نصوص ومقالات مختارة

  • نظرية وحدة الوجود العرفانية (118)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

    كان الكلام في إثبات عالم المثال المنفصل, وقلنا في البحث السابق بأننا لسنا الآن بصدد بيان كم عالم المثال حتى نقسمه الى متصل والى منفصل والمنفصل الى صعودي ونزولي هذا بحث متأخر عن إثبات أصل عالم المثال.

    وبينا في البحث السابق بأنه نحن بصدد إثبات موجود جوهري مجرد عن المادة دون بعض آثار المادة, بصدد إثبات مثل هذه الحقيقة.

    واشرنا الى انه يمكن إقامة الدليل لإثبات هذه الحقيقة تارة من خلال الدليل العقلي وأخرى من خلال الدليل النقلي.

    أما في ما يتعلق بالدليل العقلي فالدليل الاول الذي يمكن أن يذكر في المقام قلنا بأنه: يبتني او يصح على مباني الحكمة المتعالية من أن النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء, أما على مباني من يعتقد أن النفس روحانية الحدوث والبقاء, فهذا البيان وهذا الدليل لا يأتي.

    أما كيف يمكن تقريب الاستدلال بناء على نظرية جسمانية الحدوث روحانية البقاء, فباينه بالنحو التالي كما ذكرنا ذلك في البحث السابق.

    اولا: إن النفس عندما تبدأ, تبدأ جسمانية يعني لا يوجد فيها أي نحو من انحاء التجرد, وبالحركة الجوهرية تتجرد, من هنا نحن أثبتنا في علم النفس الفلسفي أن القوة الخيالية في الانسان هي مجردة, هذا كأصول موضوعة في المباحث الفلسفية الآن نأخذها اصول موضوعة, وأثبتنا في مباحث علم النفس الفلسفي أن قوة الخيال قوة مجردة عن المادة, في قبال بعض المشائين الذي قالوا أن قوى النفس جميعها مادية الا القوة العقلية, لا, على مبنى الحكمة المتعالية جميع قوى النفس سواء كانت عقلية او وهمية او خيالية او حسية فكل هذه القوى مجردة عن المادة, هذا اولا. وأثبتنا في مباحث العلم من الفلسفة أن صور المتخيلة كالمفاهيم العقلية أيضاً مجردة عن المادة, هذه كل واحدة لها موضعها الخاص, إثبات أن

     

    قوة الخيال مجردة هذه من مباحث علم النفس الفلسفي, إثبات أن مدركات هذه القوة المجردة هذه من مباحث العلم والمعالم والمعلوم, هناك أثبتنا أن الصور لأي قوة من هذه القوة حسية او خيالية فهي أيضاً مجردة عن المادة.

    طيب اذا اتضحت هذه المفروض أن النفس بدأت جسمانية وبحركتها الجوهرية وصلت الى التجرد المثالي ومدركاتها ما هي؟ مجردة تجردا مثاليا ولكن قيدوا بنحو المثال المنفصل او المتصل؟ بنحو المثال المتصل, الى هنا لا يوجد خلاف هذه المسألة واضحة, نحن بالحركة الجوهرية وصلنا أن للنفس صورا مثالية مجردة عن المادة دون بعض آثارها من الطول والعرض والشكل واللون و.. الى غير ذلك, ولكنها هذه الصور منفصلة أم متصلة؟ المفروض انها متصلة, اذن يثبت لنا عالم المثال المنفصل الى هنا او لا يثبت؟ لا يثبت الى هنا عالم المثال المنفصل, الآن من هنا نجعل ذلك مبدأ للبرهان, كيف؟ اذا ثبت أن هذه الصور بعد الحركة الجوهرية مجردة عن المادة تأتي القاعدة الفلسفية التي قلناها ما هي؟ أن كل مجرد موجود بالفعل او غير موجود بالفعل؟ موجود بالفعل لماذا موجود بالفعل؟ لأن إمكانه الذاتي كاف لتحققه خارجا لا يتوقف على شرائط ليس محتاجا كالموجودات المادية الى امكان ذاتي وإمكان استعدادي, في الموجودات المادية لكي يوجد الشيء خارجا يكفي إمكانه الذاتي او لا يكفي؟ لا يكفي لابد أن يتوفر الزمان, المكان, المعدات يعني إمكانه الاستعدادي, أما بخلاف المجردات اذا ثبت أن هذه الصور ولو بنحو المثال المتصل مجردة اذن تكون موجودة بالفعل, يعني ماذا موجودة بالفعل؟ يعني لا انه الآن وجدت وإنما كانت موجودة قبل ذلك, وحيث انها قبل أن يصل إليها الانسان بالمثال المتصل لم تكن مرتبطة بالانسان اذن كان مستقلة او لم تكن مستقلة؟ فيثبت المثال المنفصل يعني يثبت المثال الجوهري لا المثال الذي هو كيف نفساني.

