محاضرة ﴿351﴾
أعوذ بالله السميع العليم من شر شيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على آله الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
قلنا بأن النظرية التي نحاول أن نحرر محل النزاع فيها وهي المعروفة بتاريخية السنة، بيننا بأن هذه النظرية قد تتداخل مع عدّة مسائل أخرى، من هنا لابد من تحرير محل النزاع في هذا البحث.
بالأمس أشرنا إلى أنه ليس المراد من تاريخية السنة إلغاء دور ولو على نحو الموجبة الجزئية بعض أحكام السنة، ليس هذا هو المراد، وذلك لما ثبت في محله بأن حلاله (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، وكذلك ليس المراد من التاريخية ما أشار إليه السيد البروجردي قدس الله نفسه من أننا ينبغي أن نقف على الفتاوى المشهورة في عصر كل إمام صدرت الرواية في ذلك العصر، هذا وإن كان أمرا مهما وضروريا وأساسيا في فهم النصوص الواردة عن الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام إلا أنه ليس هذا هو محل البحث، وإنما محل البحث قلنا يقوم على ركنين: الركن الأول هو الوقوف على المفردات وعلى العناوين بحسب استعمالاتها في ذلك الزمان، يعني الشارع عندما يقول الصدقة، ما هو مراده من الصدقة؟ الشارع عندما يقول القهوة ما هو مراده من القهوة؟ لأن القهوة واحدة من أسماء الخمر فعندما ترد روايات تعطي حكما للقهوة لا ينبغي أن نأتي إلى بيئتنا المعاصرة نقول أنه توجد روايات حرمت القهوة، لأن استعمال القهوة في ذلك الزمان له استعمال آخر، هذا اللفظ له استعمال آخر، وعندما يقال الخمر لا ينبغي أن نأتي إلى زماننا لنعرف ما هي استعمالات الخمر، لابد أن نذهب إلى ذلك الزمان لنعرف ما هي استعمالات هذه المفردة، وهكذا كل المفردات التي استعملت في الآيات القرآنية وفي النصوص الروائية لا ينبغي أن نكتفي فقط بمراجعة المعاجم اللغوية، هذا لا ينفع كثيرا، أو لا أقل المراجعة ضرورية ولازمة إلا أنها غير كافية، لابد أن نعرف الاستعمالات الموجودة أيضاً في ذلك الزمان ما هي، وهذا سوف يعطينا أفقا أن الشارع عندما حرم أو أوجب أو قال مكروه ونحو ذلك.
إذن الركن الأول: هو الوقوف على عناوين الموضوعات بحسب الاستعمالات في تلك الأزمنة.
الركن الثاني: وهو أنه هذا الموضوع المستعمل أو هذه العنوان بحسب الاستعمال في ذلك الزمان هل أن الشارع جرده من كل الظروف المحيطة به وأعطى له الحكم؟ فلو تبدلت الشروط المحيطة بالحكم أيضاً هذا الحكم موجود؟ كما هو الآن قائم نظرية الإطلاق الأحوالي والأزماني والأفرادي والمكاني؟ أو أننا لابد أن نلحظ لكل عنوان بحسب الاستعمال في ذلك الزمان الذي هو الركن الأول، أن نلحظ الظروف المحيطة بذلك الاستعمال وبذلك المصداق في ذلك الزمان؟ أي منهما؟ والأمثلة التي ضربناها سابقا واضحة قلنا عندما الشارع يقول أن الدرهم ربا كذا حكمه، أنه أكثر حرمة من كذا وكذا وكذا، مراد من الربا أي زيادة بغض النظر عن الواقع الاقتصادي والمالي في ذلك الزمان؟ من الواضح بناء على هذا إذن هنا الربا سواء كان استهلاكي أو استثماري فإنه يصدق عليه ربا، أما إذا قلنا أن الشارع عندما قال الربا كذا حكمه العاقلة كذا حكمها، كان ناظرا إلى الأوضاع المحيطة والشروط الاجتماعية والفكرية والثقافية ونحو ذلك، فإن قلنا أن ليس ناظرا، إذن هذا العنوان أين ما صدق في أي شروط له هذا الحكم أما إذا قلنا أن الظروف الموضوعية، الظروف الاجتماعية والشروط الثقافية والعادات والتقاليد لها مدخلية بتغير تلك الشروط يتغير المشروط، لأن المشروط عدم عند عدم شرطه، أضرب لكم مثالا آخر:
