بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين
قلنا في البحث السابق أنه لابد أن يلتفت إلى هذا الأصل وهذه القاعدة وهي: أنه إذا جاءت مفردة سواء كانت الحاكم أو كان الفقيه أو كان العالم أو كان الوارث ونحو ذلك من العناوين التي نعرفها في القرآن والسنة لا ينبغي أن نسقط عليها ما هو موروثنا في الحوزات العلمية, يعني: إذا سمعنا الفقيه لا يتبادر إلى ذهننا مباشرةً يعني من قرأ كتاب الطهارة ثلاثين عام, وكتاب الحج عشرين عام, هذا ليس فقيه, هذا الفقيه داخل الحوزة العلمية, لابد أن نعرف الفقيه بحسب الاصطلاح القرآني, بحسب الاصطلاح الروائي وهكذا عندما نسمع كلمة الحاكم >فإني قد جعلته عليكم حاكما< ما معنى الحاكم لا يذهب مباشرة ذهننا إلى القاضي, لابد أن نرجع إلى القرآن إلى الروايات, إلى اللغة, إلى الاستعمالات العرفية لنرى ماذا يراد من الحاكم فإذا وجدنا تعدد الاستعمال لابد في كل مورد أن نعرف القرينة الدالة على ذلك.
وبالأمس اتضح للأعزة أن مفردة الحكم والحاكم والحكّام هذه ليست مختصة بباب القضاء لا أقل هذا المعنى, إن لم يُدعى أنها مختصة بالوالي والسلطان والأمير لا أقل لا يمكن أن يدعى أنها مختصة بالقاضي. فإذا كان الأمر كذلك يعني أنه الحاكم والحكّام له استعمال في باب القضاء وله استعمال في باب الولاة, إذن لابد في كل مورد نجمع القرائن لنرى أن المراد من ذلك هو القاضي أو هو الوالي. وقد بينّا في البحث السابق أن القرائن تشير إلى أن المراد في المقام بقرينة تطبيق الإمام المورد وجعله من مصاديق {يتحاكمون إلى الطاغوت} أن المراد ليس هو القضاة بل الولاة.
وهذا ما فهمه جملة من أعلام الفقهاء أيضاً أنا ما أريد أن استدل بكلمات الفقهاء ولكن أريد أن أستأنس بكلماتهم أنه أيضاً هؤلاء قالوا بأن الحاكم في الرواية لا الحاكم مطلقاً, نتكلم في الرواية لا نتكلم في مطلق الحاكم حتى يقال لا, أن الحاكم استعمل في القضاء أيضاً.
من أولئك الأعلام الذين تكلموا في ذلك ما ورد في (عوائد الأيام للعلامة النراقي, الطبعة الحجرية, طبعاً في بحث في تحديد ولاية الحاكم) عبارته يقول: [وليس المراد بالحكم خصوص ما يكون بعد الترافع] بعد الترافع إلى القاضي ليس المراد من الحكم خصوص ما يختص بباب الترافع, لماذا؟ التفتوا إلى العبارة لماذا؟ قال: [لأعميته] أعمية الحكم, [لغةً وعرفاً وعدم ثبوت الحقيقة الشرعية] إذن عندما نرجع إلى اللغة نجد أن اللغة أعم, نرجع إلى الاستعمالات العرفية نجد أنها أعم, نرجع إلى الاستعمالات القرآنية والروائية نجد أنها أعم, ولم يثبت عندنا أن الحكم له حقيقة شرعية كالصلاة, حتى إذا ورد في مورد نحمله على مصادقه الذي يريده الشارع, الآن سواء كان حقيقة شرعية أو حقيقة متشرعية أي كان منهما؟ في النتيجة الآن عندما يتكلم الإمام الباقر الإمام الصادق الأئمة يقولون الصلاة الصلاة, لا يمكن لقائل أن يقول لعل المراد المعنى العرفي, لعل المراد المعنى اللغوي لعل المراد الأعم لا لا أبداً, لماذا؟ لأن هذه اللفظة عند الشارع أو عند المتشرعة يراد منها هذا المصداق الشرعي هذا المورد الشرعي, يقول: [لم يثبت عندنا أن الحكم له حقيقة شرعية يراد به باب القضاء بالخصوص] هذا المورد الأول.
