نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (159)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    قلنا ذكر البعض بأنه أساساً الخُمس الوارد في هذه الرواية محمولٌ على الزكاة الاصطلاحية فإنه وإن عبّر الإمام بالخُمس إلا أن المراد من الخُمس في المقام هو الزكاة.

    واستشهد لذلك بآية الصدقات وقال بأن الإمام× استدل بآية الصدقات الآية المختصّة بالزكاة, وهذا يكشف عن أن مراد الإمام من الخمس في المقام هي الزكاة.

    أما لماذا قيّد ذلك بالذهب والفضة؟ قال: باعتبار أنهما في الأعم الأغلب يمكن إخفائهما من السلطات ولذا وضع الزكاة عليهما دون غيرهما وعفا عمّا زاد عن ذلك وخفّف عمّا زاد عن ذلك. هذا الوجه هل هو تامٌ أم لا؟

    هذا الوجه فيه عدة مناقشات:

    الإشكال الأول: الذي يرد في المقام, هو أن مقتضى القاعدة الأولية في العناوين الواردة في الروايات أن تحمل على معانيها الاصطلاحية إلا إذا قامت قرينة على خلاف ذلك, يعني عندما يأتي لفظ الزكاة لابد أن تحمل على معناها, عندما يأتي الخمس لابد أن يحمل على معناه, وخصوصاً أن الرواية في صدرها أوجدت تقابلاً بين الخمس وبين الزكاة, يعني عندما نقرأ الرواية بشكل واضح وصريح نجد أن الإمام يقول: >بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ولا أوجب عليهم إلا الزكاة< يذكر الإمام مرةً الخمس ومرة الزكاة.

    فلو حمل, طبعاً من الواضح أنه يوجد تقابل بين هذين العنوانين فإن الخمس له أحكام والزكاة لها أحكامٌ أخرى, فلو حمل الخمس في الرواية على الزكاة لكان لازمه حمل المقابل على مقابله وهذا هل ينسجم مع الظهور أو خلاف الظهور؟ لا إشكال ولا شبهة أن ذلك خلاف الظهور.

    إذن الإشكال الأول هو أنه: لو حملنا الخمس في الرواية على الزكاة لكان خلاف الظاهر.

    نعم صاحب الوجه بإمكانه أن يجيب على ذلك يقول نعم نحن أيضاً نقبل أنه خلاف الظاهر ولكن توجد قرينة في الرواية تؤدي إلى صحة هذا الحمل وهو استدلال الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) {خذ من أموالهم صدقة} إذن نحن وإن ارتكبنا خلاف الظاهر إلا أن الحمل على خلاف الظاهر مع وجود القرينة لا محذور فيه.

    الجواب: هو أن القرينة إذا كان تفسيرها منحصراً بما ذكره صاحب هذا الوجه لكانت القرينة تامة ولكننا ذكرنا بالأمس أن هذه القرينة كما يمكن أن تفسر بهذا التفسير يمكن أن تفسر بالتفسير الذي سبق. إذن قرينة تكون دلالتها أعم من هذا الوجه فيكون استدلالاً بالأعم لإثبات الأخص وهذا غير تام, بل عندنا رواية واضحة الدلالة تبيّن لنا صحة التفسير الأول لا التفسير الثاني. يعني نحن يوجد عندنا بحسب التفسير الأول توجد عندنا رواية تؤيد ما ذهبنا إليه وهذه شاهد على صحة التفسير الأول دون التفسير الثاني.

    هذه الرواية واردة في (أصول الكافي, هذه الطبعة التي هي مركز بحوث دار الحديث الجزء الثاني في ص711, رقم الحديث 1414, كتاب الحجة باب صلة الإمام) الرواية: >قال أبو عبد الله الصادق× من زعم أن الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافرٌ< هذا بتوسعة معنى الكافر الذي له معاني كثيرة, >إنما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام× قال الله عزوجل {خذ من أموالهم صدقة}< طيب من الواضح أن هذا ليس البحث في الزكاة وإنما مطلق ما يُعطى سواء كان زكاةً كان خمساً وغير ذلك.

    إذن الاستدلال بالآية ليس المراد منها إيجاب الخمس كما بينا بالأمس وإنما المراد بيان النكتة الغاية وهي التطهير, هذا هو الإشكال الأول.

