محاضرة ﴿361﴾
أعوذ بالله السميع العليم من شر شيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على آله الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد
كان الكلام في الدليل الثاني الذي أقامه المشهور المنكر لتاريخية بعض الأحكام الشرعية وبعض موضوعات الأحكام الشرعية قالوا أن الاستصحاب حاكم بالاشتراك إلا ما خرج بالدليل ولهذا أثبتوا الأصل هو الاشتراك، الدليل الأول هو الإطلاق، الدليل الثاني هو الاستصحاب، ذكرنا للأعزة بأن هذا الدليل لا أقل بناء على التفصيل الذي ذكره النراقي وسار عليه السيد الخوئي من التفصيل بين الشبهات الحكمية والموضوعية لا ينفعنا على الإطلاق، لأنه نحن في قاعدة الاشتراك بصدد بيان الاشتراك في الأحكام والاستصحاب لا يجري في الأحكام إذن بعد لا يمكن إلى الاستصحاب، بناء على التفصيل الذي ذكره النراقي واختاره السيد الخوئي لا معنى لجريان الاستصحاب، وثانيا أيضاً بناء على التفصيل الذي اختاره أو أشار إليه الشيخ الأنصاري وهو التمييز والتفصيل بين المقتضي والرافع أن الشك إذا كان في الرافع يمكن الاستصحاب أما إذا كان الشك في أصل المقتضي لا يمكن الاستصحاب ونحن قلنا أنه في كثير من الأحيان (لا نريد أن نقول بنحو الموجبة الكلية) الشك في الرافع أو الشك في أصل المقتضي؟ الشك في أصل المقتضي، إذن لا يمكن التمسك بالاستصحاب وهذان أهم تفصيلين في مسألة الاستصحاب، وإلا تفصيلات أخرى موجودة ولذا نحن أشرنا في شرح الحلقة الثالثة المجلد الرابع من الأصول العملية صفحة 404 قلنا خلاصة البحث في عموم جريان الاستصحاب من أهم الأقوال في عموم جريان الاستصحاب قولان: التفصيل بين موارد الشك في المقتضى والشك في الرافع والثاني هو التفصيل بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية، ويوجد أعلام قالوا بهذين التفصيلين من أمثال الميرزا النائيني والشيخ الأنصاري والسيد الخوئي وهؤلاء ليسوا واقعا لا يمكن تجاوز أقوالهم ببساطة وسهولة.
أما العقبة الثالثة وهي الأخيرة وأساسية: الآن نريد أن نسلم يعني نرفض التفصيل الأول ونرفض التفصيل الثاني ونؤمن بعموم جريان الاستصحاب وأن الاستصحاب حجة في الحكمية وفي الموضوعية خلافا للتفصيل الذي اختاره السيد الخوئي وأن الاستصحاب حجة سواء كان الشك حجة في المقتضى أو كان الشك في الرافع خلافا لما اختاره الشيخ الأنصاري وقلنا أنه يجري ومع ذلك هل ينفعنا في قاعدة الاشتراك أو لا ينفع؟
أعزّائي لكي يتضح أنه ينفع أو لا، لابد من الرجوع إلى أدلة حجية الاستصحاب، لأنكم تعلمون لكي يكون الاستصحاب حجة شرعية من قبيل لكي يكون خبر الثقة حجة شرعية يحتاج إلى دليل، لأن الاستصحاب لا يفيد اليقين حتى يكون حجة بذاته وإنما يفيد ظن البقاء، وإذا صار ظن البقاء إذن لأنه يوجد شك وإلا لو الإنسان عنده يقين ببقاء الأول الحالة لا يحتاج إلى استصحاب فإذن يحتاج إلى دليل لأننا ذكرنا كلما لم ينتهي إلى القطع فيحتاج إلى دليل والمفروض أن الاستصحاب لا يفيد القطع إذن يحتاج إلى دليل، فما هي أدلة حجية الاستصحاب؟
ذكرت في كلماتهم عدّة أدلة الدليل الأول وهو الدليل العقلي، يعني كقاعدة عقلية من قبيل اجتماع النقيضين محال، من قبيل قبح العقاب بلا بيان، من قبيل اجتماع الضدين، هذه هي القواعد العقلية، هذا الدليل لا نقف عنده كثير، أشرت إليه في الجزء الثالث من شرح الحلقة الثالثة الأصول العملية من صفحة 329 الدليل الأول الدليل العقلي ما ذكره الطوسي، ما ذكره الحلي، ما ذكره الأنصاري، ما ذكره الخراساني، وآخرون ثم مناقشته أولا ثانيا ثالثا إلى صفحة 334، هذا الدليل ليس محل اعتماد عند الأعلام، استدلوا به ولكنه المعتمد ليس هو الدليل العقليّ.
