نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (179)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    كان الكلام في الروايات التي أثبتت وجوب الخمس في أرباح المكاسب والتجارات، ومن الواضح أن هذا النوع من الخمس لم يثبت عندنا بمقتضى الآية القرآنية التي تكلمت عن الخمس. وإلا أولئك الذين قالوا أن الغنيمة تشمل مطلق الفائدة أعم من أن تكون غنيمة دار الحرب أو الغنيمة بالمعنى الثاني أو الفائدة بالمعنى الثالث فهم في غنى من مثل هذا البحث، لأن الغنيمة بما تشمل الفائدة من النوع الثالث وهي التي يحصل عليها الإنسان من خلال الكسب والتجارة والعمل ثابت بمقتضى النص القرآني فتكون الروايات مؤيدة ودالة بدليل إضافي إلى المطلب، هذا مضافاً إلى الفروق الأساسية أنه إذا ثبت هذا النوع من الخمس بمقتضى الآية المباركة فأنه يثبت بعنوان أنه جزء من الشريعة وأنه ليس أمراً ولائياً، وهذا تقدم توضيحه مفصلاً في الأبحاث السابقة.

    نعم، بناء على أن الآية لا تدل ولا تشمل هذا النوع الثالث لابد أن نبحث عن دليل لإثبات وجوب الخمس أولاً، إن صح التعبير كان التامة، وثانياً عن دوام هذا الوجوب في عصر الغيبة ثانياً.

    إذن يوجد عندنا في أرباح المكاسب … طبعاً بعد أن ننتهي من هذين البحثين إذا ثبت أن الخمس ثابت ومستمر في عصر الغيبة الكبرى نبحث ما هو الموضوع؟ بماذا يتحقق؟ ومتى لا يتحقق؟ وهل هو قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ وما هو المراد من المؤونة؟ ونحو ذلك.

    هذه خارطة البحث حتى يتضح أننا الآن في أي موضع من البحث. إذن خارطة ا لبحث في وجوب الخمس في أرباح المكاسب يمر بهذه الطريقة، يكون بهذه الطريقة: أولاً إثبات كان التامة أن هذا الخمس واجب أو ليس بواجب، فإذا كان واجباً فهل هو واجب من النوع الأول من الخمس يعني جزء من الشريعة أو من النوع الثاني من الخمس الذي هو حكم ولائي صادر من الأئمة. فإن انتهينا من هذه المرحلة كما أنه ثبت عندنا في الأبحاث السابقة هل أن هذا الخمس مستمر في عصر الغيبة أو أنه ليس كذلك في عصر الغيبة؟ وهنا تأتي الروايات التي تكلمت عن التحليل، لأنه قد يقول قائل: سلمنا معكم أن الخمس في أرباح المكاسب شرع من قبل الله بناء على أنه حكم ثابت، أو من قبل الأئمة بناء على أنه حكم ولائي، ولكن الأئمة عليهم السلام رفعوا هذا الخمس في عصر غيبتهم، بأي دليل؟ قالوا بمقتضى روايات التحليل.

    إذن بعدما ننتهي من هذا البحث الأول وهو إثبات الخمس لابد أن ننتقل إلى البحث الثاني وهو أن هذا الخمس هل هو ثابت في عصر الغيبة، مستمر في عصر الغيبة الكبرى أو أن الأئمة رفعوا هذا الخمس عن شيعتهم في عصر الغيبة، هذا النوع لا الأنواع الأخرى من الخمس، لا علاقة لنا بخمس دار الحرب أو غنائم دار الحرب أو المعدن أو الركاز أو الغوص، ذاك له أبحاث أخرى. الآن كلامنا فيما يتعلق بخمس أرباح المكاسب. فإذا استطعنا أن نثبت أن روايات التحليل لا ترفع هذا النوع من الخمس حتى في عصر غيبته عليه أفضل الصلاة والسلام، عند ذلك ينفتح لنا بحث لبيان موضوع هذا الخمس، وإلا إذا ثبت أنه رُفِع هذا الخمس في عصر الغيبة فيكون البحث في الموضوع من باب السالبة بانتفاء الموضوع هو لا يجب خمس في عصر الغيبة حتى نبحث ما هو الموضوع وأنه ما هي شروط موضوع هذا الوجوب.

