نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (187)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    في المقدمة لابد أن أشير بأنه غداً إن شاء الله ننتقل إلى مكان قليلاً أبعد من هذا المكان والعنوان بعد الدرس يُعطى للأعزة حتى أنه ننتقل إلى ذاك المكان.

    انتهى بنا البحث أعزائي إلى أنّه لابد من معرفة حقيقة الوجوب الذي ورد في فاضل مؤونة السنة, قلنا بأن الأحكام الصادرة من الشارع على نوعين, وأعتذر أن صوتي ما يصل إلى الآخر فأنا معذور, قلنا أن الأحكام الواردة من الشارع على نوعين:

    النوع الأول: هو الذي يُعد جزءً من الشريعة.

    النوع الثاني: هو الذي لا يمكن عدّه جزءً من الشريعة.

    هذا أصلٌ مهمٌ في معرفة الأحكام الشرعية, وما لم نلتفت إلى ذلك فقد نُعد جملةً من الأحكام الشرعية التي هي من النوع الثاني فنجعلها من النوع الأول مع اختلاف خصوصيات هذين النوعين من الأحكام.

    الأمر الآخر: هو أنّ هذين النوعين من الأحكام فيما بينهما عموم وخصوص من وجه, بمعنى: أنّ بين هذين النوعين مشتركات وبينهما أيضاً مختصات, لكل منهما جملة من الاختصاصات, ومن أهم المشتركات بين هذين النوعين هو أنّه تجب طاعة كل منهما على حدٍ سواء, يعني لا يقال بأنه إذا كان من النوع الأول فطاعته نحوٌ وإذا كان من النوع الثاني فطاعته بنحوٍ آخر, لا, كل الآثار المترتبة على الإطاعة والمعصية والثواب والعقاب كما هي موجودة للنوع الأول موجودة للنوع الثاني.

    بعبارة أخرى: الأحكام الولائية الصادرة من النبي يرد فيها قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} كما يرد في النوع الأول من الأحكام {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} هذه {أطيعوا الرسول} ليس مختص بالنوع الأول من الأحكام يعني تلك التي يكون فيها مبلغاً عن الله, لا حتى النوع الثاني من الأحكام التي هي الأحكام الولائية.

    وهذه نقطة مهمة وأساسية لابد أن يلتفت إليها.

    الأمر الثالث: قلنا أنّه وقع الكلام بين الأعلام في أنّ وجوب الخمس في فاضل المؤونة هل هو من النوع الأول من الأحكام التي تُعد جزءً من الشريعة كالصلاة والصوم والزكاة, أو أنها ليست كذلك هي من النوع الثاني من الأحكام التي لا تُعد جزءً من الشريعة.

    ومن أهم خصائص هذا النوع الثاني أنّها بالإضافة إلى أنها ليست جزءً من الشريعة هي متغيرة من زمان إلى زمان آخر, ومن ظرف إلى ظرف آخر. فهل أن وجوب الخمس في فاضل المؤونة من النوع الأول أو من النوع الثاني؟

    أشرنا في البحث السابق قلنا: المشهور بين فقهاء الإمامية أنّ الوجوب الثابت للخمس في أرباح المكاسب هو من النوع الأول, كالخمس في غنائم القتال وفي غنائم دار الحرب, هذا هو المشهور, ولكننا قلنا قول آخر يوجد في المسألة وهو: أنّ هذا الوجوب هو من النوع الثاني وهو الذي اخترناه في البحث السابق, وفي السنة الماضية تفصيلاً. فالحكم وهو الوجوب الثابت لأرباح المكاسب حكمٌ ولائيٌ صدر من بعض الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) لظروف خاصةٍ مرّ بها شيعتهم فوضعوا هذا الوجوب في أرباح المكاسب. وإلا لعله لو ارتفعت تلك الشروط لما وجد هذا الوجوب أو إذا لم تتحقق تلك الظروف لما وجد هذا الوجوب أصلا. وأقمنا قرائن متعددة لإثبات أن هذا الوجوب هو من النوع الثاني لا من النوع الأول.

