بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
قال: (تنبيه اعلم إن هذه المقاولة تختلف باختلاف العوالم التي يقع التقاول فيها).
بالأمس يتذكر الإخوة قلنا: بأنه قبل الأنتقال إلى هذا التنبيه اللاحق لا بأس بالإشارة إلى بعض المسائل:
المسالة الأولى أو الأمر الأول: ما أشار إليه الآلوسي في ذيل آيات سورة الكهف ومنها قوله تعالى: {أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا} الآن هذه العبارة التي قرأناها بالأمس قبلها هذه توجد الرواية واردة من الفريقين ،هذه الرواية واردة في صحيح البخاري، فلا تتصورون أنها وردت من طرقنا فقط في الروايات واردة في تفسير القمي عن الرضا×:
>يسألونه عن العالم الذي أتاه موسى أيهما كان أعلم؟ وهل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته؟ فكتب في الجواب: أتى موسى العالم، فأصابه في جزيرة من جزائر البحر، فسلّم عليه موسى، قال: من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران، قال: أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما؟ قال: نعم، قال: فما حاجتك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا، قال: إني وكلتُ بأمر لا تُطيقه، ووكلتَ بأمر لا أطيقه< هذا جواب الإمام الرضا× الوارد في تفسير القمي الجزء الثاني صفحة (38).
أنا الروايات التي ترد من الفريقي بالنسبة ليّ يحصل لي الاطمئنان، هذا يكون عندكم قاعدة واحدة من مناهجي في الاستفادة أنه عندما ترد الروايات من طرق الفريقين، مع البون الشاسع بين المنهجين والمدرستين والرواة، ومع ذلك يتفقون على مضمون، هذا يكشف عن أن هذا المضمون صادر عن النبي’ أو صادر عن أهل البيت ^، ولا أقل ينطبق عليه أن تمت الروايات أنه إذا حصل الإجماع فانه ماذا؟ الروايات الدالة على أنه >لا تجتمع أمتي على ضلالة< وهنا يوجد إجماع من الفرقين.
وهذه الرواية أيضاً أخرجها البخاري ومسلم والترمذي والنسائي بالمضمون، مقصودي من حديث ابن عباس قال: حدثني ابن كعب قال: >قال رسول الله’ موسى رسول الله قال: ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولّى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه، إذ لم يرد العلم إلى الله، قيل بلى قال: أي ربي فأين قال: إلى فلان< هذه قضية موسى× ينقلها، إلى أن تقول: الرواية: >جئت لتعلمني مما علمت رشدا، قال: لا يكفي أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك؟< ذاك العبد الصالح يقول: له: أنت عندك التوراة أكتفِ بها >قال: يا موسى إن لي علما لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علما لا ينبغي لي أن أعلمه< هذا لا ينبغي وذاك المعنى الذي أشار إليه الإمام الرضا× >أنت لا تطيقه وأنا لا أطيقه<.
وفي ذيل هذه الرواية المنقولة في البخاري والنسائي ومسلم وغيرهم، تأتي تعليقة الآلوسي يعلق على هذه الرواية، يقول: [ينبغي أن يراد من العلم الذي ذكر الخضر أنه يعلمه هو ولا يعلمه موسى، ينبغي أن يحمل على أنه بعض علم الحقيقة، ومن العلم الذي ذكر أنه يعلمه موسى ولا يعلمه هو بعض علم الشريعة، فلكل موسى والخضر علم بالشريعة والحقيقة، إلاّ أن موسى أزيد بعلم الشريعة، والخضر أعلم أو أزيد بعلم الحقيقة] ثم بعد ذلك، بعد كلامٍ مفصل عند الإخوة إن شاء الله يرجعون.
