نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (166)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    قلنا أن في الأصل الولاية لله سبحانه وتعالى، وهذه الولاية الثابتة لله سبحانه وتعالى ناشئة من خالقيته التي تقتضي مالكيته تعالى لكل شيء، وهذا بحث موكول إلى محله، وهو أنه ما هو منشأ ولاية الله سبحانه وتعالى. ولكننا نأخذ ذلك كأصل مفروغ عنه.

    بينا بالأمس أن هذه الولاية الثابتة لله سبحانه وتعالى سواء على مستوى التكوين في الأعم من الفرعين أو من النحوين يعني فيما يتعلق بنظام العلية والمعلولية وفيما يتعلق بالتصرف في نظام التكوين، التي يصطلح عليها بالولاية التكوينية، هل أن هذه الولاية ثابتة للنبي، طبعاً الآن ليس بحثي في باقي الأنبياء وإنما حديثنا في النبي والأئمة عليهم السلام، لأن القدر المتيقن أن باقي الأنبياء بمن فيهم أولي العزم هؤلاء أيضاً لهم ولاية تكوينية يعني التصرف في التكويني يعني من قبيل (أحيي) بإذن الله، ونحو ذلك أو (ادعوهم يأتينك سعياً) أما هل أيضاً ثبتت لهم وساطة الفيض أم لا؟ ذاك بحث آخر.

    إنما الحديث منصب ومنحصر الآن فعلاً في النبي وأئمة أهل البيت عليهم السلام.

    أعزائي بنحو الفتوى أبين للأعزاء توجد هناك اتجاهات ثلاثة في مدرسة أهل البيت:

    الاتجاه الأول: وهو الاتجاه الذي يعتقد أن الثابت للنبي وللأئمة عليهم السلام أو لا أقل للأئمة عليهم الصلاة والسلام هي المرجعية الدينية والقيادة السياسية، وما زاد عن ذلك لا دليل عليه. نعم، فيما يتعلق ببيان الدين وبيان التشريعات وفيما يتعلق بتنفيذها، بعبارة معاصرة يعني لهم سلطة تشريعية وسلطة قضائية وسلطة تنفيذية، أما ما زاد على ذلك فلم يثبت بأي دليل بشكل عام إلا في بعض الموارد. وهذا الذي ذهب إليه بعض أعلام الشيعة، الشيخ المطهري في كتابه (الإمامة، ص53) ترجمة جواد علي الكسار، قال: (والبعض الآخر يعتقد بالمرتبة الأولى والثانية للإمامة) يعني المرجعية الدينية والقيادة السياسية (بيد أنه لا يصل إلى الثالثة) ومقصوده من الثالثة يعني الولاية التكوينية يعني (قال عفريت من الجن) يعني (قال الذي عنده علم من الكتاب) يعني ما كان يقوم به عيسى، يعني ما كان يقوم به إبراهيم الخليل، هذا المعنى الثالث الذي يشير إليه، ومما يقال أو يذكر بهذا الشأن أن المرحوم السيد محمد باقر الدرجئي، أستاذ السيد البروجردي، تعلمون من الأعلام، كان ينكر المرتبة الثالثة، إذن لا يتبادر إلى الذهن بأنه شيء جديد، كان يقول أقبل بالقيادة السياسية والمرجعية الدينية أما ما زاد على ذلك فلا دليل.

    الشيخ المطهري يقول: لا، نحن نعتقد بالإضافة إلى المرتبتين الأولى والثانية أعتقد أيضاً بالثالثة، ويتصور أن هذه المرتبة الثالثة هي أوج نظرية الإمامة، والواقع أن الأمر ليس كذلك، أوج نظرية الإمامة وهو الاتجاه الثالث وهو الذي يعتقد أن للنبي والأئمة وساطة الفيض الإلهي، يعني أن الشيء لا يصل إلى عالم الإمكان إلا بتوسط النبي وأهل البيت عليهم السلام، ولعله هذا اليوم أقرأ لكم عبارة لا تستغربوا منها ولكنها موجودة، في مكان آخر مخالف لها ذاك بحث آخر.

