نصوص ومقالات مختارة

  • نظرية الإنسان الكامل (86)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    فقط بقي لنا مطلب من المباحث السابقة ووعدنا هذا اليوم أن نشير إليه إجمالا لأنه تقدم الحديث عنه، وهو أنه الكلام الذاتي، هل أن الكلام صفة من صفات الذات أم لا؟ تعلمون بأنه الصفات الذاتية هي عين الذات وجودا، وإن كانت مختلفة عنها مفهوما بحسب نفس الأمر والواقع، ثم وقع البحث في أنه ما هي الصفات الذاتية؟ لا إشكال إن الحياة من الصفات الذاتية، ولا إشكال إن العلم والقدرة من الصفات الذاتية، وبعد ذلك وقع الكلام في السمع والبصر والكلام والإرادة، هذه الصفات الأربعة الباقية، والكلام مفصل في أنها هل من الصفات الذاتية أم لا؟ خصوصا فيما يتعلق بالإرادة والكلام.

    فيما يتعلق بالإرادة فلعله الكثير من الروايات تشير إلى أنها صفة فعل، وليست صفة ذات.

    وفيما يتعلق بالكلام جملة من الحكماء آمن بان الكلام أيضاً من الصفات الذاتية، العرفاء أيضاً يعتقدون أو بعض العرفاء يعتقد أن الكلام من الصفات الذاتية، وبيان كون الكلام صفة ذاتية هو ما أشار إليه السيد الطباطبائي في نهاية الحكمة صفحة (307).

    بعبارة أخرى الفصل السادس عشر من المرحلة الثانية عشرة، هناك قال: [عدوهما ] أي الإرادة والكلام [عدوهما في المشهور من الصفات الذاتية للواجب تعالى ] ثم بيّن أساسا ما معنى الكلام قال: بأنه [بالكلام يظهر المضمر ] يعني إذا كان هناك شيء بظهوره يدل على شيء آخر مستور هذا نسميه كلمة، ونقول: الذي أوجد هذا الشيء هذا كلامه، والذي أوجد هذه الكلمات وكلامه نقول: عنه متكلم، ولذا تعبير [كان هناك موجود حقيقي دال على شيء دلالة حقيقية غير اعتبارية، كالأثر الدال على المؤثر والمعلول الدال بما فيه من الكمال الوجودي، على ما في علته من الكمال بنحو أعلى واشرف كان، كان أحق بان يسمى كلاما، لأصالة وجودها وقوة دلالتها].

    إذن نحن نستطيع أن نضع يدنا على هذه الموجودات الإمكانية نقول: هي كلمات الحق والآيات القرآنية أيضاً تثبت هذه، [ونقول: هذا كلام الحق وان الله تكلم ] ما معنى تكلم؟ يعني أوجد ألفاظا؟ الجواب أوجد أفعالا، كلامه فعله فلذا ورد عن أمير المؤمنين ×: >إنما قوله فعله< {إنما قوله لشيء إذا أراد كن فيكون} يقول: إنما قوله فعله.

    إلى هنا هذا الكلام في مرتبة الفعل، وليس الكلام في مرتبة الذات، ولكن تصوير الكلام في مرتبة الذات، دع ذهنك هنا، هو أنه إذا تتذكرون إننا عندما جئنا إلى الصقع الربوبي، قلنا: عندنا مقام الواحدية، وعندنا مقام الأحدية، وإذا نظرنا إليهما، فمقام الأحدية الوجه الباطن ومقام الواحدية الوجه الظاهر، يعني مقام الاسماء والصفات، مقام الكثرة، وإذا كان الأمر كذلك إذن يمكن أن يكون مقام الواحدية كلام بالنسبة إلى مقام الأحدية، وهو مرتبط بمقام الصقع الربوبي فيكون كلاما ذاتيا؛ ولذا قال: [ولو كان هناك موجود بسيط الذات من كل جهة] وهو واجب الوجود [ له كل كمال في الوجود بنحو أعلى وأشرف، يكشف] هذا محل الشاهد [بتفاصيل صفاته واسمائه] هذه واسمائه غير موجودة في النص، ولكن أنا أضيف [أي في مقام الواحدية، عن إجمال ذاته، في مقام الأحدية، كالواجب فهو كلام يدل بذاته على ذاته ] [يدل بذاته] الواحدية، [على ذاته ] الأحدية، والمفروض إن الواحدية والأحدية كلاهما مرتبط بالصقع الربوبي.

