بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين
كان الكلام في المواقف التي اتخذت إزاء روايات التحليل وهي رواياتٌ كثيرة أشرنا إليها فيما سبق, وذكرنا مراراً أن هذه المسألة وهي روايات تحليل الخمس الصادرة عن الأئمة جميعاً برواياتٍ صحيحةٍ معتبرةٍ متفق على صحتها واعتبارها, تُعد من المسائل الشائكة في فقه الإمامية.
والشاهد على ذلك أنه انتهت إلى أقوال إلى ما يتجاوز خمسة عشر قول في المسألة, وهذا يكشف عن تعقيد هذه المسألة والروايات الواردة فيها.
ومن هنا صار البناء على أننا نقف تفصيلاً عند روايات التحليل والمواقف التي ذكرت بإزائها.
أما الموقف الأوّل الذي أشرنا إليه وهو: عدم الاعتناء بهذا الروايات إطلاقاً, إما لشذوذها وإما لإعراض الأصحاب عنها, وإما, وأما.. لأي سبب كأنها لم تكن لا اعتبار بها لا في عصر الحضور ولا في عصر الغيبة.
هذا الموقف الأوّل, قلنا: أنه يمكن أن يذكر له وجهان:
الوجه الأوّل: وهو إدعاء أن المحلِل ليس مالكاً لما حلل, الإمام المعصوم له حقٌ معين في الخمس وليس له حقٌ أكثر من ذلك, ومن الواضح أنه يكون تحليلٌ ممّن لا يملك التحليل, هذا الوجه نحن أشرنا إليه وبينّا جوابه الفني, وقلنا: أن الأمر ليس كذلك, وأنّه أساساً الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) يملكون كلّ ما يملكه الناس, ولكنه بالبيان المتقدم بنحو الطولية لا بنحو العرضية, استناداً إلى قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} مضافاً إلى الروايات الواردة في المقام التي أشرنا إلى قصة من قصص هذا النزاع في الرواية التي نقلناها من أصول الكافي, لم تكن تلك رواية وإنما كانت قصة نقلت في أصول الكافي. هذا الوجه الأوّل وعدم تمامية هذا الوجه.
الوجه الثاني: هو الوجه الذي قلنا يبتني على مقدمتين أساسيتين:
المقدمة الأولى: أن أخبار التحليل هي أخبار آحاد, هذا أولاً بالمعنى المصطلح من الآحاد يعني خبر واحد وإنما أخبار لا تصل إلى حد التواتر والقطع.
المقدمة الثانية: أن أخبار الآحاد ليست حجة في الموضوعات والمقام من الموضوعات لأن التحليل ليس تحليل حكمي وإنما هو تحليل مالكي يعني أن المالك يحلل ما هو مالك له, فيدخل في الشبهة الموضوعية لا في الشبهة الحكمية كما أوضحنا ذلك.
هذا الوجه الثاني قلنا من الوجوه الفنية التي ذكرها الأعلام, ولعله بدأ هذا الوجه من الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه, ومن هنا ذكره الأعلام بكل دقةٍ ووقفوا عنده.
أما المقدمة الأولى فذكرنا في البحث السابق بأنَّ على المنهج السندي فالأمر كذلك, وهو أنه أخبار آحاد, ما هو المنهج السندي؟ يعلم الأعزة وقفنا عنده مفصلاً فيما سبق, قلنا: هو الذي يجعل الملاك التام في قبول الرواية وعدم قبولها صحة السند وعدم صحة السند, هذا الذي وقف عنده كثيراً سيدنا الأستاذ السيّد الخوئي+, وتبعه على ذلك بعض تلامذته كسيدنا الشهيد+ وقلنا فيما سبق أن هذا المنهج غير مقبول عندنا بتاتاً, وإنما المنهج الذي نقبله هو المنهج القائم على جمع القرائن, وهو المنهج المعروف والمشهور بين علماء الإمامية قديماً وحديثاً. يعني: قبل ورود هذا الاصطلاح في كتب أعلام فقهائنا كالعلامة وبعد ذلك, وبعد ورود هذا الاصطلاح المنهج القائم هو منهج جمع القرائن, أعزائي, التفتوا جيداً.
