أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
القول الثالث: لبيان حقيقة الملكية بحسب الاصطلاح الفقهي هناك أبحاث كثيرة في هذا المجال وتترب على ذلك أثار مهمة جداً. هذا القول ولعله مأنوس عند أذهان الأعزاء وهو أن الملكية هي أمر اعتباري ، طبعاً لا فقط الملكية بل كلّ الأحكام الشرعية هي أمور اعتبارية ، سواء كانت وضعية أو كانت تكليفية، الوجوب أيضاً اعتباري تارة الشارع يوجب وتارة لا يوجب طبعاً مسألة الاعتبار داخلة في صميم كلّ معارفنا، يعني هذا اللفظ وهذا المفهوم، يلازم طالب العلم، في مختلف الأبواب المعرفية، ولكنه لا توجد أبحاث تحقيقية ما معنى الاعتبار وما هي حدوده ومن بيده الاعتبار وهل يجري هذا الاعتبار على غير المعتبر أو لا يجري؟ عشرات الأسئلة، فإذا أراد الإنسان أن يكتب رسالة، فمن أهم الرسائل هي رسالة التمييز بين الأمور الحقيقية والأمور الاعتبارية، الأمور الحقيقية أشرنا إليها إما أن تكون متأصلة مثل الجواهر والأعراض، وإما أن تكون انتزاعية منشأ انتزاعها أمور تكوينية هذه كلها حقيقية أما الأمور الاعتبارية فواضح لا هي من القسم الأوّل ولا هي من القسم الثاني، لا هي من الأمور المتأصلة ولا هي من الأمور الانتزاعية. لعل المحققين الذين عرفوا إشكالات القول الأوّل والقول الثاني فيما يتعلق بالملكية ذهبوا إلى هذا القول الثالث، قالوا: أن الملكية بحسب الاصطلاح الفقهي لا هي من الأمور المتأصلة كما في القول الأوّل، ولا هي من الأمور الانتزاعية، كما في القول الثاني وإنما هي من الأمور الاعتبارية، من هؤلاء الشيخ المحقق الاصفهاني في حاشيته في الجزء الأوّل صفحة ثلاثين بعد أن ناقش الأقوال المتقدمة تفصيلاً والتي مررنا عليها إجمالاً، قال: الحقيق بالتصديق في جميع الوضعيات، كلّ الأحكام الوضعية من الملكية من الزوجية من الشرطية، من الشرط، من الصحة، من الفساد، المانعية وهكذا رئاسة كلّ هذه أحكام وضعية كلها العرفية والشرعية لا فرق أنها موجودة بوجودها الاعتباري لا بوجودها الحقيقي، هذا من جهة.
أوضح من ذلك: السيّد الخوئي قدس الله نفسه في محاضرات في الفقه الجعفري في صفحة تسعة وصفحة عشرين الجزء الثاني بعد أن ذكر أقسام الملكية قال: ثالثة: تطلق الملكية على الملكية الاعتبارية وهي سلطنة اعتبارية ثبتت باعتبار من بيده الاعتبار، فإما من بيده الاعتبار هو الشارع فيكون تأسيساً وأما من بيده الاعتبار هم العقلاء فأمضى الشارع فيكون امضائياً ومن هنا قسموا الأحكام الوضعية قالوا: تنقسم إلى تأسيسية والى إمضائية وذهب جملة من الأعلام منهم السيّد الأمام قدس الله نفسه أن كلّ أحكام المعاملات إمضائية وليست تأسيسية، كانت موجود، نعم موسعة في بعضها ضيق في بعضها ذكر موانع وإلا أصلها كانت موجودة عند العقلاء وهذا بحث في محله لابدَّ أن يبحث في باب المعاملات، وهذه الملكية بحسب الاصطلاح الفقهي المصطلح عليها بالاعتبارية وهذه الملكية ليست منتزعة من الأحكام التكليفية هذا رد على القول الثاني الذي أشرنا إليه، لثبوتها يقيم الدليل لثبوتها في موارد عدم ثبوت حكم تكليفي رأساً، نقول عندنا مجموعة الأحكام مجموعة من الملكيات مع أنه لا يوجد في موردها حكم تكليفي مع ذلك لا يوجد حكم وضعي إذن نكتشف أنه ليس منتزعاً وإلا لو كان منتزعاً لابدَّ أن يوجد في مورده ، طبعاً نوقش تفصيلاً نوقشت هذه النظرية كاملة ولكن أنا الآن ليس بصدد المناقشة فظهر بما بينا في صفحة عشرين أن الملكية أمر اعتباري في مقابل بقية الاعتبارات وليست منتزعة من الحكم التكليفي فهو قسم من الوضعي وقد أوضحنا حقيق الحكم التكليفي والوضعي في محله يعني في مصباح الأصول الجزء الثالث عندما وصل إلى بحث تقريباً من صفحة خمسة وتعسين فيما بعد وقف على المسألة تفصيلاً. (مداخلة)
نعم يذكر أمثلة كما لو كان المالك محجوراً عليه، أو كلياً كان المالك جهة، هذه لا يوجد أحكام تكليفية وكلامه غير تام لأن الجهات أيضاً فيها أحكام تكليفية.