الدليل الثاني هو ادعاء الإجماع وأنتم تعلمون بأن الإجماع لا يمكن أن يكون دليلا لمثل حجية هذه المسائل، مثل ما ادعي الإجماع في حجية خبر الواحد، ما ادعاه الشيخ الطوسي في قبال ما ادعاه السيد المرتضى من عدم حجية الخبر الواحد، هذه الاجماعات أولا مناقشة صغرى وأيضاً مناقشة كبرى إذن دليل الإجماع أيضاً لا اعتماد عليه، وإنما الكلام كل الكلام في الدليلين الآخرين وهما الدليل السيرة العقلائية أولا وثانيا الروايات الخاصة الواردة في المقام، التفتوا لي جيدا إذن ينحصر الكلام في السيرة العقلائية، الدليل الأول وفي الروايات الخاصة، وإن شاء الله تعالى سوف يتضح أنه في النتيجة في دليل الروايات يعني الدليل الرابع أيضا نحتاج إلى السيرة، يعني السيرة العقلائية وهو الدليل الثالث إما هو الدليل وإما هو نحتاج إليه لتميم الدليل، ومن هنا لابد أن نضع يدنا على السيرة العقلائية لأنه بعد ذلك سيتضح أن هذه السيرة عندها قدرة أو لا يوجد عندنا قدرة على إثبات الاشتراك، لأنه نحن عندما نأتي إلى الاستصحاب لابد أن ننظر إلى قدرة الدليل، الدليل فيه قدرة حتى بثبت الاشتراك أو لا توجد عنده مثل هذه القدرة؟
أما الدليل العقلائي أو السيرة العقلائيّة : فيما يتعلق بالسيرة العقلائية الشيخ الأنصاري قدس الله نفسه في حواشيه على استصحاب كتاب القوانين الآن حذفت في حوزاتنا العلمية وإلا من الكتب الأساسية الدقيقة كانت سابقا في تأريخ علم أصول الفقه، الشيخ الأنصاري عنده حاشية على القوانين ولكن بما يرتبط باستصحاب القوانين لا أكثر ولذا هو الذي لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الجزء 28، الحاشية على استصحاب القوانين في صفحة 87، و88 و89 يقول: الوجدان السليم، الوجدان السليم يعني ارتكازات العرف، العقلاء، فيما بينهم الفطرة السليمة قوله (قول صاحب القوانين) إن الوجدان السليم يحكم بأن ما تحقق وجوده أو تحقق عدمه في حال أو وقت ولم يحصل الظن بطروّ عارض يرفعه، إذن التفتوا أيضاً صاحب القوانين يتكلم في المقتضى والرافع، عارض يرفعه فهو مظنون البقاء وعلى هذا الظن بناء العالم، أصلا تختل الحياة الإنسانية، أنت بينك وبين الله أي علاقة أي قضايا اجتماعية أخرى تقيمها على أساس أن ما كان موجود الآن على ما هو عليه، أقول ما ذكره المصنف من حكم الوجدان وبناء العقلاء، أقول (كلام الشيخ) وبناء العقلاء على ذلك وإن خدش فيه بعض إلا أنه كذا وكذا إلى أن يقول في ص 89 وكيف كان فلا مجال لإنكار كون حكم الوجدان وبناء العقلاء على مراعاة الحالة السابقة، الآن عند بعض المناقشات التفصيلية بنحو الإجمال يقبل أن السيرة العقلائية وأن الارتكاز عقلائي قام على هذا،
المورد الثاني: ما ذكره في الرسائل وهو الجزء الثالث بحسب هذه الطبعة التي هي لتحقيق التراث، في صفحة 94 وما بعد ذلك إلى صفحة 96 يقول ومنها يعني من الأدلة على إثبات حجية الاستصحاب بناء العقلاء على ذلك في جميع أمورهم كما ادعاه العلامة في النهاية وأكثر من تأخر عنه، كل من جاء أو أكثر من تأخر عن العلامة قالوا أن الدليل هو السيرة العقلائية و زاده بعضهم أنه لولا ذلك لاختل نظام العالم وأساس عيش بيني آدم، وزاد آخر أن العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتى الحيوانات، ألا ترى أن الحيوانات تطلب عند الحاجة المواضع التي عهدت فيه الماء والكلام ولعله مولانا أصبح كذا وتبدل، ولكنه تبقي الحال السابقة على ما هو عليه، والطيور تعود من الأماكن البعيدة إلى أوكارها ولولا البناء على إبقاء ما كان لم يكن وجه لذلك، والجواب عنده مناقشات ولكن القضية أصل القضية من المسلمات.