    يقول: [فهو كلام يدل بذاته على ذاته، والإجمال عين التفصيل] المراد من الإجمال يعني البساطة، لا أعلم هذا واضح؟ ومن هنا هؤلاء آمنوا بأنه لله سبحانه وتعالى كما يوجد له كلام في مقام الفعل، يوجد عنده كلام في مقام الذات، ولذا انظروا إلى عبارة القيصري ماذا قال؟

    قال: (ومن هذا التنبيه يتنبه الفطن على كلام الله ومراتب كلام الله فانه) أي كلام الله (عين المتكلم في مرتبة) أي مرتبة؟ مرتبة الذات، في مرتبة الذات الكلام عين المتكلم، >يا من دل على ذاته بذاته< فكيف يمكن أن يكون الذات هي المدلولة، والذات هي الدالة، ونحن أرجعنا الكلام إلى الدلالة، لا شيء آخر، وهنا توجد عندنا دلالة، دلت ذاته على ذاته، ولكن مع اختلاف الدرجة ومع اختلاف المقام، ومع اختلاف المرتبة، يعني دلت ذاته في مرتبة الواحدية على ذاته في مرتبة الأحدية، الآن على المبنى، الذي يقبل المبنى هذا ثابت، الذي لا يقبل المبنى فهو حر.

    هذا المعنى أيضاً السيد الطباطبائي بشكل اوضح مما ذكره هنا ورد في الميزان الجزء الثاني صفحة (326) في ذيل الآية (253- 254) من سورة البقرة، عنده هناك بحث بعنوان بحث فلسفي يقول: في صفحة (325) إلى أن يأتي: [بل الدقة الدلالة على المعنى يوجب القول بكون الذات بنفسها دالة على نفسها، فان الدلالة بالآخرة شأن وجودي، ليس ولا يكون لشيء بنحو الأصالة إلاّ لله بالله ] يقول: إذا كانت الدلالة أمر وجودي، فإذن أولا وبالذات ثابتة لله ثم ثابتة للغير [فكل شيء دلالته على بارئه وموجده فرع دلالة مّا منه على نفسه ودلالته لله بالحقيقة، فالله سبحانه هو الدال على نفس هذا الشيء الدال وعلى دلالته لغيره، فهو سبحانه دال على ذاته بذاته، وهو الدال على جميع مصنوعاته.

    فتحصل بهذا البيان أن من الكلام ما هو صفة الذات، وهو الذات من حيث دلالتها على الذات، ومنه ما هو صفة الفعل وهو الخلق والإيجاد ] إذن يقسم الكلام إلى:

    1- كلام ذاتي.

    2- وكلام فعلي.

    هذا هو بيانه هناك في صفحة (326)، يقبل أو لا يقبل؟ يقول: [أقول: ما نقلنا] ثم يبدأ بالمناقشة، يقول: لا لم يثبت أن الكلام من الصفات الذاتية، واضح هذا البحث صار؟ الإخوة يرجعون إليه.

    نرجع إلى المتن: (فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا) بعبارة واضحة >رحم الله امرأ عرف قدر نفسه< أنا لا اعرف، لا عرفوا قدر أنفسهم ولا عرفوا قدر الإنسان الكامل، وإلاّ لو عرفوا قدر أنفسهم {ما منا إلاّ له مقام معلوم}، ولو عرفوا قدر الإنسان الكامل أنه قادر على أن يصل إلى ما لم يصلوا إليه، لاتهموه لطعنوا فيه أو لم يطعنوا؟ لم يطعنوا، يعني لعصموا.