يقول: [وما جمعت الحقيقة والشريعة إلاّ لنبينا’ ] التفتوا إخواني الأعزاء، وهذه قاعدة ومن هنا أنتم تجدون نحن مرارا وتكرارا نقول: لا ينبغي أن نسوق كل الأنبياء في القرآن بسوق واحد، هؤلاء مراتب، في العصمة لهم مراتب، في العلم لهم مراتب، في الأدب مع الله لهم مراتب، ولكن مع الشديد علم الكلام المتعارف عندنا جعلهم في قالب واحد، وفي دائرة واحدة، فبدأت هذه المشاكل وهذه الاعتراضات، القرآن صريح {وما أنسانيه إلاّ الشيطان} كيف تقولون أنتم الأنبياء ليسوا هكذا، رسول الله’ له حسابه موسى له حسابه يعقوب له حسابه داوّد له حسابه يونس له حسابه، كل له، نعم يوجد هناك حد أدنى يشترك فيه الجميع، التفتوا لي يا إخواني، هذه من قواعد التفسير، من قواعد علم الكلام، من قواعد النبوة العامة والخاصة، وهو أنه لا تسوقون الأنبياء في القرآن وفي الروايات بسوق واحد، من حيث العصمة من حيث العلم، من حيث المقامات ونحو ذلك، وهذا من بركات العرفان النظري، وإلاّ هذه الآيات القرآنية وهذه الروايات والله موجودة بيد علماء الكلام والمحدثين قبل لم تكن موجودة في يد العرفاء، فلماذا لم يستفيدوا منها، لأنه الخلفية العلمية غير موجودة، وإلاّ هذه الآيات والروايات موجودة بين أيديهم، أنا وأنت مشكلتنا مع مدرسة الصحابة ما هي؟ وهي إن هذه الآيات والروايات كانت بأيديهم، ولكن لماذا صاروا مجسمة؟ لماذا صاروا مشبهة؟ لماذا صاروا قدرية، لماذا نحن أتباع مدرسة أهل البيت ^ لم نصبح مثلهم؟
الجواب: هذه خلفية مدرسة أهل البيت ^، هذه قواعد وتوجيهات مدرسة أهل البيت، وإلاّ نفس القرآن والرواية موجود في أيدي الآخرين، كذلك في المقام إخواني الأعزاء، هذا دور الفلسفة، هذا دور العرفان، وإلاّ الروايات >كفانا كتاب الله< (وكفيلك العباس) أنا أقول: كفانا كتاب الله، وكفانا بيانات النبي’ وأهل البيت ^، والله كفانا، ولكن بأي خلفية أنت تدخل إليها؟ فقط بخلفية بسيطة عامية، فتكون تلك النتائج التي تجدونها في علم الكلام المتعارف.
يقول: [ما جمعت الحقيقة والشريعة إلاّ لنبينا محمد ’، ولم يكن ] التفتوا نفي مطلق [ولم يكن للأنبياء إلاّ أحدهما] انظروا الألف واللام على الأنبياء يدل على العموم، يعني ما من نبيٍ إلاّ وكان له أحدهما، مقصوده أنه كان له أحدهما، ليس أنه كان خاليا من الآخر، لا بل كان كامل في أحدهما، أو عالما بأحدهما العلم الكثير والعلم القليل بالآخرة، أما الاتم الاكمل جمعهما في الخاتم ’، [ولم يكن للأنبياء إلاّ أحدهما، على معنى انها ما جمعت على الوجه الاكمل إلاّ له ’، ولم يكن للأنبياء ^ على ذلك الوجه إلاّ أحدهما، والحمل على أنهما لم يجمعا على وجه الأمر بالتبليغ إلاّ لنبينا ’] التفتوا جيدا، يقول: يوجد أمران:
أولا: لم يجمعا بالوجه الاكمل إلاّ عند الخاتم.
ثانيا: ولم يأمر بابلاغهما على الوجه الاكمل إلاّ الخاتم، لأنه قد يكون عنده علم الشريعة، ولكن غير مأمور بابلاغه، يعني نبي ولكن ليس برسول، فهو غير مأمور بابلاغ ما يعلمه من علم الشريعة، إلاّ الخاتم’ فكما أنه جامع لهما على الوجه الاكمل مأمور بابلاغهما على الوجه الاكمل، قال: [إنهما لم يجمعا بالأمر إلاّ لنبينا فانه عليه الصلاة والسلام مأمور بتبليغ الحقيقة كما هو مأمور بتبليغ الشريعة، لكن للمستعدين لذلك] تبين أن الشريعة للجميع، أما الحقيقة فهي للمستعدين لذلك.
>نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم< على قدر عقولهم في أي موضوع؟ في الحقيقة، وإلاّ في الشريعة كلها قد بيّنوها ولم يقولوا والله للخواص سبعة وثلاثين ركعة وللعوام سبعة عشر ركعة، ليس الأمر كذلك، ولم يقله أحد منهم ^، لم يقولوا لنا أن الخواص أحد عشر شهرا يصومون والعوام شهر واحد يصومون؟ لا ليس كذلك أبدا، الذي أمرنا نكلم الناس على قدر عقولهم هذا ليس في أمور الشريعة، أمور الشريعة للجميع هي، تكاليف الجميع.