قلت: إنه مفصلاً السيّد الشهيد والمحقق الأصفهاني كلهم ناقشوا، يقول لأنه بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي عموم من وجه قد يوجد وضعي ولا تكليفي ، وتكليفي ولا وضعي ، وقد يجتمعان. المهم الآن محل البحث هذه القضية.
هنا أولاً أبين أهمية بحث الاعتبار ، فإذا قال قائل: سيدنا قالوا اعتبار، أيضاً أنت قول اعتبار وتوكل على الله؟
الجواب: هذه الأبحاث أنتم بحمد الله مجموعة من الطلبة الذي صار للبعض منكم عشر سنوات عشرين سنة فإذا هذا أقوله فهذا في محاضرات في الفقه الجعفري موجود أو غير موجود؟ فأنت اذهب طالعه فلماذا تأتي إلى الدرس أنت جئت إلى هنا حتّى إذا يوجد نكتة إضافية أو هناك نظرية نحن نطرحها.
أعزائي الأحكام الاعتبارية, إثبات شيء من الأمور الاعتبارية أو من الأمور الحقيقية ليس من الترف الذهني, كما قال البعض صار أصالة وجود أو أصالة ماهية, والله اعتقادنا بالله لا يختلف أصالة وجود أصالة ماهية نحن معتقدين بالله. لو كان الأمر كذلك أي ليست له ثمرة وثمرة إنما تظهر بالنذر, تلاحظون جملة من الفقهاء عندما يذكر قضية يسأل ما هي الثمرة؟ يقول: لو نذر, يعني أنه ثمرة عملية لا توجد مضطر أن يضرب مثال بأمر فرضي لو نذر هكذا يكون. أعزائي بحث الحقيقي والاعتباري ليس بهذه الطريقة لأنه إذا ثبت أن الشيء من الأمور الحقيقية تترتب مجموعة من النتائج, وإذا ثبت أنه من الأمور الاعتبارية تترتب أشياء أخرى من النتائج.
أضرب مثالاً – ولو كان هذا البحث متأخر لكن أقدمه حتى يعرف الأعزاء أهمية البحث وفائدته أنه ليس بحثاً ترفياً وان لم يعرضه الأعلام ولكنه بحث حقيقي بحث مهم- أنتم تعلمون أنه الآن نحن عندنا استدلالات فلسفية استدلالات عقلية استدلالات منطقية عبروا ما تشاءون نقوم بعمل قياس من الشكل الأول وقياس من الشكل الثاني ومقدمات وهذه المقدمات برهانية وضرورية وكلية إلى آخر الابحاث التي قرأتموها في المنطق فيوجد بحث بين الأعلام يقولون هذه القواعد التي ذكرت, أو أنه مثلاً التعريف إنما يكون التعريف حقيقاً إذا كان جامعاً مانعاً, وإلا إذا لم يكن جامعاً مانعاً فالتعريف هل يكون صحيحاً أو لا يكون صحيحاً؟ لا يكون صحيحاً, لا يكون جامعاً. هذه الأحكام هذه القوانين هذه القواعد التي ذكرت في علم المنطق ذكرت في الأبحاث العقلية ذكرت في الأبحاث الفلسفية هذه دائرة عملها الأمور الحقيقية والاعتبارية معاً لو مختصة بالأمور الحقيقية؟ فإن قلنا: أن تلك القواعد تجري كما تجري في الأمور الحقيقية تجري في الأمور الاعتبارية إذن انك تستطيع كما تستدل على المسائل الحقيقية كإثبات وجود الله عندما تدخل في بحث المكاسب وبحث الشرط المتأخر والمتقدم أيضاً تطبق تلك القواعد, بينك وبين الله المشروط عدم عند عدم شرطه هذه قاعدة, يعني المشروط يمكن أن يوجد إذا شرطه غير متوفر لماذا؟ لأن المشروط متأخر وجوداً عن وجود الشرط يعني أن الإحراق إنما يتحقق إذا وقع تماس بين الورق وبين النار , ويصير إحراق وتماس فهل ممكن هذا؟ نقول: هذا غير ممكن لماذا؟ لأن الشرط متقدم على المشروط.
