعد الأساسية في المكاسب المحللة والمحرمة, يبدأ بماذا؟ يبدأ بالرواية, الآن على ما في الرواية من كلام وهي تحف العقول أنها أساساً رواية أو ليست رواية على البحث المفصل الذي عرضنا له في فقه المكاسب المحرمة هناك وقفنا مفصلاً عند كتاب تحف العقول.

    المهم, أنه عندما يريد أن يبدأ لبيان الضابطة يبدأها من أين؟ يبدأها من رواية تحف العقول ولكنه عندما نرجع إلى القرآن لا أقل في القرآن الكريم توجد هناك آيات متعددة لهذه القضية.

    الآية الأولى ما وردت في سورة النساء الآية 29 من سورة النساء قال تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم, يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} هذه الآية تعد من أهم الآيات في أبحاث المكاسب والتجارة في آيات الأحكام ولكنه إذا عرض لهذه الآية يعرض لها استطراداً لا أن يكون لها موضوع خاص في الأبحاث الفقهية.

    أو الآية 90 من سورة المائدة, وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} طيب من الواضح بأنه جملة من المكاسب المحرمة موجودة في هذه الآية المباركة.

    أو ما ورد في الآية 157 من سورة الأعراف وهي قوله تعالى: {الذين يتبعون} إلى أن الآية تقول: {وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} إلى آخره, جيد.

    طيب لماذا لا يقع البحث في مبتدأ كتاب التجارة في هذا المجال, مع الأسف الشديد ليس فقط في باب التجارة, ليس فقط في باب المكاسب, في أي باب فقهي أنتم لا تجدون أن التصدير يكون للآيات القرآنية في ذلك الباب.

    نعم, قد يعرض لتلك الآيات استطراداً لا تأسيساً.

    ولذا فقهي كالميرزا التبريزي+ في إرشاد الطالب المجلد الأول ص8 هذه عبارته, يقول: كان المناسب التيمن قبل الأخبار بالكتاب المجيد المستفاد منه بعض الضوابط للكسب الحرام كقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم}.

    إذن أعزائي واقعاً إنشاء الله تعالى الأعزة عندما سيكتبون غداً في الفقه يحاولون واقعاً أولاً: يستعرضوا تلك الآيات المرتبطة بذاك الباب الفقهي ويستخرجوا منه القواعد المطلوبة وبعد ذلك يدخلون إلى البحث, وهذا هو مقتضى الروايات المتواترة أو المستفيضة لا أقل التي وردت قالت >اعرضوا كلامنا على كتاب ربنا< طيب لم يقولوا فقط اعرضوا كلامنا على كتاب ربنا في الأمور العقائدية في كل المعارف الدينية اعرضوا كلامنا.

    ولذا أنتم تجدون في باب الشروط ايضا إلا شرطاً أحل حلالاً أو حرم حراماً, طيب هذه الضوابط أولاً: لابد استنتاجها من أين؟ من القرآن الكريم.

    إذن أعزائي الكرام بودي أنه إنشاء الله تعالى لعلنا بالقدر الذي يمكن أن نؤسس لهذا الأصل في كتاب الخمس لنعرف أولاً: ماذا يقول القرآن عن الخمس, التفتوا جيداً, أنا عندما أقول عن الخمس بعد ذلك سيتضح أنه ليس المراد يعني آية واحدة في القرآن الكريم, بعد ذلك سيتضح أن هناك مجموعة من الآيات مرتبطة بهذا البحث في القرآن الكريم وإن لم يرد فيه لفظ الخمس, ولكنها آيات مرتبطة ببحثنا من قريب أو من بعيد كما سيتضح لاحقاً.

    هذا هو الأمر الأول.

    الأمر الثاني: الذي لابد أن نشير إليه – ولو إجمالاً- أيضاً وبحثه التحقيقي في محل آخر, وهو أنه: ما هو الأسلوب الذي سنتبعه في بحث آيات الأحكام, طبعاً هذا الأمر ليس مرتبط ببحث آيات الأحكام, بحث عام ولكنه نحن الآن محل احتياجاتنا هو بحث آيات الأحكام.

    ما هو الأسلوب الذي يمكن إتباعه في تفسير وفهم الآيات المرتبطة بالأحكام الفقهية في القرآن الكريم.