ثم نقل الآلوسي عن السيوطي حقيقة في غاية الأهمية، هذه مهمة عندي، هذه عباراتي وهي في غاية الاهمية، التفتوا جيدا إخواني الأعزاء، تبين أنه هو يقبلها، هذه الحقيقة ينقلها الآلوسي عن السيوطي، والآلوسي يقبلها أيضاً، دع ذهنك هنا، هذا من الذي يقوله؟ يقوله الالوسي الذي لا يعتقد بإمامة أئمة أهل البيت ^، أنا المهم عندي القاعدة، ولا يهمني أنه يتفق معي في المصاديق أم لا؟ ماذا قال؟
قال: [إن الأولياء] المرتبطين بعلم الشريعة أم بعلم الحقيقة؟ [ان الأولياء قد يكونوا أحدهم من علوم الولاية ما هو أكثر من علوم ولاية أولي العزم من الرسل ] هذه القاعدة مهمة جدا، هذه قلت لكم في ذيل، في كتابي صفحة (439)، الولي هو نبي لو ولي؟ هو ولي وليس نبي، ولكنه قد يكون أعلم من الأنبياء أولي العزم في علوم الولاية، وفي علوم الشريعة نحن لا نحتاج لأنها نسخت وانتهى دورها، ولكن التي تبقى هي علوم الحقيقة علوم الولاية، هذه الولاية باقية مستمرة إلى قيام الساعة فالله هو الولي، الولاية تحتاج مظهر، وهذا اسم من اسماء الله {فالله هو الولي}، سؤال: {فالله هو الولي} هذا في الدنيا أم في الآخرة أيضاً ولي؟ كل العوالم ولي.
إذن في كل العوالم يحتاج إلى مظهر، من جرت كيف يسوى بهم، >من جرت نعمتهم عليهم أبداً< نحن أولياء النعم لكم، هذه قاعدة أسسها هنا، نعم الآن قد يختلف معه ويقال له من هذا الولي؟ هو يقول: عبد القادر الكيلاني، اذهب وفقك الله عبد القادر الكيلاني، نحن نقول: من هو؟ نقول: الإمام الجواد، أنت اذهب في خدمة الكيلاني، ونحن نذهب في خدمة الإمام الجواد ×، الآن أنت إن كنت معاندا مبغضا إلى جهنم، وإن كنت مشتبها ضالا الله بحق محمد وآل محمد يهديك، ماذا نريد أن نقول لك أكثر من هذا، نحن هذه وظيفتنا نبين فإن كنت معاندا {شاقوا الله والرسول من بعد ما تبين لهم الهدى} وهنا لا توجد اختلاف قراءة، واضحة الآية، هناك طبقة شاقوا الله والرسول نازعوا خالفوا، ولكنه عن جهل وضلال أم عن بينة؟ {ليهلك من هلك عن بينة}، هؤلاء عن بينة، نعم قد نختلف في المصداق لا اشكال في ذلك، ولكنه صريح القرآن يقول: يوجد هناك من شاقق الرسول ومن نازعه ومن خالفه وهو يعلم >محلي منها محل القطب من الرحى< وليس أنه لا يعلم بل هو يعلم.
إذن صار اجتهادين وصار قراءتين، كتب بعد جماعتنا كتبوا أيضاً، بيني وبين الله إذا نحملهم على الصحة هذا جهل منهم، وإلاّ هو يقول: >ويعلم محلي منها محل القطب من الرحى< >لقد تقمصها ويعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى< يدري أم لا؟ يدري {ليهلك من هلك عن بينة من بعد ما تبين لهم الهدى}.
ومن هنا السيد الشهيد &، التفتوا لي وافتحوا لها قوس واذهبوا راجعوها، في شرحه للعروة الوثقى يقول: [الإمامة في صدر الاسلام كانت من ضروريات الدين ] ومنكر الضرورة ماذا يكون؟ لا أعلم هذا الأمر لكم يقول: [نعم بعد ذلك لما اكتنفها من عوامل الغموض والالتباس والإعلام المضاد صارت القضية مبهمة، فخرجت عن ضروريتها ] الآن نحن لا علاقة لنا بذلك، نحن المهم عندنا هو صدر الإسلام، صدر الإسلام يقول: الإمامة، وبعض الجهلة تصوروا أصل الإمامة، لا لا لا، إمامة من؟ إمامة علي ×، يقول: من ضروريات الدين كانت، كالصلاًة كالصوم كالحج، ولذلك أحكام أيضاً تختلف، خرجنا من البحث.