سؤال: على هذا الأساس إذا وجدنا في أي دليل من الأدلة النقلية الشرعية أن الشرط متأخر فهل يعقل أو لا يعقل؟ يعني المشروط متقدم ولكن شرطه متأخر فهذا غير معقول, لماذا؟ لأن المشروط لا يوجد إلا بعد وجود شرطه , فإذا قلت: إن الأحكام الاعتبارية تنطبق عليها القواعد العقلية, إذن هذا الشرط المتأخر بشكل من الإشكال لابد من تحويله إلى شرط متقدم أو مقارن وإلا إذا لم تفعل فهو مستحيل فهل الصورة واضحة؟
مثال آخر: الصلاة مركبة من عشرة أجزاء, ومن أجزائها التكبير, القراءة, الركوع, السجود, الذكر… فلو تركت أي واحدة عمداً صلاتك تكون باطلة. سؤال: إذن الصلاة مركب أو بسيط؟ مركب من عشرة أجزءا يوجد قانون فلسفي أو قاعدة عقلية تقول: أن المركب ينعدم بانعدام جزء واحد فلو كان مركب من مئة جزء وواحد انتفى فالمركب لا يبقى الماء مركب من عدة عناصر معروف من عنصرين وان كان أكثر هيدروجين وأوكسجين هذا متعارف فإذا أخذنا منه عنصر فهل يبقى ماء أو لا يبقى ماء؟ محال أن يبقى ماء وإلا مأخوذ منه مركب ما ليس بمركب.
سؤال: الصلاة كم جزء؟ افترضوا عشرة أجزاء تعالوا معنا إلى قاعدة لا تعاد الصلاة إلا من خمسة, سؤال إذا أنا تركت الأجزاء الأخرى ولو كان سهواً ونسياناً, الصلاة أليست مركب فكيف قاعدة لا تعاد تقول بأن هذه الصلاة صحيحة, هذه ليست صلاة إذا طبقنا قواعد العقلية على الأمور الاعتبارية لابد من جريان كل القواعد وإلا من الأول تقول: أن القواعد العقلية لا علاقة لها بالأمور الاعتبارية.
إذن تشخيص أن المسألة اعتبارية أو أن القضية اعتبارية أو حقيقة لها ثمرة أو ليس لها ثمرة؟ لها ثمرة جداً مهمة, يعني بعبارة أخرى هذا كتاب المكاسب حاشية المكاسب الاصفهاني هذا مبني على أن كل القواعد العقلية تنطبق على الأمور الاعتبارية ولها عندما تقرأ هذه الحاشية تقرأ فلسفة لا تقرأ فقه, كل القواعد الفلسفية هنا مطبقة تقول: على أي أساس يقول لا فرق, ولكن السيد السبزواري قدس الله نفسه في تهذيب الأصول يقول أبداً كل علاقة لا يوجد لها فأصوله صار جزء واحد أربعمائة صفحة يقول هذه الأصول التي نحتاجها اما تأتي عند السيد الصدر يقول الأصول التي نحتاجها عشرين مجلداً فالثمرة كبيرة جداً.