    وبعد ذلك سأبين إنشاء الله للإخوة ما هو الفرق بين الأسلوب وبين المنهج الذي تارة أو في كثير من الأحيان يقع فيه خلط في كلمات المفسرين يتصورون أن الأسلوب هو المنهج وأن المنهج هو الأسلوب وليس الأمر كذلك, ولذا اضطر إلى أن أبين ما أريد من الأسلوب وما هو المراد من المنهج حتى يتضح أنه كيف سندخل إلى هذه الآيات المباركة المرتبطة بآيات الخمس.

    في المقدمة لابد أن يعلم الإخوة أن الذين كتبوا في آيات الأحكام الآن ما استطيع أن أقول أنهم كثيرون, ولكنه ايضا عدد لا بأس به من المدرستين, على سبيل المثال: إذا تراجعون الكتب الموجودة في آيات الأحكام من أهم كتب آيات الأحكام >فقه القرآن< لقطب الدين الراوندي المتوفى 573 من الهجرة, وكذلك >كنز العرفان في فقه القرآن< للفاضل المقداد المتوفى 826 من الهجرة, وكذلك >زبدة البيان في براهين أحكام القرآن< للأردبيلي المتوفى 993 من الهجرة, وكذلك >مسالك الإفهام إلى آيات الأحكام< للفاضل الجواد الكاظمي المتوفى سنة 1065 من الهجرة, ولعله بحسب التتبع لم أجد الكتب المكتوبة في آيات الأحكام تتجاوز العشرة أو خمسة عشر كتاب في هذا المجال.

    ووجدت أيضاً في بعض الفهارس أن السيد الطباطبائي عنده كتاب في آيات الأحكام, ولكن أنا إلى الآن لم أرى هذا الكتاب, الإخوة إذا واجدين هذا الكتاب أو رأوه في الأسواق يأخذون لنا نسخة منه.

    أما فيما كتبه مدرسة السنة أو أهل السنة في هذا المجال هذا الكتاب كتاب >بحوث في أصول التفسير< للأستاذ الدكتور فهد بن عبد الرحمن أستاذ الدراسات القرآنية في جامعة الملك سعود, هناك يقول: المؤلفات في ذلك كثيرة فمن المؤلفات في ذلك -يعني في آيات الأحكام-من المذهب الحنفي >تفسير أحكام القرآن< لأبي بكر الرازي المعروف بالجصاص, وكذلك >تفسير أحكام القرآن< لأبي بكر ابن العربي, وهو غير ابن عربي المعروف صاحب الفتوحات ويميز بينهما بالألف واللام, باعتبار أنه ابن عربي صاحب الفتوحات ليس هو ابن العربي وإنما هو ابن عربي, أما هذا فمعروف بابن العربي هذا الذي ينسب إليه في بعض كتاباته أن الحسين قتل بسيف جده, هذا هو ابن العربي, بلي كان أحد الإخوة على المنبر نعم, قال بأنه ابن عربي يقول أن الحسين قتل بسيف جده, فعندما نزل من المنبر هناك شيخ توفي& قلت له هذه الجملة ليست لأبن عربي هذه لابن العربي صاحب أحكام القرآن, قال أعرف هذا قلت طيب لماذا هكذا قلت, قال: لأنه أريد أن (أطيح حظ ابن عربي)… هذه ايضا طريقة في التبليغ, قال: لأنه أريد أن كذا أفعل.

    المهم, >الجامع لأحكام القرآن< لأبي عبد الله القرطبي الذي هو التفسير المعروف بالجامع لأحكام القرآن.

    طبعاً أنا اشتبهت, هذا الحنفي الأول وأما لأبي بكر ابن العربي والجامع لأحكام القرآن على مذهب المالكي.

    وعلى مذهب الشافعي >أحكام القرآن< الذي هو لأبي بكر البيهقي و>أحكام القرآن< للهراسي و>الإكليل في استنباط التنزيل< للسيوطي, وهكذا مجموعة.

    ومن المذهب الحنبلي >زاد المسير في علم التفسير< لابن الجوزي أيضاً كتاب مهم من الكتب التفسيرية الأعزاء هذا لابد أن يكون إذا مهتمين بالتفسير هذا الكتاب من الكتب المهمة, >زاد المسير في علم التفسير< لابن الجوزي, طبعاً هذا التفسير ليس مختصاً بآيات الأحكام ولكنه الأحكام التي عرض لها إنما هي قائمة على أساس المذهب الحنبلي.