المورد الثاني: ما أشار إليه (المازندراني في شرحه لأصول الكافي والروضة) مراراً ذكرت للأعزة هذا من الكتب الأساسية لابد أن يكون بأيدي الأعزة. في (ج2, ص411) في ذيل هذا الحديث الذي هو الحديث 202 من أصول الكافي) الذي قراناه مراراً, قال: >فليرضوا به حكما< الحَكَم بفتح الحاء والكاف, الحاكم وهو القاضي, جيد المراد من الحكم هنا القاضي, الجملة اللاحقة ماذا التعليل ما هو؟ >فإني قد جعلته عليكم حاكما< يعني جعلته عليكم قاضيا؟ يقول: [فيه دلالة على أن الراوي الموصوف بالصفات المذكورة والفقيه المنعوت بالنعوت المسطورة منصوب للحكومة على وجه العموم من قبلهم (عليهم أفضل الصلاة والسلام)]. صحيح أن المورد في باب القضاء ولكنه كما ذكرنا مراراً أن التعليل كما يضيق أن التعليل يوسع مراراً ذكرنا, لا تأكل الرمان لأنه حامض, طيب هذا لا يختص بالرمان حتى التفاح الحامض أيضاً لا يجوز أكله, منصوص العلة يصير, لا تشرب كذا لأنه مسكر, طيب هذا المسكر ماذا يقول؟ هذا يوسع الدائرة, هنا أيضاً من التعليلات التي توسع الدائرة.
قال: [منصوب للحكومة على وجه العموم من قبلهم في حال حضورهم وغيبتهم] الآن هذا بحث آخر وهو أن الإمام ينصب هذا الفقه فقط في عصر الغيبة أم في عصر الحضور أيضاً؟ الجواب: جملة من الأعلام وأنا ما أريد أن أدخل في التفاصيل, جملة من الأعلام قالوا لا, نعم إذا كان بإمكانك أن تصل بخدمة الإمام طيب وخير حاكم هو الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) ولكن كل الناس كان بإمكانهم أن يصلوا بخدمة الإمام ويحكم لهم الإمام, إذن الإمام كما أنه قال بأنه >أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ منه معالم ديني؟ قال: نعم, ثقة خذ منه معالم دينك< أخذ الحكم من الإمام غير الأخذ الحكم من يونس أو آدم بن زكريا أو غيرهم, [وعلى أنه يجب عليه الإجابة والقيام بها عيناً] أصلاً الفقيه الجامع للشرائط يجب عليه القيام بهذا الدور عيناً إن لم يوجد غيره وكفايةً إن وجد, هذا أولاً, هذا وظيفة العالم ليست وظيفة العالم أن يجلس في البيت فإذا قامت الحكومة يُدعى لها لا لا, وإنما يجب أن يقيمها هو بنفسه, هذه وظيفته في عصر الغيبة, بل في عصر الحضور تحت إرشادات الأئمة, هذا بالنسبة إلى تكليف العالم, تكليف الفقيه, تكليف المنصوب, >وعلى أنه يجب على الناس الرضا بحكومته< لا فقط هو عنده وظيفة, الناس أيضاً عندهم وظيفة أن يقبلوا ما يحكم به والترافع إليه ومساعدته, >يجب في إمضاء أمره عند الحاجة فإذا حكم بحكمنا< عند ذلك >فإن لم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله والراد عليه كالراد علينا والراد علينا كالراد على الله<. هذا كلام من؟ كلام العلامة المازندراني في ذيل هذه الرواية.
