نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (140)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    كان الكلام في الآية التي عرضت لبحث الخمس في الغنائم.

    قلنا أنه يمكن تصور اتجاهاتٍ متعددة في فهم المراد من هذه الآية المباركة.

    الاتجاه الأول: وهو الاتجاه الذي يعتقد بأن المراد من الغنيمة في الآية المباركة أو من قوله {ما نغمتم} مطلق الفائدة بما يشمل أرباح المكاسب أيضاً.

    الأعزة يتذكرون نحن عندما نقول مطلق الفائدة يعني الأقسام الثلاثة المتقدمة من الفائدة, وتقدم الكلام عن ذلك والشواهد التي تثبت ذلك وما يمكن أن يناقش ويتأمل فيه.

    انتهينا إلى الاتجاه الثاني وهو الاتجاه المشهور بين علماء أهل السنة, وتبعهم على ذلك جملة من أعلام مدرسة أهل البيت كما تقدم عن مجمع الفائدة والبرهان أو عن مدارك الأحكام أو صاحب رياض المسائل وأعلام آخرون أيضاً ذهبوا إلى أن الآية مختصة بغنائم دار الحرب يعني في القسم الأول من الفوائد لا يشمل القسم الثاني فضلاً عن القسم الثالث.

    قلنا أن أصحاب هذا الاتجاه أو الاتجاه الثاني – طبعاً عندما نقول بأنه اختصاص لم يستدل هؤلاء بالاستعمال العرفي أو بالوضع اللغوي قالوا سواء كان الوضع اللغوي عاماً أو خاصاً والاستعمالات العرفية عامة أو خاصة نقول أن المراد من الغنيمة أو ما غنمتم في الآية المباركة هي غنائم دار الحرب- ما الدليل على ذلك, هذه أريد أن أفهرس البحث حتى نعرف أين نحن الآن.

    ما الدليل على ذلك؟ قلنا استدلوا بعدة أدلة:

    الدليل الأول: هو الاستدلال بالسياق يعني بالآيات المحيطة بهذه الآية. حيث أن الآيات لما كانت بصدد بيان القتال والحرب إذن هذه الآية أو هذا الخمس في الغنيمة إنما يختص بغنائم دار الحرب لا بغنائم بغزوة بدر التفتوا جيداً, غنائم غزوة بدر هي شأن النزول, نحن نستدل بسياق الآية لا بشأن نزول الآية وقد أوضحنا ذلك مفصلاً فيما سبق, هذا هو الدليل الأول.

    أشكل على هذا الدليل بوجهين:

    الوجه الأول: بأن المورد لا يخصص الوارد وهو الذي قد يقال أنه هو مراد السيد الخوئي في مستند العروة عندما قال بأن المورد لا يخصص الوارد.

    طبعاً في عبارات الشيخ اللنكراني+ العبارة أوضح يقول أن شأن نزول الآية في غزوة بدر ومن الواضح أن المورد لا يخصص الوارد, هذه هي المناقشة الأولى أو الوجه الأول للمناقشة, وقد تقدم الكلام عن ذلك بأنه لا مجال لمثل هذه المناقشة لأن فيها خلطاً بين شأن النزول وبين السياق الذي استدل لم يستدل هؤلاء بشأن نزول الآية حتى يقال أن المورد لا يخصص الوارد وإنما استدلوا بالسياق والسياق قرينة متصلة كما تعلمون قرأنا في محله أن القرائن المتصلة تهدم أصل الظهور لا تعطي مجالاً لانعقاد الظهور في الإطلاق حتى يبحث أنه يوجد مخصص أو لا يوجد.

    الوجه الثاني لمناقشة الدليل الأول: قلنا بأن هذا الاستدلال أعزائي وهي قضية مهمة لا في هذا المورد وبيناها تفصيلاً ولكن للإشارة وللتذكر قلنا: أن الاستدلال بالسياق لا في هذا الموضع بل في أي موضعٍ في القرآن الكريم يتوقف على إثبات أمرين على إثبات أصلين:

    الأصل الأول: أن يثبت لنا أن ترتيب هذه الآيات في السورة الواحدة هو ترتيب نبوي توقيفي وحياني, وإلا لو لم يثبت ذلك وكان هذا الترتيب ولو بنحو السالبة الجزئية التفتوا جيداً لأنه يحصل عندنا شبهة مصداقية إلا أن يحرز ولو بنحو لا ندعي السالبة الكلية أن كل الآيات القرآنية الترتيب فيها ليس ترتيباً وحيانياً بل هو ترتيب من الذين جمعوا القرآن لا, يكفينا أن يثبت ولو بنحو السالبة الجزئية أن بعض الموارد ليس الترتيب ترتيب وحياني وتوقيفي.

