بسم الله الرحمن الرحيم
مطارحات في العقيدة
القرآن في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)
القسم الثاني
المقدّم: السلام عليكم.
القرآن في حديث رسول الله في قسمه الثاني.
أرحب بسماحة السيد كمال الحيدري.
هل يمكن إيجاز ما تقدم لكي نبدأ بحديث اليوم؟
سماحة السيّد:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
في الواقع بأنه أشرنا في الحلقة السابقة ووقفنا عند بعض الأحاديث التي تكلمت عن أهمية ومحورية القرآن في جميع المعارف الدينية وخصوصا المعارف العقدية، ذكرنا مرارا أن المشكلة وأن الفتن التي وقعت بين المسلمين في الأعم الأغلب إنما كان منشأها البحوث العقائدية وإلا المسائل التاريخية والمسائل الفقهية وأمثالها وإن كان لها دور في وقوع الاختلاف إلا أن الاختلاف الأساسي إنما وقع في المسائل العقائدية على مستوى التوحيد والإمامة والمعاد ومستوى المسائل المرتبطة بالأبحاث العقدية عموما. ومن هنا نحن حاولنا أن نعرف دور القرآن في تأصيل المعارف العقدية، وهذا ما أردنا أن نقف عنده من خلال حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أن رسول الله هل يعطي المحورية الأولى للقرآن الكريم أم لا يجعله كأي مصدر من المصادر الأخرى؟
أشرنا إلى بعض الأحاديث في الحلقة السابقة وانتهينا إلى هذا الحديث الذي ورد عن الإمام أمير المؤمنين ونقله إلينا الحارث الهمداني صاحب أمير المؤمنين عليه السلام وذكرنا عن ابن كثير في فضائل القرآن أنه قال: أن هذا الكلام فيه نفسه صحيح وحسن وتام، نعم إنما الاختلاف أن هذا هو كلام أمير المؤمنين أو أنه مرفوع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلا في نفسه فهو كلام تام والحق والإنصاف كلام في غاية الإتقان من ابن كثير في فضائل القرآن. أين المشكلة في الحارث الهمداني؟ قلنا بأنه حاول البعض من المعلقين الذين قرأنا أسمائهم بالأمس أن يصوروا أن الحارث الهمداني مورد إجماع على ضعفه وتوهينه وعدم الاعتماد على أحاديثه ورواياته، هذا هو التصور الذي حاول البعض أن يلقيه كما قرأنا من عبارات أحمد محمد شاكر، من عبارات لعله الألباني وغيره وغيره، ولكنه اتضح لنا وقرأنا بالأمس أن الأمر ليس كذلك وأن الحارث الهمداني وقع مورد الكلام حتى أن النسائي الذي متشدد ومتعنت في قبول الرواية في مسألة الجرح والتعديل وجدنا أنه اعتمد على الحارث الهمداني، إذن ما يحاوله البعض من أن يصور أن الحارث الهمداني هو مورد الطعن بإجماع أهل الجرح والتعديل هذا كلام في غاية السقوط وعدم الدقة العلمية، والشاهد على ما أقول أنتم انظروا إلى مسند الدارمي الذي أشرنا إليه بالأمس في مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي للدارمي المتوفى 255 من الهجرة، تحقيق حسين سليم أسد الداراني الجزء الرابع أعزائي في صفحة 2100 بعد أن ينقل الرواية أنا أنقل الرواية، رقم الرواية 3375، الرواية: « عن الحارث عن علي قال: قيل يا رسول الله إن أمتك ستفتتن من بعدك < ستقع الفتنة من بعدك فما الملجأ؟ إلى من نلجأ؟ « قال: فسأل رسول الله أو سُئل < إما علي سأل رسول الله، أو أن علي جالس وهناك من يسأل رسول الله، « فسأل رسول الله أو سئل ما المخرج منها قال: الكتاب العزيز، الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد < وهذه الخصوصية لا يمكن أن توجد في غير القرآن الكريم لأن الأحاديث بلغت ما بلغت من الصحة والوثاقة ودقة المتن والسند والكتاب وصحيح البخاري وصحيح الكافي سمه ما تشاء، في النتيجة توجد عشرات الآفات التي أصيبت بها الروايات، من قبيل الوضع ومن قبيل التقية والنقل بالمعنى ومن قبيل التعارض ومن قبيل تقطيع الروايات ومن قبيل الاعتماد على المحفوظات، بعد ذلك سيأتي أن التدوين لم يقع إلى في سنة مائة وخمسة وأربعون من الهجرة، يعني قرن ونصف مر على حديث رسول الله أما بخلاف القرآن. إذن لا يوجد هناك متن يمكن الاعتماد عليه 100 في 100 إلا القرآن الكريم، ولذا بأسا وتعسا لأولئك الذين يقولون أن هذا القرآن محرف، باعتبار إذا حرّف القرآن الكريم إذن ما المخرج؟ الروايات فيها ما فيها والقرآن أيضاً كذلك إذن لا يوجد عندنا شيء، يعني بعبارة أخرى ستفتتن من بعدك فما المخرج؟ إذن لابد أن ننام في البيت ونرى في الرؤيا ونحل المشاكل من خلال الرؤى، كما الآن بدؤوا يخدعون الناس أن فلان رأى رسول الله في النوم وقال كذا ورأى فلان قال كذا وفلان التقى بالإمام الحجة قال له كذا وكذا. يعني نحن إذا قطعنا اليد أو انقطعت أيدينا من القرآن الكريم ومن الرواية بعد لا يبقى لنا إلا الحكايات التي قال عنها المحدث النوري بأنه حكايات اللقاء بالحجة حتى نأخذ الأوامر والنواهي من الحجة. إذن قال: « الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، من ابتغى الهدى في غيره فقد أضله الله < تقول: حتى العترة، نقول نعم لأن العترة لا تتكلم إلا بالقرآن، فإذا وردنا من العترة ما يخالف القرآن ضربنا به عرض الجدار أيضاً، هم أهل البيت قالوا لنا: ما أتاكم عنا اعرضوه على كتاب ربنا فإن وجدتم علىه شاهد أو شاهدان فنحن قلناه وإلا لم نقله زخرف اضربوا به عرض الجدار. وهكذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيأتي إن شاء الله في الليالي القادمة عندما نقف عند ما هو دور الحديث، سنقول المحورية أولا وأخيرا للقرآن الكريم، « قال من ابتغى الهدى في غيره فقد أضله الله ومن ولي هذا الأمر من جبار فحكم بغيره قصمه الله، هو الذكر الحكيم، والنور المبين، والصراط المستقيم فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل وهو الذي سمعته الجن فلم تتناهى أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عبره ولا تفنى عجائبه ثم قال علي للحارث: خذها يا أعور <. في الحاشية قال: « إسناده حسن <، مع أنه الراوي هو الحارث بن أعور الهمداني ولكنه الداراني يقول إسناده حسن، ليس الأمر كما يصور أحمد محمد شاكر والألباني وأمثاله أنه متفق على أنه ضعيف جدا، « إسناده حسن، الحارث بن عبد الله الأعور بسطنا القول فيه عند الحديث كذا إلى آخره <.
إذن إلى هنا اتضح أنه أساسا، طبعا لا يحتاج أن أؤكد على هذه القضية أن المشكلة الأصلية التي ذكرت للحارث الهمداني لم يكن لأنه بيني وبين الله كان شاربا للخمور، لم يكن لأنه كان كذا وكذا وكذا، وإنما كان شيعيا، كان محبا لعلي عليه السلام، كان صاحب علي، كان خادما لعلي، الآن من هو علي؟ هو علي الذي قال عنه رسول الله: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى <، الذي قال فيه: « لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق <، الذي قال فيه رسول الله: « من احبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله <، أنا لا أعلم بيني وبين الله ما الذي فعل لهم علي حتى أنه من أحب عليا يوضع في القائمة السوداء؟ واقعا الجواب للتاريخ، هذه علامة استفهام كبيرة على التاريخ، لماذا أن الحارث الهمداني مع كل عظمته وقدره وجلالته لأنه صار صاحب علي لابد أن يوضع في مورد أو في قائمة ضعيف جدا جداً.
