بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
قبل الدخول في تفاصيل بحثنا لهذا اليوم لابد لنا من استذكار المفكر الكبير أستاذنا السيد محمد باقر الصدر (قده) حيث من المعلوم أن هذا اليوم 9/4 هو ذكرى شهادته (ره) ولنا أن نشير الى أهم الخصائص التي يتميز بها:
الأولى: كان عالم دين كبير يتميز بالاحاطة الشاملة لكثير من العلوم الضرورية التي يحتاجها الفقيه المتصدي لإدارة شؤون المجتمع وقيادته.
ولم تكن مرجعيته التي يصبو إليها أسيرة الفقه والأصول فقط, بل تجاوز حدود المألوف في ذلك حتى وجدناه عبقريا في مسائل الفلسفة والتفسير والاقتصاد والاجتماع؛ إدراكا منه أن جمود المرجع على الفقه والأصول سوف يؤدي الى كثير من الانتكاسة والاحباط في مدرسة آل البيت (ع).
الثانية: بالاضافة الى كونه العالم الديني الكبير, كان مفكرا من الطراز الاول, مبدعا في كثير من الأبواب العلمية التي خاض فيها فلم يكن ديدنه رحمه الله أن يكون متلقيا فقط, بل كان قليل المطالعة كثير التفكير حرصا منه لأن يأتي بكل ما هو جديد من الفكر.
الثالثة: كان محيطا بكل الظروف والشرائط التي من حوله (عارفا بزمانه), أي: أنه كان على دراية كاملة بالظروف المناسبة لإرادة تطبيق عمل من الأعمال, وأن الزمان والمكان هل مناسب لذلك أم لا.
الرابعة: كان متصديا بحق, وعارفا لكل ما تحتاج الأمة وتريد, فلم يكن مفتياً في الحلال والحرام فقط, بل أخذ على عاتقه هموم الأمة ومشاكلها, مطالبا بحقوق المظلومين, مهددا ومنددا باستبداد الظالمين, مضحيا من أجل القيم والمبادئ والدين, مرخصا دمه من أجل كرامة وعزة المؤمنين. فهو رحمه الله الشجاع الجسور الصلب بوجه الظلم والظالمين, والحنون العطوف الرؤوف لكل أبناء مجتمعه والمحيطين به.
عودا على بدء: كان الكلام في صحيحة علي بن مهزيار وقلنا أن هذه الرواية من الروايات الصحيحة الأعلائية المعتبرة عند الجميع, فلم يقع خلاف من أحد في صحة هذه الرواية وهذا ما يجعلنا أن نتخذ من الرواية أصلا لتفسير وتبيين الروايات الأخرى الواردة في باب الخمس هذا أولاً.
ثانياً: أن الرواية سوف تكون خالية من أي تنافٍ واضطراب وفقاً للقراءة التي قدمناها, ومن هنا فلا نقبل الدعوى القائلة بأن الأصحاب قد أعرضوا عنها وذلك لأن من الاصحاب من عمل بها, وحال من اعرض عنها كحال من أعرض عن الاجماع المدركي. بالاضافة الى ذلك لم يثبت أن الإعراض قد حصل من فقهاء الصدر الاول للغيبة الصغرى.
ثالثا: لا يوجد في الرواية ما هو مخالف للمسلمات, بل على القواعد المسلمة في الفقه الامامي.
رابعا: أن الرواية مشتملة على نوعين من أنواع الخمس, الاول ما هو مرتبط بالفرض الإلهي والتي عبرت عنه الرواية بقولها فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عام الذي اُستدل عليه بقوله تعالى {واعلموا أنما غنمتم}, والثاني ما هو ما هو مرتبط بالإمام (ع) والذي من موارده وضع الخمس فيما لا خمس فيه كالذهب والفضة, ورفع الخمس عما ثبت فيه الخمس كالربح في التجارة, وإيجاب نصف السدس مكان الخمس وذلك كما في الضياع.
خامسا: أن موضوع الخمس في النوع الاول من التشريع هو الغنيمة والفوائد, علما أننا حينما نراجع الرواية سوف نجد أن بين الغنيمة والفوائد قاسما مشتركا وهو أن كليهما يحصلان من دون ترقب وجهد فلذا نجد الامام يقول (والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالاً عظام صارت إلى قوم من مواليّ فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل إلى وكيلي), وبهذا يتضح أن الغنيمة غير مختصة بغنائم دار الحرب فقط بل شاملة لكل ما هو حاصل دون جهدٍ وترقب.
