بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
انتهينا بالأمس إلى أن الشيخ الأعظم الشيخ الأنصاري يعتقد بأن كل ما للسلطان عرفاً أو عقلاً أو شرعاً فالذي ينبغي للناس أن يستأذنوا من السلطان فأنه لابد من الأستاذان شرعاً من الفقيه في عصر الغيبة، وأتصور أن هذه الجملة واضحة بما فيها الكفاية وأعيد الجملة للأعزاء حتى يتضح بأنه كما قلنا في (ج3، ص555) (فإن المراد بالحوادث ظاهراً مطلق الأمور التي لابد من الرجوع فيها عرفاً أو عقلاً أو شرعاً إلى الرئيس …).
كل هذه الأمور التي يرجع فيها إلى الرئيس وإلى السلطان وإلى الأمير وإلى ولي الأمر وإلى رئيس الوزراء -عبروا ما شئتم- هذه كلها متوقفة شرعاً على الأذن من ولي الأمر أو من الفقيه الجامع للشرائط. وأنا أتصور بغض النظر عن المراتب الأخرى للولاية هذه المرتبة من أوسع مراتب الولاية للفقيه الجامع للشرائط، نعم هناك مراتب أخرى أوسع من هذه ولكن هذه أيضاً لا تقل كثيراً عن المراتب الأخرى، ولعله أعزائي في عباراته في (كتاب القضاء والشهادات، ص47-50) طبعة لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، عباراته واسعة النطاق بالإمكان الرجوع إليها، يقول: (ثم أن ثبوت الإذن للفقهاء في القضاء) هذه مرتبطة بولاية القضاء (مما لا شك فيه ولا يبعد وصوله إلى حد ضروري المذهب) هذا الذي قال عنه السيد الخوئي أنه لا دليل عليه، ولكنه الشيخ الأعظم يقول من ضروريات المذهب.
ثم بعد أن ينقل الأدلة يقول وقوله في التوقيع (ثم إن الظاهر من الروايات المتقدمة نفوذ حكم الفقيه) إذن الفقيه في عصر الغيبة له سلطة الحكم، ما هي دائرة هذا الحكم ذاك بحث آخر خلافاً لما قاله السيد الخوئي فيما سبق أن الفقيه لم يعطَ ولاية الحكم حتى في الحكم في الهلال، لا، الشيخ الأنصاري يقول بأنه نفوذ حكم الفقيه في جميع خصوصيات الأحكام الشرعية أولاً، وفي موضوعاتها الخاصة. إذن القضية تتجاوز بيان الحكم والقضاء وإنما تنتهي إلى الموضوعات أن يحكم هذا الموضوع كذا وهذا الموضوع كذا وحكمه نافذ في الموضوعات، لا فقط في مسألة الهلال بل في مسائل كثير بعد ذلك سنشير لها. بالنسبة إلى ترتب الأحكام عليها (لأن المتبادر عرفاً من لفظ الحاكم) التفتوا إلى النكتة الفقهية (إني جعلته حاكماً لأن المتبادر عرفاً من لفظ الحاكم) واقعاً أنا لا أريد أن أحمل اللفظ أكثر مما يستحق ولكن تأملوا ماذا يريد الشيخ أن يقول (المتبادر من لفظ الحاكم هو المتسلط على الإطلاق) لا المتسلط في بعض الأمور دون بعض، يعني الفقيه سلطته مقيدة أو مطلقة؟ مطلقة (فهو نظير قول السلطان لأهل بلدة) يعني قول الإمام لفقهاء عصر الغيبة من قبيل هذا (جعلت فلاناً حاكماً عليكم حيث يفهم منه تسلطه على الرعية في جميع ما له دخل في أوامر السلطان جزئياً أو كلياً) الكلي يعني الأحكام الكلية الإفتاء والقضاء وهي لا تؤثر كثيراً، ولكن الكلام في لفظ الجزئي، وكما قلت لا أريد أن أقف تفصيلاً وإلا هذا الجزئي يخرج منه كلام كثير، ويؤيده أن الإمام لم يقل جعلته حكماً بل قال جعلته حاكماً (ويؤيده العدول عن لفظ الحكم إلى الحاكم مع أن الأنسب بالسياق حيث قال فارضوا به حكماً أن يقول أني قد جعلته عليكم حكماً) لا أن يقول جعلته عليكم حاكماً. (وكذا المتبادر من لفظ القاضي) التفتوا جيداً أن الشيخ أين يريد الذهاب (وكذا المتبادر من لفظ القاضي عرفاً) لا الاصطلاح الشرعي، كيف؟ يقول: (من يرجع إليه وينفذ حكمه وإلزامه في جميع الحوادث الشرعية كما هو معلوم من حال القضاة سيما الموجودين في أعصار الأئمة من قضاة الجور) يقول إذا أردتم أن تعرفوا مقدار نفوذ القضاء لا ترجعوا إلى البحث الفقهي اذهبوا إلى زمن صدور الروايات وانظروا السلطات التي كانت معطاة للقضاة هل كانت بيان القضاء فقط أو كانت سلطات أوسع، والروايات محمولة على هذا الأوسع. ولذا السيد الخوئي حاول بشق الأنفس رد هذه الدعوى في (مستند العروة، ج2، ص87) إلى أربعة صفحات يناقش الشيخ الأنصاري في هذه الدعوى، يقول: لا يمكن حملها على القضية الخارجية لأن السلطات التي كانت معطاة للقضاة في ذلك الزمان أوسع بكثير من السلطات … فهذا الفصل بين السلطات في زماننا لعله يقيد بعض سلطات القاضي، أما في ذلك الزمان قاضي القضاة لعله كان أوسع دائرة من رئيس الوزراء. الشيخ يقول إذا نريد أن نعرف صلاحية الفقيه لابد من الرجوع إلى قضاة الجور في أعصار الأئمة. (ومنه يظهر كون الفقيه مرجعاًَ في الأمور العامة مثل الموقوفات وأموال اليتامى والمجانين والغيب لأن هذا كله من وظيفة القاضي عرفاً في ذلك الزمان) ولكن في زماننا مجموعة هذه الأمور غير مرتبطة بالقضاء بل مرتبطة بالسلطة التنفيذية.
(ويحكمون إلا أن قوله في التعليل أنهم حجتي عليكم يدل على وجوب العمل بجميع ما يلزمون به ويحكمون)، كل ما حكم به الفقيه الجامع للشرائط، البحث ليس صغروياً، بل البحث كبروياً، أما من هو الفقيه، كل من صار مجتهداً في الحلال والحرام هو فقيه جامع للشرائط هذا بحث صغروي سنشير له بعد ذلك إجمالاً. (بجميع ما يلزمون ويحكمون حتى إذا حكم بأن اليوم عيد أو أول الشهر أو قال أن الشخص الفلاني) إذن القضية مرتبطة بالموضوعات لا بالأحكام (أن الشخص الفلاني حكمت بفسقه أو بعدالته فأنه يلزم الجميع ذلك، وإن شئت تقريب الاستدلال بالتوقيع وبالمقبولة بوجه أوضح فنقول) هذه أتصور من أوضح كلمات الشيخ الأعظم (لا نزاع في نفوذ حكم الحاكم في الموضوعات الخاصة) يعني في باب القضاء (إذا كانت محلاً للتخاصم فحينئذٍ نقول أن تعليل الإمام وجوب الرضا بحكومته في الخصومات بجعله حاكماً على الإطلاق وحجة كذلك يدل على أن حكمه) حكم الفقيه الجامع للشرائط ماذا يدل، يقول أعطي هذه الصلاحية الواسعة (يدل على أن حكم الفقيه في الخصومات والوقائع من فروع حكومته المطلقة وحجيته العامة فلا يختص بصورة التخاصم وكذا الكلام في المشهورة …).