    كان حديثنا إذن في المقام الأول في البحث الأول وهي الأدلة.

    نقلنا مجموعة من الروايات في هذا المجال، ومن الروايات الواردة في هذا المجال هذه الرواية وهي بحسب الاصطلاح أو بحسب التسلسل الرواية السابعة الواردة في (وسائل الشيعة، ج9، ص499، رقم الحديث 12579، باب وجوب الخمس، الباب الثامن، الحديث الأول) >محمد بن الحسن< طبعاً الطوسي >بإسناده عن سعد بن عبد الله< ولا إشكال في السند يعني سند الشيخ إلى أبي عبد الله > عن أبي جعفر عن علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخمس؟< واضح أن هذه الألف واللام ليست ألف ولام الجنس، يعني أخبرني عن مطلق الخمس، ليس الأمر كذلك، بقرينة جواب الإمام عليه السلام. >أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع وكيف ذلك؟ فكتب بخطه عليه السلام< طبعاً هذا النص من حيث الدلالة واضح أنه يتكلم عما هو داخل في فائدته، أما خمس غنائم دار الحرب أساسا ًمرتبطة ببعض الأصحاب أو غير مرتبطة؟ لا، مرتبطة بالدولة هم يوزعونها فيما بينهم ويصل إلى الناس شيئاً منها أو لا يصل؟ لا يصل منها شيء. فيما يرتبط بالغوص وبالمعدن ونحو ذلك من الأمور هذه كاملاً تقريباً خارجة عن ابتلاء الناس. وما هو داخل في ابتلاء الناس هو أرباح المكاسب والتجارات. >فكتب بخطه عليه السلام: الخمس بعد المؤونة< طبعاً هذه الرواية تشير إلى أمرين:

    أولاً: أن الخمس ثابت.

    وثانياً: بعد مفروغية هذا الخمس، الإمام لا يقول بأنه بمجرد حصلت الفائدة يجب الخمس، وإنما يجب الخمس على ما يستفيده بعد المؤونة، وهذا مرتبط ببحث موضوع وجوب خمس أرباح المكاسب، الموضوع ما هو؟ ما هو متعلق هذا الوجوب، هل هو مطلق الفائدة أو الفائدة بعد إخراج المؤونة؟

    الرواية من حيث المضمون ومن حيث الدلالة من الروايات الجيدة تشير إلى أصل وجوب الخمس فلي ذلك، جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير، وكذلك تبين أيضاً موضوع هذا الخمس، يجب الخمس في هذه بعد إخراج المؤونة.

    إنما الكلام كل الكلام في سند هذه الرواية. طبعاً هذه من الأئمة المتأخرين عليهم السلام، يعني ليست من زمن الإمام الصادق أو زمن الإمام الكاظم، أبي جعفر الثاني.

    الرواية في سندها محمد بن الحسن الأشعري، فهل أنه ثقة أو ليس بثقة؟

    فيما يتعلق بمحمد بن الحسن الأشعري في (معجم رجال الحديث، ج15، ص203) طبعاً هذا الرجل مشترك بين عدة ولكن المقصود به في المقام هو هذا، يقول: >هو محمد بن الحسن بن أبي خالد القمي الأشعري من أصحاب الرضا، وتقدم عن النجاشي في ترجمة ابن إدريس والمعروف بشنبولة … وقال الوحيد:< طبعاً لا يوجد له توثيق هذا إلا هذا إن تم >وقال الوحيد: يظهر من غير واحد من الأخبار كونه وصي سعد بن سعد الأشعري< سعد بن سعد الأشعري من الأجلاء فهذا كان وصيه في تنفيذ الوصية من بعده. حاول البعض أن يستند إلى هذا لإثبات عدالته ولإثبات وثاقته ونحو ذلك. >وهو دليل الاعتماد والوثوق وحسن الحال وظاهر< الوحيد يقول هذا في حاشيته على منهج المقال >وظاهر في العدالة< ثم يقول السيد الخوئي: >ويدفعه: الوصاية لا تكشف عن العدالة ولا تدل على الاعتماد والوثوق بما هو راوٍ، وإنما يدل على الوثوق بأمانته وعدم خيانته وبين الأمرين عموم من وجه وعليه فالرجل مجهول الحال<.