    أقرأ العبارة لكم وبعدها أبين لكم من هو القائل، هذه العبارة، يقول: (أن الله تعالى يفعل ذلك مقارناً لإرادتهم) يعني يرزقون ويميتون ويحييون ونحو ذلك، يقول هم لا يفعلون ولكن إذا دعا أحد منهم شيئاً الله سبحانه وتعالى يفعل مقارناً لإرادته، لا فعل الإمام، بل فعل الله، كما أنت جنابك تدعو الله يشفيك من المرض فتشفى من المرض، أنت لم تشفي نفسك من مرضك بل الله شفاك بدعائك، (مقارناً لإرادتهم كشق القمر) الذي للنبي الأكرم (وإحياء الموتى) كإبراهيم (وقلب العصا وغير ذلك من المعجزات، فإن جميع ذلك إنما تحصل بقدرته تعالى مقارناً لإرادتهم لظهور صدقهم).

    سؤال: هذا المقام أعطي للأئمة أو لم يعطَ؟

    يقول: (وهذا وإن كان العقل لا يعارضه كفاحاً لكن الأخبار السالفة تمنع من القول به) حتى هذا ا لقدر، ليس عندنا مثل هذا الشيء، أن الأئمة بدعائهم يحصل الإحياء والإماتة والرزق وغير ذلك. (فإذا قال به أحد فهو قول بما لا يعلم، إذ لم يرد ذلك في الأخبار المعتبرة فيما نعلم) وبعد ذلك سيتضح أن هذا الشخص عندما يقول فيما نعلم كلامه ليس جزافاً، فإن قلت له ماذا تفعل في ليلة القدر وما يتنزل على الإمام وأنه وأنه؟ يقول: أبداً هذه لا توجد لها حقيقة، كل ما في الأمر أن هذا كله من باب التشريف ولا واقعية لها.

    (وأما ما ورد من أخبار في نزول الملائكة والروح لكل أمر إليهم) إلى الأئمة (وأنه لا ينزل ملك من السماء لأمر إلا بدأ بهم فليس ذلك لمدخليتهم في ذلك ولا للاستشارة بهم) أبداً (بل له الخلق والأمر وليس ذلك إلا لتشريفهم وإكرامهم) موقع تشريفي (وإظهار رفعة مقامهم).

    إذن صاحب هذا القول يؤمن بالولاية التكوينية المطلقة للأئمة؟ لا المعنى الذي نحن نقول، بل إحياء الموتى، يعني الذي كان لعفريت من الجن، هذا البيان الذي قرأته لكم صاحبه يؤمن أو لا يؤمن؟ … هذا رأي صاحب البحار في هذا الموضع، الأخوة الأعزاء ليتابعوا البحار ليروا أنه يبقى على موقفه هذا أو أنه قد يختلف موقفه، هذا بشكل واضح وصريح وعنده بحث مفصل في (ج25، ص346 وما بعدها، كتاب الإمامة، فذلكة) في هذا البحث يشير إلى هذه القضية بشكل تفصيلي.

    إذن أعزائي إلى هنا اتضح أن الاتجاه الأول يؤمن أن السلطات الثلاثة موجودة للنبي والأئمة إلا لضرورة، وهي: التشريعية والقضائية و …، يعني بعبارة أخرى ولاية التشريع بالمعنى العام لها.

    الاتجاه الثاني بالإضافة إلى ذلك يؤمن أن لهم كما كان لذلك العبد الصالح مثلاً الذي كان مع موسى، أو إبراهيم، أو عفريت من الجن، أو عنده علم من الكتاب، هذا موجود للأئمة.