المقدّم: سماحة السيّد قبل أن ندخل في الأحاديث الأخرى في هذا المجال نحب أن نستوضح موقف علماء المسلمين وخاصة علماء أهل السنة فيما يتعلق بشيعية الراوي، هل يقبلون رواية الراوي الشيعي أم لا؟
سماحة السيّد: واقعا سؤال مهم وأساسي. في الواقع بأنه فيما يتعلق بالموقف من الرواة الشيعة الذين رووا الحديث عن رسول الله، لا رواة الذين رووا الحديث عن الأئمة، لا بل أتكلم عن الرواة الذين رووا الحديث عن رسول الله، الآن سواء كانوا من الصحابة أو كانوا من التابعين أو من تابع التابعين ولكن كانوا من شيعة علي أو أولاد علي، كانوا من الرافضة بحسب الاصطلاح، في الواقع يوجد موقفان:
الموقف الأول: الذي بدأ به الإسلام الأموي، الذي حاول بكل ما أوتي من قوة أن يقصى كل التراث الذي ورد لا فقط عن علي بل كل من هم من شيعة علي، ولهذا لاحقوهم في كل مكان، وهذا هو الإسلام الأموي وأنا تكلمت عن هذه الظاهرة في أبحاث سابقة وخرج كتاب بعنوان معالم الإسلام الأموي. هذا الموقف وهو إقصاء المعارف التي وردت عن علي وأتباع علي وشيعة علي، هذا الموقف لم يكن له تأثير كبير إلى أن جاء ابن تيمية، وأسس لهذا الموقف ونظر لهذا الموقف بالنحو الذي أراد أن يقول للناس، التفتوا جيدا، أنا أنقل كلمات وأنا من الناس لا أصدق أنه يوجد عالم مسلم ويقول مثل هذا الكلام، ولكنه سأنقله للأعزة، وهو أنه الشيخ ابن تيمية في كتبه أصر على هذه الحقيقة وهو أنه اتفقت وأجمعت، لا فقط اتفاق بل إجماع أهل العلم على أنه إذا كان الراوي من الرافضة ومن الشيعة فلا يقبل حديثه. انتهى، إذن بعد لا نحتاج إلى أن نبحث كثيرا في الراوي في الجرح والتعديل، بمجرد أن نعرف أنه شيعي يسقط حديثه عن الاعتبار، طبعا في الوقت الذي يصرح الشيخ ابن تيمية أن كل أصحاب البدع والأهواء إذا كانوا على كذا يقبل حديثهم إلا الشيعة. التفتوا جيدا. يقول: أن كل أصحاب البدع والأهواء تقبل رواياتهم مع بعض الشروط إلا الرافضة فإنه ترفض روايتهم مطلقا، وهذا ما اتفقت عليه كلمة علماء المسلمين كما يقول. قد يقول قائل أنه ليس من المنطقي أن يقول هذا ابن تيمية.