    عند ذلك لكي نستدل بالسياق لابد إحراز أن هذا الترتيب ما هو؟ ترتيب توقيفي ترتيب وحياني, هذا هو الأمر الأول الذي يحتاج إلى بحث مفصل الحق والإنصاف ولم يعرض له الأعلام من باب القداسة التي يملكونها عن الصحابة إلا نادراً, أما علماء أهل السنة عموماً قالوا أنه أساساً غير ممكن أن الصحابة كانوا يتصرفون بهذا المعنى أنه الآيات يقدمون ويؤخرون – ولا يعلم مثل هؤلاء المساكين- أن الصحابة لو كانت بأيديهم لفعلوا أكثر من ذلك, ولكنه هذا القدر الذي استطاعوا أن يفعلوا, طبعاً عندما أقول الصحابة مقصودي بعض الصحابة وإلا من الواضح أن هذه القاعدة ليست قاعدة عامة. هذا الأمر الأول.

    الأمر الثاني: حتى لو ثبت أن هذا الترتيب بين الآيات ترتيبٌ توقيفي وحياني إلهي لكي يمكن الاستدلال بالسياق لابد من إثبات أن النبي إنما وضع هذه الآية في هذا الموضع لأجل الارتباط المضموني بين الآيات, وإلا لو شككنا أو أحرزنا خلاف ذلك أنه نعم رسول الله وضعها في هذا المورد ولكن لا لأجل الارتباط المضموني بأي قرينة؟ بقرينة أنه لو رفعت الآية من هذا الموضع لا نجد أي اختلال في مضمون الآيات المحيطة بها, هذا يكشف عن أن وضعها في هذا الموضع كان لأجل الارتباط المضموني أو لأجل نكتة أخرى لا نعلم بها؟ رفعها عن موضعها ولا يؤثر على الآيات السابقة واللاحقة لها يكشف عن أن الوضع في هذا الموضع ليس للبحث المضموني وإلا لو كان للارتباط المضموني كان يلزم أنه عندما رفعت يختل سياق الآيات يختل الانسجام القائم بين الآيات.

    طيب إذن على هذا الأساس أعزائي هذه القضية وهو الاستدلال بوحدة السياق مرتبط بمسألتين أساسيتين في علم أصول التفسير, هذا الذي نحن ندعو إليه مذ عشرين عام لعله أكثر بأنه كما أننا يوجد عندنا علم أصول الفقه نحتاج إلى علم أصول التفسير لأجل مثل هذا, وإلا تعلمون أن الاستدلال بالسياق لقط ليس في هذا المورد عشرات الموارد الأخرى علم أصول التفسير لابد أن تبحث هاتين:

    أولاً: أن الترتيب بين الآيات في السورة توقيفي.

    والثاني: للارتباط المضموني.

    فإذا ثبت من قبيل جنابك عندما تأتي إلى البحث الفقهي لكي تستدل بخبرٍ لابد من إثبات حجية خبر الواحد أين؟ في علم الأصول, وإثبات حجية الظواهر في علم الأصول عند ذلك تأتي إلى البحث الفقهي.

    ومسألة أعزائي التفتوا جيداً المسألة الأولى الأصل الأول لا الأصل الثاني, الأصل الثاني تقريباً أنا لم أجد أحد في كلمات الأعلام أنه عرض لهذا الأصل الثاني وهو أنه حتى لو ثبت أن الترتيب وحياني لابد أن يثبت أن هذا الوضع إنما كان لأجل الارتباط المضموني هذا لم أجده في الكلمات, نعم الأمر الأول ذكروه أن وحدة السياق إنما هي قائمة على هذا المعنى.