    الإشكال الثاني الوارد على هذا الوجه: أن الإمام× قال: >أني خفّفت في هذه الأمور< صاحب الوجه هكذا يقول, يقول: >وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه< طيب المراد من الخمس ماذا؟ يعني الزكاة كما يقول صاحب هذا الوجه, >وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول ولم أوجب ذلك< يعني الخمس الذي هو بمعنى الزكاة >ولم أوجب ذلك عليهم في متاعٍ ولا آنيةٍ ولا دواب ولا خدم ولا ربحٍ ربحه في تجارةٍ ولا ضيعةٍ …< إلى آخره, وهل في هذه الأمور زكاة حتى الإمام× يخفف؟ نعم, في هذه الأمور يوجد ماذا؟ خمسٌ لا أنه يوجد زكاة حتى أن الإمام يخفف, هذه قرينة على أن المراد من الخُمس معناه الاصطلاحي لا أن المراد من الخمس يعني الزكاة. هذا هو الإشكال الثاني.

    الإشكال الثالث: هو أن الإمام قال: >ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها< ثم الإمام× في آخر الرواية يفسر أمر تلك الضيعة التي قال بأني سأفسرها, قال: >فأما الذي أوجب من الضياع والغلاة في كل عامٍ فهو نصف السدس< وهناك رواية صحيحة السند ان الإمام وضع نصف السدس كخمس في حياته, لم يجعل الخمس في الضيعة وإنما جعل نصف السدس, هذه قرينة على أن المراد ليس الزكاة الاصطلاحية وإنما مراده الخمس الاصطلاحي. نعم, الإمام× كما يقول: >في كل عامٍ فهو نصف السدس<. هذه الرواية أعزائي واردة في نفس (الوسائل, نفس الباب, الرواية الرابعة) الرواية: أيضاً عن علي ابن مهزيار, الرواية عن الإمام الهادي× >أقرئني عليٌ كتاب أبيك< يعني الإمام الجواد >كتاب أبيك< يقول لمن؟ يقول للإمام الهادي×, >فيما أوجبه على أصحاب الضياع أنه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة وأنه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك, فاختُلف من قِبلنا في ذلك, فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة, فكتب وقرأه علي ابن مهزيار عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان< هذه القضية إن شاء الله تعالى بعد ذلك سنقف عندها, وهو أنه الإمام الهادي سُئل أن الإمام الجواد وضع في الضيعة بعد إخراج المؤونة جعل ماذا؟ جعل نصف السدس الخمس, فأيضاً في زماننا كذلك أو نرجع إلى الخمس؟ قال الإمام الهادي× >قال يجب عليكم الخمس< وذاك كان مرتبط بزمان من؟ بزمان الإمام الجواد×.

    ولذا السيد الخوئي عندما يأتي إلى هذا المقطع من المستند ص205 يشير إلى هذه النكتة بشكل واضح وصريح, بعد أن يقرأ الرواية, >وجوابه× بوجوب الخمس بعد المؤونة الكاشف عن اختصاص نصف السدس بزمان أبيه× -بزمان الإمام الجواد×- وأن حكم الضيعة هو الخمس غير أنه – أي الإمام الجواد- اكتفى بنصف السدس<.

    إذن نصف السدس الوارد في ذيل الرواية مرتبط بباب الخمس وهو الذي أشار إليه الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) قال: >ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسرها لك< إذن ليس المراد الزكاة الاصطلاحية, وإنما الخُمس الاصطلاحي.

    إذن على هذا الأساس يتضح بشكل واضح وصريح أن هذا الجواب الذي ذُكر في المقام غير تامٍ لهذه الإشكالات الثلاثة.

    طبعاً إلى هنا نحن وصلنا إلى المقطع الثالث من هذه الرواية, لو نريد أن نقف على مجموع المقاطع والإشكالات التي ترد طويلة جداً قد تصل إلى اثني عشر إشكال واردة على المقاطع, ولكن أنا بودي أنّه أدخل إلى الرواية بطريق آخر, بعد أن اتضح أنه مجموعة من هذه الأمور التي ذكرت, لا أقول بأنها واضحة التكلف ولكن لا تخلو من تكلفٍ.