    إذن قال: (فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا) إخواني الأعزاء، الآن كانت قضية في واقعة كما ظاهر هذه العبارات، أو كانت هي سنن وقواعد إلهية، في النتيجة هذه كلها لتأديبنا نحن، إن الإنسان ينبغي أن يعرف قدر نفسه، وإذا أراد أن يعترض على الآخرين، ينبغي أن يعرفهم حتى يعترض أو لا يعترض، وهذا المعنى سيصرح به الشيخ، يعني في المتن، تعالوا معنا إلى صفحة (262) في السطر الثالث، في آخر هذه لعله تم لنا شهر ونحن مازلنا في هذا البحث، يقول: (فوصف الحق لنا ما جرى) هذا أين جرى؟ هذا الذي جرى أين جرى؟

    فلهذا القيصري متحير، يقول: هذا الذي جرى، جرى في الأعيان الثابتة، أم جرى في العين الخارجية؟ الله اعلم لا ندري أين جرى (فوصف الحق لنا ما جرى، لنقف عنده، ونتعلم الأدب مع الله، فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى) الآن أبينها لك، إن شاء الله بعد ذلك أشرحها، لأن هؤلاء ماذا قالوا؟ بعد ذلك إشكال من طرف آدم إذا أراد آدم أن يتكلم، يقول: والله بالله صحيح نحن فينا نقص، ولكن نقصكم أكبر بكثير من نقصنا، لأنكم تقولون {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} على نحو الإطلاق والعموم، الآن بينك بين الله أنتم تستطيعون أن تقدسوا الله وتسبحوه على ما ينبغي، أم على قدر أنفسكم؟ لماذا لم تقرأوا التسبيح؟

    إذن أنتم أهل التكبر، أنتم أهل الادعاء، نحن لم ندعي شيء، بل بالعكس نحن أهل العصيان وأهل الانكسار والدعوة إلهي اغفر لنا، أنتم أهل الادعاءات، {ونحن} كم هي كبيرة وأمام الله تعالى، وليس إمام بقال، هذه نحن فيها ثمن؟ الله واحد يقف أمامه ويقول: له نحن، هذه ثقيلة جدا، وهو المعطي وهو وهو وهو، من قبيل بينك وبين الله والدك معطيك كل شيء حتى هذا الثوب الذي أنت تلبسه والأكل الذي تأكله وأنت تقف وتقول له: نحن لا نرى ذلك، فماذا يقول لك؟ يقول لك: ومن أنت وماذا تملك من العلم، هذا المثال مضحك وبشدة؛ لأنه بالنتيجة وجوده من الله، ولكن الأمور الظاهرية من الوالد، لا الله المعطي وواحد يقف أمامه ويقول له: نحن، يقول له: أنا، هذا الذي يقول: عليه (فلا ندعي) هذا الادعاء نحن (ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد) ندعيه بالاطلاق، نحن نسبح الله ولكن بقدرنا، ولكن ماذا نقول؟ بالاطلاق (فكيف أن نطلق بالدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال، ولا نحن عنه على علم، فنفتضح) الله هذه القصة كلها ذكرها لنا حتى نتعلم هذه القواعد، حتى نتأدب، وهذا الذي أنا أقوله، أقول: هذه ليست هي قضية في واقعة، الله تعالى يقص علينا قصة، ولكن هذه القصة مملوءة عبر، مملوءة قواعد مملوءة سنن، لتربية هذا الإنسان، بحثه سيأتي إن شاء الله تعالى، على أي الأحوال.

