بسم الله الرحمن الرحيم
مطارحات في العقيدة
كيف عرف الإمام علي (ع) نفسه؟
القسم الأول
المقدم: السلام عليكم وتحية لسماحة آية الله لسيد كمال الحيدري.
سماحة السيّد قبل أن ندخل في موضوع الحلقة هل هناك كلمة في البدء؟
سماحة السيد:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
من الواضح أنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى مقامه حتى يعرّفه، هو قال عليه السلام عن نفسه: ينحدر عني السيل ولا يرقى إلى الطير، لأنه هو في قمة لا يمكن لأحد أن ينال هذه القمة إلا خالق هذه القمة، إلا مربي هذه القمة وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من هنا سوف نقف عنده عليه السلام لنلتمس منه أن يعرفنا بعض مقاماته وبعض درجاته وبعض فضائله عليه السلام، ولكن قبل أن أدخل في هذا البحث بودي أن أشير إلى هذه الكلمة المختصرة عنه عليه السلام أيضا وردت في كلماته في ترتيب الأمالي، قلنا هذا الكتاب يشتمل على أمالي الشيخ الصدوق والمفيد والطوسي وهي جمع محمد جواد المحمودي، مؤسسة المعارف الإسلامية، الجزء الأول، ص 341، الرواية رقم 307، الرواية عن الأصبغ بن نبات، قال: « دخل الحارث على أمير المؤمنين علي عليه السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم، فجعل الحارث يتأود في مشيته ( كان مريضا ) ويخبط الأرض بمحجمه وكان مريضا، فأقبل عليه أمير المؤمنين، وكانت له منه منزلة، (من خواص الإمام علي ) فقال: كيف تجدك يا حارث؟ فقال نال الدهر يا أمير المؤمنين مني وزادني أوارا وغليلا اختصام أصحابك ببابك < أنا أنما نقلت هذه الرواية حتى يتضح بأنه اختصام الأصحاب كيف يؤذي قلب أمير المؤمنين؟ « قال: وفيم خصومتهم؟ قال: فيك وفي الثلاثة من قبلك < في الأول والثاني والثالث، « فمن مفرط منهم غال، ومقتصب تال، ومن متردد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم <، أنا أتصور بأن الحارث الهمداني يشير إلى كأنه يقرأ هذا التاريخ كما يقال التاريخ يعيد نفسه، طبعا هذه المقولة لها معنى دقيق لا يتبادر إلى الذهن يعني تكرار التاريخ، التاريخ لا يتكرر، « لا يدري أيقدم أم يحجم فقال: حسبك يا أخا همدان، ألا إن خير الشيعة النمط الأوسط < إذن الإمام سلام الله عليه لا يريد إفراطا ولا يريد تفريطا، لا يريد غلوا ولا يريد تقصيرا كما قرأنا عن الشيخ المفيد قال هذا من الغلو وهذا من التقصير، « قال: ألا إن خير الشيعة النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي فقال له الحارث: لو كشفت فداك أبي وأمي الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا < أتصور أن نحن الآن وكلام إمام الأوصياء وإمام الأتقياء وسيد الأولياء والوصيين من الأولين والآخرين، الإمام يعطينا ضابطا كليا عاما علينا أن لا ننسى هذا الضابط، اتفقنا اختلفنا صعدت أصواتنا أو نزلت، علينا بهذا الضابط، والحديث موجه لأخي همدان، أو للحارث الهمداني الذي قال عنه الحميري يا حار همدان من يمت يرني، من مؤمن أو منافق قبلا، قال: « إنك امرؤ ملبوس عليك < الإمام يقول لخواصه أن التبس عليك الأمر، انقلبت الموازين عندك، ماذا قال الحارث حتى يقول التبس عليك؟ « قال: إنك امرؤ ملبوس عليك، إن دين الله لا يعرف بالرجال < أعزّائي أين نحن من هذا الكلام؟ « إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بأية الحق ثم قال: « فاعرف الحق تعرف أهله <، وإلا لو أعزّائي لو صار المدار أن ندخل إلى دين الله بالرجال، لأخرجنا نفس الرجال أو رجال آخرون من دين الله، لأنه أنت لم تدخل إلى الدين على أساس الميزان الحق حتى إذا قال فلان ذاك الحق قبلته، لم يقله تضرب به عرض الجدار، وهذا هو الذي حدث عندما تصدى أمير المؤمنين الخلافة، أولئك الذين اشتبه عليهم الأمر، التبس عليهم الأمر فصاروا في صف الجمل أو في صف الخوارج، أو في صف صفين أو في صف معاوية لماذا؟ لأنه التبس عليهم الأمر. إذن علينا مع كل احترامنا للرجال، أي رجل كان، أي علم كان، من أعلام المسلمين والشيعة من أعلام غير الإسلاميين. احترام الآخر هذه من الحقوق الإنسانية في الإسلام، هذه غير مربوطة في الإسلام، من الحقوق الإنسانية احترام الشخص والأشخاص بل حقوق الحيوانات والبهائم، نحن كلامنا في المنهج في الحق، إذن اعرف الحق تعرف أهله، قال: « يا حار إن الحق أحسن الحديث أولا وثانيا والصادع به مجاهد < يعني أن الذي وصل إلى الحق وصدع به فهو مجاهد بمرتبة المجاهدين وهذه وظيفة العالم إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، إذا وجدنا الناس أخذوا يمينا ويسارا وصاروا يعرفون الحق بالرجال فلابد أن أخذهم بأيدهم لنرجعهم أن يعرفوا الرجال بالحق، ولهذا قال الإمام عليه السلام: « وبالحق أخبرك فارعني سمعك ثم خبر به من كان له حصانة أو حصافة من أصحابك <يعني صاحب رأي، كأنه الإمام يقول كل إنسان لا يتحمل هذا الحق.