علما ومن خلال ما تقدم فأننا من القائلين بوجوب الخمس في الهدية والجائزة الخطرة, ولا ينتظر فيها إخراج المؤونة وحول الحول, والكلام نفسه بالنسبة الى المال المجهول المالك عند القول بشمول الخمس له, بخلاف الهدية والجائزة غير الخطرة التي يشترط فيها عدم المصرف وحول الحول.
أما ما هو موضوع الخمس في النوع الثاني من أنواع التشريعات؟ هذا ما يأتي الحديث عنه في القادم القريب إنشاء الله
المهم في هذا اليوم الذي الآن الذي لعله هو البحث الجديد الذي سنبدأ به وهو أنه: لا إشكال ولا شبهة أن أرباح المكاسب يجب فيها الخمس, وليس هو من النوع الأول, الآن يأتي هذا التساؤل الأساسي هل هو من النوع الثاني من الأحكام التشريعية أو هو من النوع الثالث. ما هو الفرق بين النوع الثاني والنوع الثالث؟ ثمرة عملية كبيرة تترتب عليها بعد ذلك أشير إليها أصبروا عليّ, إذا ثبت أنه من النوع الثاني يعني تشريع ثابت أيضاً من قبيل ما فعله رسول الله’ بالنسبة إلى الركعتين اللذين أضافهما إلى الرباعية, هذه ليست حكم ولائي, فلذا بعد ذلك الأئمة يستطيعون أن يزيدوها أو ينقصوها أو لا يستطيعون؟ لا ليس من صلاحياتهم هذا النوع الثاني وأمثلتها ذكرناها فيما سبق وكثيرة جداً. فيما يتعلق بالطواف فيما يتعلق بركعات الصلاة فيما يتعلق بالديات فيما يتعلق بالحدود فيما يتعلق بأنواع الصلاة, كلها أشرنا إليها تفصيلاً الأعزة يتذكرون ولا أحتاج إلى الإعادة.
النوع الثالث ما هو؟ مثاله الواضح وهو وضع الزكاة على الخيول, هذه الرواية أنظروا إليها التي هي واردة في (وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة, قال باب استحباب الزكاة في الخيل العتاق) الآن لماذا قال استحباب؟ باعتبار أنه عنده تعارض فصار عنده تعارض ووجد بانه نحن لم نقبل هذا الجمع فيما سبق قلنا هذا الحكم الذي صدر من أمير المؤمنين ما هو؟ حكمٌ ولائي, الإمام احتاج إلى ذلك وإلا لا علاقة له بالحكم الثابت. الرواية انظروا إليها صحيحة السند أيضاً, يقول: >عن محمد بن مسلم وزرارة عنهما جميعاً^ قالا< التفتوا الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) كم دقيقين >وضع أمير المؤمنين< يعني القضية مرتبطة بمن؟ إذا كانت القضية مرتبطة بالكتاب طيب يستدل الإمام بآية من الكتاب, ولكن هنا تصريح أن الوضع ممن؟ من أمير المؤمنين >وضع أمير المؤمنين على الخيل العتاق الراعية في كل فرس< إلى غير ذلك.
السؤال المطروح هنا أن هذا الخمس الذي وضعه الأئمة المتأخرين من الإمام الصادق وما بعد ذلك بالقطع واليقين هذا الخمس هل هو من النوع الثاني كركعتي الرباعية المضافة أو من النوع الثالث كوضع الزكاة على الخيول أي منهما؟ ما أدري واضح أم لا السؤال.
الجواب: أتصور أن الأعزة إذا يدققون في هذه الرواية واضح أمامهم أن هذا الخمس ليس من النوع الثاني وإنما هو من النوع الثالث. بأي دليل؟ لأن النوع الثاني أيضاً حكمه حكم ثابت وجزء من الشريعة, أما بخلافه في النوع الثالث فثابت أو متغير باختلاف الظروف, متغير باختلاف الظروف وجزء من الشريعة أو ليس جزء من الشريعة؟ ليس جزءً من الشريعة, ولذا تجدون قد يوجد في زمان, وقد لا يوجد في زمان, ولذا الإمام× بشكل واضح وصريح أنه عندما جاء إلى الخمس ماذا قال؟ وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه, إذن ثابت أم متغير, لا في هذه السنة, قبل ذلك لا يوجد خمس, بعد ذلك لا يوجد خمس, وكذلك في نصف السدس, نصف السدس ليس أمراً ثابتاً ولذا نجد قبل الإمام الجواد كان خمس, بعد الإمام الجواد الرواية التي قرأناها مراراً للأعزة وهي الرواية التي سألوه نصف السدس أو خمس؟ فكتب وقرأها علي ابن مهزيار عليه الخمس في الضيعة لا عليه نصف السدس الذي كان في زمن الإمام الجواد (عليه أفضل الصلاة والسلام) إذن إلى هنا بشكل واضح وصريح وهناك شواهد كثيرة بعد ذلك من خلال الروايات التي سنقرأها تبين لنا أنه هو من الأحكام الولائية التي صدرت من الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) حكمٌ ولائي صدر للحاجة إليه.
