كان الكلام في المرتبة الخامسة من الولاية, أشرنا إلى مراتب أربعة للولاية:
المرتبة الأولى: هي ولاية الإفتاء أو بتعبير آخر بالنسبة إلى المعصوم, ولاية الإبلاغ.
المرتبة الثانية: هي ولاية القضاء.
المرتبة الثالثة: هي مرتبة إقامة الحدود واستيفاء الحقوق.
المرتبة الرابعة: وهي التي اصطلحنا عليها بولاية الإذن, وهي أن كثيراً من الأمور لا يمكن أن تتحقق في الخارج إلا بعد أن يأذن بها الإمام المعصوم.
قلنا أن هذه المراتب الأربع للولاية ثابتةٌ للفقيه كما فصلنا الكلام فيه فيما سبق. ثم انتقلنا إلى المرتبة الخامسة وهي: ولاية الأولوية. وهي المستفادة من قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}. ذكرنا بأن هذه المرتبة من الولاية مرتبة عالية وأنها مختصة بالنبي بحسب ظاهر الآية المباركة, إذن نحن ومقتضى الآية المباركة فهي مختصة بالنبي الأكرم’.
طبعاً هناك أبحاث تفصيلية مرتبطة بهذه الآية المباركة أن هذه الولاية أو الولاية الأولوية هل هي مختصة بالأنفس أو أنها شاملة للأموال أيضاً لأن الآية لم تقل النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم. ذاك بحث آخر الآن لا نريد أن ندخل فيه. المهم, بأنه لا إشكال ولا شبهة أنه كلما ثبتت الولاية لشخص على نفسه فالنبي أولى بتلك الولاية من نفس ذلك الشخص. ثمّ انتقلنا إلى بحثٍ آخر وهو أنه هذه الولاية هل أن النبي’ ثابتة له بنحو الإطلاق أو أنها مقيدة بالمصلحة؟
ذكرنا أن عبارة الشيخ الأعظم في المكاسب هي الإطلاق ولكنّه علّق عليها المحقق الإيرواني في حاشيته على المكاسب بأنّها مقيّدة بالمصلحة إذا كانت هناك مصلحة للشخص أو للمجتمع فهذه الأولوية ثابتة, وإلاّ فلا.
وفي مقام الحكمية بين هذين الرأيين, الجواب: أنّه الحق مع الشيخ الأعظم في مقام الإثبات والحق مع العلامة أو المحقق الإيرواني في مقام الثبوت, بمعنى أنّه في مقام الإثبات يحق للنبي الأكرم’ أن يُعمل هذه الولاية أعم من أنّ المكلف يلتفت إلى المصلحة أو لا يلتفت إلى المصلحة بل لعله يعترض يقول أي مصلحة في هذا, ليس مهماً أن المكلف الذي أعمل النبي الولاية في حقه أن يلتفت إلى مصلحة ذلك الفعل, سواء التفت المكلف إلى المصلحة أو لم يلتفت فالولاية ثابتة للنبي الأكرم’, وهذا هو معنى الإطلاق وهذا معنى أن الشيخ الأعظم يقول مطلقة وليست مقيدة, ولكنّه ما ذكره المحقق الإيرواني أيضاً صحيح ولكنّه ثبوتاً واقعاً وهو أن النبي على يقين لا يُعمل هذه الأولوية إلا في مورد توجد فيها مصلحة لا يمكن أن يصدر فعلٌ من النبي الأكرم’ بلا مصلحة وبلا حكمة, في قبيل ما نقوله في أفعال الحق سبحانه وتعالى, ليس بالضرورة أن الخلق يلتفتون إلى المصلحة ولكن الله يفعل بلا مصلحة ولا حكمة أو لا يفعل؟ لا يفعل.