إذن بعد هذه الجملة أشير إلى هذا الكلام، بغض النظر عن كل هذا الضجيج والغوغاء والأتربة والغبار والكلمات هنا وهناك، أنا لا أتصور أن هناك عاقلا يشك في أنه يوجد في موروث أهل السنة ما هو دخيل وغريب وموضوع وأنه يوجد في الموروث الروائي الشيعي ما هو دخيل وغلو وكذب ومختلق وزور و… لا أشك أن عالما يحترم علمه بل عاقل يحترم عقله يشك في هذه الحقيقة، نعم قد يكون الاختلاف في حجم وكيفية هذه المدخولات، قد المساحات تختلف، إذن تعالوا معنا ما دمنا متفقين على أصل القضية وهو أنه يوجد الدخيل على موروثنا وهو الذي اصطلحت عليه بإسلام الحديث الأموي، في مقابل إسلام الحديث النبوي، إذن تعالوا نضع يدا بيد بغض النظر عن المساحات التي نتفق عليها أو نختلف، تعالوا إلى أضيق الدوائر يعني لو فرضنا أن الجميع متفق على أن المساحة عشرين بالمائة، عشرة بالمائة لا تسعين بالمائة بل خمسة بالمائة، إذن توجد هناك مساحة مشتركة، تعالوا إلى كلمة سواء، نضع يدا بيد من جميع حواضرنا ومؤسساتنا الدينية، السنية منها والشيعية ومن جميع الأقلام التي يحترق قلبها لهذا الموروث الذي بدأ يلوث، لأن هذه الجراثيم عندما تدخل إلى البدن السالم تجعله مريضا عليلا، لا يمكن أن يقوم بدوره وبمسئولياته كما ينبغي، تعالوا نضع يدنا بيد لنتفق على موازين وعلى معايير نعرض عليها الموضوع، لا يحق لأحد بعد، كل واحد منا يأخذ ميزان في بيته يقول أنا وزنته وجدت الحديث صحيح، هذا لا يكون، لابد أن يكون هناك ميزان متفق عليه، ميزان عام، إذن قلت لكم وأنا على يقين أنه بعد أن تهدأ هذه الأصوات التي تحاول أن تقف أمام المشروع من خلال الضجيج والضوضاء، لا من خلال البحث العلمي تعالوا بعد أن تهدأ هذه الأصوات وستهدأ اطمئنوا، تعالوا معا نضع يدا بيد لنقف وننقي تراثنا وموروثنا سواء كان على مستوى الموروث عند أهل السنة أو الموروث عند علماء الشيعة لنرى ما ينبغي أن يقبل وما لا ينبغي أن يقبل.
والآن كيف عرف الإمام أمير المؤمنين نفسه؟
سوف أنتقي لكم روايتين: الأولى من كتب علماء أهل السنة والثانية من كتب علماء مدرسة أهل البيت، قبل أن أدخل إلى هذه الروايتين، قد يقول قائل أنت من أول رمضان إلى هنا تشكك في الروايات، فكيف تريد أن تستند إلى روايات، وأتصور سؤال وجيه. ولكن بشكل عام أقول أنه أنا لم أشكك في الروايات، يحاول البعض كما قلت من خلال الضوضاء والضجيج أن يقول هذا، أنا كل همي أن نجد المعيار لتمييز الصحيح من السقيم، ما هو المعيار؟ أنا في اعتقادي المعيار يمر بالمراحل التالية:
أولا: الإجماع بين المسلمين على الحديث.