المورد الثالث: ما ذكره الميرزا النائيني الذي جعله دليل بلا مناقشة، قال في أجود التقريرات، أعزّائي أجود التقريرات أدق بكثير من فوائد الأصول للكاظمي، إذا تريدون أن نقلوا شيئا مع التدقيق عن الميرزا انقلوا من أجواد التقريرات لا من فوائد الأصول، يقول في الجزء الرابع، في 29، يقول: إذا عرفت ذلك فنقول أن المختار عندنا هو حجية الاستصحاب أما الدليل على الحجية فلنشفع بذكر الأدلة التي ذكر فيها على حجية الاستصحاب الأول، دعوى بناء العقلاء على الأخذ بالحلة السابقة فإنهم كما ترى يعتمدون على الأمور التي ببقائنا على الآثار ما لم يحصل لهم القطع بارتفاعه، ولكن انقضه بيقين آخر. ,إلا مع الشك ليس من حقك أن تنقض، ولا يخفى أن بناء العقلاء على ذلك وإن كان غير قابل للإنكار في الجملة بنحو القضية المهملة وأصل القضية، هذا المورد الثالث،
المورد الرابع: ما ذكره في فراد الأصول، تقريرات الكاظمي، المجلد 4، ص 332: وبالجملة لا ينبغي التأمل في أن الطريق العقلائية قد استقرت على ترتيب آثار البقاء عند الشك في الارتفاع، فإن قلت لعلهم يبنون في حالة الشك على البقاء لأجل حصول الاطمئنان يقول وليس علمهم على ذلك لأجل حصول الاطمئنان لهم بالبقاء، بل لمحض الرجاء، احتمالا شكا وإلا لو حصل الاطمئنان فإنه حجة بنفسه بعد لا نحتاج إلى الاستصحاب.
المورد الخامس: هو ما ذكره السيد الشهيد في تقريرات السيد الهاشمي، المجلد الثالث، ص 20: قال الدليل الثاني التمسك بالسيرة وبناء العقلاء عملا على بقاء الحالة السابقة، ثم يقول وقد ناقش البعض في ذلك ولكن الصحيح ثبوت أصل السيرة والبناء العقلائي على العمل طبق الحالة السابقة، أصل السيرة لا يوجد فيها مجال لأن يناقش، الآن إلا أن يناقش فيها أنه هل تورث الاطمئنان أو لا؟ هذه بعد مرتبطة في التفصيلات من قبيل أنه نبحث أن الدليل دل على أصل حجية خبر الواحد، أما هل يشترط العدالة يشترط الوثاقة يشترط الضبط يشترط الإمامية هذه التفصيلات، هذه أيضاً صفحة 20 من هذا المورد، هذا فيما يتعلق بالسيرة العقلائية، إذن مسألة السيرة مما لا كلام في ذلك.
الدليل الرابع وهو الروايات الخاصة: توجد هناك في هذا قد الإنسان يغفل عنها التفتوا، الروايات الواردة كثيرة 5، 6 ، 4، 7 كلها تفصيلا موجودة عندي في شرح الحلقة الثالثة، استعرضنا كل الروايات من الروايات الصحيحة السند ولكنها لا تدل على المطلوب أو الروايات التي تدل على المطلوب ولكنها ليست صحيحة السند أو الروايات التي هي معتبرة سندا وتامة دلالة، كلها استعرضنا، من أهم الأدلة التي استدل بها على ذلك هو هذا الدليل وهي من الروايات المعتبرة وكل بدأ من هذه الرواية وهي واردة في وسائل الشيعة المجلد الأول، ص 245، وهي أبواب نواقض الوضوء الباب الأول أنه لا ينقض الوضوء إلا اليقين بحصول الحدث دون الظن والشك.