    قال: (فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا، أي لو عرفوا ذواتهم وحقائقهم، لعلموا لوازمها) ما هي لوازمها؟ (من كمالاتها ونقائصها، وعدم علمها بمرتبة الإنسان الكامل) هؤلاء أيضاً ما عرفوا الإنسان الكامل، ما قدروا الإنسان الكامل حق قدره، (وبان لله تعالى اسماء ما تحققوا) هؤلاء الملائكة المعترضين (بها) أي بتلك الاسماء (ولو علموا ذلك) يعني لو علموا أنفسهم وقدر أنفسهم ولوازمها ومرتبتها وعلموا الإنسان الكامل (لعصموا من نقائص الجرح لغيرهم وتزكية أنفسهم) {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} (ولما كان العلم اليقيني) ظاهرا مراده من العلم اليقيني هنا يعني العلم الحصولي، بقرينة قوله بعد ذلك يقول: (ولما كان العلم يقيني موجبا لخلاص النفس عن الوقوع في المهالك غالبا) هذا الذي به غالبا لا دائما هو العلم الحصولي، أما العلم الشهودي يلازمه الانكشاف، قال: (ولو علموا لعصموا) نقطة انتهى البحث.

    (ولكنه لم يعلموا فلم يعصموا) إذا كانت قضية في واقعة، ثم الآن ينتقل إلى المرحلة اللاحق يقول: هؤلاء لم يكتفوا بجرحهم وطعنهم بالإنسان، بل ماذا؟ (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا بالدعوى) ماذا ادعوا؟ {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} على نحو الاطلاق لا على نحو التقييد، يعني التسبيح الذي تريده فهو حاصل بنا، والتقديس الذي تريده فهو حاصل منا، مع أنه يمكن أن يحصل منهم أم لا؟ لا يمكن لأن هؤلاء {ما منا إلاّ له مقام معلوم }.

    إذن لعل الله سبحانه وتعالى لا أقل لو احتمل الملائكة هذا الاحتمال وهو أن هناك من التسبيح والتقديس ما لا يوجد عندهم، إذن لعل هذا الإنسان هذا الموجود هذا الخليفة يقوم بذلك التسبيح وبذلك التقديس فكان ينبغي أن يقولوا سمعا وطاعة، كان ينبغي أن يقولوا أولا لا آخرا {لا علم لنا إلاّ ما علمتنا} هذا الذي قالوه في الأخير كان ينبغي أن يقولوه أولا (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح، أي ما اكتفوا بالطعن والجرح في آدم) يعني في الخليفة (بل زكوا أنفسهم) {لا تزكوا أنفسكم} (بل زكوا أنفسهم وظهروا بدعوى التقديس والتسبيح ولو علموا حقائقهم لعلموا) هنا عجيب هذا كيف يتهم الملائكة؟

    القيصري يقول: إن هؤلاء ما علموا بقولهم {ونحن} هذا من الشرك الخفي، لأنه في الواقع أنت المسبح أم الملائكة الله يسبح بلسان المظهر؟ بعبارة أخرى: أنت ترمي أم الله يرمي؟ {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}، وما سبحت إذ سبحت ولكن الله سبّح، يقول: (ولو علموا حقائقهم، لعلموا إن الحق تعالى هو المسبح هو المقدس لنفسه في مظاهرهم) يعني بلسان مظاهرهم (وإن هذه الدعوى توجب الشرك الخفي) وشرك كل موجود بحسبه، لا يذهب ذهنك إلى الشرك وان هؤلاء منهيين عنه، لأن عالم الملائكة ليس كعالم التكليف وليس عالم التشريع ونحو ذلك، حتى اربط المتنين معا.

    (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح وعند آدم من الاسماء) والحال أنه الاسماء الموجودة آدم ويعرفها آدم ويسبح بها غير موجودة عندهم (وعند آدم من الاسماء الإلهية ما لم تكلن الملائكة) هذا ضمير الملائكة أقول: ألف ولام الملائكة، أي ملائكة يقول: هذا مطلق الملائكة لا يشترط أن يكون بعض الملائكة، لأننا في الطاعنين قلنا: بعض الملائكة، يعني على رأي القيصري، ونحن لم نوافق على ذلك، ولكنه هو يقول: في الطاعنين قلنا بعض الملائكة، أما في المسبحين بعض الملائكة؟

    الجواب: كلا، كل الملائكة ما منهم إلاّ وله مقام معلوم.