    وهكذا بالنسبة إلى الكتب الحديثة, في الكتب الحديثية أيضا >نيل المرام في تفسير آيات الأحكام< >روائع البيان تفسير آيات الأحكام< للصابوني, وكذلك تفسير >آيات الأحكام< للسايس, وكذلك تفسير >آيات الأحكام< للقطان … ومجموعة من الكتب التي كتبت في هذا المجال.

    طيب الآن بشكل عام أعزائي ما هو الأسلوب الذي اتبع في تفسير آيات الأحكام؟ أعزائي هناك أسلوبان أساسيان اتبعا في تفسير آيات الأحكام:

    الأسلوب الأول: وهو المعروف بالأسلوب التجزيئي.

    الأسلوب الثاني: وهو المعروف والمشهور بالأسلوب الموضوعي, هذا الذي يعبر عه بالتفسير التجزيئي والموضوعي.

    هذان النوعان من التفسير مقسمهما ما هو؟ مقسمهما الأسلوب يعني الأسلوب إما أسلوب تجزيئي وإما أسلوب موضوعي, وإلا المقسم ليس التفسير بنحوٍ مطلق, وإنما المقسم هو الأسلوب, ما هو المراد من التجزيئية وما هو المراد من الموضوعية؟

    أنا حتى لا أطيل على الأعزة, بالإمكان أن أضرب بعض الأمثلة والمثال طريق ايضا للتعريف كما قرأتم في المنطق.

    انظروا الآن مرةً أنتم تأتون إلى وسائل الشيعة, تضع أمامك وسائل الشيعة وتأخذ رواية ورواية تبحثها سنداً ودلالةً بشكل تفصيلي, كما حدث صاحب الوسائل شرح الوسائل وعنده شرح مفصل للوسائل نفسه المؤلف.

    أو مثلاً المجلسي عندما شرح التهذيب ملاذ الأخيار.

    أو الشيخ محمد تقي المجلسي والد صاحب البحار عندما شرح وهو من الكتب الأساسية العرفانية يكون في علم الإخوة, عندما شرح كتاب من لا يحضره الفقيه, دورة ضخمة جداً ومبانيه العرفانية موجودة في شرحه من لا يحضره الفقيه لأنه أساساً شيخ محمد تقي المجلسي يعد من كبار العرفاء خلافاً لمنهج ابنه الشيخ المجلسي صاحب البحار, وهو في جملة من الأحيان أيضاً يستشهد بكلام الوالد يعني شيخ محمد تقي, على أي الأحوال.

    تارةً هذا البحث, وهو أنه تأخذ رواية رواية وتشرحها سنداً ودلالةً, هذا الأسلوب نعبر عنه بالأسلوب التجزيئي المراد من التجزيئي يعني هذه الرواية تأخذها بغض النظر عن أن هذه الرواية مرتبطة بباب الإرث أو غير مرتبطة بباب الإرث, مرتبطة بباب الصوم أو غير مرتبطة بباب الصوم, نفس الرواية سنداً ودلالةً تشرح كذلك في القرآن كما هو الذي الآن تجدون أكثر التفاسير الموجودة, أنه يبدأ بالأسلوب التجزيئي يعني ماذا؟ يعني يأخذ الآية ويقف عند مفرداتها يبين المظمون فيها و… إلى غير ذلك, بغض النظر أنه هذا المضمون ينسجم مع مضامين أخرى في القرآن لا ينسجم و… إلى غير ذلك.

    أما في التفسير أو الأسلوب الموضوعي ليس الأمر كذلك, الأسلوب الموضوعي يعني كتاب الجواهر, ماذا فعل في الجواهر عندما جاء إلى مسألة أو إلى باب الصلاة أو باب الصوم؟ حاول أن يجمع كلما يرتبط بالمسألة المبحوث عنها ليخرج بنتيجةٍ.