قال: [إن الأولياء قد يكون لأحدهم من علوم الولاية ما هو أكثر من علوم ولاية أولي العزم من الرسل الذين هم أعلى منهم] أعلى منهم في ماذا؟ في علوم الشريعة بحسب اعتقاده [وأنا أرى ] هذا قول: الآلوسي، فهو كان ينقل كلام السيوطي، والآن هو يقول: [وأنا أرى إن ما يحصل لهم من علم الحقيقة] لمن يحصل؟ لهؤلاء الأولياء الذين ليس بأنبياء [وأنا أرى إن ما يحصل لهم من علم الحقيقة أكثر مما يحصل للأولياء الذي ليسوا بأنبياء… إلى آخره ].
إذن هذه المسألة إخواني الأعزاء بين المحققين من المدرستين، يعني مدرسة أهل البيت^ معتقدين هذا المعنى، وأيضاً مدرسة الصحابة معتقدين هذا المعنى، وهو أنه لا تلازم بين علوم الشريعة وعلوم الحقيقة، قد يكون أعلم بعلوم الشريعة وليس أعلم بعلوم الحقيقة، وقد يكون بالعكس، ثم والمدار على علوم الحقيقة لا على علوم الشريعة بعد هذا بحث آخر.
(أحد الحاضرين):…..
ج/ كيف؟ لالا لماذا كل الاوصياء عندهم علم الشريعة، نعم إلاّ أن تقول: يعني يأتي بشريعة جديدة، نعم هذا مختص بالأنبياء، ولذا >لا نبي بعدي< هذه لا نبي بعدي، يعني هذه الشريعة بهذا الاطار العام الذي جئت به فانه لا يمكن أن ينسخ وتأتي بعده شريعة أخرى، ولكن هذه في داخله يوجد تغييرات وتفاعلات ذاك بحث آخر.
(أحد الحاضرين):…..
ج/ هو لم يذكر ولكن يريد أن يصدر القاعدة، لالا ما يذكر هو، هو ما يذكر لا أعلم اسأله من؟ لا ادري لمن يقول: واقعا، هو لم يذكر ولكن أنا قلت: يقع الاختلاف بيني وبينه، اسأله من هو؟ قد يقول: هو محيين الدين، فليقل ذلك، لا علاقة لي به أنا، ولكنه الكلام إن المبدأ يثبته، يعني هذا الأصل العقدي الذي في مدرسة أهل البيت ^ يؤمن به الآلوسي والسيوطي.
إذن هذا المبدأ ليس من اختراعات مدرسة أهل البيت ^، بل هو موجود عند مدرسة الصحابة، نعم اختلافنا معهم في المصداق، كما ذكرنا هذا المعنى في مسألة العصمة أيضاً، قلنا مسألة العصمة متفق عليها أن الجميع يقول: يوجد معصوم بعد رسول الله ’، ولكنهم يقولون المعصوم هم الصحابة، البعض يقول: المعصوم الإجماع، نحن قلنا المعصوم هم أهل البيت ^، إذن المبدأ لا يوجد خلاف عليه، وإنما الخلاف أين؟ أنا أقول: هذا الكلام باعتبار إن البعض يحاول أن يصور أن القواعد الني أسست لها مدرسة أهل البيت ^ هذه قواعد لم يقل بها أحد من علماء المسلمين، لا ليس الأمر كذلك.