    في قناعتي أن الرواية فقه الرواية كما نختاره نحن ونفهمه من هذه الرواية, في قناعتي أن هذه الرواية من أحسن وأوضح الروايات في المقام, ولكنّ الأعلام دخلوا إليها مدخلاً غير صحيح وغير دقيق, وإلا فالرواية تثبت ما قلناه في أبحاث سابقة.

    في المقدمة لابد أن يعرف الإخوة كما أشرنا أن التأريخ له مدخلية في فهم الرواية, هذه الرواية واردة في زمان الإمام الجواد أولاً, وفي زمان المعتصم العباسي ثانياً, التفتوا -إن صح التعبير- هذا شأن نزول الرواية, وهذا الذي هو تقريباً مغفولٌ عنه في تراثنا الفقهي وفي كتبنا الاستدلالية, يعني نأتي إلى الرواية مباشرة مجردةً عن الظروف التي أدّت إلى صدور هذه الرواية أنه لماذا صدرت هذه الرواية ما هي الأجواء التاريخية ما هي الظروف السياسية ما هي الظروف الاقتصادية ما هي الظروف المالية, ما هو وضع الشيعة الذي أدّى إلى صدور هذه الرواية.

    وهذا الذي أعتقد انه بحث جديد ينفتح منه ألف بحث, بابٌ ينفتح منه ألف باب, أعزائي الروايات لا يمكن أن تؤخذ مجردةً ومغفولة عمّا أحاط بها من شأن الصدور, كما هو الحال في شأن النزول, كما هو الحال في الجو الذي صدرت فيها الآيات, أنا ما أريد الآن أدخل إلى الأبحاث السياسية وأضرب أمثلة وإلا واضحة كثيراً الأمثلة.

    أعزائي, الإمام الجواد (عليه أفضل الصلاة والسلام) أنتم تعلمون جيداً أن المأمون العباسي كانت سياسته مع المخالفين -بتعبيرنا المحدث المعاصر- ليست سياسة القبضة الحقيقية وإنما سياسية الانفتاح والاستيعاب بقدر ما يمكن, ولذا بعث على الإمام الرضا وحاول بشتى الطرق أن يستوعب الإمام الرضا, ولكنّه الإمام الرضا (عليه أفضل الصلاة والسلام) التفت إلى دهاء ومكر وحيلة التي يريد أن يلعبها المأمون ففوت عليه ما يريد. ولكن أعزائي, وإمامة الإمام الجواد من سنة مئتين وثلاثة أعزائي يعني سنة الثامن من حياته× واستمر الحال كذلك إلى سنة مئتين وثمانية عشر, يعني خمسة عشر سنة من حياة الإمام الجواد كان يعيش حالة القبضة الحديدية والضغط والممارسة القمعية له ولشيعته أو حالة الانفتاح؟ ولكن عندما ننتقل إلى المعتصم العباسي التاريخ يشير إلى أنه كان أنساناً فاسقاً فاجراً أحمقاً بمعنى انه استعمل سياسية القبضة الحديدية والممارسة التعسفية مع من؟ مع المخالفين وعلى رأسهم من؟ الإمام الجواد×, فلذا استقدمه إلى بغداد وما بقي عنده كثيراً لعله عشرة أشهر واستشهد الإمام الجواد× في بغداد, إذن الرواية واردة في أي ظرفٍ؟ في ظرف أن الشيعة في بحبوحة أو أن الشيعة في ضيق وشدة وقمع إلى آخره.

    ومن هنا يتضح لكم أن الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) يقول في صدر هذه الرواية بأنه >اسأل الله كذا< إلى أن يقول (عليه أفضل الصلاة والسلام): >ولم أوجب ذلك عليهم< لماذا؟ قال: >منّاً مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم< وإلا هذه الجملة لو نأتي بها إلى زمان آخر لا تعطي معنىً, ولهذا يتضح أنه لماذا الإمام الجواد× في آخر حياته قام بهذا العمل, في السنوات التي قبل ذلك لم يقم بهذا العمل, لا أنه المسائل الأخرى التي أشير إليها.

    إذن هذا جو صدور هذا النص من الإمام الجواد (عليه أفضل الصلاة والسلام), هذه نكتة.

    النكتة الثانية: إذا يتذكر الأعزة, نحن في درس 132 من هذه الأبحاث قلنا بأنه أساساً الفائدة التي يحصل عليها الإنسان تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: ما يحصله من خلال المغالبة والحرب والقوة وهي التي اصطلح عليها بغنائم دار الحرب.