    إذن الفارق بين الأسلوب التجزيئي والأسلوب الموضوعي أعزائي هو الفارق بين, الآن افترضوا أصول الكافي شرح أصول الكافي, الآن شرح أصول الكافي أو فروع الكافي ماذا يفعل؟ يأخذ رواية رواية سواءً في العقائد أو في الفقه ويشرحها سنداً ودلالةً ولا علاقة له بأن هذه الرواية لها معارض ليس لها معارض, تنجسم لا تنجسم لها مخصص ليس لها مخصص, يوجد عليها حاكم يوجد عليها وارد, لا يوجد كيف تنجسم مع الآيات القرآنية, أساساً القرآن يوافق على مضمون هذه الرواية لا يوافق له علاقة أو لا علاقة له بذلك؟ لا علاقة له بذلك. عبروا عن الأسلوب الأول بالأسلوب التجزيئي وعن الأسلوب الثاني بالأسلوب الموضوعي.

    وهذا غير بحث الترتيبي, بحث الترتيبي شيء وبحث التجزيئي شيءٌ آخر. لأنه البعض يتصور أن التجزيئي هو الترتيبي لا لا, نعم التجزيئي مرة يكون ترتيبياً ومرةً لا يكون ترتيبياً, أضرب لك مثال, آيات كتب آيات الأحكام بعضٌ بحثوها ترتيبي على السور, يعني جاء إلى سورة البقرة أو جاء إلى سورة الحمد أو إلى سورة آل عمران كم آيات من آيات الأحكام فعلى أساس ترتيب الآيات والسور بحث آيات الأحكام, ولهذا قد تتقدم آية في باب الإرث على آية في باب الصلاة, فيتقدم بحث الإرث على باب الصلاة. هذا ترتيب على أساس الآيات والسورة, وفي الأعم الأغلب هكذا فعلوا, ماذا فعلوا؟ وهو أنهم بحثوا آيات الصلاة على ترتيب الأبواب الفقهية.

    ولذا أنتم تجدون أن الكتب الفقهية وآيات الأحكام مرتبة ولكن ليست مرتبة على سور القرآن وآيات القرآن وإنما مرتبة على أساس الأبواب الفقهية.

    أعزائي ما هو الفوارق الأساسية بين هذين الأسلوبين, بنحو الإجمال أعزائي أنا أشير إلى فوارق ثلاثة بين هذين الأسلوبين:

    الفارق الأول: أنه في الأسلوب التجزيئي ليس بالضرورة أن يكون البحث في موضوع واحد, عندما تأخذ آية من القرآن أو رواية من الروايات لعله في تلك الآية توجد مجموعة من الموضوعات.

    خصوصاً الآية الكبيرة في القرآن مثل آية الكرسي, آية الكرسي فيها موضوع واحد أو عدة موضوعات؟ عدة موضوعات موجودة فيها الشفاعة فيها بحث الكرسي, فيها بحث العلم و… وإلى غير ذلك, آية واحد لكن مشتملة على موضوعٍ واحد أو على موضوعات متعددة؟ على موضوعات متعددة.

    بخلافه في الأسلوب الموضوعي فإن البحث منحصرٌ في موضوعٍ واحدٍ ومحورٍ واحد, هذا هو الفارق الأول.

    الفارق الثاني: في الأسلوب التجزيئي أعزائي لا يمكن الانتهاء إلى بيان الموقف الديني في تلك المسألة, أنت جنابك عندما تقرأ رواية في الوسائل وتشرحها في كتاب الصلاة هل يمكن أن تقول تفتي على أساسها يمكن أو لا يمكن؟ من الواضح رواية واحدة لا يمكن الإفتاء على أساسها, رواية واحدة في أصول العقائد من أصول الكافي أو البحار هل على أساسها يمكنك أن تفتي وتبين الموقف العقائدي والإيماني في التوحيد في المعاد في الإمامة أو لا يمكن؟ لا يمكن, وهذه من الأخطاء الشائعة في الكتب وفي المنبر وفي الفضائيات. وهو أنه يأخذ آية من القرآن, يأخذ رواية من أصول الكافي أو من البحار وعلى أساسه يعين الموقف الشرعي, انظروا أن الآية ماذا تقول. طيب هذه الآية هنا هكذا قالت, طيب آيات أخرى قالت أشياء أخر, هذه الرواية هنا قالت هكذا روايات أخرى قالت أشياء أخر.

