نصوص ومقالات مختارة

  • البعد السياسي في الإمام

  • في مجموع الأبحاث المتقدّمة في طريقية الإمام كنّا نتحدّث عن الإمامة القرآنية والتي يمكن أن نصطلح عليها بالإمامة الإبراهيمية أيضاً، وهي المشار إليها بقوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} وهذه الإمامة هي الأوسع دائرة من حيث الصلاحيّات والأثر من الإمامة السياسية التي تقتصر على الحاكمية والقيادة، فالإمامة القرآنية تشمل جميع الأدوار والآثار المرتبطة بالإمام ابتداء من الدور التكويني ومروراً بالدور التشريعي ثمّ الدور السياسي.

    فالإمامة السياسية هي نفسها الخلافة في اصطلاحات المتكلّمين عموماً وفي كلمات غير مدرسة أهل البيت خصوصاً.

    والإمامة القرآنية هي نفسها الخلافة الإلهيّة في مدرسة أهل البيت عموماً وعند الحكماء والعرفاء منهم خصوصاً.

    في ضوء هذا التقسيم الصحيح للإمامة وسعتها سوف تّتضح لنا الإجابة الصحيحة لإشكالية أثيرت من قبل المدارس الأخرى، ومفادها أنّ الإمام عليّاً × لم يكن (في فترة السابقين عليه) إماماً وإنّما صار إماماً واجب الطاعة عند تسلّمه مهامّ الخلافة بعد بيعة المسلمين له، وهكذا الحال بالنسبة للإمام الحجّة ابن الحسن (عجل الله فرجه الشريف) فإنّه غير موجود ولم يولد وإنّما يولد في آخر الزمان، والسبب هو أنّه لو كان موجوداً لقام بمهامّه المتمثّلة بالقيادة والحكومة والخلافة، وحيث إنّه لم يقم إلى الآن بذلك فإنّه يلزم من وجوده انتفاء فائدة وثمرة وجوده، فيتعيّن أن لا يكون موجوداً الآن، وإنّما سيولد في آخر الزمان.

    والجواب ـ كما هو واضح ـ أنّ هذا المدّعى قد يكون صحيحاً وفقاً لمباني المتكلّمين والمدارس الأخرى الذين يحصرون دور الإمام بالإمامة السياسية، وأمّا بالنسبة لمدرسة أهل البيت ^ الذين يرون ثبوت الإمامة القرآنية التي تضمّ الإمامة السياسية فإنّ دور الإمام سوف يبقى فاعلاً سواء صار خليفة على المسلمين أو لم يصر.

    ولذا فالإمام علي × هو إمام الأمّة منذ قُبض الرسول الأكرم ’ وحتى استشهاده، وقد كان الإمام علي × يتصرّف في ضوء وظيفته الإلهيّة هذه، فكان يقيم الحدود إذا ما عطّلت ما أمكنه ذلك دون أن ينتظر الإذن من حاكم زمانه([1])، لأنّه × يرى أنّ إقامة الحدود من وظائفه الأساسية كإمام، وقد كان خواصّ الإمام × يفهمون جيّداً مكانة الإمام ومرجعيّته الأولى فكانوا لا يفعلون شيئاً إلّا بإذنه، حتى إذا أراد أحدهم السفر خارج المدينة كان يأخذ الإذن من إمام زمانه.

    وهكذا الحال في سائر أئمّة أهل البيت ^ وصولاً إلى الإمام الغائب الحجّة ابن الحسن (عجّل الله فرجه الشريف)؛ فإنّهم أئمّة المسلمين قاطبة، وإنّهم المرجعية الأولى لهم، لأنّ دورهم الفعلي في حفظ نظام التكوين الإمكاني وقيامهم بالدور التشريعي هداية وولاية لم ينته بإقصائهم عن دورهم السياسي.

    وينبغي أن يُعلم أنّ إقصاءهم عن دورهم السياسي وقيادة الأمّة وحاكميّتهم لها هو الآخر لم ينته بإقصائهم، فهم كانوا وما زالوا قادة الأمّة، بيد أنّ الأمّة التي لم تبايع أمير المؤمنين عليّاً × قد عصت أمر ربّها عزّ وجلّ ورسوله ’.

    ومن الواضح: أنّ عصيان الأمّة لا يصحّح أخطاءها مهما تقادم الزمن، فإنّ الحقّ يعلو ولا يُعلى عليه، وما وراء الحقّ إلّا الضلال.

    فخذلان الأمّة لهم ^ لا يسلبهم حقّهم في إمامتهم السياسية فضلاً عن التشريعية والتكوينية، كما أنّ اتّباع الأمّة جماعات وأفراداً لسواهم لا يصحّح عملهم ولا يمنح الشرعية لهم.

    ولعلّ القارئ الكريم يستحضر معنا قول الرسول الأكرم ’: «من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية»([2])، وليتها كانت جاهلية أولى، وإنّما هي جاهلية ما بعدها جاهلية البتّة.

    ———————————-

    ([1]) يُذكر أنّ الوليد بن عقبة (كان والياً على الكوفة من قبل عثمان بن عفّان) عندما قامت البيّنة الشرعية على شربه للخمر استدعي من قبل عثمان إلى المدينة ولكنّه لم يُقم عليه الحدّ، فأقام أمير المؤمنين علي × الحدّ على الوليد بن عقبة وقال ×: «لا يضيع لله حدّ وأنا حاضر…» انظر: الشافي في الإمامة للشريف المرتضى، مؤسّسة إسماعيليان، قم: ج2 ص158.

    ([2]) تقدّم تصدير الحديث.

    • تاريخ النشر : 2015/05/26
    • مرات التنزيل : 2571

  • جديد المرئيات