الثاني: موافقة القرآن.
الثالث: موافقة السنة القطعية الصادرة قطعيا من رسول الله.
الرابع: أن الروايات واردة في مصادر من لا يحتمل في حقه أن جعل هذه الرواية. لأنها ليست في صالحة، لو كانت الروايات تؤيد أفكاره، قد نشك فيها، أما إذا لم تكن كذلك فهذه بالعكس قرينة على الصحة.
هاتان الروايتان عندي استعداد أكثر هذه الموازين التي أذكرها في الوقت المناسب أبينها مفردة مفردة، كيف أنها مجمع عليها وموافقة للقرآن و…
الرواية الأولى: وهي الواردة، جامع بيان العلم وفضله، لأبي عمر يوسف بن عبد البر، المتوفى 463 من الهجرة، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، ابن الجوزي الجزء الأول، ص 383، رقم الحديث 726، الرواية قال: « شهدت علي وهو يخطب ويقول < إذن في مجلس عام وليس خاص، « سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به <، هذا العام كما يقال والخاص بعد العام، بشكل عام يعلم ما يحدث إلى يوم القيامة سلوني عن كتاب الله، كما يقال هذا من باب ذكر الخاص بعد العام، وسلوني عن كتاب الله، فو الله ما منه آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل نزلت أم بجبل < وهذه لها خصوصيات، يا أمير المؤمنين ما الفرق أن الآية تنزل بالليل أو بالنهار أو ترد بالسهل أو جبل؟ توجد هناك خصوصية. الرواية يقول: « إسناده صحيح ورجاله ثقات إلى أن يقول وأخرجه الحاكم في المستدرك وابن جرير في التفسير من غير وجه يعني من طرق متعددة وعزاه السيوطي في الدر لعبد الرزاق وإلى غير ذلك، وذكره الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي إلى آخره <، فالرواية واردة في كتب متعددة وعند أعلام متعددين ، نفس هذه الرواية وردت في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أو تفسير القرطبي المتوفى 671، بتحقيق محمد رضوان عرق سوس، في الجزء الأول، ص 61، الرواية عن عامر بن واثلة، « فسمعته يقول في خطبته سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم ا لقيامة إلى حدثتكم به… أخرجه بتمامه ومختصرا عبد الرزاق في التفسير وابن سعد في الطبقات والطبري في التفسير والحاكم في المستدرك والضياء المقدسي في المختارة وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ثم قال: ووافقه الذهبي <. الرواية عن الكوة قال: « هو عبد الله قال الحافظ بن الكوة… < إذن من حيث السند واردة في أهم المصادر المعتبرة والمقبولة، ولكن بودي أن أشير إلى تتمة أشار إليها السيوطي في الدر المنثور، أعزّائي الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي، تحقيق الدكتور ابن عبد المحسن التركي، بتعاون مع مركز هجر، الدكتور عبد الستار بن حسن اليمامة المجلد الثامن فبعد أن ينقل الرواية: « وأخرج بن أبي حاتم عن ابن أبي حسين قال: قام علي بن أبي طالب < مع أنه يعرف كل القرآن أو لا يعرف؟ قالت الرواية لا يوجد شيء لا يعرفه، « قال: فقال ألا أحد يسألني عن القرآن < كم كان غريبا وكم هو غريب القرآن الآن في أوساطنا، « قال: ألا أحد يسألني عن القرآن فو الله لو أعلم اليوم أحد أعلم به مني وإن كان من وراء البحور لذهبت إليه < يقول: أنا أعلم الناس مطلقا بالقرآن، فلو علمت فرض المحال كما يقولون ليس بمحال، فلو علمت من يوجد أعلم مني بالقرآن من وراء البحور، يعني أنه تحتاج إلى مشقة شديدة، ولكن الإمام يقول لأتيتها، « فقام عبد الله بن الكواء < الذي هو كان خارجيا وبعد ذلك صار من أصحابه. هذه الرواية الأولى التي هي من مصادر علماء أهل السنة، طبعا هنا لا بأس أن أشير إلى أنه في جامع بيان العلم وفضله في الجزء الأول كما أشرنا ينقل رواية وهي أيضا إسناده صحيح يقول عن سعيد بن المسيب قال: ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب، ما كان أحد يجرأ أن يقول هذه الجملة غير ربيب الوحي، ربيب النبي (صلى الله عليه وآله)، أول تلميذ لخاتم الأنبياء والمرسلين.
