أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللّهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
كان الكلام في حديث العلماء ورثة الأنبياء وقلنا أن هذا الحديث يشتمل على مجموعة من الخصوصيات والامتيازات التي لا توجد إلّا قليلاً في غير هذا الحديث لأنّه أولاً أنّه صحيحٌ عند الفريقين، ثانياً أنّه مجمعٌ عليه وثالثاً أنّه موافقٌ للقرآن، من هنا من حيث السند يعد من الأحاديث الصحيحة الأعلائية لأننا ذكرنا أن الصحيح الأعلائي عندنا ليس ما هو صحيحٌ سنداً عندنا فقط وإنّما عندنا وعند غيرنا، إنمّا الكلام في متن ومضمون هذا الحديث، قلنا فيما يتعلق بهذا الحديث في مضمون هذا الحديث الأمر الأوّل ما يتعلق بما هو المراد من العلماء لأنّه قد يقال باختصاص ذلك بأئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) استناداً إلى هذه الرواية الواردة في أصول الكافي الجزء الأوّل صفحة 82.
يعني بعبارة أخرى كتاب فضل العلم باب أصناف الناس الرواية الرابعة عن أبي عبد الله الصادق قال سمعته يقول يغدوا الناس على ثلاثة أصناف عالمٌ ومتعلمٌ وغثاء، فنحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء، والرواية يمكن عدّها من الروايات المعتبرة لبعض الإشكالات الموجودة في السند ولذا عبّر عنها العلامة المجلسي أنّها صحيحةٌ على الأظهر، علي أي الأحوال الرواية من الرواية المعروفة والمعتبرة أيضاً، فقد يقال بأن المراد العلماء ورثة الأنبياء يعني الأئمة ورثة الأنبياء فلا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بعلماء الشيعة في عصر الغيبة الكبرى.
هنا بودي أن أشير إلى أصلٍ: هذه الرواية حتى على فرض تماميتها لا يمكن أن نقول أن كل ما ورد لفظ العالم أو العلماء في الرواية يعني معناه الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وذلك لأسبابٍ كثيرة، الإنسان عندما يرجع إلى الروايات يجد هذا المعنى، إذن من المقطوع به لا يمكن الالتزام أنّه كلما ورد لفظ العالم أو العلماء يعني يراد به الأئمة، نعم إذا دلّت قرائن خاصّة على أن المراد من العالم كما ورد في بعض الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) سمّي العالم هذه لقرينةٍ خاصّة، أمّا إذا لم ترد قرينة لا يمكن المصير إلى هذه الضابطة الكلّية، إذن على هذا الأساس لابدّ في كل روايةٍ أن نرجع إلى تلك الرواية لنرى بأن تلك الرواية يراد منها خصوص أئمة أهل البيت أم يراد منها الأعم بنحوٍ تشمل أئمة أهل البيت ولعل في بعض الروايات أساساً حتى من حيث المصداق الأتم لا تشمل أئمة أهل البيت، يعني من قبيل: يا أيها الذين آمنوا، في القرآن الكريم، لا إشكال ولا شبهة في كثيرٍ من الموارد يمكن أن نقول يا أيها الذين آمنوا من حيث المصداق تكون شاملة حتى للأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) باعتبار أنّه هم المصداق الأتم للذين آمنوا.