    الآن أخرج من البحث قليلاً, قليلاً نخرج عن البحث ونرجع إلى البحث.

    هنا يوجد إشكال أساسي على تفسير السيد الطباطبائي, ما هو؟ وهو أن السيد الطباطبائي الذي لا يقول بأن الترتيب بين الآيات في السورة الواحدة ترتيب توقيفي ولو بنحو السالبة الجزئية كما قرأنا عنه, إذن هل يمكن له أن يستدل في القرآن بالسياق أو لا يمكن؟ نعم يستطيع أن يستدل بالسياق إذا أثبت أن هذا الترتيب ترتيب توقيفي وهذا ما لا نجده في تفسيره, يعني أن السيد الطباطبائي في جملة من المواضع يستدل بالسياق ولكنه لم يثبت لنا الكبرى, من قال لنا بأن هذا الارتباط هذا الترابط أو الترتيب الموجود بين الآيات ترتيب توقيفي من قال لك هذا؟

    ولذا لابد أن يلتفت إلى هذه الحقيقة على مبنى السيد الطباطبائي أن هذه القضية ذكرها فقط كقضية نظرية التزم بها في تفسيره أو لم يلتزم.

    كما تعلمون جملة من الأعلام هذه عادتهم وديدنهم أنهم يقولون في علم أصول الفقه شيء وعندما يأتون إلى عملية الاستدلال يلتزم بمبناه الأصولي أو لا يلتزم؟ لا يلتزم.

    هنا لابد أن نعرف أن السيد الطباطبائي التزم بهذا المبنى في علم أصول التفسير في عملية التفسير أو لم يلتزم؟ هذا يحتاج إلى بحث مهم, وأعزائي الإخوة الذين يسألوننا عادة في علوم القرآن نريد أن نقدم رسالة ماجستير هذه من الأبحاث القيمة في تفسير الميزان وهو أن يبحث هذا الأصل عند السيد الطباطبائي وأنه التزم به في تفسيره أو لم يلتزم به في تفسيره.

    ملاحظة أخرى وهي أنه حتى أدخل إنشاء الله إلى الوجه الثالث للمناقشة وهو أنه: أساساً هذه مسألة أن الترتيب بين آيات سورة واحدة هل هو ترتيب توقيفي أو لا, هذه مسألة محل خلاف من القديم لا يتبادر إلى الذهن أن السيد الطباطبائي الآن يطرحها ولا يلتزم بها لا لا أبداً, مسألة وقعت موضع النقد والإبرام من القديم وبحثوها سواء كانوا من علماء مدرسة أهل البيت أو كانوا من علماء أهل السنة.

    على سبيل المثال في كتاب المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي المتوفى سنة 546 من الهجرة تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد منشورات محمد علي بيضون الجزء الأول ص49 هذه عبارته هناك, يقول: قال القاضي أبو بكر ابن الطيب وترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد – زيد ابن ثابت من الذين جمعوا القرآن- ومن كان معه مع مشاركة من عثمان, طيب القضية بالنسبة إليه واضحة أن ترتيب السور ليس ترتيب توقيفي وإن أصر بعض أعلام أهل السنة أن هذا الترتيب أبداً أن الصحابة ما كانوا يخرجون, وهذا الترتيب ايضا ترتيب نبوي.

    وقد ذكر فلان, وذكر أو ذُكر أن ترتيب الآيات في السور – الذي هو محل الكلام- ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي’ – طبعاً يقول وسلم هنا ولا يوجد وآله- ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسمة, هذا أحد ما قيل في البراءة يعني أحد الأقوال التي قيلت في سورة البراءة لماذا لا توجد فيها البسملة, وذلك مستقصاً في موضعه موفى إنشاء الله وظاهر الآثار التفتوا جيداً وظاهر الآثار أن السبع الطوال والحواميم والمفصّل كان مرتباً في زمن النبي’, عندنا دليل أن هذه السور آياتها كانت بتنظيم نبوي في زمن النبي’ فقط هذه السبع الطوال والحواميم السبعة ايضا والمفصّل هذه ماذا؟ أما وكان في السور ما لم يرتب, يعني لم يرتب ماذا؟ لم يرتب آياته وإلا لا أنه لم يرتب سوره كما تقدم, فذلك هو الذي رتب وقت الكتب, عندما جمع القرآن هذا الترتيب رتب في وقت جمع القرآن, هذا تصريح من ابن عطية كما قلنا هذا القول وهو: أنه لا دليل على أن الترتيب بنحو الموجبة الكلية في جميع سور القرآن ترتيب وحياني هذا موضع, هذا من أحد أعلام السنة.