    ومن هنا يتجلى دور المجتهد وهو أنه في الأسلوب التجزيئي لا يحق لأحدٍ أن يعين الموقف الديني على الإطلاق, من يريد أن يعطي الموقف يعني – إن صح التعبير الفتوى العقائدية أو الفتوى الفقهية- لا طريق له إلا أسلوب صاحب الجواهر يعني الأسلوب الموضوعي, فإن كنت واقعاً تجد نفسك أهلاً لهذا يعني قادر على أن يكون القرآن كله بيدك والروايات كلها بيدك والمباني الكلامية والعقلية كلها بيدك عند ذلك عين موقفاً على المنبر أو عين موقفاً في الفضائية أو في الكتاب ونحو ذلك.

    إن كنت أهلاً لهذا بيني وبين الله قل رأيك قل هذا رأيي في القضية ولكن ضمن هذه الموازين بشرطها وشروطها, وإن لم تجد نفسك أهلاً لذلك لا أقل أنقل آراء أهل الاختصاص في ذلك, كما أنه جنابك في المسألة الفقهية عندما تأتي وتقول قال الفقهاء بعضهم بطهارة أهل الكتاب, بعضهم بعدم طهارة أهل الكتاب بنجاسة أهل الكتاب, في المسألة العقائدية أيضاً قل الشيخ المفيد هكذا قال, والشيخ المجلسي هكذا قال, والسيد فلان هكذا قال, وإن كان اختلاف يوجد بين الأعلام هذا راجع إليك.

    الآن تريد أن تؤيد أنت بعضها بالإمكان أن تؤيد ولكن بالأسلوب الموضوعي لا بالأسلوب التجزيئي يعني أنت تؤيد أحد الرأيين وتقول أنظروا إلى هذه الرواية, طيب الرأي الآخر ايضا يقول انظر إلى هذه الرواية.

    وهذه الفوضى التي توجد الآن عندنا على الفضائيات وعلى المنابر وعلى المواقع الإعلامية وعلى الانترنت منشأها ماذا؟ هذا الخلط بين الأسلوب التجزيئي وبين الأسلوب الموضوعي.

    أنا إنما عرضت هذا البحث أعزائي لأهميته ولخطورته الآن واقعاً تجدون مشكلة يعني على المنابر الآن موجودة, عندما أقول منابر لا يذهب الذهن إلى المنبر الاصطلاحي, مقصودي كل المواقع الإعلامية من تلفزيون وفضائيات وانترنت وكتب هذه كلها منابر إعلامية لتبليغ الدين, تجدون أنه مشكلة أساسية توجد عندنا في هذا المجال. رواية يقرأها لي من أصول الكافي يقول انظر أن الإمام× يقول: >هممت بضرب جاريتي ولا أعلم في أي الدور هي< كيف تدعون لأهل البيت أنهم يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة؟ حقه وهذه الرواية موجودة في أصول الكافي أو غير موجودة؟ نعم, موجودة في أصول الكافي, ولكن فقط هذه موجودة أو عشرات بل مئات من هذه الروايات تشير إلى الطرف الآخر ايضا موجودة, ما هو وجه الجمع؟ طيب هذه تحتاج إلى قواعد الجمع بينها, وليس قواعد الجمع العرفي, ولذا نحن دعونا مراراً أن القواعد يحتاج إلى علم أصول العقائد كما أن الفقه الأصغر يحتاج إلى علم أصول الفقه, العقائد ايضا يحتاج إلى علم أصول العقائد والتفسير يحتاج إلى علم أصول التفسير.

    هذا هو الأمر الثاني أعزائي, الإخوة, طبعاً أنا هذا أشرت إليه هذه الأبحاث إجمالاً في المنهج التفسيري بقلم الشيخ طلال حسن, قلت: أن الوظيفة الأساسية للتفسير التجزيئي تكمن في إبراز المدلولات التفصيلية للآيات القرآنية دون إعطاء الموقف القرآني العام الذي يتشكل عادةً من مجموع الآيات والروايات في ص52. هذا الفارق الثاني أعزائي.

    الفارق الثالث: أن الأسلوب الموضوعي يحتاج إلى الأسلوب التجزيئي يعني أنت كيف تستطيع أن تقف على الأسلوب الموضوعي؟ عندما تجمع كل تلك الآيات والروايات المرتبطة بالموضوع المعين, وما لم تفهم تلك الآيات تجزيئياً هل يمكن أن تصل إلى نتيجة كلية أو لا يمكن؟ لا يمكن.