    وهنا قد يستدل لإثبات أنّ وجوب الخمس في أرباح المكاسب هو من النوع الثاني بروايات التحليل, هذا المعنى يتذكر الأعزة أننا أشرنا إليه في السنة الماضية, قلنا: قد استدل البعض أنّ هذا الوجوب هو وجوبٌ ولائي وحكمٌ ولائي برواية التحليل التي هي قد يُدعى تواترها في المقام معنىً, لماذا بأي بيان؟ ببيان أنّ وجوب الخمس لو كان من الأحكام الثابتة في الشريعة ومن أجزاء الشريعة الثابتة لما كان وضعه بيد الإمام حتى يكون رفعه بيد الإمام, وحيث أننا وجدنا أن الإمام رفع الخمس هنا إذن كان وضعه أيضاً بيده, وهذا يكشف عن أنه ليس حكماً يُعد من أجزاء الشريعة, ولذا نحن لا نجد أن الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) في موارد أخرى قال رفعت عنكم وجوب الصوم مثلاً, أو رفعت عنكم وجوب الحج مثلاً ونحو ذلك.

    إذن عندما يُرفع أو يُحلل الخُمس في المقام يكشف عن أنّ هذا الوجوب لم يكن وجوباً من النوع الأول الذي هو جزءٌ ثابت من الشريعة وإنما هو وجوب من النوع الثاني. فهل هذا الاستدلال أعزائي تامٌ أو ليس بتام؟

    في مقام الجواب -التفتوا أعزائي- لتأسيس أصل آخر مهم لابد أن يلتفت إليه في فهم الأحكام الصادرة من الشارع, أعزائي: ليس في كل موردٍ دلّ الدليل على ارتفاع الحكم إذن هو حكمٌ ولائي, لا ليس الأمر كذلك, لا ملازمة بين عدم إجراء الحكم وبين كون ذلك الحكم حكمٌ ولائي, بل قد يكون الحكم حكماً ثابتاً وجزءً من الشريعة ومع ذلك قد يرتفع في ظرف دون ظرفٍ آخر, وهذه نقطة مهمة لابد أن نلتفت إليها في فهم الأحكام الشرعية.

    البعض قد يستغرب وهو أنّه إذا كان هذا الحكم من الأحكام الثابتة في الشريعة, وإذا كان هذا الحكم من الأجزاء المكونة للشريعة فكيف يُعقل أن الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) -الإمام الأصل- أن الإمام إما أن يُحلله كما في أخبار التحليل, أو يرفعه كما في موارد أخرى. وكم له نظير في أحكامنا الشرعية, ما لم نفهم هذا الأصل لا يمكن أن نفهم جملة من فتاوى فقهائنا (قدس الله نفسهم) أضرب لكم بعض الأمثلة.

    في الجهاد الابتدائي, الجهاد الابتدائي هل كان موجوداً في عهد رسول الله أو لم يكن؟ نعم, كان مشرعاً الجهاد الابتدائي.

    إقامة الحدود هل كانت تقام في عهد رسول الله أو لا تقام؟ الجواب: نعم, كانت تقام.

    صلاة الجمعة هل كانت تقام في عهد رسول الله أو لا تقام؟ نعم, تقام.

    إذن لماذا عندما انتهينا إلى عصر الغيبة نجد أن جملة من فقهاء الإمامية قالوا لا تجب إقامة صلاة الجمعة ولا تجب إقامة الحدود, ولا يجب الجهاد الابتدائي, كيف يمكن التوفيق بين هذين الأمرين؟ هذه المقولة واقعاً قد تثير في الإنسان تساؤلاً كبيراً واستفهاماً كبيراً, كيف يمكن لأحكام شرعية ثابتةٍ بالكتاب والسنّة هذه الأحكام إذا غاب الإمام الأصل أو السلطان العادل -بتعبيرهم هذا الاصطلاح في الأعم الأغلب عندما يطلق يراد به الإمام المعصوم وإن كان البعض لا يوافق على ذلك سأشير إليه- كيف يمكن أن نفترض أن حكماً ثابتاً بالقرآن والسنّة ولكن مع غيبة الإمام يُعطّل ذلك الحكم أو لا أقل -ما أعبر التعطيل- لا يُقام ذلك الحكم, أو لا يجب إقامة ذلك الحكم؟ هل له تصور صحيح أو ليس له تصور صحيح؟