فتحصل إلى هنا أن هذه المراتب الأربع من الولاية لا إشكال ولا شبهة أنها ثابتة للفقيه: ولاية الإفتاء، ولاية القضاء، ولاية إقامة الحدود، وولاية ما للسلطان عرفاً في دائرة مملكته، هذه كلها منصوبة من الإمام الأصل عليه السلام لا أنها أمور حسبية لا أنه قدر متيقن وأن المسلمين لا يستطيعوا أن يعيشوا بلا … لا لا، الإمام أعطى هذه الصلاحيات للفقيه في عصر الغيبة بدليل لفظي تام عند الشيخ الأعظم.
إلى هنا كما قلت في أول البحث هذه المراتب الأربعة مساحتها واسعة النطاق جداً.
المرتبة الخامسة: هذه المرتبة بودي أن الأعزاء يدققوا فيها لأنها قضية مهمة جداً. ولعله سيتضح لاحقاً أن المعركة كل المعركة في هذه المرتبة الخامسة، وإلا المراتب الأربع السابقة … عجيب الإنسان عندما يراجع كلمات الفقهاء يجد أن هذه القضايا – لا أقل هذه المراتب الأربع- كانت من مسلمات فقه الإمامية، ولكن لبعد فقهائنا عن السلطة وعن الحكم والدولة لأسباب كثيرة أدى ثقافياً أن نتصور أن هذه ليست من صلاحيات الفقيه، وإلا بينكم وبين الله هذه العبارة في (الجواهر، ج21، ص396 و 397) يقول: (ومنه ومنه ومنه … قال الكركي في المحكي من رسالته التي ألفها في صلاة الجمعة اتفق أصحابنا على أن الفقيه العادل الأمين الجامح لشرائط الفتوى المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية نائب من قبل أئمة الهدى في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل) لا قضية أنه القدر المتيقن يجلس في البيت ويكتب رسالة عملية، وإلا بينكم وبين الله الإمام هذه كانت وظيفته فقط يفتي الناس ويبين أحكام الشريعة أو كل أمور الدين وكل شؤون إدارة الأمة كانت موكولة للإمام. يقول: (بل القطع بأولوية الفقيه في ذلك بعد أن جعله الإمام عليه السلام حاكماً وخليفة وبأن الضرورة قاضية بذلك في قبض الحقوق العامة والولايات ونحوها بعد تشديدهم في النهي عن الرجوع إلى قضاة الجور وعلمائهم وحكامهم بعد علمهم بكثرة شيعتهم في جميع الأطراف طول الزمان وبغير ذلك مما يظهر بأدنى تأمل في النصوص وملاحظتهم حال الشيعة وخصوصاً علمائهم في زمن الغيبة وكفى بالتوقيع الذي جاء للمفيد من الناحية المقدسة وما اشتمل عليه من التبجيل والتعظيم، بل لولا).
أحفظوا هذه الجمل حتى عندما تسألون من أين دخلت هذه النظرية على فقه الإمامية، قولوا: أنها لم تدخل على فقه الإمامية بل اتفق الأصحاب عليها. (بل لولا عموم الولاية) للفقيه الجامع، فولايته خاصة، مقدمة أو عامة؟ (بل لولا عموم الولاية لبقي كثير من الأمور المتعلقة بشيعتهم معطلة) ثم يقول كلمة بيني وبين الله أنا لا أجرأ أن أقوله ولكن أنقلها للأعزاء وإلا لو كنت أقول هذه الكلمة لقيل عني كلام كثير، ولكن أريد أن أنقل عبارة صاحب الجواهر إمام الفقهاء المعاصرين. (فمن الغريب وسوسة بعض الناس في ذلك) مراده من الناس هل هؤلاء في الشارع؟ لا لا، لا يتحمل أن يسمي هؤلاء الفقهاء بالفقهاء بل يعبر عنهم بالناس (فمن الغريب وسوسة بعض الناس في ذلك) هذه جملة وقاسية جداً واقسي منها (بل كأنه) هذا الذي يوسوس (بل كأنه ما ذاق من طعم الفقه شيئاً).
