نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (209)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    و به نستعين

    و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين

    يتذكر الأعزة أنّ الحديث كان في التوقيع الصادر من الإمام الثاني عشر, وقلنا: أن هذا التوقيع من حيث السند لا إشكال فيه, ووقفنا أو قلنا: أننا نقف عند مقطعين من هذا الحديث, أو من هذا التوقيع.

    المقطع الأوّل: وإن كان خارجاً بنحوٍ من الأنحاء عن بحثنا في باب الخُمس, إلاَّ أنّه مرتبطٍ به, أي: ببحث الخمس بنحوٍ من الأنحاء.

    المقطع الثاني: وهو ما يتعلق بالتحليل الوارد في هذا التوقيع.

    أما المقطع الأوّل الذي وقفنا عنده فهو ما يرتبط بقوله (عليه أفضل الصلاة والسلام): >وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجةُ الله<.

    هذا المقطع أعزائي حتّى نستبق الأبحاث -فقط أشير بنحو الفتوى وإن شاء الله تعالى تقدم الكلام وسيأتي لاحقاً- يرتبط ببحث الخمس من هذه الجهة, وهي: أنّ هؤلاء الذين أرجع إليهم, لأنّهم الرواية واضحة >فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا< أنّ هؤلاء الذين أُرجع إليهم هل لهم صلاحية إصدار الأحكام الولائية أو ليست لهم ذلك؟ هذه مقدمة.

    فإذا ثبت أنّ هذا النص يثبت لراوي الحديث بحسب لفظ الحديث, يثبت أن له صلاحية إصدار الأحكام الولائية, فإذا ضممنا إليها مقدمة ثانية وهي: أن وضع الخمس في فاضل المؤونة هو حكمٌ ولائي -كما سيتضح لاحقاً- إذن الفقيه في عصر الغيبة الكبرى له صلاحية وضع هذا الخمس أو عدم وضعه؟ أما إذا قلنا أن هذا الحديث أو أن هذا المقطع الصادر من الناحية المقدسة أنه لا يدل على مثل الصلاحية فواقعاً لابدَّ أن نبحث عن دليلٍ آخر.

    نحن عندما وقفنا عند هذا النص للوصول إلى هذه النكتة, وهي: ما هي الصلاحيات التي أعطيت لرواة الحديث في عصر الغيبة الكبرى؟

    فيما سبق يتذكر الأعزة قلنا: بأنَّ هذا النص فيه أبحاث متعددة, طبعاً نحن وقفنا عند بعضها وإلا هذا النص يمكن أن يستفاد منها أبحاث أخرى كثيرة, على سبيل المثال لا نبحثها ولكنه فقط نعنونها للأعزة حتّى يتضح أن هذا النص فيه فوائد جمّة. أن الإمام× قال: >وأما الحوادث الواقعة< وقد تقدم أننا استفدنا الإطلاق من الحوادث لا خصوص حوادث معينة, >فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا< إذن هل يجوز للأمة أن تنتخب حاكماً رئيساً قاضياً أو أي شيء آخر لا ينطبق عليه هذا العنوان أو لا يجوز لها ذلك؟

    أدلة القائلين بأنه: في عصر الغيبة لا يحق للأمة إلاَّ أن تنتخب من؟ المجتهد الجامع للشرائط واحدة من أدلتهم هذا التوقيع الصادر من الناحية, يقولون: لأن الإمام يأمر بالرجوع إلى رواة الحديث, فأنت ليس من حقك أن تنتخب من لا ينطبق عليه عنوان رواة حديثنا.

    وهذه قضية مهمة جداً أنه هل في عصر الغيبة الكبرى هل يحق للأمة أن تنتخب إنساناً أميناً قوياً خبيراً في إدارة الأمة ولكنه ليس من رواة الحديث يعني ليس مجتهداً جامعاً للشرائع, هل يحق لهم ذلك أو أنهم منعوا عن ذلك نهوا عن ذلك وإنما أمروا بالرجوع إلى رواة الحديث؟ على أي الأحوال. أبحاث كثيرة أعزائي موجودة في هذا النص المبارك الصادر من الإمام.