الرواية الثانية: وهي التي وردت من مصادرنا بهذه الصيغة. طبعا نفس الموازين أعزّائي قد هذه الرواية التي تنقلها لا نجد عليها إجماع بين المسلمين ولكن أنا من الذين عندي استعداد كامل كل فقرة من فراتها أعرضها على القرآن الكريم وأثبت مضمونها قرآنيا، حتى يسأل بعد ذلك أحد عن السند، في تتمة رواية الحارث الهمداني لأنه قال له لو كشفت الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا، قال إذا أردت أن تعرف أمر إمامك وسيدك فتعلم منه ماذا يقول عن نفسه، قال: « ألا إني عبد الله < وهذه خصوصية مهمة، أول خصوصية يبدءون أنهم عبيد لله، مربوبون، لا ينبغي لأحد أن يرفعهم عن مقام العبودية بأي طريق كان، هذه القضية وهذا كلام أمام الغلاة الذين أرادوا بعضهم أن يجعل ويرفعه فوق العبودية، « ألا إني عبد الله وأخو رسوله وصديقه الأول < أول منصب، يا أمير المؤمنين أنت الذي تقول صدقت رسول الله أين صدقته؟ قال: « صدقته وآدم بين الروح والجسد < هذا الحديث المتواتر القطعي الصدور، كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد، لا بين الماء والطين، لا يوجد عندنا نص صحيح بعنوان وآدم بين الماء والطين، لا معنى أصلا لهذا الحديث، وإنما الصحيح هو وأدم بين الروح والجسد، إذن التصديق كان في ذلك العالم، ثم إني صديق الأول في أمتكم حقا، الإمام أمير المؤمنين في الجملة الأولى لم يقيدها بحقا، ولكن في الجملة الثانية قيدها، لأنه يوجد من ينتحل هذه الصفة، ولهذا قيدها، يعني يوجد هناك من هو صديق أو ينتحل صفة الصديقين وليس بصديق، قال: « ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا < إذن يا أمير المؤمنين إذن أنت لك تصديقان لرسول الله، تصديق وهو بين الروح والجسد وتصديق وهو في عالمنا، يعني بعبارة أخرى تصديق وهو نبي قبل هذا العالم، وتصديق وهو نبي في هذا العالم، يمكن أن تعبر لنا عن هذه الحقيقة يا علي؟ قال: « فنحن الأولون ونحن الآخرون <، أريد أن أقف قليلا عند هذه الجملة، سوف أبين لأن الإمام يقول نحن، إذن يتكلم عن أشخاص، ومن الواضح أنه أول هؤلاء هو خاتم الأنبياء والمرسلين لأنه آدم بين الروح والجسد وهو مصدق له، فهو قبله، إذن من خلال المعرفة أو من خلال معرفة مقام هذا المصدق به نستطيع أن نعرف مقام المصدق، أين كان؟ يعني إذا استطعنا أن نعرف أين كان رسول الله عندما صدقه علي أمير المؤمنين، عند ذلك يتضح مقام أمير المؤمنين، ولعله البحث بهذه الطريقة لم أبحثه إلى الآن في أي من أبحاثي.