نعم, هناك بحث آخر وهو أن هذا الحكم الولائي هل هو ثابت في عصر الغيبة أو ليس ثابت؟ هذا بحثه سيأتي. المهم ما صدر عن الإمام الصادق عن الإمام الكاظم عن الإمام الرضا عن الجواد عن الهادي عن العسكري وعن الثاني عشر هو حكمٌ ولائي أما مستمر أو غير مستمر؟ ذاك بحث آخر لا تستعجلون الأبحاث.
إذن الجواب على هذا التساؤل: ماذا نعتقد في خُمس أرباح المكاسب؟ الجواب: لا هو من النوع الأول ولا هو من النوع الثاني بل هو من النوع الثالث. هنا يُطرح الأساس والمركزي الذي لابد أن نجيب عليه, وهو أنه إذا ثبت أن هذا الحكم كان ثابتاً بعنوان أنه حكم ولائي للأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) فهل انتقلت هذه الصلاحية إلى الفقيه الجامع للشرائط أم لا؟ عندما أقول فقيه جامع للشرائط يعني مرجع الدين بالمعنى الذي شرحته في أول البحث سبحان الله أفادنا كثيراً هذا, ليس مقصودي بأنه الذي يكتب رسالة عملية ويجلس في بيته كأن وجوده كعدمه, لا ليس كلامي في هذا, ذاك له حساب, نعم, مفيد يدرّس في الحوزة يكتب كتب كله مفيد, ولكن حديثي ليس في ذاك حديثي في مَن؟ في من تصدى لأمور الأمة فيمن تصدى لاحتياجات الأمة فيمن تصدى في رفع مشكلات الأمة اجتماعية اقتصادية مالية فقر أيتام إلى غير ذلك. هذا أعطي مثل هذه الصلاحية لإدارة هذه الأمة لإدارة هذه الملايين أو ألقاه في اليم مكتوفاً وقال إياك إياك أن تبتل بالماء, قال له بلي أنا أدير الأمة عندي صلاحيات الأولين والآخرين, أنت أيضاً يجب عليك أن تدير الأمة ولكن عندك صلاحيات أو لا توجد عندك صلاحيات؟ الجواب في جملة واحدة يأتي: أنه هكذا إدارة ممكنة أو غير ممكنة؟ غير ممكنة, على أي الأحوال. التفتوا.
هنا بحثٌ أنه هذه الصلاحية هذا الأمر هذا الخمس نحن نعتقد إجمالاً الآن وتفصيله إن شاء الله في الروايات سنقرأه, أن الخمس قبل الإمام الجواد في أرباح المكاسب كان ثابتاً وبعد الإمام الجواد ايضا ثابت يعني الإمام الهادي ووكلائهم معروفين والإمام العسكري أيضاً ثابت, ولم يثبت عندنا أن الإمام الثاني عشر رفع هذا الحكم الولائي, إذن في زمن الإمام الثاني عشر لا أقل في غيبته الصغرى كان يأخذ هذا الخمس أو لا يأخذ؟ يعني يأخذ من أرباح المكاسب قدر الخمس أو لا يأخذ؟ نعم, طيب لم يثبت لنا بأي دليل أن الإمام عندما انتقل من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى رفع هذا الحكم الولائي, فإذن هذا الحكم الولائي الإمام أيضاً موجود ولم يقم دليل على أنه رفعه صحيح, نعم من صلاحياته – صلاحيات الإمام الثاني عشر- أنه إذا أراد أن يرفعه لمصلحة ماذا يفعل؟ من حقه عنده هذه الصلاحية أن يرفعه, أراد أن يزيده يزيد, أراده أن ينقصه ينقص, ولكن أنتم تعلمون أن الإمام× في زمن الغيبة الآن يستعمل يعمل هذه الصلاحية أو لا يعملها؟ لا يعملها لماذا؟ لأنه في الغيبة وإنما أوكل أمور الأمة إلى من؟ إلى من يقومون مقامه في عصر الغيبة الكبرى.