    إذن الأسلوب الموضوعي متقوّم بالأسلوب التجزيئي وليس العكس, فإن الأسلوب التجزيئي لا يتقوّم بالأسلوب الموضوعي.

    ولذا نحن قلنا في ص55 الأعزاء يراجعون, وهذه العلاقة بين الأسلوبين إنما هي من طرفٍ واحدٍ لا من طرفين فالتجزيئي لا توجد لديه حاجات أولية في عرض المداليل اللفظي التجزيئية على معطيات التفسير الموضوعي, بخلافه بالعكس.

    سؤال: ما هو الأسلوب الذي نحن نتبعه؟ طبعاً هذا البحث أنا عرضت له هنا, يعني البيان الفروق الأساسية بين الأسلوب التجزيئي والأسلوب الموضوعي, وكذلك في مقدمة تفسير اللباب في سورة الحمد, وتفصيله تقريباً يقع في ثلاثمائة أو أربعمائة صفحة إنشاء الله سيخرج في أول آية الكرسي, لأنه أنا آية الكرسي بحثتها ضمن المنهج الذي اعتقده في الأسلوب الموضوعي, لأني أنا لست من المعتقدين بالأسلوب التجزيئي فقط ولا بالأسلوب الموضوعي أعبر عنه عن أسلوب آخر ثالث وهو الأسلوب التركيبي, يعني أنه كل خواص الأسلوب التجزيئي مع خواص ومعطيات الأسلوب الموضوعي نحتاجها أين؟ في فهم موقفٍ ديني, لا في فهم هذه الآية المباركة, قد تفهم آية مباركة وقد تفهم رواية مباركة, ولكن تستطيع أن تبين موقفاً دينياً على أساسها أو لا تستطيع؟ لا تستطيع.

    الأعزة أيضاً بالإمكان في ص57 قلنا: والذي نراه في المقام أن التفسير التركيبي هو أجدى أنواع الأساليب التفسيرية في هذا المقام.

    سؤال: -والوقت أيضاً استدركنا وأنا كنت أتصور أنه نستطيع أن نكمل البحث هذا اليوم حتى غد ندخل إنشاء الله في بحث الغنيمة والغُنْم وغََنَمَ إنشاء الله تعالى قريباً ندخل إذا لم يكن غداً فقريباً ندخل- سؤال: أعزائي إذن ما هو الفارق بين الأسلوب وبين المنهج؟ أنتم تعلمون في كتب المفسرين هناك مناهج متعددة في عملية التفسير, في فهم الآية المباركة, عندما أقول فهم الآية المباركة لا أتكلم حينئذ عن الأسلوب التجزيئي أو الموضوعي, يعني سواءٌ كان أسلوبك تجزيئياً أو كان أسلوبك موضوعياً أو كان أسلوبك تركيبياً ما هو المنهج الذي تتبعه في فهم الآية الآن الآية تجزيئياً موضوعياً تركيبياً؟ هنا أعزائي توجد عدة مناهج:

    المنهج الأول: المنهج الروائي, وهو التفسير بالمأثور وفيها كتب متعددة من المدرستين.

    وهناك المنهج العقلي.

    وهناك المنهج الكلامي.

    وهناك المنهج العلمي أو التجريبي.

    وهناك المنهج العرفاني.

    وهناك المنهج المعروف عند الإخوة والأعزاء منهج تفسير القرآن بالقرآن.

    طيب ما هو الفرق إذن بين الأسلوب والمنهج؟ الجواب: أنه نحن في المنهج نريد الطريقة التي نعتمدها لفهم الآية تجزيئياً أو موضوعياً أو تركيبياً هذا غير ذاك.