    فلنضع يدنا على صلاة الجمعة –كمثال- حتى أنّه نقترب من مسألة التحليل في خمس أرباح المكاسب, وأنّه محلل وإذا ثبت تحليله فبأي بيان فني لهذه القضية.

    أعزائي في صلاة الجمعة تعلمون بأنّه توجد عدّة أبحاث:

    البحث الأول -المطروح في صلاة الجمعة وفي الأعم الأغلب يغفل عنه ويكون مغفولاً عنه- وهو: أنّ صلاة الجمعة في عصر النبي تشريعها على النبي في عصر حضوره هل كان تعيينياً أو كان تخييرياً؟ كأنّ المركوز في أذهان الأعزة أنه الصلاة كان وجوبها تعييني, ولكن هذا أول الكلام, واقعاً هناك بحثٌ مهم بين الفقهاء أنّ وجوب أصل صلاة الجمعة الذي ثبت من خلال البحث القرآني وهو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} بالإضافة إلى الروايات الواردة في ذيل هذه الآية أو بنحوٍ مستقل, هل أنّ وجوب صلاة الجمعة مع حضور النبي’ -الآن لا ننتقل- أو مع خلافة أمير المؤمنين – الآن غير الأئمة غير الذين بيدهم السلطان الحكومة بحث آخر- هل كان وجوباً تعيينياً أو كان وجوباً تخييرياً؟

    جملة من الفقهاء متقدمين متأخرين يقولون أن أصل الوجوب كان وجوب تخييري ولم يكن وجوباً تعيينيا, ومنهم السيد إسماعيل الصدر+, السيد إسماعيل الصدر هو الأخ الأكبر لسيدنا الشهيد السيد محمد باقر الصدر, في كتابٍ له (اللمعة في حكم صلاة الجمعة, تقرير لما أفاده السيد الأستاذ العلامة الحجة المجاهد آية الله السيد إسماعيل الصدر, بقلم سماحة الحجة آية الله السيد الشهيد محمد الصدر) هذه من التقريرات التي صدرت أخيراً للسيد محمد الصدر+, هناك في (ص84) من الكتاب, يقول: [وتلخص من مجموع ما ذكرناه أنّه لا ريب في وجوب صلاة الجمعة حال وجود السلطان العادل ولكن لا دليل عندنا على نحو وجوبها هل هو على نحو التعيين أو التخيير, كما أنه … الخ].

    إذن هنا يبين بنحو الإجمال أنّه لا يوجد عندنا دليل على أن هذا الوجوب وجوب تعييني إذن هذه قضية الآن ليست محل ابتلائنا لها محل بحث آخر.

    البحث الثاني -في صلاة الجمعة حتى يتضح بحثي, هذا المثال أنا ضربته أولاً: محل ابتلاء الناس أولاً مع ابتلاء المكلفين, وثانياً: أيضاً يوضح لنا فيما يتعلق بأخبار التحليل.

    البحث الثاني: وهو أنّه ما هو حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة الكبرى؟ أعزائي هناك لا أقل سبعة أقوال في المسألة, حتى ذهب قولٌ إلى أنها محرمة ذاتاً لا تشريعاً, الأعزة الذين يريدون أن يراجعون من (ص97, من هذه الرسالة, إلى ص99) يقول: [قولٌ بأنها محرمة ذاتاً وقول يقول محرمة تشريعاً وقول.. فهذه سبعة أقوال يمكن أن تحمل عليها كلمات العلماء من السلف والخلف].