حتّى السيّد الخوئي+ في موارد متعددة أيضاً لم يستند إلى المنهج السندي وإنما إلى منهج جمع القرائن, هذا المنهج الذي يتذكر الأعزة الذي أشرنا إليه أو لا, الآن لطول المدة أنا فقط أشير إلى مصدرين في هذا المجال وهو الذي أشار إليه الفقيه الهمداني في (مصباح الفقيه, الطبعة المعروفة عندكم, ص60) قال: [وكيف كان فالرواية بحسب الظاهر من الروايات المعتبرة التي لا يجوز ردّها من غير معارض مكافأ, إذ ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية على اتصافها بالصحة المصطلحة] هذه الصحة التي جاءتنا من الحلي وما بعد ذلك [وإلا] لو أردنا أن نستند إلى هذا [وإلا فلا يكاد يوجد خبر يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق لولا البناء على المسامحة في طريقها, والعمل بظنون غير ثابتة الحجية] وهي توثيقات المتقدمين أصحاب الكتب المعروفة والتي قلنا فيها إشكالات كثيرة جداً, أننا إذا أردنا أن نعتمد على تلك التوثيقات وفي الأعم الأغلب أعزائي توثيقات إما منشأها عقدي كما أشرنا وإما منشأها اجتهادي وليس حسي أو قريب من الحس, لأنه كتبت في القرن الثالث والرابع والخامس.
إذن ما هو المدار, ما هو المنهج؟ هذا المنهج [بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة القرائن الخارجية] أن الإنسان يحصل له اطمئنان من خلال جمع القرائن أن هذه الرواية صادرة أعم من أنه يقال عنها صحيحة بحسب الاصطلاح أو لا يقال, هذا مورد.
وأيضاً أوضحه تفصيلاً, (الفيض الكاشاني+ في كتاب الوافي في مقدمة أبحاثه) قال: [وأول من اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك العلامة الحُلي وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدماء أصحابنا] أبداً واقعاً كذلك, يعني قدماء الأصحاب لم يبنوا على مسألة أن هذا صحيح وهذا ضعيف, [والشاهد على ذلك أصحاب الكتب الأربعة] أنه كتبوا هذه الروايات ودونوها ولم يراعوا أي ضابطة من ضوابط ما ذكره العلامة الحلي. [كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم, بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه واقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه] هذا هو المنهج.
ومن هنا واقعاً منهجنا قائم على أساس جمع القرائن والاطمئنان بصدور هذا المعنى من الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام).
على هذا الأساس, التفتوا جيداً, على هذا الأساس فالمقدمة الأولى التي كانت تقول أخبار التحليل أخبار آحاد نعم, على المنهج السندي أخبار آحاد, لأنه خمسة أو ستة أو سبع, أما على منهج جمع القرائن الروايات الواردة تتجاوز العشرين ثلاثين رواية, ومن هنا صرح جملة من الأعلام المتأخرين أنها مقطوعة الصدور, مقطوعة الصدور يعني ماذا؟ يعني في الجملة بنحو التواتر الإجمالي أو المعنوي أن هذا المعنى صادر عن الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).
بناءً على ذلك, من الناحية الفنية على هذا المنهج لا تصل النوبة إلى البحث في المقدمة الثانية, لأن المقدمة الثانية كانت تقوم على أساس وأخبار الآحاد ليست حجة في الموضوعات, وقد ثبت في المقدمة الأولى أنها أخبار آحاد أو ليست كذلك؟ ليست كذلك على منهجنا.
ولكن, التفتوا إلى هذا الأصل الذي ذكرناه مراراً وبودي أن الأعزة يلتفتوا إليه, أعزائي, من الناحية الفنية ومن الناحية البحثية وإذا أراد الأعزة أن تقوى عندهم ملكة الاستنباط وملكة الاجتهاد لا ينبغي لهم أن يكتفوا ببحث المسألة على مبنىً واحد دون باقي المباني. هذه من موارد التمرين على حرفة الاستنباط, التي أنا عبّرت عنها صنعة حرفة فن وليست علم, أنت لابدَّ أن تبحث القضية على جميع المباني, لماذا؟ أولاً: لأنه ليس الجميع يختارون مبناك الذي تختاره فعلى المبنى الآخر ماذا يكون, وثانياً: لعلك هنا لا تحتاج هذا المبنى, ولكن في مسألة أخرى تحتاج ذلك المبنى.
