أعوذ بالله السميع العليم من شر شيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على آله الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
كان الكلام في التفاسير التي قدمت لنظرية الأمر بين الأمرين.
بينا فيما سبق ما هي الضوابط التي لابد من مراعاتها لإمكان تفسير هذه المقولة التي عبر عنها البعض بأنها متواترة وإن لم تكن متواترة بالمعنى الاصطلاحي فلا نشك في صدورها من الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام، وذلك لأسباب نذكرها في محلها وهو أن بعض المطالب عندما تصدر من الأئمة فيها من الدقة والبحث العلمي والصناعة لا يمكن أن نقول أنها يمكن أن تصدر من عالم، بدليل أن العلماء قبل هذه المقولة ما استطاعوا أن يصلوا إليها لماذا هنا استطاعوا بعضهم أن يصل إليها، إذاً هناك قرائن كثيرة من السند ومن المضمون ومن تعدد الروايات هذا مضافاً إلى عن الأصل الذي نعتقده كما بيناه في هذه الرسالة التي بأيدي الإخوة قلنا بأن القرآن أيضاً يشير إلى نظرية الأمر بين الأمرين ولكنه من خلال البحث الذي ذكر هناك.
إذاً مسألة الأمر بين الأمرين مسألة لها جذر قرآني ولها جذر ولها تصريح روائي، أصولها قرآنية وتصريحاتها من الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت.
أشرنا بالأمس إلى الوجه الأول والوجه الثاني لتفسير هذه المقولة وهذه النظرية واتضح أنه لا يمكنه قبول التفسيرين المتقدمين، التفسير الثالث أو الوجه الثالث: هو الوجه المشهور بين كثير من علماء الإمامية سواء كانوا من المتكلمين أو كانوا من الفلاسفة أو كانوا من الأصوليين.
يعني المسألة ليست خاصة بالفلاسفة المسألة ليست خاصة بالمتكلمين، طبعاً لا يتبادر إلى ذهن البعض (المتكلم يعني الفيلسوف لا أبداً بينا بأدلة واضحة أن المنهج الكلامي يختلف عن المنهج الفلسفي ولهذا بإمكان الأعزة يذهبون إلى كتابنا المدارس الخمس في العصر الإسلامي أو مدخل إلى كتاب آخر، مناهج المعرفة عند الإسلاميين بينا ما هو الفرق بين الحكيم والفيلسوف وبين المتكلم لا يتبادر إلى ذهنكم عندما نقول سواء كانوا من الفلاسفة أو كانوا من المتكلمين أو كانوا من الأصوليين يعني هذا فقط تعداد الألفاظ لا الأصولي له منهج المتكلم له منهج الفيلسوف له منهج طبعاً الفيلسوف الذي له منهج سواء كان يختلفون المنهج الاشراقي يختلف عن المنهج المشائي ومنهج الحكمة المتعالية يختلف عن منهج المشائيين هذا كل واحد له منهج الفوارق ليست فوارق في النتائج وإنما الفوارق أين في المناهج وإلا كثير من الأحيان افترض الأخباري والأصولي يتفقون على نتائج فقهية أو كلامية ولكن الأخباري والأصولي واحد أو اثنين؟ اثنين، لأن المنهج مختلف وإن كانت النتائج قد تكون متفقة هذا الوجه ذهب إليه جملة من أعلام الإمامية في داخل مدرسة الإمامية، هذا الوجه الذي نحن جئنا به هنا في كتاب الإنسان بين الجبر والتفويض في أواخر الكتاب يمكن للإخوة أن يراجعوه، ولكنه حتى يتضح للأعزة بشكل جيد نحاول أن نقرره بإضافات مما هو موجود في هذه الرسالة، تعالوا إلى الأسفار المجلد السادس في صفحة (371) يقول هذه المسألة في صفحة (369) في شمول إرادته لجميع الأفعال هناك يقول بأنه جماعة ذهبت إلى كذا وجماعة ذهبت إلى كذا الأشاعرة كذا المعتزلة كذا إلى أن يقول وذهب طائفة أخرى وهم الحكماء وخواص أصحابنا الإمامية إلى أن الأشياء في قبول الوجود من المبدأ المتعالي متفاوته فبعضها لا يقبل وبعضها يقبل.