    القسم الثاني: ما يحصل عليه من غير توقعٍ ولا جهدٍ ولا مشقةٍ ولا عملٍ ولا كسبٍ, كالجائزة, كالهدية, كأن يجد شيئاً في الصحراء مثلاً, كأن … إلى أمثلة أخرى كثيرة سنشير إليها بعد ذلك, هذه أيضاً فائدة, هذه لا يصدق عليها ربح, وإنما يصدق عليها فائدة.

    القسم الثالث: هو ما يحصل عليه الإنسان من أرباح التجارات المكاسب الزراعة الضيعة أنواع المعاملات ونحو ذلك.

    هذه أنحاء ثلاثة من الفوائد يحصل عليها الإنسان, إما غنائم دار الحرب, وإما وجود الشيء بلا ترقبٍ -كما عبّر اللغويون- إذا يتذكر الأعزة, وإما جهدٌ وكسبٌ وتجارةٌ وزراعةٌ وضيعةٌ ونحو ذلك.

    إذا اتضحت هذه المقدمة, هذه الرواية تريد أن تقول أنّ الخُمس في القسم الأول والثاني من الفوائد والغنائم أمرٌ فرضه الله وهو مفروغٌ عنه لا مجال للتلاعب فيه لا بالزيادة ولا بالنقيصة ولا بالتخفيف ولا بغيره, وهناك شواهد في الرواية, أمرٌ مرتبط بماذا؟ من الله سبحانه وتعالى, ومن هنا أكد الإمام على أنه واجبٌ وأنه لابد أن يُعطى وأنه لابد أن يصل إما إليه وإما إلى وكيله ولا مجال لا لرفعه ولا لوضعه ولا للتخفيف عنه. أما عندما يأتي إلى القسم الثالث يقول لا, هذا أمره موكولٌ إلينا, كيف؟ فمرةً يضعه ومرةً يرفعه ومرةً يخففه ومرةً لا يخففه, أنا أتصور بهذه الرؤية الرواية فيها غموض أو لا يوجد فيها غموض, فيها اضطراب أو لا يوجد فيها اضطراب, الآن نقرأ العبارات, التفتوا.

    إذن أعزائي أنا أعتقد أن الرواية تشتمل على هذين الحكمين الأساسيين فيما يتعلق بالقسم الأول والثاني من الفوائد عبّر عنه بتعبير >وفيه الخمس< والعجيب بل والدقيق أن الإمام استدل لهذين القسمين بآية الغنيمة, ليقول ماذا؟ ليقول أن هذا فرضٌ منّا أو فرضٌ من الله؟ هذا فرض الله عليكم لا فرضنا هذا, أما عندما جاء إلى القسم الثاني, فعبّر الإمام >أوجبت, خففت< ونحو ذلك, ولكن عندما جاء إلى القسم الأول والثاني من الفوائد لم يقل >أوجبت, خففت< ماذا قال الإمام×؟ طبعاً الرواية كما أشرنا بالأمس فيها مقاطع ثلاثة, هذا المقطع المتوسط الذي يشير إلى القسم الأول والثاني من الفوائد, التفت ماذا يقول.

    يقول: >فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عامٍ< أوجبتُ أم واجبة؟ نعم, انظروا التعبير الإمام لا يقول أوجبت, يقول ماذا؟ واجبة, سيدي يا ابن رسول الله بماذا واجبة؟ قال تعالى {واعلموا أنما غنمتم} هذه ليست مرتبطة بيّ هذه مرتبطة بآية الغنيمة, إذن هي فرضنا وإيجابنا أو فرض الله عليكم؟ فرض الله عليكم.

    وأنا اعتقد أن المراد من الغنائم والفوائد يعني القسم الأول والقسم الثاني بأي قرينة؟ سأبين بعد ذلك لا تستعجلون.

