بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين
كان الكلام في رواية يونس بن يعقوب, قلنا: أن هذا النص من حيث السند معتبرٌ, وأما من حيث الدلالة فإنه يُعد من النصوص المحوريّة في مسألة التحليل, وذلك أن الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) لم يقيّد أو أن السائل لم يقيّد ذلك بالمناكح والمساكن ونحو ذلك حتّى يحمل على المناكح أو البطون أو نحو ذلك كما في بعض النصوص, فإنَّه في بعضها >هلك الناس في بطونهم وفروجهم< أما هذه الرواية ففيها عموم وفيها إطلاق لأن السائل يقول: >جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات< إذن بشكل واضح وصريح تشمل أرباح المكاسب أيضاً, فإذا تم التحليل فعند ذلك لابدَّ أن نرى ما هو الوجه بينها وبين النصوص الدالة على وجوب إعطاء الخمس في أرباح المكاسب وما هو وجه الجمع بينها وبين عصر الغيبة وعصر الحضور ونحو ذلك.
إذن من حيث النص يُعد من النصوص المحورية في روايات التحليل, لأنه باقي الروايات الموجودة عموماً >لتطيب ولادتهم< ونحو ذلك, أما هذه الرواية فلا يوجد فيها مثل هذا الأمر.
من هنا تجد أن الأعلام بكل ما أوتوا من جهدٍ علمي حاولوا أن يصرفوا هذه الرواية إلى الخمس المتعلق بالغير إذا وقع في يد الشيعي, قالوا بأنَّ هذا التحليل لا يشمل نفس الشيعي إذا وقع في يده مالٌ وتعلق به الخمس أنت تعمل في تجارةٍ وتربح أموالاً, إذا كان الأمر كذلك فلابدَّ من دفع خمسها من باب دفع خمس أرباح المكاسب, نعم إذا وقع في يدك مال شرائط وجوب الخمس في يدك لم تتحقق, نعم تعلق الخمس به وهو في ذمة الغير في ملك الغير, فإذا انتقل إليك فهل أنت ضامن له أو لست ضامناً؟ قالوا أن الرواية مرتبطة بمثل هذه الصورة, الآن ذلك الغير أعم من أن يكون شيعياً عاصٍ لم يدفع الخمس, أو كان مخالفاً لا يعتقد وجوب الخمس أو غيرهما أساساً كان كافراً لا يعتقد بالإسلام أساساً كشريعة حتّى يدفع أو لا يدفع؟ المهم قالوا أن هذه الرواية مرتبطة أو التحليل فيها مرتبطٌ بحالة تعلق الخمس في مال الغير فمن وقعت في يده فليس ضامن لذلك الخمس, وهذا ما صرّح به جملة من الأعلام كما أشرنا, منهم السيّد الخوئي+ (في المستند في ص346) بعد أن ذكر الرواية قال: [وقد دلّت] التفتوا جيداً [وقد دلّت] بضرس قاطع [وقد دلّت على التحليل بالإضافة إلى الأموال التي تقع في الأيدي أي] كيف تقع بالأيدي بتجارةٍ من نفس الشخص لا, [أي: تنتقل من الغير بشراءٍ ونحوه وأنه لا يجب على الآخذ ومن انتقل إليه إعطاء الخمس وأنهم (عليهم السلام) حللوا ذلك لشيعتهم]. هذا الكلام الأوّل. التصريح الأوّل.
التصريح الثاني -الذي قراناه-: عن السيّد الشهيد+ في كتابه (محاضرات تأسيسية) قال: [هو ثبوت حقه فيها قبل وقوعها في يد الشخص الشيعي فلا يدل على أنه إذا تعلق الخمس بما في يد شخص من الشيعة كان حلالاً له أيضاً] يعني التحليل شامل له.
والآن السؤال المطروح هنا: ما هي القرينة التي استند إليها هؤلاء الأعلام ليقولوا أنها دالة على هذا.
القرينة التي استندوا إليها كما أشرنا في البحث السابق هي قول السائل: >تقع في أيدينا< هذه القرينة أعزائي فسّرها الأعلام بمعنى تنتقل يعني ليس بمعنى تحصل, وإنما تنتقل, وإلا لو كان المراد من >تقع< يعني يحصل فلا فرق أن يكون من الآخرين أو من نفس تجارة نفس الشخص.