أحفظوا هذا الأصل وهو أن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، سؤال قادر على أن يخلق رباً مثله أو لا؟ إذا تقولون غير قادر إذاً كيف تقولون أنه قادر على كل شيء إذا تقولون قادر أساساً محال لماذا؟ لأنه عندما يخلقه إذاً مسبوق بالعدم يصبح واجب أو ممكن؟ إذاً كيف يجتمع مثله وهو ممكن، مثال آخر الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجمع بين النقيضين أو لا؟ يعني الوجود والعدم بالشرائط التسعة التي درستموها في المنطق يجتمعان أو لا يجتمعان؟ إذا قلت قادر على ذلك لازمه أنه ممتنع أو ممكن؟ يكون ممكناً، إذاً كيف التوفيق بين قولنا أن الله قدرته لا متناهية وبين قولنا أن الله على كل شيء قدير، وبين أن ما نجد أنه يقدر على هذه أو لا يقدر؟ تبين أنه لا يقدر، الجواب: أن هذا الخروج من القدرة ليس خروجاً تخصيصياً وإنما هو خروج تخصصي ما معنى الخروج التخصيصي والتخصصي؟ التخصيصي يعني سالبة بانتفاء المحمول التخصصي يعني سالبة بانتفاء الموضوع، الجواب الله قال في قرآنه والعقل قال أن الله قادر على كل شيء والممتنع ليس بشيء حتى تتعلق به القدرة المعدوم شيء أو ليس بشيء؟ ليس بشيء، والآية ماذا قالت؟ {إن الله على كل شيء} إذاً أساساً القدرة أول الأمر شاملة لهذا المورد أو غير شاملة؟
سؤال خارجه منه تخصصاً لضعف في الفاعل أو لعجز في القابل؟ القابل ليس بشيء حتى يوجده ليس هو ضعيف حتى لا يستطيع أن يوجده، جاء شخص إلى أمير المؤمنين قال يا أمير المؤمنين أيستطيع ربك أن يجعل الدنيا على كبرها في البيضة على صغرها؟
قال ويلك إن الله لا يوصف بعجز ولكن الذي تقول لا يكون، لا تتصور أن الله عاجز ولكن هذا الذي تقوله فيه قابلية أن يتحقق أو لا توجد فيه قابلية؟ إذاً المشكلة في فاعلية الفاعل أو قابلية القابل؟، رواية أخرى عن الإمام الصادق سأله سائل قال يا ابن رسول الله أيستطيع ربك أن يجعل الدنيا في البيضة؟ قال نعم وقد جعلها في أصغر من البيضة، فلهذا تصور البعض أن هناك تناقض بين كلام الإمام أمير المؤمنين وبين كلام الإمام الصادق ونحن بينا قلنا لا تناقض، الجواب: قال انظر ماذا ترى؟ قال أرى جبالاً وبيوتاً قال كلها جعلها في عدسة عينك وهي أصغر من البيضة، إذاً الله قادر؟ جواب أمير المؤمنين صحيح أو جواب الإمام الصادق؟ هناك بينا أن جواب الإمام أمير المؤمنين جواب برهاني عقلي وجواب الإمام الصادق جواب جدلي؟ وليس برهانياً واقتنع السائل، بعد أن اتضحت هذه المقدمة نأتي إلى محل الكلام يقولون الله خالق كل شيء هذه المقدمة الأولى وفعلي شيء أو ليس بشيء؟ إذاً الله خالق لفعلي إذاً يلزم نظرية الجبر هؤلاء كيف حلوا القضية الأمر بين الأمرين قالوا هكذا وهو أن فعل الإنسان الذي يصدر منه لأنه ينبغي أن يكون باختياره إذاً ما فيه قابلية أن يصدر من الله، إذاً ليس بأن الله قدرته عجزت أن توجد فعلك بل فعلك الذي يستند إليك فيه قابلية أن يصدر منه مباشرة أو ليست كذلك؟ ليست كذلك.