تعالوا معنا إلى مسألة الخضاب، طبعا هذه كمفردة وأرتب عليها النتائج، تعالوا إلى وسائل الشيعة المجلد الثاني بحسب مؤسسة آل البيت، صفحة 87 هذه الرواية: عن أبي عبد الله الصادق: قال جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فنظر إلى الشيب في لحيته فقال النبي (صلى الله عليه وآله) نور ثم قال من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة، قال فخضب الرجل بالحنى ثم جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فلما رأي الخضاب قال نور وإسلام، سنة من السنن، فخضب الرجل بالسواد، لا أنه بلون غير السواد، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) نور وإسلام وإيمان. بينكم وبين الله أقلها أنه يستحب أنه الإنسان إذا صارت لحيته بيضاء أن يخضبها بلون الأسود، وعشرات الروايات وأنتم تروها الآن موجودة، البعض الخضاب بالنسبة إليهم من المستحبات والبياض لابد أن لا يبقى، ولذا ورد في روايات أخرى التي قد يستفاد منها أمور أخرى، قال رسول الله: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود والنصارى، وإلى غيرها من الروايات، نحن لو كنا وهذه النصوص نقول إما مستحب بل بذاك العنوان وهو التشبه باليهود والنصارى قد يستفاد منه الحرمة، ولذا الآن كثير من القائلين بأنه لا يجوز التشبه بالكفار أدلتهم واحدة منها هذه، وهي أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن ذلك، الآن أنت مرة تقرأ هذه الروايات قراءة تاريخية ومرة قراءة غير تاريخية، فهما غير التاريخي هذا المتعارف الآن إما يستفاد منه الاستحباب أو إلى غير ذلك، أما الفهم التاريخي فلا، وهو أن باعتبار أن المجتمع الإسلامي كان مجتمعا ناشئا وكان الأعداء يحيطون به من كل جانب، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر حتى الشيبة أن يصبغوا بالأسود حتى يتضح أن مجتمع شاب، مجتمع قوي فيرهبون الأعداء. هذه من قبيل أعزّائي تدخلون معركة هذا الطرف ألف نفر كلهم شيبة وذلك الطرف ألف نفر أو ألفان كلهم شباب، بمجرد يرون هؤلاء الشيبة يقولون هجمة واحدة نقضي عليهم. هذه قراءة تاريخية فإذن قوي مجتمع الإسلامي فلا استحباب بعد، ولا حرمة ولا أي شيء آخر، لأن هذا الاستحباب إنما كان لتلك الظروف، لذلك الواقع التاريخي للمجتمع المسلم، تقول سيدنا هذه استحسانات وذوقيات، الآن تعالوا نقرأ رواية أخرى حتى تعرفون بأن النصوص أشارت ولكن نحن لم نجعلها ضوابط، رواية أخرى أعزّائي في صفحة 87، الرواية: عن أمير المؤمنين أنه سئل عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود، وفي رواية أخرى قيل لأمير المؤمنين يا أمير المؤمنين نجد الشيب، روايات كثيرة ومنها ما منعك من الخضاب وقد اختضب رسول الله، قال أنتظر أشقاها أن يخضب لحيتي بدم رأسي بعهد معهود، جيد جدا، سؤال: إذا أنت تنتظر يرتفع الاستحباب؟ الآن ليس مهم عندي، إذن أمير المؤمنين لم يكن في أواخر حياته يختضب، الآن التفتوا إلى العلة التي ذكرها، هذه علة ولكن ذكر دليل آخر، قال: أنه سئل عن قول رسول الله غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود، ما معناها؟ أنظروا إلى أصل التاريخية في كلمات أهل البيت وفي كلمات أمير المؤمنين، قال: إنما قال النبي ذلك والدين قل، ضعيف، طري، جديد، وأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه بجذوره فامرأ وما اختار، هذه قضية مرتبطة بظرف تأريخي معين للمجتمع الإسلامي، سؤال: هذه تعبدية؟ لا لا، أنا أتصور من قبيل علينا إلقاء الأصول وعليكم، إذن لماذا نقرأ دائما النصوص قراءة غير تاريخية، لأن الجاهلية كان تحت الحنك لهم من فوق فالنبي حتى يميز المسلمين عن المشركين ولا يأخذوا عاداتهم غيره، الآن تلك غير موجودة إذن هذه غير موجودة، ولذا الآن تجدون جملة من الأعلام عندما يقف إلى الصلاة في قم، مراجع أيضاً، واضح منهم بمجرد أن يقف يفتح الحنك، والآخر أبدا لا يفتح حنك ولا أي شيء، الجواب هذا الذي يفتح الحنك قرأ قراءة غير تاريخية، كلاهما يعمل المستحب، ولكن قرأها أحدهما قراءة لا تاريخية والآخر قرأها قراءة تاريخية، واحد تجده بمجرد أن هذا البيض اتضح على وجهه يخضب والآخر يبقي، يقول مستحب وهذه سيرة رسول الله إذا المراجع لا يعملون بها إذن من يعمل بها؟ الجواب لا لا، أنا أتصور واقعا في كثير من هذه تابعة للقراءة تابعة للفهم، ومن هنا تعالوا معنا إلى باب التشبه، افتحوا هذا الباب، أعزّائي من قال هذه المسائل قضايا تعبدية وقضايا كلها دينية؟ لا أعزّائي بل هي قضايا مرتبطة بالظروف التي مرت بها الأمة وصيرورة الأمة ومجتمع الأمة الإسلامية ونحو ذلك، وجملة من المحققين في الآونة الأخيرة يقولون بقاء اللحية والالتحاء كان من هذا القبيل لأنه كان من يحلق لحيته في تلك المجتمعات كانت سخرية، كان عيبا، كان دليلا على التخنث في ذاك المجتمع أما إذا صار في مجتمع بالعكس الذي يضع اللحية يصبح ماذا؟ إذن الموضوع تبدل واختلف، أنا لا أريد أن أبدل أحكام الله أنا أقول الموضوع الذي قال يحرم حلق اللحية على الفرض توجد أدلة حلق اللحية هذه الأدلة هل أخذت الظروف الاجتماعية أم لم تأخذ؟ فإن أخذت فلها حكم وإن لم تأخذ فلها حكم آخر، مسألة لبس السواد والآن تعلمون بأنه كم يكتبون في الرسائل في أن ليس السواد جائز أو حرام شرعا؟ لأن الروايات الدالة على الحرمة كثيرة وقوية، ولهذا أقصى ما انتهوا إليه لبس السواد مكروه، إلا في مصاب الإمام الحسين، ومن هنا أنتم تجدون أن جملة من الأعلام حتى في شهادات سيدة نساء العالمين لا يلبس الأسود، لماذا؟ ما الإشكال؟ لماذا في يوم العاشر تجده لابس أسود ولكنه في هذه الشهادة لم يلبس؟ تتصورونه اعتباطيا؟ لا يا أخي بل لأنه مبنى فقهي يوجد، أما بعض المعاصرين فكان يحرم حتى بالنسبة إلى الإمام الحسين وعاصرناه، كان عنده لبس السواد محرم مطلقا، الآن هذه القراءة غير تاريخية والقراءة التاريخية هو أنه لبس السواد واللون الأسود كان شعار للعباسيين، والروايات أيضاً وردت في زمن العباسيين، فالإمام حتى هذا الشعار لا يكون للشيعة فمنعوا شيعتهم أن يلبسوا الأسود، أنظروا أنا لست بصدد كل هذا الذي قالوه صحيح بل أنا بصدد أريد ذهنك ينفتح تقرأ هذه المسائل بهذه القراءة الثانية.
إذن الظروف المحيطة بصدور الحكم للموضوع لابد أن تلحظ الظروف التاريخية المحيطة بذلك الموضوع ولا أقل ذلك على نحو الموجبة الكلية ولكنه أريد أن أنفي السالبة الكلية التي تقول لا يلحظ الآن كم قدرها هذه؟ 5 بالمائة، 10 بالمائة، 50 بالمائة، ذاك بحث آخر والدليل لابد أن نثبته. إذن إلى هنا اتضح وتحرر عندنا محل النزاع، وبهذا يتميز عندنا مسألة تأثير الظروف التاريخية بمعناه العالم في موضوعات الأحكام الشرعية عن مسألة الانقلاب والاستحالة في الموضوعات، لأنه قد يقول قائل سيدنا هذا ليس جديدا، خب كل علماءنا قالوا الموضوع تابع لموضوعه فإذا حصل انقلاب في الموضوع أو حصلت صيرورة واستحالة في الموضوع يتبدل الحكم، وعشرات الأمثلة ضربوا لذلك أعزّائي من قبيل أن يكون الخمر خلا، أو الكلب ملحا، أو العذرة ترابا، أو البول بخارا، هذا ليس هذا الذي أنتم تقولوه علماءنا من قديم الزمان قالوا، لا عزيزي لا، هذه المسألة تختلف عن مسألتنا، لا يصير عندك خلط في المسألة، هذا الذي ذكروه في باب الانقلاب والاستحالة وما يناظرهما ويشابههما هناك يوجد تحول في الموضوع من الناحية الوجودية، وجوده تبدل، الكلب شيء والملح شيء آخر، وجودا تكوينا حقيقتا إذا تريد أن نتكلم بلغة الفلسفة ماهية، هذه الماهية غير تلك الماهية، الخمر شيء والخل شيء آخر، التراب شيء والعذرة شيء آخر، وهناك يوجد تغير في الموضوع أيضاً ولكن تغير لا بلحاظ وجوده الداخلي بل بلحاظ شروطه الخارجية وإلا نفس الموضوع هو موجود، الخضاب هو الخضاب ما فرقه الخضاب في مجتمع ضعيف أو في مجتمع قوي؟ أن يكون الشيب يصبغ بالأسود أو بالحنى الأحمر أو نحو ذلك هذه حقيقة واحدة لم تتبدل،وإنما الذي يتبدل الظروف الخارجية المحيطة بهذا الموضوع، نعم مشهور بل أنه المجمع عليه بين علماء المسلمين أن الانقلاب والاستحالة يغير الموضوع ولكن ذاك شيء وبحثنا شيء آخر، لا يقول قائل سيدنا أي جديد جئت به؟ نعم أصل القاعدة نعم، القاعدة هي أن الحكم تابع لموضوعه فإذا تبدل اقتصر مشهور العلماء على التبدل الداخلي الوجودي، ونحن نريد أن نوسع هذا التبدل إلى الشروط المحيطة بالموضوع، فأحدهما غير الآخر ولو على مستوى السعة والضيق.
ما الفرق بين هذه المسألة ومسألة الأحكام الثابتة والأحكام الولائية؟ يوجد فرق أو لا؟ الجواب نعم، ما الفرق بين هذه المسألة ومسألة الأحكام الأولية والأحكام الثانوية؟ يوجد فرق؟ نعم، ما الفرق بين هذه المسألة والأحكام الاختيارية والاضطرارية؟ إن شاء الله ضمن الأبحاث تتضح.
سؤال: في النتيجة سيدنا تقولون بالتاريخية أو بعدم التاريخية؟ ما هو نظركم؟ في المسألة احتمالات أربعة، من الآن ندخل في صلب البحث.
الاحتمال الأول أو القول الأول: هو القول بلا تاريخية وبنفي التاريخية مطلقا، إلا ما دل الدليل في مورده كما ورد، الآن قرأنا في الخضاب هذا ورد نرفع اليد وإلا الأصل، ماذا يعني الأصل؟ يعني في كل مورد شككنا أن هذا الموضوع هل للشروط والظروف التاريخية مدخل أو لا الأصل عدم المدخلية، مرة أن الدليل دل على عدم التاريخية نلتزم بالإطلاق وأخرى دل على التاريخية نلتزم به، محل الكلام في المشكوك وهو 99 بالمائة منه هكذا، 99 بالمائة لا نعلم أنه من التاريخي أو من غير التاريخي، هنا القول الأول يقول الأصل، سؤال: ما هو مرادكم من الأصل؟ الأصل العملي أو الأصل الفظي؟ هذا بحث يأتي، الآن عندما يقولون الأصل هو أنه الزمان والمكان ليس له تأثير، اسأله هذا الذي يقول الأصل هذا أي أصل؟ يعني عندنا دليل لفظي على أن الزمان والمكان لا تأثير له أو مقصودك الأصول العملية؟ هذا بحثه إن شاء الله سيأتي، إذن القول الأول وهو الذي بنا عليه مشهور علماء المسلمين بل لعله أكثر من المشهور بين علماء مدرسة أهل البيت وهو أن التاريخية لا مدخلية لها، فكل العناوين تأخذ مجردة عن ظروفها التاريخية، عندما أقول التاريخية يعني ثقافة ومال واجتماع وعادات وتقاليد وقوة وضعف وإلى آخره.
القول الثاني أو الاحتمال الثاني: هو الذي يعكس الأمر كاملا، يقول الأصل في كل ما شك فيه هو التاريخية إلا ما دل الدليل على العكس، وهذه جملة الآن من المفكرين المعاصرين من كبار من شيعة وسنة وعالم عربي ومستشرقين جملة كبيرة من هؤلاء ولعله من أهمهم محمد أراگون، وهو من الذين أسسوا لهذه النظرية وكتبه كثيرة في هذا المجال، أشرت إلى ثلاثة كتب له هنا ولكن تتجاوز كتبه العشرة كتب، وآخرين أيضاً من قبيل الجابري وكثيرين هم، يقولون الأصل هو التاريخية. وطبعا عندما أقول الأصل التاريخية هؤلاء ليسوا جناح واحد، يبدءون من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين حتى ينتهي بهم البعض إلى أن أصل الإسلام هو تاريخي أصلا لمرحلة أتى وانتهى. تقول نستفيد منه؟ يقول نعم نستفيد منه، بعبارة أخرى صريحا يقولون رسول الله أتى أراد أن يبدل ويغير البشرية، بدأ الخطوة الأولى والخطوات الأولى تركها للأئمة والأئمة تركوها للعقل البشري وصل العقل البشري إلى مرحلة بعد هو يستطيع أن يحل، نعم الخطوط العامة الكلية النبي والقرآن بينوه ولكن هذا ليس معناه أنه نستنسخ ما ورد في القرآن والسنة، هذه النظرية الثانية.
