نصوص ومقالات مختارة

  • مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (248)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    و به نستعين

    و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين

    كان الكلام في الروايتين التي استدل بهما السيّد الخوئي+ لإثبات التحليل إذا وصل الخمس إذا وصل مال غير مخمس من شيعي آخر فضلاً عن غير الشيعي.

    هذه المسألة التي هي محل الابتلاء فعلاً وهي أنه إذا وصل إلينا مالٌ غير مخمس من من يعتقد الخمس فهل أن من وصل إليه المال يجب عليه الخمس ويضمن ذلك أم لا؟

    ولكنه قبل بيان الإشكالات الواردة على كلمات سيدنا الأستاذ السيّد الخوئي+ أشرنا بالأمس وهي: دور الظروف الاجتماعية في فهم النص الديني, أعزائي, هذه القضية من القضايا المحورية والأساسية في عملية الاستنباط بحسب الاتجاه والمنهج الذي نتبعه في فهم النص الديني.

    المشهور بين علمائنا أنهم لا يعتنون كثيراً بالظروف المحيطة بالنص الديني, وإنما يجردون النص الديني, عندما أقول النص الديني أعم من النص القرآني والنص غير القرآني النبوي أو الولوي, المشهور أنهم لا يعتنون بذلك, فإذا اعتنوا فاعتناهم قليل, في اعتقادنا أن هذه واحدة من أهم وجوه الخلل والنقص في المنهج المشهور, المنهج الصحيح هو أننا ننظر إلى النص الديني من خلال الظروف المحيطة بالنص لنفهم النص من خلال تلك الظروف, ولا نكتفي بالظهور اللغوي أو الظهور السياقي, الآن المتعارف نحن نرجع إلى أي مفردة أو أي جملة تركيبية ونكتفي في فهمها باللغة أولاً, وبالظهورات السياقية ثانياً.

    ولكن نعتقد بالإضافة إلى هذين الظهورين هناك ظهور ثالث وهو ظهور لبي محيطٌ بأي نصٍ صادر من النبي أو صادر من الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام).

    وهذان منهجان, يعني أن الفقيه عندما يريد أن يدخل عملية الاستنباط لابدَّ أن يعين المنهج الذي يختاره, كيف أنه في علم الأصول لابدَّ أن ينتهي إلى أنه إما خبر الواحد حجة فيدخل على أساس ذلك, وإما أن ينكر حجية خبر الواحد. فيدخل عملية الاستنباط على أساس ذلك, إما يقبل أن الظواهر القرآنية حجية فيدخل على أساس ذلك, وإما أن ينكر حجية الظواهر فيدخل, فهذه المسألة من المسائل المحورية في عملية الاستنباط, الفقيه ما لم ينتهي منها في الرتبة السابقة لا يحق له أن يدخل إلى عملية استنباط الحكم الشرعي.

    هذا المنهج, حتّى أن القضية لا تصير قضية نظرية, لعل من أوائل من كتب الفقه على أساس الرؤية, طبعاً لا تنسون هناك أحكام فردية وعبادية في الشريعة هذه لا ننظر فيها إلى البعد الاجتماعي يعني إذا شك بين الثانية والثالثة في الثلاثية ما هو البعد الاجتماعي, أبداً أي بعد اجتماعي لا يوجد لأن القضية قضية تعبدية الإمام قال الشك في الثلاثية مبطل, أما الشك في الرباعية فابني على الأكثر, نحن أيضاً نبني على الأكثر, لو قال ابني على الأقل لكان نبني على الأقل لو قال باطلة كنا نقول باطلة لماذا؟ هذه أمورٌ تعبدية, طبعاً أنا ليست من الأناس الذي اعتقد أيضاً بأنه فيها مصالح واقعية لا نفهمها لا لا أبداً, أصلاً لا مصالح ولا كذا, وإنما أمورٌ تعبدية لتربية الفرد على التعبد وعلى التسليم للشريعة.