    الآن ما هو منشأ هذا الاختلاف؟ هذه النكتة التفتوا جيداً, لماذا اختلف الفقهاء حكمٌ صادر في أصل الكتاب في القرآن سواء كان تعيينياً أو كان تخييرياً فمن يقول بوجوبها التعييني يجب أيضاً في عصر الغيبة الوجوب التعييني ومن يقول بوجوبها التخييري أيضاً في عصر الغيبة يقول بوجوبها التخييري. لماذا إذن هذا الاختلاف؟

    الجواب أعزائي: مرتبط بهذه النقطة, التفتوا إليها جيداً, وهي: أنّ هذا الحكم وهو إقامة صلاة الجمعة تعييناً أو تخييراً هل هي مشروطة بوجود الإمام الأصل أو الإمام المعصوم. وبعبارة أوضح وبعبارة أخرى: هل هي مشروطة بحضوره -وإلا هو موجود (عليه أفضل الصلاة والسلام)- بحضوره وقدرته على إقامتها أو أنّه غير مشروط بذلك؟

    من الواضح صلاة الظهر واجبة عليك مشروطة بحضور الإمام أو غير مشروطة؟ لا غير مشروطة, سواء كان الإمام حاضراً أو كان غائباً فصلاة الظهر واجبة عليك, الصوم واجب عليك سواء كان الإمام حاضراً أم لم يكن حاضراً الصوم واجب عليك, صلاة الجمعة أيضاًِ كذلك؟ سواء كان الإمام حاضراً أم لم يكن حاضراً فتجب إقامتها في عصر الغيبة؟ هذا هو منشأ الاختلاف.

    جملة من فقهاء الإمامية فهموا من الأدلة أنّه ما لم يكن الإمام المعصوم حاضراً فلا تجب صلاة الجمعة, بعبارة أخرى: أن إقامة صلاة الجمعة مشروطة بحضور الإمام المعصوم (عليه أفضل الصلاة والسلام).

    نعم, وقع عندهم بحث آخر وهو أنّ هذا الشرط هل هو على نحو مقدمة الوجوب أو على نحو مقدمة الواجب أي منهما؟ يعني: هل هو من قبيل الاستطاعة بالنسبة إلى الحج أو من قبيل الوضوء بالنسبة إلى الصلاة أي منهما؟ فإذا قلنا أنّ حضور الإمام شرط كالاستطاعة فمع عدم حضوره لا وجوب لصلاة الجمعة, كما لا وجوب للحج مع عدم الاستطاعة.

    سؤال: وهل يجب تحصيل الاستطاعة أو لا يجب التحصيل؟ هنا أيضاً لا يجب علينا تحصيل ماذا؟ تحصيل حضور الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام). نعم, إذا حضر بنحو القضية الشرطية تجب إقامة صلاة الجمعة, إن لم يحضر لا تجب إقامة صلاة الجمعة, وإذا كان بنحو مقدمة الواجب شرط الواجب مقدمة الواجب, لا, مع عدم حضوره واجبة ولكن لا تصح, هذا هو الفرق بين كونها شرط الوجوب أو مقدمة واجب, إذا قلنا أنها مقدمة واجب فصلاة الجمعة في عصر الغيبة أيضاً واجبة من قبيل إذا دخل الزوال صلاة الظهر واجبة ولكن متى تصح >لا صلاة إلا بطهور< لابد أن يتوضأ.

    من هنا دخل الأعلام (قدس الله نفسهم) في بحث وهو: أنّ حضور المعصوم ليس داخل في قدرة المكلف حتى يجب تحصيلها إذن كيف نقول مقدمة واجب وخارجة عن اختيار المكلف, ذاك بحث آخر.

    إذن أعزائي الذين تجدون أنّهم عندهم تأمل في مسألة وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة الكبرى, وبعضٌ يحتاط بعدم الاكتفاء, و… إلى آخر الآثار, منشأه أنه فهم من الأدلة أن حضور المعصوم شرطٌ إما بنحو شرط الوجوب أو بنحو مقدمة الواجب.