    إذن ما لم تكن الملائكة، أي ألف ولام؟ هذه ألف لام الجنس، كل الملائكة (ما لم تكن الملائكة تقف عليها) والشاهد على ذلك روايات واردة من الفريقين من علماء المسلمين >لو دنوت أنملة لاحترقت< قال: >أفي مثل هذا الموضع تخذلني؟ قال: لم يطأه احد قبلك ولم يطأه أحد بعدك< {ما منا إلاّ وله مقام معلوم} وهو أمين الوحي.

    (احد الحاضرين) :….

    ج/ علم الملائكة سابق؟ أنا أيضاً أقول: علم الملائكة سابق؟ يعني الملائكة واسطة فيض بالنسبة لآدم؟ سيدنا أنت تقول: الكلمة قف عندها إذا قدرت، أنت تقول: علم الملائكة سابق على من؟ إذن تعلم آدم ممن؟

    (وعند آدم من الاسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عندها) مرارا ذكرنا مولانا، هذه علم ليست زمانية، وليس أنه متأخر زمانا، هل أعيد الأبحاث السابقة، يا مولاي، قلنا آدم هو واسطة الفيض، {يا آدم أنبئهم باسمائهم} إذن الصادر الأول هو المتعلم من الله ثم >سبحنا فسبحت الملائكة قدسنا فقدست الملائكة كبرنا فكبرت الملائكة <.

    (وعند آدم من الاسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها، فما) الملائكة (سبحت ربها بها) أي بتلك الاسماء التي لم تكن عند الملائكة بل كانت عند آدم (فما سبحت الملائكة ربها بتلك الاسماء التي عند آدم، ولا قدست الملائكة ربها عنها) كما بيّناه (تقديس آدم وتسبيحه) هذا على نحو اللف والنشر غير المرتب، لأنه قال: (فما سبحت ولكن تقديس آدم وتسبيحه) مفعول مطلق ولكن على نحو اللف والنشر غير المؤتب.

    سؤال: يقول نحن عندنا كم مسألة هنا، التفتوا لي جيدا؟

    المسألة الأولى: من هم الطاعنون، وقع الخلاف أنه كل الملائكة أم بعضهم، هذا انتهينا منه، ونحن لم نوافق القيصري على ما ذكره.

    المسألة الثانية: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} هذا بعض الملائكة أم كل الملائكة؟ يقول: سواء كان البعض أو الكل لا يفرق هنا، لأنه واقعا كل الملائكة لهم مقام معلوم وكل الملائكة لهم ما منا إلاّ وله مقام معلوم، الملائكة هنا في تعبيره (ما لم تكن الملائكة تقف عليها) الملائكة هنا هم الطاعنون في آدم، أو الملائكة مطلقا لا يفرق سواء كان هذا هو المراد أو كان ذاك، يعن كانت الألف واللام عهدية أو كانت الألف واللام في الملائكة للجنسية، يفرق في المقام أو لا يفرق، يعني لا يستطيعون أن يقدسوا ويسبحوا، تقديس وتسبيح آدم؛ لأن عند آدم الذي هو الإنسان الكامل الذي هو خليفة الله على العالمين، عند آدم من الاسماء ما لا يوجد لا عند الملائكة الطاعنين ولا غيرهم.

