رقم المحاضرة ﴿315﴾
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللّهم صلي علي محمد وآل محمد وعجل فرجهم
انتهينا في البحث السابق من بيان هذه الأبحاث الثلاثة في الآية المباركة من سورة التوبة وهي قوله تعالى: ﴿ليتفقهوا في الدين﴾، قلنا أنّه لابدّ من البحث في مادة التفقه وفي صيغة هذه المادّة وفيما هو المراد من الدين، وبحمد الله تعالى اتضح لنا أن الفقيه بحسب الاصطلاح القرآني يعادل ويرادف العالم بالمعارف الدينية، لا أن الفقيه له اصطلاح والعالم بالدين له اصطلاحٌ آخر، لا أبداً، عندما تأتي الروايات وتقول الفقهاء، لا ينبغي حملها على الفقه الاصطلاحي في الحوزات العلمية، وإنّما لابدّ من حمل الفقهاء على المراد من الفقه بحسب الاصطلاح القرآني وقد اتضح أن المراد من الفقيه والفقه والتفقه بحسب الاصطلاح القرآني يعني العالم بجميع المعارف الدينية، إذن الروايات التي تحدّثت: لوددت ان أضرب على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا، لا يتبادر إلى ذهن أحدٍ بناءً على ما تقدّم من الآية والروايات أن المراد من التفقه يعني معرفة الحلال والحرام كما هو المصطلح عليه في حوزاتنا العلمية، هذا أين ينفعنا؟ إنشاء الله تعالى بعد ذلك سنجد بأنه جملة من الروايات تحدثت عن أن العلماء ورثة الأنبياء، وفي نصٍ آخر: أن الفقهاء ورثة الأنبياء، لا يتبادر إلى الذهن أن العالم يراد به شيء والفقيه يراد به شيءٌ آخر، لا اصطلاحان لفظان مترادفان ولكن أخذت فيه بعض الخصوصيات، وهكذا الروايات الأخرى التي تكلّمت: الفقهاء أمناء الرسل، لا يتبادر إلى الذهن بأنه الفقيه يراد منه معرفة الحلال والحرام، لما تقدّم فيه بحث هذه الآية المباركة، نعم قلنا بأن القرآن الكريم ميّز بين الدين وبين الشريعة، أمّا الدين فهي تلك الأمور الثابتة في مجموعة الشرائع الإلهية النازلة من السماء، إن الدين عند الله الإسلام، وقلنا أن هذه الأمور الثابتة في الأعمّ الأغلب مآلها إلى أصول الدين، مآلها إلى الفقه الأكبر، يعني إلى التوحيد، يعني إلى معرفة الله، يعني إلى المعاد، يعني إلى النبوة وما يتفرع على هذه الأصول من مباحث، على هذا الأساس لابدّ أن نميّز بين الدين وبين الشريعة بحسب الآيات والروايات، وهذا البحث عرض له السيد الطباطبائي (قدس الله نفسه) في المجلد الخامس من الميزان، صفحة 350، هناك يوجد عنده بحثٌ قيّم تحت عنوان في ذيل الآية 41 إلى 50 من سورة المائدة، كلامٌ في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين إلى أن يقول هذه العبارة: يقول: فنسبة الشرائع الخاصّة، المراد من الشرائع الخاصّة يعني شريعة نوح، شريعة إبراهيم، شريعة موسى، شريعة عيسى، شريعة الخاتم (صلى الله عليه وآله)، هذه هي الشرائع الأساسية التي جاء بها أنبياء أولى العزم لأنّ كل نبي من أنبياء أولى العزم جاء بشريعةٍ تختلف عن شرائع باقي الأنبياء من أولي العزم، ومن جاء بعد ذلك النبي من أنبياء أولي العزم يكون تابعاً لشريعة ذلك النبي من أنبياء أولي العزم يدور في تلك الدائرة، بعبارةٍ أخرى يعني أن الأنبياء اللاحقين لكل نبيٍ من أنبياء أولي العزم بمنزلة العلماء الذين يدورون في فلك تلك الشريعة، ولذا تجدون الآية 13 من سورة الشورى، عندما بيّنت الشرائع فقط بيّنت