تعالوا معنا إلى منهاج السنة لبن تيمية، الدكتور محمد رشاد سالم، الجزء الأول، ص 37، هذه الطبعة التي أربع مجلدات، والطبعة التي هي ثمان مجلدات الجزء الأول ص 59، يقول: « وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية (من لهم علم وهم علماء الجرح والتعديل) والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف <، لا فقط كذبة بل أفعل التفضيل، « والكذب فيهم قديم، (ليست هذه جديدة)، ولهذا كان أئمة الإسلام (بلا أن يقول من هم) يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب <، بماذا يمتاز شيعة علي بن أبي طالب؟ بكثرة الكذب، يعني لا توجد لهم أي امتياز وأي صفة أخرى، ثم يبدأ بنقل جملة من كلمات أعلام الاتجاه الأموي لإثبات هذه الحقيقة، إلى أن يأتي في ص 39 من منهاج السنة الجزء الأول يقول: « و رد شهادة من عرف بالكذب متفق عليه بين الفقهاء < وحيث أن هؤلاء أكذب الطوائف إذن الاتفاق بين الفقهاء على رد أحاديث الشيعة. سؤال: لماذا الشيعة فقط؟ هل غيرهم يشتركون؟ قال: « أما غيرهم من أهل الأهواء والبدع < يقول: « وتنازعوا في شهادة سائر أهل الأهواء < في الشيعة اتفاق يوجد انه لا يقبل ولكنه وقع النزاع، باقي أصحاب الأهواء تقبل شهادتهم أو لا تقبل؟ قال: « هل تقبل مطلقا؟ ( هذه النظرية الأولى) أو ترد مطلقا؟ (هذه النظرية الثانية) أو ترد شهادة الداعية إلى البدع؟< إذا كان أهل البدعة يدعوا إلى بدعته داعية فترد شهادتهم أما إذا لم يكن هذا تقبل، قال: « وهذا القول الثالث هو الغالب على أهل الحديث< وهو الذي يرجحوه. إذن واضح نظرية ابن تيمية تأسيسا للاتجاه الأموي أن الراوي بمجرد أن يثبت أنه شيعي فهو كاف لإسقاط أي اعتبار له، وحيث أن الحارث الهمداني هو شيعي، إذن يسقط، إذن هؤلاء من أحمد محمد شاكر والألباني و… كلهم تبع لهذه النظرية. هذا المورد الأول.
المورد الثاني: في مجموع فتاوى ابن تيمية، المجلد الثالث عشر، صفحة 32، يقول وعلى هذا الأساس تفهم لماذا أن كتب أهل الحديث لم ينقلوا من رواة الشيعة.
المقدّم: يعني إقصاء وقتل معرفي.
سماحة السيّد: وإيجاد قطيعة معرفية كاملة، يعني لا نريد أن نستعمل الاصطلاحات الحديثة ولكن إيجاد قطيعة كاملة بين المسلمين. إذن نظرية توجد هناك، يوجد مشروع بدأه الأمويون وأسس له ابن تيمية والآن نجده. يقول: « والشيعة لا يكاد يوثق برواية أحد منهم < بلا استثناء، وحقكم لو كانوا شياطين لا أقل، « لا يكاد يوثق برواية أحد منهم، من شيوخهم لكثرة الكذب فيهم ولهذا أعرض عنهم أهل الصحيح <، لم ينقل عنهم أهل الصحيح أي رواية، الآن بعد ذلك سنبين أنه هذا الكلام صحيح أوّلاً؟، « فلا يروي البخاري ومسلم أحاديث علي إلا عن أهل بيته كأولاده مثل الحسن والحسين وفلان <، أما أصحابه كذا فلا يروي. هذا كلام ابن تيمية. وسار على هذا المنهج في إيجاد القطيعة بين الشيعة وبين أهل السنة. من؟ طبعا هذه صارت مدرسة أسس لها ابن تيمية، وبعد ذلك جاء تلامذته ومن يسير على نهجه فأسسوا لنفس النظرية، تعالوا معنا إلى تاريخ الإسلام للذهبي، بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف، المجلد الثالث دار الغرب الإسلامي في ص 776، في أحداث السنة 43 ومائة، التفتوا إلى عبارات الذهبي حتى تعرفون أن النظرية كيف بدأت تمشي وتسير. يقول: « وفي هذا العصر شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير< سنة 43 ومائة يعني أوساط القرن الثاني، يعني في 135 عام دوّن الحديث والروايات عن رسول الله أو لم يدون؟ يقول: «صار الحديث مرتعا للوضع والتلاعب والإضافة والنقيصة فعلوا بأحاديث رسول الله ما يشاءون <. ولهذا نحن كتبنا كتاب السلطة وصناعة الوضع والتأويل، هذا صناعة الروايات في بني أمية إنما نشأت وترعرعت لأنه لم يكن هناك تدوين للأحاديث، وهذا تصريح من الذهبي أنه إلى سنة 143 لا يوجد هناك كتاب معتمد لحديث رسول الله، يقول: « فشرع علماء الإسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير فصنف ابن جريح التصانيف بمكة وصنف سعيد ابن أبي عروبة وصنف حماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة وصنف الأوزاعي بالشام وصنف مالك الموطئ بالمدينة وصنف ابن إسحاق المغازي وصنف المعمر باليمن وصنف أبو حنيفة وغيره الفقه والرأي بالكوفة وصنف سفيان الثوري كتاب الجامع ثم بعد يسير صنف هشيم كتبه وصنف الليث بمصر وابن الهيعة ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب وكثر تدوين العلم وتبويبه ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس وقبل هذا العصر كان سائر الأئمة يتكلمون على حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة فسهل ولله الحمد تناول العلم وأخذ الحفظ يتناقص فلله الأمر < سؤال: أين الإمام الباقر؟ أين الإمام الصادق؟ أين شيعة علي؟ هؤلاء لم يكونوا من المسلمين؟ لم يدونوا شيئا؟ لم يكتبوا في الفقه؟ لم يكتبوا في التفسير؟ انظروا كيف يريدون أن يوجدوا ماذا؟ لهذا قال: شرع علماء المسلمين ولكن أشار إلى اسم من أسماء الأئمة وأتباعهم أم لم يشر؟ وهنا حاول النهج الأموي بكل ما أوتي من قوة أن يوجد هذه القطيعة المعرفية، هذه القطيعة التراثية بين الشيعة وبين السنة.
بودي أن أشير إلى كلمة للمفكر المغربي المعروف وهو الدكتور محمد عابد الجابري، في كتابه تكوين العقل العربي عندما ينقل هذا الكلام من الذهبي ينقله عن تاريخ الخلفاء للسيوطي، ليس مباشرا، أنا نقلته مباشرا، هناك في تكوين العقل العربي مركز دراسات الوحدة العربية، الدكتور محمد عابد الجابري، الطبعة الحادية عشرة، في صفحة 66، يقول: « لقد سكت النص عن تدوين العلم وتبويبه لدى الشيعة < لا فقط لم ينقل وبعد ذلك يقول ليس لم ينقل وليس أنه لم يكن سهوا، ليس أنه لم يوجد، يريد أن يوجد القطيعة، يريد أن يوجد هذه الفرقة، يريد أن يوجد هذا الاصطفاف الفكري والعقدي والديني، يقول: « وإذا عرفنا أن جعفر الصادق، الإمام الشيعي الأكبر، قد توفي سنة 148 وانه تم في عهده تدوين الحديث والفقه والتفسير من وجهة نظر الشيعة وبعبارة أخرى تم فيه عهده وبإشرافه تنظيم الفكر الشيعي وصياغة قضاياه الأساسية صياغة نظرية إذا عرفنا هذا أدركنا خطورة هذا السكوت على الأجيال اللاحقة<، هذه القطيعة > إن جانبا أساسيا من تاريخ الفكر العربي الإسلامي سيغيب عن الأفق الفكر السني < وهذا الذي أرادوه، وهذا الذي الآن ندفع ثمنه، ولذلك المسلم اليوم يسأل عن المعرفة الشيعية، عن التراث الشيعي، أين هو؟ غيبوبة كاملة وغيبة كاملة، ومع الأسف الشديد أن مؤسساتنا الدينية وحوزاتنا العلمية أيضا تطبع الكتب ولكن في الأعم الأغلب توزع في المراكز الشيعية، طبعا هناك حضر لدخلوها إلى المراكز وإلى الحواظر السنية، ولكن لابد أن نسعى سعيا حديثا لإيصال معارفنا إلى الآخرين. يقول: « سيغيب عن الأفق السني، وهو الأفق الذي ظل يشكل المنظور الرسمي في معظم البلاد العربية، وإذا عرفنا أن التاريخ لتدوين العلم وتبويبه عند الشيعة قد فعل هو الآخر نفس الشيء < كرد فعل على فعل السنة، على فعل بعض السنة، إذن بدأت القطيعة المعرفية والقطيعة الفكرية والتراثية والعقائدية والفقهية والتاريخية والتفسيرية، وإلى يومنا هذا، ولذا عنده عبارة في صفحة 67، يقول: « إذن سكوت الذهبي صاحب النص الذي نحن بصدده عن تدوين العلم عند الشيعة ليس سكوتا صادرا عن سهو، بل هو في الحقيقة سكوت من جانب السلطة المرجعية، المعرفية والأيديولوجية التي ينتمي إليها صاحب النص < السلطة التي تحدد الحقن المعرفي الأيدلوجية لأهل السنة كافة، « ونفس الشيء يصدق أيضا عن سكوت الشيعة عن تدوين العلم وتبويبه لدى أهل السنة <. ولذا أنتم تجدون الآن أنا عندي إصرار على أنه أي مسألة شيعية أطرحها أن أجد ما يناظرها في الفكر السني، أو أي شيء أطرحه في الفكر السني أن أجد له نظير في الفكر الشيعي، وهو موجود.
أما الموقف الثاني: هذا الموقف واقعا كان موقف علماء الإسلام أو كان موقف الاتجاه الأموي وحاول أن يصور أنه هو موقف علماء الإسلام، طبعا سوف لا أذهب بعيدا لأنقل الكلمات، أحاول أن أنقل لكم كلمات ثلاثة من الأعلام، وهؤلاء الأعلام الثلاثة من المتقدمين والمتأخرين لنرى أن هذا الذي ادعاه الذهبي وهذا الذي ادعاه شيخه وأستاذه ابن تيمية صاحب المدرسة والاتجاه الأموي هذا صحيح أو أنه ليس كذلك؟ وأبدأ مباشرة بالعلامة الألباني حتى لا يقول تذهبون إلى الرازي إلى كذا وهؤلاء عندهم ميول شيعية، هذا الرجل ينتمي إلى نفس هذا الاتجاه العام الذي يوجد عند هذه المدرسة، مباشرة أدخل إلى هذا البحث، تعالوا معنا إلى سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني المجلد الرابع صفحة 247، ينقل رواية وهي رقم 1681، يقول: « إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا… وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير الأجلح وهو ابن عبد الله وهو صدوق كما قال الذهبي في الضعفاء والحافظ في التقريب ولا عيب فيه سوى أنه شيعي <. هذه آثار النهج الأموي الذي أسس له معاوية ونظر له ابن تيمية وسوقه الاتجاه المعاصر > ولا عيب فيه سوى أنه شيعي ولكن ذلك لا يضر في الرواية لأن العمدة فيها إنما هو الصدق كما حرره الحافظ في شرح النخبة < إذن الحافظ أيضا يحرره، هذا المورد الأول.
المورد الثاني: ما ورد في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول القسم الثاني ص 752، رقم الحديث 396، يقول: « وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين قبل عبد الجبار هذا وهو صدوق يتشيع، كما قال الحافظ في التقريب، قلت والتشيع لا يضر في الرواية عند المحدثين < انظروا كذب ابن تيمية، « والتشيع لا يضر في الرواية عند المحدثين <، إذن كيف يدعي بأنه اتفاق وإجماع أهل العلم بالنقل والرواية أنه أكذب وأنه لا ينقل عنهم، يقول: « والتشيع لا يضر في الرواية عند المحدثين، لأن العبرة في الراوي إنما هو كونه مسلما عدلا ضابطا أما التمذهب بمذهب مخالف لأهل السنة فلا يعد عندهم جارحا ما لم ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة <.