من هنا يأتي هذا التساؤل وهو أنه هذه الصلاحية انتقلت إلى المتصدين وإلى القائمين مقامه (عليه أفضل الصلاة والسلام) أم لا؟ وهذه هي النقطة المركزية, من هنا يتداخل هذا البحث مع بحث نظرية الحكم عند الشيعة في زمن غيبة الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) يعني كيف يتداخل؟ يعني إذا قلنا كما هو رأي جملة لا أريد أن أقول الكثير الأكثر هذا يحتاج إلى تحقيق راجعوه أنتم, إذا قلنا أنه في زمن الغيبة الكبرى حرمّ الأئمة إقامة الحكم الإسلامي, والسعي لإقامة حكم الإسلام هو إذن محتاج هذه الصلاحيات أو غير محتاج لهذه الصلاحيات؟ هو لماذا يحتاج هذه الصلاحيات؟ حتى يتصدى لإدارة وضع الإمام إذا كان يحرم عليه إقامة الدولة في زمن وإقامة الحكم في زمن الغيبة إذن يحتاج هذه الصلاحيات أو غير محتاج؟ كل الذي يحتاجه أنه يفتي الناس ويكتب رسالة عملية وإلى غير ذلك انتهت القضية.
إذن هذه القضية لها ارتباط مباشر بأي مسألة؟ بمسألة ما هو موقف الفقيه, ما هي صلاحيات الفقيه في زمن الغيبة الصغرى, إذا كانت كل صلاحياته تنحصر في الإفتاء والقضاء, فيحتاج إلى هذه الصلاحيات أو لا يحتاج؟ وبتعبير السيد الخوئي+ في (التنقيح الجزء الأول يعني الاجتهاد والتقليد) يقول: فذلكة الكلام آخر الجزء الأول من التنقيح يعني اشتراط الأعلمية في ولاية الفقيه >أن الولاية لم تثبت للفقيه في عصر الغيبة بدليلٍ وإنما هي مختصٌ بالنبي والأئمة^, بل الثابت حسبما تستفاد من الروايات أمران: نفوذ قضائه وحجية فتواه< هذا فقط ليس إلا. هذا عندما أقول >نفوذ قضائه< يعني هو لا يستطيع أن ينفذ الحكم, فقط عندما يأتون إليه ويقضي بين المتخاصمين يجب عليهم, الآن إذا ما أرادوا أن يعملوا فلا يعملوا هو لا توجد عنده أداة تنفيذية, >وليس له التصرف< لا في أموال المسلمين >حتى في مال القصر< لا يجوز له التصرف, حكمه حكم ماذا؟ حكم عموم المؤمنين يعني نظرية الحسبة, أنه القدر المتيقن بعض الأمور الشارع لا يرضى بفواتها فلابد أن يقوم بها لا من باب أنه فقيه وقائم مقام بل من باب أن الشارع لا يرضى بفواتها, هذه هي نظرية الحسبة المعروفة.
إذن أعزائي نحن إن شاء الله تعالى في درس أو درسين ما أريد أن أطيل على الأعزة سوف أقف عند تصورات فقهاء الإمامية مسألة صلاحيات من يقوم, وليس الفقيه, إلا إذا أريد من الفقيه بالمعنى العام وليس الفقيه بالمعنى الأحكام الشرعية لا لا, الفقيه وليس الفقيه بالمعنى المصطلح في حوزاتنا العلمية يعني الطهارة والصلاة لا لا, الفقيه يعني {ليتفقهوا في الدين} الفقيه في الدين عالم الدين, ما هي صلاحياته في زمن الغيبة؟
توجد هنا اتجاهات ومباني متعددة أنا أشير إلى المباني من غير تعرض إلى ما أختاره في المسألة في هذه المرحلة لا أقل, وأرتب النتائج انه على المبنى الأول ماذا يصير, على المبنى الثاني ماذا؟ وهل يوجد بين هذه المباني والاتجاهات ما يعطي هذه الصلاحية الثابتة للإمام الأصل ثابتة للفقيه الجامع للشرائط أو لا؟ يأتي.
والحمد لله رب العالمين.