بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
والسالك اذا اتصل بسيره إلى المثال المطلق بعبوره عن خياله المقيد يصيب في جميع ما يشاهده ويجد الامر على ما هو عليه لتطابقها في الصور العقلية التي باللوح المحفوظ.
اذا يتذكر الاخوة كان الكلام في البحث السابق في هذه النقطة: قلنا بأنه البحث الاول البحث الاول انه كل ما كان من الصور المثالية الباطلة فهو مرتبط بعالم المثال المتصل والخيال المقيد, وكل ما كان من الامور التي يشاهدها كشفا حقة فهذه يمكن أن تكون مرتبطة بعالم المثال المتصل, ويمكن أن تكون مرتبطة بعالم المثال المنفصل, من هنا يطرح هذا البحث المعرفي الاساسي في العرفان وهو انه كيف يستطيع أن يميز أن ما شاهده ووقف عليه وأدركه شهوداً وحضورا هل هو مرتبط بالمثال المتصل أو انه مرتبط بالمثال المنفصل؟ بالأمس اذا يتذكر الإخوة نحن قلنا بأنه اذا كانت المدركات حصولية يوجد عندنا أداة معرفية لتمييز الحق من الباطل, ما هي تلك الأداة؟ هو المنطق, فانه من خلال الاشكال والصور المنطقية, من خلال المنطق مادة وصورة نستطيع أن نميز أن هذه القضية صادقة أو أن هذه القضية غير صادقة, أن هذه القضية مطابقة أو أن هذه القضية غير مطابقة, أن هذه القضية مصيبة أو انها غير مصيبة, هناك ضوابط لتمييز الإصابة عن الخطأ أو الصدق عن الكذب ونحو ذلك, ولكن فيما يتعلق بالأمور الشهودية والمدركات الحضورية هل يمكن للمنطق أن يتدخل أولاً لا يمكن أن يتدخل؟
الجواب: اذا تحولت القضية المدركة حضورا إلى قضية وعلم حصولي, المنطق يستطيع أن يقول شيء طبعا ليس مطلقا وإنما بنحو جزئي اذا كانت كلية دائمة وغير ذلك, أما اذا كانت امور جزئية فهل المنطق نافع للتمييز بين الصحيح والخطأ فيها أو غير نافع؟ المنطق لا يستطيع أن يقول شيئا, يعني على سبيل المثال رأى في النوم حقيقة من الحقائق وهذه الحقيقة صادقة أو غير صادقة؟ وافترضوا انه لم تكن تحتاج إلى تعبير على سبيل المثال, صادقة أو غير صادقة؟ وليست مرتبطة بالحوادث الآتية, فيما مضى رأى نبي من الأنبياء وحقيقة من الحقائق عرفها ولكن حقيقة من الحقائق الجزئية لا حقيقة من الحقائق الكلية, فهل يمكن للمنطق أن يعطي فيها رأيا أو لا يمكن, إذن ما هي الأداة التي نستعملها وهذا البحث إذا يتذكر الاخوة وقفنا عنده بنحو مفصل في آخر تمهيد القواعد, لذا هذا الكتاب والبحث المرتبط بتمهيد القواعد لابد أن يكون في ذاكرتهم, إذا يتذكر الإخوة الاخوة قلنا أن هذه الابحاث مثل السلم الطالب الذي لم يدرس الصف الثالث أو الرابع عندما يأتي إلى الخامس أو السادس قد يكون له ذكاء بعض القضايا يفهما ولكن القضايا المبنية على ما يرتبط بالرابع وكذا لا يستطيع أن يقف عليها جيدا, على أي الأحوال.