    وكذلك ما ورد في تفسير القمي – كما تعلمون تفسير القمي هو طبعاً من الكتب القديمة من أعلام القرن الثالث والرابع هناك في الجزء الأول أعزائي أنا بودي أن الإخوة يراجعون هذا البحث لأنه طويل ولكن أنا أشير إليه- يقول: بأنه أساساً الآيات الموجودة في السور فيها تقديم وتأخير, ويذكر مجموعة من الشواهد لإثبات هذه الحقيقة, مثلاً على سبيل المثال في ص8, وأما التقديم والتأخير فإن آية عدة النساء الناسخة مقدمة على المنسوخة, بحسب هذا الموجود الآن, طيب مقتضى القاعدة أنه ماذا تكون متقدمة أو متأخرة؟ طبعاً توجد مناقشة يكون في علمك لأنه قد أنه تكون متأخرة ولكن رسول الله’ أمر توقيفاً أن توضع متقدمة لا أعلم أنا أريد فقط القول فقط.

    لأن في التأليف قد قدمت آية – في التأليف يعني الجمع- عدة النساء أربعة أشهر وعشرة على آية عدة سنة كاملة وكان يجب أولاً أن تقرأ المنسوخة – الآن أنا لست بصدد صحة هذه الأمثلة وعدم صحتها- المهم القول بأنه أساساً يوجد من علماء مدرسة أهل البيت من لا يقبل أن الترتيب كذائي.

    أو عندما يأتي أعزائي إلى سورة لقمان يقول في سورة لقمان عندما نقف عندها نجد بأنه بشكل واضح وصريح هذا المعنى, في سورة لقمان يقول: {بسم الله الرحمن الرحيم, وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} طيب إذن واضح بأنه لقمان صار بصدد أن يعظ ابنه, طيب مقتضى القاعدة ماذا أن يأتي بعدها؟ أن تأتي مواعظ لقمان لابنه يعني {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة}, {يا بني أقم الصلاة ولا تصعر} وهكذا, يقول: ولكن نحن نجد – هذا الشيخ القمي يقول- يقول: ولكن نحن نجد أنه بعد قوله {إن الشرك لظلم عظيم} قال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه} طيب ما هي علاقة {ووصينا الإنسان بوالديه} بقضية مواعظ لقمان لابنه ما هي العلاقة؟ إلا أن يثبت بني وبين الله أنه أساساً رسول الله قال افعلوا ذلك, عند ذلك لابد أن نبحث أنه ما هي النكتة وإلا إذا لم يثبت بنحوٍ قطعي أن رسول الله قال افعل, طيب من الواضح {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم, ووصينا الإنسان بوالديه} أصلاً ما هي علاقة وصية الله الإنسان بوالديه مع وصايا لقمان لابنه, إلا وحدة وهي التوصية قد يقال بأنه. ولذا يقول هذا المعنى.

    إذن أعزائي قول بغض النظر عن الأمثلة أنها صحيحة أو غير صحيحة أنه سواء كان من هذا الطرف أو من ذاك الطرف يوجد قول بأنه ولو بنحو السالبة الجزئية أن الترتيب في بعض الموارد ليس ترتيباً توقيفياً بل هو من الصحابة.

    ولعله في النصوص إشارة إلى هذا المعنى, النصوص الواردة عندهم لا النصوص الواردة عندنا, أنا لم أجد النصوص الواردة الآن لعله نصوص صحيحة موجودة. نعم, في الروايات الواردة عندنا توجد كثير من الروايات تقديم الكلمات يعني كلمة تقدم على كلمة نموت ونحيا, بعض الروايات تقول لا الآية المباركة نحيا ونموت لماذا؟ لأن الدهرية ما كانوا يعتقدون بأنه كان يوجد بعد الموت حياة, فمقتضى القاعدة نحيا ونموت لا نموت ونحيا, هكذا عندنا أما أنه لا يوجد ترتيب بين الآيات هذا في نصوصنا إذا وجدوه جيد الإخوة.