    من قبيل أنه أنت ابنك جالس في مكان صغير تقول له قم من هنا واجلس هنا, يسألك شخص يقول لك لماذا؟ تقول له أريده أن يتعلم أن يسمع كلام, لا لأنه يوجد مصلحة هناك يوجد مفسدة وهنا توجد مصلحة لا, أنا لست من أولئك الذين اعتقد أن العبادات قائمة على أساس مصالح ومفاسد في متعلقاتها, نعم بعضها قد يكون كذلك, ولكن بشكل عام ليست كذلك, وهذا رأي جملة من الأعلام ومنهم سيدنا الشهيد+ على أي الأحوال.

    البعد الاجتماعي في الأحكام الاجتماعية لا في الأحكام الفردية.

    وهذه قضية لعله أفضل من كتب الفقه بلحاظ هذه الرؤية يعني أخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي في النص هو (الشيخ محمد جواد مغنية&) الشيخ محمد جواد مغنية في (فقه الإمام الصادق (عليه السلام)) لعله بتعبير سيدنا الشهيد [أول فقيه شيعي دخل هذا الباب] هذا تعبير سيد محمد باقر الصدر في حق الشيخ محمد جواد مغنية, أولاً: يعبر عنه فقيه, وثانياً: يعبر عنه أنه أول من دق هذا الباب واستطاع ان يكتب فقهاً استطاع أن يجدد الفقه استطاع … الآن فلسفة ذلك بنحو الجملتين ثلاث وإلا هذا البحث بحث أصولي وليس بحثاً فقهياً, يعني هذه المسألة لابدَّ أن نبحثها في بحث حجية الظهور, ما هي القرائن لانعقاد الظهور؟ أنتم تعلمون لكي ينعقد ظهور من الظهورات لابدَّ من الرجوع إلى اللغة لابدَّ من الرجوع إلى السياق, الآن لابدَّ أن نفهم الظروف الاجتماعية التي كانت محيطة بالنص.

    ما هو دليل هذه القضية؟ ما هو برهان هذه القضية؟ أعزائي, برهان هذه القضية مرتبط بفلسفة علم الاجتماع, نحن إذا دخلنا إلى فلسفة علم الاجتماع وعرفنا أن الظواهر الاجتماعية ليست ثابتة وإنما هي ظواهر متغيرة ولكن تغيرها أوسع وأطول من عمر الإنسان المتعارف ومن هنا قال السيّد محمد باقر الصدر في البحث السابق قال يخيل للانسان أن هذه الظواهر ثابتة, في الواقع ليست ثابتة ولكن هو يعيش خمسين سنة في مجتمع يوجد ثبات يجد كلّ التاريخ كذلك.

    أنا أقرأ لكم عبارة واحدة من أحد الأعلام بل أحد أكبر أعلام علم الاجتماع وهو ابن خلدون, ابن خلدون في مقدمته يوجد عنده بحث قيم ومهم جداً, وهو تحت عنوان: (قواعد فن التاريخ) يقول: [فإذن يحتاج صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع والأعصار] اختلاف في ماذا؟ [في السير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال والإحاطة بالحاضر من ذلك ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق أو بين ما بينهما أو بُن ما بينهما من الخلال] هذا لابدَّ أن يتثبت أن هذا الحاضر ينسجم مع ذاك الغائب, حتّى يقول حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد, أما إذا كان الغائب شيء والحاضر شيء آخر, فجعل الحكم لهما واحداً, هذا من قبيل أنه هو حاضر تطبق عليه أحكام السفر, هو مسافر تطبق عليه أحكام الحاضر, بطبيعة الحال يختلف. إلى أن يأتي يقول: [وما استكبر القدماء] استكبر يعني جعله كبيراً لا استكبار في مقابل استضعاف [وما استكبر القدماء علم التاريخ إلاَّ لذلك] لأهمية هذا العلم [حتّى انتحله الطبري والبخاري وابن إسحاق وأمثالهم من علماء الأمة وقد ذهل الكثير عن هذا السر حتّى صار انتحاله مجهلة] الذي يريد أن يشتغل في علم التاريخ وفلسفة التاريخ وفلسفة الاجتماع ماذا يقولون له؟ إذا لم يقل له جاهل, يقال له هذه علوم ثانوية هامشية يعبرون, أما تبقى سبع سنوات في الحاشية هذه ليست هامشية [واستخف العوام ومن لا رسوخ له في المعارف مطالعته وحمله وحمله والخوض فيه والتطفل عليه..] إلى أن يقول: [ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام] هذا يقول من الأخطاء الخفية لا الجلية, [وهو داءٌ دوي شديد الخفاء إذ لا يقع إلاَّ بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطن له إلاَّ الآحاد من أهل الخليقة] يتصورون أن الظواهر الاجتماعية ثابتة ليست متغيرة, [وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر] إنَّما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حالٍ إلى حال وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول سنة الله التي قد خلت في عباده]. جيد.