المورد الثالث: ما ورد في المجلد الخامس من سلسلة الأحاديث الصحية ص 262، يقول: « فإن قال قائل راوي هذا الشاهد شيعي فأقول أفلا يعتبر ذلك طعنا في الحديث وعلة فيه، فأقول كلا لأن العبرة في رواية الحديث إنما هو الصدق والحفظ وأما المذهب فهو بينه وبين ربه، فهو حسيبه <، الآن مباشرة أنقل لكم عبارة ابن تيمية قال: « ولهذا فلا يروي البخاري ومسلم أحاديث فيها رواة شيعة < قال: « ولذا نجد صاحبي الصحيحين وغيرهما قد أخرجوا لكثير من الثقات المخالفين كالخوارج والشيعة وغيرهم <. واقعا أنا أصدق ابن تيمية أو أصدق العلامة الألباني؟ الحق كما أقولها صريحة مع الألباني، وهذا هو المثال بين أيدينا يعني الرواية، >فقد صحح الحديث ابن حبان وكان يتشيع ويغلو فيه < ليس كان شيعيا فقط بل كان شيعيا غاليا، « بل قال في ثقاته كان يبغض الشيخين <، ولكن مع ذلك كانوا ينقلون عنه <.
ولذا نجد أن النفس الذهبي في ميزان الاعتدال في نقد الرجال محمد رضوان عقرسوسي، الرسالة العالمية، الجزء الأول، ص 49 يقول: « فلقائل أن يقول تحت اسم أبان ابن إسحاق المدني، فلقائل أن يقول كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والإتقان فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة، يعني إذا كان شيعي فيكون صاحب بدعة وجوابه إن البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلو التشيع وأوك التشيع بلا غلو ولا تحرق فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية < يقول وإذا لم نقبل أصلا لم يبقى لنا من التراث النبوي شيء لأن هؤلاء هم حملة، وبعد ذلك سيتضح إذن تبيّن أن الاتّجاه السني لم يدون الأحاديث ولكن الشيعة دونوا الأحاديث ولذا تجد علماء المسلمين نقلوا عن الشيعة، لأن هؤلاء هم الذين حفظوا الأحاديث، قال: > لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بيّنة <.
وعبارة أخطر من هذه ذكرها الإمام الحافظ، المؤرخ الخطيب البغدادي في الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، في الجزء الأوّل ص 318، في رقم الفقرة 348 قال: لو تركت أهل البصرة لحال القدر< يعني لو تركت روايات أهل البصرة لأنّهم قائلون بالقدر، > ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي < يعني التشيع، >ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي يعني للتشيع خربت الكتب <، بعد لم يبقى عندنا كتاب، أحاديثنا كلّها من الشيعة، > قلت:خربت الكتب < لذهب الحديث، يعني قوام أحاديث السنّة هم الشيعة، ولكنّه يحاول ابن تيمية أنّه يقول أنّه لم ينقل أحد منهم.
نص آخر: يقول قال: >صاحب حديث قلت أليس هو ضعيفا؟ قال: إنّه كان يتشيع ولست أنا بتارك الرواية عن رجل صاحب حديث يبصر الحديث، بعد أن لا يكون كذوبا للتشيع <، لا أترك حديثه > ولست براو عن رجل لا يبصر الحديث وإن لم يتشيع <.
وثالثها: قال: > سمعت أبا عبد الله بن يعقوب وفلان وفلان فقال صدوق في الرواية إلّا أنّه كان من الغالين في التشيع، قيل له فقد حدثت عنه في الصحيح؟ فقال لأن كتاب أستاذي ملآن من حديث الشيعة، يعني مسلم بن حجاج، كتاب مسلم ملآن من روايات الشيعة، إذا لم أنقل فماذا أنقل.