من هنا قالوا أن فعل الإنسان نسبته إلى الإنسان كنسبة العرض للجوهر يعني لابد أن يوجد الإنسان حتى يوجد فعله، فلا يمكن أن يوجد فعله من غير وجود الإنسان.
الله أوجد الإنسان والإنسان أوجد فعله، إذاً الأمر بين الأمرين يعني الله أوجد الإنسان والإنسان أوجد فعله ولهذا يقول إن الأشياء في قبول الوجود من المبدأ المتعالي متفاوتة الأشياء تريد أن تقبل الوجود من الله كلها مستعدة أن تقبل الوجود منه مباشرة أو غير مستعدة؟ لیس لأن الله غير قادر هي ما عندها استعداد استعدادها أنه تأخذ الوجود بلا واسطة أو تأخذ الوجود مع الواسطة؟ بعضها تأخذ الوجود بلا واسطة مثل الجوهر وبعضها تأخذ الوجود مع الواسطة يعني أعراض ذلك الجوهر مثل الإنسان يأخذ الوجود من الله بلا واسطة وفعله يأخذ الوجود من الله مع الواسطة، ومن هنا سموا الله فاعل بعيد للفعل والإنسان فاعل قريب من الفعل إذاً توجد عندنا للفعل فاعل واحد أو فاعلان؟ فاعلان، ولكن أحدهما في عرض الآخر أو أحدهما في طول الآخر؟ ولهذا صرحوا قالوا إن الله أوجد الإنسان وأعطاه الأدوات والقدرة والإرادة والسمع والبصر والفهم والعقل وأقدره فهو بقدرته التي أوجدها الله هو أوجد فعله، فأنت أوجدت فعلك بالذي أوجدك الله عليه يعني بالقدرة التي أقدرك عليها، لیس الله موجود مع قدرتك في عرضها يعني في حال إعمال قدرتك لإيجاد الفعل الله موجود هناك أو غير موجود؟ غير موجود، الله موجود بعنوان أنه أوجدك، فلهذا يقول فبعضها لا يقبل الوجود إلا بعد وجود آخر كالعرض الذي لا يمكن وجوده إلا بعد وجود الجوهر، ستقول أنه الله لا يستطيع أن يوجد العرض بلا جوهر يقول هذا ليس عجزاً في القدرة بل ضعفاً في القابل؟ فقدرته على غاية الكمال الله لا يوجد نقص في قدرته يفيض الوجود على الممكنات هذه نظرية تجد أنه من جملة الفلاسفة ذهبوا إلى أن الله أوجد العقل الأول والعقل الأول أوجد العقل الثاني والعقل الثاني ماذا أوجد الثالث، الله كان يستطيع أن يخلقهم مرة واحدة يقول لا باعتبار أن العقل الثاني من حيث مرتبة الوجود يستطيع أن يأخذ الفيض بلا واسطة أو لا يستطيع؟ لا يستطيع، هذه ليس لأنه الله غير قادر، وبعضها صادرة عنه بلا سبب وبعضها بسبب واحد أو أسباب كثيرة فلا يدخل مثل ذلك في الوجود إلا بعد سبق أمور لا لنقص ولعجز في الفاعل بل لعدم قابلية القابل، قال كالمحقق الطوسي كما وحاصل هذه الطريقة إن الله تعالى يوجد القدرة والإرادة في العبد وباقي الأدوات سمع وبصر وإلى غير ذلك ثم هاتان القدرة والإرادة توجبان وجوب المقدور، فالله فاعل قريب أو فاعل بعيد الله فاعل بلا واسطة أو فاعل مع الواسطة؟ فاعل مع الواسطة.