إذن نحن الآن نقف عند رسول الله قليلا لأنه كنا قد وعدنا في شهر رمضان أن نتكلم عن مقامات الخاتم، إذا استطعنا أن نتعرف على مقام الخاتم، نستطيع أن نتعرف على مقام صديقه الأول، أول من صدقه، يعني لا نوح ولا إبراهيم ولا موسى وال عيسى، إذن قبل هؤلاء جميعا صدقه علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام، إذن تعالوا لبعض النقاط القليلة أمر عليها مرورا، ما هي تلك النشأة؟ في الواقع سأذكر بعض الاصطلاحات قد تكون غريبة على بعض الأذهان الذين سيستمعون إلى البرنامج ولكنه أعدكم سأقف عندها، أعزّائي هذا العالم الذي نعيشه يسمى بعالم الشهادة، فوق هذا العالم، عالم آخر يسمى بعالم البرزخ، سواء البرزخ النزولي أو الصعودي يعني ومن وراءهم برزخ ومن قبلنا أيضا برزخ، فالذي قبلنا نسميه البرزخ النزولي لأننا نزلنا منه ومن بعدنا هذا البرزخ نسميه البرزخ الصعودي، لأنه نصعد إليه، إليه يصعد الكلم الطيب، إذن لا يتبادر إلى ذهنك أن هذه الاصطلاحات ليس لها أصل، بل كلها لها أصولها القرآنية، طبعا هذا العالم عالم البرزخ يسمى بعالم الملكوت،وقبل علم الملكوت هناك عالم آخر يسمى بعالم العقول المجردة عند الفلاسفة وعند اصطلاح الشرع يسمى بعالم الملائكة المقربين، المصطلح عليه بعالم الجبروت، الآن لماذا يسمى هذا العالم بعالم الجبروت أيضا له اصطلاحه الخاص، الآن أشير إلى هذا حتى نعرف وقبل هذه العوالم الثلاث، جميعا هناك عالم آخر اصطلح عليه العرفاء بعالم الهاهوت وهو مأخوذ من الآية المباركة { قل هو الله أحد } الله ما قال لرسوله قل الله أحد، قال أول قل هو وبعد قل الله، إذن يوجد قبل مقام الله، مقام هو، ومن هنا اصطلح عليه العرفاء بمقام هاهوت، مقام رسول الله في الهاهوت لا في الجبروت ولا في الملكوت، هذه كلها دون مقامه، إذن أمير المؤمنين عندما يقول صدقته أيضاً مقامه في هاهوت، تقول سيدن ما فهمنا منك؟ أعلم، كونوا على ثقة أعلم ولكن اطمئنوا سأقف عند هذا البحث، وهذا الذي وعدت الأعزة أننا نريد أن نقف عند نظرية الإنسان الكامل هذه واحدة من مفرداته، ما هي مقامات الإنسان الكامل؟ سؤال: ما هو هذا الموجود الذي هذا مقامه؟ الجواب سوف يكون الواسطة في الفيض، يعني ما من شيء يريد أن يصل إلى عالم الجبروت والملكوت والناسوت فلابد أن يمر بتوسط هذه الواسطة فيستلم الفيض من يد ويعطي الفيض بيد أخرى، فهو بيد آخذ وبيد معطي، حتى جبرائيل، تقول: هو ينزل عليه، أقول نعم، يأخذ من مقامه العالي ويعطي لمقامه الداني، يعني يأخذ من مقامه الجبروتي ويعطي لمقامه الناسوتي. علماء كبار قالوا هذه الحقيقة منهم العلامة الآلوسي في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، المجلد الخامس عشر ص 30، يقول: « ولما كان مقام الوسيلة خاصا بنبينا، أطلقوا الوسيلة عليه وفسرها بذلك هنا بعض الصوفية والعرفاء فكل من عبد من دون الله تعالى من عيسى وعزير والملائكة وسيلتهم إلى الله تعالى نبينا < ما معنى وسيلتهم؟ قال: « بل هو عليه الصلاة والسلام وسيلة سائر الموجودات من الجبروت والملكوت والناسوت والواسطة بينهم وبين الله تعالى في إفاضته سبحانه وتعالى الوجود عليهم < هو الواسطة، لا يوجد غيره، وهناك أدلة قرآنية على ذلك، يا آدم أنبئهم بأسمائهم، معلم الملائكة، كيف يتعلم من الملائكة، وعلم آدم الأسماء كلها، هذا آدم الملكوت، آدم الجبروت، آدم الهاهوت، هو الذي تعلم من الله بلا واسطة، ثم صار معلما للملائكة، قال: « والواسطة بينهم وبين الله تعالى في إفاضته سبحانه الوجود وكذا سائر ما أفيض عليهم <، كل ما أفيض في عالم الإمكان، فبواسطة رسول الله <، هو صاحب النعمة علينا واحضى الخلق بوساطته الأنبياء < هؤلاء أكثر نصيبا من الباقي لأنهم أخذوا، لأنه أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها، أوعية الأنبياء خصوصا أنبياء أولو العزم أوسع الأوعية، فأخذوا أكثر من غيرهم، « فإنهم أشعة أنواره وعكوسات آثاره وهو الحق والنبي والمطلق وكلهم أنبياء مقيدون بزمان معين وكان نبي وآدم بين الماء والطين < تصحيحا للعلامة الآلوسي وآدم بين الروح والجسد، ولذا في الحاشية يقول: « وآدم بين الروح والجسد وه والصحيح، « وقد تلقى الأنبياء منه من وراء حجاب الأرحام والأصلاب <، وهم في الأرحام والأصلاب كانوا يتلقون من رسول الله. هذا الأمر الأول.