    فيما تقدم أعزائي يتذكر -فقط من باب الاستذكار- قلنا: بأنّه هناك اتجاهٌ يرى أن هذا الحديث يدل على الإطلاق والعموم, بمعنى: أنّ كلّ ما ثبت للإمام وكل ما كان الإمام المعصوم فيه حجةٌ على الناس انتقلت لمن في عصر الغيبة الكبرى؟ انتقلت لرواة الحديث, وأنا هنا أعبر عن رواة الحديث لا يذهب ذهنك إلى من ينقل الحديث, وإنما المراد من رواة الحديث ماذا؟ رواة الحديث يعني: من يكون قوله حجةً في معالم الدين؟ لا من يكون قوله حجةً في نقل الرواية, وإلا فلا معنى لقوله: >فإنهم حجتي عليكم<, أساساً رواة الحديث يعني من ينقل الرواية إليّ هو حجةٌ عليّ؟ لا لا, قوله يكون, أما هل يبين معالم الدين أو لا يبين معالم الدين؟ لا يبين معالم الدين, والإمام يقول: >حجةٌ عليكم< هؤلاء رواة الحديث >فإنهم حجتي عليكم<. راوي الحديث بما هو راوي الحديث كيف يمكن أن يكون حجةً عليّ.

    إذن لا إشكال ولا شبهة أن المراد من رواة الحديث ليس معناه اللغوي, الآن المجتهد أو غير المجتهد له بحث آخر, راوي الحديث بما هو راوي الحديث ليس المراد بقرينة >فإنهم حجتي عليكم< لا أقوالهم حجة, وهذا تقدم الكلام عنه مفصلاً فيما سبق.

    إذن >فإنّهم حجتي عليكم< ما هو المراد ما هي الدائرة؟ فقط أنا أشير كما تقدم والأعزة يتذكرون أنه وقفنا عند هذا الكلام في (الجواهر لصاحب الجواهر, ج40, ص18) قال: [ويمكن بناء ذلك على إرادة النصب العام في كلّ شيءٍ على وجهٍ يكون له ما للإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام)] ويتذكر الأعزة فقط أذكر الأعزة هذه الأبحاث تقدم الكلام عنها, قلنا: خصوصاً إذا أشكل مشكلٌ: أن ظروف صدور الحديث يثبت هذه النكتة. وهي: أن الإمام في أواخر غيبته الصغرى السائل يسأله يا ابن رسول الله بعد أن تغيب ماذا نفعل؟ أنت كنت كنّا نرجع إليك, بعدك لمن نرجع؟ قال: ارجعوا إلى رواة حديثنا, بينكم وبين الله الرجوع إلى رواة الحديث يحل المشكلة أو لا يحل المشكلة؟ يعني ناقل الروايات هل يقوم بدور هو الدور الذي كان يقوم به الإمام المعصوم في عصر الحضور؟ لا إشكال ولا شبهة أنه لا يمكنه أنه يقوم بنفس ذلك الدور.

    إلى أن يقول: [بل هو مقتضى قول صاحب الزمان >وأما الحوادث الواقعة…<] إلى أن يقول: [ضرورة كون المراد منه >أنهم حجتي عليكم< في جميع ما أنا فيه حجة الله عليكم إلاَّ ما خرج] الذي أشرنا إليه فيما سبق.

    هذا هو هذه الدعوى التي أسسنا لها وأقمنا القرائن وأثبتناها.

    إلاَّ أنه في مقابل هذه الدعوى قد يقال: أنّه هذا الكلام صحيحٌ لولا وجود قرينة لفظية في الرواية تمنع من هذه الصلاحيات ومن هذا الإطلاق. لا قرينة ألف ولام حوادث العهد لا لا, لا ليس تلك القرينة, التفتوا جيداً إذا يتذكر الأعزة, كان عندنا كلام أنّه قد يقول قائل: أنه الحوادث ليست مطلقة؟ نحن هذا أجبنا عنه فيما سبق, لا, المستدل يريد أن يستدل بقرينةٍ أخرى وهي قوله×: >فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا< يسأل هذا السؤال: يقول: راوي الحديث حتّى لو أخذتموه بالمعنى الاستنباطي, مرّة يراد من راوي الحديث يعني: ناقل الحديث, كما هو الاتجاه الأخباري.