المطلب الآخر الذي أود أن أشير إليه وهو أن هذا ما يتعلق بالتسبيح والتقديس، تعالوا معنا إلى صفحة (257) في السطر الرابع قال: (والتسبيح أعم من التقديس) ما هو التسبيح (لأنه) هذا الضمير في لأنه على من يعود؟ على التسبيح بشهادة قوله بعد ذلك (والتقديس) (لأنه) أي التسبيح (تنزيه الحق عن نقائص الإمكان والحدوث، والتقديس تنزيهه عنها وعن الكمالات) وهذا لازمه إن التقديس يكون أعم، لازم هذا البيان أو ظاهره على الأقل، يقول: التقديس تنزيهه عن نقائص الإمكان والحدوث والكمالات اللازمة، التسبيح ما هو؟ فقط تلك، وتلك واضح بعد أن هذا يكون أعم وذاك يكون أخص، ولذا تجدون الشيخ حسن زادة عندما جاء اضطر أن يعكس قال: [تسبيح أعم از تقديس است زيرا تقديس تنزيه حق تعالى از نقائص إمكاني وحدوث، وتسبيح تنزيه حق تعالى از اون نقائص وكمالات لازمة] عكس الأمر، مع إنه في صدر العبارة يقول: التسبيح أعم من التقديس، ولكن عندما شرح ماذا فعل؟ عكس.
الجواب: الحق مع المتن هنا، لأنّ المتن هكذا يريد أن يقول: التسبيح هو تنزيه الحق عن نقائص الإمكان والحدوث، أعم من أن يكون معه تنزيه عن الكمالات أو لا يكون، هذا يكون أعم؟ أما عندما وصل إلى التقديس قال: التنزيه والتنزيه عن الكمالات.
إذن هذا الذي ذكره شيخنا الاستاذ حسن زاده الذي عكس الأمر في غير محله، بيان القيصري هو البيان التام في المسألة، ولكن باضافة هذا القيد وهو أن التسبيح هو تنزيه الحق تعالى عن نقائص الإمكان والحدوث مطلقا، مطلقا يعني ماذا؟ أي أعم من يكون معه تنزيه عن الكمالات اللازمة أم لا، أما عندما نأتي إلى التقديس نقول: تنزيهه عن النقائص وعن الكمالات اللازمة، فيكون أخص من التسبيح، هذا الأمر الثاني.
الأمر الثالث: الذي لابُدّ أن يشار إليه وهو هذا البيان الذي لابُدّ أن اقرأه لكم، لأبي العلاء العفيفي، هناك عنده بيان في صفحة (14) من الشرح من التعليقة، يعني في التعليقة رقم (8): (وليس للملائكة جمعية آدم…. إلى آخرة) يقول: [وكل ما كان الكائن أعلى درجة في الوجود من غيره، كل ما كان مظهرا لعدد أكبر من صفات الله واسمائه، كان أعظم في تسبيحه وتقديسه لله، والإنسان من بين الكائنات كلها هو الذي يسبح الله ويقدسه أعلى مراتب التسبيح والتقديس] التفتوا جيدا انظروا هذه مشكلة هؤلاء، هو الإنسان أي إنسان؟ حتى {تبت يدا أبي لهب} في أعلى مراتب التسبيح والتقديس، حتى فراعنة البشرية أعلى تقديسا من الملائكة؟ هذا مقصود الآية المباركة، ولكن لأنّ هؤلاء لم يؤمنوا بنظرية الإمامة، فإذا خصصوها بأن الإنسان الكامل هذا مقامه، فإنهم سوف يُسألون من هو هذا؟
وحيث أنهم لا جواب لهم عن هذا يدفعون النظرية إلى التوسع، فجعلوها معلقة بين السماء والأرض، الإنسان الأمثل، من هذا إنسان؟ ليس في الهواء المعلق، أي إنسان هذا الذي هو أعلى تسبيحا من الملائكة المقربين؟ أي إنسان؟ واقعا أبو جهل؟ واقعا فرعون، واقعا الطواغيت، واقعا هؤلاء الذين قالوا {أنا ربكم الاعلى}، هؤلاء أعلى؟
التفتوا إلى العبارة [والإنسان من بين الكائنات ] إذن هو يتكلم عن هذا النوع بما له من الأفراد [كلها هو الذي يسبح الله وقدسه أعلى مراتب التسبيح والتقديس، لأنه مظهر الكمالات الإلهية جميعها] الآن التفتوا جيدا [غير أن الذي ما يسميه ابن عربي كمالا يجب أن لا يفهم منه الكمال الخلقي وحده ] وهذه نكتة أساسية يشير إليها، وهي قاعدة أساسية لا تخلطون فيها، إذا خلطتم فيها ولم تلتفتوا إليه هذا الكتاب لا تفهموه جيدا، يقول: عندما يقول: ابن عربي كمال، لا يذهب ذهنك إلى الكمال الاخلاقي يعني الذي يقرب إلى الله، لا، حتى في الذي يبعد عن الله يوجد كمال، لأنّ هذه الكمالات وجودية، وكمال الوجودي فهو في درجات الجنة كمال، وأيضاً هو في درجات الجحيم كمال، ولكنه كمال وجودي وليس كمال قربي إلى الله سبحانه وتعالى.