المورد الثالث: الذي ذكرناه مراراً وهو من تلامذة السيد الخوئي وهو كتاب (الحاكمية في الإسلام للسيد مهدي الخلخالي, ص613) هذه عبارته, يقول: [ولكن مع كل هذا, يجب أن نقبل بتعميم لفظ الحاكم لغير موارد الخصومة] حاكم ما يختص بموارد الخصومة والترافع والقضاء [مثل إصدار الأوامر في القضايا الاجتماعية والتنفيذية وإلزام المتخلفين ..] إلى أن يقول: [لأن لفظة الحكم ليست مختصة بموارد الخصومات] أي دليل لم يقم, لا لغة لا عرفا لا استعمالاً لا حقيقة شرعية أو متشرعية, نعم, حقيقة حوزوية واقعاً في كثير من الأحيان نحن ما نعيشه في أجواءنا داخل الحوزة نتصور هو التصور العرفي أو الجو اللغوي أو الجو الشرعي لا ليس الأمر كذلك, ولذا أنتم الآن تجدون حتى في تعليقاتهم على العروة, يقول بأنه حقوق شرعية عندي, الآن حقوق شرعية واحد يدرس كتاب الطهارة, وواحد يدرس كتاب التفسير أو واحد يدرس كتاب العقائد, يقول القدر المتيقن الذي يدرس كتاب الطهارة, الآن هذا القدر المتيقن من أين جاء؟ جاء من هذا الوضع الثقافي الذي يعيشه الطالب في الحوزة العلمية, أنظروا إلى التعليقات.
ولذا تجدون بأنه النتيجة ما هي؟ النتيجة إقصاء باقي العلوم الدينية لا التفسير ولا العقائد ولا الأخلاق ولا .. إلى غير ذلك أبداً كلها أصلاً مقصية كاملاً في حوزاتنا العلمية, وهناك اهتمام, وهذا الاهتمام لم يأتي جزافاً, هذا الاهتمام جاء لهذه الثقافة الموجودة داخلة الحوزات العلمية.
قال: [لأن لفظة الحكم ليست خاصة بموارد الخصومات ولهذا السبب تطلق كلمة الحكم] التفتوا إلى هذه النكتة جدُ لطيفة [تطلق كلمة الحكم على الأوامر والنواهي الشرعية إلزامية وغير إلزامية, ألا تقول الأحكام الشرعية] طيب ما علاقة الحكم بالحكم الشرعي؟ إذا كان فقط باب القضاء طيب لماذا يطلق عليها الحكم [ويعبر عنها بالأحكام الخمسة وكذا تستعمل كلمة الحكم في آيات القرآن فيما هو أعم من موارد الخصومة والحاصل أن مورد السؤال في المقبولة وإن كان خصوص الموارد القضائية ولكن جواب الإمام أعم] والمدار على ماذا؟ ليس على سؤال السائل وليس على المورد وإنما على جواب الإمام [ولذا يمكن اعتبار مفاد المقبولة أعم من ولاية القضاء وولاية الحكم والحكومة >فإني قد جعلته عليكم حاكما<. هذا المورد الثالث.