في هذا المقام المطلب الاصلي والبحث الاساسي في المقام هذه النقطة: وهو أولاً كيف يميز ما رآه مرتبط بالمثال المتصل أو المثال المنفصل, وثانيا: كيف يميز انه حق أو باطل إذا لم تسعفه القواعد المنطقية, الآن هنا مقدمة يبحث بحثا وبعد ذلك تأتي هذه الابحاث, ما هو هذا البحث: وهو أساساً ما هو الطريق للوصول إلى المثال المنفصل, بل أعمق ما هو الطريق للوصول إلى الواقع اعم من أن يكون شهودياً أو أن يكون حصوليا, لأنه نحن قلنا بأنه قد يكون مصيبا وقد يكون بالنسبة إلى المثال المنفصل إذا وصل إليه فكل ما يراه فهو حق, فهنا يأتي هذا السؤال ما هو الطريق للوصول إلى عالم المنفصل, يعني انكشاف عالم الملكوت لك, ما هو الطريق لك.
البحث الثاني: وهو انه في ما يتعلق بالمثال المتصل أو العلم الحصولي قد يكون وقد يكون غير مطابق, قد يكون صوابا وقد يكون خطأ, ما هو الطريق لتقليل الخطأ وزيادة الصواب؟ يعني هل هناك طريق للوقوف على الصحيح والصادق والصائب والتخلص من الكذب والخطأ ونحو ذلك أو لا يوجد؟ بحثنا في هذا اليوم ينصب على هذين المحورين:
المحور الأول: ما هو الطريق للوصول.
المحور الثاني: ما هو الطريق لتمييز الحق عن الباطل فيما له حق وباطل وزيادة الحق على الباطل, اليوم فلنقرأ بعض العبارات.
قال: والسالك, هذا تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية, الذي واقف هذا الحكم غير موجود بحقه لأنه سالبة بانتفاء الموضوع, نعم للذي هو متحرك سالك, متحرك بحركة جوهرية بتعبير القرآن الكريم {كادح إلى ربك} أو بتعبير القرآن الكريم {إليه يصعد} الصاعد, السالك, هذا إليه هذا البحث والا الذي هو واقف في محله{ إثاقلتم إلى الارض} { اخلد إلى الارض} ونحو ذلك, هذا البحث يوجد في حقه أو لا يوجد؟ >همها علفها< يوجد بالنسبة إليه هذا البحث أو لايوجد؟ لا يوجد, فلذا بدأ البحث والسالك والا إذا لم يكن سالكا لم يكن متحركا هذا لا علاقة لنا به.
والسالك إذا اتصل في سيره, وحركته, وصعوده, والسالك إذا اتصل في سيره إلى المثال المطلق بعبوره عن خياله المقيد, باعتبار انه إذا تذكرون قبل قليل قلنا في صفحة 120, قلنا أن المثال المقيد كالجداول والأنهار المتصلة بالبحر فالقناة للارتباط بالمثال المطلق من أين يمر؟ يمر من هذه الجداول, إذا هو كان غالق هذه الجداول على نفسه فهل يوجد طريق للوصول إلى المثال المطلق أولاً يوجد طريق؟ لا يوجد, أو إذا كانت ملوثة هذه الجداول ذهابا أو إيابا فحتى إذا صعد للمثال المطلق, إلى المثل المعلقة, يستطيع أن يقف على حقيقة من الحقائق أو لا يستطيع؟
إذن: تبين عندنا وظيفة أساسية أولا: أن هذه الجداول نفتح الطريق فيها.
ثانيا: أن نحفظها صافية نقية غير ملوثة. وهذا الخبيث هنا جالس وليس في مكان آخر, { لأقعدن لهم صراطك المستقيم} ليقطع طرق الذهاب والإياب, على أي الاحوال.
قال: والسالك إذا اتصل في سيره إلى المثال المطلق بعبوره, باعتبار انها جداول, وانهار, وشبابيك, يدخل منها الضوء للبيت كما تقدم, بعبوره عن خياله المقيد, إذا اتصل بالمثال المطلق يصيب في جميع ما يشاهده كل ما ينكشف له هناك بالعلم الحضور والشهودي حق, لأنه لا توجد واسطة بالارتباط بالمثال المنفصل, لا توجد واسطة معلوم بالذات ومعلوم بالعرض حتى يصيب أو يخطأ وإنما علم حضوري ونحن قرأنا في العلم الحضوري أن وجود المعلوم عند العالم لا صورة المعلوم عند العالم.
