أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
قال : ( وإطلاق الصورة على الله مجاز، إذ لا يستعمل على الحقيقة إلاّ في المحسوسات، ففي المعقولات مجاز هذا باعتبار أهل الظاهر، وأما عند المحقق فحقيقة لإن العالم بأسره صورة الحضرة الإلهية تفصيلاً، والإنسان الكامل صورته جمعاً )
بحث أقرب إلى البحث الكلامي والفقهي منه إلى البحث العرفاني، وهو أنه هل تطلق الصورة على الله سبحانه وتعالى أو لا تطلق ؟ هذا من قبيل أنه هل يطلق على الله خُلق أو لا ؟ لإنكم تعلمون أن في بعض النصوص >تخلقوا بأخلاق الله < فهل يطلق على الله سبحانه وتعالى أن له أخلاق أو ليس له خُلق ؟ هذا البحث كما اشرنا بالأمس، وهو أنه تارة على مستوى التوصيف وأخرى على مستوي التسمية، فيما يتعلق بالتوصيف قلنا لا محذور فيه أن دلت الأدلة على ذلك، كما تقول الله واجب الوجود، الله علة العلل، وأوصاف أخرى تصف الله سبحانه وتعالى بها .
أما الكلام كل الكلام على مستوى التسمية، يعني هل يصح أن نسمي الحق سبحانه وتعالى بالصورة أو لا يصح ؟ كما يصح أن نسمه العالم الرازق، وهذا بحث تقدم الكلام عنه مفصلا في المقدمات، في مسالة توقيفية الاسماء هذه نقطة .
النقطة الثانية : التي أشرنا إليها بالأمس، قلنا أنه إطلاق الصورة عليه سبحانه وتعالى، أن كان إطلاق الصورة بالأمور المحسوسة، فإطلاقها عليه يكون خطا، لإنها مختصة بالأمور المحسوسة لا أنه يكون مجازا، وإذا كانت الصورة تطلق على الأمور المحسوسة والمعقولة معا، فتطلق على الله سبحانه وتعالى حقيقة لا مجازا، إذن هذا البيان الذي يوجد في الشرح من قبل القيصري فيه تأمل .
قال : ( وإطلاق الصورة على الله مجاز) لماذا ؟ قال ( إذ لا يستعمل) الصورة ( في الحقيقة إلاّ في المحسوسات) الآن هذه (في الحقيقة) يمكن تصحيحها في المتن في الحقيقة، نحن في الأمس صححناها قلنا على الحقيقة، في الحقيقة يعني استعمال حقيقي لا يصح في الواجب وإنما يصح الاستعمال المجازي، لكنه ذكرنا في محله أن الاستعمال المجازي يحتاج إلى مناسبة، ولا مناسبة في المقام، لإن المفروض إن إطلاق الصورة مختص بالأمور المحسوسة فإطلاقه على غيرها خطا، لا يكون حقيقة ولا مجازا، وإنما يكون استعمالا غير صحيح عند ذلك يقول، عند ذلك يقول : ( إذ لا يستعمل في الحقيقة إلاّ في المحسوسات، ففي المعقولات مجاز، هذا باعتبار أهل الظاهر) وأما على التحقيق عند المحققين عند العرفاء لا، الله سبحانه وتعالى يطلق عليه الصورة حقيقة، استنادا إلى هذا الرواية المشهورة >إن الله سبحانه وتعالى خلق آدم على صورته< هذا إذا قبلنا أن ضمير (صورته) يعود على الحق سبحانه وتعالى، أما إذا قلنا أن ضمير (صورته ) لا يعود على الحق، أو يعود على الحق من باب التشريف، كما يقال مسجدي، ويقال بيتي {طهرا بيتي } ومن الواضح أن الله سبحانه وتعالى ليس له بيت، ولكن ينسب إليه، أو {ونفخت فيه من روحي} ومن الواضح أن الله سبحانه وتعالى ليس له روح، إذن لماذا يقول : روحي، بيتي صورتي أو صورته ؟ من باب التشريف، هذا إذا قبلنا أن الضمير يعود على الله سبحانه وتعالى، وأما إذا لم نقبل أن الضمير يعود على الله سبحانه وتعالى، كما في الرواية المعروفة الواردة في توحيد الصدوق، وأتذكر هذه الرواية نحن قرأناها عدة مرات، الرواية عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال : >سألت أبا جعفر ‘< رحمة الله على السيد الطباطبائي كما ينقل شيخنا الجوادي يقول هذه الاسماء ما كان يقول عليه السلام، كان دائما يقول : عليهما السلام، حتى يكون السلام على الأب والابن، لا على من ذكر اسمه فقط، مع أنه المتعارف عادة عندما يقولون قال جعفر بن محمد يقولون عليه السلام، مع أنه جعفر بن محمد لابد أن يكون عليهما السلام، جعفر ومحمد، إمامان عليهما السلام، ينقل يقول أن سيدنا الأستاذ الطباطبائي عادة ما كان يذكر الأفراد وإنما كان يثني في السلام >سألت أبا جعفر × عما يروونه < إذن طهر أنه ليس وروي، فيها حالة عمومية >عما يروونه أنه الله عز وجل خلق آدم على صورته، فقال هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه، والروح إلى نفسه قال : {بيتي} {ونفخت فيه من روحي}< هذا بناء على أن الضمير للتشريف، أما بناء على أن الرواية ليست بهذا الشكل، بل الرواية بهذا المعنى، أين الرواية الثانية ؟ وهي الرواية التي تقول أنه >قبحك الله وقبح من هو مثلك < تتذكروها أم لا ؟ لا، موجودة في ذهني، على أي الأحوال، الرواية مضمونها هذا : >وهو أنه شخص رأى شخص ولم وجهه قبيح قال له قبح الله وجهك، ووجه من يشبهك، فقال له النبي ’ : ويلك أن الله خلق آدم على صورته<، فمرجع الضمير على هذا الذي قال له هذا الشخص : قبح الله وجهك، لكن الإمام × يقول : المشبهة قطعوا هذه الرواية عن سياقها العام، فصارت : أن الله خلق آدم على صورته، والأمر سهل .
قال : (وأما عند المحقق فحقيقة) يعني استعمال الصورة (لان العالم بأسره صورة الحضرة الإلهية تفصيلا) المراد من صورة يعني الكمالات الإلهية، يعني الاسماء الإلهية، يعني الجمال والجلال الإلهي، صورة الحق يعني ماذا ؟ يعني كمال الحق، قال : ( لإن العالم بأسره صورة الحضرة الإلهية تفصيلا، والإنسان الكامل صورته جمعا، قال النبي ’ : >أن الله خلق آدم على صورته < ) المصادر ذكرها في الحاشية ونحن لم نراجعها .
(أحد الحاضرين) : …
ج/ نعم ؟ أنا أيضاً أقول، هذا على المبنى، الضمير على من ترجعه ؟ هو أرجعه على الله، أما نحن بناء على بعض هذه الروايات، أما مرجعها من باب التشريف، وليس من باب الكمالات، بل من باب التشريف، وأما مرجع الضمير هذا الإنسان ولا علاقة له بالحق سبحانه وتعالى .
(أحد الحاضرين) : …
ج/ أنا أتكلم عن الرواية، أقول الرواية، نحن عندنا رواية تفصل عن هذا السياق أم لا؟ هو أتى بها، فإذا كانت ضمن السياق، فمرجع الضمير يرجع على الإنسان لا على الله، حتى يقول أن الله خلقه، وهذه صورته الآن يعود على الله، مع أن الرواية عن الإمام الرضا × الضمير فيها يعود على الإنسان، ومن هنا أنا فصلت الكلام، قلت : أما أن نحمل مرجع الضمير (على صورته) الله، فلابد أن نجد لها توجيه، أما الصورة بمعنى الكمال، وأما بمعنى التشريف، هذا هنا، وأما إذا قلنا لا أصلا مرجع الضمير ليس هو الله، بل مرجعه هو الإنسان، فالاستشهاد بالرواية في غير محله .