شرائع أنبياء أولي العزم لم تشر إلى أن كلّ نبي من الأنبياء كانت له شريعة، ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك (هذه اثنان) وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى﴾، هؤلاء أنبياء أولي العزم، إذن هؤلاء أصحاب الشرائع الأساسية، ولذا واقعاً أنّ باقي الأنبياء هم يدورون في فلك هؤلاء الذين هم أصحاب الشرائع، يقول: فنسبة الشرائع الخاصّة (يعني شرائع أنبياء أولي العزم) إلى الدين وهو واحد، لأنّ الدين عند الله الإسلام، نسبة الشرائع إلى الدين والشرائع تنسخ بعضها بعضا، وإلّا الدين لا معنى لأنّ ينسخ لأنّه هو ماذا؟ إن الدين عند الله الإسلام، هو دينٌ واحد، لا معنى لأنّ يأتي دين آخر ناسخ، كنسبة الأحكام الجزئية في الإسلام فيها ناسخٌ ومنسوخ إلى أصل الدين، كيف أنّه في شريعة الإسلام عندنا ناسخ ومنسوخ ولكن هذا الناسخ والمنسوخ إنّما يتناول ماذا؟ الأحكام الجزئية المتغيرة كذلك الشرائع عندما ينسخ بعضها بعضاً إنّما ينسخها باعتبار المتغيرات، الجزئيات لا الأصل، فالله سبحانه وتعالى لم يتعبّد عباده إلا لدينٍ واحدٍ وهو الإسلام له، ولكن هذا الدين الواحد في كل زمانٍ لأداء متطلباته يحتاج إلى شريعةٍ تخص ذلك الزمان، ومن هنا قال إلّا أنه سلك بهم لنيل ذلك (لنيل ذلك الدين الواحد) مسالك مختلفة وسنّ لهم سنناً متنوّعة على حسب اختلاف استعداداتهم وتنوّعها، من زمانٍ إلى زمانٍ آخر، وهذا معنى ما ذكرناه مراراً للأعزة أن الزمان والمكان هو السبب الرئيسي في تعدد الشرائع الإلهية، ولو لا الزمان والمكان لنزلت شريعة ماذا؟ الشريعة الخاتمة من أول الأمر، لماذا تنزل شريعة نوح وبعد ذلك إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم شريعة الخاتم؟ وبنفس هذا البيان نحن التزمنا بضرورة مدخلية الزمان والمكان في عملية الاجتهاد، في عملية استنباط الأحكام الجزئية، لا الأحكام الكلية الثابتة، بنفس هذا البيان، بنفس هذا البرهان، يعني لو قال لنا قائلٌ لماذا تقولون أن الزمان والمكان لهما مدخلية، نقول بنفس الدليل الذي أدى إلى تعدد الشرائع السماوية، لماذا تعددت الشرائع؟ ما هي فلسفة وحكمة أن الله لم ينزل شريعة الخاتم في آخر الزمان لم ينزلها من أول الأمر؟ الجواب: لأن الأمم السابقة بحسب زمانها ومكانها وفكرها وثقافتها وقدرتها على التحمل كانت قادرة أم ليست قادرة على التحمل؟ ليست قادرة على التحمل، وهذا هو فلسفة فتح باب الاجتهاد في مدرسة أهل البيت، ليست فلسفة فتح باب الاجتهاد في مدرسة أهل البيت حتى نتعمّق في كتاب الطهارة، لا عزيزي ليس هذا، لأنه مسألة الماء طاهر ومطهر، انتهت القضية والله لو تبقى خمسة آلاف سنة فإن الماء طاهر ومطهر، ليس فيها بحثٌ، ولكنه لأن الأعلام لم يذهبوا إلى الصراط الصحيح وقعوا في أنه يبحثون مائة وخمسين صفحة، أنظر إلى الأعلام كم بحثوا في مسألة أن الدليل على الماء إذا كان مطهراً فهو طاهر في نفسه أم لا؟ قالوا لا ملازمة أن يكون مطهراً أو أن يكون طاهرا، الروايات دلت على أن الماء يُطهّر، ما دلت على أن الماء طاهر، وأعلام مثل الشهيد الصدر (قدس الله نفسه) في بحوث عروة الوثقى 116 صفحة يبحث بأنه هل يوجد ملازمة بين الطاهر والمطهر أم لا توجد ملازمة، واقعاً فتح باب الاجتهاد لمثل هذه المسائل، أم فتح باب الاجتهاد لتأمين احتياجات الإنسان بحسب الزمان والمكان بالاستناد إلى الأحكام الثابتة في الشريعة وفي الدين يعني أن تؤخذ تلك الأطر الدقيقة الواضحة والصريحة للثابتات وتجعل هي المدار علينا إلقاء الأصول وعليكم الفروع، على أي الأحوال هذا تمام الكلام في الآية الأولى وأما الآية الثانية: في الآية الثانية وهي الآية 44 من سورة المائدة، قال تعالى: ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا﴾، أيضاً من يحكم بها؟ الآن بحثنا ليس في الحكم، هل يشمل البعد السياسي أم لا؟ تقدم البحث، إني جعلته حاكماً قاضيا، تقدم البحث والإشارة إلى هذا، يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيّون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله، إذن هذه وظيفة الحكم أيّ معنىً أخذت الحكم؟ الآن هذا ليست بحثنا، هذه وظيفة الحكم أولاً لمن؟ للأنبياء، ثانياً لمن؟ للربانيين، ثالثاً لمن؟ للأحبار، بحسب التسلسل، يعني أولاً وبالذات للأنبياء ثانياً للربانيين ثالثاً للأحبار، لماذا أن هذه الوظيفة أوكلت إلى الأنبياء والربانيين والأحبار؟ قال: بما استحفظوا من كتاب الله، لأننا نحن جعلنا أن الحافظ لكتاب الله هم هؤلاء الأنبياء والربانيون والأحبار، هنا يوجد عدّة أبحاث أعزائي، أشير إليها بنحو الإجمال وبعد ذلك نشير إلى محلّ الشاهد، البحث الأول: الذي طرح في كلمات الأعلام ما هو الفرق بين الربانيون والأحبار؟ هل يوجد فرق أم لا؟ هنا في مدرسة أهل البيت قالوا يراد من الربانيين أو الربانيون (إذا أنا قلتها بالضمّ باعتبار أن المحكي أقوله) أن المراد من الربانيون هم الأئمة كما نصّت بعض الروايات، والمراد من الأحبار هم العلماء، إذن على مباني مدرسة أهل البيت القضية واضحة أنه هذا أولاً مقام الأنبياء وقد أوكل بعد ذلك إلى الربانيين وبعد ذلك أوكل إلى العلماء، هذا هو الاتجاه الأول، الاتجاه الثاني، طبعاً هذا الاتجاه اعزائي بشكل واضح وصريح ورد في رواية واردة في تفسير العياشي في ذيل هذه الآية المباركة، الجزء الثاني صفحة 50، الرواية هذه: قال عن أبي عبد الله الصادق: أن مما استحقت به الإمامة التطهير والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة التي توجب النار ثم العلم المنوّر بجميع ما تحتاج إليه الأمة من حلالها وحرامها والعلم بكتابها خاصه وعامّه والمحكم والمتشابه ودقائق علمه وغرائب تأويله وناسخه ومنسوخه، قلت وما الحجّة بأن الإمام لا يكون إلا عالماً بهذه الأشياء الذي ذكرت؟ قال: قول الله فيمن أُذن لهم في الحكومة وجعلهم أهلها، إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور إلى أن يقول الإمام: والأحبار فهذه الأئمة دون الأنبياء الذين يرثون الناس بعلمهم وأما الأحبار فهم العلماء دون الربانيين، إذن واضح هنا أنهم أُطلق… التفتوا لي جيداً لأن البعض لديه إصرار شديد في علماء أمتي أفضل من علماء بني إسرائيل أن المراد من العلماء يعني الأئمة، لا عزيزي ليس هكذا، ليس لدينا هكذا إصرار بأن المراد من العلماء يعني الأئمة، لا أبداً، لابد أن ينظر إلى الرواية، قد نقول أن المراد من العلماء يعني الأئمة وقد يراد من العلماء يعني علماء المدرسة، هذه رواية من تلك الروايات التي تقول بأن العلماء دون الربانيين ويطبّق الربانيين على الأئمة، هذا بحثٌ، طبعاً في مقابل هذا الاتجاه حاول أن يساوي بين الربانيين وبين الأحبار ثم وقعوا واقعاً في حيص بيصٍ ووقعوا في مآزق… كيف يمكن أن نميز بين هذين اللفظين؟ ولهذا حملوا الرباني والحبر (الحَبر والحِبر كلاهما صحيح) حملوه على العالم، هنا يأتي هذا السؤال بالنسبة إليهم: (الآن هذا ليس بحثي فقط أريد أن أشير) أن العطف يقتضي التغاير، أنتم قبلتم في الأول أن العطف يقتضي التغاير لماذا إذن عندما وصلتم إلى الربانيين والأحبار قلتم بمعنى واحد؟ هذا البحث الأول، ولذا أنت عندما تأتي إلى كلماتهم مباشرةً بشكل واضح وصريح الآلوسي وغير الآلوسي… سأقرأ العبارة، المطلب الثاني أعزائي أو البحث الثاني وهو الأحبار، ما هو المراد من الأحبار؟ اتفقت كلمتهم أن المراد من الأحبار هم العلماء، انتهت القضية، ولذا قالوا للربانيين يراد منه الزهاد باعتبار أنه أخذ فيها الرباني مع أنه الرباني ما مأخوذ فيه الزهد، وإنّما مأخوذ فيه أن يربي الآخر، قالوا أن المراد من الأحبار هم العلماء، علماء بماذا؟ علماء بما جاءهم من الأنبياء، ما هي الوظيفة؟ الوظيفة بما استحفظوا من کتاب الله، من هنا ندخل عل البحث الثالث، ما معنى أنّ الرباني أو أنّ العالم أو أنّ الأحبار يحفظون كتاب الله؟ أتصور القضية واضحة جداً وهو أنّه يحفظونه بعدّة اعتبارات، لا إشكال ولا شبهة أنه ليس المراد من يحفظونه يعني يحفظونه عن ظهر قلب، يصير حافظ للقرآن، لا جزماً ليس هذا هو المراد، إذن ماذا؟ يعني أن يحفظوا القرآن بأن يفهموه جيداً وأن يطبّقوه في حياة الأمة جيداً وأن يحفظوه من كل تغييرٍ، تغيير يعني في ألفاظه؟ الجواب: كلا، لأنّ الحافظ لألفاظه هو الله، ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾، لا، لا، لم يوكل حفظ القرآن من التغيير إلى الأمة وإلّا لو أوكله إلى الأمة لوقع فيه التغيير كما وقع في الكتب السابقة، طبعاً عندما أقول أن الله هو حفظه يعني حفظه بأسبابه ولكنه هو المتكفل أن لا يقع تغييرٌ في ألفاظ وتحريف في هذا القرآن، إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، إذن الذي أوكل إلى الأحبار أن يحفظوه من تبديل مواضعه ومضامينه أن لا يقع فيه تحريف، تحريف على مستوى المضامين، وما هو؟ لا السنة وإنّما القرآن الكريم، الآن بعد ذلك ستأتي الروايات التي تبين هذا المضمون وإن كانت مفيدة الآية ولكنه كلها ناظرة إلى الآية، تعالوا معنا إلى ما قاله العلامة الآلوسي في ذيل هذه الآية المباركة، في المجلد السابع، صفحة 214 في ذيل هذه الآية المباركة، قال: والربانيون والأحبار (التفت) العباد والعلماء، إلى من استندوا؟ قاله قتادة، حجة أم ليس بحجة؟ لا ليس كذلك، مفسر وقال كلامه، وقال مجاهد: الربانيون: العلماء، الفقهاء وهم فوق الأحبار، من الأحبار؟ إذا أولئك العلماء الفقهاء، هؤلاء من؟ لا يوجد بيان، وعن ابن زيد: الربانيون (أنظر كيف يقعون… عندما الآية واضحة في دلالتها، يريدون أن يحرفوها عن دلالتها) الربانيون: الولاة والأحبار: العلماء، الآن أنا لا أدري ما هي المناسبة بين أن يكون الوالي رباني؟ والواحد الحبر، الآن ترك مسألة الرباني وجاء إلى الأحبار، قال والواحد حبرٌ بالفتح وبالكسر، يصحّ الحَبر ويصح الحِبر، وإن كان المشهور بالفتح، لماذا؟ تمييزاً له عن المداد لأنّ المداد يسمى الحبر أيضاً ولذا صار الحَبر مختصاً بالعالم والحِبر مختصاً بالمداد، ولذا قال الفراء وأكثر ما سمعت فيه الكسر وهو مأخوذٌ من التحبير والتحسين فإن العلماء يحبرون العلم ويزيّنونه ويبيّنونه ومن ذلك الحِبر لا غير لما يكتب به، يقول الأفضل أن نقول عن هؤلاء العلماء نعبر عنهم بالحِبر لا بالحَبر، جيد، وهذا عطفٌ على النبيين، يعني الربانيون والأحبار، أي: يحكمون بأحكامها إلى أن يقول وإنّما الربانيون والأحبار خلفاء ونواب للأنبياء كما ينبئ ذلك قوله تعالى: بما استحفظوا، أي: بالذي استحفظوا من جهة النبيين حين سألوهم أن يحفظوها من التغيير والتبديل على الإطلاق ولا ريب أن ذلك منهم مشعرٌ باستخلافهم في إجراء أحكامها، هذه وظيفة الأحبار أن يقوموا مقام الأنبياء، الآن جنابك إذا قلت أن من مقام الأنبياء الحكم فوظيفة الأحبار أيضاً الحكم، هذا تابع لك مرةً تقول أن النبي ليس لديه وظيفة إقامة الحكم الإسلامي والدين بعد ذلك أنت حرٌ في هذا المجال، أمّا إذا صار بناك أن النبي عنده ذلك فالإمام أيضاً والعالم أيضاً مسئول عن إقامة الحكم، هذه من أدلة ولاية الفقيه في عصر الغيبة، لأنّه هؤلاء خلفاء فإذا كانوا خلفاء فكل الوظائف الثابتة للأنبياء ثابتة للربانيين والأحبار، هذا مورد، المورد الثاني ما أشار إليه ابن عاشور في المجلد الخامس، صفحة 113، في ذيل هذه الآية، الإخوة فليراجعوا، قال: الأحبار جمع حبر وهو العالم في الملة الإسرائيلية، يقول والاستحفاظ وعطف الربانيون والأحبار على النبيون لأنهم ورثة علمهم وعليهم تلقّوا الدين والاستحفاظ: الاستئمان، واستحفاظ الكتاب أمانة فهمه وتبليغه للأمة على ما هو عليه، نفس هذا الكلام، الأعزة الذين يريدون أن يراجعوا، فقط أريد أن أشير إلى المصدر، أشار إليه السيد الطباطبائي (قدس الله نفسه) في ذيل هذه الآية المباركة في المجلد الخامس صفحة 343 يشير أيضاً: ويحكم به الربانيون وهم العلماء المنقطعون إلى الله والأحبار وهم الخبراء من علماءهم، واضح بأنّه يميز بين الربانيين وبين الأحبار، على مدرسة أهل البيت وإلّا أولئك ما استطاعوا أن يميزوا بشكلٍ دقيق، هذا بنحو الإجمال ما يرتبط بدلالة الآية ولكن من هنا أريد أن أدخل مباشرةً إلى البحث الروائي ولا أريد أن أقف كثيراً عند البحث القرآني في هذه الآية لأنّ البحث الروائي أيضاً كان ناظراً إلى هذه الآية المباركة، من أهم النصوص التي وردت في مصادرنا لتبيّن وظيفة العلماء هذه النصوص التي سنقرأها للأعزة، هذا النص أعزائي ورد في الأصول من الكافي الجزء الأوّل، صفحة 76، يعني الطبعات القديمة الجزء الأوّل صفحة 32، وكتاب فضل العلم باب الصفة العلم وفضله وفضل العلماء، الرواية عن أبي عبد الله الصادق قال: إن العلماء ورثة الأنبياء، واضح بيني وبين الله هذه الرواية بغض النظر عن سندها صادرة هذا المضمون صحيح أم لا؟ نعم صحيح لأنّه اعرضها على آية سورة المائدة هناك أيضاً بينت أن الأحبار ورثة النبيين، ورثوا منهم ماذا؟ ذاك بحثٌ آخر، المهم أن هذا المضمون مضمونٌ قرآني وهذه هي فائدة العرض على الكتاب، أمّا إذا لا تذهب إلى الكتاب وتذهب إلى السند والسند ضعيف، هل واضح الفرق بين منهجنا ومنهج الآخرين، قال: إن العلماء ورثة الأنبياء وذاك أن الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلفٍ عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين بما استحفظوا من كتاب الله، أصلاً وظيفة العالم الأساسية هي أن يقوم بحفظ معارف القرآن وبحفظ معارف كتاب الله وحفظ معارف الدين، من ماذا؟ يحفظها من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ولذا نحن قلنا بأنه في شروط المرجع الديني العلمية لا يكفي أن يكون عالماً بمعارفنا، أن يكون عارفاً بمعارف الآخرين حتى يستطيع أن يقف أمامهم، يعني عبرنا عنه بعلم الخلاف، لابد أن يكون عالماً وإلّا كيف يستطيع أن يرد تحريف الغالين وانتحال المبلطين وتأويل الجاهلين، هذه رواية، الرواية الثانية أيضاً وردت في أصول الكافي، صفحة 82 في كتاب فضل العلم، باب ثواب العالم والمتعلِّم، طبعاً الرواية الأولى محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبي البختري، والرواية الثانية من الباب الرابع، باب ثواب العالم والمتعلم، محمد بن الحسن وعلي بن محمد عن سهل ابن زياد ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعاً عن جعفر بن محمد الأشعري عن عبد الله بن ميمون القداح وسند آخر وعلي ابن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبد الله الصادق قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، بيني وبين الله الإنسان يفتخر بمثل هذه الروايات بشرطها وبشروطها، لو يعرف طالب العلم ما هي قيمة الدرس والحضور إلى الدرس واقعاً لما استهانوا بالحضور ولما استهانوا بالدرس ولما استهانوا بطلب العلم، قال يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به وإنه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة القدر وإن العلماء ورثة الأنبياء، التفت جيداً، إذن هذه الرواية ماذا يوجد فيها الصدر؟ هذا الصدر الذي قرأناه وإن العلماء ورثة الأنبياء هذه واقعة في وسط هذه الرواية من هنا يتضح لكم أن الكافي عندما قال عن أبي عبد الله إن العلماء وإن العلماء هذه ماذا؟ هذه مقتطعة من نصٍ آخر، وإن العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا إلى آخره: من أخذه منه أخذ بحظٍ وافر، جيد، إذن من حيث المضمون بناء على نظريّة العرض مباشرةً نعرض الرواية على القرآن والقرآن يؤيد كما في آية سورة المائدة أم لا؟ نعم يؤيد لأنّ الآية قالت والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله، فهل بعدُ نحتاج النظر إلى السند أم لا؟ الجواب: على المنهج السندي الذي هو بمنءً عن المنهج المضموني والقرآني يحتاج إلى السند فإذا جاء إلى السند يقول السند مجهولٌ، ضعيفٌ، موضوعٌ فالرواية اضرب بها عرض الجدار، أمّا على المنهج الذي انتخبناه فلا علاقة لنا بالسند هل هو ضعيف، صحيح، حسن، موثق؟ لأنّ المضمون مضمونٌ قرآني واضح بلا إشكالٍ، الآن إنشاء الله تعالى في الغد سوف ندخل إلى قرائن أخرى، لتصحيح هذه الرواية، لأنّه فيها أبحاث كثيرة، لأنّه نفس البحث الذي كنا نريد أن نبحثه في القرآن سوف لا نبحثه في الآية وإنّما نبحثها في هذه الرواية لنرى ما هي القرائن لتصحيح هذه الرواية، القرينة الأولى هو العرض على الكتاب والقرائن الآخرى تأتي والحمد لله رب العالمين.