أمّا في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، هل يمكن أن نقول أن المصداق الأتم يعني هؤلاء لم تقولون ما لا تفعلون؟ هل يمكن أن يلتزم به أحد؟ لأنّه إذا قلت يا أيها الذين آمنوا المصداق الأتم دائماً، يعني أوّل مصداق في هذه الآية الذين يقولون ما لا يفعلون هم الأئمة، هل يمكن الالتزام بذلك؟ إذن إذا وردت روايات تقول كلما ذكر الذين آمنوا فعلى رأس الذين آمنوا هم أئمة أهل البيت هذا لا يعني أنّها موجبة كلّية دائماً، إذا دلت قرائن على خلاف ذلك نقول لا هذه الآية تشمل أئمة أهل البيت أم لا؟ لا أبداً، إذن التفتوا إلى هذه الضوابط التي تذكر في بعض الروايات ويجعلها الأعزة أنّه ضوابط كلّية، لا ليس الأمر كذلك، كذلك العلماء، الرواية عندما تقول فنحن العلماء، لا يعني أن كلما ورد لفظ العلماء يعني المراد الأئمة، بل كما أشرنا يتذكر الأعزة بالأمس في كتاب رسائل في ولاية الفقيه في صفحة 117 من رسالة العناوين قال: يمكن أن يقال أن الظاهر من الخبر العموم ولا وجه لحمله على الأوصياء، بل يمكن أن يقال أن الأوصياء يدخلوا في عموم العلماء، بل يمكن أن يقال أن ملاحظة صدر هذه الرواية تقضي بأنه أساساً لا يشمل أئمة أهل البيت، من سلك طريقاً يطلب به علماً…
من الواضح لا يراد به أئمة أهل البيت، لأنّ هؤلاء لا يسلكون طريقاً يطلبون به علماً، إذن كل روايةٍ لابدّ أن يُنظر إلى القرائن الموجودة فيها وعلى هذا الأساس فإمّا أن يقال أن الرواية يعني لفظ العلماء أساساً لا علاقة لها بالأوصياء والأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وإمّا أن يقال بأنه عامّة وتشمل أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) كما تشمل غير أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هذا الأمر الأوّل والأمر الثاني أن الوراثة في الرواية العلماء ورثة الأنبياء، يعني المحمول، العلماء الموضوع والورثة المحمول، أن الوراثة ليست هي مختصةً بالوراثة في المنقولات وفي الأمور المادية لما أشرنا إليه لغةً ونصّاً في القرآن وروايات معتبرة عند الفريقين وعند المدرستين، بل تشمل كما تشمل أمور الإرث الفقهي (إن صح التعبير) يشمل أمور الإرث غير الفقهي يعني الأمور المعنوية من العلم ومن المقام ومن المناصب ومن الخلافة ومن… وهذا ممّا لا إشكال فيه كما أوضحناه في الأبحاث السابقة.
إذن إلى هنا الرواية دالة على أن العلماء يرثون الأنبياء ولكن يوجد هنا تساؤلان: التساؤل الأوّل المطروح هنا: أنّه قد يقال أن الوراثة الموجودة في الرواية كما هي شاملة للعلم شاملة للمناصب الأخرى للأنبياء لأنّ الأنبياء فقط عندهم منصب علم أن مناصب أخرى أيضاً؟ نحن لا أقل نتكلم على نبينا (صلي الله عليه وآله) وهو أنّه فقط مناصبه مقاماته مختصةٌ بالعلم؟ يعني إبلاغ المعارف؟ بيان الاحكام؟ أم عنده مقامات أخرى من قبيل الولاية في الأمة؟ ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ فعنده مقام الولاية في الأمة، عنده مقام الحكومة وشئون القضاء في الأمة، عنده مقام إصدار الأحكام الولائيّة في الأمة، هذه كلها أثبتناه فيما سبق للنبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) فهل أن الوراثة التي أشارت إليها الرواية الصحيحة الصريحة المجمع عليها الموافقة للقرآن الكريم، فهل تختص بوراثة العلم أم شاملة لباقي المناصب أيضاً، هنا حاول جملة من الأعلام أن يقولوا بأنه لا معنى لأن نلتزم بأن الوراثة مختصة بخصوص العلم، بل يمكن الالتزام أن كل ما ثبت للنبي، لأنّه قلنا نحن نتكلم عن النبي (صلي الله عليه وآله)، كل ما ثبت للنبي يثبت للعلماء، بعبارةٍ أخرى القرينة الدالة على ذلك يقولون توجد قرينتان: القرينة الأولى هو أنه لو قلنا أن الأئمة ورثوا علم رسول الله، يرثون فقط علمه أو يرثون كل مقاماته؟ لا إشكال تقولون أن كل المقامات الثابتة لرسول الله تَثبت لأئمة أهل البيت أيضاً العلماء كذلك، ويؤيد ذلك بالإطلاق الذي أشرنا إليه وهو أنّه يوجد بحثٌ أصوليٌ أشرنا إليه إجمالاً في الدرس السابق وهو إذا وردت عندنا جملة فيها موضوع وفيها محمول كما في المقام، العلماء هو الموضوع ورثة الأنبياء هو المحمول، فهنا عندما نجري مقدمات الحكمة لإثبات الإطلاق هل تجري في الموضوع فقط أو يمكن إجراؤها في المحمول أيضاً؟ طبعاً بعضٌ قال بأنه أساساً عندما كان عندنا موضوعٌ ومحمولٌ فالمتكلّم يتكلّم عن الموضوع ويحمل عليه المحمول فهو ليس في مقام البيان من حيث المحمول، هو في مقام البيان من حيث الموضوع فقط، ولذا يمكن إجراء مقدمات الحكمة في الموضوع وإثبات الإطلاق، أمّا المحمول لم يثبت أنّه في مقام البيان، فلا يمكن إجراء مقدمات الحكمة لإثبات الإطلاق في المحمول أيضاً.