    ومن هنا تفهمون أنه لماذا أنا أقول بأنه لا يحق لأحدٍ أن يعطي رأياً حتّى في مسألة فقهية إن لم يكن مرجعاً شمولياً, لأنه إذا فصل علم الاجتماع عن عملية الاستنباط سوف يقع في مشكلة يتصور أن الأحكام الصادرة للزمان ألف وللظروف ألف هي نفس الأحكام الصادرة للزمان باء, مع أن زمان ألف له حكمٌ والزمان باء له حكمٌ آخر.

    ولذا هذا الذي قلته لم أقله من فراغ وهو أنه لا فقط أنه لم يثبت الأعلمية إذا لم يكن الإنسان شموليا بل لم يثبت له الاجتهاد إذا لم يكن شمولياً, نعم يكون مقلداً في حفظ بعض الكلمات, يحفظ هذه الكلمات وهذه الأقوال وينقلها, وأنتم أيضا الآن تجدون بحمد الله تعالى هذه ظاهرة التقليد صارت مسألة التقليد صارت واقعاً ظاهرة عند الكثير, الرسائل العملية لا تختلف إلاَّ في لون الجلد الذي يطبع بها وإلا عموم الرسالة العملية لا يوجد فيها فرق كبير, على أي الأحوال.

    أرجع إلى بحثنا, إذن أعزائي, وهذا إن شاء الله لعلي سأقف عنده قليلاً في بحثي الأصولي يعني في بحث تعارض الأدلة.

    ولكنه أشرت إليه باعتبار أن بعض الأعزة طلب مني قال سيدي طيب أنتم أشرتم إلى هذه القضية الأصلية في باب الإطلاق ولو تشيرون إلى دليلها؟ دليلها هذا, وهو مرتبط بعلم الاجتماع وبفلسفة التاريخ وما لم تفهم تلك لا يمكن أن نفهم هذا المعنى الذي أشرت إليه.

    طبعاً يكون في علمكم أن السيّد الشهيد+ في كتاباته في محاضراته فيما كتبه هنا وهناك كان يصر على هذا الأصل ولكنه أنا لا أعلم أن الظروف التي كان يعيشها في النجف الأشرف ماذا كانت الذي ما استطاع أن يطبق هذه على بعض الأبحاث الفقهية وإلا تصريحاته في هذا المجال أعزائي واسعة. في كتاب الذي طبع الآن في هذا الدورة الجديدة في كتاب (ومضات) لعله هناك في (ص188) يقول: [السؤال الذي يجب أن نطرحه بهذا الصدد هو: هل يصل الشخص الذي يحاول فهم النص إلى المعنى النهائي له بكل حدوده إذا أحصى الدلالات اللفظية من وضعية وسياقية واستوعب المعطى اللغوي للنص, الجواب بالإيجاب والنفي معاً, أما الإيجاب يقول نعم, وأما النفي إذا كان الشخص الذي يحاول فهم النص قد عاش الحياة الاجتماعية هذا لا يمكنه بمجرد فهم اللغة والسياقات أن يفهم النص الديني].