ومن هنا تجد بأنَّ الشيخ الأنصاري+ الذي تتذكرون في البحث السابق أن سيدنا الشهيد قال: [الذي علمنا كيفية الاستنباط] عندما يأتي إلى المسألة التي أشرنا إليها في (كتاب الطهارة للشيخ الأعظم, ج3, ص280) يقول: [فهذه عشرون قولاً في المبتدئة] هذه العشرين قول من أين جئت بها شيخنا؟ يقول: [بناء على مغايرة قول الإسكافي لقول المحقق] هذه العشرين مسألة من أين؟ يقول: [كلها ناشئة] التفتوا إلى هذا الأصل الأصيل في عملية الاستنباط [كلها ناشئة من الأخذ بمجموع الأخبار] هذا مبنى, أخبار الواردة في باب المبتدئة, في باب العادة الشهرية للمرأة, في باب المبتدئة, إما أن نأخذ بمجموع الأخبار بغض النظر عن أنها صحيحة أو ضعيفة دالة أو غير دالة [إما ناشئة من الأخذ بمجموع الأخبار] هذا مبنى, [أو ببعضها] هذا مبنىً آخر [أو من طرحها لضعفها سنداً أو دلالةً والاقتصار على الأصل] هذا مبنى [أو قاعدة الإمكان مطلقا] هذا مبنى [أو في كلّ شهر] هذا مبنى. فإذن يبحث مسألة المبتدئة على كم مبنى؟ على خمسة مباني, الآن تقول سيدنا ما داعي هذا التطويل, لا لا, القضية صحيح وردت في باب المبتدئة ولكنه أنت قد تحتاج هذه المسألة في مسائل أخرى.
إذن على هذا الأصل الآن لو سلّمنا وتنزلنا أن أخبار, يعني صار مبنانا مبنى السيّد الخوئي مبنى السيّد الشهيد+ وهي أن أخبار التحليل أخبار آحاد. فهل أن خبر الواحد حجة في الموضوعات أو لا؟ وأنتم تعلمون أن هذه المسألة وهي مسألة حجية أخبار الآحاد أو خبر الواحد هل هو حجة في الموضوعات أو لا, مسألة سيّالة من أول الفقه إلى آخر الفقه, يكفيك أن ترجع أنت إلى أول باب الاجتهاد والتقليد, اجتهاد الشخص أعلمية الشخص, عدالة الشخص, هذه شبهات موضوعية, هل تثبت بخبر الثقة أو لا تثبت تحتاج إلى البينة أي منهما؟
ولذا تجد جملة من الأعلام اقتصروا على أنه لابدَّ من قيام البينة, وآخرون قالوا والأقوى الاكتفاء بخبر الثقة, ما هو؟ منشأه هو, وهكذا في باب الطهارة وباب الصلاة وباب المعاملات وكل الأبواب أنت عندما تذهب عندك مسألة العمل بخبر الثقة في الموضوعات.
من هنا بقدر ما نحتاج إليه, حتّى أضع الأعزة في الصورة فقط إجمالاً, وإلا البحث إذا أردنا أن ندخل فيه لعله واقعاً يحتاج إلى عشرة دروس أو خمسة عشر درس, ولكنه كما هو معلوم أن منهجنا ليس الدخول في مثل هذه المسائل التي تأتي عرضاً الدخول فيها تفصيلاً, ولكنّه أيضاً لا أنه نجعلها أصل موضوعي كما ثبت في محله, طيب أين يثبت في محله, أي الطالب في الحوزات العلمية يقرأ هذه المسألة حتّى نقول في محلها!! هذا مضافاً إلى أنه لابدَّ وأنا أتصور أن المنهج العلمي أيضاً هكذا, ومنهج القدماء أيضاً كان هذا, أن المسألة عندما تأتي يقفون عندها إجمالاً.