    ما هو المنهج الذي نحن نتبعه من هذه المناهج؟ الجواب: نحن لا نتبع منهجاً بعينه وإنما هناك منهج آخر أسميناه بالمنهج الجامع, هناك عبرنا بالأسلوب التركيبي, هنا ماذا؟ المنهج الجامع, يعني ماذا؟ يعني أن الآية إذا أمكن تفسيرها بالقرآن فتفسر بالقرآن, وإذا لم يمكن تفسيرها بالقرآن, هل يعقل ذلك, نعم يمكن ذلك لا أنه لا يوجد تفسيرها في الآن يوجد ولكن أنا لم استطع أن أفسرها وإلا لو تعطي القرآن أنت بيد الإمام الصادق× لفسر كل القرآن بالقرآن, أنا عندما أقول لا يوجد يعني لا يوجد بحسب مقام الإثبات لا أنه لا يوجد بحسب مقام الثبوت, ومن هنا احتجنا إلى المعصوم (عليه أفضل الصلاة والسلام) وإلا لو كنا.

    ولذا أنتم تجدون أن الإمام الصادق لكي يفهم القرآن يحتاج إلى غير القرآن؟ لا يحتاج, لماذا؟ لأن القرآن نورٌ بيانٌ تبيانٌ مبينٌ كل الأوصاف التي نحتاجها موجودة في القرآن, ولذا قالوا لنا أن كل شيء نقوله لكم اسألونا أين في كتاب الله؟ تقول إذا كان الأمر كذلك إذن نستغني عن العترة؟

    الجواب: لا نستطيع أن نستغني عن العتره لأنه نحن لا نستطيع أن نستخرج كل المعارف من القرآن. نحتاج إلى من يأخذ بأيدينا لفهم كل المعارف من القرآن وهم من؟ وهم العترة وهذا مضمون حديث الثقلين. مضمون حديث الثقلين لا يريد أن يقول أن القرآن لكي يفهم, أن القرآن محتاج إلى العترة, حتى يشكل علينا الآن في الفضائيات والقنوات والكتب إذن هذا إذا كان الأمر كذلك هذا لازمه أن القرآن ناقص, لا, نحن لكي نفهم القرآن نحتاج لمن؟ نحتاج إلى العترة, وفرق كبير بين أن نقول أن القرآن يحتاج إلى العترة وبين أن نقول نحن فهم القرآن نحتاج إلى العترة. هذا الذي أنا ميزت بين مقام الثبوت ومقام الإثبات, على أي الأحوال.

    إذن أعزائي الكرام, نحن في هذه الآية المباركة سوف نعتمد من حيث الأسلوب >الأسلوب التركيبي<, ومن حيث المنهج >المنهج الجامع<, نتيجة ذلك ما هي؟ أننا عندما نريد أن نعيّن الموقف الديني في مسألةٍ فلا نكتفي بهذه الآية الواحدة وإنما نذهب إلى مجموع الآيات القرآنية المتعلقة بهذه ولعلها خمسة أو ستة في القرآن الكريم, نعم, لم يرد فيها لفظ الخمس ولكن متعلقة بهذه الآية من قريب أو من بعيد.

    وكذلك مجموع الروايات الواردة في بحث الخمس. حتى نعطي الموقف الديني, أنا الآن لا أريد أن أفسر هذه الآية المباركة تفسيراً تجزيئياً حتى أقول: بسم الله الرحمن الرحيم, {اعلموا} ما هو معناها, {إنما} ماذا تفيد, أنّ أو إنّ وهكذا, هذا التفسير يكون تجزيئياً أنا لست بصدد هذا.

    نعم, في بعض الأحيان لكي نفهم التفسير الموضوعي تحتاج على الوقوف على مفردات الأسلوب التجزيئي أيضاً, ولذا نحن قلنا الأسلوب الذي نتبعه الأسلوب التركيبي, لأنه بعض الأحيان هذا المقطع من الآية, الآية طويلة كآية الكرسي, هذا المقطع من الآية أريد أن أفهمه ما لم أقف على فضاء الآية قبل الآية المفردات التي جاءت قبل الآية, المفردات التي جاءت بعد الآية, أستطيع أن أفهم هذه المفردة في الآية أو لا أستطيع؟ لا أستطيع, إذن اضطر إلى أن أدخل إلى التفسير أو الأسلوب التجزيئي للوصول إلى الأسلوب الموضوعي وهذا الذي اصطلحت عليه بالأسلوب التركيبي. ما أدري واضح هذا إلى هنا ما هو المنهج الذي نتبعه ولو مختصراً وإجمالاً في فهم هذه الآية.