(فالنشأة الإنسانية حازت رتبة الاحاطة والجمع بهذا الوجود) يعني بهذا الوجود العنصري، وإلاّ هي أول ما صدر (أي بالوجود العيني، وذلك لإنه حاز بجسمه، رتبة الأجسام، وبروحه رتبة الأرواح ) يعني بنشأته الروحانية هو أكمل الموجودات، وبنشأته الجسمانية هو أكمل الأجسام (وبه) أي بهذا الجمع، يعني الجمع بين العنصري والروحاني (قامت الحجة على الملائكة ) لماذا ؟ (لإن الملائكة كانت تقدس وتسبح، وهذا البعد العنصري) والنشأة العنصرية غي موجودة، التي هي منشأ الشهوة والغضب وغير ذلك، وهو يسبح مع وجود هذه النشأة العنصرية، (وبه قامت الحجة على الملائكة، لإحاطة الإنسان الكامل بما لم يحيطوا به )
قوله (فتحفظ) الآن هنا، من هنا إلى، بحث مفصل كأنه جملة معترضة، تعالوا معنا إلى صفحة ( 263) ما هو أول السطر (ثم نرجع إلى الحكمة ) هذه هنا في الوسط دخل في بحث الملائكة، وأن الملائكة لماذا اعترضوا، وأن الله لماذا وبّخهم، مع أن هذه كلها غير مرتبطة بالإنسان الكامل، نحن بحثنا هنا في خصوصيات الإنسان الكامل، وبماذا رزق أو استحق هذا المقام، {إني جاعل في الأرض خليفة } بهذه المناسبة دخل في بحث الملائكة، وأن الملائكة من أين ؟ ما هو سبب هذا الاعتراض ؟ ولماذا أجابهم الله ؟ وماذا كان تكليفهم إزاء الأمر الإلهي عندما قال: {إني جاعل في الأرض خليفة }، كان مقتضى الأمر الإلهي ماذا يقولون؟ كما اشرنا في البحث السابق، أن يقولوا سمعا وطاعة، كما سيشير إلى ذلك، يعني هو القيصري هذا المعنى بشكل واضح وصريح في صفحة (256) قال (ومع ما اقتضته حضرة الحق منها ) أي من الملائكة (من عبادة والإنقياد لكل ما أمر الله به ) ولكن هؤلاء، فعلوا ذلك أم لم يفعلوا ؟ لا أقل صدر منهم هذا التساؤل، ولم نعبر صدر منهم هذا الاعتراض، وكان مقتضى المقام، الذي الله سبحانه وتعالى عندما يقول {إني جاعل في الأرض خليفة } يعني أقمت هذا الموجود خليفة، كان مقتضى المقام أن يقولوا : سمعا وطاعة، ولكنهم ما قالوا ذلك، وأيضاً جاءهم الجواب من الله تعالى : {إني اعلم ما لا تعلمون} يعني أنتم لا تفهمون، هذا منشئه ماذا ؟ منشئه ذاك السؤال، وإلاّ لو لم يسألون الله سبحانه وتعالى يقول لهم هذا الكلام {إني اعلم ما لا تعلمون } وهم في آخر المطاف اقروا بعجزهم وبعدم إحاطتهم {سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علمتنا} نعم هذا من أول قولوه أنتم، الآن دخل في هذا البحث، مع أنه هذه جملة معترضة، لإن بحثنا الآن لماذا اعترضت الملائكة، والتوبيخ الإلهي ما هو، والجواب الإلهي، ولذا في الأخير بعد أن يفرغ من هذا المعنى يقول (فلنرجع إلى اصل الحكمة)، فالظاهر هذه صارت جملة معترضة .
قوله : (فتحفظ) وهذا يكون في علمكم، افتح قوس تعليقة : وهذا هو منهج القران الكريم، عندما يذكر قضية علمية نظرية تجريبية، إذا يمكن أخذ منها نكتة أخلاقية، أو تزكية أو تهذيب أو إرشاد أخلاقي، مباشرة يربطها بالإرشاد الأخلاقي، لا يدعها في علم الآخر، نعم في الحوزة العلمية مقتضى البحث الفني، إننا عندما نقرأ فقه لا علاقة لنا بالأخلاق، نقول هذا واجب وهذا حرام، أما الأفضل أن تلتزم، هذا الكلام نقوله في علم الأخلاق، وإذا أنتم تنظرون تجدون من الناحية النظرية هذه لم تجعل منفصلة بعضها عن بعض، مع الأسف نحن من الناحية السلوكية هذه صارت عندنا منعزلة، مع أن القران ليس كذلك الله سبحانه وتعالى : {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } هذا حكم فقهي، ولكن مباشرة يدخل على الخط {لعلكم تتقون} هذه التي أريدها أنا لا تلك، ولذا هذا المنهج هو المنهج، ولذا يصرح السيد الطباطبائي بهذا المنهج في الميزان، يقول منهج القران غير قائم على أساس فصل البعد العلمي عن البعد العملي، البعد العلمي والعملي هذان متداخلان، وأنا أوضحت هذا مفصلا فبل ثلاثين عام، وقبل عشرين أو ستة عشر عام عندما خرج كتابنا التربية الروحية، قلت : من أهم المناهج والقواعد القرآنية اندماج البعد العلمي بالعبد العملي، وهذا احفظوه واقعا في حياتكم الشخصية الفردية التربوية، أنه لا يصبح التركيز على البعد العملي أو البعد العلمي ونسيان البعد العملي، أو البعد العملي دائما السبحة والعبادة، هذا جيد ولكنه على حساب البعد العلمي، وهذا ما تجده في القران الكريم : يعلمهم ويزكيهم، يزكيهم ويعلمهم، هذه وظيفة الأنبياء، وظيفة الأنبياء ليست فقط في الحوزة، وظيفة الأنبياء ليست هي تعليم السبحة أبدا، بل وظيفة الأنبياء هي تعليم وهي تزكية.