    هذه الرواية أعزائي موجودة في مسند الإمام أحمد ابن حنبل التي هي بتحقيق الأرنؤوط الجزء الثالث ص240 الرواية هذه, >عن عباد ابن عبد الله ابن الزبير قال جاء الحارث بن خزمة – في بعض النسخ خزيمة- ابن خزمة بهاتين الآيتين من آخر براءة {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} جاء بها إلى من؟ جاء بها إلى عمر ابن الخطاب, فقال: من معك على هذا, قال لا أدري والله إني أشهد لسمعتها من رسول الله’ ووعيتها وحفظتها, هذا القرآن الذين يدعون بأنه ثابت عند القوم – طبعاً ايضا نحن نعتقد بصحته ولكن عندهم يعتقدون أنه ثابت بهذه الطريقة أنه جاء شخص وقال هذه من القرآن وآخر قال له صحيح وجعلوه قرآن- هكذا إثبات نحن نوافق عليه أو لا نوافق؟ لا نوافق عليه واقعاً, قال: لا أدري والله إني أشهد لسمعتها من رسول الله ووعيتها وحفظتها فقال عمر وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله ثم قال – الآن ثم قال ما أدري عباد قال حارث قال عمر قال ليست معلومة الرواية- ثم قال: لو كانت ثلاث آياتٍ لجعلتها سورة على حده فانظروا سورة من القرآن فضعوها فيها فوضعتها في آخر براءة. الرواية صريحة في أنها ماذا؟ أن الترتيب كان ترتيب نبوي أو لم يكن كذلك, ولو كما قلت بنحو السالبة الجزئية.

    الآن الرواية أولئك الملتفتين إلى النكتة حاولوا بشق الأنفس أن يضعفوها, فلهذا يقول إسناده ضعيف لتدليس محمد ابن إسحاق ولانقطاعه ولكن أهم ما قيل في هذه الرواية قالوا أن الرواية منكرةٌ شاذةٌ من حيث المتن, يعني ماذا؟ يعني حتى لو فرضنا صحة الرواية فالمتن صحيح أو غير صحيح؟ لتواتر أن الترتيب بين الآيات ترتيب توقيفي.

    من هنا يتضح أن هؤلاء القوم – وهذه قضية أساسية لابد أن نلتفت إليه في تراث القوم- وهو أن هؤلاء في جملة من الأحيان أعزائي ماذا يفعلون؟ يقولون بأنه لا نقبل المتن وإن صح السند يعني أن الميزان يكون مضموني دلالي لا أن يكون سندي. جيد جداً.

    هذا تمام ما يتعلق أعزائي بالوجه الثاني, إذن الوجه الثاني اتضح لنا بعد إذا تم عند أحد كلا هذين الأصلين فيمكن له الاستدلال بالسياق لإثبات اختصاص ما غنمتم بغنائم دار الحرب وإن ناقش أحد في كلا هذين الأصلين أو في أحدهما فهل يمكن الاستدلال بوحدة السياق أو لا يمكن؟ لا يمكن.

    الوجه الثالث في رد الدليل الأول وهو الاستدلال بالسياق, أعزائي التفتوا إلى هذا المطلب.

    في الوجه الثالث نقول: لو سلمنا وحدة السياق يعني الآن نتنزل عما ذكرناه في الوجه الثاني من الإشكال وقلنا أنه أساساً الترتيب وحياني وأن وضع النبي كان لأجل الارتباط المضموني لا لشيء آخر, فهل يدل ذلك على الاختصاص بغنائم دار الحرب أو لا يدل؟ أعزائي من الواضح أنه نحن سوف لا نوفق أنه كل آيات الأحكام نبحثها أو دورة تفسير نبحث, ولكن أنا أحاول أن استفيد من هذه الآيات لتأصيل أصول علم أصول التفسير أعزائي, تجدوني أنا أقف عندها حتى إنشاء الله غداً إذا أردتم أن تبحث آية مرتبطة بالأحكام لابد أن تلتفت إلى هذه الأصول في عملية التفسير وفي عملية الاستفادة.