إذن نحن نستطيع أن نقول: في كربلاء تنازع فريقان كل منهما بلغ إلى غاية الكمال، عجيب، ابن سعد بلغ إلى غاية الكمال؟ لالالا، لا تخلط، لا تغالط، عمر بن سعد بلغ مراتب الكمال في الشقاء، لا يوجد اشقى من هذا، وهؤلاء بلغوا مراتب الكمال في السعادة، وإلاّ واقعا، وإلاّ بينكم بين الله هل كل إنسان يستطيع أن يقتل الطفل الرضيع؟ كل شقي يستطيع أن يقوم بهذا الفعل الشنيع؟ والله عصفور ما يستطيع أن.
إذن هذا بلغ مراتب الكمال في الشقاء، فلذا عبّر أمير المؤمنين× عن ابن ملجم: أنه >أشقى الاشقياء< وأشقى هذه صيغة مبالغة، أشقى الأولين والآخرين، لأنه كان يعرف إن علي بن أبي طالب× من هو، >أشقاها< هذا أشقاها، والآن أنت هنا إذا جئت ووجدته في بعض الموارد بدأ يتكلم عن الكمال وإن بعض الأمم افترض التي تناهت في الكفر كذا وجدت هكذا كمال، عجيب هذا الكفر يعتبره كما، يا أخي أنت التفت إلى أي كمال هو يريد، هذا ليس هو الكمال الاخلاقي، ليس كمال النسبي، هذا الكمال الوجودي، الذي في هذا البعد يذهب إلى السعادة والى القرب الإلهي، وفي ذلك البعد يذهب إلى البعد الإلهي.
قال: [غير أن ما يسميه ابن عربي كمالا يجب أن لا يفهم منه الكمال الخلقي وحده، بل الكمال عنده كل صفة وجودية أو كل صفة تحقق والوجود في ناحية من نواحيه، سواء أكانت الصفة أخلاقية أم غير اخلاقية، خيرا كانت بحسب القياس أم شرا، فالطاعة من العبد كمال وهي من مظاهر اسم المنعم أو اسم الرحيم أو ما شاكلهما من اسماء الجمال، والمعصية من العبد] نعم هذه المشكلة هنا، إذا تقول: الإنسان بمعصيته لله تعالى بلغ درجات الكمال، يقول: الناس انظروا هؤلاء العرفاء فإنهم لا يفرقون بين الطاعة والمعصية، يقول: اعصي مثل ماذا؟ هنا المشكلة، لا أعلم هل اتضح المطلب أم لا؟ أنا الله يعلم إنما قرأت هذه العبارة حتى تلتفتون، لأنها سوف تأتي بعد ذلك بحثها، هذه واحدة من مشاكل البحث العرفاني، لأنه بعد ذلك عندما يأتي ويقول: إن هؤلاء انتقدوا آدم؟ آدم من هو؟ قالوا له {يفسد فيها ويسفك الدماء} يقول: الله تعالى لم يجبهم إلاّ بجوابين:
أولاً: الجواب الذي ذكره سابقا، ماذا قال؟ قال: هذا الذي وقع فيه آدم أنتم أيضاً وقعتم فيه.
ثانياً: أن ما قلتموه نقص ليس بنقص، بل هذا كمال الإنسان، عجيب يسفك الدماء ويفسد في الأرض هذا كمال أم لا؟ بينك وبين الله هل تجرأ أنت علة أن تقول: ذلك إمام الفقيه.
هذه المقدمة إن شاء الله تعالى بعد ذلك تنفعنا كثيرا هناك، لأنّ هذا بحثه سيأتي، تعالوا معنا إلى صفحة (261) السطر الثامن أو السابع: (وعرف أنه مسبح في مراتب نقصانه، كما أنه مسبح في مراتب كماله، فنقصانه أيضاً من وجه كماله) أي نقصان؟ نقصان سفك الدماء والقتل والافساد، يقول: هذا من وجه كمال ماذا؟ هذا بيانه إن شاء الله بعد ذلك سيأتي.