إذن أنا أتصور أنّ المحقق الإيرواني عندما قيّد هذه الأولوية بالمصلحة كان نظره إلى مقام الثبوت والواقع وأن النبي لا يصدر منه إلا ما هو موافقٌ للمصلحة والحكمة, وأن الشيخ الأعظم عندما جعل الأولوية مطلقة كان نظره إلى مقام الإثبات وأنه لا فرق أن المكلف يلتفت إلى تلك المصلحة وإلى تلك الحكمة أو لا يلتفت.
من الأبحاث الأخرى التي أشير إليها أيضاً إجمالاً بنحو الفتوى وتفصيلها في محله هو أنه هذه الأولوية الثابتة للنبي الأكرم’ هل هي مقيّدة باتباع الطرق المشروعة أو أنها ليست كذلك, باعتبار أنه قد نقول أن الأولوية ثابتة للنبي عندما يريد أن يأتي ويأخذ زوجة أحد ليعطيها لشخص آخر هل عليه أن يتبع الطرق الشرعية يعني أن يطلق طلاقاً شرعياً وأن يزوج زواجاً شرعياً أو لا بلا إتباع لهذه الطرق؟ الجواب: تقريباً كل من عرض لهذه المسألة قال لا, أن هذه الأولوية ثابتة وأدلة الأحكام الأخرى بينت الطرق, يعني أن النبي’ لا يمكنه أن يتجاوز الطرق المشروعة في تحقيق هذه المسائل.
يعني بعبارة أخرى: الشارع عندما قال: أن الزواج لا يتحقق إلا بهذه الصيغة المخصوصة وأن الطلاق لا يتحقق إلا بهذه الصيغة والشرائط ليس معناه أن النبي مستثنى من هذه الشروط والموازين الشرعية, كما أن أي مكلف ملزم بها النبي’ وباقي الأئمة أيضاً ملزومون بها.
ولذا المحقق الإيرواني يشير إلى هذه المسألة, الأعزة الذين يريدون أن يراجعون الجزء الثاني ص368 حتى لا نتأخر في هذه المسألة.
المسألة الأخرى التي تستحق أن نقف عندها قليلاً, هو أن هذه الأولوية بمقتضى قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} هل هي من مختصات لمقام النبوة أو شاملة لغير مقام النبوة أيضاً, هل هي ثابتة لأوصيائه (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هل هي ثابتة لعلي (عليه أفضل الصلاة والسلام) أو بمقتضى النص القرآني هي مختصة بالنبي’, وكم له من نظير المسألة ليست مختصة بهذه المسألة وإنما هناك أمثلة أخرى هي من اختصاصات مقام النبوة’.
هنا أعزائي لابد أن يلتفت إلى أصل التفتوا جيداً إلى هذا الأصل, وهو أنه عندما نراجع النصوص الواردة في هذا المجال نجد بأن النصوص الصحيحة والمعتبرة شرعاً أثبتت أن هذا المقام ثابتٌ لعلي (عليه أفضل الصلاة والسلام) ومنها هذه الروايات وهذه نكتة مهمة في حديث غدير خم, أو واقعة حديث غدير خم.
في مسند الإمام أحمد المجلد الثامن والثلاثين ص32, الرواية: >عن ابن عباس عن بُريده قال: غزوة مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله’ ذكرت علياً فتنقصته فرأيت وجه رسول الله’ يتغيّر, فقال: يا بُريده ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم -إشارة إلى الآية في سورة الأحزاب- ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم, قلت: بلى يا رسول الله’ قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه<.
إذن واضح إذا لم تكن الأولوية في الآية المباركة لو لم تكن الأولوية لها مدخلية في هذه الولاية الثابتة لعلي, فكان ذكرها في المقام كان لغواً لا علاقة له بالمطلب, النبي’ يريد أن يثبت تلك الولاية أي ولاية؟ ولاية الأولوية يريد أن يثبتها لعلي (عليه أفضل الصلاة والسلام) ولذا استدل قال ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم, كل ما ثبتت لي بالمقام الأولوية فهي ثابتة لعلي (عليه أفضل الصلاة والسلام). وهذا نافعٌ جداً في مسألة >من كنت مولاه فهذا علي مولاه< أن هذا النزاع الشديد الذي وقع بين العلماء من السنة والشيعة أن المراد من الولاية ما هو المراد من الولاية؟ الجواب: معناها ما تقدم في هذه الصحيحة.