قال : ( فتحفظ ) افتح عينك، واقعا افتح عينك، عندما تقرأ هذه القصة في القران الكريم (فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك) توجد عندنا نصوص كثيرة بهذا المعنى، أنه الله سبحانه وتعالى يجعل الآخرين موعظة للإنسان (فقد وعظك الله بغيرك، وانظر ) إلى السبب الذي أدى أن هؤلاء يصيرون في هذا الموقع، وهو موقع التوبيخ والسؤال، موقع الاعتراض منهم، لماذا صدر منهم هذا العمل (وانظر من أين أُتِيَ على ما أُتِيَ عليه ) يقول قوله، نحن بحثنا نظري، ولكنه الماتن الشيخ مباشرة ادخل البعد العملي، (قوله تنبيه للسالك ) هذا المقطع يريد أن ينبه السالك، الذي هو في طريق السلوك إلى الله ماذا يفعل، التفتوا إلى الموعظة إلى النصيحة العرفانية، (تنبيه للسالك بالتأدب بين يدي الله تعالى وخلفائه والمشايخ والعلماء والمؤمنين ) عام أنه الإنسان مقتضى الأدب ومقتضى السلوك هذه القاعدة التفت، الآن ما هو هذا التنبيه للسالك؟ يقول (لئلا يظهر بالأنانية وإظهار العلم والكمال عند هؤلاء) من هم؟ بين يدي الله تعالى والخلفاء والعلماء والمشايخ والمؤمنين، يعني حتى إذا وجدت من هو أدنى منك أنت لا تكون في حالة تشعره أنا أفهم وأنت لا تفهم، هذا ليس من أدب السلوك، لماذا ؟ التفتوا إلى الجملة الأساسية، قال (لإنه يسلك للفناء ) هو عندما صار في طريق السلوك إلى أين يريد أن ينتهي ؟ يريد أن يحفظ الأنانية ويظهرها ؟ أم يريد أن يقضي على الأنانية ؟ فيلزم نقض الغرض إذا صار في هذا الموقع وفي هذا الظرف يظهر {أنا خير منه } فهذا منطق شيطاني، هذا منطق إبليس، عندما قيل له، افترض أنت أفضل منه، ينبغي أو لا ينبغي، لا، لإنه (يسلك للفناء، والفناء لا يحصل إلاّ برؤية ما لغيره من الكمال، وعدم رؤية ما لنفسه من الكمال ) هذا مقتضى السلوك، مقتضى السلوك إذا أنت تريد أن تكون سالكا في حال المراقبة لابد أن تظهر كمالاتك للآخرين، لو ترى كمالات الآخرين ولا ترى كمالات نفسك ؟ فاي منهما ؟ يقول أنت في طريقك إلى الفناء ومقتضى الطريق إلى الفناء أن لا تري كمالات ذاتك ونفسك، وترى كمالات غيرك، مع أن هذا الكلام الذي صدر من الملائكة كان بعكس هذه القاعدة السلوكية، القاعدة العرفانية العملية، وهو أنهم اظهروا كمالات أنفسهم قالوا {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} نحن أهل هذا العمل، الآن رأوا ذلك أم لا ؟ فإما لم يروا وأما رأوا ولكن المفروض بهم كان أن يروا ذلك الكمال، لا بأن يروا كمالات أنفسهم، قال (لئلا يظهر بالانانية وإظهار العلم والكمال عندهم) عند من؟ عند الله تعالى والخلفاء والعلماء والمشايخ، ولهذا ينقل استاذنا شيخ جوادي حفظه الله عن اليسد الطباطيائي & هذه القاعدة، وسمعت مصباح أيضاً يقول : بان السيد الطباطبائي عندما كان في مجلس لو احتدم البحث في أي قضية كانت، ما لم يوجه السؤال إليه شخصا لا يتكلم، يتباحثون، وبتعبيرنا بدأ هؤلاء يشرقون ويغربون فابتعدوا عن الموضوع، يدخل على الخط ويقول له أنت كذا وأنت كذا أبدا أبدا، يسكت إذا وجه إليه السؤال فيجيب، وإذا لم يوجه إليه السؤال فهو غير مسؤول عنه، ونحن طلبة وهذه كثيرا ما نبتلي بها ليكون في علمكم، قال : (وذلك لا يحصل) لإنه يسلك للفناء ( وذلك لا يحصل إلاّ برؤية ما لغيره من الكمال، وعدم رؤية ما لنفسه، لا بالعكس، وفيه أقول) هذين البيتين لطيفات : (تعلم من العينين أن كنت عاقلا) العين ماذا تفعل ؟ العين عندما تواجه شيء جميل ماذا تفعل ؟ تلتفت إلى جمال الغير أم جمال نفسك ؟ (تعلم من العينين أن كنت عاقلا ** شهود جمال الغير عند التواصلِ) فلذا تبدأ بمدح جمال الغير (ولا تكُ كالطاووس يعشق نفسه ** ويبقى ملوما عند كل الكواملِ) إذن عندما في بعض الروايات يشبه الحجة بالطاووس، ذهنك فليكن في علمك أنه يقرب من جهة ويبعد من جهات، نعم وإلاّ الطاووس يوجد أيضاً فيه نقاط ذم ونقاط نقص، وهذا ليس هو المراد، بل المراد هو ذلك البعد الايجابي، ( أي وعظك الله بزجره للملائكة بقوله {إني اعلم ما لا تعلمون }) ما معنى اُتِيَ قال ( أُتِيَ مبني للمفعول) هذا إذا قلنا أتى يأتي منه المبني للمفعول ( اُتِيَ مبني للمفعول، يقال أتاه وأتى به وأتى عليه ) الآن أما يتعدى بنفسه أو بالواسطة، وأما يتعدى بالباء وأما يتعدى بعلى (وإنما جاء) وهنا المراد ماذا ؟ المراد الاتيان به لو عليه؟ قال ( وإنما جاء هنا بعلى لإنه في معرض التوبيخ والزجر، كأنه قال : وانظر من أين هلك من هلك) وليس مراده أن الملائكة هلكوا، لالا، يريد أن يقول من أين هؤلاء أخذوا، يعني نقطة الضعف التي أدت إلى هذا التساؤل وهذا الاعتراض وهذا التساؤل، ومجيء ذلك التوبيخ وذلك الكلام من الله، قوله ( فان الملائكة ) انظروا الآن دخل في بحث الملائكة مع أن بحثنا في الإنسان الكامل وخصوصياته، لذا اضطر في صفحة (263) إلى العودة إلى اصل البحث فقال : (ثم نرجع إلى الحكمة فنقول اعلم أن الأمور الكلية ) لإنه هذه صارت فاصلة بين ذاك المطلب وبين المطلب الآخر .
(قوله فان الملائكة ) هذا قوله بيان خبر، توجد هنا ثلاث مقامات من البحث :
المقام الأول : إن الملائكة اعترضت .
المقام الثاني : ما هو سبب الاعتراض، لماذا اعترضت ؟ يذكر سببين .
المقام الثالث: ثم يبين لماذا ابتلوا بهذه الأسباب .
ولذا هذه الأمور الثلاثة : توبيخ الملائكة، بيان سببين لتوبيخ الملائكة، وتعليل للسبب الثاني الذي ذكر من هذين السببين، لذا هنا (فان الملائكة ) هذه بيان سببي التوبيخ، التفتوا إلى العبارة، أنا أريد المتن يتضح حتى اشرحه، يقول (بيان سبب وقوع الملائكة في التوبيخ) صفحة (254) السطر الثاني، ثم يأتي في وسط الصفحة يقول (بيان سبب آخر) قوله ( ولا ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة، بيان سبب آخر ) ثم يقول (قوله تعليل لعدم الوقوف ) يعني تعليل بيان علة السبب الثالث، لا اعلم أهل اتضح المقطع .
في المقدمة يقول (لم تقف ) هذا الوقوف يستعمل باستعمالين :
1- تارة تقول وقفت عليه، أنا وقفت عليه يعني عالم به مطلع عليه، هذا معنى، يأتي .