أعزائي فيما يرتبط بحجية خبر الواحد, طبعاً الآن عندما نقول حجية خبر الواحد على الاختلاف الموجود في الأدلة الدالة على حجية خبر الواحد أنه المراد به خبر العدل أو خبر الثقة, ذاك بحث آخر موكول إلى أبحاث حجية خبر الواحد.
أعزائي, في هذه المسألة توجد أقوال ثلاثة: طبعاً أكثر موجودة ولكن مهم الأقوال في المسألة.
القول الأوّل -ولعله هو القول المعروف لا أريد أن أقول المشهور- المعروف بين فقهاء الإمامية هو عدم الحجية, يعني الأدلة الدالة على حجية خبر الواحد من الأدلة الأربعة المعروفة إنَّما دلّت على حجية خبر الواحد في الأحكام الكلية, لا في الموضوعات, هذا المكان نجس او لا, خبر الواحد لا يثبت يحتاج إلى بينة, هذا اللحم حرام هذا لا يكفي خبر الواحد لابدَّ من البينة.
ولذا صاحب الجواهر+ في (ج6, ص171) يقول: [أما لو كان منشأ الظن سبباً شرعياً] منشأ الظن في الموضوعات طبعاً [سبباً شرعياً كخبر العدل ففي المعتبر والمنتهى وموضع من التذكرة وظاهر القواعد أو صريحها وجامع المقاصد وعن المبسوط والخلاف والموجز وشرحه والإيضاح وغيرها عدم القبول, كما عن ظاهر المختلف أيضاً سواء ذكر ما تنجس به الشيء أو لا] يعني سواء ذكر العلة في التنجس أم لم يذكر [كما صرح به بعضهم وهو ظاهر آخر لإطلاقه كإطلاقهم ذلك ..] إلى آخره. إذن المعروف بينهم هذا. إذن القول الأوّل هو هذا. ما هو دليله؟
أعزائي كثيراً لا نقف عند هذا القول الأوّل لأن هذا هو القدر المتيقن من أدلة حجية خبر الواحد, وإلا إذا خبر الواحد ليس بحجة في الموضوعات ولا حجة في الأحكام فالحجية تكون لغواً, إذن القدر المتيقن من أدلة حجية خبر الواحد هو في الأحكام الكلية.
القول الثاني -وهو الذي يقول-: أن خبر الثقة أو العدل -خبر الواحد بمعنىً عام- أن خبر الواحد حجةٌ في الموضوعات على حد حجية خبر الواحد في الأحكام لا فرق بينهما, مطلقا, كما يثبت في هذا يثبت في هذا أيضاً, ما هو الدليل على ذلك؟
طبعاً هناك طرق متعددة لإثبات هذا التعميم, واحدة من أهم الطرق هو: أننا نستعرض أدلة حجية خبر الواحد, أنتم تعلمون أدلة حجية خبر الواحد ما هي؟ أولاً: الآيات القرآنية وأهمها مفهوم آية النبأ, ثانياً: الروايات الخاصة >العمري وابنه ثقتان فما أديا عنّي فعني يؤديان< التي هي من أهم أدلة حجية خبر الواحد, ثالثاً: السيرة العقلائية ولعله عمدة الأدلة هو ذلك, رابعاً: السيرة المتشرعية, هذه هي أهم أدلة القائلين بحجية خبر الواحد على فرض الثبوت, وإلا بحث في محله.
لا أدخل في التفاصيل ولكن لا إشكال ولا شبهة أنه لو لم تدل كلّ الأدلة على حجية خبر الواحد في الموضوعات فالسيرة العقلائية قائمة على ذلك, والعرف ببابك كما يقال, السيرة لا تفرق في قبول خبر الثقة بين أن يكون في الأحكام وبين أن يكون في الموضوعات.
هذا مضافاً إلى مفهوم آية النبأ إن دلّت الآية فلا إشكال في أنها مطلقة من هذه الجهة بين الأحكام وبين الموضوعات, هذا هو الدليل الأوّل للتعميم.