    الاتجاه الثالث وهو الاتجاه الذي أنا معتقد به وجملة من أعلام الإمامية أيضاً يعتقدون ومنهم السيد الطباطبائي في (الميزان، ج1، ص121) يقول: (من الأخبار) في هذا المجال، أولاً أقرأ المقدمة، يقول: (والأخبار في هذه المعاني كثيرة متضافرة) يعني ليست رواية أو روايتين حتى أنك تشكك في السند (الرواية عن جابر قلت لرسول الله أول شيء خلق الله ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير) هذه كل تدل على العموم، إذن كل نظام عالم الإمكان واسطة الفيض بالنسبة إليه تبدأ من الرسول صلى الله عليه وآله، ثم الرسول يبين التفاصيل (ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله، ثم جعله أقساماً فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وسكنت الكرسي من قسم … ثم نظر إليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مئة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول) النتيجة هي أن واسطة الفيض لجميع الخلق بما فيهم الأنبياء والأولياء هو الرسول الأعظم (ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفساها أرواح الأولياء) هذه الرواية تبين أن للأنبياء أيضاً وساطة فيض مضافة إلى الولاية التكوينية التي أشرنا إليها.

    إذن أعزائي هذا هو الاتجاه الثالث.

    إذن أنت كإمامي مرة تقول أنا أؤمن (اللهم أحييني على ما أحييت عليه علي بن أبي طالب وأمتني على ما أمت عليه علي بن أبي طالب فيما أعلم وفيما لا أعلم) وهذا هو المطلوب منها في كل صباح أن نقرا هذا الدعاء بعد صلاة الصبح وهو أنه كثير من معارفهم نستطيع أن نقف عليها أو لا نستطيع، بهذا العلم الإجمالي أو الاعتقاد الإجمالي الله إن شاء الله يميتنا على هذا الاعتقاد. إذا أردت أن تدخل التفصيل تدخل هذه التفاصيل التي أشرت إليها.

    وفي الآونة الأخيرة ظهر رأي وصيحات شاذة تقول أساساً أن النبي والأئمة حتى القيادة السياسية لا توجد لهم، وإنما فقط لهم المرجعية الدينية والقدوتية والاسوتية، أما القيادة السياسية فلا، هذه الولاية لم تعطَ لا للنبي ولا للأئمة عليهم السلام، إذن من أين؟ قالوا الناس تنتخب من تريد فهم أحرار. هذه الأصوات بدأت هنا وهناك.

    قلنا بالأمس ان هذه الأبحاث خارجة عن محل الكلام.

    ننتقل إلى بحثنا الأصلي لهذا اليوم، هذه كانت تتمة مرتبطة ببحث الأمس.

    تعالوا معنا إلى ولاية التشريع بالمعنى العام من التشريع يعني ما يشمل التشريعية والقضائية والتنفيذية، فيما يتعلق بالولاية التشريعية بالمعنى العام توجد للنبي والأئمة كما بينا ولاية الإبلاغ وولاية التشريع، ما معنى ولاية التشريع؟ يعني أن النبي أعطي صلاحية وفوض إليه بإذن الله أن يشرع بعض الأحكام الثابتة في الشريعة وتعد جزءاً من الشريعة كما هي الروايات الصحيحة والصريحة في الركعتين الأخيرتين في الرباعية.

    السؤال المطروح: ولاية الإبلاغ وولاية التشريع التي هي فروع السلطة التشريعية أعطيت للفقيه في عصر الغيبة أو لم تعطَ؟

    الجواب: أعطيت للفقيه في عصر الغيبة القسم الأول وهي ولاية الإبلاغ ولكن ليست هي إبلاغ وإنما هي ولاية الإفتاء، لأنه لابد أن يستنبط وقد يصيب وقد يخطأ وهذا بخلاف المعصوم النبي أو الإمام، لا معنى هناك للخطأ، ومن هنا عبرنا عنها بولاية الإبلاغ، إبلاغ الأحكام الشرعية والدين، ولكن الفقيه في زمن الغيبة لم يعطَ الإبلاغ وإنما هي عملية إفتاء وهذا هو القدر المتيقن عند جميع فقهاء الإمامية في عصر الغيبة.