    فهل يمكن الاستناد أعزائي إلى وحدة السياق حتى مع التنزل عما قلناه في الوجه الثاني أو لا يمكن؟

    أصلٌ في علم أصول التفسير, التفتوا جيداً, وهو: تارةً أن الآية التي تحيط بها مجموعة من الآيات لا تبين لنا قاعدةً كلية حتى يكون السياق من مصاديقه, وإنما واضحٌ أنها مرتبطة بسياق هذه الآية, كما هي الآية المعروفة التي هي عادة واقعاً من أوضح الأمثلة التي نقف عندها عادة وهي آية سورة الأحزاب التي أشرنا إليها مراراً وتكراراً وهو أنه قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} طيب من الواضح لو تكلمنا بمقتضى السياق من الواضح أنه أساساً هذه الآية جاءت في سياق نساء النبي, ونحن نعلم لغةً يطلق أهل البيت على النساء, عرفاً يطلق أهل البيت على أزواج الرجل, فقهاً يطلق أهل البيت على نساء وأزواج الرجل, إذن لا توجد لا مشكلة لغوية ولا عرفية ولا فقهية, إذن عندما نريد أن نقول لا تشمل نساء النبي لابد لقرينة خارجية, وإلا لو كنا نحن وسياق الآيات. ولذا تجدون الآن واقعاً الاستدلال بالسياق استدلال جداً قوي, إلا أن تقوم أنت ماذا؟ إما أن تهدم أن الترتيب ترتيب نبوي الأصل الأول, أو تهدم أن الترتيب وإن كان نبوياً إلا أنه لا لنكتة مضمونية, الأصل ماذا؟ الثاني, أو تأتي بقرائن خارجية كما أشرنا إليها في أبحاث سابقة. وإلا لو لم تكن لا الأول ولا الثاني ولا الثالث واقعاً السياق حاكم على أن المراد من أهل البيت هم نساء النبي.

    التفتوا جيداً, وأخرى هذا نوع. وأخرى لا, أن الآية موضع البحث وإن جاءت في سياق آياتٍ أخرى, إلا أن السياق لا يخصصها أبداً, لماذا؟ لأن السياق مصداقٌ من مصاديق الآية, لا أنه معين لمضمون الآية, التفتوا لهذه القاعدة.

    أتصور ستتضح القاعدة أكثر من خلال الأمثلة, لأنه هذه لابد من الرجوع إلى آية الخمس.

    منها: ما ورد في سورة البقرة الآية 185 أنظروا ماذا تقول الآية, {بسم الله الرحمن الرحيم, شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان, فمن شهد منكم الشهر فاليصمه, ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} {فعدة من أيام أخر, يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} ثم قالت: {و لتكمل العدة ولتكبروا الله على ما هداكم} سؤال: من الواضح يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر واردة في سياق ماذا؟ في سياق الصوم, صحيح أم لا؟ أو واردة في سياق الصلاة أو في سياق الجهاد أو في سياق الانفاق, ما هو سياق الآيات؟ {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} أليس هكذا, طيب عند هذا قوله {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} تقول مختصة بالصيام وفي حال المرض أو السفر أو تقول قاعدة عامة؟ ماذا يقول الفقهاء؟ الكل يقول أن هذه قاعدة, طيب أين صار السياق, السياق أين؟ الجواب: يقولون السياق محفوظ ولكنّ هذا المقطع من الآية يبين قاعدة عامة, والسياق مصداق من مصاديق هذه القاعدة, إذن السياق يقيد أو لا يقيد هنا, هذه القرينة السياقية المتصلة تقيد أو لا تقيد؟

    بعبارة أخرى: أن المورد – مرادنا من المورد هنا ليس شأن النزول, مرادنا من المورد السياق- وهذا ايضا من الأخطاء الشائعة قد يطلق المورد ويراد منه شأن النزول, وقد يطلق المورد ويراد منه السياق, هنا عندما نقول مورد ليس شأن النزول المورد يعني سياق الآية, أن المورد يخصص الوارد أو لا يخصص الوارد؟ المورد ما هو؟ وهو الصيام إذا لزم منه إن كان الإنسان في مرض أو في سفر, يخصص أو لا يخصص؟ لا, أنت تؤسس لقاعدة عامة تقول أن الشريعة قائمة على أساس اليسر لا على أساس العسر {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} هذا مورد.