يقول: [والمعصية من العبد أيضاً كمال لأنها صفة وجودية وهي من مظاهر اسم الجبار أو المنتقم أو المعذب ومن هنا كانت الطبيعة الإنسانية اكمل من طبيعة الملائكة، لأنها تحقق من معاني الوجود، ما لا تحققه الطبيعة الملائكية، فطبيعة الإنسان بدنية روحية معا، وطبيعة ملائكة روحة فقط ] هذا الأمر الثالث.
تعالوا معنا إلى الكتاب: (تنبه) في هذا التنبيه يريد أن يشير إلى هذه القاعدة والتي أشرنا إليها مرارا، يقول: الآن قد حصلت مقاولة هنا، يعني هذه المحادثة التي وقعت {وإذ قال: ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} إذن الله تكلم مع الملائكة والملائكة ماذا قالوا؟ {قالوا أتجعل فيها} يعني ماذا هذه اللغة التي استعملوها أي لغة كانت؟ العربية العبرية الهندية الباكستانية الافغانية الفارسية، أي لغة استعملوها هنا؟ انكليزية؟ أي لغة استعملوها هنا، يقول: هنا لابُدّ أن تلتفتوا، هو هنا بصدد تأسيس قاعدة، يقول: المقاولات في القرآن الكريم أو في الروايات، من أجل أن تعرف حقيقة المقاولة لابُدّ أن ينظر إلى النشأة التي وقعت فيها المحادثة والمقاولة، فإن كانت نشأة حسية، هذه الأصوات والكلمات والحروف، إذا كانت نشأة مثالية.
سؤال: التفتوا إليّ، لا أعلم أنتم تتذكرون اليوم عندما استيقظتم هل تأملتم أنه أنت في النوم كنت تتكلم والطرف الآخر أيضاً كان يتكلم وأنت تسمعه، هذه المرة تأمل إذا ما كنت متأملا، أصلاً كان هنا صوت في النوم؟ أم هناك فهم؟ هذه تأملوها، أطمأنوا ستصلون إلى نتيجة أنه ما كان يوجد صوت بل أنا أفتهم أنه ماذا كان يقول، وأمر طبيعي كلمات موجودة حروف موجودة، ولكن أصوات بهذا المعنى غير موجودة، هذه القضية المثالية، الآن في القضية المثالية لها وجه شبه بالوضع الحسي، لأنّ العالم المثالي قريب من الوضع من العالم الحسي، وعندما ننتقل إلى العالم العقلي، هناك لا ألفاظ ولا كلمات ولا حروف ولا تصورات ولا تصديقات ولا علوم حصولية
إذن فما معنى قالوا قالوا قالوا؟ يقول: هناك ما يقرب من الكلام النفسي، الذي قرأتوا مقداراً منه في علم الأصول وهو أنه أساسا يفهم ويفهم منه هذه مرتبة، ثم يصعد إلى مرتبة أخرى يقول: عندنا الكلام الإلهي الكلام الذاتي والقول الذاتي، نحن إلى الآن كنا نتكلم في الكلام والقول في مقام الفعل، ينتقل إلى مرحلة يسميها الكلام في مقام الذات، وهذا البحث أنا أتصور في ذهني تقدم في أبحاث سابقة مفصلاً أنا فقط أشير إليه.
(اعلم إن هذه المقاولة تختلف باختلاف العوالم، التي يقع التقاول فيها فإن كان) هذا التقاول (واقعا في العالم المثالي هو شبيه المكالمة الحسية) والمراد من المثال عالم الرؤيا، أعم من أن يكون المثال المتصل أو المثال المنفصل، (وذلك بأن يتجلى لهم الحق تعالى تجليا مثاليا) بحسب الصور المختلفة، بحسب صور اعتقادات الإنسان أفعال الإنسان ونحو ذلك (كتجليه لأهل الآخرة بالصور المختلفة كما نطق به حديث التحول).
بناء على بعض الروايات التي وردت في مدرسة الصحابة بأن الله سبحانه وتعالى يتصور لطبقة بما هو يعتقده أو فعله، (وإن كان التقاول واقعا في عالم الأرواح) إذا تتذكرون في ما سبق مرارا قلنا بأن تعبير الأرواح المراد منه عالم العقول، تتذكرون، لا أعلم في أي صفحة من الكتاب، قد يكون في صفحة (49) أو (48) تتذكرون أين كان هذا، أنه يعبر، صفحة (53) (ولذلك يقال للعقل الأول روح القدس وما يسمى بالنفس يسمى كذا…. وهي شاهدة إلى آخره) يبين هناك إن التعبير وما يسمى باصطلاح الحكماء بالعقل المجرد، يسمى باصطلاح أهل الله بالروح في آخر صفحة (53).