    هذا بحث وهو أنه أساساً الوثاقة المطلوبة في الراوي ما هي، والوثاقة المطلوبة في الوصية ما هي؟ وهل بينهما عموم وخصوص من وجه أو لا؟ أبحاث تفصيلية لا أريد الآن أن أدخل فيها.

    ولكن في (خاتمة مستدرك الوسائل، ج9) للشيخ النوري، أو بتعبير آخر في (مستدرك الوسائل، ج27، ص30) يعتمد على الدليل الذي أشرنا إليه في البحث السابق وهو نقل الأجلاء عنه، طبعاً يجمع مجموعة من القرائن ومن القرائن هذه، يقول في رقم الترجمة (2415، ص30) يقول: >القمي الأشعري ويقال محمد بن الحسن الأشعري ويلقب بشنبولة يروي عنه في الكافي والتهذيب والاستبصار والفهرست الحسين سعيد وأحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن مهزيار والعباس بن معروف وإدريس بن عبد الله الأشعري وحمزة بن يعلى الأشعري، ظاهر أن رواية هؤلاء< الأعزاء يتذكرون نحن في البحث السابق قلنا لا دليل على كلية إذا نقل عنه راوٍ ثقة فهو ثقة، ولكن يمكن من خلال جمع القرائن لعله نستوضح أن الإنسان إن لم يكن عادلاً فأنه لا أقل حسن الحال، فالرواية إن لم تكن صحيحة فهي حسنة.

    يقول: >وظاهر أن رواية هؤلاء وفيهم< في هؤلاء الذين ينقلون عن محمد بن الحسن الأشعري القمي >وفيهم من كان يخرج الراوي عن الضعفاء عن قم< يعني كان متشدداً أنه لا ينقلون عن أحد >وظاهر أن رواية هؤلاء الأعلام عن أحد تورث الظن القوي بوثاقته< فإذا ضممنا إلى ذلك أنه كان وصياً لسعد بن سعد الأشعري، لأن الرواية >قلت لأبي الحسن جعلت فداك إني سألت أصحابنا عما أريد أن أسألك فلم أجد عندهم جواباً وقد اضطررت إلى مسألتك وأن سعد بن سعد أوصى إلي، فأوصى في وصيته حجوا عني والسند معتبر<.

    إذن هو وصي سعد بن سعد.

    فإذا جمعنا هذه القرائن إن لم يحصل لنا الوثوق، لأنه لا يوجد في الرجل تضعيف حتى نقول يقع التضعيف، وإنما هو مجهول الحال لم يرد فيه توثيق، فجمع القرائن وهو منهج مهم، تعالوا نخرج عن الحالة الرياضية في التوثيق والتضعيف، هذه الحالة التي وجدت من خلال مباني سيدنا الأستاذ السيد الخوئي، وواقعاً أضرت بكثير من الرجال عندنا وبكثير من الروايات عندنا، وهي حالة المسطرة حالة الأبيض والأسود، الحالة الرياضية ثقة أو ليس بثقة، إذا قال ثقة مقبول لم يقل ثقة فأنه إما ضعيف وإما مجهول الحال فاضربوا به عرض الجدار. ليس الأمر كذلك.

    والآن في زماننا هذه القضية بعض الناس في الأوساط العلمية معروف بالتقوى وبالزهد وبالعدالة والاطمئنان والوثاقة، وبعض الناس منزوٍ اجتماعياً خصوصاً في تلك الأزمنة التي كان فيها لا يستطيع الإنسان أن يبزر عن اعتقاداته ومتبنياته ولا يستطيع أن يكشف عن نفسه. أساساً الروايات في هذا المجال، توجد رواية في هذا المجال وهي >عن شنبولة، قال: قلت لأبي جعفر الثاني جعلت فداك أن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم تروَ عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال حدثوا بها فأنها حق<. إذا كانت الظروف بهذه الطريقة نحن كيف نتوقع أن الشيعة مشخصين رواتهم مشخصين علمائهم مشخصين … هذا الكلام قياس مع الفارق لم يكونوا يعيشون لا في قم ولا في النجف ولا في الحواضر العلمية المتفق عليها حتى يستطيع الإنسان أن يبرز نفسه بكل ما يعتقد من اعتقادات.