ولذا في ذيلها يقول -شعيب الارنؤوط- يقول: الرواية إسناده صحيح على شرط الشيخين. إذن لا توجد عندنا مشكلة من ناحية السند ومضمونها أيضاً واضحٌ جداً. هذا مورد.
من الموارد الأخرى التي لابد أن يشار إليها وهي ما ورد في مسند الإمام أحمد, ولذا نجد الإمام أمير المؤمنين عندما يستدل على ولايته أيضاً يستدل بهذه الآية المباركة, هذه الرواية واردة في مسند الإمام أحمد المجلد الثاني والثلاثين في ص56, الرواية: >قال جمع علي رضي الله عنه -كما في النص- الناس في الرحبة في مكانٍ في الكوفة قريب من الكوفة, ثم قال لهم: اُنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله يوم غدير خُم ما سمع لما قام, فقام ثلاثون من الناس< هذه رد على أولئك الذين يقولون أن علياً لو كان قد نُصب للخلافة لماذا لم يقل هذا, لماذا لم يحتج بواقعة الغدير, هذه نصوص أن أمير المؤمنين ولم نحتاج إلى أن نستدل بكتاب الاحتجاج للطبرسي حتى يقال بأنه لا سند له أو لا يعلم أن له سند أو ليس له سند, وهذه قضية -افتحوا قوس- (كونوا على ثقة تسعين في المائة مما نحتاجه في إثبات عقائدنا بشكل واضح وصحيح موجود في تراث القوم, ولكن مع الأسف الشديد لا يوجد هناك جهد حقيقي وعلمي ومنهجي لاستخراج هذا التراث من كتب القوم, نعم استخرج ولكن مختلط الحابل بالنابل, الصحيح بالضعيف وهذا الذي يؤاخذوننا عليه, وهو أنكم لماذا تستدلون بكل ما وجد في كتبنا وتلزومونا بها مع أن بعض ما تستدلون به ضعيف السند).
قال: >فلما قام قام ثلاثون من الناس< هذه بعد مدة ثلاثين سنة, لأنه في الرحب عندما كان أميراً وكانت الخلافة بيده في الكوفة, >فقام ثلاثون من الناس وقام أبو نعيم, وقال أبو نعيم فقام ناسٌ كثير -يعني أكثر من ثلاثين- فشهدوا حين أخذه بيده فقال للناس أتعلموني أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم< إذن النبي’ كلما أراد أن يقول لعلي من كنت مولاه فهذا علي مولاه, أولاً: قدم آية الأولوية {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}, >قالوا: نعم يا رسول الله قال من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم والي من والاه وعاد من عاداه فخرجت وكأن في نفسي شيئا فلقيت زيد ابن أرقم فقلت له إني سمعت علياً يقول كذا وكذا, قال: فما تنكر قد سمعت رسول الله يقول ذلك كله< إذن الرواية.
طبعاً أيضاً في الحاشية يقول: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير فطر وابن خليفة, له بحث آخر. ولكنّ الرواية صحيحة السند.
إذن إذا كنا نحن وهذه النصوص فهي واضحة الدلالة لإثبات المدعى, جيد.
النقطة الأخرى التي هي جديرة بالاهتمام, طبعاً بناءً على هذا أتصور أن هذا المقام الثابت للنبي أيضاً ثابت لعلي (عليه أفضل الصلاة والسلام) وإلاّ كان ذكر آية الأولوية في واقعة الغدير كان لغواً لا محل له من الإعراب.