ولكن الدليل الأهم من هذا, هو الروايات الخاصة الواردة في المقام, فيما يتعلق بحجية خبر الواحد في الموضوعات, وهو الذي اعتمده صاحب الجواهر, وهو الذي سار عليه من قال بحجية خبر الواحد في الموضوعات, ولذا عبارة صاحب الجواهر+في (الجواهر) يقول: [لكن قد يُشكل] يعني يُشكل على القائلين بالاختصاص بماذا يُشكل؟ [لكن قد يُشكل بعموم بعض ما دلّ على حجية خبر العدل] يعني كالسيرة العقلائية, هذا هو الدليل الأوّل, يقول أدلة حجية خبر الواحد خبر العدل خبر الثقة فيها عموم يشمل الأحكام والموضوعات معاً و[لكن قد يُشكل بعموم بعض ما دلّ على حجية خبر العدل] وهذا هو الدليل الأوّل. الدليل الثاني [بل قد يستفاد من الأخبار تنزيله منزلة العلم].
إذن خبر الواحد يقوم ماذا؟ يقوم مقام العلم, الآن هذا القطع المطلوب قطع طريقي موضوعي, خبر الواحد يقوم مقام القطع الطريقي, هذا في بحث القطع تفصيلاً نحن تعرضنا له الأعزة يراجعون, التفتوا جيداً.
بناءً على هذا هناك مجموعة من الروايات أنا أشير إلى روايتين لا أكثر لأن الروايات كثيرة جداً, من هذه الروايات.
الرواية الأولى: واردة في (وسائل الشيعة, ج19, بطبعة مؤسسة آل البيت, ص162, كتاب الوكالة, الباب الثاني, باب أن الوكيل إذا تصرف بعد عزله قبل أن يعلم به مشافهةً أو بخبر ثقة كان تصرفه جائزاً) الرواية هذه, يقول: بأنه شخص وكيل أو .. الرواية طويلة إلى أن يقول بأنه: بعد أن ذهب الوكيل الموكل ماذا فعل؟ عزله عن الوكالة فهل أن ما أجراه الوكيل يكون نافذاً أو لا يكون نافذاً؟ الجواب: قال: >قلت له: فإنَّ بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر< قبل أن يجري الوكيل شيئاً >ثمَّ ذهب حتّى أمضاه لم يكن ذلك بشيء, قال: نعم, إن الوكيل< محل الشاهد >إن الوكيل إذا وكّل ثمَّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبدا والوكالة ثابتةٌ حتّى يبلغه العزل عن الوكيل بثقةٍ يبلغه ذلك< بماذا؟ بثقة يبلغه ذلك, وأنتم تعلمون أن المسألة في الموضوعات أنه أساساً عزل عن الوكالة أو لم يعزل, في الموضوعات, فإذا بلّغه ثقةٌ لا بينة, لا كما في خبر مسعدة ابن صدقة, >حتّى تستبين لك أو تقوم به البينة< لا ليس بينة, بثقة, هذه رواية.
الرواية الثانية: -والروايات كثيرة- الرواية الثانية: واردة في (كتاب الوصايا الباب 97) الرواية هذه: >عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله× قال: سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضا، فقال لي: إن حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين دينارا وأعط أخي بقية الدنانير فمات ولم أشهد موته، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي: إنه أمرني أن أقول لك انظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها إلى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير أقسمها في المسلمين ولم يعلم أخوه أن عندي شيئا، فقال: أرى أن تصدق منها بعشرة دنانير< المخبر ما هو؟ مسلمٌ صادق, وهذا القدر كافي. وهذا هو خبر الثقة, وهو أن يكون عدلاً في الإخبار, معنى الثقة ما هو؟ أن يكون عادلاً ولكن لا مطلقاً وإنما في الإخبار. هذه أيضاً رواية ثانية.