    يقول: (لتكون اللام للعهد في الأول، والجنس في الثاني وكلاهما حق) سواء أريد بعض الطاعن أو أريد الأعم (فان كلا منها) أي من الملائكة (له مقام معين لا يكمن له التجاوز عن ذلك المقام، ولا تسبيح له إلاّ بحسب ذلك المقام، بخلاف الإنسان) أي إنسان هذا؟ المراد زيد وبكر وخالد؟ لا، بل المراد الإنسان الكامل (فان مقامه يشتمل على جميع المقامات) يا إنسان الذي مقامه يشتمل على جميع القامات علوا وسفلا نزولا وصعودا، في قوس الصعود وفي قوس النزول من هو؟ هو الإنسان الكامل (وهو مسبح بها كلها) كل المقامات نزولا علوا وسفلا الإنسان الكامل يسبح الله بجميع مقاماته سواء كانت العالية أو السافلة قلنا: العلية والسافلة ليست هي الأخلاقية، بل العالية والسافلة الوجودية، (وهو مسبح فيها كلها يعلم ذلك من أحاط علمه بمطلع قوله تعالى: {وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده}). بعد ويعلم ذلك، (وشاهد) معطوف على يعلم (وشاهد كيفية تسبيحهم) الأشياء (الحسي والمثالي والمعنوي) يعني العقلي، بقرينة الحسي والمثالي (بلسان حالهم واستعدادهم في كل حين وعرف أيضاً أنه) أي الإنسان الكامل، أو الإنسان (مسبح في مراتب نقصانه كما أنه مسبح في مراتب كماله) يعني الإنسان الكامل، سواء كان في المراتب الدانية فهو مسبح، أو كان في المرات العالية فهو مسبح.

    الآن صار في صدد توجيه هذا النقصان، لأنه قال: مسبح في مراتب نقصانه كما هو مسبح في مراتب كماله) تسبيح الإنسان في مراتب الكمال واضح، أما تسبيح الإنسان في مراتب النقص، هنا واقعا عنده بحث. نقطة.

    هنا يأتي هذا التساؤل: ولماذا خلق الناس؟ حتى يكون مسبح في مراتب كماله كما هو مسبح في مراتب نقصانه، هنا من قوله: (فنقصانه أيضاً من وجه كماله) يقول: كمال الإنسان الكامل أن تكون له هذه المراتب الدانية، وإلاّ لو لم تكن له هذه المراتب، أي مراتب؟ هذه المراتب التي اعترض بها الطاعنون من الملائكة قالوا {أتجعل فيها من سيفسد فيها ويسفك الدماء} هذه المراتب الدانية، لا اقل هذه المراتب يمكن الإنسان أن يصدر منه سفك الدماء والفساد و إلى غير ذلك، لماذا جعل الإنسان بهذا النحو؟ هذا جعله بهذا النحو، يعني يفسد فيها؛ ولذا تجد القرآن الكريم وهو عجيب واقعا دقة القرآن الكريم، عندما طعن الطاعنون بهذا الطعن على الخليفة، الله قال: لا لا لا ابد ليس كذلك أم لم ينفي هذا عن الإنسان؟ لم ينفه عن الإنسان، صحيح أم لا؟ عندما تقرأون الآية عندما قال: كذا وكذا في الإنسان، الله لم يقل لا ليس الأمر كذلك، بل قال: {أعلم ما لا تعلمون} هذه اعلم ما لا تعلمون هنا يريد أن يوضحها.

    يقول: إن هذه القدرة هذه الإمكانية هذا الاستعداد الذي وضع في الإنسان، بنحو يستطيع ما لا تستطيعه الملائكة، ما لا تستطيعه الملائكة لا لعدم الاختيار، بل لعدم الداعي على هذه إلاّ فعال لعدم وجود الشهوة والغضب، أليس كذلك؟

    سؤال: هذا الذي وجد كمال أم نقص؟ من يستطيع أن يجيب؟ كمال من جهة احسنت ونقص من جهة، واقعا هذه تحتاج إلى توضيح، كيف يعقل أن يكون النقص كمالا من وجه؟ وكيف يعقل أن يكون الكمال نقص من وجه؟ التفتوا لي وكونوا على ثقة لو فهمت هذه النكتة، تتضح لكم هذه الرؤية الكونية، فتعلمون قوله تعالى: {الذي أحسن كل شيء خلقه} {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} {أتقن كل شيء} هذه العناوين العامة مع ما نجد من الفساد وسفك الدماء والشرور وو، هذه الرؤية الكونية هنا تتضح.

    (احد الحاضرين):….

    ج/ موجودين لا موجودين، سفك الدماء نقص وجودي هذا، سفك الدماء قتل الآخرين، عرفت كيف.