    نعم، بالأمس بينا أن فقهاء الإمامية اختلفوا بأن هذا الحكم أو التشريع الذي يريد أن يعطيه من أين يأخذه، ما هو المنهج الذي يتبعه؟ الأصولي يقول يتبع المنهج الاجتهادي الأصولي، والأخباري يقول لا نوافق على هذا المنهج، ولكن كلاهما يوافق على أن له ولاية الإفتاء.

    ولاية التشريع ما هي، أعطيت له أو لم تعطَ له؟

    الجواب: أولاً: لعدم الدليل عليها.

    ثانياً: لوجود الدليل على عدمها.

    قلنا أن الأصل في الولاية لله، فلكي نخرج عن هذا الأصل نحتاج إلى دليل، بالنسبة إلى النبي والأئمة خرجنا بالدليل فعندنا الروايات، وبالنسبة إلى الفقيه في عصر الغيبة أعطي أو لم يعطَ؟

    الجواب: لم يقم دليل على أنه أعطي، بل قام الدليل على أنه لم يعطَ، ما هو الدليل؟ وهو أن هذا الدين وهذه الشريعة التي جاء بها خاتم الأنبياء والمرسلين ومن بعده الأئمة يوجد فيها نقص أو لا يوجد فيها نقص؟ إذا قلنا أنها احتاجت إلى تشريع يعد جزءاً من الشريعة فهذا معناه وجود نقص في الشريعة، والتالي باطل فالمقدم مثله. ولذا أمير المؤمنين عليه السلام في (نهج البلاغة، الخطبة رقم 18) قال: (أم أنزل الله سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى، أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول عن تبليغه وأدائه) أي منها، أنتم الذين تدعون بأنا نأخذ بآرائنا ونزيد وننقص، أما أن تقولوا بأن الدين ناقص وإما أن تقول أن الدين تام ولكن رسول الله قصر في الإبلاغ، والتالي بكلا شقيه باطل فالمقدم مثله (والله تعالى يقول ما فرطنا في الكتاب من شيء، ويقول: وفيه تبيان لكل شي) …). الإمام يستدل على هذه الحقيقة.

    هذا مضافاً إلى الروايات الصحيحة والصريحة التي قالت (ما من شيء يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم وما من شيء يبعدك إلا ونهيتكم عنه).

    إذن في السلطة التشريعية أعطي للفقهاء في عصر الغيبة فقط ولاية ا لإفتاء لا ولاية التشريع بالزيادة والنقيصة، ومن هنا فلو اجتمع الفقهاء من الأولين والآخرين ليس لهم حق، هذا كله أقوله حتى لا يأتي أحد ويقول في ولاية الفقيه أن هؤلاء يريدوا أن يزيدوا الدين أو ينقصوه، لا أبداً، لا يحق لا لفقيه بل لكل فقهاء عصر الغيبة أن يزيدوا بنداً واحداً أو أن ينقصوا بنداً واحداً. (حلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرامه) والروايات صحيحة وصريحة وواضحة، إلى هنا انتهينا من السلطة التشريعية.

    ننتقل إلى السلطة القضائية، في السلطة القضائية يعني القضاء بين الناس، وأنتم تعلمون أن السلطة القضائية لها دور أساسي في نظام المجتمعات الإنسانية، أساساً إن لم نقل أهم من التشريع ومن التنفيذ لا اقل يقف على مستوى هاتين السلطتين.