ولذا مجموعة الروايات أشار إليها جملة منها أشار إليها صاحب الجواهر, ولكن سيدنا الشهيد+ في بحوث في شرح العروة الوثقى, أشار إلى هذه الروايات في (بحوث في شرح العروة الوثقى, ج2, ص105) يبدأ البحث إذا الإخوة يريدون أن يراجعون, يقول: [فمن تلك الروايات رواية معاوية, ثمَّ ومنها.. ومنها.. ومنها..] وينقل تقريباً خمسة عشر رواية, فإذن يظهر أن الروايات ماذا؟ قولوا معي؟ آحاد أو مطمئن بها؟ أيضاً المنهج, فإذا صار مبناك منهج سندي لابدَّ أن تدخل رواية, رواية تبحثها سنداً آخر المطاف لعله اثنين من الروايات لا تصح تقول لا تدل, صحيح. أما عندما تستعرض كلّ الفقه من أوله إلى آخر وتجد خمسين رواية, كلها قبلت بخبر الثقة في الموضوعات بيني وبين الله, وهذه الروايات أعزائي فليكن في علم الأعزة, هذه ليس من موارد وضع الروايات, نحن عندنا في روايات توجد موضوعات, موضوعات. نعم, الوضّاعون إنَّما كانوا يريدون أن يضعوا روايات تغير من طريق المذهب من منهج المذهب, وإلا الآن خبر الثقة حجة في الموضوعات أو ليس بحجة في الموضوعات؟ طيب ماذا يهمهم هذا مثلاً في المذهب ماذا يقول؟ ولذا هذه نكتة لابدَّ أن يلتفت إليها وضّاعون كثيرون كذابون كثيرون يدلسون, بلي معك, ولكن الذي يريد أن يدلس, يدلس ماذا؟ يريد أن يحرف قواعد المذهب أصول المذهب مباني المذهب, وإلا أمور لا علاقة لها, الآن هذه ثبتت أو هذه ثبتت, عند ذلك ماذا يغيرون من الواقع شيئاً؟ قل لا يغيرون. ولذا الوضع ليس في هذه الروايات.
هذا مضافاً إلى أنه لم يثبت أعزائي هذه القاعدة التي نحن مراراً ذكرناها للأعزة, قلنا: عدم حجية أو عدم توثيق رجال السند ليس معناه عدم الصدور, معناه عدم حجية الصدور, وإلا قد ماذا؟ قد صادرة الرواية, نعم, ولا يدعي أحدٌ أن أولئك الذين كتبوا في الرجال في ذلك الزمان, بينك وبين الله في ذلك الزمان الذي اتصالات نادرة جداً, كيف يستطيع أن يتعرف على عشرة آلاف راوي كيف يتعرف حتّى يقول بأنه ثقة أو ليس بثقة, هو في هذا الزمان لا يستطيع مع كلّ الإمكانات المتوفرة, بقم وحده وشخص يريد أن يكتب في الرجال يرى من الثقات من العلماء أصلاً ليس من عموم الناس, بينك وبين الله ستين ألف عمّة موجودة في قم, كيف يستطيع أن يتعرف عليها, طيب بقدر ما يستطيع الآن ألف ألفين ثلاثة والباقي يذكر اسمه ولا يذكر حاله أنه ثقة أو ليس بثقة, أنت أيضاً بكرة تأتي وتقول وقال عنه السيّد الفلاني النسابة المعروف مجهول الحال, طيب يا أخي ما يعرفه, ما هو علاقته لماذا مجهول الحال.
هذا مضافاً حتّى لو ثبت أنه كذاب, المثل العراقي معروف >يفوتك من الكذّاب صدق كثير< أحسنتم, من قال أنه كلّ كذّاب كلّ ما يقوله خلاف الواقع من قال؟ إذن ماذا يحصل, يحصل هنا تأتي نظرية جمع القرائن, هذه أيضاً قرينة, نعم قرينتها تكون واحدة بالمائة, ذيك قرينتيه تكون عشرة بالمائة, ذيك قرينيته تكون ثلاثين بالمائة وهكذا.
إذن أعزائي أرجع إلى البحث. ينقل حدود خمسة عشر رواية في هذا الباب, وعلى مبنانا بيني وبين الله هناك اطمئنان بصدور بعض هذه الروايات بنحو الإجمال, هذا أيضاً الدليل الثاني.