المورد الرابع: ما ذكره السيد الإمام+ في كتاب (البيع, ج2, ص477- 478- 479) البحث مفصل, والأعزة إن شاء الله يراجعوه هناك. يقول: [ثم قال: {ألتم ترَ إلى الذين يزعمون} وهذه الآية مفادها من التحاكم إلى القضاة وإلى الولاة لو لم نقل بأن الطاغوت] في قوله: {يتحاكموا إلى الطاغوت} [عبارة عن خصوص السلاطين والأمراء] أصلاً يمكن أن ندعي أنها أصلاً مختصة بالولاة فالذي يدعي أنها في القضاة لابد من إقامة الأصل أنها في الولاة, لا أنه مشترك بين الولاة وبين القضاة, [لأن الطغيان والمبالغة فيه مناسب لهم] للولاة لا للقضاة [ولو أطلق على القضاة يكون لضرب من التأويل] إذا أطلق الحاكم على القاضي هذا يحتاج إلى قرينة يحتاج إلى مجاز ونحو ذلك [فكيف كان فلا إشكال في دخول الطغاة من الولاة فيه, سيما مع مناسبات الحكم والموضوع] الأخوة إن شاء الله يراجعون [فاتضح من جميع ما ذكرنا إن قوله: >فإني قد جعلته حاكما< أنه جعل الفقيه حاكماً فيما هو من شؤون القضاء وما هو من شؤون الولاية, فالفقيه ولي الأمر في البابين وحاكم في القسمين] جيد, هذه أيضاً القرينة أو المورد الرابع.
وبهذا يتضح أن ما ذُكر إذا يتذكر الأعزة ما ذكر في (منية الطالب, ج2, ص237) قلنا بأنه توجد هناك حاشية هذه الحاشية يقول: [لا يخفى أن المقبولة أيضاً ليست ظاهرة في المُدعى لإطلاق الحاكم على القاضي في غير واحدٍ من الأخبار] فهذا لا يمكن أن يكون قرينة أن المراد من الحاكم في مقبولة عمر بن حنظلة أيضاً القضاء, نعم لأننا ذكرنا أن الحاكم أيضاً يطلق على القاضي ولكن هذا لا يكون دليلاً على أنه كلما ذكر الحاكم أريد منه القضاء هذا بأي قرينة؟ إلا إذا يثبت أن العرف يدل على ذلك, اللغة تدل على ذلك, الاستعمالات تدل على ذلك, استعمالات القرآن, وقد تبين أنه لا العرف ولا اللغة ولا الاستعمالات تقول كلما ذكر, بل وجدتم أن السيد الإمام يدعي أن الأصل إذا أطلق الحاكم أريد منه الوالي واستعماله في القاضي يحتاج إلى ضرب من التأويل والمجاز.
القرينة الثالثة على التعميم:
إلى هنا أشرنا إلى قرينتين: القرينة الأولى: التنازع, القرينة الثانية: الحاكم, القرينة الثالثة: القاضي, بأي معنى؟
السيد الخوئي+ قال بأن المراد من الحاكم هنا القاضي, بأي قرينة؟ قال: بقرينة مشهورة أبي خديجة >فإني قد جعلته عليكم قاضيا< هذه المشهورة الذي هو اعتبرها معتبرة, في (مباني تكملة المنهاج, ج1, ص8) هذه عبارته, قال: [وقد يستدل على ذلك بمعتبرة أبي خديجة >إياكم أن يحاكم بعضكم بعضها إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا<] لا أنه قد جعلته حاكما, [>فتحاكموا إليه< والرواية صحيحة فإن أبا خديجة ثقة على الأظهر] لأنه فيه كلام طويل بين الأعلام المهم ذاك بحث آخر, المهم أنا كلامي مع السيد الخوئي الذي يعتبر الرواية معتبرة.
ولذا عندما جاء في (مصباح الفقاهة, تقريرات التوحيدي, للسيد الخوئي, ج3, ص293) يقول: [ومن هنا قال عليه السلام في بعض الروايات: >جعلته عليكم قاضيا<] يناقش مقبولة عمر بن حنظلة, الذي استفاد منه شيخه الأستاذ العموم يقول هذه الاستفادة في غير محلها لماذا؟ يقول: لأنه بقرينة معتبرة أبي خديجة نقول أن المراد من الحاكم القاضي, أنتم ألستم قلتم أن الحاكم أعم, وعلينا أن نذكر قرينة, نحن قرينتنا أن المفسّر للحاكم هي رواية أبي خديجة وقد قالت قاضي, [>جعلته عليكم قاضيا< ويدل على اتحادهما] يعني اتحاد المقبولة مع رواية أبي خديجة [بما في ذيل الرواية من قوله: >فإني قد جعلته حاكما< إذ لو كان القاضي غير الحاكم لم يقل إني قد جعلته حاكما, مع كون المذكور في صدر الرواية لفظ القاضي].