إذن الوظيفة الأولى لذلك الموجود هو واسطة الفيض. الوظيفة الثانية: إذا كانوا واسطة الفيض إذن هؤلاء الأنبياء الأوصياء الأولياء العلماء وغيرهم هؤلاء جميع نوابه ما دام هو في ذلك العالم، ينوبون عنه، الأصالة لرسول الله، طبعا هذا كله أقوله حتى يتضح لكم بالقرينة أن علي بن أبي طالب أين كان عندما يقول وصدقته وآدم بين الروح والجسد، هذا مقامه، هذا مقام علي، لأنه صدقه من الواضح، وبتعبيره هو ويلك أنا عبد من عبيد محمد.
في روح المعاني المجلد 21، تحقيق ماهر حبوش، في ذيل الآية 34 من الأحزاب، يقول: «ولا بدعة في نيابة الأقطاب بعده عنه (صلى الله عليه وآله) كما نابت الأنبياء قبله < كل الأنبياء كانوا نواب عنه (صلى الله عليه وآله)، « فهو عليه الصلاة والسلام الكمال المكمل للخليقة، والواسطة في الإفاضة عليهم وكل من تقدمه عصرا من الأنبياء وتأخر عنه من الأقطاب والأولياء نواب عنه ومستمدون منه < إذن من حقنا جميعا نقول يا رسول الله المدد، المدد، المدد، لأنه هو واسطة الفيض، هذه المقولة التي الآن تجدوها منتشرة بين الصوفية مدد، مدد هذه فيها أصول ثابتة قرآنية عقلية، قائمة على أساس نظرية الإنسان الكامل، هذا الحديث لا أثر له، لا في الفقه ولا في الأصول ولا في الحديث ولا الكلام ولا الفلسفة ولا… بل هذه المباحث والقواعد والأسس يؤسس لها في العرفان، من أراد أن يقف على هذه المباحث فعليه بدراسة أهم موضوع في العرفان النظري هو دراسة نظرية الإنسان الكامل، ما هي حقيقته ومراتبه وأدواره؟ إذن نحن عندما قلنا في البحث السابق، العرفان وما أدرئك ما العرفان، لا نريد أن نأتي بعرفان الفرس والمجوس واليونان والأفلاطونية القديمة والحديثة و… بل نريد العرفان الإسلامي، العرفان الشيعي، ولهذا عندي كتاب اسمه العرفان الشيعي، بيان نظرية الإنسان الكامل، وإلا أنت اقرأ كل كتب الإسلام السنية والشيعية لا تجد أثر لهذا الحديث، اقرأ كل كتب الفلسفة لا تجد أثر لهذا الحديث، أقرأ كل كتب المحدثين سواء من السنة أو الشيعة لا تجد، أما كتب الفقه والأصول فلا علاقة لها بمثل هذه الأبحاث، هذا البحث مرة أخرى انظروا إليه بشكل كامل ودقيق عرض له أحد العرفاء الكبار وهو داوود القيصري مقدمة شرح فصوص الحكم، بتحقيق شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ حسن زاده آملي، هناك يقول: « وظهور الحقيقة < يعني الحقيقة المحمدية، لأن هذا محمد له حقيقة وباطن، باطنه هناك، فعبر عنها الحقيقة المحمدية (صلى الله عليه وآله)، « وظهور تلك الحقيقة بكمالاتها أولا لم يكن ممكنا < يعني لم يكن بالإمكان أن ننزل أول نبي رسول الله، فرسول الله بعث « فناب عنه الأنبياء < من آدم إلى عيسى، « فظهرت تلك الحقيقة بصور خاصة فتارة ظهرت بآدم وأخرى ظهرت بنوح وثالثة بإبراهيم وموسى وعيسى وكل الأنبياء كل منها في مرتبة لائقة بأهل ذلك الزمان والوقت حسبما يقتضيه اسم الدهر وهي صور الأنبياء < صور لأنه هذه كلها نماذج أمثلة من تلك الحقيقة الأزلية الثابتة التي لا أول لها ولا آخر.