إذن لكي يثبت هذا الوجه, التفتوا, لكي يتم هذا الحمل أو هذا التفسير أولاً: لابدَّ من إبراز قرينة على أن المراد من >تقع< يعني تنتقل, وهذه كلمات القوم لم يبرزوا لنا أي قرينة تقول على أن المراد من >تقع< هي تنتقل. هذا أولاً.
وثانياً: أن كلمة >تقع< لا يوجد فيها ظهور في معنى الانتقال, لأنه مرةً أن كلمة >تقع< هي ظاهرة في الانتقال فلا نحتاج إلى قرينة, وأخرى يقال: لا, إن كلمة تقع لا ظهور لها في الانتقال, أن كلمة تقع ظاهرة في الانتقال.
الجواب: أن كلمة تقع لا يوجد فيها مثل هذا الظهور. إذن لا قرينة خارجية تقول لنا بأنَّ >تقع< بمعنى الانتقال ولا نفس كلمة >تقع< ظاهرةٌ في معنى الانتقال, نعم يحتمل فيها هذا, ولكن الاحتمال ليس منشأ للاستقلال, الاحتمال بما هو احتمال غير كافٍ.
إذن أولاً: حتّى نعرف بأنه هذا الاستدلال الذي بنى عليه القوم لأنه قلت لكم أن الرواية من الروايات المهمة التي تشمل أرباح المكاسب, لأنه عنوانها أرباح أموال وتجارات, فلا يمكن أن يقول أحد أنها مرتبطة بالفيء أو مرتبطة بالمناكح أو بالأراضي ونحو ذلك عامة مطلقة.
إذن أولاً: نفس كلمة >تقع< لا ظهور لها على أنها بمعنى الانتقال.
ثانياً: لم يقم هؤلاء أي قرينة خارجية على أن تقع هنا بمعنى الانتقال.
وثالثا -ولعله هو الأهم- أن هناك في الرواية قرينة تبين أنه لا يمكن أن يراد من تقع يعني المنتقل من الغير إليها. هي قرينة على العكس لا قرينة تؤيد مطلب القوم ما هي القرينة؟ التفتوا إلى الرواية. قال: >تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت< جيد إلى هنا هذا النص كما قلنا يرد عليه أولاً وثانياً.
أما ثالثا: >وأنّا عن ذلك مقصرون< أعزائي إذا كان هذا الحق تعلق في مال الغير فلماذا أنت مقصر طيب أولئك مقصرون لا أنا مقصر؟ بينك وبين الله إذا كان الذي أخذتُ من انتقل المال منه إليّ كان عاصياً كان غير مؤمن لم يدفع الخمس أنا مقصر أنه لم يدفع الخمس أو هو مقصر؟ نعم متى أكون مقصر؟ متى؟ أنه إذا وجد في مالي وتعلّقت به الشرائط ولم أدفع فمن المقصر؟ فإذن بقرينة >وأنّا عن ذلك مقصرون يعني مال ماذا؟ يعني مال ماذا؟ مال نفسه لا المال المنتقل من الغير إليّ. أنت ضامن الغير؟ بأي دليل أنت ضامن أن الغير لا يدفعون, الغير هو المسؤول عن ماله, هو المسؤول عن دفع الخمس لماذا أنت لابدَّ أن تكون مقصراً؟
إذن التفتوا, هذه القرينة أو هذا الكلام >وأنّا عن ذلك مقصرون< يظهر أن السائل لم يسأل عن المال أو الحق الثابت عند الغير وانتقل إلينا وإنما يسأل عن الأموال التي تقع في يده من الأرباح والأموال والتجارات والإمام له فيها ماذا؟ له فيها حق.
ثمَّ قال له >فقال له أبو عبد الله ما أنصفناكم إن كلفناكم< يعني ماذا؟ يعني أنتم محللون في ذلك. ولكنّه كما أشرنا في البحث السابق أن المشكلة الموجودة في هذه الرواية أن فيها قيد لو قال الإمام >ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك< وانتهت الجملة لكانت من أوضح روايات التحليل حضوراً وغيبةً ولكن الإمام ماذا قال؟ قال: >اليوم< فما هو المراد من كلمة >اليوم< حتّى نعرف أن التحليل بأي قدر.
إذن من حيث مضمون الرواية واضحة الدلالة أنها دالة على التحليل, وواضحة أنها شاملة لأرباح المكاسب أيضاً, إنَّما الكلام أنها هل هي عامّة شاملة لعصر الغيبة والحضور معاً أو مختصةٌ بزمان دون آخر بظرف دون آخر.