ولذا صاحب الجواهر+ في هذه المسألة بعد أن يذكر الدليل الأوّل الإطلاق, يقول: [وقد يستفاد من الأخبار مثل ما دل على ثبوت عزل الزكاة به مع اشتراط الأصحاب حصوله بالعلم وما دل على جواز وطء الأمة إذا كان الباع عدلاً قد أخبر بالاستبراء وما دل على دخول الوقت المشروط بالعلم بأذن العدل العارف وما ..] الذي حاول كما قلنا سيدنا الشهيد أن يستقرأ مجموعة, وفي عقيدتي أنه هذه الإمكانات العلمية التي الآن متوفرة انا أتصور بدل خمسة عشر رواية نجد مائة رواية نجد مائة وخمسين رواية إذا استعرضنا كلّ الروايات الواردة في كتب الأعلام.
الدليل الثالث: -الذي هذا الباب أغلقه- الدليل الثالث: وهو الدليل الأولوية العرفية, هذا الدليل واقعاً من الأدلة المهمة لا فقط هنا, في موارد أخرى, وهو أنه إذا كان الشارع يكتفي بخبر الواحد في الأحكام الكلية, يعني ماذا؟ يعني هذا واجب أو ليس بواجب, حرامٌ أو ليس بحرام, وهذا حكم كلي السورة واجبة أو ليست بواجبة, السورة واجبة في الصلاة بعد الحمد أو ليس بواجب؟ >لا صلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب< سلّمنا سورة أيضاً واجبة كاملة أو ليست بواجبة؟ وخبر واحد دل عليها, فإذا كان الشارع يعتبر أو جعل الاعتبار لخبر الواحد في الأحكام الكلية فما بالك في قضية في واقعة لا يجعل خبر الواحد حجة, لأن هذا نجس أو ليس بنجس كلي أو جزئي؟ جزئي في هذه القضية المعينة الواقعة المعينة, أيهما أهم عند العرف الكلي أو هذا الجزئي في واقعة معينة؟ فإذا جعل الشارع ذلك فقياس الأولوية القطعي يقول لنا بأنَّ هذا حجة, وقد أشار إليه صاحب الجواهر&, في نصف سطر هذا الدليل مختصر قال: [بل ثبوت الأحكام الشرعية به] يعني بخبر العدل [بل ثبوت الأحكام الشرعية به أكبر شاهدٍ على ذلك] يعني على اعتباره أين؟ في الموضوعات أيضاً, هذه جملة واحدة, فقيه عندما يتكلم هكذا يتكلم (رحمة الله تعالى عليه) قال: [بل ثبوت الأحكام الشرعية به أكبر شاهدٍ].
ولذا من هنا أعزائي نصيحتي للأعزة فليفهموا لغة وكيفية خطاب صاحب الجواهر, وإلا اطمأنوا بأنه إن لم يتعرف الإنسان على كيفية تكلم هذا الفقيه كثير من القضايا تضيع عليه, كثير ممّا جاء بعده آثار ولو بنصف سطر, ولذا انظروا هذا, هذا الكلام الذي نقلته إليكم ستة كلمات, السيّد الشهيد&, في (بحوث في شرح العروة الوثقى, ج2, ص98) من غير إشارة إلى المصدر قال: [التعدي بملاك الأولوية العرفية] هذا أي دليل؟ هذا الدليل الذي ذكره قال, بمعنى أن العرف يرى أن المولى إذا كان يعتمد على خبر الواحد في إيصال الحكم الكلي أو نفيه مع ما يترتب على ذلك من وقائع كثيرة من الامتثال والعصيان فهو يعتمد على خبر الواحد في إيصال الموضوع ونفيه الذي لا يترتب عليه إلاَّ واقعة واحدة من وقائع الامتثال أو العصيان.
هذه مجموع الأدلة التي على أساسها يقال: بحجية خبر الواحد في الموضوعات.
إذن على هذا الأساس حتّى لو سلّمنا أن أخبار التحليل أخبار آحاد فأخبار الآحاد حجة في الموضوعات.
الآن يبقى عندنا احتمال ثالث: لو تنزلنا وقلنا: أنه ليس أخبار آحاد, وأخبار الآحاد ليست حجة في الموضوعات يوجد طريق لجعل هذه الأخبار أخبار التحليل وإن كانت في الموضوعات -يعني مورداً- وإن كانت في الموضوعات نجعلها حجة وإن لم يكن خبر الواحد حجة في الموضوعات, هذا إلى غد.
والحمد لله رب العالمين.