فالله تعالى فاعل بعيد والعبد فاعل قريب، وهذا يقول الحكيم السبزواري في حواشيه الأسفار الجزء السادس صفحة (371) الحاشية رقم (1) وهذا هو الذي أيضاً أشار إليه المجلسي عندما نقل نظرية المحقق الطوسي مرآة العقول الجزء الثاني صفحة (203ـ204) يقول ما ذكره بعض السالكين مسلك الفلاسفة وأشار إلى المحقق الطوسي يقول فجميع الكائنات حتى أفعال العباد بمشيئته تعالى وإرادته وقدره ولما كانت مشيئة العبد وإرادته وتأثيره في فعله إلى أن يأتي كان يبين النظرية كاملة، قال ولما كان من جملة الأسباب خصوصاً القريب منها، إذاً عندنا سبب قريب وسبب بعيد، فالفعل اختياري لنا فإن الله أعطانا القوة والقدرة والاستطاعة ونحن خلقنا أفعالنا بها، نعم قد تقول ما هو الفرق بين هذه النظرية ونظرية المعتزلة، وهو الذي أشار إليه الطباطبائي في الأسفار الجزء السادس صفحة (372) الحاشية رقم (2) قال الفرق بينه وبين سابقه إلى أن يقول فعل الأول للفعل استناد إلى فاعله القريب وإلى فاعل فاعله بواسطته ومن طريقه والانتساب طولي لا عرضي، يقول ولا منافاة فما من شيء ممكن موجود سوى الواجب بالذات حتى الأفعال الاختيارية إلا وهو فعل الواجب يعني أنا فعلي فعل الواجب، لأن الله خالق كل شيء يقول فعلي فعل الواجب مع الواسطة أو بلا واسطة؟ تارة معلول له بلا واسطة وأخرى معلول له بواسطة أو وسائط.
الأصوليين ماذا يقولون؟ تعالوا معنى إلى السيد الخوئي قدس الله نفسه في المحاظرات المجلد الثاني صفحة (87) تفصيل ذلك إن أفعال العباد تتوقف على مقدمتين الأولى حياتهم وقدرتهم وعلمهم وما شاكل ذلك، الثانية مشيئتهم وأعمالهم القدرة نحو إيجاد الفعل في الخارج، والمقدمة الأولى تفيض من الله تعالى والمقدمة الثانية تفيض من العباد عند فرض وجود المقدمة الأولى.
يعني فاعل بعيد وفاعل قريب، يعني الفعل الصادر من الإنسان بلا واسطة والفعل الصادر من الإنسان إذا نسب إلى الله يصبح مع الواسطة، وكذلك سيدنا الشهيد قدس الله نفسه في تقريرات شيخ حسن عبد الساتر المجلد الرابع صفحة (62ـ64) يقول الاحتمال الثالث هو أن يقال كلاً من المولى والعبد له نصيب من الفاعلية، ولكن بمعنى أن الفعل له فاعلان طوليان فاعل أول وفاعل للفاعل، الفاعل الأول الإنسان الفاعل الثاني الله هو فاعل الفاعل، في رتبتين لأنه أحدهما في طول الآخر، من قبيل الجوهر والعرض، يعني فعلك في طول وجودك ووجودك مخلوق لله وفعلك مخلوق لك، وليسا في رتبة واحدة فالفاعل الأول هو عبارة عن قدرة الإنسان وتمام قوى أفعاله التي باستطاعته يتحرك ويصلي والفاعل الذي هو اسبق ربتة وهو خالق هذه القوى باعتبار أن هذه القوى حدوثاً وبقاءً مخلوقه ومعطات من الله من هنا تتميز نظرية الإمام عن نظرية المعتزلة لأنه هناك قالوا حدوثاً لا بقاءً في وجود الإنسان لا في فعل الإنسان.
تشير إلى احتمال آخر في صفحة (64) يقول فتحصل مما تقدم أنه يمكن تمكن تطبيق نظرية الأمر بين الأمرين على الاحتمال الثالث كما يمكن تطبيقه على الاحتمال الرابع.
هذا الوجه تام أو ليس بتام؟
والحمد لله رب العالمين.
6 رجب المرجب 1435