يصيب في جميع ما يشاهده, تقول إذا كان الامر كذلك هولا العرفاء الذي وصلوا إلى المثال المطلق لماذا اخلفوا فيما بينهم؟ الجواب ليس اختلافهم فيما شاهدوه من الحق, فيما شاهدوه من المثال المنفصل, وإنما اختلافهم فيما عبروا عنه بالعلم الحصولي هذا أولاً.
ثانيا: واحدة من مناشيء الاختلاف ليس بالتعبير والعلم الحصولي, أن كل واحد رأى هناك مرتبة من مراتب المثال المنفصل, لأنه المثال المنفصل مراتب فانه رأى وتصور كل المراتب, وذاك رأى مرتبة أعلى وأما مرتبة أدنى فيقع الاختلاف, فإذن منشأة الاختلاف احد أمرين على سبيل مانعة الخلو: أما بسب الترجمة, وبسب التعبير, وبسب التحويل من شهودي إلى حصولي, أنا هذا المثال مرارا ذكرته للاخوة المريض في بعض الأحيان عندما يصاب بحمى أو كذا ويشعر بشعور معين هو يحوله إلى إني جائع, إني عطشان, وعندما تسأل الطبيب يقول هذا جوعه كاذب وعطشه كاذب, يعني ليس انه لا يوجد عنده شعور, يوجد شعور ولكن هذا الشعور هذا الوجدان عندما يحوله إلى أنا خائف, أنا جائع, أنا عطشان, هذا التعبير, هذه الترجمة, هذا التحويل, مصيب أو مخطأ وليس إدراكه لأصل الحقيقة.
قال: يصيب في جميع ما يشاهده ويجد الامر على ما هو عليه, لماذا؟ لتطابقها, لماذا يجد الامر على ما هو عليه؟ يقول باعتبار أنه كل ما في عالم المثال المنفصل متطابق على ما هو موجود في عالم العقل, لتطابقها, أي تطابق جميع ما يشاهده, لتطابقها بالصورة العقلية التي تلك الصورة أين موجود؟ التي في اللوح المحفوظ, واللوح المحفوظ الذي هو من عالم العقل, وهو مظهر العلم الإلهي في مقام الواحدية, وهو مظهر العلم الإلهي, ومن هنا إذا استطاع الإنسان في قوس الصعود أن يتجاوز من خياله المتصل إلى الخيال المنفصل ومن الخيال المنفصل إلى عالم العقل, ومن عالم العقل إلى عالم العلم الإلهي والأعيان الثابتة عند ذلك يستطيع يقف على ما يجري عليه إلى قيام الساعة أو إلى ما بعد ذلك, لا ادري انتم تعلمون في بعض أدعية شهر رمضان, وبعض الأعمال, و بعض قراءة القرآن, وفي بعض الصلوات, يقول إذا قرأها الإنسان إذا داوم عليها الإنسان الله في هذه الليلة يرزقه رؤية مقامه في الجنة, يعني هذا معناه يستطيع أن يرى مصيره ليس إلى الحشر بل إلى ما بعد الحشر, نعم بعض يوفق أن يرى ذلك في النوم ولكن بعض يوفق أن يرى ذلك في اليقظة لأنه بعد ذلك يتضح ما الفرق بين النوم وبين اليقظة, إذن هذا عندما يقول يطلع على عينه الثابتة يعني يطلع على ما يؤول إليه أمره وليس بكرة وبعد بكرة, وليس شهر وبعد شهر, بعض يطلع على ما يجري عليه بعد شهر, واقعا يجد أن حادثة تقع له وبعد شهر تقع الحادثة له وكم له من نظير, أو يرى في المنام تقع حادثة لفلان وبعد شهر تقع تلك الحادثة, أنا أتذكر قبل كم يوم انه احد الاخوة رأى رؤيا قبل أسبوع اتصل بي قال: سيدنا رؤيا رأيتها وهي رؤيا غريبة, قال: رأيت حرم الإمام الحسين ووجدت لا الضريح موجود ولا الصندوق على القبر موجود فقط التراب موجود واقعا رؤية غريبة, هذا الأخ أنا اعرف بعض الاخوة التي سألتهم, قال: سيدنا لا استطيع أن اقول ولكن يوجد بلاء سيأتي إلى كربلاء, أنا لا أريد أن اقول إنشاء الله هو هذا البلاء الذي حصل الآن 260 نفر فيه هذه الحادثة الأخيرة التي صارت لا اقل خمسين أو ستين نفر من الشهداء والمجروحين 220, وأكثرهم في حالة الخطر, هذا قبل أسبوع ليس أكثر, إذن هذا الامكان قائم وهو أن الإنسان يطلع ليس فقط على مثاله المنفصل بل يطلع على الصورة العقلية على اللوح المحفوظ, على العلم الإلهي, على العين الثابتة, هذا بالنسبة إلى نفسه, أما إذا وصلنا إلى الأوحدي ليس فقط يطلع لنفسه بل يطلع للآخرين, كما يقول أمير المؤمينين > والله لو أردت أن اخبر كل رجل منكم مخرجه, مولجه, أوله, آخره, ما يحدث عليه, وان كل مئة رجل كذا يخرجون الى يوم القيامة لفعلت< هذا معناه الاطلاع على العين الثابتة لكل هذه الامور وهذا أمر ممكن بل الشواهد النقلية والعقلية تثبت هذه الحقية.
قال: ومن هنا يحصل الاصطلاح للانسان على عينه الثابتة وأحوال العين الثابتة ولكن بالمشاهدة لا بالعلم الحصولي, طبع بالعلم الحصول ممكن ولكن عن طريق أخبار الغير, لأنه, هذا الإنسان المشاهد, لأنه ينتقل من الظلال, جمع ظل يعني من المثال المتصل إلى المثال المنفصل, ومن المثال المنفصل إلى العقل واللوح المحفوظ, ومن اللوح المحفوظ إلى العين الثابتة, وكل مرتبة دانية ظل المرتبة العالية, فلهذا جمعها قال: فلأنه ينتقل من الظلال إلى الأنوار الحقيقية, وكذلك يمكن أن يطلع الإنسان على مصيره بالاستدلال البرهاني, أما بالاستدلال البرهان أو يستطيع بأخبار{ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} .
كما يطلع عليها, أي على العين الثابتة وأحوالها, يطلع عليها لا بالمشاهدة بل يطلع عليها بالانتقال المعنوي, مراد من الانتقال المعنوي هو الاستدلال البرهاني يعني العلم النظري لا العلم الشهودي.
يقول: كما يمكن الاطلاع على العين الثابتة وأحوالها بالمشاهدة يمكن أن يطلع عليها, أي على العين الثابتة وأحوالها, بالانتقال المعنوي, ما هو المراد من الانتقال المعنوي؟ تعالوا معنا في الكتاب إلى صفحة 132 آخر سطرين من الصفحة, يقول: وأما الكشف المعنوي المجرد من صور الحقائق الحاصل من تجليات الاسم العليم والحكيم هو ظهور المعاني الغيبة والحقائق العينية, هذا الكشف المعنوي له مراتب, أو ل مراتب الكشف المعنوي ما هو؟ ظهور المعاني في القوة المفكرة, إذن هنا عندما يقول: بالانتقال المعنوي, يعني واحدة من طرق الكشف المعنوي, ظهور المعاني بالقوة المفكرة من غير استعمال المقدمات الذي يسمى بالحدس, وهذا بحثه سيأتي إنشاء الله تعالى وسنبين ذلك في الفصل التالي كما بينا في صفحة 132.