أعزائي, توجد في هذه الروايات احتمالات أو في هذا المقطع وهو >اليوم< احتمالات ثلاثة:
الاحتمال الأول: وهو الاحتمال الذي ذكره سيدنا الشهيد الصدر+ في (المحاضرات التأسيسية, ص482-483) يقول: [الاحتمال الأوّل: أن يكون ذلك] يعني ذلك اليوم >ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم< [أن يكون ذلك في قبال يوم السقيفة] وهو أنّه ومعناه حتّى لا نطيل ومعناه [أن المطالبة بالحق في يوم السقيفة لم يكن خلاف الإنصاف] نحن هناك الذي لو طالبناكم لما كان خلاف الإنصاف فما بالنا الآن نطالبكم بهذا الحق هنا, [لكن بعد أن لم نطالب الحق في ذلك اليوم فالمطالبة به في هذا اليوم خلاف الإنصاف] وعليه التفتوا جيداً, إذن اليوم إذا قلنا اليوم, وفسّرنا اليوم في قبال يوم السقيفة فيشمل عصر الحضور وعصر الغيبة. ولذا قال: [فقوله: >اليوم< شامل لزماننا هذا لأنه في قبال يوم السقيفة] إذن الإمام (عليه السلام) إذا قبلنا هذا التفسير وهو أن المراد من >اليوم< يعني في قبال يوم السقيفة فيشمل ما يقابل يوم السقيفة, وما يقابل يوم السقيفة أعم من أن يكون في زمان الحضور أو في زمان الغيبة. فهذه الرواية دالةٌ على التحليل مطلقاً وتشمل عصر الحضور وعصر الغيبة. هذا هو الاحتمال الأول الذي ذكر في المقام.
أنا أتصور الآن قد يقول قائل: سيدنا وجه هذا الاحتمال ما هو؟ أنا أتصور أن الذي أدّى بأصحاب هذا الاحتمال أن يقولوا أن المراد باليوم هو يوم السقيفة هو كلمة الحق, في كثير من الروايات عندنا أن كلمة الحق عندما يقال ينصرف إلى حقهم في الخلافة, والسائل يقول ماذا؟ نعلم أنّ حقك ثابتٌ فيها >نعلم أن حقك فيها ثابت< فإذا كان الأمر كذلك فالحق يعني ماذا؟ يعني حقهم في الخلافة, فاليوم إذن في قبال حقنا في يوم الخلافة, إلاَّ أن هذا الاحتمال مردودٌ باعتبار أنه يوجد في الجملة >أن حقك فيها< يعني الأرباح والأموال والتجارات لا علاقة لها بيوم السقيفة. لو كان >أن حقك ثابت< طيب قد يقال أن كلمة حق الانصراف أو المصادق الواضح فيها حقهم في الخلافة, ولكن السائل يقول >أن حقك فيها< يعني في الأرباح يعني الذي يقع في أيدينا أرباح وأموال وتجارات. هذا أولاً.
وثانياً: أن أي تفسيرٍ – التفتوا إلى قاعدةٍ أساسية سوف أأصلها هنا وإن شاء الله بحثها التفصيلي موكول إلى أبحاث التعارض وسنقف عنده- أعزائي في أي جمع بين روايتين متعارضتين أو متخالفتين أو في أي حملٍ لتفسير رواية افترض أنه لا يوجد ما يعارضها ولكن نريد أن نفسر نفس الرواية كما الآن نريد أن نفسر كلمة اليوم, افترضوا أي معارض لا يوجد في المقام, يوجد طريقان أعزائي:
الطريق الأوّل: اصطلحوا عليه الطريق الاستدلالي, حملاً أو جمعاً لماذا أقول حملاً أو جمعاً؟ لأنه أعم من أن يكون هناك تعارض أو لا يكون, كما في هذا المورد الآن.
الطريق الأوّل: عبروا عنه الطريق الاستدلالي يعني ماذا؟ يعني أنا عندما أقول المراد من اليوم هنا هذا, أقول للشواهد التالية: أولاً ثانياً ثالثاً رابعاً أستدل على ذلك, الآن أنت قد توافقني وقد لا توافقني, عندما أجمع بين روايتين متخالفتين متعارضتين بالجمع العرفي أقول ما الدليل على هذا الجمع أنت جمعت هذا؟ تقول: والعرف ببابك يعني تستدل على ذلك, الآن من حقك أنت تناقش ولكنّه أنا عندما أذكر الحمل أو الجمع أذكره مستدلاً عليه, هذا أولاً. هذا حمل.