    اذن هذا البرهان العقلي الى هنا يثبت لنا هذه الحقيقة وهي: انه يوجد عندنا بنحو القضية المهملة أما نزول صعود موجبة كلية, موجبة جزئية, هذا كله منظور في البرهان او لا؟ غير منظور وإنما المنظور انه يوجد عندنا مثال منفصل يعني مثال جوهري وجود مثالي بالمعنى الذي شرحناه جوهري لا عرضي, هذا تقريب البرهان الذي اشرنا إليه في ما سبق.

    النتائج المترتبة على هذا البرهان التفتوا جيدا لأنه مهمة جدا بعضها مرتبطة بنظرية المعرفة وبعضها مرتبطة بالمباحث العقائدية والكلامية.

    أما في ما يتعلق بالمباحث المعرفية.

    مقدمة لابد أن تعلموا أن الانسان بالحركة الجوهرية عندما يصل الى المثال بناء على ما حللناه وجد عالم المثال او انكشف انه كان موجود؟ (كلام أحد الحضور) نعم, اذن فرق كبير بين أن نقول أن الانسان بالحركة الجوهرية يصل الى موضع يوجد ذلك الشيء, وبين انه كان موجودا, التفتوا نحن الآن في يوم الأحد, في يوم الأحد عندما ننظر الى يوم الاثنين موجود او غير موجود؟ غير موجود, فعندما نأتي الى يوم الاثنين يوجد يوم الاثنين او نكشف انه كان موجودا أي منهما؟ يوجد يوم الاثنين لأنه العالم عالم التدريج عالم التصرم لم يكن ثم كان.

    نحن عندما نصل الى عالم المثال المتصل نعم بالنسبة لنا يوجد عالم مثال المتصل, أما في الواقع ونفس الامر يثبت لنا أن عالم المثال المنفصل كان موجودا, وبالاتصال به حصل لنا المثال المنفصل, اذن ما هو الفرق بين المثال المتصل والمثال المنفصل؟ المثال المنفصل موجود سواء كنت موجودا او لم تكن موجودا؟ فتارة بناء على هذا, فتارة تصل إليه فتحصل صورة وهي المثال المتصل, وأخرى لا تصل إليه فلا تحصل تلك الصورة.

    اذن المثال المتصل ما هو؟ المثال المنفصل ما هو؟ الجواب: المثال المتصل هو المثال المنفصل والمثال المنفصل هو المثال المتصل, المثال المنفصل هو المتصل ولكن بعد وصول الانسان إليه, والمثال المتصل هو المنفصل ولكن قبل وصول الانسان إليه, طبعا نتكلم في ماذا؟ يوجد قيد هنا ما هو؟ هذه في الصور الحقة المطابقة للواقع لم نتكلم عن دعابات المتخيلة لان دعابات المتخيلة لها مصداق, لها ما بإزاء او ليس لها ما بإزاء؟ لا, نحن نتكلم المثال المتصل الحق, الذي له مطابق في الواقع الخارجي. اذن الحصول على الصورة المثالية او على المفهوم العقلي بماذا يتحقق؟ (كلام أحد الحضور) جزاكم الله خيرا, اذا يتذكر الاخوة في نهاية الحكمة هذه النظرية بشكل مفصل قلنا كيف تحصل صورة عند الانسان في المثال المتصل؟ بالارتباط بالوجود المثالي للشيء, كيف يحصل عند الانسان مفهوم عقلي عام؟ بالارتباط بالوجود العقلي لذلك الشيء, لأنه اذا أردنا أن نتكلم بلغة القران {وان من شيء الا عندنا خزائنه} يعني هذا الشيء المادي له وجود مثالي وله وجود عقلاني فان حصل الارتباط بالوجود المثالي, فانت تأخذ منه صورة مثالية وان حصل الارتباط بالوجود العقلي والعقلاني فانت تأخذ ذلك المعنى الكلي.