إذن لا يقول قائل: لماذا نقف عند الأمور الاعتبارية فما هي علاقتنا بالأمور الاعتبارية.
لا عزيزي, بحث الأمور الاعتبارية داخل في صميم كل الأبحاث عندنا بلا فرق من هنا أعزائي سوف نقف قليلاً عند مسألة الأمور الاعتبارية حتى يتضح ما هو المراد من الأمور الاعتبارية.
السؤال الأول: ما هو المراد من الاعتبار في المقام, فعندما نقول اعتبار, قال السيد الخوئي الملكية من الأمور الاعتبارية, فيا سيدنا على الأقل اذكر سطر وقل: والاعتبار كذا, حتى نعرف أنت مقصودك من الاعتبار ما هو, لم يرد, ولكنه حتى يتضح للأعزاء بالإمكان الرجوع إلى أصول الفلسفة للسيد الطبطبائي وترجمة السيد عمار أبو رغيف هناك الجزء الأول صفحة أربعمائة وخمسة وثمانين, هذا تعريفه, يقول: الادراكات الاعتبارية يعني المفاهيم الاعتبارية عبارة عن فروض , فإذن هي أمر غير واقعي أنت تفرض ولكن ليس بحسب الأهواء وإنما لحاجات اجتماعية تنظيم الحياة والى غير ذلك. عن فروض يصطنعها الإنسان بغية سد حاجاته الحياتية, حتى نستعجل البحث أنت تضع شيء تسميه تنظيم المرور , فهذه لماذا تضعها , تقول إذا لم نضعها تصبح فوضى , فإذا أنت لم تعش إلا وحد فهل تحتاج إلى قوانين مرور بعد, فلا يوجد تزاحم حتى تضع قوانين المرور, إذن هي فروض قوانين تضعها ولذا تختلف من مجمع إلى مجتمع آخر , وتختلف من زمان إلى زمان آخر, نفس هذا المجتمع الذي تعيش به اليوم يضعون لك مجموعة من القوانين بعد خمس سنوات يقولون إعادة النظر لماذا؟ يقول: القضايا تعقدت ولا يمكن فلا بد من تنظيمها من جديد , فهي – انتبه للمعنى العام- فهي ذات طابع فرضي جعلي , مجعولة من قبلك , فالجاعل إما الشارع إما العقلاء إما الأب إما ولي الأمر أي كان غير مهم, الآن الجاعل لا نتكلم عنه نتكلم عن المجعول وليست لها علاقة بالواقعيات ليس أمور واقعية أصلاً لا واقعية من النحو الأول ولا واقعية من النحو الثاني, هذا التعريف الاجمالي. توضيحه يأتي فقط أنا المبدأ التصوري وإلا تفصيله والقدر الذي نحتاج إليه سوف أبينه. هذا المورد , السؤال الأول.
السؤال الثاني: ما هي أقسام الأمور الاعتبارية؟ الأمور الاعتبارية قسم أو أقسام؟
الجواب: تنقسم الأمور الاعتبارية إلى قسمين:
أمور اعتبارية يجعلها الإنسان ولو كان يعيش بمفرده في هذا العالم افرضوا أن إنسان وقعت به – كما تقرأون في القصص من طفيل وغيره- وقع في غابة ومضطر أن يعيش وحده إلى آخر العمر هذا هل يحتاج إلى أمور اعتبارية ؟ الجواب نعم يحتاج , هذه عبر عنا الاعتباريات ما قبل الحياة الاجتماعية, الآن لماذا يحتاج إليها في الواقع اعتذر عن شرحها لأن شرحها يحتاج إلى درس, أصلاً لماذا يحتاج، ولذا أنصحكم إلى الرجوع الجزء الأوّل صفحة خمسمائة وثلاثة وسبعين ، يذكر مجموعة واحدة من هذه القضايا التي يحتاجها أصل استخدام وستخير كلّ شيء من أجل مصالح نفسه، هذا أصل لا يفارق الإنسان حتّى لو كان يعيش وحده، فعندما يعيش وحده يذهب إلى الحيوانات ويسخرها ويذبحها لأكلها يفعل أو لا يفعل؟ يفعل؛ لأنه يحتاج يأكل، ويحتاج يهيئ لنفسه عند نزول المطر، وعندما تحدث الصواعق وعندما يحدث العجاج فانه يقوم بعمل مكان لنفسه فيذهب إلى الطبيعة ويسخرها ويفعل لنفسه ليحمي نفسه، فيسخر كلّ أشكال الموجودات حوله لخدمة نفسه، هذا الذي يصطلح عليه في علم الاجتماع الحديث بفطرة استخدام الآخر ، الذي يعبر عنه القرآن الكريم بفطرة التسخير {يتخذ بعضهم بعضاً سخيراً} وعندنا سخريا السخرية الاستهزاء سخريا يعني يسخر بعضهم بعضاً أصل طبيعة الإنسان فطرة الإنسان لا يستطيع بدون تسخير ، ولذا القرآن الكريم أيضاً قال: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه} كلّ شيء من أجلك أيها الإنسان وهذا غير متوقف أن يكون في اجتماع أو ان يكون على انفراد وهذه الفطرة، الإنسان ليس اجتماعي بالطبع كما تقول نظريات الاجتماع أبداً، الإنسان مستخدمٌ بالطبع مسخر فإذا وجد أحداً مثله سخره ليخدمه بكون في خدمته ومن هنا الاجتماع يأتي متفرعاً على أصل فطرة الاستخدام، ولذا تجد كلّ المدنية والحضارة الإنسانية قائمة على مسألة الاستخدام واحد بالقوة يستخدم وواحد بالقانون الجبابرة بالقوة والجبر والاستبداد يستخدم الآخرين والآخرون يستخدمونهم بالقانون ، وإلا الاستخدام قائم، أبداً ، والكل يستخدم الكل، هم الطبيب يستخدم المريض، وأيضاً المريض يستخدم الطبيب ولكن كلّ بحسبه ، هذا يستخدمه حتّى يأخذ منه فلوس، وهذا يستخدمه حتّى يعالجه كلّ يستخدم الآخر ولا يوجد أحد يستطيع أن يتخلّص، هذه نسميها اعتباريات ما قبل الاجتماع التفاصيل تأتي في محلها وتعالوا معنا إلى القسم الثاني وهو اعتباريات ما بعد الاجتماع، وهذا يبدأ من صفحة ستمائة أعزائي واحدة من أهم الأمور التي استحدثها الإنسان بعد اجتماعه مع الآخر اللغة وإلا لا يوجد أحد آخر فهل يحتاج إلى اللغة أو لا يحتاج! ولذا تجدون أن الذين يعيشون مناطق على انفراد ولو يصير عمره خمسين سنة فهل يعرف اللغة أو لا يعرف اللغة، نعم عنده مجموعة من الأصوات كالحيوانات لماذا؟ لان هذا يقلد فيها الحيوانات لأنه رآها في الطبيعة، وإذا هذه أيضاً لم يراها يراها في الرعد والبرق ونحو ذلك ، اللغة ظاهرة اجتماعية وليست ظاهرة إنسانية ، يعني ظاهرة إنسانية بتبع الاجتماع لا ظاهرة إنسانية بما هي هي. وهذه فيها آثار خطيرة جداً، لماذا؟ لأن الحياة الإنسانية الاجتماعية ثابتة أو متطورة؟ متطورة، فاللغة…
تكلموا بالكليات، واقعاً إذا فرضنا أن اللغة ظاهرة اجتماعية والظواهر الاجتماعية متطورة متبدلة متعقدة يمكن أن تبقى ظاهرة اللغة ثابتة أو لا يمكن؟ محال. لماذا؟ إلاَّ أن تفصلها عن كونها ظاهرة اجتماعية، ومن هنا يدخلون أصحاب فلسفة علم اللغة أو ما يصطلح عليه حديثاً بعلم الألسنيات وهو من العلوم الحديثة القيمة المعقدة المفيدة جداً، فعلى هذا الأساس هذا القرآن النازل لك نازل مرتبط بأي لغة! ما قبل أربعة عشر قرناً أنت الآن تضع القرآن أمامك تريد أن تفهم المفاهيم والجمل والتراكيب بأي نظام، بنظام ألف أربعمائة سنة أو بهذا النظام الذي تريد أن تفهمه، فهذا النظام غير ذاك النظام، فأنت إذا تريد أن تفهم القرآن لابدَّ أن ترجع وإذا صح التعبير تتقمص شخصية أولئك الذين عاشوا تلك الظروف حتّى تفهم الألفاظ القرآنية والمفاهيم القرآنية والجمل القرآنية وهذا بحث معقد في علوم القرآن، وهذا عادة لا يطرح، مطلق ومقيد وناسخ ومنسوخ إلى آخره.