    في السلطة القضائية من الواضح أن النبي والأئمة أعطوا ولاية القضاء بين الناس، يعني أن الناس إذا وقع بينهم تنازع لابد أن يرجعوا في التنازع إلى الرسول وإلى الأئمة ولم يسمح لهم بالتحاكم والرجوع إلى الطاغوت والباطل، هذا قدر متيقن ولا شك فيه، وإنما الكلام هل أعطيت هذه الصلاحية للفقهاء في عصر الغيبة أم لا؟ إلى الآن لم نتحدث من هو الفقيه الجامع للشرائط، نحن الآن نفترض هذا الفقيه مفروغ عنه وبعد ذلك سنبين شرائط من يعطى هذه المقامات.

    سؤال: أعطي أو لم يعطَ؟

    أعزائي اتفقت كلمة فقهاء الإمامية من أصوليين وأخباريين – أو كانت اتجاهات أخرى- على أن هذه الولاية أعطيت للفقيه في زمن الغيبة. نعم، وقع الاختلاف في جهات أخرى وهو أنه أعطيت بدليل لفظي من المعصوم، يعني قال المعصوم إني في زمن الغيبة فوضت أمر القضاء إلى المجتهد الجامع للشرائط أو لا، أي منها؟ الجواب: المشهور بين الفقهاء أنه أعطي ذلك لفظاً، الشيخ الأنصاري في (المكاسب، ج3، ص545) قال: (المقام الثاني الذي أعطي له الحكومة، فله الحكم بما يراه حقاً في المرافعات وغيرها في الجملة، وهذا المنصب أيضاً ثابت له بلا خلاف) فتوى لا يوجد خلاف من حيث الفتوى (ونصاً) لا، في هذه (نصاً) يوجد خلاف. السيد الخوئي يقول لا يوجد عندنا دليل لفظي على أنه أعطي هذا المقام، ولذا في مصباح الفقهاء عندما ينقل عبارة الشيخ يحذف منها هذه الجملة، لأنه مبناه في باب القضاء شيء آخر، يقول: أعطي هذا المقام، نعم الفقيه أعطي (ولكنه لا لدلالة الدليل اللفظي عليه) هذا يقوله في (مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم، ج2، ص88) يقول: (وملخص الكلام في المقام أن إعطاء الإمام منصب القضاء للعلماء أو لغير العلماء لم يثبت بأي دليل لفظي معتبر ليتمسك بإطلاقه).

    سيدنا يعني تقول بأن الفقيه ليس له الحق في أن يتصدى؟ يقول: لا، أعوذ بالله، لأن رفع الخصومة من ضروريات الحياة ولابد أن يقوم به أحد ولم يعين الشارع فالقدر المتيقن هو الفقيه الجامع للشرائط، لا من باب أنه أعطاه الولاية، لا أبداً، بل من باب الأمر الحسبية. قال: (والقدر المتيقن ممن ثبت له الوجوب المزبور) يعني وجوب الترافع إليه (هو المجتهد الجامع للشرائط فلا جرم يقطع بكونه منصوباً لا بدليل لفظي بل بهذا الدليل اللبي الذي أشرنا إليه، وأما غيره) فلا يوجد عليه دليل لفظي ولا دليل لبي.

    إذن على هذا الأساس، هذه أين تنفعنا؟ إذا كان عندنا دليل لفظي على أن الفقيه منصوب ففي كل مورد شككنا بأخذ قيد زائد ننفيه بإطلاق الدليل اللفظي، نقول لم يأخذ هذا القيد ولو أراده لذكره، إذن إذا شككنا هل يشترط أن يكون مقيداً أو متجزئاً، هل يشترط أن يكون مطلق، يقول إذا كان الإمام أخذ قيد الإطلاق مجتهد مطلق نلتزم، أما إذا لم يأخذ فيمكن أن يكون متجزئ، هل يشترط هو أن يتصدى أو يمكن أن ينيب أحد مكان، شككنا، هذا فقط أعطي له أو فيه صلاحية لأن يعطى لغيره، بعض الفقهاء عندما يعطون وكالة بعضهم يقول لم أعطك وكالة أن تعطي وكالة للغير، وبعضهم يعطيه أذن أن ينيب الغير ويعطي الوكالة للغير.