النقطة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها ولو إجمالاً, هذا معنى ما ذكرناه مراراً معنى تداخل البحث الفقهي مع البحث العقدي, وهذا هو السبب أنّنا نعتقد أن الأعلم هو الأقدر على الاستنباط في جميع المعارف الدينية لا الأقدر على الاستنباط في المسائل الفقهية, لأن المسائل العقدية والمسائل الفقهية متداخلة بعضها مع بعض, ولذا الأعلم هو الأعلم في الدين لا الأعلم في الحلال والحرام. وهذه إن شاء الله تعالى ستأتي الإشارة لها لاحقاً.
المسألة الأخرى التي تستحق الوقوف حتى نصل إلى بحثنا الأساسي وهو: أنّ هذا المقام الثابت لعلي (عليه أفضل الصلاة والسلام) هل هو ثابت لباقي الأئمة أو ليس ثابتاً لهم؟ هذه قضية أيضاً محتملة ولابد أن تدرس عند الأعزة وهو أنه لرسول الله ولعلي ابن أبي طالب مقام خاص وامتيازات خاصة, أما رسول الله وعلي فلهما فضلهما لهما حسابهما الخاص, والروايات بينت هذا الحساب الخاص للنبي ولأمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) فقد يقول قائل: أن ولاية الأولوية إنّما هي ثابتة للنبي ولعلي (عليه أفضل الصلاة والسلام). وغير شاملة لباقي الأئمة. هذه قضية طبعاً أنا إنما أطرحها حتى أعطي المفتاح بيد الأعزة, في كل مقام ومرتبة وفضيلةٍ لابد أن نسلك هذه الطريق أعزائي, قد يكون مختصاً بالنبي, قد يكون مختصاً بالنبي وعلي, قد يكون مختصاً بأصحاب الكساء الخمسة لا يتجاوزهم, وقد يكون شاملاً للأربعة عشر, هذه الفضائل ليست على حدٍ واحد, ليس كما يقال هنا وهناك وأسمعه من البعض عندما ثبت شيء لواحدٍ منهم أولنا محمد أوسطنا محمد آخرنا محمد إذن كل شيء ثابت لهم كلهم نور واحد, لا لا, هذا كلامٌ لا أريد أن أقول أنه كلام الجهلة ولكنّه كلام من ليس له معرفةٌ وفقهٌ بمعارف أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) ليس بالضرورة إذا ثبت مقام للنبي الأكرم’ فهو ثابت لعلي, إذا ثبت للنبي ولعلي فهو بالضرورة هو ثابت لباقي الأئمة, إذا ثبت لأصحاب الكساء فهو ثابت للباقي لا, أساساً من هنا أعزائي التفاضل بين الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) من أعقد المسائل العقدية والكلامية, أساساً الأئمة يتفاضلون فيما بينهم أو لا يتفاضلون, وإذا كانوا يتفاضلون في ماذا يتفاضلون في الحلال والحرام يتفاضلون, في العصمة يتفاضلون في معرفتهم بالقرآن يتفاضلون, تفاضلهم في ماذا؟ هذه قضية أنا أشرت إلى بعض نكاتها في كتاب علم الإمام بإمكان الأعزة أن يرجعوا إلى هناك. المهم.