الطريق الثاني: سموه الجمع -الذي علمائنا سموه الجمع التبرعي- ما معنى الجمع التبرعي في كلمات أعلامنا؟ الجمع التبرعي معناه أنه يجمع بين روايتين, ولكن يوجد عنده دليلٌ وشاهد على صحة هذا الجمع أو لا يوجد؟ احتمالاً يقول: أنا احتمل أن المراد من الرواية الأولى كذا, ومن الرواية الثانية كذا, فإذن ويرتفع التنافي بينهما, جيد, ما هو شاهد الجمع؟ مرة تأتي تقول الرواية, دلت على شاهد الجمع, ومرة تقول العرف هكذا إذا تعارض يقولون, ومرة تأتيني بقرينة أخرى من الخارج أو من الداخل, ومرة تقول بأنه حتّى لا نسقطهما عن الاعتبار, وإلا إذا نبقيهما على حالهما, فهما ماذا؟ >والجمع أولى من الطرح< إذن في الجمع الثاني أو في الحمل الثاني أعزائي الذي هو غير مستدل هذا احتمالٌ يُذكر, التفت.
وأنتم تعلمون أنا عندما أذكر الاحتمال كما لا يوجد عندي دليلٌ على الإثبات قد لا يوجد دليلٌ على النفي أيضاً فلعل هذا الحمل ما هو؟ صحيح, هذا من قبيل ما ذكرنا أن الخبر إذا كان رواته غير موثقين أنت تقول لا دليل على الحجية لا يوجد دليل على عدم الحجية, ولعل الرواية صادرة.
هذا الجمع أعزائي أو الحمل سموه تبرعياً, سموه ثبوتياً في قبال الإثباتي الاستدلالي, وهذا بحثٌ مهم في فهم الروايات أعزائي, نعم لا يمكنك أن تستند إليه اعتقاداً أو عملاً إذا لم يكن مستدلاً ولكنّه فيه فوائد كثيرة من فوائده أنّه ينجي الروايات من التساقط والإنكار والاتهام والتسفيه, يقول لعل المراد الإمام هذا المعنى فإذا كان واقعاً وثبوتاً مراد الإمام هذا المعنى الرواية صحيحة مضموناً أو غير صحيحة؟ نعم صحيحة, نعم أنا ما عندي قرينة على أن مراده كذا.
ما أدري تلك القضية بغض النظر عن سندها, القضية المعروفة التي وقعت للكندي الذي كان يكتب كتاب (كلام أحد الحضور) في جمع تناقضات القرآن, في يوم جاء إلى الإمام (عليه السلام) أحد تلامذته ما أتذكر تلميذه من؟ تذكر هناك قال أستاذك بماذا مشغول؟ انظروا هذه الرواية إن صحت انظروا الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) كيف يتعاملون يريدون أن يتعرفوا على كلّ الجهد العلمي الموجود في زمانهم ما يقولون نحن لا علاقة لنا نحن لسنا مكلفين لا لا, المسؤول يسأله أستاذك ماذا يفعل؟ قال: يعمل كذا كذا… قال له في هذه المرة إذا ذهبت عنده قل له بأنه أما تحمل في كلّ هذا الذي تقوله في جملة جملة, أن القائل له مراد آخر غير الذي تفهمه, الآن قد كان كندي قد يجيب, يقول صحيح قد يكون ولكن ظاهر كلامه ليس هذا, صحيح بحث باب الحجية شيء وباب الاحتمالات الثبوتية شيء آخر, أعزائي افتح أعينكم جيداً, هذه كثير من الأمور التي نحن في الآونة الأخيرة بمجرد أن لا نفهما نرمي بها عرض الجدار منشأها أنها نغفل هذا الحمل الثبوتي؟ وأنا أعتقد أن الروايات التي قالت الرواية التي لا تفهمونها ارجعوا علمها إلينا احتمالات ماذا؟ فيها معنى أنت ما تفهمها لا تسقطها عن الاعتبار, اتركها, >ورب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه< لعله يأتي غد أحد يقول بأنه هذه القضية الإمام يقول هكذا قرينتها هذه موجودة, يعني تخرج من حالة الثبوت إلى حالة الإثبات, من حالة عدم الدليل إلى حالة وجود الدليل.
ولذا أعزائي خصوصاً في الروايات المرتبطة بالمباحث العقائدية, في المباحث التي لها معارف عالية مباشرة لا تقول والله هذا العقل ما يقبل. نعم عقلي وعقلك القاصر والمحدود قد لا يقبله. أنا ما أقول اعتقد بها, ورتب عليها ماذا؟ أثر, لا لا ليس من حقك هذا, جيد جداً.