    إذن لابد من المصير إلى جمع القرائن لمعرفة أن الرجل ممن يعتمد عليه أو لا؟

    وفي اعتقادنا أن الرجل ممن نظن ظناً قوياً بوثاقته وعلى أقل التقادير فهو ممدوح الحال فالرواية تكون إما معتبرة وإما لا أقل تكون حسنة. هذه هي الرواية السابعة في المقام.

    الرواية الثامنة في المقام وهي الرواية الواردة في (وسائل الشيعة، ج9، ص504، رقم الحديث 12587) الرواية >وبإسناده< يعني الطوسي وهو سند تام >وبإسناده عن الريان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام< الجواد >ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة< بستان أقطعه أحد >فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى<.

    الرواية من حيث السند معتبرة ولا مجال أو لا كلام في سندها. إنما الكلام كل الكلام في مضمونها. طبعاً الرواية واضحة الإمام سلام الله عليه يقول: >يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى< إذن الخمس واجب.

    طبعاً هذه بنحو القضية المهملة، باعتبار أنه بعد المؤونة أو قبل المؤونة هذا الخمس الواجب أي نوع من الخمس، هذا كله غير موجود في الرواية وإنما السائل يسأل والأئمة عليهم السلام لم يكونوا يفصلون في كل مورد أن هذا ليس من النوع الأول وهذا من النوع الثاني كالرواية التي تقدمت في صحيحة علي بن مهزيار الأولى التي فصل فيها الإمام الجواد عليه السلام.

    المشكلة الموجودة في هذه الرواية هذه المشكلة فإن استطعنا تجاوزها فالرواية من حيث السند من خيرة الروايات في هذا الباب. وهي أنه يقول >ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة< السؤال المطروح: ما هو المراد من القطيعة؟ عند المراجعة جملة من الذين كتبوا في باب الخراج كانوا يصطلحون على الأرض التي تعطى من قبل الخليفة ومن قبل سلطان الوقت للبعض تسمى قطيعة، قطعة بستان، يعني أرض مزروعة تسمى قطيعة يعني أقطعني إياها. إذا تم هذا أنه هذه كانت من الضياع التي أقطعها السلطان للشخص والإمام قال فيها الخمس لعله هذا الخمس لأنه هذه الأراضي والضياع كانت من الفيء والأنفال للأئمة، الفيء والأنفال ثابت الخمس فيه بنص القرآن الكريم فهي من النوع الأول لا من النوع الثاني.

    ثم كانت هناك قضية مطروحة هذه إن شاء الله تعالى لعله في الأبحاث اللاحقة تأتي، وهو أنه الأئمة عليهم السلام، عندنا روايات صريحة في هذا وسنقرأ بعضها، وهو أنه بعض الشيعة كان يأتي إلى الإمام ويسأله أنه وصلني مال أو قطيعة أو ضيعة أو بستان ونعلم أن فيها حقكم. هذا الحق الثابت لهم بمقتضى آية الفيء والأنفال، هذا الحق كان ثابتاً لهم والإمام سلام الله عليه لتزكية ولتطهير هذا المال كان يأمر بإخراج الخمس، يعني بعبارة أخرى من مصاديق المال الحلال المختلط بالحرام. المال الذي فيه حق للأئمة عليهم السلام، ولذا إن شاء الله تعالى بعد ذلك سيأتي واحدة من أهم الوجوه لبيان مراد روايات التحليل قالوا هذا المعنى، لا أرباح المكاسب، يعني وصل إليك مال من السلطان ومن الآخرين ومن المخالفين وأنت تعلم يوجد فيه حق الأئمة، لأن هؤلاء لم يدفعوا حق الأئمة في الفيء والأنفال فالإمام عليه السلام قال بأنه أبحنا لكم لتطيب بهم أموالكم، مناكحكم وزواجكم ونكاحكم إلى غير ذلك.

    فإذا تم هذا الاحتمال ولا أقل وارد في هذه الرواية، إذن الرواية وإن كانت تامة سنداً إلا أنها لا تنفع في المقام فهي لا تدل على المقام لأنه يحتمل أنها من وجوب الخمس في المال الحلال الذي اختلط بحق الإمام عليه السلام من الخمس.