    هذا بحثه إن شاء الله مفصل لعلي أشير إليه في بحث التعارض, نرجع إلى بحثنا في مناقشتنا لكلام السيّد الخوئي.

    الرواية التي استند إليها وقرأنا هذه الرواية بالأمس وقبل الأمس مراراً وتكراراً في (ص544) قال: [الرواية صحيحة سالم بن مكرم وهو أبو خديجة], قلنا بأنه استدل بها على الإطلاق, والجواب عن ذلك: أولاً: أن من مقدمات الإطلاق عدم وجود القرينة عدم نصب القرينة والقرينة موجودة في المقام, ما هي القرينة؟ بالأمس أشرنا إلى نوعين من القرائن, القرائن الخاصة والقرائن العامة, (والقرينة العامة).

    أما القرينة الخاصة >حلل لي الفروج< وأما القرينة الثانية الخاصة قال: >وما يولد منهم إلى يوم القيامة< وهذا أشرنا إليه.

    وأما القرينة العامة, قلنا أساساً نصوص التحليل موضوعاً واحدة وعندما نرجع إلى ما قبل الإمام الصادق فهي مختصة بغير أرباح المكاسب, فشمولها لأرباح المكاسب يحتاج إلى دليل جديد.

    وذكرنا شاهداً على ذلك, قلنا صحيح أن الروايات في التحليل متعددة ولكن فيها قرائن متعددة تشير إلى أنه تحليلٌ واحد, وهذا التحليل الواحد قبل الإمام الصادق كان مختصاً بماذا؟ مختصاً بغير أرباح المكاسب لا يشمل أرباح المكاسب, وأشرنا إلى قضية في هذا المجال قلنا بحث الاستصحاب, قلنا أنه إذا وردت عدة روايات فيها قرائن تشير إلى أنها تتكلم عن موضوع واحد, فنحن لابدَّ أن نجمع كلّ هذه الروايات في محور واحد, لا أن نقرأ رواية رواية على انفراد, مثلاً على سبيل المثال أعزائي, تعالوا معنا إلى روايات الاستصحاب, روايات الاستصحاب أعزائي كلها تشير إلى أنه كما روايات الاستصحاب متعددة ولكن أنا أشير إلى روايتين ثلاثة منها. روايات الاستصحاب:

    الرواية الأولى: >قال: فإنَّ حرّك على جنبه شيءٌ ولم يعلم به, قال: لا, حتّى يستيقن أنه قد نام< إذن أخذ اليقين بالحدوث. وبعد ذلك شكٌ في البقاء, >حتّى يجيء من ذلك أمرٌ بين<. هذه الرواية الأولى.

    الرواية الثانية: >قال: قلت: ولمَ ذلك, قال: لأنك كنت على يقينٍ من طهارتك ثمَّ شككت< هذه الرواية الثانية.

    الرواية الثالثة: التي أيضاً بنفس هذه المضمون, وهي قوله >قال: يركع ركعتين وأربع فلان فلان.. قال: لا, إذا لم تدري ولا ينقض اليقين بالشك<. هذه الرواية الثالثة.

    هنا ورد الإشكال الذي أشرنا إليه بالأمس ما هو؟ إذا حصل للإنسان عنده إمارة على الحدوث فهل يمكن إجراء الاستصحاب أو لا يمكن؟ لا يمكن, لماذا؟ لأن النصوص كلها قالت على يقين, والظاهر من كلّ عنوانٍ أخذه في لسان الدليل أنه يؤخذ على أساس الموضوعية لا على أساس الطريقية, يعني ماذا؟ يعني اليقين لابدَّ من حصوله حتّى لا ينقض بالشك أما إذا لم يحصل اليقين وإنما حصل الظن ولو كان معتبراً فإنه يمكن نقضه بالشك.