هل أن هذا المقام وهو ولاية الأولوية, الآن لماذا أطرح هذه المقدمات؟ باعتبار أنّه إذا كانت ثابتة للأئمة عند ذلك نسأل أنّه ثابتة للفقيه الجامع للشرائط أم لا, أما إذا لم تثبت للأئمة فبالأولوية القطعية فهي غير ثابتة للفقيه في عصر الغيبة, إذن هذه المقدمات يعني الفقيه القائل بثبوت ولاية الأولوية للفقيه الجامع في عصر الغيبة لابد أن ينتهي من هذا التسلسل المنطقي الذي أشرنا إليه وهو أنه بعد أن يثبت للنبي لابد من إثباته لعلي وبعد أن يثبت لعلي لابد من إثباته للأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) ما هو الدليل على أن هذا المقام ثابت للأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام)؟
أعزائي لا أريد أن أطيل عليكم تكفيني هذه الرواية الواردة في البداية والنهاية لابن كثير أو للإمام أو الحافظ ابن كثير الدمشقي, في كتابه >البداية والنهاية< التي هي طبعة دار عالم الكتب وليست هذه الطبعة التي بين أيديكم الثمان مجلدات لا, هذه الطبعة التي هي مطبوعة اثنا وعشرين مجلد, في هذا الكتاب في المجلد السابع ص668 من الكتاب يقول: >روى النسائي في سننه عن زيد ابن أرقم قال لما رجع رسول الله’ من حجة الوداع ونزل غدير خمٍ أمر بدوحاتٍ فقممن ثمّ قال كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا … ثم قال الله مولايّ وأنا ولي كل مؤمن, ثمّ أخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه< إلى أن يقول القائل: سمعته من رسول الله’ فقال ما كان في الدوحات أحد إلا رأه بعينيه وسمعه بأذنيه< تفرد به النسائي من هذا الوجه, قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي الإمام الذهبي, وهذا حديثٌ صحيح, طبعاً صححه الحاكم وصححه ابن كثير وصححه الذهبي.
وأهم من هذا جميعاً ما ورد في شرح مشكل الآثار للإمام الطحاوي هناك في المجلد الخامس الذي أيضاً بتحقيق الارنؤوط المجلد الخامس ص18 بعد أن ينقل الرواية عن زيد ابن أرقم قال: أبو جعفر, طبعاً الإمام الطحاوي, والطحاوي تلميذ صاحب السنن تلميذ النسائي, فلذا يقول: حدثنا أحمد ابن شعيب فينقل الرواية عن أستاذه أحمد ابن شعيب يعني النسائي, قال أبو جعفر الطحاوي: هذا الحديث صحيح الإسناد لا طعن لأحدٍ في أحدٍ من رواته, هكذا يصحح هذه الرواية بهذا المستوى من التوثيق الإمام الطحاوي.
طبعاً أعزائي الإمام الطحاوي من الأئمة الكبار فقهاً وتفسيراً, ولذا إذا واجدين الأعزة له متنٌ في العقائد متكلم كبير فقيه كبير مفسر كبير ومحدث ورجالي علم جهبذ في هذا المجال ولذا عنده كتاب اسمه >العقيدة الطحاوية< وكل المتون أو كثير من الشروح إنما شرحت كتاب العقيدة الطحاوي يُعدُ صاحب متن في هذا المجال. هذه الرواية أعزائي واضحة الدلالة على أنه الرسول الأعظم’ جمع بين حديث الثقلين وبين >من كنت مولاه فهذا علي مولاه< يعني ماذا يريد أن يقول رسول الله’ في هذا الحديث؟ يريد أن يقول أن هذا المقام مقام الولاية فقط مختصٌ بي بعلي أو يشمل أهل بيتي عترتي, وإلا ما هي مناسبة ذكر حديث الثقلين في ماذا؟ في غدير خم, لأن حديث الثقلين فيه ماذا؟ فيه عترتي أهل بيتي, أهل بيتي عترتي وهو أعم من علي, فلو كانت الولاية ثابتة في واقعة الغدير مختصة بعلي, إذن كان ذكر علي هنا بلا مناسبة, إذن ذكرها هنا يريد أن يقول إني تارك فيكم هذين الولاية لمن؟ لهؤلاء من بعدي ثم أخذ بيد علي أول مصداق من مصاديق أهل البيت عيّن له مقام الولاية.