    قال: >قال الله {واعلموا أنما غنمتم} والغنائم والفوائد يرحمك الله< عطف تفسير كل الذين فسروا الرواية قالوا ذلك >والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرءُ والفائدة يفيدها< ثم الإمام يبيّن أنّه الغنيمة والفائدة ما هي لا فقط بيان المصاديق ما هي؟ قال: >والجائزة من الإنسان للإنسان, والميراث الذي لا يُحتسب, وما صار إلى مواليّ من أموال الخُرميّة -الفسقة- وقد علمت أن أموالاً عظام صارت إلى قومٍ من مواليّ فمن كان عنده شيءٌ من ذلك فليوصل إلى وكيلي< هذه فيها تخفيف يا ابن رسول الله؟ لا, هذه فيها خمس واجبة في كل عام, هذه ليست بيدنا لأنها لم تكن وضعها بيدنا حتى يكون وضعها أو التخفيف عنها بيدنا. >ومن كان نائياً بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله ولو بعد حين< أبداً أي تخفيف ما فيها, تتكلم عن الخمس لا عن أي شيء, >فإن نية المرءُ خير من عمله< أما عندما يأتي إلى القسم الثالث التي هي أرباح المكاسب التي هي الضيعة, انظروا ماذا يقول, يقول: >وإنما أوجبتُ عليهم الخمس في سنتي هذه< التعبير واجبٌ أو أوجبتُ؟ ما يمكن أن نقول بأنه هذه من باب التفنن في العبارة لا لا أبداً, بشهادة >إني أوجبتُ عليهم في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول< تبقى إشكالية وهو أنه أساساً الذهب والفضة التي حال عليهما الحول هي ماذا؟ ممّا تجب فيها الزكاة الإمام لماذا يقول خمس؟

    الجواب: أنّه هذا ما نقوله أن الإمام سلام الله عليه إذا وجد حاجة للخمس فيضعه حتى على ما لا يجب فيه الخمس, وهذا ما نعتقده أن الخمس في أرباح المكاسب ما هو؟ حكمٌ ولائي من الإمام, يقول تدفع الزكاة, هذه السنة غير كافية لنا في هذه الظروف التي يعيشها الشيعة, بالإضافة إلى زكاة الذهب والفضة تدفع ماذا؟ تدفع الخمس, واللطيف أن الإمام فقط يقول في الذهب والفضة, هو عادةً من عنده الذهب والفضة, عموم الناس أو الأغنياء؟ نعم, هذه نكتتها لا نكتتها أنه هذه قابلة للإخفاء أو غير قابلة للإخفاء, ولذا الإمام يقول: >ولا أضعه لا في متاعٍ ولا في آنيةٍ ولا في دواب ولا خدم ولا ربحٍ ربحه في تجارةٍ< إذن بهذه القرينة >ولا ربحٍ ربحه في تجارةٍ< ثم قال: >فأما الغنائم والفوائد< هذا يكشف الربح ربحه في تجارةٍ غير الفوائد, وهذا يكشف عن أنه الأرباح شيءٌ والفوائد شيءٌ آخر.

    وهذه النكتة أشار إليها صاحب (مصابح الفقيه الهمداني) يعني الفقيه الهمداني قال: خير شاهدٍ على أنه الفوائد لا تشمل الأرباح لأن الإمام قبل سطرين يقول >ربح ربحه< وضعت فيه الخُمس أو لم أضع؟ أما الفوائد ففيها الخُمس, هذا يكشف عن أن الفوائد غير الأرباح. هذا خير قرينة على ما قلنا أن الفوائد لا تشمل أرباح المكاسب والتجارات. يقول هذه كلها لا أضعها, >ولا ضيعةٍ< في الضياع أيضاً لا أضع, إلا أي ضيعة؟ هذه الضيعة التي في الأخير الإمام× أشار إليها.

    إذن الإمام في موضعٍ – التفتوا إلى هذه المقاطع الثلاثة- في موضعٍ وضع الخمس على ما لا خمس فيه, وفي موضعٍ رفع الخمس عمّا فيه الخمس, وفي موضعٍ ثالث استبدل الخمس بنصف السدس, ما أدري واضحة. ولهذا قال: >ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها< ما هي؟