مرارا ذكرنا للأعزة التفتوا إلى عناوين الأبواب، فإن فقاهة الحر العاملي في عناوين الأبواب، لأنه هذه الرواية لماذا يضعها تحت هذا الباب ولا يضعها تحت باب آخر إذن فهمه للرواية مرتبط بهذا الباب وهذا الذي قلنا وهو الذي يؤكد عليه علماء أهل السنة يقولون أنه فقاهة البخاري في عناوين الكتب والأبواب، إذا أردت أن تعرف أن البخاري ماذا فهم من الرواية؟ انظر عنوان الباب الذكره أين، ولذا تجدوه عندما يأتي إلى أبي بكر وعمر وعلي يقول في فضائل في فضائل وعندما يأتي إلى معاوية يقول ما روي في معاوية، يعني لا يعتقد أنه له فضائل ولكن بشكل جدا دقيق لابد أن تلتفت إليه، إذن حتى البخاري الذي في اعتقادي أنه أموي الهوى لا يعتقد أن معاوية له فضائل، التفتوا لي هذه نقطة، الرواية الأولى عن حماد عن حريس عن زرارة قال قلت له أن رجلا ينام وهو على وضوء، أتوجب الخفق والخفقتان عليه الوضوء، هذه الغفوة التي تأخذ الإنسان، فقال يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن، وحقكم هذه الجملة إذا علماء الحوزة كان يعتنون جدا بأهل البيت لابد أن يضعون سنة بحث كيف يمكن أن تكون العين نائمة والقلب والأذن، هذا مرتبط بعلم النفس، ولكنه مع الأسف نحن فقط عندنا شغل ولا تنقض بيقين آخر، كأنه هذه ليست كلام الإمام هذا لليونانيين ولكنه آخر الذيل ماذا؟ لأنه الذهنية ذهنية فقهية، لذا انتم تجدون هذه الرواية أبدا لم يعلق عليه أحد بهذا المقطع، أنه كيف يمكن أن تنام العين ولا تنام القلب؟ ثم ما معنى نوم القلب؟ أصلا القلب ينام أو دائم الضربان؟ إذا نام القلب يموت الإنسان، ما هو نوم القلب إذن؟ اذهبوا اليوم إلى أساتذة الذين يدرسون بحث الخارج اجلسوا اسأله كيف يمكن أن القلب ينام؟ يقول ما علاقته بعملية الاستصحاب؟ يا أخي والله رواية الإمام الصادق في رواية صحية السند قالها، لنفهم ماذا قال: يا زرارة قد تنام العين ولا تنام القلب والأذن، إذن نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء، بيني وبين الله تعال إلى الكتب الفقهية هل من شرائط ناقضيته أن تنام هذه الأمور الثلاثة، ما معنى نوم القلب؟ هذه من شرائط الوضوء لابد أن يشرح، لأن الرواية قالت إذا نامت هذه الثلاثة وجب الوضوء يعني الناقض ما هو؟ نوم هذه الثلاثة، ما معنى نوم القلب؟ وجب الوضوء قلت فإن حرك إلى جنبه شيء ولم يعلم به قال لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن، وإلا فإنه على يقين من وضوءه ولا تنقض اليقين أبدا بالشك وإنما تنقضه بيقين آخر.
هذه الرواية واردة، الآن أيضاً نفترض بعد لا كلام النقض الذي قاله الأنصاري، شيخ مرتضى الأنصاري، قال بأن النقض معناه المقتضى لابد أن يكون موجود، نفترض هذا الإشكال دفعناه، ونفترض كل إشكالات السيد الخوئي أيضاً دفعناها، وقلنا أن الاستصحاب يشمل الشبهات الحكمية فضلا عن الموضوعية ويشمل الشك في المقتضي فضلا عن الشكّ في الروافع، ولكن تبقى عندنا مشكلة؟ لعل أساسا هذا الكلام كله مرتبط باب الوضوء، هذه قضايا تعبدية وكم له من نظير، أما إذا جئنا إلى كتاب المعاملات، لأن كل الرواية من أولها إلى آخرها مرتبطة بباب ماذا؟ أصلا حتى لا تشمل باب الصلاة، من أين أنتم تعديتم عن خصوصية المورد؟ بأي دليل؟ واقعا المعركة الأصلية ليس في دلالة الرواية بل في تعميم الرواية، بأي دليل عممتم؟ مع أن الرواية من أولها إلى آخرها مرتبطة وهكذا أعزّائي روايات أخرى كلها مرتبطة بباب الوضوء، بباب الطهارة الوضوئية، السؤال: بأي دليل عممتم الاستصحاب لغير مورده؟ هنا أيضاً أعلام الأصوليين رجعوا إلى الارتكاز العقلائي والسيرة العقلائية والمبنى العرفي، إذن تبين أن السيرة العقلائية إما هي دليل مستقل لإثبات الاستصحاب وعموم الاستصحاب وإن لم تكن دليل مستقل هي مساعدة لدليل الروايات لإثبات عموم الاستصحاب، إذن الأصل كله ينصب على السيرة العقلائية.
والحمد لله رب العالمين