    (ففي كل مورد) إذا كان دليل لفظي (ففي كل مورد شككنا بأخذ قيد أو دخالة قيد ننفيه) بماذا؟ بإطلاق الدليل اللفظي، أما إذا كان دليل لبي، لابد من الاقتصار على ماذا؟ يعني في كل مورد شككنا بقيد لابد من أخذه أو رفضه؟ لابد من أخذه، فإذن الثمرات كثيرة، لا يتبادر أن القضية قضية نظرية بل القضية لها آثار تترتب عليها.

    الأخباري ماذا يقول هنا؟ الأخباري يقول: نعم، نصب الراوي للقضاء، لا الفقيه، ما الفرق؟ يقول: إذا قلنا فقيه يعني يجتهد وله رأي وعلى أساس رأيه يقضي بين الناس، نقول: لا، ليس على أساس رأيه لابد أن يقضي بين الناس. إذن كيف يقضي بين الناس؟ (الفوائد المدنية، ص241) يقول: (إن اختلاف المتخاصمين عند القاضي إما ناشئ بالجهل بحكم الله أو ناشئ من ذكر أحدهما قضية شخصية وإنكار الآخر إياها، فعلى الأولى) إذا كان المتخاصمان يجهلان الحكم الشرعي( القاضي عليه أن يأتي بحديث عن أئمة الهدى) يقول له الحديث يقول هكذا، لا أنه يجتهد ويقول هذا رأيي، أبداً. إذن منهجين بينهما ما بين السماء والأرض، لأن البعض يبسط القضية ويقول هذه قضايا نظرية لا أثر لها، لا يا أخي العزيز، يقول: (القاضي أن يأتي له بحديث عن أئمة الهدى). يقول له الإمام قال هكذا تريد أن تطيعه أو لا فالأمر له.

    إذن إلى هنا اتضح أن الفقيه أو الراوي على المسلكين والمبنيين له سلطة في … هذا لا نزاع فيه، نحن إلى الآن لم ندخل في دائرة النزاع في ولاية الفقيه، الآن ننتقل إلى السلطة التنفيذية.

    في السلطة التنفيذية واحدة من أهم مفاصل السلطة التنفيذية هو أن الفقيه أو الإمام قضى بين المتخاصمين، قال هذا الحق لهذا وأنت لابد أن تدفع هكذا، ومن عليه الحق لم يرضى، هل من وظائف النبي أن يستوفي الحق منه ويعطيه لصاحب الحق، أو أن يقول له بيني وبين الله وظيفتي أن أعظك وإن لم تعطه تذهب إلى نار جهنم، فيقول: أنا لا أريد أعطي، يقول له: توكل على الله. هكذا أم بالعصا يضرب على رأسه كما كان يفعل مولانا أمير المؤمنين في سوق الكوفة عندما كان يدخل سوق القصابين أو سوق التجار الآخرين ويجد … ماذا كان يفعل. هذا غير مرتبطة بولاية القضاء أو بولاية الإبلاغ، هذه مرتبطة بولاية تنفيذ الأمر القضائي، ولذا أنتم في الأنظمة الحديثة في السلطة القضائية بالإضافة إلى القضاة يوجد عندهم شرطة قضائية وظيفة الشرطة القضية لا إبلاغ الحكم وإنما تنفيذ الحكم، هذا معبر عنه في كلمات فقهائنا بإقامة الحدود. هنا اتضح.

    سؤال: هل أعطيت هذه الولاية للنبي والأئمة أم لم تعطَ؟

    الجواب: لا إشكال ولا شبهة أن رسول الله كان يعمل هذه الولاية، سيرته القطعية تثبت ذلك. وهي ثابتة أيضاً للأئمة لأنا نعتقد أن كل ما ثبت له ثبت لأوصيائه عليهم السلام.