إذن هنا العلماء يجري فيه الإطلاق، مطلق العالم، أمّا لو شككنا هل يشترط في العالم يشترط فيه العدالة أم لا؟ ننفيه بالإطلاق، يشترط فيه أن يكون كذا؟ ننفيه بالإطلاق إلّا إذا دل دليل آخر، أمّا العلماء ورثة هذه الوراثة أيضاً إذا شككنا أنّها مختصة بالشئون العلمية أو الأعم هل يمكن التمسك بالإطلاق لإثبات أنّها أعم أم لا يمكن؟ لأنّه نحن قلنا أن الأنبياء لهم شؤون متعددة فلو شككنا أن هذه الوراثة مختصة بشأن العلم أو الأعم من ذلك؟ فهل يمكن التمسك بالإطلاق لإثبات أنّه الأعم أم لا؟ قالوا لا يمكن، لأنّ المتكلم بصدد المقام في مقام البيان من حيث الموضوع أمّا المحمول فهي قضية مهملة لابدّ أن يقتصر فيها على القدر المتيقَن، هذا بحث أصولي وهناك نحن مبنانا أنّها هذه ليست قاعدة عامة، إذا كانت هناك شواهد على أنّه كما يمكن إجراء مقدمات الحكمة في الموضوع يمكن إجراؤها في المحمول أيضاً، لا، كما نجري الإطلاق في الموضوع نجري الإطلاق في المحمول أيضاً، وهنا لم يثبت لنا في هذا البيان أن الإمام أو النبي يتكلم عن الموضوع فقط وإنّما يريد أن يقول هذا قائم مقامي من قبيل خلفائي، هذا خليفتي عندما يقول خليفتي نجري الإطلاق خليفته في جميع الشئون، ولذا تجدون بأنه ممن استند إلى ذلك السيد الگلپايگاني (قدس الله نفسه) في رسائل في ولاية الفقيه، طبعاً ما أشار إلى مسألة الإطلاق ولكنه لعله هذا هو مقصوده، في صفحة 795 يقول: ويمكن دعوى أن الظاهر من قوله العلماء ورثة الأنبياء أنهم الورثة في جميع المناصب، وضع يده على الموضوع أم على المحمول؟ على المحمول، قال أنّه لا أنهم ورثة في بعض المناصب دون بعض فإن قلت على أيّ أساسٍ تستند؟ الجواب: أنا تقريراً لمطلب السيد الگلپايگاني (قدس الله نفسه) أنّه أيّ دليلٍ يوجد على اقتصار القدر المتيقن أم على بعض الشئون، من أين؟ يقول العلماء ورثة، إلّا ما أخرجه الدليل، نعم إلّا في الموارد التي أخرجه الدليل نقول بأنه لم يرثوا هذا المقام، ويدل ذيل الرواية على أنهم لما (التفتوا إلى الاستدلال الذي يستدل به السيد الگلپايگاني) يقول أنّه أساساً نحن لو رجعنا إلى أن هذه المقامات التي أعطيت للأنبياء من الولاية والسياسة والتدبير ومقام الأولويّة والأوامر الولائية وغيرها ما هو علّة ذلك؟ يقول علّة ذلك علمهم بمصالح الناس ليست له حيثية تعليلية أخرى، ليست قضية تعبدية، يعني لماذا أعطي للأنبياء هذا المقام ما السبب؟ السبب لأنهم عالمون، إذا كانت هذه الحيثية التعليلية فالعلّة كما أنّها تضيق توسّع، ولهذا يستدل يقول على أنهم لمّا كانوا عالمين بالأحكام والأوضاع كذا… وبالجملة المستفاد من الرواية أن العلماء بسبب كونهم عالمين (بالأوضاع مراده يعني شروط الاجتماعية والسياسية وغيرها) والأحكام أورثوا من الأنبياء مناصبهم فيجوز لهم التصدي في كل ما كان لهم إلّا ما صدّ عنه الدليل، ثم يشكل على نفسه بإشكال، (التفتوا فالإشكال منطقي جداً) يقول هذا لازمه.