    طيب من الواضح عنده ولاية في عصر الغيبة أو لا توجد عنده ولاية؟ من الواضح لا توجد له ولاية إلاَّ بأنَّ يبين الأحاديث, الآن أنتم تريدون أن تتوسعوا -الاتجاه الأصولي- تقولون: المراد من رواة الحديث ماذا؟ من يجتهدوا في حديثنا, طيب من يجتهدوا في حديثنا لاستنباط ماذا؟ لاستنباط الأحكام الشرعية, إذن كلّ ما تفيده الرواية هي ولاية الفتوى لا أكثر من ذلك, هذا من قبيل أن الشارع يقول: ارجعوا للطبيب, يقول: وأمّا الأمراض الكذا فارجعوا فيها إلى الأطباء, هذه قيد الأطباء يعني بما هو حيثية ماذا؟ كونه طبيباً, فهل يمكن أن يستفاد حيثية أخرى من النص أو لا يمكن الاستفادة؟ وراوي الحديث حتّى لو توسعتم فيه لا يفيد إلاَّ من يفتي على أساس الأحاديث, أما ولاية القضاء توجد عنده أو لا توجد عنده؟ لا أقل الرواية لا تدل على ذلك, ولاية إقامة الحدود, ولاية إجراء الأمور القضائية, أصلاً ولاية الأحكام الولائية هذه يستفاد من الحديث أو لا؟ >ارجعوا فيها إلى رواة حديثنا< يعني هذه الحيثية لابدَّ أن تكون محفوظة, والأحكام الولائية بما هم رواة حديثنا أو بما هم ينشأون حكماً جديداً لا علاقة لهم برواة الحديث.

    بعبارةٍ أخرى: راوي الحديث يبلغ أحكام الله, أما الذي ينشأ الأحكام الولائية يبلغ أو ينشأ حكماً ولائياً؟ ينشأ حكماً ولائياً لا أنه يستفيده من كونه راوي الحديث.

    إذن, هذه الرواية بقرينة قوله >رواة حديثنا< لا يستفاد منها أكثر من ولاية الإفتاء. حتّى ولاية القضاء فضلاً عن ولاية إقامة الحدود, فضلاً عن ولاية الأحكام الولائية لا يمكن استفادتها من هذا النص.

    ولذا يتذكر الأعزة فيما سبق أن السيد الخوئي عندما وصل إلى هذه الرواية, قال: بأنه لا تنفع أكثر من ولاية الإفتاء, وعلى هذا الأساس في (مستند العروة الوثقى) كما أشرنا فيما سبق في الجزء الثاني قال: [وملخص الكلام في المقام إن إعطاء الإمام× منصب القضاء] فضلاً عن إقامة الحدود ونحو ذلك, [منصب القضاء للعلماء أو غيرهم لم يثبت بأي دليلٍ لفظي معتبرٍ ليتمسك بإطلاقه]. نعم, في التنقيح ماذا قال؟ وسع القضية, قال: [الإفتاء والقضاء] الآن ذاك له بحث آخر, ولكنّه هنا, وهكذا عندما جاء في مصباح الفقاهة, هناك صرّح لأنه عرض لهذه الرواية التي قراناها عن الشيخ, قراناها من (كتاب الغيبة) قال: [فتحصل] في (ص293, من مصباح الفقاهة) هناك قال: [فتحصل من جميع ما ذكرنا أنه ليس للفقيه ولاية على أموال الناس] التفتوا جيداً [ليس للفقيه ولاية على أموال الناس وأنفسهم ومن هنا اتضح أنه] التفتوا إلى هذه النكتة [أنه ليس له إجبار الناس على جباية الخمس والزكاة وسائر الحقوق الواجبة, نعم وظيفة الفقيه في عصر الغيبة أن يقول لهم الزكاة واجبة, فإذا استطاع كان مبسوط اليد ويستطع أن يأخذ الزكاة, يجوز له أن يجبرهم على دفع الزكاة أو لا يجوز؟ فما بالك بإقامة الحدود, الآن تقول: إذن السيد الخوئي يرى, لا لا, إذا قلت, أقوله: من باب الأمور الحسبية لا من باب الدليل ماذا؟ من باب حفظ النظام وعناوين أخرى, وإلا الدليل لم يجز لي أن أجبره أن أدفع ماذا؟