وإذا شاهد أمراً ما في خياله المقيد, التفتوا, إذا شاهد أمراً بالخيال المطلق فهو حقيقة ومصيب, أما إذا شاهد بالخيال المقيد فهل هو مطلق مصيب؟ قد يصيب وقد يخطأ, وإذا شاهد أمراً ما في خياله المقيد يصيب تارة ويخطأ تارة وذلك لان ذلك المشاهد, لأنه ما يدرك الإنسان في خياله المتصل أيضاً علم شهودي, نحن نعلم الخارج بالصورة أما الصورة لا نعلمها بصورة أخرى بل نعلمها بوجودها ولكن هذا الوجود الذي ندركه إذا كان أخذت فيه الحكاية وكان له محكي فمصيب, وأما إذا كان من الدعابات المتخيلة فليس بمصيب وإنما يكون مخطأ من اختلاقات المتخيلة.
قال: ويخطأ أخرى وذلك لان المشاهدة, الآن كل كلامنا في المشاهدة, لان المشاهد أما أن يكون أمراً حقيقيا له نفس أمرية واقع كما يرى كثير من الحقائق كما انه في حال النوم يوسف يرى في المنام احد عشر كوكبا والشمس هذا خيال متصل, تعبيره الخارجي في عالمنا ذلك ولكن هذه حقيقة من الحقائق, أو يرى في المنام انه يذبحه وهكذا.
قال: وذلك لان المشاهد أما أن يكون أمراً حقيقيا أو لا يكون أمراً حقيقيا, يعني لا مطابق له لا نفس أمرية له, فان كان, يعني فان كان المشاهد أمراً حقيقا, فهو الذي يصيب المشاهد فيه, أي في ذلك الامر الحقيقي, والا إذا لم يكن ذلك المشاهد أمراً حقيقيا وله نفس أمرية فهو الاختلاق, الاختلاق هو الخلق مع الافتراء, { أأفكا تخلقون} يعني خلق مع الإفك مع الافتراء مع عدم المطابقة للواقع, والا فهو الاختلاق الصادر من التخيلات الفاسدة, المتخيلة هذه وظيفتها وهي التأليف تأخذ صورة من هنا وصورة هناك ثم تجمع, معنى من هنا, معنى من هناك وتؤلف, هذه المتخيلة وليس الخيال, الخيال خزانة وليس متصرفة وإنما المتخيلة هي المتصرفة كما بيناه في علم النفس.
قال: والا فهو الاختلاق الصادر من التصورات الفاسدة كما يختلق العقل المشوب بالوهم للوجود, للوجود يختلق وجودا ولذلك الوجود وجودا آخر, ولهذا تجدون أن البعض قالوا أن الوجود أصيلاً أو ليس أصيلا؟ قال إذا كان الوجود أصيلا يلزم أن يكون لوجوده وجودا وهذا واقعي أو ليس واقعي؟ هذا اختلاق المتوهمة, أو يختلق للباري شريكا, في الواقع ونفس الامر لايوجد شريك للباري تعالى, أو يختلق للباري تعالى شريكا, وغيرها من الاعتباريات التي لا حقيقة لها في نفس, قال تعالى { أن هي الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان} هذا تطبيق من تطبيقات الآية والا الآية فيها تطبيقات كثيرة.
السؤال: هذا من هنا يبدأ البحث كيف نصل إلى المثال المنفصل حتى كل ما نشاهده يكون حقا, وكيف نتخلص من الخطأ في الموارد التي يوجد صواب وخطأ, يعني ما هي الشرائط والمعدات المقتضيات للوصول بالنسبة إلى المثال المنفصل؟ وللإصابة في قبال الخطأ بالنسبة إلى المثال المتصل, من هنا يبدأ البحث يقول أولاً: ما هي عوامل الإصابة, ما هي العوامل التي تساعد على الإصابة وما هي العوامل التي تمنع من الوصول وتمنع الإصابة يعني يكثر خطأ الإنسان, يعني بماذا يزداد صواب الإنسان وبما يزداد خطأه وكذلك ما هو الطريق للوصول إلى عالم الغيب والى العوالم الروحانية التي أولها عالم المثال المنفصل.