    اللهم إلا أن يقال: أنّ الأدلة الدالة على الشرطية يعني السلطان العادل هذا لا يُراد من السلطان العادل يعني الإمام المعصوم, وإنما المراد من السلطان العادل يعني الحاكم العادل وإلا مع عدم وجود الحاكم, ومن هنا ذهب جملة من الفقهاء إلى أنّ النسبة بين عنوان السلطان العادل والإمام المعصوم هي العموم والخصوص من وجه.

    فقد يكون إماماً وليس بسلطان وقد يكون سلطاناً عادلاً وليس بإمام, وقد يكون إماماً وسلطاناً عادلاً, كما في عهد أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام), هذا بحث آخر.

    إذن أعزائي هذه المسألة وأمثال هذه المسألة ماذا؟ إقامة الحدود, هل هي مشروطة بحضور الإمام المعصوم أو غير مشروطة؟ بحثٌ مهمٌ وأصلٌ -وهذا الذي أعبر عنه مفاتيح عملية الاستنباط- واقعاً هذا مفتاح من مفاتيح عملية الاستنباط.

    الجهاد الابتدائي هل هو مشروط بحضور الإمام أو السلطان العادل إذا قلنا أن عنوان السلطان العادل أعم إذا قلنا مراد مساوي لا مشكلة, أما إذا قلنا أعم هل هو مشروط أو ليس بمشروط؟

    وبحث أهم من هذا جميعاً إقامة الدولة في عصر الغيبة, هل هو مشروط أيضاً بحضور الإمام المعصوم أو ليس بمشروط؟ هذه كلها أبحاث مرتبطة بتحقيق هذا الأصل الأولي أنّ هناك جملة من الأحكام الفقهية الثابتة بأصل الشريعة كتاباً وسنة وهي من النوع الأول ومع ذلك قد يقال بعدم وجوب إقامتها في عصر الغيبة الكبرى, ولا تنافي بين الأمرين, ما أدري استطعت أن أوصل الفكرة للأعزة, إذن كثيراً لا تستغرب إذا جاء فقيه مع أنّه يقول أن الحكم ثابت قرآنياً ولكنّه يأتي إلى عصر الغيبة يقول ليس من وظيفته إقامته.

    من هنا تظهر الثمرة الكبيرة, طبعاً مسألة التحليل أيضاً من هذا القبيل, مسألة تحليل الخمس الخمس في أرباح المكاسب في عصر الغيبة الكبرى أيضاً تكون من هذا القبيل, حتى لو قبل الفقيه أنّها حكمٌ من النوع الأول, ولكن لا ملازمة أنّه إذن يجب أدائها في عصر الغيبة الكبرى, فقد يعتقد أنها ثابتة بالنص القرآني وأن آية سورة الأنفال تثبت الخمس في أرباح المكاسب ولكن مع ذلك يقول لا يجب أدائها في عصر الغيبة, لماذا؟ يقول باعتبار أن الوجوب فيها مشروطٌ بحضور الإمام المعصوم ومع عدم حضوره فهي واجبة أو غير واجبة؟ ومن هنا تأتي أهمية أبحاث أخبار التحليل, يعني أخبار التحليل ليست مختصة بهذا المبنى الفقهي في وجوب الخمس في أرباح المكاسب أو ذاك من النوع الأول أو من النوع الثاني.

    وهنا أعزائي يأتي هذا البحث, طبعاً ليس في هذا السياق لا فقط في مسألة الجمعة الحدود الجهاد الابتدائي و… إلى آخره, تأتي مسألة أنّ الذين أرجع إليهم الأئمة في عصر الغيبة.

    نحن نعلم أنّ الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) كانوا يعلمون بأنّ غيبة أو لا أقل الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت, لا إشكال ولا شبهة كان يعلم أنّ غيبته تطول, والروايات في ذلك كثيرة جداً لا فقط من الإمام الثاني عشر من الأئمة السابقين, أنّه يغيب حتى يشك فيه كذا وكذا, هذا معناه أنهم كانوا يتصورون أن يقولون أن غيبته قريبة أو أن غيبته بعيدة جداً.