الأمر الثالث: فإذا ظهرت تلك الحقيقة، يقول: « كالشمس إذا ظهرت تغيب كل الكواكب < إذا ظهرت تلك الحقيقة تختفي مع أنها موجودة ولكنها مختفية لا ترى. أيضا العلامة الآلوسي المجلد الخامس عشر في ذيل الآية 23 و 72 من سورة الإسراء، قال« { وقد تلقى الأنبياء منه وظهروا إذا كان محتجبا < ظهور الكواكب في الليل، لأنه قبل أن ينزل الخاتم إلى الأرض كانت الدنيا ليلا، متى تنورت الدنيا تنورت بنور الخاتم (صلى الله عليه وآله)، فلما بزغت شمس النبوة المطلقة، من أفق الظهور، لماذا يقول النبوة المطلقة؟ لأنه باقي الأنبياء كلهم نبوتهم مقيدة، « فلما بزغت شمس النبوة المطلقة من أفق الظهور غابوا ونسخت أحكامهم على نحو غيبوبة الكواكب وانمحاق أنوارها وأضواءها عند طلوع الشمس من تحت الحجاب < منخلعة من الجلباب إلى آخره <.
سؤال: فإذا ارتحل من هذا العالم ماذا نفعل؟ عندما جاء انمحت تلك الكواكب، عند يرحل ماذا يحصل؟ هنا تأتي نظرية إنسان الكامل، تقول إذن لابد أن يوجد في كل زمان إنسان كامل، وهذه هي نظرية مدرسة أهل البيت، لا نحتاج أن نذهب يمينا ويسارا ولذا قلت أنا لا أحتاج أن أذهب إلى هذه الرواية أو تلك الرواية، لأثبت إمامة أئمة أهل البيت لأن الأرض لا يمكنها أن تخلوا من إنسان كامل، عند ذلك بعد تضرب كل الروايات التي تكلمت عن سهو النبي وإسهاء النبي ونوم النبي وخطأ النبي وأنتم أعلم بأمور دنياكم والله كلها نضرب بها لا عرض جدار واحد بل بمائة جدار نضربها، سواء صدرت في كتب السنة أو كتب الشيعة، وسواء قال بها كبار علماء أهل السنة أو بعض أعلام الشيعة كالصدوق ومن تابعه على ذلك، هذه نظرية الإنسان الكامل، هذه مدرسة أهل البيت، هذا الذي تجدون أنا أصرخ والبعض يقول لماذا تصرخ أقول لأنه قلبي يتمزق على نظرية الإنسان الكامل ولا أجد لها أثرا في كتب المتكلمين من الشيعة والسنة، هذه هي القراءة التي أريد أن أقدمها لمدرسة أهل البيت، كونوا على ثقة هذه النظرية لا يختلف عليها اثنان ولكن بمجرد أن يذهب إلى القرآن، هذه النظرية في القرآن موجودة، هذه غير موجودة في روايات الإسلام الأموي، عند الصوفية موجودة نظرية قريب منها، مع الأسف استطاعت البيئة أن تحرفهم. أقرأ لكم من شخص سني قطعا ويقينا ولكن أنظروا كيف يؤمن بالنظرية، القيصري الذي هو أحد كبار العلماء العرفاء وتلميذ عبد الرزاق القاساني أو الكاشاني، الذي هو تلميذ صدر الدين القونوي وصدر الدين القونوي ربيب محيي الدين ابن عربي، فهو عندما يشرح يشرح نظريات ابن عربي، تعالوا معنا إلى صفحة 150، يقول: « وقبل انقطاع النبوة يعني كان ظاهرا قد يكون القائم بالمرتبطة القطبية ظاهرا، وعند انقطاع النبوة كما انقطعت لا نبي بعدي وظهور الولاية من الباطن انتقلت القطبية إلى الأولياء < لا يمكن أن تخلوا الأرض من إنسان قطب وكامل، « انتقلت القطبية إلى الأولياء مطلقا فلا يزال في هذه المرتبة واحد منهم قائم في هذا المقام لينحفظ به هذا الترتيب والمقام وإلا لساخ العالم بأهله < إذا أردنا أن نحفظ هذا النظام فلا طريق إلا بالإنسان الكامل، قال سبحانه ولكل قوم هاد، تعالوا إلى النصوص الواردة عندنا يقول من هو مصداقه؟ أئمة أهل البيت، قال: « وإن من أمة إلا خلا فيها نذير إلا أن ينختم بظهور خاتم الأولياء < من هو؟ اتفقت كلمة السنة والشيعة أنه خاتم الأولياء هو المهدي المنتظر، المشترك الآن هو أنه اتفقت كلمة علماء السنة والشيعة بمختلف اتجاهاتم من محدثين وفلاسفة وعرفاء ومفسرين وفقهاء سمهم ما تشاء، أن خاتم الأولياء هو المهدي المنتظر أرواحنا لمقدمه الفداء، ولهذا تجدون أن تحت رايته نبي من أنبياء أولوا العزم، تحت رايته عيسى يصلي خلفه، لأنه هذا مقامه قال: « إلى أن ينختم بظهور خاتم الأولياء وهو الخاتم للولاية المطلقة <. إذن هذه نظرية الإنسان الكامل التي أشار إليها أمام المتقين قال فنحن الآخرون، هذه الجملة المباركة، تقول سندها، أقول لو تعطيها بيد فقيه مرتبط بالحلال والحرام يقول سندها غير معلوم، ولكن أنا لا أحتاج إلى سندها لأنه أعرضها على كتاب الله وكتاب الله يثبته لي، ولذا نصيحتي لكل أبنائي وإخواني في جميع الحواضر العلمية بالخصوص الشيعية منها في جميع الحواضر كونوا على ثقة لا طريق لنا لمعرفة هذه المقامات أو نظرية الإنسان الكامل الصحيحة قرآنيا إلا دراسة العرفان النظري، لا الفلسفة بمشائيتها وإشراقيتها وحكمتها المتعالية ولا الكلام باعتزاله وأشعريته وإماميته ولا الفقه ولا الأصول ولا حديث عند أهل السنة أو عند الشيعة. وإنما طريق الوحيد يمر من خلال مباني العرفان النظري.