المقدّم: هذه كلمة مهمّة دور الشيعة في قضيّة نقل الحديث في مصادر أهل السنّة.
سماحة السيّد: هذا واحد وإيجاد التوصّل العقدي و الفكري والروائي بين السنّة والشيعة، هذه هي القضيّة الأساسيّة، كونوا على ثقة إذا أردنا أمة واحدة وإذا أردنا أن نرفع هذا التشنج هذا الشحن الطائفي هذا الاصطفاف المذهبي هذا التكفير هذا التقتيل هذه المفخخات هذا الوضع الذي تعيشه المنطقة هذا الذي صار سببا لدخول أعداء الأمة على مقدرات الأمة فلا طريق لنا إلّا بأن نردم هذه القطيعة التي أوجدها الاتّجاه الأموي بين الفكر الشيعي والفكر السني.
المقدم: نستمع إلى المداخلات:
يعرب من الهند: سلام عليكم…. أنا دائما أسمع على مواقع التواصل الاجتماعي هناك مناظرات أهل السنّة دائما ينادون بتحريف القرآن.
سماحة السيد: نحن أجبنا على هذا، أوّلاً بحثي ليس في تحريف القرآن وثانيا كلّ علماء الإماميّة قائلين بعدم التحريف.
المقدم: عبد الجبار تفضل
عبد الجبار: عليكم… بالنسبة البعض يتهمون بأنّه الشيعة يأخذون روايات من اليهود، فتاواهم ورواياتهم من اليهود فما ردكم؟
المقدم: إن شاء الله سيجري الحديث عن هذا.
سماحة السيد: عندما نتكلّم عن دور الأحاديث وكيف نعرضها على القرآن سيتضح ما هو المقياس لقبول الرواية وعدم قبول الرواية، ليس كلّ رواية موجودة في مجاميعنا ومصادرنا الروائية مقبول عندنا سواء كان أصول الكافي أو التهذيب أو البحار، المقياس عندنا هو القرآن الكريم، القرآن الكريم، المحورية أوّلاً وأخيرا للقرآن الكريم.
سماحة السيد: باعتبار أن أخ العزيز يعرب أوّلاً ليس بحثنا في تحريف القرآن وثانيا أنّه يقول بأنّه نحن لم نجد من أجاب عنهم، لماذا لم نجب، كلّ كتب السيّد الخوئي عنده كتاب، الشيخ هادي معرفة عنده كتاب، أنا يوجد عندي كتاب، عشرات الكتب، نعم يوجد هناك كتاب يتيم للمحدث النوري الذي كتب فيه وهذا الكتاب ليس هو مورد اعتماد أحد من أعلام الإماميّة ومحققيهم وهذا الكتاب ليست له أي قيمة علميّة، أكرر مرة ثانية وثالثة هذا الكتاب ليست له أي قيمة علميّة، كلامه في هذا الكتاب من قبيل كلامه في جنة المأوى الذي نقل مجموعة من القصص والحكايات لمن رأى الإمام الحجّة المنتظر في عصر الغيبة الكبرى، أقول صريحة المذهب الذي يبنى على مجموعة من الحكايات والروايات الضعيفة السند أو التي لا أصل لها وعلى مجموعة من الخرافات والمنامات فتعسا لمثل هذا المذهب وهو ليس مذهب أهل البيت، مذهب أهل البيت قائم على العقل والاستدلال والبرهان والقرآن والمقطوع من روايات النبي وأهل البيت وهذا ما بدأت به هذه الأبحاث، أنتم وجدتم أنا بدأت هذا الشهر بمسألة القرآن لأنّه أريد أن أسّس لنظرية أهل البيت ما هو المقبول عندهم وما هو الدور الذي أعطوه للقرآن في كلماتهم.
والحمد لله رب العالمين