هذا بنحو الإجمال, تفصيله إن شاء الله في محل آخر. السؤال: أن هذا المقام الذي ثبت لعلي ولأهل بيته (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هل هو ثابت للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة بالإضافة إلى المراتب الأربع السابقة يعني ولاية الإفتاء ولاية القضاء ولاية إقامة الحدود, ولاية الإذن, وولاية الأولوية, هذا الخامسة ثابتة أيضاً للفقيه في عصر الغيبة فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم أو لا؟
طبعاً عبارات صاحب الجواهر, الذي عبر إذا تتذكرون أنا ما أحتاج إلى أن أعيد للأعزة, قال: ضرورة كون المراد منه من حديث >حجتي عليكم وأنا حجة الله< كون المراد منهم أنهم حجتي عليكم في جميع ما أنا فيه حجة الله عليكم, إذن يشمل هذا المقام أو لا يشمل؟ يشمل إلا ما خرج بالدليل, فلابد أن ننظر الدليل هل أخرج ولاية الأولوية أو لم يخرج ولاية الأولوية؟
الآن أنا لست بصدد البحث في هذه المسألة من يقول من الفقهاء في عصر الغيبة بأن الفقيه الجامع للشرائط له مقام ولاية الأولوية, ومن ليس له ذلك, المهم عندي أن الشيخ الأنصاري ماذا يقول في المقام.
هنا الشيخ الأنصاري يخالف يقول: بأننا نقبل المراتب الأربع السابقة ولكن هذه المرتبة الخامسة نقبلها أو لا نقبلها؟ لا نقبلها, واضح صار, ارتباط هذا البحث بكلام الشيخ الأنصاري, الأعزة سألوا مراراً أنه ما هو ارتباط هذا البحث بكلام الشيخ الأنصاري أين صار كلام الشيخ الأنصاري دون إثباته خرق القتاد؟ الجواب: أن الشيخ الأنصاري يقول: >إثبات الولاية بمعنى الأولوية للفقيه في عصر الغيبة دون إثباته خرق القتاد< لا أنه ينفي كل مراتب الولاية للفقيه في عصر الغيبة, وهذا هو الذي يخفى على كثيرٍ من أهل العلم ومن الطلبة أو ممن ينسبون إلى الشيخ الأنصاري أنه لا يقول بنظرية ولاية الفقيه, لا, الشيخ الأنصاري قائلٌ بنظرية ولاية الفقيه إلى المرتبة الرابعة, ولكنّه ما زاد عن ذلك يقول لا, لم يتم عندي دليلٌ على إثبات هذه المرتبة الخامسة للفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة.
تعالوا معنا إلى كلامه + وهو ما أشار إليه في كتاب المكاسب, في كتاب المكاسب المجلد الثالث في ص551 من الكتاب, يقول بعد أن عرض لولاية الإمام المعصوم بمعنى ولاية الإذن يعني المرتبة الرابعة وعرض لولاية الإمام المعصوم يعني ولاية الأولوية المرتبة الخامسة, يقول: >وبالجملة فلا يهمنا العرض لذلك إنّما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدمين< المراد من الوجهين المتقدين ماذا؟ ولاية الإذن وولاية الأولوية. ولاية الإذن يعني المرتبة الرابعة التي أشرنا إليها, ولاية الأولوية يعني المرتبة الخامسة التي أشرنا إليها.
يقول: >أمّا الولاية على الوجه الأوّل أعني استقلاله في التصرف< الذي يعبّر عنه بولاية الأولوية, دعوني أقرأ لكم أعزائي هذا المعنى, يقول: >أساساً الولاية بمعنيين: الأول: استقلال الولي بالتصرف, الثاني: عدم الاستقلال بالتصرف, أما الأول خرجنا عنه في خصوص النبي والأئمة لقوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}< هذه المرتبة وهي الأولى بالتصرف وهي أنه مستقل بالتصرف هل هي ثابتة أم لا؟ يقول: >فلم يثبت بعمومٍ عدا ما ربما يتخيل من أخبار< يشير إلى مجموعة من الأخبار إلى أن ينتهي يقول: >وبالجملة فإقامة الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام< يعني ولاية الأولوية >دونه خرق القتاد<.