يقول: وللإصابة (كلام لاحد الحضور) لا باعتبار انه ليس كل الموجودات لها القدرة على المشي, هذا الإنسان له القابلية لان يصل إلى مقام قاب قوسين أو أدنى, نعم الموجودات لها درجة من درجات المثال ولكن هل في سيرها الصعودي تستطيع أن تصل إلى ما يصل إليه الإنسان؟ الجواب كلا, ليس الحيوانات والنباتات فقط بل حتى الجن لا يستطيع وغيره لا يستطيع, هذه من خصائص الإنسان فقط أنه يستطيع أن يبدأ من هنا ولا ينتهي عند حد.
قال: وللإصابة أسباب بعضها راجع إلى النفس, وبعضها راجع إلى البدن, وبعضها راجع إلى النفس والبدن, طبعا ليكون في علمكم صحيح يقسمها ثلاثة اقسام ولكن في واقعها كلها راجعة إلى النفس باعتبار أن البدن بما هو بدن ليس هو شيء في قبال النفس, نعم هذه الإصابة كلها ترجع إلى النفس ولكن تارة تكون بلا واسطة وأخرى تكون مع الواسطة, فبلا واسطة نعبر عنها النفس, مع الواسطة نعبر عنها البدن.
وللإصابة أسباب بعضها راجع إلى النفس, وبعضها راجع إلى البدن, وبعضها راجع إليهما جميعا, الآن نأتي إلى القسم الأول: وهي الأسباب الراجعة إلى النفس.
ما هو الطريق لذلك؟ قال: كالتوجه التام إلى الحق سبحانه وتعالى, واقعا هنا يأتي دور العرفان العملي, ودور الأخلاق, ودور العبادات, ودور الواجبات, ودور المستحبات, ودور المباحات كلها حتى توجه الإنسان إلى هذا المعنى, التوجه التام إلى الحق, الاعتياد على الصدق, ميل النفس إلى العالم الروحاني, طهارة النفس من النقائص, اعراض النفس عن الشواغل البدنية, اتصاف النفس بالمحامد, هذه كلها تعطي للانسان أولاً طريق فيما يتعلق بالمثال المتصل للاتصال بالمثال المنفصل, وثانيا فيما يتعلق بالمثال المتصل أيضاً تزوده الطريق لزيادة الصواب على الخطأ.
هنا عنده عبارة قيمة في الإشارات المجلد 3 صفحة يقول: ثم أنه يحتاج إلى الرياضة, واقعا التوجه التام والاعتياد على الصدق… تحتاج إلى رياضة, الآن يعطونك 50, أو 60 كيلو جنابك لا تستطيع أن تضعها على رأسك, لكن تجد بعض الناس يرفع 500 كيلوا على رأسه, سيارة بعشرين طن يسحبها, هذا بالبساطة أو بالرياضة؟ هذه بالرياضة, طبعا الرياضة الروحية أولاً هذه قوة الارادة, هنا يقول الشيخ الرئيس في المتن يقول: انه ليحتاج إلى رياضة والرياضة متوجه إلى ثلاثة أغراض الأول: تنحية ما دون الحق عن مستن الإيثار, كل ما غير الحق ينحيه عن الطريق,الثاني: تطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة,الثالث: تلطيف السر, هذه امور ثلاثة يحتاج إليها, ثم يبدأ بما هو الطريق للأول والثاني والثالث.
يقول: والاول يعني عليه الزهد الحقيقي, والثاني يعني عليه العبادة المشفوعة بالفكرة, والثالث يعين عليه الفكر اللطيف إلى آخره.