إذن كلّ من كان عالماً فيكون ولياً على الأمة، فيلزم التشاح بين العلماء، يعني المولّى عليه واحد والولي مائة، وأنتم تعرفون العلماء يختلفون فيما بينهم، والذي لابدّ أن يدفع الثمن هو المولى عليه لأنّه كل عالم واحد يقول له قاتل وواحد يقول لا تقاتل، واحد يقول له أخرج وواحد يقول لا تخرج، واحد يقول له افعل وواحد يقول لا تفعل، وهذا المسكين ماذا يفعل؟ هذا الذي حله البعض من طريق المتقدّم زماناً، يعني من الذي سبق، فالتنافس يصير على السبق الزماني، هو يقول: لا أبداً، وإنّما من قبلته الأمة بالحكومة هو الذي يتولى ومن لم تقبله… من قال عنده الصلاحية؟ هذا الذي نحن أشرنا إليه، يقول: فإن قلت بناءً على ما ذلك يلزم جواز تصرف كل عالمٍ في أموال الصغار والمجانين وغير ذلك، قلت قد تقدّم مشروحاً أن الأمور العامة المربوطة بحفظ الأمة ونظام الملة لابدّ من الرجوع فيها إلى الرئيس والزعيم، الرئيس والزعيم كيف يكون؟ بانتخاب الأمة، لا يكون رئيساً وزعيماً بالسيف، طبعاً نظريّة ابن تيمية وبني أميّة عموماً يقول كل من صار زعيماً ولو بانقلاب عسكري ولو بالسيف ولو بالقتل أبيه بمجرد أن جلس هذا الموضع هذا يحصنه ويصير ولي أمر فتجب طاعته ولا يجوز الخروج عليه، يصرحون بهذا المعنى ولكن هذا مقبول عند أهل البيت وعند نصوص القرآنية أم لا؟ ليس مقبول، ولذا السيد الگلپايگاني من الناس الذين يعتقد أن هذه الوراثة مختصةٌ بالشؤون العلمية أم الأعم من ذلك؟ الأعم من ذلك، بأيّ دليل؟ لا بالإطلاق الذي أشرنا إليه بل ببيان أن الحيثية التعليلية لهذه المقامات إنّما هو العلم وأين ما توفر فتأتي تلك الحيثية التعليلية وباقي المناصب، هذا هو البيان إلّا أنّه هذه الدعوى واقعاً قد يقال خصوصاً ما يرتبط بالإطلاق فيها لأنّه نحن قلنا استندنا إما إلى الإطلاق في المحمول وإمّا إلى هذه الحيثية، هناك مجموعة من القرائن في هذه الروايات تمنعنا من الالتزام بهذا الإطلاق يعني أن يكون وارثاً لجميع المناصب، من هذه القرائن أنهم… قال إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم.
إذن في النصّ يوجد أنّه التوريث مرتبط بماذا؟ فهل يمكن التمسك بمقدمات الحكمة أم لا؟ لا يمكن لأنّه من مقدمات الحكمة أن لا توجد قرينة وهنا توجد قرينة، ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظٍ وافر، هذه قرينة الأولى والقرينة الثانية هو عنوان الأنبياء، العلماء ورثة من؟ هذه ورثة الأنبياء هذا عنوان الأنبياء مأخوذٌ كعنوان مشير إلى الأشخاص أم أن هذه النبوة لها مدخلية في التوريث؟ يعني بعبارة أخرى المولى يقول أن العلماء ورثوا موسى وعيسى ومحمد (صلي الله عليه وآله) هذا مراده؟ يعني أشخاص؟ فإذا كان المراد الأشخاص هؤلاء الأشخاص ليس فقط وظيفتهم كانت بيان العلوم وإنّما تطبيقها في حياة الناس إدارة شؤون الناس، فإذا كان عنوان الأنبياء عنواناً مشيراً إلى الذوات الخارجيّة ففيه عموم، أمّا إذا يقول العلماء ورثوا النبي بعنوان النبوة والنبوة هي إنباء الناس بالمعارف التي أخذوها من الله ليس إلا، النبوة ليس لها عنوان دور آخر، عنوان النبوة لا عنوان الذات الخارجية، عنوان النبوة ليس إلا الإنباء والإعلام، هذه القرينة الثانية، القرينة الأخرى التي يمكن أن يشار إليها وهو أنه أساساً هذه الروايات قالت فمن أخذ منه أخذ بحظٍ وافر، عندما تأتي إلى صدرها قال إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، إذن تتكلم عن العلم وفضيلة العلماء وشرف العلماء وعظمة العلماء وقيمة العلماء ولا تتكلم عن شؤونهم الأخرى وهي السياسة والتدبير والولاية و…
إذن مجموعة هذه القرائن توصلنا إلى هذه النتيجة وهي أن المراد من الورثة أو الوراثة لا الأعم حتى لو سلمنا بجريان الإطلاق ومقدمات الحكمة في المحمول فإنه يوجد ما يشكّك في هذا الإطلاق، ولذا نحن لم نجعل هذه الرواية، إذا يتذكر الأعزة، لم نستدل بهذه الرواية لإثبات ولاية الفقيه، لماذا؟ لهذه الإشكالات الموجودة فيها، نعم من دفع هذه الإشكالات كالسيد الگلپايگاني يعتقد بأنه يمكنه أن يستدل بها على إثبات ولاية الفقيه، ولكن حيث أننا لم يثبت لنا ذلك إذن لا يمكن أن نستند إليها لإثبات… نعم اجعلها شاهد أو مؤيد أو ما تشاء، ولكن ليست هي من أدلة ولاية الفقيه ولكنه السيد الگلپايگاني (قدس الله نفسه) جعله من أدلة ولاية الفقيه، لأنه هو في هذا الكتاب كما أشرنا في صفحة 595 يقول: إذ الظاهر أن العلماء أورثوا أحاديث الأنبياء وعلمهم فكما أنّ عليهم (على الأنبياء) نشر الأحكام ومنهم يؤخذ العلم فكذلك العلماء عليهم نشرها، هذا يقول ظاهر المتبادر منها، ويمكن الدعوى ثم يقوّي الدعوى، يقول ويمكن الدعوى أن الظاهر أنهم الورثة في جميع المناصب ولا يرد هذه الدعوى.
إذن هو يقرّ أن الظاهر من الرواية خصوص العلم لا جميع المناصب، ولكن هذه الدعوى التي أشار إليها وهي الحيثية التعليلية لهذه المقامات، يقول هذه الحيثية التعليلية موجودةٌ أيضاً في العلماء وليست مختصة بالأنبياء فيعمّمها ولكن الذي يمنع من هذه الدعوى القرائن الخاصة التي أشرنا إليها، ولذا لا أقل ليست صريحة في إثبات باقي المناصب، ولكنّها صريحة وواضحة في إثبات مقام وراثة العلم، هذه لا يوجد شك فيها فهل هي تشمل أيضاً وراثة باقي المناصب أم لا؟ هذا تابع لذوق الفقيه واستنتاجاته والملاحظات التي أشرنا إليها، إنما أن يرجح هنا أو يرجح هناك، هذا ما يتعلق بالسؤال الأول وهو أنه هل هو وراثة لجميع مناصب الأنبياء أم خصوص منصب العلم والمعارف.
السؤال الثاني: الآن نفترض سواء قلنا بالعموم كما لعله يستفاد من كلمات السيد الگلپايگاني ويستفاد جملة من كلمات الاعلام، جملة منهم يقولون هذا المعنى، صريحاً جملة من الأعلام المعاصرين في دراسات ولاية الفقيه وغيرها يعتقدون أن هذه فيها… طبعاً الوراثة لا تقبل الخلافة، المهم جملة من الأعلام يقبلون عموم الوراثة لجميع المناصب ولكن نحن بالنسبة إلينا يوجد فيها تأمل، الآن نأتي إلى القدر المتيقن وهو وراثة العلم هذه لم يختلف عليها أحد سؤال قلنا بالأعم أم قلنا بالأخص فالقدر المتيقن أن العلماء ورثوا علم الأنبياء.