2- وأخرى تقول وقفت وواقف ووقف ولم يقف، يعني لم يتجاوز، الآن أنت جعلوا لك حدا مّا، فيقولون لك قف هنا، فأنت إذا وقفت التزمت بأدب العبودية، وأما إذا تجاوزت يقولون لك {ومن يتعد حدود الله }، هذه هنا لم تقف يعني تعدت، ليس المراد هنا لم تقف يعني لم تعلم، ليس مراده فان الملائكة لم تقف، يعني لم تطلع، وإلاّ إذا لم تطلع كان سؤالها في محلها، أما هو يريد أن يبين أن هؤلاء كان مقتضى أدب العبودية إذا كانوا واقفين عند مراتبهم الوجودية إنهم يكونون منقادين لأمر الله ويطيعون الله، ولكن لم تقف عند هذا الحد، وليس إنهم لم يقفوا عند هذا الحد فحسب بل الآية المباركة تعبر عنهم قالت {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } هذا انتخاب غريب، وبتعبيرنا العرفي، أن صح التعبير، خلاف الأدب واقعا ولكن من باب أنت من تجعل وكيل عنك (والله هيج وكالة ما شايفين احنه) يعني هذا يستحق أو لا يستحق ؟ ليس أنهم اظهروا انفسهم بتلك الانانية، بل بدأوا يصعدون أكثر بدأوا يتهمون ذلك الخليفة، إذن هؤلاء وقفوا عند حدود أدب العبودية ولم يتجاوزوا ؟ تعدوا الحدود، إذن لام نافية، لم نفي .
قال ( فان الملائكة ) أنا إنما أقف عند بعض المتون أنا بكرة أن شاء الله أريد بعض أخواننا الذي يحضرون الدرس واقعا إذا جاءوا لك بمتن الفصوص من غير شرح القيصري تستطيع أن توضح المتن، لا أقول تشرحه بكل دقائقه، تعلم ما هو معنى هذه الجملة أم لا ؟ إذا ما تستطيع اطمئن أرجع من أول، أنت إذا قارئ دورة (500 أو 1000) درس، ومع ذلك لا تستطيع أن توضح المتن، هذا من قبيل أنت تقرأ دورة كفاية، وعندما تنظر إلى متنها لا تعلم في أي موضوع تتكلم، وهذا معناه أنت لم تحصل شيء من الكفاية، هذا المتن مهم اخواني الأعزاء، لا تقولون القيصري يشرحها، نعم اعلم أنه يشرحها، ولكن أنت المتن لابد أن يصبح عندك ملكة تستطيع أن تفهم، وإلاّ بيني وبين الله هذا يكون تضييع للعمر فعلى ماذا تأتي إلى هنا، إذا أنت معتقد بأهمية هذه المعارف فليتحصل لك في المتن ملكة، بمعنى أنه أي مقطع من مقاطع المتن يعرض لك تعلم في أي نقطة يريد أن يتكلم .
قال (فان الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذه الخليفة) توجد نسخة بدل أيضاً (مع ما تقتضيه نشأة هذه الخليفة ) ولعله عبارة تقتضيه أن لم تكن أحسن فليست اقل أهمية، لإنهم هؤلاء لو كانوا عارفين هذا الخليفة من نشآته، من النشأة العنصرية وإن النشأة العنصرية اقتضائها {يفسد فيها ويسفك الدماء} ليس فعل ليس وقوع، إمكان اقتضاء، يعني القدرة موجودة على هذا، فلهذا كانوا يقولون {أتجعل فيها} أم لا يقولون؟ لا يقولون .
(أحد الحاضرين) : ….
ج/ من هي؟ لا، بعد لم نصل إليها، أنا اشرح جملة جملة شيخنا، المطلب ضخم جدا.
(أحد الحاضرين) : ….
ج/ أقول يأتي واحدة واحدة، أعطوني مجال، أقول العبارة لم اقرأها، وعندما أكمل بعد ذلك، ولا وقفت ولا وقفت ولا وقفت، أربعة خمسة، هذه بعدها توجد (ولا وقفت مع ما تقتضيه ) (ولا وقفت مع الاسماء الإلهية) (ولا وقفت) أربعة خمسة وقفت، لم يقل فقط هذه، الآن تقول لما لم يذكرها ؟ لم يذكرها .