هذه المقدمة إذا اتضحت أنا أريد أن أقول هذا الكلام, وهو أنه: لا يوجد عندنا دليلٌ على صحة هذا التفسير الذي قدمه سيدنا الشهيد ولعله التفسير أن الإمام واقعاً في ذلك القصد من قوله يوم مراده في قبال يوم السقيفة, لعله هذا, ولكنه هذا يمكن الاستناد إلى هذا التفسير أو لا يمكن؟ لا يمكن.
إذن أولاً: عدم وجود قرينة على صحة هذا التفسير.
وثانياً: لا يوجد عندنا ما يمكننا أن نتثبت من صحة أو ما يمكن هو وجه واحد.
إذن أعزائي من هنا هذا التفسير أو هذا الحمل أو هذا الفهم لكلمة اليوم لا يمكن الاستناد إليه.
الاحتمال الثاني -وهو الذي ذكره جملة من الأعلام- أن يكون مراد الإمام من قوله: >اليوم< إشارة إلى زمان التقية, أنه في هذا الزمان الذي نحن نعيشه وأنتم تعيشون واقعاً >إن كلفناكم< حمل الخمس إلينا للزم أن تقعون وأن نقع في حرج أو في هلكة أو في سجن أو في مراقبة أو في متابعة ونحو ذلك, جيد.
إذا كان هذا التفتوا جيداً, طيب هذا الملاك كما هو واضحٌ لا يختص بعصر الحضور, لعله في عصر الغيبة أيضاً إذا عشنا حالة التقية أيضاً ينبغي أن نرفع اليد عن الخمس, صحيح لا يعمم ولكنه أيضاً لا يختص بعصر الحضور.
هذا الاحتمال ذكره جملة من الأعلام وجملة منهم سيدنا الشهيد, قال: [الاحتمال الآخر: أن يكون قوله اليوم إشارة إلى زمان التقية, ومعناه: أن إعطاءكم ذلك لنا يوجب الخطر عليكم من العامّة لمعروفيتكم بذلك بالتشيع مع إرسال الحقوق إلينا فلو كلفناكم بذلك لم يكن ذلك إنصافا] وذكره جملة من الآخرين.
هذا الوجه أو هذا الفهم أو هذا التفسير أو هذا الحمل -سمه ما شئت- أيضاً يواجهه عدّة تأملات واقعاً.
الأوّل: أن الإمام (عليه السلام) لو كان بصدد حفظ نفسه وحفظ شيعته طيب لما كانت العبارة أو ما كان ينبغي أن يقول >ما أنصفناكم< ما أنصفناكم وما أنصفنا أنفسنا أيضاً لأن الخطر فقط على الشيعة أو على الإمام أيضاً موجود؟ على الإمام أيضاً موجود.
الأمر الثاني: أنه إذا كان الأمر كذلك هذا الاحتمال لا ينسجم مع قول أن هذا الخمس أو الحق مرتبطٌ بالذي انتقل إليه, لأنه إعطاء الخمس يعني المخالف الذي يُتابع يفرّق عنده هذا الخمس متعلق بالغير أو خمسك؟ لا فرق بينهما, إذن ذاك التفسير بهذا البيان يبطل. إذا قبلنا هذا البيان هذا الحمل, ذاك التفسير ماذا؟ وهو يميز بين الخمس المتعلق بمال الغير والخمس المتعلق بنفس الشخص, لا معنى لأن الخطورة على درجة واحدة. هذه ثانياً.
وثالثاً: أنه لا يمكن أن يكون المراد ذلك, بدليل: أن الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) أخذوا الخمس من الناس أم لم يأخذوا؟ نصبوا الوكلاء لذلك أم لم ينصبوا؟ وكان ديدنهم من زمان الإمام الباقر والصادق وإلى باقي الأئمة كلهم كانوا يأخذون الخمس.
إذن هذا الاحتمال أيضاً لا يمكن أن يكون احتمالاً معتداً به.