    انظروا الى هذه العبارات في الاسفار الجزء الاول ص289 هذه عبارته وهي عبارات واضحة: والحاصل, او آخر ص88: وأما حاصل النفس بالقياس الى الصور العقلية ولكن أي صور عقلية؟ من الانواع المتأصلة كالإنسان, فهي هذه الصور, بمجرد إضافة إشراقية تحصل للنفس الى ذوات عقلية نورية, هذا الارتباط الذي يحصل بين النفس وبين تلك الوجودات العقلانية, نأخذ منها ما هو؟ صورة كلية او مفهوما كلية, واقعة في عالم الإبداع نسبتها الى كذا, بناء على قاعدة المُثل الافلاطونية وتلك الذوات العقلية التي هي في عالم المثل, وتلك الذوات وان كانت قائمة بذواتها متشخصة بأنفسها لكن النفس لضعف إدراكها وكِلالها في هذا العالم لا تدركها على ما هي عليها, وهذا بحث مرتبط ببحث الكلي, الى أن يأتي هذا محل الشاهد.

    يقول: أن النفس عند إدراكها للمعقولات الكلية, ماذا يحصل؟ تشاهد ذواتاً عقلية مجردة لا بتجريد النفس إياها كما تقول النظرية المشائية لا, وإنما هي موجودات ولكن بعض الاحيان ترتبط بقرب فتتحد بها وبعض الاحيان تنظر إليها من بعد, لا بتجريد النفس إياها وانتزاعها معقولها من محسوسها كما هو عند جمهور الحكماء, بل بانتقال لها من المحسوس الى آخره. هذا المعنى بشكل واضح السيد الطباطبائي أشار إليه في نهاية الحكمة ص239 هناك في تلك الصفحة الفصل الاول من المرحلة الحادية عشر قال: فالمعلوم عند العلم الحصولي بأمر له نحو تعلق بالمادة المعلوم ما هو؟ موجود مجرد هو مبدأ فاعلي لذلك الامر الموجود في الذهن فأما يرتبط بوجوده المثالي وأما يرتبط بوجوده العقلاني.

    اذن على هذا الاساس كيف يحصل العلم عند الانسان, هذه النتيجة المعرفية التي أريد أن آخذها, كيف يحصل العلم عند الانسان, كان جاهلا فصار عالما الآن أما علما بصورة مثالية او بمعنى كلي ما هي آلية حصول هذا العلم بعد الجهل؟ هو نزول العلم الى العالم او صعود العالم الى العلم أي منهما؟ المشهور بين الحكماء أن النفس واقفة والعلم يأتي إليه, أما بناء على الحكمة الإشراقية والحكمة المتعالية النفس واقفة أم تتحرك؟ (كلام أحد الحضور) ولكن ليست حركة مكانية عرضية وافقيه وإنما حركة عمودية صعودية, واضحة هذه النقطة.

    لذا عبارة انظروا الى عبارة صدر المتألهين: بل بانتقالها النفس تنتقل لا العلم ينتقل, بل بانتقالها او انتقال لها النفس, من المحسوس الى المتخيل ثم الى المعقول وارتحال من الدنيا الى الآخرة باعتبار أن الآخرة باطن الدنيا والملكوت باطن الملك, ثم الى ما ورائهما وسفر من عالم الأجرام الى عالم المثال ثم الى عالم العقول, وهذه هي النقطة الاساسية المعرفية الاولى وهي: أن العلم ليس بتحرك العلم من موضعه ونزوله الى العالم بل العلم إنما بتحرك العالم, طيب اذن تقل لي ماذا تقول لي في قوله {يقذفه الله في قلب من يشاء} طبيعي بطبيعة الحال نحن اذا تكلمنا عن القابل نقول لابد أن يصعد أما اذا نسبنا العمل الى الفاعل نقول يفيض, هذا من قبيل العلاقة بين الكسر والانكسار, اذا نسبته الى الفاعل تقول كسر اذا نسبته الى القابل تقول انكسر, كذلك هنا, اذا نسبناه الى القابل وهو العالم نقول صعد, أما اذا نسبناه الى المعطي الى الفاعل نقول أعطى أفاض, ولعله عند ذلك تفهم هذه الآيات المباركة وهي قوله تعالى {يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} العالم يرتفع لا انه ينزل إليه العلم, او قوله تعالى {إليه يصعد الكلم الطيب} بناء على اتحاد العالم والمعلوم, اذا صعد الاعتقاد المعتقد يصعد أم لا؟ (كلام أحد الحضور) بلي لا فقط الصعود للكيف للعرض وإنما الصعود للمعتقد للعالم للمتحد مع هذا الكيف وغير ذلك وشواهد قرآنية كثيرة في هذا.