    قال: >فهي نصف السدس< ولكن بهذا الشرط >ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته< أمّا >ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غيرها<. على هذا الأساس الرواية جداً واضحة الدلالة على أنها بصدد إثبات أن الخُمس في القسم الأول والثاني من الفوائد فرضٌ من الله سبحانه وتعالى, أما الخُمس في أرباح المكاسب ربحٍ ربحه, آنية, ضيعة, ونحو ذلك هذه مرتبطة بمن؟ مرتبطة بنا, فإذا كانت مرتبطة بنا فنحن بحسب الظروف إما نزيدها, فنضعها على الذهب والفضة له الصلاحية؟ نعم له الصلاحية, بعنوان ولي الأمر له الصلاحية, لأنه يجد بأنه الزكاة كافية للشيعة أو غير كافية؟ زكاة الذهب والفضة كافية أو غير كافية؟ غير كافية, ماذا يفعل الإمام؟ الآن -وأمر عقلائي لا تتصورون أنها قضية تشريعية- الآن في كل الدول التي إذا كانت تعيش حالة سلم واستقرار وكذا تضع نوع من الضرائب, الآن اذهبوا إلى الولايات المتحدة بعد الأزمة المالية التي صارت الضرائب في بعض الموارد تضاعفت وفي موارد أخرى خففت, لماذا؟ لأن الشرائط اختلفت الظروف اختلفت, والإمام× يبيّن بأن ظروف السنتين الأخيرتين التي عاشها من عمره الشريف مع المعتصم العباسي كانت ظروف شدة, ظروف قسوة >لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوب في ذاتها< فلهذا الإمام ماذا فعل؟ وضعها على من عنده ذهب وفضة يعني الأغنياء, ورفعها عن عموم الناس -بتعبيرنا الطبقة المتوسطة والطبقة الضعيفة- ثم خففه عمّن عن أولئك الذين يملكون الضيعات وفيها زيادة عن مؤونتهم لم يثقل عليهم لم يقل فيها الخمس وإنما قال فيها نصف السدس, ولهذا الإمام الهادي× من جاء بعد ذلك وسألوه يا ابن رسول الله نعيش حالة الطارئة والأحكام العرفية للإمام الجواد× أو تبدل الحكم إلى الوضع الطبيعي, الإمام الهادي ماذا قال؟ قال: لا لا رجعنا إلى الوضع الطبيعي لابد أن تدفعوا لنا ماذا؟ تدفعون لنا الخمس, وإن كان أبي يقول عندكم نصف السدس.

    طيب عند ذلك اقرؤوا الرواية تجدون بأنها الرواية واضحة بيني وبين الله أساساً لا يوجد فيها لا اضطرابٌ ولا مخالفة المشهور. نعم, على قراءة المشهور أن كل الأحكام تشريعية ثابتة يلزم منها ماذا؟ أما على قراءتنا من أن الأحكام الصادرة من الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) إما هي أحكامٌ من قبيل النوع الأول يعني فرض الله, وإما هي أحكامٌ من قبيل النوع الثاني يعني سنة نبيكم, تشريع نبيكم أو الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وإما هي أحكامٌ ولائية, عند ذلك, الآن نقرأ الرواية مرةً أخرى, الرواية يقول: >إن الذي أوجبت في سنتي هذه< إذن القضية مرتبطة بظروف استثنائية يعيشها الإمام الجواد في هاتين السنتين, وبالخصوص السنة الأخيرة من حياته (عليه أفضل الصلاة والسلام).

    يقول: >إن مواليّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم, فعلمتُ ذلك بما فعلتُ في عامي هذا من أمر الخُمس< أي خمس؟ ليس الخمس الذي هو فرض الله, وإنما الخُمس الذي هو مرتبط بنا, >ولم أوجب ذلك عليهم في كل عامٍ< القضية مرتبطة به >وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه ولم أوجب ذلك عليهم في متاعٍ< إلى أن قال: >فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ< يعني كأنه دفع دخل مقدر.

    يا ابن رسول الله هذه فقط في الأرباح والآنية وكذا… أنت تخفف وتضع وترفع مطلقاً القسم الأول والثاني أيضاً؟ قال: لا, هذا ما يتعلق بنا نحن نضعه تارةً نرفعه أخرى نخففه ثالثةً, أما ما هو ثابت بالكتاب ما هو ثابت بنص القرآن فهو بأيدينا أو ليس بأيدينا؟ ليس بأيدينا, >فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام< ولذا نتخلص من إشكالية أنه كيف يقول الإمام انه >ولم أوجب< وهي واجبة في كل عام, واقعاً الأعلام وقعوا في حيرة أنه الإمام قبل سطرين يقول ماذا؟ >لم أوجب< وهنا يقول >واجبة في كل عام< فلهذا اضطر مثل السيد الخوئي أن يقول بأن هذا تخصيص, هذا عامٌ والجملة التي قبلها تخصيص من هذا العام, وغير ذلك من التكلفات وغير ذلك من الكلمات التي أي قرينة وشاهد لا يوجد عليه.