    إذن هذه الرواية لا يوجد فيها وضوح أنها مرتبطة بالخمس في أرباح المكاسب.

    الرواية الأخرى وهي الرواية التاسعة، رواية واردة عن محمد بن إدريس في آخر (السرائر، المستطرفات) >نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب< طبعاً ابن إدريس له طريق صحيح إلى هذا الكتاب >عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه< هذه جملة (والمنقطع إليه) أحفظوها >والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس، فكتب عليه السلام: الخمس في ذلك<. هذا هو المقطع الأول من الرواية.

    المقطع الثاني من الرواية >وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمئة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس، فكتب: أما ما أكل فلا، وأما البيع فنعم< هو كسائر الضياع التي توجد عند الإنسان ويتاجر بها فيجب عليه فيها الخمس.

    فيما يتعلق بهذه الرواية يوجد بحثان:

    البحث الأول: وهو البحث المتعلق بسند الرواية. من حيث السند فيما يتعلق بمحمد بن إدريس في المستطرفات وطريقه إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب طريق صحيح ولا إشكال فيه، إنما الكلام كل الكلام في أحمد بن هلال العبرتائي أو العبرتاني، على الاختلاف الموجود في هذا اللقب، هل هو ثقة أو ليس بثقة. هذا الرجل له روايات كثيرة في كتبنا أيضاً.

    فيما يتعلق بالعبرتائي، العبرتائي السيد الخوئي في كتابه (معجم رجال الحديث، ج2، ص354، الترجمة رقم 1005) قال: >أحمد بن هلال قال النجاشي … أحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائي أو العبرتايي< المهم ينقل كلام طويل إلى أن ينتهي إلى هذه القضية، أنا أريد أن أقرأ هذه ا لقاعدة اليوم وهي من القواعد المهمة، بغض النظر بأنه في أي مكان نستطيع تطبيقها ولكن هذه القاعدة تعد من القواعد الأساسية في علم الرجال عندنا.

    السيد الخوئي في (ص358) يقول: >أقول: لا ينبغي الإشكال في فساد الرجل من جهة عقيدته< لأن الروايات المنقولة عنه أو الروايات التي تبين عقيدة الرجل بعضها تكون كان مغالياً وبعضها تقول كان ناصبياً، المسافة كبيرة جداً 180 درجة، بعضها تقول كان مغالياً وبعضها تقول أنه كان ناصبياً، هذا معناه أنه لم يكن مستقراً على رأي، وفي هذا الزمان عندنا مثل هؤلاء تجده يوماً من الموالين المغالين وفي اليوم الثاني من المعارضين النواصب.

    يقول: >بل لا يبعد استفادة أنه لم يكن يتدين بشيء< لم يكن من أهل الدين بحسب المصلحة يوم كان يصير في هذا الهوى ويوم آخر يكون في ذاك الهوى. >ومن ثم كان يظهر الغلو مرة والنصب أخرى< لا اعتقاداً بهذا ولا اعتقاداً بذاك >ومع ذلك لا يهمنا إثبات ذلك< ومع ذلك لا يهمنا أنه كان فاسد العقيدة أو لم يكن فاسد العقيدة، كان من أهل الدين أو لم يكن من أهل الدين >إذ لا أثر لفساد العقيدة أو العمل< يعني من حيث العمل لم يكن ملتزماً بل كان فاسقاً >إذ لا أثر لفساد العقيدة أو العمل في سقوط الرواية عن الحجية بعد وثاقة الراوي< وهذا أصل مهم جداً في علم الرجال عندنا، ولعله نادر توجد في الاتجاهات الأخرى أنهم ينظرون إلى وثاقة الراوي، إذا كان ثقة تؤخذ منه الرواية، ثقة في النقل وثقة في الرواية، إذا ثبتت وثاقته في الرواية فلا علاقة لنا أنه من حيث العقيدة صحيح العقيدة أو فاسد العقيدة، من حيث السلوك عادل أو فاسق.