    المورد الثاني: ما ورد في سورة البقرة ايضا الآية 195, قال تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} سؤال: سياقها مورد الآية ما هو؟ عدم الانفاق في سبيل الله, شأن نزول الآية أعزائي غير سياق الآية, شأن نزول الآية أن الأنصار أمروا بالإنفاق خشوا أن تضيع أموالهم ولا يستطيعون أن تستمر حياتهم الطبيعية فأمسكوا عن الإنفاق هذا شأن نزول الآية كما يقول الواحدي في أسباب النزول هذا شأن النزول.

    ولكن الآية لم تتكلم عن الأنصار أو عن المهاجرين تتكلم عن وجوب الإنفاق في سبيل الله, الآن هذه {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} هذا السياق يخصصها أو لا يخصصها, يعني فقط في مورد الإنفاق يجب الإنفاق في موارد أخرى ما في إشكال يلقي الإنسان نفسه في التهلكة أو عدم الإنفاق في سبيل الله أحد مصاديق عدم الإلقاء في التهلكة أي منهما؟ ولذا تجدون بأن الأعلام كلهم يستدلوا بهذه الآية المباركة {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ولا يُشكل عليهم بأن الآية واردة في عدم الإنفاق, يقول نعم عدم الإنفاق واحدة من مصاديق الإلقاء في التهلكة. هذا المورد الثاني.

    المورد الثالث: ما ورد في سورة الحج وهو قوله تعالى في آخر سورة الحج, قال تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده} إذن الآية مرتبطة بأي شيء؟ بالجهاد في سبيل الله, {هو اجتباكم, وما جعل عليكم في الدين من حرج} هذه القاعدة مختصة فقط بباب الجهاد أو قاعدة عامة {وما جعل عليكم في الدين من حرج} أي منهما؟

    انظروا إلى الإمام الباقر لعله أو الإمام الصادق× في الفروع من الكافي المجلد الخامس بهذه الطبعة الجديدة, ص104 الراوية عن عبد الأعلى مولى آل سام, قال >قلت لأبي عبد الله الصادق عثرت فانقطع ظفري فجعلت على أصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء, قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزوجل, {ما جعل عليكم في الدين من حرج} امسح عليه<. إذن إنه امسح عليه جعله من مصاديق {ما جعل} مع أنه مورد الآية هو الجهاد في سبيل الله, طيب ما هو التوجيه؟ التوجيه أن مورد الآية من مصاديق هذه القاعدة. واضح إلى هنا.

    السؤال: قد يقول قائل, هذا البحث تأملوا فيه إن شاء الله إلى غد, قد يقول قائل: {بسم الله الرحمن الرحيم} ما ورد في سورة الأنفال الآية 43 وهي قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} الآية صحيح تتكلم عن الحرب والقتال ولكن في الضمن بينت ماذا لنا؟ القاعدة العامة وهو أن في كل غنيمة خمس ومن مصاديق الغنيمة غنائم دار الحرب.

    إذن حتى لو سلمنا وحدة السياق فلا دليل على أن الآية من قبيل {إنما يريد الله} بل هي من قبيل {وما جعل عليكم في الدين من حرج} إذن تدل على الاختصاص أو لا تدل على الاختصاص؟ لا تدل على الاختصاص.

    ما أدري واضحة هذه النكتة, إذن الدعوى الموجودة في الوجه الثالث لمناقشة الدليل الأول, هو أن الآية بصدد تأسيس أصل كلي أن كل غنيمة فيها خمسٌ ومن مصاديق ذلك غنائم دار الحرب.

    إذن لا يدل السياق على الاختصاص بغنائم دار الحرب.

    الآن هذا تام أو لا, إن شاء الله يأتي.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/09
    • مرات التنزيل : 1113

  • جديد المرئيات