    أما بناءً على هذا فالقضية واضحة, لأن الإمام× يقول بأنه >لا متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربحٍ ربحه في تجارةٍ< ثم يقول: >فأما الفوائد فهي واجبة< بينكم وبين الله ربحٌ ربحه ليس بفائدة؟ فائدة, طيب لماذا يقول بأنه لم أوجب وهنا يقول واجبة؟ فلهذا اضطر إلى التخصيص, بعضهم قال أساساً لا, هذه التي قالها الإمام× أصلاً من المؤونة لا يجب فيها الخمس لا متاع ولا آنية ولا كذا, طيب إذا كانت من الموؤنة فلماذا يقول لا أوجب, طيب سالبة بانتفاء الموضوع هي لا يجب فيها الخمس حتى الإمام يقول لا أوجب, وغير ذلك من التكلفات العجيبة الغريبة.

    أما بناءً على هذا التصوير الذي صورناه وهو أنّ المقطع الأول في الرواية والمقطع الأخير في الرواية تشير إلى الخُمس في أرباح المكاسب الذي هو تابعٌ لهم وضعاً ورفعاً وتخفيفاً وزيادة, المقطع الأول والمقطع الأخير, أما المقطع المتوسط فواضح.

    ومن هنا يتضح لنا وعدنا الأعزة فيما سبق, ومن هنا يتضح أن الغنيمة في الآيات المباركة ليست مختصة بغنائم دار الحرب وإنما تشمل القسم الثاني بشهادة هذه الرواية الصحيحة, قال: {واعلموا أنما غنمتم} والإمام لم يخصصها بغنائم دار الحرب وإنما وسعّها ليشمل القسم الثاني والثالث أو القسم الثاني فقط؟ القسم الثاني فقط.

    ولذا نحن قائلون بوجوب الخمس في الجائزة وفي الهدية بمقتضى هذه الآية المباركة. لأن الإمام× أيضاً ضرب أمثلة قال جائزة, ولكن وقع الكلام في أن الجائزة يشترط أن تكون لها قيمة أو حتى لو كانت جائزة وهدية مختصرة, الرواية تقول: >والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطرٌ< الآن هذا بحث آخر أن الهدية هل يشترط أن يكون لها خطر أو يكفي أن تكون هدية وإن لم يكن لها ماذا؟ ذاك بحث آخر, ولكن الإمام جعل ذلك مستفاد من آية الغنيمة يعني أن الهدية والجائزة يوجد فيها خمس أي خمس هذا؟ الخمس الذي هو من وضع الإمام أو هو خمس من نوع آخر؟ فلهذا يختلف حكم هذه عن حكم تلك. الآن هذا إن شاء الله تعالى في التفاصيل عندما نصل إليه لعله إن شاء الله سنشير إليه, الآن ما أدري يوجد له قائل أو لا يوجد, له بحثٌ آخر.

    إذن هذه الرواية واضحة الدلالة على أنها تقول أنّه فيما يتعلق بالقسم الأول والثاني من الغنائم والفوائد فهو فرض الله عليكم لا مجال فيه لا لرفعه ولا لتخفيفه ولا لزيادته ولا لنقصانه, من قبيل ركعتي صلاة الصبح فيها مجال واحد يزود ينقص كذا؟ أبداً.

    وأما فيما يتعلق بالفوائد من القسم الثالث التي هي عادةً هي التي الآن محل الكلام يعني أرباح المكاسب, أرباح التجارات الإنسان يؤجر نفسه عنده ضيعة عنده دواجن كل أنواع المعاملات الموجودة التي فيها كسبٌ وتجارة يعني باب المكاسب وباب المتاجر, هذه خمسها أو أقل أو أكثر وضعها رفعها جاءت من قبل من؟ فرض ربكم أم سنة نبيكم بالمعنى الأعم للسنة؟ سنة نبيكم.