    بعبارةٍ أخرى: النبي’ يبعث الساعي لجباية الصدقة والذي ما يدفع الصدقة له حساب وله عقاب, {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} لا أنّه شرّع لهم الصدقة, بيّن لهم وجوب الزكاة وجوب الخمس, وجوب الحدود إذا فعل كذا, إذا فعل كذا عليه أن تقيم الحد.

    ولذا على أقصى ما يدل حتّى لو دلت الأمور الحسبية على القضاء, تدل على أنه يقول الحق هذا المال لزيدٍ ولابد أن يؤخذ من عمر ولكن يستطيع أن يجبر عمر على أن يدفع مال زيد أو لا يحق له ذلك؟ لا يحق له ذلك, كلّ الذي يحق له أن يحكم أن يقضي في التخاصم أن هذا حق فلان وأن ذاك ليس له الحق.

    ولذا في عبارة أخرى توجد عنده واضحة, يقول: [واستدل …, فإنَّ هذا مناسب للرجوع إليه في الشيء >فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا< [فإنّ المناسب للرجوع إليه في الشيء ليس الرجوع إليه في. .. بل هذا هو المناسب, ليس إلاَّ الرجوع إليه في حكم الواقع] فقط ليس إلاَّ [بل هذا هو المناسب للرجوع إلى الرواة فإنّهم لا يدرون إلاَّ حكم الواقعة فليس لهم إلاَّ ولاية الإفتاء]. هذا كله من أين يستفيده السيد الخوئي؟ يستفيده من عنوان >رواة حديثنا< طبعاً يفسر رواة الحديث يقول إما بمعنى من ينقل الرواية أو من يفتي على أساس الرواية. فعلى سبيل الفرض حتّى لو قلنا على أساس من يفتي على أساس الرواية إذن ولاية الإفتاء.

    نعم في (ص300) يقول: [فتحصل أنه ليس للفقيه ولاية بكلا الوجهين, لا ولاية بنحو الاستقلال ولا ولاية بنحو الإذن في التصرف] الذي كلاهما كان ثابت لمن؟ للإمام المعصوم×, [على أموال الناس وأنفسهم فليس له أن يزوج بنتاً صغيراً لابن صغير أو كبير] هذه الولاية التي ثابتة لمن؟ للأب, يقول هذه الولاية ثابتة للفقيه في عصر الغيبة؟ يقول: لا ليست ثابتة [ولا تزويج ابن صغير, ولا يجوز له بيع داره إلاَّ أن يكون الصغير بدون ذلك في معرض التلف فيدخل تحت الأمور الحسبية] لا من باب الدليل اللفظي, [نعم له الولاية في بعض الموارد لكن لا بدليلٍ لفظي] يعني لا بمقتضى هذا النص [بل بمقتضى الأصل العملي] ما هو الأصل العملي؟ وهو أنه نعلم من الشارع ضرورة وقوع بعض الأمور في الخارج.

    هذه القرينة في نفسها تامة أو غير تامة؟

    الجواب: أجبنا إجمالاً فيما سبق عن هذه القرينة, هذا المنهج قائم أساساً هذه القرينة قائمة على منهجٍ هذا المنهج لم نوافق عليه فيما سبق وهو أنه الإنسان يأتي إلى النص يجرده عن كلّ الظروف المحيطة به, ثمَّ النص أيضاً يقطعه تقطيعات ويأخذ مقطعاً منه ويقول لا يدل, ولكن أعزائي قلنا مراراً أن هذا المنهج واقعاً لا يوصلنا إلى فهم النصوص. يستطيع أن يفسر النص ولكن لا يستطيع أن يعطي رؤية صحيحة عن النص, هذا النص صدر من من؟ صدر من الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) وهو في أخريات حياة غيبته الصغرى, والسائل يسأله يبن رسول الله, أنت ستغيب عنّا كنت تقوم بكل أمورنا, بعدك لمن نرجع؟ قال: >ارجعوا إلى رواة حديثنا< التفتوا جيداً, >ارجعوا فيها إلى رواة حديثنا< انظروا إلى التعليل.