    هذه مشكلة عويصة ولعله توجد سبعة أو عشرة أقوال في الجواب عن هذا الإشكال, لأن المعلوم عند الفقهاء أن الأمارة تقوم مقام القطع. طبعاً تقوم مقام القطع الطريقي لا مقام القطع الموضوعي كما بيناه مفصلاً في كتاب القطع.

    جملة من الأعلام ومنهم السيّد الشهيد قالوا: لا, الإمارة أيضاً كافية, سيدنا بأي دليل كافية؟ قال: توجد عندنا رواية صحيحة السند التفتوا إلى الرواية, قال: [>سأل أبي أبا عبد الله وأنا حاضرٌ إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير, فيرده عليّ فأغسله قبل أن أصلي فيه, فقال أبو عبد الله×, صلي فيه ولا تغسله من أجل ذلك<] هذه من الروايات الدالة على طهارة أهل الكتاب >صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك< ما هو الدليل؟ يا ابن رسول الله؟ قال: >فإنك أعرته إياه وهو طاهر< لا أنه >وأنت على يقين من طهارتك< إذن هنا في الرواية مأخوذ اليقين أو لم يؤخذ اليقين؟ لم يؤخذ اليقين, >فإنك أعرته وهو طاهر< لا كنت على يقين من طهارته, كان طاهراً, الآن كان طاهراً باليقين أو كان طاهراً بالإمارة لا فرق, سيدنا طيب هذه الرواية ما فيها يقين, تلك فيها يقين, يقول لا, باعتبار أن مجموع الروايات تتكلم عن موضوع واحد فإذا كان في وحدة منها لم يؤخذ اليقين الباقي أيضاً اليقين أيضاً غير مأخوذ.

    ولذا عبارته& في (تقريرات السيّد الهاشمي, ج6, ص94) هذه عبارته هناك, بعد أن ينقل الروايات في هذا المجال, في (ص111) هذه عبارته يقول: [وهذا الكلام لأن كان صحيحاً بالنسبة إلى صحاح زرارة فهو غير تامٍ بالنسبة إلى صحيحة عبد الله بن سنان, وحينئذٍ تصلح لأن تكون قرينة على حمل اليقين في سائر الروايات على الطريقية] مع أنه رواية واحدة, كذلك في روايات التحليل, صحيح أن بعض الروايات واردة في زمان الإمام الصادق ولكن بعضها وارد في زمان الإمام أمير المؤمنين, وحيث في زمان الإمام أمير المؤمنين ليست شاملة لأرباح المكاسب والموضوع واحد, فإذن لا يوجد عندنا دليل أنه في زمن الإمام الصادق أيضاً شاملة لأرباح المكاسب إلاَّ أن يقوم دليلٌ على أن الإباحة والتحليل موضوعٌ آخر.

    إذن أعزائي, الجواب الأوّل عن استدلال السيّد الخوئي, أن الإطلاق لا يتم لوجود القرينة على الخلاف إما القرينة الخاصة وإما القرينة العامة.

    الآن قد يقول قائل: دفاعٌ عن السيّد الخوئي, قد يقول: سيدنا في الرواية يوجد ما يدل على العموم أو الإطلاق وهو قوله: >أو تجارةً أو شيء أعطيه< هذه التجارة لا معنى لأن نفرضها مرتبطة بقضية السبايا والجواري المسبية, لأنه يوجد فيها عنوان تجارة.

    قد يقول قائل: سيدنا أن هذا القدر من الرواية يدل على الإطلاق ليشمل أرباح المكاسب أيضاً.