قال: (وان كان واقعا التقاول في عالم الأرواح من حيث تجردها فهو كالكلام النفسي فيكون) كالكلام النفسي بيّنه؟ يقول: (فيكون قول: الله لهم) يعني للملائكة الذين هم عقول مجردة (فيكون قول الله لهم إلقاؤه في قلوبه المعنى المراد) هذا يلقى في روعه أن هذا المعنى هو المراد، وفي المقام ماذا كان؟ (وهو جعله خليفة في الأرض غير الملائكة) وما معنى أنه {قالوا أتجعل} قولهم ما هو؟ قال: (وقولهم) هذه خبر فيكون، يعني فيكون قول الله فيكون قولهم (وقولهم) ما هو قولهم؟ ليس أنه توجد كلمات وألفاظ أبداً (وقولهم عدم رضاهم بذلك، وإنكارهم له) أي لهذا الأمر الإلهي، هذا عدم الرضا والإنكار، ماذا صفة عدم الرضا والإنكار (الناشئين) هذه صفة عدم وإنكار (عدم رضاهم بذلك، وإنكارهم له) ما هو هذا الرضا والإنكار (الناشئين) لماذا لم يرضوا؟ ولماذا أنكروا أن يكون الإنسان خليفة؟
يقول: سببه (الناشئين من احتجابهم برؤية أنفسهم) هؤلاء نظروا إلى أنفسهم فحجبهم عن رؤية الإنسان الكامل (الناشئين من احتجابهم برؤية أنفسهم وتسبيحهم) يعني رؤية أنفسهم ورؤية تسبيحهم حيث قالوا {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} الناشئين من احتجابهم عن ماذا، هذه (عن) متعلق باحتجاب، (عن مرتبة من هو أكمل منهم واطلاعهم) يعني هذا حجبهم عن رؤية من هو أكمل منهم (واطلاعهم على نقائصه دون كمالاتهم) وقفوا عند البعد السلبي من الإنسان، أو البعد النقصي من الإنسان، ولم يقفوا على البعد الايجابي من الإنسان (ومن هذا التنبيه) أي تنبيه؟ وهو أنه أنواع التقاول (يتنبه الفطن على كلام الله ومراتب كلام الله) إذن كلام الله الحسي له معنى، وكلام الله المثالي له معنى، وكلام الله الروحي أو العقلي له معنى.
هذا كله مازلنا في مقام الفعل، الآن ننتقل إلى الذات، قال: (فان الكلام عين المتكلم) أين؟ في أي مرتبة هذه؟ مرتبة الذات، هذا من قبيل أن العلم عين العالم في مرتبة، أي مرتبة العلم عين العالم؟ الذات، لأنه العلم عين العالم في مقام الذات وإلاّ العلم الفعلي ليس عين الذات بل هو خارج عن الذات، ولكنه عين الفعل، هذه إشارة إلى الكلام الذاتي، وهذا إذا تتذكرون وقع الخلاف فيه مفصلاً.
إن الكلام هل هو من الصفات الذاتية، كالعلم والقدرة والسمع والبصر، أو أنه ليس الكلام من الصفات الذاتية، العرفاء يعتقدون أنه من الصفات الذاتية، الآن نقرأ العبارة إن شاء الله في الدرس اللاحق ابيّنه، (فان الكلام عين المتكلم في مرتبة، والكلام عين معنى قائم) يعني والكلام معنى قائم (بالمتكلم في أخرى كالكلام النفسي) يعني في عالم الأرواح والعقول: والمجردة، (وأنه) يعني الكلام (مركب من الحروف، ومعبّر بها) أي بالحروف (في عالمي المثالي والحسي بحسبهما) بحسب عالم المثال والحس، هنا توجد مادة وهناك لا توجد مادة (كما بيّنا في رسالتنا المسماة بكشف الحجاب عن كلام رب الأرباب والله أعلم, فلو عرفوا, هذه تبقى طلبكم انشاء الله الكلام الذاتي الكلام صفة ذاتية أبينه إجمالاً وندخل في البحث اللاحق.
والحمد لله رب العالمين.