المهم هذا الأصل أعزائي ما بعد الاجتماع، من الأمور ما بعد الاجتماع أصل الملك، الآن لماذا جاء أصل الملك، لأن الإنسان بمقتضى احتياجاته وجد أنه لابدَّ أن يتبادل مع الآخرين فبدأ بحالة المقايضة أولاً، حاجاته كانت ضيقة فكان يعطي صوف يأخذ تمن، يعطي حليب يأخذ رقي، ولكن بعد أن تعقدت الحياة الاجتماعية وجدت ظاهرة النقد في حياة الإنسان، وهذه هي التي سهلت الأمور المعاملة، إذن الملك: ظاهرة اجتماعية بعد الاجتماع هذا ثانياً.
إذن الملك، واللغة، الرئاسة والمرؤوسية هذا رئيس وهذا مرؤوس هذا قائد أعلى وهذا قائد أدنى وهذا وزير وهذا مدير عام هذه متى وجدت؟ فإذا وحدك أنت بينك وبين الله رئيس على مَن؟ لا معنى له، مرؤوس مَن؟ لا يوجد أبداً، فوجدت ظاهرة الرئاسة والمرؤوسية والتي كلّ هذه الأحكام بحسب الاصطلاح الفقهي نسميها أحكام وضعية، وجدت ظاهرة الزوجية أصلاً ظاهرة الزوجية إذا تعيش وحدك أصلاً لا معنى للزوجية، الزوجية معناها وجود ثانٍ معك، وجدت كلّ هذه الأحكام تبع الظاهرة الاجتماعية وترتب على الرئاسة والمرؤوسية ظاهرة الأمر والنهي وإلا إذا رئيس ومرؤوس لا يوجد فهل يوجد أمر ونهي! لمَن تأمر ولمَن تنهى! من الذي يطيع ومَن الذي لا يطيع! أصلاً كلّ علاقة لا يوجد. وترتب على ظاهرة الأمر النهي ظاهرة الثواب والعقاب لأنك تريد تدفع تحث على إطاعة الامر فتضع له ثواب تريد تمنع عن العصيان فتضع عقاب ، هذه كلها نتجت من ظاهرة الاجتماع، هذه كلها أمور اعتبارية وإلا لم يكن اجتماع لا ملكية ولا لغة ولا رئاسة ولا أمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا كلّ شيء.
فيوم القيامة نعيش اجتماعي أو نعيش فردي؟!
الأبحاث هي كسلسلة حلقة واحدة، المعارف الدينية مترابطة، {ويأتينا يوم القيامة فرداً} أبداً، أب، أم، أخوة، أخوات، نسب عائلة، اجتماع نسب، صهر، لا سبب ، لا نسب لا لا. إلاَّ نسبي وسببي (صلّى الله عليه وآله) هذا حساب آخر له، أما ما هي هذه الاستثناءات في كلّ مكان يذهب المصطفى استثناءاته محفوظة لماذا له لا أدري! المهم فإذا كان الأمر كذلك فأنتم تقولون يعيش مع الحور العين يعيش مع الولدان المخلدين يعيش مع كذا وكذا متقابلين فما هذه؟ هذه كلها تحتاج بيانات.
النتيجة إذا صار حكماً فردياً إذن لا معنى لا للتشريع ولا للملكية ولا للرئاسة ولا للمرؤوسية ولا للثواب وبعبارة أخرى هل يوجد ضرورة للشريعة أو لا يوجد ضرورة؟ الشريعة إنَّما جاءت لتنظيم الحياة الاجتماعية.
يأتي إن شاء الله تعالى.