يقول هؤلاء الذين يوسوسون … نعم، قد تكون بعض دوائر ولاية الفقيه مختلف فيها، لا نختلف، أما لا أنه الأصل … هذا ليس هكذا، الأصل الولاية للفقيه في عصر الغيبة.
ارجع وأقول ليس مقصودي كل من كتب رسالة عملية يعني هو الفقيه، صريحاً أقولها لكم، ولا أقصد الذي هو مجتهد بالحمل الشايع لا بالحمل الأولي، لأن البعض مجتهد بالاسم فقط وإلا لا مصداق له، لا مجتهد بالحمل الشائع في الحلال والحرام، لا، لا أقصد هذا.
(بل كأنه ما ذاق من طعم الفقه شيئاً ولا فهم من لحن قولهم ورموزهم أمراً ولا تأمل المراد من قولهم أني جعلته عليكم حاكماً وقاضياً وحجة وخليفة ونحو ذلك) إن شاء الله بعد ذلك سيأتي أن كل العناوين التي أخذت لإعطاء تمام مقام الولاية للأئمة الأئمة عبروا بها عن فقهائهم في عصر الغيبة، نحن عنوان الحجة أولاً وبالذات أعطي للأئمة، عنوان الخليفة لمن أعطي؟ للأئمة، عنوان الحاكم لمن أعطى؟ كل تلك العناوين، أنا أتحدى أنه هناك عنوان موجود لإمام الأصل وأن الأئمة لم يعطوا ذلك العنوان … نعم، لابد من البحث في الصغرى من هو ذاك؟ نعم، الشيخ المفيد من أوضح المصاديق.
ولكن الشيخ المفيد كونوا على ثقة بل أقسم أنه كان متكلماً قبل أن يكون فقيهاً، وهل في ذلك شك، من الذي أسس مباني مدرسة أهل البيت في الكلام والعقيدة الفقهاء أو المتكلمين؟ من الذي أسس لذلك؟ الشيخ المفيد. نعم، مما يؤسف لنا نحن منذ مئتي عام انفصل عندنا علم العقائد عن علم الفقه، فلهذا تصورنا أن الفقيه للجامع للشرائط يعني علماء الحلال والحرام مع أن التوقيع الخاص صادر لمن؟ وأنا أتصور هذا خير دليل وخير نموذج حتى يقتدى به في الفقهاء، الشيخ المفيد.
يقول: (جعلته عليكم حاكماً وقاضياً وحجة وخليفة ونحو ذلك مما يظهر منه إرادة نظم زمان الغيبة لشيعتهم) لأنه انقطعت أيدي الشيعة عن إمام الأصل فهل يتركوا سدى، أصلاً كونوا على ثقة … واحدة من أهم أدلتنا لإثبات أن النبي أوصى لعلي وأن النبي لم يذهب لا نصب خليفة، ما هو أهم دليل عند الأعلام؟ يقولون ليس عقلائي ولا عرفي ولا عقلي أن الذي يهتم بشريعته يذهب ولا ينصب خليفة، عندكم دليل أقوى من هذا الدليل؟ فكيف تقبلون أن الإمام الأصل وهو يعلم أن غيبته ستطول وتطول وتطول حتى يشك فيها خواص شيعته، يتركهم ولا يبين لهم الأمر هذا يقبل أساساً لمن له عقل سليم، لا أريد أن أقول لمن له فقاهة في الدين يقبل هذا المعنى، أساساً لو فعل الإمام هذا المعنى ماذا كنا نقول؟ نقول: يا ابن رسول الله أنت الذي تعلم أنك بعد ألف وخمسمائة سنة أو ألفين سنة أو خمسة آلاف سنة أو بعد 25 سنة بعد مليون سنة، أنا لا أعلم متى يظهر ولعله غداً يظهر. يعقل أن يترك … جنابك تريد أن تترك أطفالك لأسبوع وتذهب وترجع لا تتركهم، فلهذا يشير إلى هذا الدليل القويم والمستقيم يقول: (مما يظهر منه نظم زمان الغيبة لشيعتهم في كثير من الأمور الراجعة إليهم) إلى الأئمة، أعطوها لمن؟ نعم، فقهاء عصر الغيبة كالشيخ المفيد، تقول له: يا ابن رسول الله أنا قد أصيب وقد أخطأ، قال: أنت عليك أن تقوم بتكليفك بمقدار جهدك والباقي علينا، أنت أعمل بوظيفتك والباقي علينا، ولذا أنتم تجدون على مقاطع تاريخ الإمامية أن هناك منعطفات في تاريخ الإمامية لا دليل لها إلا عناية الإمام عليه السلام، وإلا لا تعلم لماذا أن الفقيه الذي كان ساكتاً لا يتكلم، مرة يخرج منه عمل يغير كل الموازين، من الذي دخل على الخط؟ الجواب: هم من دخل، وهذه العناية التي نعتقدها.