    سؤال: هل يُعقل أن الإمام الثاني عشر وهو يعلم أنّه ستطول غيبته عن شيعته أو ستطول غيبة شيعته عنه الذي هو الأدق, وإلا هو ليس غائب عنّا نحن الغائبون عنه, وإلا هو حاضر في متن الزمان والمكان ولكن نحن نعيش معه أو لا نعيش معه, وإلا لو كنّا بمستوى أطروحته لظهر علينا ولكنه يعلم أننا نحن بقدر الأطروحة أو لسنا بقدر الأطروحة, فالتأخير نحن سببه كما هو واضح.

    هل يُعقل أن الإمام يترك شيعته بلا مرجعية يؤولون إليها في عصر غيبته؟ لا نحتاج أن نذهب إلى أدلة ولاية الفقيه ونحو ذلك, أصلاً أعزائي جملتين ولا أريد أن أطيل على الأعزة, ما هو دليلنا على ضرورة نصب الخلافة بعد رسول الله ما هو الدليل؟ قلنا أن رسول الله هل يعقل أن يذهب ويترك الأمة بلا إمام قيم يقوم بإدارة شؤونها, نفس هذا الدليل هناك سميه عقلي سميه عقلائي سميه ما تشاء, نفسه يرد أين؟ يرد هنا وهو أنّه يجب عقلاً عقلائياً أنّ الأمة لا تترك سدى لابد من وجود من يقوم بإدارة أمرها, هنا ولدت نظرية المرجعيات الدينية في عصر الغيبة, ما أدري واضح هذا المعنى, أتصور أصل الكبرى لا يناقش فيها اثنان.

    نعم, وقع الاختلاف أن هذا الذي أرجع إليه في أي حدود أرجع إليه؟ ما أدري استطعت أن أوصل فكرتي الآن.

    لا إشكال أن الإمام لم يترك شيعته سُدى بلا قيم وبلا مرجع بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الاصطلاحي في الحوزة, بالمعنى اللغوي لا يمكن أن يتركهم سُدى في أمان الله أنا ذاهب وأأتي بعد خمسة آلاف سنة, ما يعقل هذا المعنى, أنت تريد أن تترك بيت ساعتين تقول إذا صارت فلان حادثة فارجعوا إلى فلان, فما بالك إذا تريد أن تسافر شهر أو شهرين سنة أو سنتين, فما بالك تريد أن تترك الأمة لخمسة آلاف سنة أو ألف سنة أو ألف وأربعمائة سنة أياً كان, ولكنّه إلى أي حدٍ أرجعتم إليه أرجع إليه؟

    هنا يوجد اتجاهان:

    اتجاه: يرى بأن الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) لم يُرجع إلا في حدود الفتوى في أمور الحلال والحرام والقضاء بين المسلمين, انتهى وليس إلا, وهذا الذي قال ولكن إنما الثابت عندنا أنّ للمجتهد فقط حق الفتوى والقضاء بين المسلمين, انتهى فقط هذا الذي أوكل إليهم, وهذا الذي سار عليه سيدنا الأستاذ السيد الخوئي في كتاب التنقيح, فهنا لا تصدق لا النيابة الخاصة ولا النيابة العامة بالمعنى المصطلح, النيابة الخاصة يعني الإمام نصب شخصاً معيناً, طيب من الواضح أن فقهاء عصر الغيبة لم ينصبهم الإمام بشكل شخصي, ولا النيابة العامة لأنه نائب عام عن الإمام أو ليس نائباً عاماً؟ ليس نائباً عاماً, يقول وظيفتي تنحصر في ماذا؟ قولوا معي ماذا؟ في مسائل الحلال والحرام في مسائل ينبغي ولا ينبغي >وإذا وقع التنازع بينكم إنما أقضي بينكم بالبيانات والأيمان< حتى ليست وظيفتي إذا لم تلتزم أنّه أجبرك على الالتزام, أنا أقول الحق لفلان يقول ما أدفع يقول موفقين الله يوم القيامة يحاسبك أنا لست مسؤولاً, يعني تذهب إلى المجتهد يقضي في مسألةٍ ثم يخرج المدعى ثم يخرج من عليه الحق يقول لا أدفع, من له الحق يرجع إلى المجتهد يقول سيدنا هذا ما يدفع؟ يقول له والله ماذا استطيع أن أفعل اذهب إلى رب العالمين أنا ما أقدر, لماذا؟ لأنه ما عنده وظيفة إقامة دولة ووظيفة قضاء وشَرَطة حتى يأخذ الحق ماذا؟ ليست من وظيفتي في عصر الغيبة.