    (احد الحاضرين):….

    ج/ من هو؟ أنا أيضاً أقول: كيف، ولذا نحن الآن نريد أن نبحث هذه القضية، التي هي هذا الذي قالوه وهو أنه {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}، هذه صفة كمال أو صفة نقص؟ جزاكم الله خيرا، ولكن من جهة أخرى منهي عنها أم مطلوبة؟

    (احد الحاضرين):….

    ج/ الأخلاقية قائمة على مصالح ومفاسد واقعية، ونحن غير قائلين بأنها أمور اعتبارية جزافية، أنت ماذا تقول: بأنه هذه الأوامر والنواهي الأخلاقية والشرعية أمور نابعة عن أمور وجودية مصالح ومفاسد واقعية أم جزافية؟

    إذن رجعنا إلى أمور وجودية، إذن هذا النهي لا تسفك، هذا النهي قائم على اصل وجودي، فمع كونه كمال مع ذلك فهو منهي عنه فهو نقص، هذا كيف يجتمعان، وهو البحث المعروف كيف يمكن أن يكون الشيء من حيث الوجود كمال وجودي، ومن حيث التشريع كمال تشريعي أم نقص تشريعي؟ هذا كيف يلزم منه، لا اعلم هذا واضح.

    أنا أريد أولا أن أوضح الإشكال، المشكلة الأصلية، والمشكلة الأصلية هي أنه نحن نعتقد بناءً على مباني العدلية أنه الله سبحانه وتعالى عندما يأمر وينهى على أساس مصالح ومفاسد واقعية.

    إذن عندما يقول: لا تسفك الدماء لا تفسد، هذه قائمة على أساس مفاسد واقعية ،وإذا كانت مفاسد واقعية كيف يمكن أن تكون كمالا وجوديا، كيف يعقل أن يكون (فنقصانه أيضاً من وجه كماله) واضحة هذه الإشكالية إخواني الأعزاء.

    إذا اتضحت الإشكالية دع ذهنك هنا، نحن فيما سبق اجبنا عنها، وليس نحن لم نجب عنها بل اجبنا عنها، ولكن هنا جاء موضعها لابد أن تكرر، لأن هذه الأبحاث فرّارة إخواني الأعزاء، لو نذكرها عشر مرات أيضاً تهرب من الذهن لا تبقى، إخواني الأعزاء تارة ننظر إلى كل عالم الإمكان، عالم ما سوى الله سبحانه وتعالى، تارة ننظر إلى هذا العالم، كله من ابتدائه من العقل الأول وانتهاء بالمادة الأولى، ثم رجوعا إلى {قاب قوسين أو أدنى} نزولا وصعودا هذه المنظومة، هذه الدائرة، هذه المصطلح عليها بقوسي النزول والصعود.

    سؤال: وجود الفساد وسفك الدماء والقتل ووو، هل هو من كمال هذا العالم أو من نقص هذا العالم؟ من كمال هذا العالم، لو لم يكن فيه لكان ناقصا، يعني ليس فقط إمكان الكمال بل ضرورة الكمال، إذا أراد هذا العالم، هذا الذي أقول: أعيده لهذا السبب مع أنه أنا قد وضحت هذا المطلب مرارا وتكرارا ومع ذلك الآن الأجوبة تأتي خطأ، وجود هذا النقص، ووجود هذا الفساد، ووجود كل ما يعد نقصا وفسادا من كماله الضروري.

    يعني بنحو لو لم يكن لكان هذا العالم ناقصا، ولذا ذكرنا إذا يتذكر الإخوة القرآن الكريم عندما يتكلم، الآيات تقول: {الذي أحسن كل شيء} فإذا كان أحسن فهذا الفساد ما هو هذه الشرور ما هي؟ صريح القرآن، {قل أعوذ برب الناس * من شر الوسواس} وهذا الوسواس الخناس من الذي خلقه؟ مع أنه يعبر عنه {من شر ما خلق} لماذا خلق؟ إذا كان شر لماذا خلقه؟

    الجواب: هذا الشر ضمن النظام العام هو كمال وخير، ولهذا أنت جنابك تأتي، وهذا مرارا ذكرناه للإخوة {يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران}، {فبأي آلاء ربكما تكذبان} (به به به) هذا صريح القرآن، هذه السورة المباركة سورة ماذا؟ أحسنت أحسنت أحسنت.