قال: (ولذلك جزم فيما سمعته من المراسم بتفويضهم عليهم السلام لهم في ذلك. نعم، لم يأذنوا لهم في زمن الغيبة ببعض الأمور التي يعلمون عدم حاجتهم إليها كجهاد الدعوة) يعني الجهاد الابتدائي وهذا بحث آخر سنقف عنده في وقته.
إذن هذا الكلام كلام فقيه مطلع على تمام خصوصيات فقه الأصحاب وكلمات أساطين فقه الإمامية.
ارجع إلى بحثي.
القسم الخامس: ويبدأ من هذه الآية المباركة وهي قوله تعالى في سورة الأحزاب: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم).
هذه الآية المباركة فيها أبحاث طويلة الذيل على مباني مدرسة أهل البيت، طبعاً في كلمات مفسري وفقهاء ومتكلمي غير مدرسة أهل البيت السنة وغير السنة واقعاً هذه الآية لم يعتنوا بها ذاك الاعتناء، واقعاً هذه الآية لم يعتنوا بها ذاك الاعتناء، الاعتناء وقع في هذه الآية في مدرسة أهل البيت.
أنا أشير إلى عناوين البحث وإلا التفاصيل فستأتي إن شاء الله في بحث آخر.
النقطة الأولى: ما هو المراد من الأولوية في الآية؟ هل الأولوية مقيدة أو الأولوية مطلقة؟
اتفقت كلمة محققي المفسرين أن الأولوية – يكون في علمكم لا الأشاعرة ولا المعتزلة ولا الإمامية ولا الظاهرية- كل تفاسيرهم قد راجعتها، كلهم متفقون أن الأولوية هنا أولوية مطلقة، ما معنى مطلقة؟ يعني في شؤون الدنيا، في شؤون الدنيا واضح باعتبار أن النبي أصل عمله في الشؤون الدينية، يقولون: لا، حتى في الشؤون الدنيوية أيضاً. أنا أقرأ عبارتين فقط لا أكثر:
العبارة الأولى هي للطبري الذي هو من معتمدي هذا المجال في ذيل هذه الآية المباركة، قال: (يقول أحق بالمؤمنين به من أنفسهم أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم) أصلاً ماذا يعجبه، رسول الله له الحق أن يحكم فيهم (فيجوز ذلك عليهم) يجوز في قبال عدم الجواز، لا الجواز الخاص يعني الإباحة الخاصة، لا، في قبال توهم عدم الجواز، هذا مورد.