    ولذا أنتم عندما ترجعون أعزائي عندما ترجعون إلى النصوص وإلى سلوك علمائنا من غير أن تفهموا هذه الحقيقة واقعاً قد تصابوا بالعجب العجاب لا أبداً على المبنى يتحرك, يعني الأمة كذا وكذا تقول له لماذا لا تتدخل؟ يقول ليست من وظيفتي أنا وواقعاً ليست من وظيفته لماذا؟ لأنه معتقد أن وظيفته أن يكتب رسالة عملية وهو كاتب رسالة عملية وإذا جاؤوه إلى منه وأرادوا أن يقضي بين المتخاصمين يقضي وإذا لم يأتوه فليست بوظيفته هذه, إذن هو مسؤول عن شيء آخر أو غير مسؤول؟ غير مسؤول مبنى فقهي هذا ما فيه مشكلة, الأمة تتوقع منه أكثر من اللازم وإلا الأمة لابد أن تفهم أن هذا الإنسان هذا المجتهد بحسب مبانيه الفقهية يعتقد أنه لا مدخلية له لا وظيفة له لا مسؤولية عليه أبداً.

    عند ذلك لا حاجة لا للنقد ولا للعتب ولا للاعتراض و.. نعم, يبقى العتب والاعتراض في أنه هذا مبناك قل للناس أجمعين أن هذا مبناي فلماذا ترجعون إليّ؟ اذهبوا إلى من هو مبناه الأمر الثاني, أو الاتجاه الثاني, ما هو؟ يقول: لا, أن كل الوظائف التي كانت على عاتق إمام الأصل في حضوره انتقلت لمن؟ إلى المرجعية الدينية في عصر غيبته إلا ما أخرجه الدليل كما أخرجناه في العام الماضي {النبي أولى بالمؤمنين} قلنا هذه ليس بثابتة وبعض الأحكام الأخرى.

    وهذا هو مصطلح النيابة العامة, إلا أن يقال بأن المراد من النيابة العامة يعني الذي لم يخصصه لا, المراد من النيابة العامة هنا عندما أطلقها يعني دائرة الصلاحيات لا النيابة العامة في قبال الخاصة يعني لم ينصبه خاصاً ونصبه عاماً لا لا, وإنما مرادي من العامة يعني دائرة.

    ولذا تعبير السيد إسماعيل الصدر+ يقول: [نعم بناء على ما يدعيه بعض الأعلام من وجود النيابة العامة للفقيه] ماذا يعبر عنها؟ [ما يدعيه] واضح الإشكال واضح ما يحتاج لأحد أن يقول ما هو مبناه, أصلاً السيد يعبر عنه إدعاء هذا, جيد. هذه وجهة نظر محترمة فيا ليت في حوزاتنا العلمية يحترم بعضنا البعض الآخر في وجهات النظر ولكن بشرطها وشروطها أن يكون صاحب نظر وإلا ليس كل أحد يأتي ويقول بأنه هذه وجهة نظري.

    قال: [وأنه ينوب عن الإمام في جميع الأمور] يعني حضوره يعني وجوده كوجود من؟ وهذا الذي قراناها في العام الماضي – ولا أريد أن أطيل على الأعزة- قراناها من صاحب الجواهر تتذكرون قال أصلاً كل ما كان حجة في حضوره فالفقيه الجامع للشرائط حجة في غيابه. ما أدري واضح المسلك.