المقدم: نستمع إلى المداخلات
أبو علي من الكويت: سلام عليكم… كان لدي سؤالين بالنسبة لموضوع الحلقات، الأول هل حضرتكم عالجتم هذه المسائل في فتاواكم العقدية والفقهية؟ الثاني: الآن بعض العامة يقولون في هذه المسألة أن سماحة السيد يقول الموروث الشيعي هو من المجوس والنصارى وغيرهم فما هو رأيكم؟.
أبو أحمد من السعودية: سلام عليكم … سؤال من كان الحجة قبل النبي (صلى الله عليه وآله)؟
سماحة السيد: جواب سؤال الأول لأبو علي أقول فيما يتعلق بالمسائل العقائديّة أرجوا الله أن أوفق عندنا كتاب سيخرج الفتاوى العقائديّة وله مدخل وحاولت بقدر ما يمكن أن أعالج الأمور العقائديّة على أسس قرآنية لا على أسس روائية محضة ولا عقلية محضة وإنما بقدر ما نستطيع الرواية لابد من عرضها على القرآن.
أما فيما يتعلق بالمسائل الفقهية قدر منها عالجناها في رسائلنا العلمية ، الفتاوى الفقهية ولكن أرجوا في المراحل اللاحقة سنكتب رسالة عملية على أساس الفقه القرآني وأعتقد أنها سوف تختلف اختلافا جذريا عن الرسالة العملية القائمة على أساس الفقه الروائي أو المورث الروائي، اضرب مثال صغير أنتم عندما تأتون إلى الرسائل العملية أو الثقافة العامة الموجودة عند الشيعة تجدون بأنّه قائمة في مسألة الحقوق الشرعيّة على الخمس، الزكاة موجودة في الرسالة العمليّة ولكن غير موجودة في ثقافة الناس ولكن عندما ترجعون إلى القرآن تجدون آية واحدة في الخمس وحدود خمسين رواية إلى مائة آية تكلّمت عن الزكاة ولكن هي مغيبة عن الثقافة الشيعية وكذلك العكس، عندما تأتي أي شيء لا يوجد عن الخمس على الإطلاق، هذا يكشف لك أن الفقه ليس متأثرا بالرؤية القرآنيّة بل بالرؤية الحديثية.
وجواب سؤال الأخ أنّه مع الأسف الشديد بعض العوام وبعض الجهلة من الشيعة والسنة بدءوا يقولون أن السيّد ينكر السنّة وينكر ظلامة الزهراء وكله كلام فارغ وكلامي الأصلي لابدّ من تنقية الموروث الروائي سنيا كان أو شيعيا وميزانه الأساسي هو القرآن.
وطبعا الحجّة من ذرية نبينا، وإذا كان موجود فهو موجود في طوله، كما أمير المؤمنين اتّضح أنّه كان موجود هناك في الحقيقة ولكن موجود بما هو مصدق، فإذا تسأل عن حقيقته نعم الأئمة كلهم موجودون بحقائقهم الأنبياء أيضاً موجودون بحقائقهم، نحن الآن نتكلّم عن الحجّة بوجوده الناسوتي الظاهري.
المقدّم: شكرا لسماحة آية السيّد كمال الحيدري.