الاحتمال الثالث -وهو الاحتمال المختار عندنا- وهو أنّ الإمام (عليه السلام) يتكلم عن ظرفٍ خاصٍ وعن شروطٍ خاصةٍ إما بالنسبة إلى سنةٍ معينة أو بالنسبة إلى بعض الظروف المحيطة بالإمام الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام). يعني قضية شخصية في واقعة أو قضية شخصية بمعنى مرادنا من الشخصية يعني ليست مرتبطة بهذا الشخص, يعني الظروف المحيطة, من قبيل ما تقدم أعزائي, التفتوا, من قبيل ما تقدم في رواية علي ابن مهزيار, الإخوة يتذكرون الرواية التي قال فيها في (ص501 من الوسائل) قال: >إن الذي أوجبت في سنتي هذه فقط لمعنىً من المعاني أكره تفسير المعنى كله خوفاً من الانتشار وسأفسر لك بعضه إن شاء الله إنّ مواليّ< إلى أن يقول (عليه أفضل الصلاة والسلام) >وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول ولم أوجب ذلك عليهم< يعني الخمس >في متاعٍ ولا آنيةٍ ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارةٍ ولا ضيعةٍ إلاَّ ضيعة سأفسر لك أمرها< الإمام هنا ماذا يعطي؟ ماذا يفعل؟ تحليل, ولكن تحليل في كلّ عمره المبارك أو في سنة واحدة؟ لماذا؟
يبين الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) >تخفيفاً مني على مواليّ< الآن ما هي الظروف التي كانت تحيط في تلك السنة بالشيعة مضافاً >تخفيفاً مني عن مواليّ ومنّاً مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم< أيضاً الحكومات تفرض عليهم الضرائب أكثر من الذي وأيضاً عندهم هم مشاكل مالية عندهم, الآن إلى الآن العشرات اتصلوا بي يقول بأنه سيدنا أنا كان عندي أموال وتعلق بها الخمس, التفتوا إلى المسألة, تعلق بها الخمس ولكن قبل أن ادفع الخمس ولو بالمصالحة, صالحت وبقيت المال بيدي واشتريت به أسهم في البورصات أو اشتريت بها أراضي الآن تلك الأموال قيمتها إما صارت صفر إما صارت عشرة بالمائة, فهل عليّ أن أدفع الخمس أو لا؟ لأنه توجد أزمة مالية في العالم, توجد أزمة اقتصادية في العالم, الأراضي قيمتها في كثير من البلدان قلت, قيمة الأسهم, أنا بالأمس أسمع آخر تقرير في سنة 1011 الميلادية يقول أن البورصات في العام 2011 خسرت من قدرتها ستة تريليونات وسبعمائة مليون دولار, ميزانيات عشرات الدول, وكل البورصات يبدأ من 22 بالمائة و25 بالمائة, و18, كلها ماذا؟ فهذا الإنسان كان قد اشترى بمال تعلق به الخمس ولم يدفع اشترى هذه, ولم يقصر المسكين بتوقع أنه تربح حتّى يدفع الخمس, في مثل هذا الظرف الإمام عندما تأتي شيعته والتجار وكلهم كانوا يدفعون الخمس وكانوا بخدمة الإمام ويأتون يدفعون كذا, ولكن الآن في هذه السنة أصيبوا بماذا؟ قولوا معي؟ بنكبةٍ مالية, تقول له نحن لا علاقة لنا بالجهنم اذهب وادفع هكذا نقول له, أم نقول له بيني وبين الله أن الإمام ماذا؟ >تخفيفاً مني لما ينتابهم< هذه وظيفة من؟ أجيبوا وظيفة من؟ وظيفة المرجع, يطلّع على حال التجار وهؤلاء التجار ليسوا أناس سرّاق يريدون أن يلعبون بدليل أنهم كلّ سنة يدفعون ماذا؟ وإلا إذا ما يريد أن يدفع لا يدفع أنت ماذا تفعل له؟ إذن ناس صادقين أمناء أو ليسوا صادقين؟ صدق وأمانة عندهم, لكن الآن توجد أزمة كسرته هذه الأزمة أنت ماذا تفعل له؟ تدفع مرةً على العقر تقول له إلى جهنم, أو هذا الذي تقوله >تخفيفاً مني عن مواليّ ومنّاً مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاته< ما أدري واضح.
ولذا الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) قال هذه كلها ليست واجبة, قال الذي عنده غلاة, قال >فأما الذي أوجب من الضياع والغلاة في كلّ عام فهو نصف السدس< إذن ليس خمس في هذه السنة آخذ منكم كم آخذ؟ (كلام أحد الحضور) يعني كم؟ (كلام أحد الحضور) واحد من اثنا عشر, جداً النسبة بينها فرق, ما أدري واضحة القضية.
أنا أعتقد أن هذه الرواية >اليوم< يعني الظروف التي كان يعيشها الإمام الصادق (عليه السلام), تتمة الكلام تأتي.
والحمد لله رب العالمين.