أوضح من هذه العبارة في ص557 >نعم الولاية على هذه وغيرها ثابتةٌ للإمام بالأدلة المتقدمة المختصة به مثل آية {أولى بالمؤمنين من أنفسهم}< هذه أي ولاية؟ ولاية الإذن أم ولاية الأولوية؟ ولاية الأولوية, يقول: >هذه ثابتة للإمام المعصوم وقد تقدم أن إثبات عموم نيابة الفقيه في هذا النحو من الولاية على الناس< أي نحو من الولاية؟ ولاية الأولوية, >ليقتصر في الخروج عنه على ما خرج بالدليل دونه خرق القتاد< فقط هذه الولاية دون إثباتها خرق القتاد. جيد.
إذن أعزائي إلى هنا اتضح لنا بشكل واضح وصريح أن الشيخ الأنصاري يقبل الولاية للفقيه بحسب المراتب المتقدمة الأربع المتقدمة, ولاية الإفتاء, ولاية القضاء, ولاية إقامة الحدود, وولاية الإذن في التصرف, يعني كل ما يحتاجه السلطان لتنظيم حياة مجموعة من الناس عرفاً عقلاً شرعاً لابد أن يأذن الفقيه بذلك, نعم, الذي لم يعطى للفقيه في عصر الغيبة هو ولاية الأولوية, لأنّها مختصة بالنبي والأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).
إذن نسبة القول إلى أن الشيخ الأعظم لا يؤمن بولاية الفقيه مطلقاً هذه النسبة نسبة غير صحيحة وغير تامة. جيد.
يبقى عندنا بحث مختصر أشير إليه إن شاء الله تعالى حتى لعله نوفق يوم أو يومين نرجع إلى بحثنا الأصلي وهو بحث الخُمس, وما هو تأثير نظريات ولاية الفقيه على مسألة الخُمس, إذا يتذكر الأعزة نحن دخلنا إلى هذه المسألة لنرى أن النظريات في ولاية الفقيه في عصر الغيبة ما هو تأثيرها على الخمس في عصر الغيبة.
السؤال المطروح هو أنه ما هو الدليل على هذه الولاية, الآن إما بمراتبها الأربع, أو بمراتبها الخمس, هل يوجد دليلٌ عليها أو لا يوجد دليلٌ عليها.
أعزائي, أنا لا أطيل على الأعزة في هذا المجال, فقط أرشدهم إلى كتاب عوائد الأيام للمحقق النراقي في ص536 من الكتاب, هناك يقول: >في بيان وظيفة الأعلام والفقهاء الأخيار في أمور الناس وما لهم فيه الولاية على سبيل الكليّة, فنقول وبالله التوفيق أن كليّة مال الفقيه العادل توليه وله الولاية فيه أمران: الأمر الأول: كل ما كان للنبي والإمام فيه الولاية وكان لهم فللفقيه أيضاً ذلك إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نص أو غيرهما, إذن مقتضى الأصل كما يعتقد صاحب العوائد أن المرتبة الخامسة أيضاً داخلة في مراتب الولاية الثابتة للفقيه في عصر الغيبة مقتضى الأصل القاعدة الأولية, إلا إذا كان عندنا دليلٌ من نص أو إجماع يجعل بعض هذه المراتب داخلة أين؟ مختصة بالنبي والأئمة, كما ذكر من؟ الشيخ الأنصاري, الشيخ الأنصاري قال لا يوجد عندنا دليل على شمول المرتبة الخامسة للفقيه الجامع للشرائط.