    يقول: ابعث عليكم ماذا {يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران * فبأي آلاء ربكما تكذبان * فيومئذٍ لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان} إلى أن يقول: بعد {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} أحسنت أحسنت {فبأي آلاء ربكما تكذبان} بينك وبين الله هذه فيها {فبأي آلاء ربكما تكذبان}؟

    الجواب: إنه ينظر إلى هذه المنظومة، هذه المنظومة إذا ليس فيها نار كاملة أم ناقصة؟ ناقصة، ولهذا الشيخ البهائي عنده كلمة نقلتها للإخوة، يقول: ما هي فائدة خلق الكافر؟ بيني وبين الله إذا لم يخلق الكافر أنا ثواب الجهاد في سبيل الله من أين احصل عليه، ثواب الجهاد في سبيل الله متى يتحقق؟ إذا تحقق موضوعه، ما هو موضوعه؟ هل هو جهاد المؤمنين أم جهاد الكفار والمنافقين؟ أنت الآن في هذا العالم افترضوا زنا غير موجود، كذب أيضاً غير موجود، غيبة غير موجودة، لواط غير موجود، بعد ماذا غير موجود، كل هذه المفاسد الأخلاقية، بينك وبين الله هذه الصفات الأخلاقية التي تترتب عليها من الشجاعة والعفة والصدق إذاً هذه تتوفر أم لا؟ هذه كلها يسقط عنها.

    إذن لابد أن يوجد في هذا العالم نقص، لابد ليس هو الإمكان بل ضرورة وقوع، لابد هذا ضمن النظام الأحسن، ولو لم يتحقق لكنا نقول: أن العالم ناقص، إذا تتذكرون هذا المثال ذكرناه مرارا قلنا: تبني لك قصرا له أول وليس له آخر، ولكن لا تجعل فيه حماما، هذا الذي يدخل ويرى تلك القصور الغنّاءة ويرى الأنهار ويرى الأشجار، وإذا به تجبره الحاجة فيقول: حمام فيقال: له غير موجود، مع الأسف حمام غير موجود؟ فيقول: لهم هذا لكم، حمام بيت النجاسة أم غير ذلك، ولكن من كمال هذا البيت وجود النجاسة فيه، وجود بيت للتخلي، هل اتضح؟

    إذن كمال هذا العالم بوجود الفساد وسفك الدماء لا بعدم وجودها.

    وهذا أيضاً الجواب الأول للملائكة أنتم لو كنتم تفقهون النظام الأحسن، لو كنتم تفهمون ليس في الإمكان أبدع مما كان، لاعترضتم أم لا تعترضون؟ لا تعترضون لأن هذا كمال الإنسان، هذا ليس نقص في الإنسان.

    هنا يأتي سؤال مباشرة: نطرح السؤال ونجيب عنه غدا إن شاء الله، سؤال: إذا كان الفساد والفتنة ضمن النظام الأحسن وهو الكمال، بيني وبين الله حي الله على الفساد حي على الفساد، حي على سفك الدماء، لأن هذا كمال للإنسان.

    الجواب: لا لا، لا يحصل خلط بين القضية الحقيقة والقضية الخارجية الشخصية، لا يحصل خلط بين النظام الأحسن وبين تكليفك الشخصي، هذه التي لابد ينبغي أن لا يخلط بينهما ومن هنا أيضا يتبين أنه مع أن هذا كمال ولكنه بالنسبة لك قد يكون نقص.

    بيانه يأتي.

    والحمد لله رب العالمين

    • تاريخ النشر : 2016/10/30
    • مرات التنزيل : 2252

  • جديد المرئيات