    قرأتم في محله, أن التعليل ماذا يفعل؟ إما يضيق وإما يوسع, لا أقل التعليل يوضح المراد, قال الإمام× >فإنّهم حجتي عليكم< إذا كانت وظيفة الفقيه هي الإفتاء وبيان أحكام الله, فإنّهم حجته علينا أو حجة الله علينا, أي منهما؟ لأنه يبين أحكام الله سبحانه وتعالى, الفقيه عندما يقول الشيء الكذائي واجب والشيء الكذائي حرام, والشيء الكذائي صحيح هذا يبين أحكام الإمام× أو يبين أحكام الله؟ فلابدَّ كان أن يقول: فإنّهم لا حجتي عليكم, فإنّهم أمناء الله على الحلال والحرام, كما في موارد أخرى, في موارد أخرى عندما أراد أن يبين حيثية الإفتاء في رواة الحديث قال لأنهم ماذا؟ >لأنهم الأمناءُ على حلاله وحرامه<. لو كان الإمام بصدد بيان نكتة الإفتاء وأنّ هذا يريد أن يبين أحكام الحوادث والوقائع, طيب ليس حجتي هؤلاء وإنما حجة من؟

    ولذا الشيخ الأنصاري+, أشار إلى هذه النكتة وإلى جواب هذه النكتة, في (المكاسب, ج3, ص556, هذه الطبعة الحديثة) قال: [ومنها: التعليل بكونهم حجتي عليكم, فإنّه إنَّما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر فكان هذا منصب ولاة الإمام من قبل نفسه] لأنه قال ماذا؟ >حجتي< نسبه إلى نفسه.

    ولذا تجدون أن الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) فيما يتعلق بالخمس ما يتعلق بالخمس الثابت بالقرآن يقولون حق الله, ما يتعلق بأرباح المكاسب يقولون ماذا؟ حقي, حقنا, هذه النكات لابدَّ أن يلتفت إليها, >فإنهم< قال: [هذا منصب ولاة الإمام من قبل نفسه لا أنّه واجبٌ من قبل الله سبحانه على الفقيه بعد غيبة الإمام, وإلا كان المناسب أن يقول إنهم حجج الله عليكم لا حجتي عليكم]. ما أدري واضحة هذه النكتة, هذا أولاً.

    وثانياً: إذا كان هؤلاء وظيفتهم بيان الأحكام الشرعية فقط ليس إلاَّ, هذا ما معنى جملة >وأنا حجة الله< لها حاجة أو ليست لها حاجة؟ إمام يريد أن يضع لنا من نرجع إليه في الإفتاء وقد أرجع إلينا ماذا؟ >وأنا حجة الله< ما هو معناه؟

    بعبارة أخرى, التفتوا, في جملة واحدة حتّى لا نطيل على الأعزة: أن الفقيه في عصر الغيبة الكبرى أو راوي الحديث بحسب نص الرواية, هم وسائط بين الله وبين العباد لبيان الأحكام أم هم وسائط بين الإمام وبين الناس لإدارة الأمة أي منهما؟ لو كان الإمام يريد أن يبين أنّ هؤلاء نحن ما دمنا حاضرين وظاهرين نحن الوسائط في بيان الأحكام, فإذا غبنا من يقوم مقامنا؟ هؤلاء, طيب صحيح, فإذن هم حجج الله, الأمناء على حلاله وحرامه, لأنهم وسائط كما أنا كنت واسطة في بيان الحكم الآن في عصر الغيبة من هو الواسطة؟ رواة الحديث.