المورد ا لثاني: ما ورد في (تفسير الطباطبائي) يقول: (ومعنى الأولوية رجحان الجانب إذا دار الأمر بينه وبين ما هو أولى منه فالمحصل أن ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ والكلاءة والمحبة والكرامة وإنفاذ الإرادة في كل ما يرتبط به ديناً ودنياً شخصياً وبنحو عام فالنبي أولى بذلك من نفسه) لو أراد رسول الله شيء والإنسان أراد شيئاً آخر أيهما يقدم؟ يقدم النبي (وكذا النبي أولى بهم فيما يتعلق بالأمور الدنيوية كل ذلك لمكان الإطلاق في قوله (النبي أولى)) وحذف المتعلق، أولى في ماذا؟ في كل شيء بلا قيد وبلا شرط، هذا البحث الأول.
البحث الثاني: هل أن هذه الأولوية التي أعطيت للنبي بالنسبة إلى المؤمنين (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) هل هي في الأبعاد التي لها ارتباط بالحياة الاجتماعية، لأنه تعلمون كل شخص منا له أبعاد فردية شخصية مرتبطة به كيف يعيش وكيف يأكل وكيف يشرب، في بيته، بمن يتزوج، أين يسافر أين لا يسافر، أين يجلس … الخ. وهناك قضايا مرتبطة بالحياة الاجتماعية، عندما نقول أن الرسول له الأولوية باعتباره حاكماً على الأمة فكل شيء يصدر من شخص وله بعد اجتماعي وسياسي فالنبي أولى به، أو حتى في أموره الشخصية الفردية؟
يصرح الشيخ الأعظم بأن الأولوية هنا مطلقة، قال في (ج3، ص546) قال: (إذا عرفت هذا فنقول مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشيء من الوجوه المذكورة خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي) طبعاً يقول (والأئمة) ولكن حديثي الآن في النبي لأن الآية صريحة في النبي (بالأدلة الأربعة لقوله (النبي)) ثم يذكر روايات (… وإما الإجماع فغير خفي وإما العقل القطعي فأيضاً المستقل منه وغير المستقل) الدليل العقلي المستقل والدليل العقلي غير المستقل، مجموعاً إلى ماذا يوصلنا؟ يقول: (والمقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهم من أن وجوب طاعة الإمام) بالمعنى الذي يشمل النبي (مختص بالأوامر الشرعية) نريد أن ندفع هذا (وأنه لا دليل على وجوب إطاعته في أوامره العرفية أو سلطنته على الأموال الأنفس) كلها نريد أن ندفع هذا التوهم الذي أشار إليه.
وكذلك السيد الخوئي في (مصباح الفقاهة، ج3، ص283) للتوحيدي (في ولايتهم بمعنى كونهم ولياً في التصرف على أموال الناس وأنفسهم مستقلاً فالظاهر أيضاً لا خلاف في ولايتهم على هذا النحو، وكونهم أولى بالتصرف في أموال الناس ورقابهم بتطليق زوجاتهم وبيع أموالهم وغير ذلك من التصرفات) هذين المثالين للأمور الشخصية، ولهذا في الأخير يشير إلى قضية مرتبطة بهذا المجال – من اللطائف يشير لها- يقول بأنه كان في عصر الشيخ صاحب الجواهر من يؤمن بهذه الولاية للفقيه، يعني الأولوية، موجودة أيضاً للفقيه الجامع للشرائط، يقول: (نسب إلى بعض معاصرين صاحب الجواهر أنه كان يقول بالولاية العامة للفقيه) يعني بما يشمل هذه المرتبة الخامسة (وكونه مستقلاً في التصرف في أموال الناس وأنفسهم واجتمع معه في مجلس) مع صاحب الجواهر، صاحب الجواهر نقضاً على ذلك الفقيه (وقال صاحب الجواهر له زوجتك طالق) باعتبار أنت تقبل أن الفقيه الجامع للشرائط له الصلاحية حتى في الأمور الشخصية أنا في هذا المجلس أريد أن أطلق زوجتك (فقال ذلك المعاصر له إن كنت متيقناً باجتهادك لاجتنبت زوجتي من الآن) أنا عندي مشكلة في الصغرى، لو كان ثبت لي أنك المجتهد الجامع للشرائط الذي ذكرته الروايات فحكمك نافذ عليّ.