الآن صدر الرواية التي هي رواية عمر بن حنظلة, >عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دينٍ أو ميراثٍ فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك< يقول صدر الرواية فيها قضاة, أنا لا أعلم فكأن صدر الرواية فيها قضاة ولا يوجد سلطان, الآن السيد الخوئي يقول مع كون المذكور في صدر الرواية لفظ القاضي, طيب مولانا الجليل مع كونه في صدر الرواية مذكور لفظ السلطان, إلا أن تقول أن السلطان والقاضي بمعنىً واحد وهو يحاول ذلك, وهو حاول أن يقول أن السلطان والقاضي واحد, نعم, الوالي والقاضي اثنان, هذا جداً غريب, لهذا عبارته [فإنه كان يقرب أنه تغاير الوالي والقاضي, وأن القاضي من كان يصدر منه الحكم والوالي, أما القاضي والحاكم فهما متحدان] جيد, القاضي والحاكم متحدان ولكن القاضي والسلطان ليسا متحدان, على أي الأحوال الآن ما أريد أن أدخل في الجزئيات.
إذن, السيد الخوئي بناء على هذا الكلام ماذا يدعي؟ يدعي أنه أنتم تريدون منّا قرينة على أنّ المراد من الحاكم هو القاضي ما هي القرينة, كم قرينة ذكر: أولاً: اتحاد الرواية, ثانياً: أنه المذكور في صدر الرواية القاضي, ثالثاً: إذا اتحدت الرواية إذن نفسر رواية أو المقبولة برواية أبي خديجة. ما أدري القرائن واضحة.
القرينة الأولى: اتحاد الرواية.
الجواب عن ذلك: أجاب عنها الميرزا, قال أول الكلام من قال أنها رواية واحدة, بل هما روايتان مستقلتان, إذا وجدتم بعض ألفاظ الرواية متحدة هذا لا يكشف عن أن الرواية واحدة, وإلا لو هذا صار البناء ما أدري السيد الخوئي يلتزم أو لا, أنه في كل روايتين وجدت بعض الألفاظ المشتركة إذن هي رواية واحدة, واقعاً لا يبقى حجر على حجر.
ولذا الميرزا ذكر هذا الكلام أو هذه القرينة وأجاب عنها, في (تقريرات الآملي, ج2, ص336) يقول: [ربما يوهن الظهور المذكور] يعني أن الحاكم يراد منه الأعم من الوالي والقاضي [ربما يوهن الظهور المذكور بما في رواية أبي خديجة من قوله: >جعلته عليكم قاضيا< فإن لفظ القاضي ربما يجعل قرينة على إرادة القضاء من لفظ الحاكم, >جعلته عليكم حاكما< ولكنه يجاب بعدم صرف ظهور المقبولة بواسطة رواية أبي خديجة بعد كونهما روايتين مستقلتين كما لا يخفى] يقول اقرأ الرواية, طيب من الواضح سندها مختلف ألفاظها, نعم مشتركة في بعض الألفاظ, والاشتراك في بعض الألفاظ لا يجعلها رواية واحدة. هذه القرينة الأولى.
إذن قوله: [ويدل على اتحادهما] أي دلالة فيها.
هذا هو الإشكال الأول على كلام السيد الخوئي.