إذن تجدون كل هذه الكتب التي كتبت أولاً في العبادات, وثانيا في أسرار العبادات, آداب العبادات, باطن العبادات, هذه التي توجه الإنسان إلى هذه وتوصله إلى مثل هذه المقامات.
قال: أما الأسباب الراجعة إلى النفس كالتوجه, هذه صفحة 380 من المجلد الثالث, أما الأسباب الراجعة إلى النفس كالتوجه التام إلى الحق والاعتياد بالصدق, هذه المسالة مسألة أن يكون صادقا الإنسان حتى الكذب في المزاح تجدون أن الروايات نهت عن ذلك لان فيها تأثير مباشر على تلقي الحقائق من العالم الأعلى, والاعتياد بالصدق وميل النفس إلى العالم الروحاني العقلي, إذا يتذكر الاخوة في صفحة 118, قلنا في كل من العوالم الروحانية والعقلية قلنا أن هذه الواو زائدة, في السطر الخامس, الروحانية والعقلية, قلنا الواو زائدة ينبغي أن تكون الروحانية العقلية والخيالية وهذا يكشف على انه صحيح أنه الواو زائدة لأنه قال: الروحاني العقلي, وكذلك وطهارتها عن النقائص, طبعا كما تعلمون الطهارة لها مرتبة أو لها مراتب؟ لها مراتب إلى أن نصل إلى المرتبة الاعلائية وهي في قوله تعالى{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
واعراضها عن الشواغل البدنية, في الإشارات صفحة 370 هذه عبارته التفتوا جيدا واقعا هذه التفاتات العارفين إذا يصير وقت الإنسان يدرسها كثيرا في نكات عميقة وعلمية خصوصا للاخوة الذين قرأوا التمهيد والآن نقرأ مقدمة الفصوص وعندما نقرأ مقدمات العارفين تعرفون أساساً كيف أن هذا الرجل كان واقف على دقائق العرفان النظري ومراتب ودرجات العرفان العملي.
يقول: الزهد عن غير العارف معاملة ما, كأنه يشتري بمتاع الدنيا متاع الآخرة, هذا الزهد الموجود عند العابد عند المتكلم وعند عموم الناس, وعند العارف, الزهد ما هو؟ وعند العارف تنزه عما يشغل سره عن الحق, كل ما يشغل باطنه عن الحق فهو يتنزه عنه, وتكبر على كل شيء غير الحق, أما والعبادة عند غير العارف معاملة ما كأنه يعمل في الدنيا لأجرة يأخذها في الآخرة هي الأجر والثوابت, أما عند العارف ما هي العبادة؟ التفت, وعند العارف رياضة لهممه وقوى نفسه المتوهمة والمتخيلة ليجرها بالتعويد عن جناب الغرور إلى جناب الحق, هذه الدنيا دار الغرور, إذن العبادة الحقيقة عند العارف ماذا؟ ليس هذا الحركات اليدوية يؤديها وإنما كيف يجعل قوى نفسه مشايعة للوصول إلى الحق, فتصير هذه القوى, المتوهمة والمتخيلة, وهي الطريق التي تمنع الطريق, فتصير مسالمة للسر الباطن حينما يستجدي الحق لا ينازعه فيخلص السر إلى الشروق الساطع ويصير ذلك ملكة مستقرة مقام وليس حال, كلما شاء السر اطلع إلى نور الحق غير مزاحم من الهمم, أي تلك الهمم المانعة, بل مع تشييع منها فيكون بكليته منخرطا في تلك القدس, أي القدس الإلهي.