قال ( فان الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذه الخليفة) ولو كانت عبارة تقتضيه لكانت أدق، وإن كان (تعطي) تحتاج إلى بيان، بعد (ولا وقفت ) هذا السبب الآخر (مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية ) وإلاّ لو كان هؤلاء يعرفون أدب العبودية على أتمها، ليس أنهم لا يعرفون أدب العبودية، لا، بل يعرفون أدب العبودية على مرتبته الاعلائية، بمجرد الله قال {إني جاعل} يقولون : سمعا وطاعة، لكن ما فعلوا ذلك، لماذا ؟ هذا كله لابد أن يتضح، يقول لو كانوا يعرفون ذلك أيضاً لم يقفون، بل تجاوز مقتضى أدب العبودية تعالوا معنا إلى صفحة (255) آخر الصفحة قال : (ولا وقفت مع الاسماء الإلهية التي تخصها ) هذه (إلاّ) زائدة، (ولا وقفت مع الاسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها، وقدسته ) وطبيعي أنه بها، إذن تبين المراد من وقفت، ليس هو علمت، لإنها الآن علمت، إذن المراد من قوله : ما وقفت، ما وقفت، ما وقفت، يعني تجاوزت حدها، تجاوزت حدها، لماذا تجاوزت حدها ؟ ما هو منشأ تجاوز الحدود؟ عدم العلم، هذا الذي قلنا مرارا وتكرارا : أنه عم العلم يورث الجهل، يورث الاعتراض، يورث الاستنكار، لإن >الناس أعداء ما جهلوا<، لأهل العلم أعداء، لإنه لا يعلم، قال ( وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها) أي إلى تلك الاسماء (فما سبحته بها، ولا قدسته، فغلب عليها ما ذكرنا) ما الذي ذكرناه؟ هذا الاعتراض والسؤال (وحكم عليها هذا الحال ) عند ذلك (فقالت من حيث النشأة ) تورطت بهذا الكلام {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} وليس إلى هنا فحسب بل {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك }، الآن هذا المتن بنحو الإجمال اتضح المراد منه، أما تفصيله :
(ولا وقفت بيان سبب وقوع الملائكة في التوبيخ ) فما هو المراد من الوقوف هنا، ما وقفت ما وقفت ما وقفت ؟ قال : ( وليس الوقوف هنا بمعنى الشعور والإطلاع ) ليس المراد من الوقوف يعني لم تطلع لم تعلم، ليس هذا المراد، وإلاّ إذا كان المراد من الوقوف الشعور والإطلاع كان ينبغي أن يتعدى بعلى، مع أنه في المقام تعدى بمع، إذن يتضح ليس المراد من الوقوف يعني الإطلاع، لإنه إذا كان تقول اطلعت على وقفت على، ولا تقول : وقفت مع، إذا قلت وقفت وتريد الإطلاع، تقول وقفت على، ولا تقول وقفت مع، ( وإلاّ كان من الواجب أن يقول على ما تعطيه، فإنه تعدى بعلى ) يعني الوقوف بمعنى الإطلاع إنما يتعدى بعلى، إذن ليس الوقوف هنا بمعنى الشعور، إذن فما هو معنى الوقوف هنا ؟ قال ( بل بمعنى الثبوت ) التوقف، يعني ما توقفت، وإنما تجاوزت (بل بمعنى الثبوت ) وإذا اتضح ذلك (فمعناه أن الملائكة ما قنعت ولا وقفت مع ما أعطته مرتبتها هذه الخليفة أزلا، بحسب نشأته الروحانية ) ماذا تريد أن تقول، إذا قلنا أن المقطع (تعطي ) يقول هؤلاء لو كانوا نظروا إلى انفسهم وما حصلوا من الإنسان الكامل، ما كان يعترضون، مقتضى نشأتهم هذا مقامهم {ما منا إلاّ وله مقام معلوم } فما كان يعترضون، ولكنهم لم يلتفتوا إلى ما أعطاهم تلك الخليفة من المقام، هو من الذي أعطاهم ؟ يقول : كما تقدم ذكرنا أن الخليفة هو الذي أعطى هؤلاء، الإنسان الكامل، هذا تسبيحهم وتقديسهم وكل شيء عندهم هو ببركة ذلك الإنسان الكامل ذلك الخليفة الإلهي ذلك واسطة الفيض، وقفوا عند هذا الذي هو يمدهم أم لم يقفوا فاعترضوا، وإلاّ لو كل واحد بينك وبين الله أنت من باب المثال : أنت انظر إلى أستاذك عشر سنوات حاضر عنده وكل ما عندك فهو منه، ولكن لسبب من الأسباب كان يعمل عملا لا تفهم لماذا فعل ذلك، ماذا تفعل له، لا أقل إذا كنت ملتفت ما عندك منه والآن تعترض، لكنت تسكت ولا تتكلم، هكذا يريد أن يقول، يريد أن يقول بان هؤلاء لو كانوا ملتفتين إلى رتبة هذا الخليفة، وأنه هو الذي أمدهم بمثل هذه المقامات، أم كانوا يقولون {ونحن نسبح بحمدك } وأنت كل ما عندك هو منه، بعد لا داعي لنسبح بحمدك، يعني هذا يفقد هذه الخصوصية ونحن نملكها، هذا إذا قلنا إن الجملة (تعطي)، يعني ما أعطى الخليفة هؤلاء الملائكة، أما إذا قلنا (مع ما تقتضيه نشأة هذا الخليفة ) يكون البيان الذي أنا ذكرته، وهو إنهم لو كانوا ملتفتين أن هذا الخليفة فيه نشأة عنصرية أيضاً فهو فيه قابلية الإفساد وسفك الدماء، إذن ما كان يعترضون على أن هذا الإنسان فيه هذه القابلية، ولكن القيصري يرجح (مع ما تعطيه) فلذا يسير بذلك الخط والاتجاه، لا في الاتجاه الذي نحن نقول، قال : (ولا وقفت مع ما أعطته مرتبة هذا الخليفة أزلاً بحسب نشأته ) يعني الكون الجامع، وإلاّ مقتضى إرجاع الضمير (نشأتها ) لإن الضمير يعود على الخليفة، ولكن الكون الجامع هم يصحح، ( الروحانية مما هي ) أي الملائكة (عليه من التسبيح والتهليل والكمال اللائق بالملائكة، بل تعدت عن ذلك الموقف وعن ذلك الحد، وطلبت الزيادة على ما وهبت له ) ماذا وهب للملائكة ؟ الإنسان الكامل، يعطي الملائكة أن يكونوا مسبحين مقدسين، هذا صحيح، ولكن أعطاهم أن يكونوا خليفة الله ؟ لم يعطى لهم هذا الكمال، كمالهم اللائق أن يكونوا {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} هذا كمالهم اللائق لا أكثر من ذلك، والله يريد من يسبح أم يريد خليفة ؟ الله يريد خليفة، وهل أعطوا مقام الخلافة من قبل الإنسان الكامل، من قبل النشأة الروحانية للإنسان الكامل ؟ لالا لم يعطوا ذلك، إذن ما كان ينبغي أن يطلبوا الزيادة عما هم عليه في مقامهم، الآن يرجع يفسر القول اللغوي يقول : ( فلان وقف مع فلان وواقف معه إذا لم يتعد عنه في السير، ولم يقف معه إذا تعدى عنه في السير، وهذا الكلام) أي كلام ؟ الذي هو (على ما وهبت) ( وهذا الكلام إشارة إلى ما مر من أن جميع الموجودات ما) ما هنا نافية (يأخذون كمالهم إلاّ من مرتبة الإنسان الكامل) وهذا تقدم مفصلا الإخوة يتذكرون، في صفحة (183- 185) مفصل هناك قال : ( وصلى الله على ممد الهمم) ثم قال ( فالرحمة المتعلقة هو الاسم الجامع وهو المفيض) إلى أن قال ( وإمداد النبي الهمم من خزائن الجود والكرم ) مفصل، (وهذا الكلام إشارة إلى ما مر من أن جميع الموجودات ما يأخذون كمالهم إلاّ من مرتبة الإنسان الكامل، ولا يحصل لهم المدد الوجودي في كل أن إلاّ منها ) أي من مرتبة الإنسان الكامل ( لإن الاسماء كلها مستمدون من الاسم الله، الذي هو هذا الكامل مظهره) يعني الخليفة (الذي هو) هذا الكامل (هذا الكامل مظهره) والآن قال ( مع ما تعطيه نشأة هذه الخليفة ) أي نشأة ؟ يقول افتح ذهنك، ليس المراد من النشأة النشأة العنصرية، لإن النشأة العنصرية ليست هي الخليفة، أما المراد الجامع بين النشأتين، وأما النشأة الروحانية ( ويجوز أن يراد بالنشأة هنا: نشأة رتبته الجامعة للنشأتين) يعني الروحانية والعنصرية ( ويجوز أن يراد النشأة الروحانية وحدها، ولا يمكن أن يراد بها من النشأة نشأة الخليفة النشأة العنصرية ) لإن النشأة العنصرية تمكن أن تكون واسطة الفيض بنفسها، لذاتها لا.
والحمد لله رب العالمين.