الاتجاه الثالث: يقول لا أصل في المقام، لا أصل أولي بالتاريخية ولا أصل أولي بنفي التاريخية، وإنما نحن والدليل، إما ننتهي إلى التاريخية وإما ننتهي إلى نفي التاريخية، إما أن ننتهي إلى أن الظروف التاريخية مؤثرة في الموضوع وإما غير مؤثرة، ولا يستثنون لا أحكام عبادية لا أحكام اجتماعية ولا أحكام عقادية لا أحكام أخلاقية لا أحكام حقوق الإنسان، كلها يقولون لا يوجد عندنا أصل لا هذا ولا ذلك، لا القائلون بالتاريخية عندهم دليل ولا الذين نفوا التاريخية عندهم دليل، وما عدم الدليل لهذا أو ذاك فالأصل لا هذا ولا ذاك.
القول الرابع: وهو أنه نفهم الموضوعات التي ذكرت للأحكام الشرعية، وهذا واقعا جدا يعقد عمل الفقيه، لأنه إلى الآن الفقهاء عموما يقول بأنه تشخيص الموضوع له أو ليس له؟ يقول أنا هذا الموضوع بهذا الشكل، حكمه هذا. هذا يقول أنه أساسا المشكلة ليس في الأحكام، الأحكام واضحة، إنما المشكلة في الموضوعات، الفقيه لابد أن يعين هذا الموضوع لأي حكم؟ من قبيل أنت عندك مثل ما ذكرنا عندك الآن شطرنج، حلال أو حرام؟ وعندك دليل، في الرتبة السابقة عندك دليلين، تقول القمار حرام والسبق والرماية والرياضة حلال، لا يوجد فيها مشكلة، هذا ثابت وهذا ثابت، إنما الكلام اللعب بالشطرنج هل هو من القمار أو لا؟ إذن البحث في الموضوعات ليس في الأحكام، من هنا هؤلاء جاءوا وقسموا الموضوعات. هؤلاء يقولون أن الموضوعات الاجتماعية تاريخية والموضوعات العبادية غير تاريخية، أصل، فلابد أن نشخص أن الموضوع اجتماعي أو عبادي، فإذا كان من الموضوعات العبادية، صوم وحج وصلاة وغيرها فلا معنى للتاريخية، أما إذا كان معاملات ونكاح وزواج وبيع وشراء فهي موضوعات تاريخية، هذا تقسيم.
تقسيم آخر يقول الموضوعات المرتبطة بالبعد الثابت في الإنسان، ليست تاريخية والموضوعات المرتبطة بالبعد المتغير في الإنسان تاريخية. لأن تعلمون أن الإنسان فيه بعد ثابت وفيه بعد متغير والأحكام التي جاءت أيضاً تشمل الثابت والمتغير، فموضوعات المرتبطة بالبعد الثابت للإنسان لا معنى للظروف التاريخية.
الثالث أن الموضوعات التي عرضت لها الشرعية عندنا موضوعات أصلية وعندنا فرعية، فالأصلية لا معنى لتأثير التاريخ فيها والفرعية يؤثر التاريخ فيها.
تقسيم آخر: موضوعات ينتظر من الدين والشريعة التدخل، هذه ليست تاريخية وموضوعات لا ينتظر منها التدخل هذه تاريخية.
تقسيم الخامس: موضوعات يمكن للتجربة الإنسانية أن تصل فيها إلى نتيجة هذه تاريخية وموضوعات ليس للعقل الإنساني والتجربة الإنسانية الوصول إليها هذه ليس تاريخية.
وهناك تقسيمات أخرى نوضحها حتى نأتي إلى هذه الأقوال، خصوصا أدلة أقول الأول، فلا اقل بحسب الاستقراء تتجاوز الأدلة التي أقاموها لأنهم كانوا ملتفتين على العشرات، يعني لا أقل 10 و 15 دليل أقاموها لإثبات عدم تاريخية موضوعات الأحكام الشرعية. والحمد لله رب العالمين.