    نعم يبقى تساؤل أخير: وهو أنه أي نوعٍ من أنواع التشريع هذا, إذا تتذكرون نحن أشرنا إلى أنواع ثلاثة, إذن التفتوا جيداً قبل أن أنتقل إلى هذا البحث, طبعاً أنت عندما تراجع كلمات الأعلام تجد بأن هذه القضية واضحة في كلماتهم, يعني السيد الخوئي مع أنه لا يشير إلى هذا البيان الفني الذي أشرت إليه أنظروا كلماته هذه الرواية لا أقل في أربعة مواضع منها يوجهها على أساس أنها حكم ولائي, في النتيجة إذا كان هذا تشريع ثابت, ما معنى إدخال الأحكام الولائية في بطنه.

    المورد الأول يقول: >ومع التنازل عن ذلك ودعوى ظهور الرواية في إيجاب الخمس في الذهب والفضة بعنوانهما الذاتي حتى لو لم يتعلق بهما خمس الأرباح كما لو كان إرثاً ونحو ذلك فلا ضير فيه أيضاً لما عرفت من أنّه× لم يكن بصدد بيان الحكم الشرعي مطلقا, بل أوجب× الخمس في خصوص سنته هذه فقط< بأي بيان أوجبه في سنته؟ يقول: >وقد تقدم أنّ ولي الأمر له الولاية على ذلك, فله إسقاط الخمس عن التجارة, وجعله في الذهب والفضة ولو مؤقتاً لمصلحة يراها مقتضية لتبديل البعض بالبعض< لا أنا لا اعتقد أنها تبديل بعضها ببعض بل هي بالإضافة إلى الزكاة لابد من دفع خمس الذهب والفضة وهذا سيأتي إن شاء الله تعالى, سيأتي في محله إن شاء الله بأنه أساساً الذهب والفضة إذا دفع الزكاة فيهما وقبلنا وقلنا بأن الذهب والفضة لا بأنهما عنوانان بل هما من النقود فيتعلق بهما الخمس أيضاً فالذهب والفضة كما هما متعلق للزكاة متعلق للخمس, فلا محذور فيه أن يتعلق بشيء لأنه أحكامهما مختلفة, أن يتعلق بهما زكاةٌ ثم يتعلق بهما خمس ما المحذور؟

    انظروا السيد الخوئي أرجع مسألة وضع الخمس إلى أنه من أحكام الولاية, هذا في ص203.

    وكذلك في ص204 يقول: >أساساً وأن الرواية تنادي من بدايتها إلى نهايتها تنادي بأعلى صوتها بأنه× في مقام تخفيف الخمس إما بالإلغاء محضاً كما في المتاع والآنية والخدم والربح أو بالإلغاء بعضاً كما في الضيعة كما أشار× أو بالوضع كذا …< إلى آخره, طيب إذا كانت هذه من الأحكام الثابتة من القسم الأول هل يمكن للإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) أن يضع وأن يرفع وأن يخفف وأن يفعل في الحكم كما يشاء, هذا في المورد الثاني.

    وكذلك في المورد الثالث يشير إليه في ص205.

    وكذلك في المورد الرابع في ص206 يقول: >والمتحصل من جميع ما قدمناه أن هذه الرواية صحيحة السند ظاهرة الدلالة على وجوب الخمس في الفوائد والغنائم< طبعاً مقصوده في الفوائد بمعنى أرباح المكاسب هذا نتفق معه أو نختلف معه؟ نختلف معه, لا لا ليست ظاهرة في هذه, وإنما ظاهرة في القسم الأول والقسم الثاني فقط وإن أسقط× حقه الشخصي في بعض السنين وهذا ناقشناه فيما سبق مفصلاً. >كما اتضح أنه لا ينبغي الشك في وجوب الخمس في الفوائد مطلقا وعدم الاختصاص بغنائم دار الحرب< هذا الإشكال أشرنا إليه سابقاً قلنا أن السيد الخوئي وجملة من الأعلام يتصورون إذا لم يكن مختصاً بغنائم دار الحرب فهو شاملٌ للثاني والثالث مع أنه لا ملازمة قد لا يكون مختصاً بغنائم دار الحرب ولكن لا يشمل القسم الثالث أيضاً وإنما يشمل القسم الثاني.

    وهكذا أشار الفقيه الهمداني إلى هذا. وهكذا جملة من الأعلام لم يجدوا بداً من توجيه الرواية إلا بأنها أحكام مختصة بمن؟ بالإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام). تتمة الأبحاث تأتي.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/09
    • مرات التنزيل : 1168

  • جديد المرئيات