    السؤال الأساسي: هل أعطيت هذه الولاية للفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة أو لم تعطَ؟

    هذه واحدة من موارد النزاع بين الفقهاء في عصر الغيبة، فقهاء الإمامية هنا في السلطة القضائية لم يقع بينهم خلاف، ولكن في هذه المسألة يوجد خلاف وتوجد أقوال ثلاثة:

    القول الأول: يقول: لا، هذا مختص بالإمام المعصوم أو من نصبه نصباً خاصاً لهذا الفعل أو ما يشمل هذا الفعل، يعني النيابة الخاصة. هذا قول، ولذا من غير ذكر الأسماء جملة من الفقهاء ولعله المعاصرين منهم عندما كتب رسالة عملية لم يكتب في رسالة باب الحدود. فلو تسأل لماذا؟ لعله يدافع عنه بأنه ليس مبسوط اليد، ولكنه من قال بأنه لابد أن يكون مبسوط اليد 100%، إذا كنت مبسوط اليد 5% أو 3% طبق هذا المقدار. لا أن يحذف باب الحدود من الرسالة العملية، هذا رأي.

    الرأي الثاني: هو التوقف وهو للمحقق الحلي في الشرائع، يقول بأنه أساساً أن القضية مشكلة جداً لا يمكن البت بها لا إثباتاً ولا نفياً.

    القول الثالث: يقول: هي ثابتة للفقيه في عصر الغيبة ولكن بشرطها وشروطها، إن توفرت فبها ونعمت، إن لم تتوفر يسكت عنها (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها). ولكن في هذا الاتجاه الثالث أيضاً يوجد قولان -كما في القضاء-: قول يقول أنه أعطي بدليل لفظي هذا المقام وقول يقول: لا، من باب الولاية في الأمور الحسبية لا بدليل لفظي.

    وهذا هو القول الذي يختاره السيد الخوئي، فالسيد الخوئي أيضاً يصرح بأن الفقيه أيضاً يقيم الحدود في زمن الغيبة ولكن لا بدليل لفظي فوض إليه هذا بل من باب أنه لا يمكن أن يقام من قبل كل أحد وإلا لم يستقر حجر على حجر، فالقدر المتيقن هو الفقيه الجامع للشرائط.

    هذا المعنى في (مباني تكملة المنهاج، ج1، ص224) يقول: (يجوز للحاكم الجامع للشرائع إقامة الحدود على الأظهر) إذن المسألة إجماعية أو خلافية؟ واضح أنه يوجد فيها خلاف، ولذا يقول في الحاشية: (هذا هو المعروف والمشهور بين الأصحاب، بل لم ينقل فيه خلاف إلا ما حكي، ويظهر من المحقق في الشرائع والعلامة في بعض كتبه التوقف).

    إذن الأقوال ثلاثة: قول بالتوقف وقول بعدم الجواز وقول بالجواز، عندما نقول جواز يعني بالمعنى الأعم.

    إلى أن يقول: (وهذه الأدلة تدل على أنه لابد من إقامة الحدود ولكنها لا تدل على أن المتصدي لإقامتها من هو) الأدلة الشرعية تقول ضروري من قبيل أن الميت يقبل الشارع أن يبقى إذا لم يكن له ولي ومن يدفنه يقبل الشارع أن يبقى بلا دفن؟ لا يقبل، عين أو لم يعين؟ لم يعين، وظيفة مَن؟ وظيفة القدر المتيقن وهو الفقيه، لم يوجد الفقيه؟ العدول، لم يوجد العدول؟ الفساق، لا يفرق.

    ولهذا أيضاً من باب الأمور الحسبية يقول ماذا؟ يقول بأنه … ولكن الآخرين ماذا يقولون؟ يقولون قضية مسلمة لا خلاف فيها. هذه الآن لصاحب الجواهر كلام إن شاء الله في غد.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/09
    • مرات التنزيل : 1057

  • جديد المرئيات