هذا هو الأمر الثاني.
لا أريد أن أدخل في التفاصيل، ما هو دليل هذا، هل هو هذه الآيات فقط أو الأدلة العقلية وهو أنه أساساً العالم كله ملك الإمام عليه السلام، لا أدخل في التفاصيل أبحاث … سلام الله على أهل البيت لم يتركوا شيئاً لم يطرحوه لنا ولكن نحن أعمينا أبصارنا وبصائرنا وذهبنا إلى كتاب الطهارة وكتاب النجاسة، وإلا هذه الروايات التي تقول كل ما في العالم ملك الإمام، هذه أي ملكية؟ هذه ملكية تكوينية؟ طبعاً هو عندما يقول الدليل العقلي المستقل يقول (وهو أنهم أولي النعمة على البشر) هذه أي نعمة؟ والشيخ الأنصاري هذه عبارته، يقول: (والمستقل من الدليل وجوب شكر المنعم) هذا دليل وجوب شكر المنعم لمن؟ يقول مصداق هذا هم الأئمة (بعد معرفة أنهم أولياء النعم) سلام الله عليك يا إمام التوحيد في (نهج البلاغة) يقول: (لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم) لا يوجد أحد في عرضهم، لماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: (ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً) هذه أي نعمة التي جرت للأئمة على البشرية أبداً؟ هذا تعبير (أبداً) أحفظوه. هذه هي النقطة الثانية.
النقطة الثالثة: وهي أن ولاية النبي وإن كانت مطلقة في الأمور الاجتماعية والفردية ولكنها مقيدة بالمصلحة أو حتى بلا مصلحة، يعني هل هي من قبيل ولاية الأب على أولاده فأنه يحق لهم ولكن مع ا لغبطة والمصلحة وإلا لا يستطيع أن يتصرف فيها وإن كان ولي النعمة أو ولي على أولاده ولكن لا يستطيع أن يتصرف بلا مصلحة؟ الجواب الشيخ الأنصاري ممن يعتقد بأن أولويتهم مطلقة مع المصلحة وبلا مصلحة، هنا تفهم عقيدة هذا الرجل في مسائل الإمامة، هذا الرجل الإمامة كانت معالمها واضحة بشكل كبير عنده، بخلاف ما تجده في أزماننا بعض المتكلمين من الفقهاء وغيرهم عنده مشاكل في كثير من المسائل، والشيخ الأعظم عنده مسلمات.
في (المكاسب، ص548) يقول: (وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الأربعة بعد التتبع والتأمل أن للإمام) بالمعنى العام لأنه يعتقد أن النبي والإمام بدرجة واحدة في هذه القضية (أن للإمام سلطنة مطلقة على الرعية من قبل الله تعالى وأن تصرفهم نافذ على الرعية ماضٍ مطلقاً) مقيد أو مطلق؟ مطلق، فلهذا يقول مرتين: سلطنة مطلقة وكونه ماضً مطلقاً، ولذا تجدون مباشرة أن المحقق الإيرواني في حاشيته على المكاسب يقول: نقبل من الشيخ أنه له السلطنة ولكن فيما فيه المصلحة. هذا يكشف أنه فهم من كلام الشيخ، حاشية كتاب المكاسب للمحقق الإيرواني من الحواشي المهمة للمكاسب.
يقول: (فليس للنبي أخذ زوجة المؤمنين والتصرف في أموالهم إلا إذا رأى مصلحة في ذلك) إذن أولويته مطلقة أو مقيدة بالمصلحة؟ (فيطلق حينئذٍ زوجة من رأى مصلحته في الطلاق، ثم إذا رأى مصلحة المطلقة في أن ينكحها أيضاً أنكحها للغير …).
سؤال: -ولو على نحو الفتوى- الحق مع الشيخ أم الحق مع المحقق الإيرواني؟
الجواب: الحق معهما معاً، وسيأتي.
والحمد لله رب العالمين.