سؤال: هذا المقام الدليل عليه ما هو؟ وهو أن كل ما ثابت للنبي والإمام ثابت للفقيه؟ أرجع أعزائي هذه للمرة العاشرة أكررها, أن هذا المقام أنا لا أقبله لكل من يعرف كتاب الطهارة والنجاسة يقول إذن أنا جالس مقام الإمام المعصوم, لا أبداً, في كل زمان لا يتحقق ذلك إلا لواحد أو اثنين أو ثلاثة لا أكثر من ذلك, أما الآخرون نعم من حقهم أن يفتوا بين الناس, أما إقامة القضاء فلا يحق لهم, أما إقامة الحدود فلا يحق لهم, أما ولاية الإذن فلا يحق لهم, هذه كلها مرتبطة بالفقيه الجامع, نعم ولاية الإفتاء موجودة لكل من صار فقيهاً بإمكانه أن يكتب رسالة عملية, أمّا الأمور المرتبة بإدارة الأمة من القضاء وإقامة الحدود ونحو ذلك هذه ليست للفقيه بما هو فقيه, جيد.
يقول: >أما الأول فالدليل عليه< طبعاً هذه إدعاءاته والعهدة عليه وبحثها موكول إلى محل آخر, >فالدليل عليه بعد ظاهر الإجماع< يدعي أنه أساساً من تتبع كلمات القوم كلمات أصحابنا الإمامية يثبت له بما لا مجال للريب فيه أنهم يقولون بالولاية العامّة >حيث نص به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات< من مسلمات الفقه الإمامية, كما يقول صاحب العوائد, >فالدليل عليه بعد ذلك ما صرحت به الأخبار المتقدمة< انظروا إلى العناوين >من كونه وارث الأنبياء وأمين الرسل وخليفة الرسول وحصن الإسلام ومثل الأنبياء بمنزلتهم والحاكم والقاضي والحجة من قبلهم وأنه المرجع في جميع الحوادث وأن على يده مجاري الأمور والأحكام وأنه الكافل لأيتامهم الذين يراد بهم فإنّ من البديهيات التي يفهمها كل عامي وعالم ويحكم بها أنه إذا قال نبي لأحد عند مسافرته أو وفاته فلانٌ وارثي ومثلي وبمنزلتي وخليفتي وأميني وحجتي والحاكم من قبلي عليكم والمرجع لكم في جميع حوادثكم وبيده مجاري أموركم وأحكامكم وهو الكافل لرعيتي وأن له كل ما لذلك النبي في أمور الرعية بحيث لا يشك فيه أحدٌ ويتبادر منه ذلك< يعني الولاية العامة >كيف< التفتوا إلى هذه النكتة >كيف مع أنّ أكثر النصوص الواردة في حق الأوصياء المستدل بها في مقام إثبات الولاية للأئمة هي نفس هذه العناوين< يعني خليفتي أميني حجتي حاكم قاضي .. إلى آخره, فإذا لم تكن هذه كافية فإذن للمعصوم أيضاً ماذا؟ لا تكون.
هذا هو الدليل الذي يقيمه صاحب العوائد.
إن شاء الله تعالى في غد سنقف فقط عند نكتة واحدة بقدر الذي يسع به الوقت وهو أنه ما هو الفرق بين النظرية الثالثة والنظرية الرابعة, تتذكرون قلنا نظريات ولاية الفقيه ما هي؟ أربع, النظرية الأولى وهي التي تبناها السيد الخوئي, النظرية الثانية: وهي التي تبناها السيد الشهيد الصدر, النظرية الثالثة: وهي التي قلنا أن للأمة دور في الولاية, النظرية التي عبرنا عنها بالولاية الانتخابية, النظرية الرابعة: وهي التي قلنا أنه للأمة لا يوجد دور وهي الولاية الانتصابية, لا إشكال ولا شبهة هذا الكلام لا ينسجم لا مع النظرية الأولى ولا مع النظرية الثانية وإنما يدور الأمر فيها بين النظرية الثالثة والرابعة. ما هو الفرق بينهما؟ يأتي.
والحمد لله رب العالمين.