    كما أنه الآن السيرة العملية على هذا جنابك إذا وثقت بطبيب وأنه تشخيصه دقيق وأنه لا يخالف ما شخصه، لا أنه بحسب المصالح والأموال مرة يشخص هكذا ومرة يشخص هكذا، وإنما تثق بتشخيصه أنه صادق وعادل في هذا التشخيص، فهل تنظر إلى عقيدته صحيحة أو فاسدة، أصلاً ديدن الأكابر عندما يحتاجون إلى العلاج أو إلى الفحص التام يذهبون إلى بلاد الكفر، إذن النظر غير مرتبط بالعقيدة، وعندما يشخص لهم أنه أنت عندك قلب أو عندك ضغط أو عندك كذا، لا يقول له أن عقيدتك أو امتحنك بالعقيدة والسلوك وأنت تشرب الخمر أو لا تشرب الخمر، لا علاقة لنا بها. وهكذا الحياة العامة. وهذا ما لا نجده تقريباً في الاتجاهات الأخرى، هناك بمجرد أنه ثبت أنه يتشيع يوضع عليه خط أحمر، بمجرد أن يثبت أنه رافضي فلا يقبل منه.

    ولذا السيد الخوئي يقول عندنا دليل على وثاقته وعلى هذا الأساس فالرجل ثقة >فالمتحصل أن الظاهر أن أحمد بن هلال ثقة، غاية الأمر أنه كان فاسد العقيدة وفساد العقيدة لا يضر بصحة روايته على ما نراه من حجية خبر الثقة مطلقاً< كان صحيح العقيدة أم لا، كان صحيح السلوك أم لا. ولكن اعتماده على توثيقه قائم على ماذا؟ يقول: >أنه ورد في إسناد كامل الزيارات< فمن يقبل هذا الأصل الذي رجع عنه حتى السيد الخوئي وهو أن كل من ورد اسمه في كامل الزيارات فهذا الرجل يوجد عندنا توثيق عام له أو من التوثيقات العامة التي تثبت وثاقة الرجل. وفساد العقيدة لا تضر هذه الوثاقة.

    هذا مضافاً إلى أنه يوجد هناك توثيق خاص في الرجل، هذا التوثيق الخاص ورد في (النجاشي، ص83، رقم الترجمة 199) >قال أبو جعفر العبرتائي صالح الرواية< إذن هذا توثيق، انظروا أنه دقيق عبارة النجاشي، لا يوثقه في عقيدته أو في سلوكه، وإنما يوثقه في الرواية فقط، وهذا ما نحتاجه في وثاقة الرواية >يعرف منها وينكر وقد روي فيه ذموم من فلان ولا أعرف له ..<. إذن هذا التوثيق الخاص أيضاً وارد في العبرتائي. ولكنه في المقابل أيضاً يوجد فيه ذم شديد من جملة من الأعلام يمكن للأعزاء أن يراجعوا كتاب (الضعفاء من رجال الحديث، ج1، ص238) >أقوال العلماء فيه قال الشيخ الطوسي بان غالياً متهماً في دينه< الجواب يضر بالتوثيق أو لا يضر؟ لا يضر، لأننا نحتاج الوثاقة في الرواية وإن كان فاسد العقيدة، إذن من اعتمد على ذلك لتضعيفه هذا يدل أو أنه أعم من التضعيف؟ هذا أعم.

    وكذلك ورد في (تهذيب الأحكام) >أن أحمد بن هلال مشهور بالغلو واللعنة< وكذلك الصدوق في (كمال الدين) قال: >سعد بن سعد ابن عبد الله يقول: ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النصب إلا أحمد بن هلال<.

    ولكنه كما تقدم ضعفه جملة ، حكم عليه جملة بالتضعيف، منهم العلامة في (ج2، من الخلاصة) وابن داود في (ج2) وضعفه المجلسي في رجاله، وهكذا البهبودي في الضعفاء، وحكم بضعفه جملة من الأعلام كالمقدس الأردبيلي في (مجمع الفائدة) والسيد محمد العاملي في (مدارك الأحكام) والشيخ البهائي في (الحبل المتين) والسبزواري في (ذخيرة المعاد) والشيخ البحراني في (الحدائق) والسيد الطباطبائي في (رياض المسائل) والشيخ الأنصاري في (كتاب الطهارة) وآقا رضا الهمداني في (مصباح الفقيه) وغيرهم وغيرهم. هؤلاء كلهم ضعفوه والأمر إليكم أنه هل تقبلون كلام أن هذه تضعيفات منشأها فساد العقيدة وفساد العقيدة يضر أو لا يضر. هذا فيما يتعلق بسند الرواية.