    من هنا يحصل الشك بين القرائن المتقدمة التي >حلل لي الفرج, ما يولد منهم يوم القيامة< والقرينة العامة وبين قوله >أو تجارة أو شيئاً أعطيه< فيحصل لنا شكٌ أنه يشمل أرباح المكاسب أو لا يشمل؟ هل يمكن التمسك بالإطلاق لإثبات أنه يشمل أرباح المكاسب أو لا يمكن؟ ماذا قلنا في البحث السابق, متى يجري الإطلاق؟ قلنا: يجري الإطلاق بشرط أن يكون الموضوع محرزاً واضحاً لا أنه يدور بين الأضيق وبين الأوسع, أليس هذا قرأناه لكم, الآن في المقام: موضوع خمس أرباح المكاسب وموضوع خمس غنائم القرآن الكريم هذا موضوع محدد أو أضيق وأوسع؟ لا إشكال أنه أوسع وأضيق, بأي قرينة؟ بقرينة أن السيّد الخوئي نفسه في المستند قال: أنه إلى زمان الإمام الصادق لا عين ولا أثر لأرباح المكاسب, أصلاً هذا الإسم لا يوجد.

    إذن نحن بعد زمن الإمام الصادق, عندما يقول الإمام حلالٌ لا نعلم أنه يريد الموضوع الأضيق أو يريد الموضوع الأوسع, هو ماذا قال السيّد الخوئي؟ في دراسات في علم الأصول, قال: إذا دار أمر المفهوم بين الأضيق والأوسع من حيث التطبيق في (ص342, ج2) قال: وهو إذا كان الشك في سعة المفهوم وضيقه في مقام التطبيق والانصراف بهذا المعنى يمنع الإطلاق. إذن يمكن التمسك بالإطلاق لإثبات الأوسع أو لا يمكن؟

    ولهذا قال: [إذ معه يشك في تحقق المقدمة الأولى لعدم إحراز كون العنوان مقسماً حينئذٍ فلابدَّ من إحرازه للتمسك بالإطلاق).

    إذن الإشكال الثاني الوارد على كلام السيّد الخوئي للتمسك بالإطلاق هو أن قوله ما ذكره في (مستند العروة الوثقى, ص348) قال: [ولكنا لا نعرف وجهاً لهذا التقييد] الجواب لا نعرف وجهاً لهذا الإطلاق لا أنه لا نعرف وجهاً لهذا التقييد, لأنه أنت ثبت الإطلاق حتّى تقول لا نعرف وجهاً في التقييد. ولكنه نحن أولاً: عندنا قرينة على التقييد, ثانياً: ولو شككنا وتنزلنا لو شككنا لا تتم مقدمات الحكمة لإثبات الإطلاق.

    إذن هذه الرواية التي هي عمدة الروايتين الواردتين في المقام لإثبات التحليل في زماننا إذا انتقل مال غير مخمس من شيعي إلى شيعي هذه الرواية لا يمكن الاستناد إليها.

    الرواية الثانية: فقط أنا أشير إليها لأن هذه الرواية الثانية من حيث المضمون أقوى من الرواية الأولى.

    الرواية الثانية: واردة في (الوسائل) وهي رواية موثقة >عن يونس بن يعقوب, قال: كنت عند أبي عبد الله فدخل عليه رجل من القناطين فقال جعلت فداك, تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات, نعلم أن حقك فيها ثابت, وإنا عن ذلك مقصرون<.

    امتياز هذه الرواية ما هو؟ وهو أنه لا تتكلم عن الفروض ولا تتكلم عن السبايا والمسبيات والجواري ونحو ذلك, وإنما تتكلم عن التجارة, إذن تتكلم عن أرباح المكاسب. ما أدري واضح صار. قال: >تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت, وإنا عن ذلك مقصرون, فقال أبو عبد الله×: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلكم اليوم<. هذه الرواية هي الرواية الثانية التي لابدَّ أن نقف عندها لنرى أنها تدل على ما ادعاه السيّد الخوئي وعموم تلامذة السيّد الخوئي وتلامذة تلامذة السيّد الخوئي أو لا. فإنَّ لم تتم هذه الرواية الثانية فهذه الفتوى المشهورة بين المعاصرين فلا أساس علمي لها.

    يأتي.

    والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2012/09/10
    • مرات التنزيل : 933

  • جديد المرئيات