    عندئذٍ لا يقول لنا قائل: في النتيجة سيدنا مرة أنت تستند إلى اللغة ومرة تستند إلى الاستعمال ومرة تستند إلى استقصاء استعمالات الأخرى في الآية, مرة تأتي إلى كلمات المفسرين, ومرة تأتي إلى الروايات ما هو منهجك؟

    الجواب: كل قضية بحسب تلك القضية, نحن لم نقل من أول الأمر أن منهجنا روائي حتى لا نخرج عن المنهج الروائي, أن منهجنا تفسير القرآن بالقرآن حتى لا نستدل بالرواية, لم نقل هذا, وإنما منهجنا ما هو؟ منهجنا هو المنهج الجامع.

    تبقى قضية مختصرة وهي أنه قد يقال: – هذه جوابها إنشاء الله إلى غد- وهو أنه أساساً ما هي الثمرة في بحث آيات الأحكام وهذه هي الإشكالية التي أدت إلى أن كثير من أعلام الفقهاء لا يصدرون أبحاثهم الفقهية بآيات الأحكام لهذه الإشكالية وهي, طبعاً الإشكالية تارةً منشأها من القائلين بعدم حجية ظواهر القرآن, طيب بطبيعة الحال لابد أن يدخلوا في آيات الأحكام أو لا يدخلون؟ لا يدخلون, ولكنه بحمد الله تعالى أن هذا المنهج الآن ليس له قيمة علمية في حوزاتنا العملية, هذا أولاً.

    وثانياً: أنه نحن نتكلم مع أولئك الذين اعتقدوا بحجية ظواهر الكريم.

    هنا يرد هذا الإشكال, وهو: أن آيات الأحكام ما هي الثمرة المترتبة على بحثها, خصوصاً ونحن نعلم لا يمكن الوصول إلى بيان الموقف الشرعي من دون الاعتماد على الروايات.

    إذن من أول الأمر ندخل إلى الروايات, لماذا نحن نأخذ وقتنا في بحث آيات الأحكام؟ ولعل هذه هي الإشكالية التي كانت موجودة في أذهان الأعلام عندما لم يعتنوا بالأسلوب الموضوعي في آيات الأحكام كاعتنائهم بالأسلوب الموضوعي في روايات الأحكام, أنتم الآن تجدون في روايات الأحكام هناك واقعاً من أدق الأساليب الموضوعية موجودة أين؟ في كتبنا الفقهية, لكن هذا الأسلوب مع الأسف الشديد لا جاء لا وجدنا له مظهراً في آيات الأحكام ولا وجدناه في التفسير عندنا أيضاً.

    ولذا اطمأنوا لا فقط عند الشيعة – هذا البحث يقول بأنه التفسير تقدم عند السنة أو تأخر هذا كلام ناس أميين- التفسير عند السنة أيضاً متأخر بمراتب, كما أن فقههم متأخر بمراتب, لأن الفقه عند أهل السنة إلى الآن لم يصل إلى عشر معشار الأسلوب الموضوعي في الفقه الموجود عندنا.

    الفقه الموجود عندنا من أرقى الأساليب الموضوعية أين تجدها؟ تجدها في الفقه, التفسير لم يصل لا عند السنة ولا عند الشيعة, التفسير متأخر كثير في أسلوبه الموضوعي, نعم على مستوى الأسلوب التجزيئي لعله مئتين تفسير يوجد للقرآن ولكن قل لي كم آية من القرآن كم موضوع من القرآن كم محور من القرآن أساساً أين التفسير الذي كتب على أساس الأسلوب الموضوعي تفسير واحد دلنّي على ذلك, لم تجد ذلك.

    ولذا واقعاً نحتاج إلى جهد مئات من السنين حتى ينمو عندنا الأسلوب, تفسير الأسلوب الموضوعي في القرآن حتى يصل إلى ما وصل إليه الفقه عندنا, هذا نمو الفقه عندنا ليس بسبب الأسلوب التجزيئي بل بسبب الأسلوب الموضوعي.

    إذا أردنا للقرآن أن يُعطي أُكله في حياتنا العلمية ثم العملية ثم الإيمانية لابد أن نتوجه إلى الأسلوب الموضوعي في التفسير.

    تتمة الكلام تأتي.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/06
    • مرات التنزيل : 2564

  • جديد المرئيات