    أما فيما يتعلق بمتن الرواية، المقطع الأول من الرواية >كتبت إليه في الرجل يهدي إليه المولى والمنقطع إليه< مرة مراد من المولى يعني المولى والعبد، ومرة مولاه يعني الحاكم كما احتمله بعض الفقهاء، فإذا كان المراد يهدي إليه الحاكم عند ذلك يدخل في الحلال المختلط بالحرام فلا ينفعنا شيء. هذا المقطع الأول من الرواية.

    أما المقطع الثاني من الرواية قال: >وعن الرجل< إذن يستكشف من هذا أما هذان المقطعان روايتان جمعتا في رواية واحدة، أو في الأقل إشارة إلى أمرين لا إلى أمر واحد >وعن الرجل<.

    الآن المقطع الأول … ونحن ذكرنا هذه القاعدة فيما سبق قلنا إذا كانت هناك رواية يوجد على مقطع منها إشكال هذا ليس معناه أن المقاطع الأخرى … إلا أنه يتضح أن هذه المقاطع مترابطة فله بحث آخر.

    أما المقطع الثاني >وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمئة درهم أو خمسين درهماً هل عليه الخمس، فكتب: أما ما أكل فلا وأما البيع فعليه الخمس< وواضح أن ما باعه مرتبط بأرباح التجارة والمكاسب. فالمقطع الثاني إذا تم سند الرواية فالمقطع الثاني تام.

    تبقى عندنا رواية أخيرة حتى ننتهي من هذا البحث، وهي الرواية العاشرة الواردة في المقام، وهي في (التهذيب، ج4، ص138، رقم الرواية 389) الرواية >عن سعد عن أبي جعفر عن محمد بن سنان عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أن حقك فيها ثابت< هذه إشارة إلى أي نوع من الأموال؟ هذا المرتبط بالحق الثابت لهم لا بالتجارة، يأتي الحاكم ويشتري منه شيئاً ويعطيه مالاً هذا المال معروف بأنه موظف أو عامل عند الدولة، هذه الأموال من الدولة التي فيها الفيء والأنفال وحق الإمام عليه السلام، >جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم< يقول هذا الحق لابد أن يدفعه لنا أولئك الحكام ولكن ليس من الإنصاف إذا وقع بين أيديكم أنتم تدفعون جريمة وضريبة أولئك وغرم أولئك، ولهذا لا يجب. ولذا قلنا أن جملة من الأعلام حملوا روايات التحليل على مثل هذا المضمون.

    هذه الرواية طبعاً بسند الشيخ فيها محمد بن سنان فمن عنده محمد بن سنان ضعيف فالرواية بسند الشيخ ضعيفة، أما بسند الصدوق فالرواية لا يوجد فيها محمد بن سنان، يعني في (من لا يحضره الفقيه، ج2، ص23) وروي عن يونس بن يعقوب بلا أن يوجد محمد سنان. فمن عنده محمد بن سنان غير معتبر لا يمكنه الاستناد إلى الرواية بطريق الشيخ، أما من اعتبره فتلك معتبرة، هذا مضافاً إلى أن رواية من لا يحضره الفقيه صحيحة، ولكن الرواية من حيث الدلالة لا تنفعنا شيئاً.

    فتلخص إلى هنا من هذه الروايات العشر – هناك روايات أخرى ولكنها في هذا السياق- فتلخص مما تقدم أن أصل الخمس في أرباح المكاسب مما لا ريب فيه، هذا الأصل الأول. والأصل الثاني أنه حكم ولائي صادر عن الأئمة المتأخرين كما استفدناه من الروايات، هذا هو الأصل الثاني. والأصل الثالث أنه أيضاً لم يدم عندنا دليل أن الحجة رفع هذا الحكم الولائي فهم مستمر اللهم إلا أن يقال وهذا هو البحث الثاني الذي سندخله غداً، وهو أنه روايات التحليل رفعت وجوب الخمس أو هذا الخمس غير واجب على الشيعة في عصر الغيبة.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/10
    • مرات التنزيل : 1168

  • جديد المرئيات