    ولكن الإمام يريد أن يبين نكتة أخرى, لا لا, يقول: في عصر الظهور المرجعية لمن؟ إلينا, أما في عصر الغيبة التي أيديكم تنقطع عنّا, نحن من جعلنا عليكم لإدارة أموركم؟ هؤلاء جعلنا, رواة الحديث, فهم الواسطة لا بين الله وبين العباد لبيان الأحكام, بل هم الوسائط بين الإمام المفترض الطاعة علينا, وبين ماذا؟ وبين العباد لإقامة كلّ ما من شأنه مرتبط بالإمام, فلهذا الإمام قال: >فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله< وهذه هي النكتة التي أوضحها وأشرنا إليها إجمالاً فيما سبق الفقيه الهمداني في (مصباح الفقيه, ج14, طبعة جامعة مدرسين, ص289) بشكل واضح وصريح يقول: [ولكنّ الذي يظهر بالتدبر في التوقيع المروي عن إمام العصر الذي هو عمدة دليل النصب] النائب العام المنصوب من قبل الإمام [إنَّما هو إقامة الفقيه المتمسك برواياتهم] من أين جئت بعنوان المتمسك برواياتهم؟ هذا العنوان من أين جاء؟ بعنوان >رواة حديثنا< هذا قيد هذا مقيد, هذه حيثية تقيّد [المتمسك برواياتهم مقامه بإرجاع الشيعة إليه في كلّ ما يكون الإمام مرجعاً فيه كي لا يبقى شيعته متحيرين في أزمنة الغيبة] إلى أن قال: [ومن تدبر في هذا التوقيع يرى أنّه× قد أراد بهذا التوقيع إتمام الحجة على شيعته في زمان غيبته] يعني دفع دخل مقدر, يا ابن رسول الله تريد أن تنقطع عنّا تغيب عنّا, أين نذهب من خلفك؟ أنتم تقولون بأنه هدايتنا تكون بواسطتكم ماذا نفعل وأنتم غائبون عنّا؟ قال: [بجعل الرواة حجة عليهم على وجه لا يسع لأحد أن يتخطى عمّا فرضه الله معتذراً بغيبة الإمام لا مجرد حجية قولهم في نقل الرواية أو الفتوى] لماذا؟ يقول: [فإنَّ هذا مع أنه لا يناسبه التعبير بحجتي عليكم] لو كان المراد أن يبين هؤلاء ولاية الإفتاء لا معنى لأن يقول حجتي عليكم, [مع أن هذا لا يناسبه تعبير حجتي عليكم, لا يتفرع عليه مرجعيتهم في الحوادث, والحاصل: أنّه يُفهم من تفريع إرجاع الشيعة إلى الرواة على جعلهم حجّة عليهم أنه أريد بجعلهم حجة إقامتهم مقامه فيما يرجع فيه إليه لا مجرد حجية قولهم في نقل الرواية والفتوى] فيتم المطلوب وهو: أنّ الفقيه أو راوي الحديث بالمعنى الذي أشرنا إليه, بهذه القرائن الخارجية المحيطة بالرواية وبهذه القرائن الداخلية, >فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله< يثبت له لا فقط ولاية الإفتاء بل ولاية الإفتاء يعني: كلّ ما كان ثابتاً لمن؟ كلّ ما كان ثابتاً للإمام المعصوم, من ولاية البيان كان هناك هنا ولاية الإفتاء, إلى ولاية القضاء, إلى ولاية إقامة الحدود, وإلى ولاية الأنفس, وإلى ولاية الأموال, إلاَّ ما خرج بالدليل, بل أكثر من ذلك وإلى ولاية إصدار الأحكام الولائية.

    يبقى هنا تساؤل أخير, لعله سؤال أو سؤالين حتّى ننتهي ونرجع إلى روايات التحليل.

    سؤال أخير وهو: أنّه هل أعطيت ولاية إصدار الأحكام الولائية لرواة الحديث مطلقا أو لها ضوابط ما هي ضوابط إصدار الأحكام الولائية, يعني كلّ من صار من رواة الحديث بتعبير الإمام من حقه أن يصدر أو أنه وإذا أصدر يكون شاملاً للآخرين أو لا؟ هذه تحتاج إلى نكتة بيان لأنه أيضاً محل الابتلاء كثيراً.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/10
    • مرات التنزيل : 1564

  • جديد المرئيات