    نعم, نحن هنا في هذه المسألة نختلف مع مشهور فقهائنا في أمرين:

    أولاً: نحن نعتقد بأنه له كل ما للإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) الآن لا تذهبون مباشرة إلى نظرية ولاية الفقيه, نظرية ولاية الفقيه التي أسس لها السيد الإمام+, فيها أبعاد سياسية أنا ما أتكلم الآن عن الأبعاد السياسية, أنا أتكلم عن الأبعاد مهمة التصدي لبيان الدين وحفظ ثغوره بغض النظر عن أن يكون قائد سياسي أو ماذا؟ أنا ما عبرت عنها ولاية الفقيه لأنه الآن في أذهان نظرية ولاية الفقيه فيها بُعد ماذا؟ قيادة سياسية في الأمة.

    أنا ما أتكلم ذاك بحث آخر, أنا أتكلم أن كل الوظائف, ما هي وظيفة الإمام في عصر حضوره هل يكتب رسالة عملية ويقضي بين الناس أو عندما يصير شبهات في العقائد والملاحدة يدخلون والإشكالات تكثر الإمام عنده وظيفة أو ما عنده وظيفة ماذا تقولون؟ هذه موكولة إلى الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة أو ليست موكولة؟ أو نحلها نقول بأن أصول الدين لا يجب فيها التقليد كلها نحولها مرةً واحدة إلى العوام انتهى ليست مسؤوليتي أنا ما هي علاقتي أصلاً لا يوجد فيها تقليد, وهو مسؤول عن الأمور التي فيها تقليد وأصول الدين لا تقليد إذن ما عنده مسؤوليات.

    أنا في هذه القضية أختلف أقول أن الفقيه في عصر الغيبة لا يكفي أن يكون مبيناً للحلال والحرام بل لابد أن يكون بالإضافة إلى ذلك مبيناً لمسائل الاعتقاد ومجيباً على الشبهات وحافظاً لثغور المذهب. كيف أنّه القائد العام للقوات المسلحة إذا أي دولة مجاورة دخلت على متر واحد على الأرض ماذا يفعل؟ يقول ليس مهم أو يجيش الجيوش لإخراجه ولو من سنتيمتر واحد, العالم الديني في عصر الغيبة وظيفته ماذا؟ حفظ ثغور المذهب, حفظ حدود المذهب, حفظ قواعد المذهب, ومن هنا قلت بأنه: الذي يريد أن يتصدى لأمور المرجعية في الأمة لا يكفي أن يكون صاحب حلال وحرام ورسالة عملية, هذه غير كافية لإدارة الأمة, قلت لكم الآن اتركوا البعد السياسي له بحث آخر, لا, افترضوا في العراق الآن, افترضوا الآن في هند وباكستان, التي نحن أقلية هناك, هناك ليست الحكومة بيدنا, ولكن وظيفة عالم الدين في باكستان في الهند, -عمي دعونا من العراق أخاف يخلق لنا مشكلة- تعالوا إلى الهند والباكستان, الهند والباكستان شيعة موجودين وظيفة عالم الدين هناك فقط أن يبين الحلال والحرام أو أن يحفظ الشيعة في كل عقيدتها؟ يوجد عاقل يقول بأن وظيفته الحلال والحرام فقط؟

    إذن فتلخص أعزائي: هذه القضية لابد أن تحل عندك أنت كفاضل كأستاذ في الحوزة في الرتبة السابقة حتى نأتي إلى الأبحاث اللاحقة.

    إن شاء الله غداً في المكان الجديد الذي هو مقابل مدرسة شيخ فاضل اللكنراني يعني: ميدان معلم, كاملاً هناك ما تبعد عن هنا إلا خمسمائة متر أو سبعمائة متر في نفس الوقت غداً الساعة التاسعة فقهنا وأصولنا سيكون في ذلك المكان, والأعزة الآن سوف يوزعون العنوان, ونشكر الأعزة الإخوة في المنتدى اللبناني في هذه المدة التي كنا هنا.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/10
    • مرات التنزيل : 1029

  • جديد المرئيات