قال: واعراضها عن الشواغل البدنية واتصافها بالمحامد, والأخلاق والأوصاف الحميدة, لان هذه المعاني التي أشار إليها توجب تنور النفس, وتوجب تقويها أن تكون النفس قوية على البدن, هذه صغرى القياس, وأما كبرى القياس, بقدر ما قويت النفس وتنورت تقدر على خرق العالم الحسي, الدرجة الضعيفة في المنام والدرجة القوية في اليقظة, وتقدر على خرق العالم الحسي ورفع الظلمة الموجبة لعدم الشهود, وأيضاً تقوى بالمناسبة بينها, تحصل سنخية بينها وبين عالم المثال وبين عالم العقل, وأيضاً تقوى النفس بالمناسبة بينها وبين الارواح المجردة, الخيالية أو العقلية, لإتصافها هذه النفس بصفاتها, بصفات الارواح المجردة, عند ذلك إذا حصلت السنخية ما ذا يحصل؟ فتفيض عليها المعاني, من ماذا تفيض؟ هذه من تلك الارواح متعلق بـ تفيض, فتفيض عليها المعاني, هذه جملة شارحة, الموجبة للانجذاب إليها, يعني النفس تنجذب إلى هذه المعاني تفيض عليها من تلك الارواح عند ذلك, فيحصل الشهود التام, هذه قرأنا بعض العبارات لا أريد أن اخذ وقت, التفتوا جيد.
ثم إذا انقطع حكم ذلك الفيض, بعض من يرتبط بالفيض الإلهي أما عالم المثال المنفصل أو عالم العقل أو ما فوقه, تارة يكون بالنسبة إليه حال من الأحوال قد يوجد وقد ينقطع, وأخرى يكون مقام, وثالثة يكون تحقق, إذن عندما يقول: ثم إذا انقطع, يظهر بان هذا المشاهد كان في مقام الحال, والا إذا كان مقاما له يستطيع فلذا عبارات الشيخ الرئيس عجيبة, الشيخ الرئيس عندما يصل إلى هذا المطلب لعله في صفحة 384, المجلد 3 يقول: ثم انه إذا بلغت به الارادة والرياضة حدا ما عنت له خلسات من اطلاع نور الحق عليه, ولكنه خلسات تأتي وتذهب وتزول, لذيذة كأنها بورق تومض إليه, برق يومض وينطفي ويوجد, ثم تخمد عنه وهو المسمى عندهم أوقاتاً, العارف بن الوقت المراد هذه الحالة التي تحصل عنده, وبمقتضى هذه الحالة تصدر منه بعض العبارات بعض الامور, العارف بن الوقت مع الاسف البعض يفسرها تفسير خاطيء وهو انه يوميا بشكل, لا ليس بهذا الشكل بل باعتبار انه انكشاف له نور من الأنوار ولو ذلك النور حكمه الخاص يكون ذلك.
قال: وهو المسمى عندهم أوقاتاً, وكل وقت يكتنفه وجدان ثم انه ليكثر عليه هذه الغواشي إذا أمعن في الارتياض, هذا بروق النور سوف تغشاه مرة بعد أخرى, إلى أن يصل ماذا؟ يقول: ثم انه لبلغ به الرياضة, ص 385, ثم انه لتبلغ به الرياضة مبلغا ينقلب له وقته سكينه فيصير المخطوف مألوفا, كان يأتي خطفة ويذهب الآن صار أمراً مألوفا, والوميض شهابا بينا, رحمة الله على المحقق الطوسي لما يشرح هذه العبارات يقول هي كالنصوص, واقعا تجد العبارات منظمة دقيقة كأنها متسلسلة تسلسلا منطقيا, ويحصل له معارفة مستقرة كأنها صحبة مستمرة, فبينه وبين تلك الأنوار توجد غرابة وغربة وأجنبية أو توجد صحبة؟
قال: ويحصل له معارفة مستقرة كأنه صحبة مستمرة و يستمتع فيها ببهجته فإذا انقلب عنها انقلب حيران آسفاً, مقامه يكون في تلك العوالم فإذا اخذ عنوة إلى هذه العوالم ماذا يحصل له؟ يقول > أني لا ستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة< هذا الاستغفار منشأه {أن لك في النهار سبحا طويلا} لأنه هذه الارتباطات بعالم الكثرة سوف تخلعه من ذلك المقام إلى مقامات أخرى.
والحمد لله رب العالمين.