الإشكال الثاني: بعد أن قبلنا وسلمنا أنهما روايتان يعني رواية بن حنظلة تختلف عن رواية أبي خديجة, السيد الخوئي قال: [نفسر الحاكم بالقاضي] ماذا يرد إلى ذهنكم؟
الجواب: ما الدليل على أننا يجب أن نفسر الحاكم بالقاضي, طيب نفسر القاضي بالحاكم, نقول مراده قاضيا يعني حاكماً, لا أن مراده حاكما يعني قاضيا, وأنتم لم تقم أي قرينة على أنه نفسر حاكماً بماذا؟ إلا إذا كان أعني, إذا كان فيها واقعاً, يعني إذا ثبت, أنتم تعملون التفسير يعني حكومة, وإذا كان تفسير لابد أن يكون هناك نظر للرواية المفسِّرة إلى الرواية المفسَّرة وأي قرينة لم يقم سيدنا الأستاذ السيد الخوئي على أن هذه تفسر تلك. فلنجعل الأمر بالعكس نقول أن المراد >جعلته قاضيا< يعني جعلته حاكما, لماذا معنى >جعلته حاكماً< يعني جعلته قاضيا؟ هذا أيضاً الإشكال أو الملاحظة الثانية.
الملاحظة الثالثة: وهي أهم هذه الملاحظات, وهو أنه نفس المشكلة وهي مشكلة عامة التفتوا إليها جيداً, في جملة واحدة أقولها: من قال لكم يعني عندما يقول قاضياً يعني باب القضاء الفقهي هذا من أين جاء؟ هذا جاء لأنه تبادر ذهنك الفقهي إلى باب القضاء في الفقه, إذن ماذا يجب أن نفعل مقتضى القاعدة؟ مقتضى القاعدة: أن نذهب إلى كلمة القاضي وقضا والقضاء في اللغة والعرف والاستعمالات القرآنية والروائية لنرى أنها مختصة بباب القضاء أو ليست مختصة؟ فإن ثبت أنها مختصة بباب القضاء عند ذلك نقول حملها على غير باب القضاء يحتاج إلى قرينة, أولاً: ثبت العرش ثم رتب الآثار ثم انقش, من قال لكم أنه كلما قال قاضي يعني المراد القاضي المصطلح في باب القضاء الفقهي عندنا هذا من أين؟
أنا أقرأ لكم آيتين:
الآية الأولى: في سورة الأحزاب, الآية 36, قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} يعني باب القضاء إذا قضى الله ورسوله؟ يعني إذا الله صار قاضيا رسول الله صار قاضي وقضى قضاء عند ذلك لا تجوز المخالفة أو كل ما يقوله لا تجوز المخالفة أي منهما؟
أيوجد مفسر أيوجد إنسان يحترم عقله يقول هذا قضاء مختص بباب القضاء؟! لا, كل ما يصدر منهم لهذه الآية قالت: {أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} ثم قالت بأنه: {ومن يعصِ الله ورسوله} والعصيان ليس مختصاً بباب القضاء {فقد ضل ضلالاً مبينا} ثم في مكان قال: {ويسلموا تسليما} هذه يسلموا تسليما يعني يسلموا تسليما فقط في باب القضاء, أو في كل ما صدر من الله ورسوله أي منهما؟ من قال لكم أنه عندما يأتي قضاء وقاضي ويقضي يعني يراد منه باب القضاء الفقهي عند الترافع عند التنازع عند التخاصم, هذه الآية الأولى.
الآية الثانية: في سورة غافر, الآية 20, قال تعالى: {والله يقضي بالحق} يعني فقط الله يقضي بالحق في باب القضاء؟! أو كل ما يصدر من الله فهو قضاء حق أي منهما؟
إذن, هذا البحث إن شاء الله غداً أكثر سنقف عنده, وهو أنه تعالوا معنا لنرى ما هو الاستعمالات اللغوية, الاستعمالات العرفية, ولا تذهب مباشرة إلى الاستعمالات الفقهية في الحوزات العلمية, عند ذلك سيتضح أنه من قال لكم: أن قاضياً يعني بمعنى باب القضاء, بل قاضياً بمعنى حاكماً.
وهذا ما يأتي.
والحمد لله رب العالمين.