سؤال: أيّ علم ورثوه؟ هل هو خصوص علم الحلال والحرام أم الأعم من ذلك؟ العلماء ورثوا الأنبياء ورثوا علمهم في خصوص بيان الحلال والحرام؟ يعني الذي أنا أصطلح عليه بالرسالة العملية، فمن علم منهم فهو وارثٌ أم أنه لكي يصدق العالم لابد أن يرث ما ورثه الأنبياء؟ وعندما نأتي إلى ما ورثه الأنبياء لا إشكال أنهم لم يورّثوا لنا الفقه الأصغر بل الفقه الأصغر والفقه الأكبر، بأيّ دليل؟ بدليل النصوص القرآنية والنصوص الروائية، فإنّه عندما قرأنا الآيات القرآنية أورثوا الكتاب، أو ثم أورثنا الكتاب، وأورثنا بني إسرائيل الكتاب، الذين أورثوا الكتاب، هل الكتاب يعني خصوص معارف الفقه الأصغر؟ ثم تعالوا إلى الأنبياء يرثوا بعضهم بعضا، كل ما عند الأنبياء السابقين ورثه خاتم الأنبياء والمرسلين، ورثه منهم فقط الأحكام الحلال والحرام؟ كل ما يوجد عند النبي الأكرم ورثه أئمة أهل البيت، هل ورثوا منه خصوص الحلال والحرام؟ لماذا عندما نأتي إلى العلماء نقول المراد منه خصوص الفقه الأصغر، هذا من أين أتى؟
إذن كل القرائن تشير بشكلٍ واضح وصريح أن ما هو الموروث هو علم الأنبياء ومن الواضح أن علم الأنبياء يختصّ فقط بفروع الكافي وفروع الكافي وأصول الكافي؟ لأنه نحن أيضاً لم نرث الأنبياء مباشرةً نحن ورثنا علم النبيين من خلال علم خاتم النبيين، وورثنا علم خاتم النبيين من خلال علم الواسطة، نحن لم نأخذ العلم تقريباً بشكلٍ عام عن النبي (صلى الله عليه وآله) إلا نادراً إلّا ما تم عندنا، من أصحاب الروايات صحيحة معتبرة عن النبي الأكرم عن صحابيٍّ ليس فيهم علي أو الحسن أو الحسين.
إذن التفتوا إلى هذه القضية وهي أنه علمنا عن النبي ليس مباشرة وإنّما علمنا بالواسطة، أنتم لو ترجعون إلى وسائل الشيعة التي تتجاوز الأحاديث فيه 35 أو 36 ألف حديث تجدون أنه كم حديث مباشرةً عن رسول (صلى الله عليه وآله)؟ نادر جداً، تسعة وتسعين بالمائة أم خمسين تسعين بالمائة عن الأئمة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذن علمنا ماذا؟ الآن أئمة أهل البيت أورثونا علم الحلال والحرام أم الأعم من ذلك؟ واقعاً جداً نحتاج إلى مؤونة حتى نقول أنهم أورثونا خصوص علم الحلال والحرام، هذا الذي الآن يُتداول في حوزاتنا، أنه من صار عالماً بالحلال والحرام فهو وارث الأئمة، جزماً ليس كذلك، بلا ريب، وأنا لا أتصور إنسان منصف يحترم عقله يمكن أن يدّعي أننا ورثنا عن الأئمة خصوص الحلال والحرام، وإلا معناه أنه فقط المطلوب من عالم الدين أو العالم الوارث أن يتكلم في الفروع أما في توحيد الصدوق أو بصائر الدرجات أو أصول الكافي، هذا كلها هل مسئول عنها أم لا؟ أيمكن لأحدٍ أن يدعي مثل هذه الدعوى؟ ومن هنا نحن اشترطنا أن المرجع الديني، أنا أتكلم في شروطه العلمية لا في شروطه الإدارية ولا السياسية ولا العملية، أن العالم الديني يختلف عن العالم بالفقه الأصغر، هاتان مفهومان وليسا مفهوم واحد، أن المرجع في المعارف الدينية يختلف عن المرجع في الفقه الأصغر، هذا شأن وذاك شأن آخر، وهذه الرواية الصحيحة الصريحة المجمع عليها الموافقة للقرآن الكريم تقول العلماء ورثة الأنبياء، ولم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا علما، وعلم الأئمة هل خصوص الحلال والحرام؟ هذا تمام الكلام في هذه الرواية من هنا سوف ننتقل في اليوم اللاحق إلى الشواهد والمؤيدات لهذه الرواية، ما هي الشواهد؟ الآن لماذا نعبر عنها شواهد ومؤيدات؟ لأن جملة منها قد تكون ضعيفة السند، نحن لم نتكلم عن المنهج السندي، ولكن من يعتقد بالمنهج السندي فهذه الروايات تكون عنده شواهد ومؤيدات والرواية الأولى التي نقف عنها هي رواية اللهم ارحم خلفائي، قيل يا رسول الله ومن خلفائك؟ قال الذين يأتون من بعدي يروون حديثي ويعلّمونها، لا يكتب رواية، يكون معلّماً ويعلمونها الناس، والحمد لله رب العالمين.