    لذا انتم عندما تأتون الى القران الكريم تجدون القران عندما يتكلم يتكلم عن نشأتين له يقول: {إنا جعلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون} {وانه} هذا القران العربي {وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} هناك عالي, باطنه ملكوته, طيب رسول الله  ’ يعلم بهما او يعلم بأحدهما دون الآخر؟ يعلم بهما.

    في ما يتعلق بالنشأة العربية يقول {نزل به الروح الأمين على قلبك}, {أنزلناه في ليلة القدر} أما في ما يتعلق بتلك النشأة الثانية يقول {وانك لتلقى القرآن من لدن عليم خبير} هناك يقول تلقى تصعد حتى تأخذ ذاك الوجود اللفظي له ينزل أما الوجود الباطني له ينزل أم لابد أن تصعد انت؟ لابد أن تصعد.

    اذن النتيجة المعرفية الاولى التي نأخذها اخواني الاعزاء هذه القضية وهي أن حقيقة العلم هي بصعود العالم الى خدمة العلم لا بنزول العلم الى العالم, هذه نقطة.

    النقطة الثانية: أن (كلام أحد الحضور) انت معداتها تهيأها مولانا من طهارة النفس من التعلم من سماع الى الاستاذ هذه كلها مقدمات إعدادية للصعود.

    النقطة الثانية: إن العلم يتكامل او لا يتكامل؟ (كلام أحد الحضور) لأنه بعد أن ثبت تجرد العلم اعم من أن يكون حسياً او خيالياً او عقليا يمكن أن يتكامل او لا معنى للتكامل؟ لا معنى للتكامل اذن لماذا نحن نجد أن علومنا تتكامل؟

    الجواب: لا انه العلوم تتكامل نحن بارتباطنا في هذا العلم في هذه العلوم من خيالية وعقلية يحصل لنا التكامل, وهذه أيضاً غفلة كثيرا ما تقع في نظرية المعرفة, يتصور انه انتم انظروا الى بحث العلة والمعلول كان بحث العلة والمعلول على مباني المتكلمين معنى, على مبناي الاشراقيين معنى, على مباني الفلاسفة معنى, على مباني الحكمة المتعالية معنى, اذن تبين نظرية العلة والمعلول تتعمق تتكامل تتطور, الجواب كلا, العالم كان فاهم ذلك المعنى والآن اتضح أن ذلك المعنى الذي كان يفهمه صحيح او غير الصحيح؟ الخطأ كان خطأ العالم لا العلم, العلم لا يتكامل, وهذه هي النقطة الثانية المهمة, وهي أن العلم لا يتطور, لا يتكامل وإنما العالم باعتبار انه في نشأة المادة وفي نشأة التكامل وفي نشأة الحركة وخصوصا الحركة الجوهرية فهو يتكامل آنا بعد آخر.

    النقطة الثالثة: وهي من أهم النتائج الكلامية وهذه ليست نتيجة معرفية, وهي: إن كل هذه الحقائق المثالية الحقة التي يصل إليها الانسان انت تصل إليها الآن وبعض وصل إليها قبل ألف سنة, وبعض يصل إليها بعد خمسة آلاف سنة, الآن موجودة فعلا او غير موجودة فعلا؟ (كلام أحد الحضور) والشاهد على وجودها الآن, انت جنابك الآن تصل الى حقيقة مثالية تقول الآن وصلت إليها واقعا بالحركة الجوهرية واقعا الآن وصلت, ولكن بعد ذلك ماذا تقول؟ تقول: وهذا هو الذي قاله بعض قبل ثلاثة آلاف سنة, يعني ماذا؟ اذا انت الآن وصلت إليها كيف موجودة قبل ثلاثة آلاف سنة؟

    اذن يكشف عن أن هذه الحقيقة لها وجود فوق أفق الزمان والمكان والحركة قد ترتبط بهذه الحقيقة وقد لا ترتبط, قد تصل إليها وقد لا تصل إليها.

    عند ذلك التفتوا جيدا, اذا كانت كل حقائق هذه الحقائق التي نصل إليها قبل الحركة قبل عالم الشهادة موجودة جميعا في أفق وفي نشأة غير نشأتنا لها قبلية على عالمنا, عند ذلك ينفتح باب واسع للأخبار بالمغيبات, الاخبار بالغيب, هذا باب الاخبار بالغيب واقعا من اعقد المباحث الاعتقادية, نحن نعتبره من المسلمات أن النبي يخبر بالمغيبات او لا يخبر؟ يخبر, هذا الاخبار بالغيب على المباني الفلسفية كيف يمكن تصويره؟

    هنا المشائين يقعون طبعا بعض المشائين الذين ينكرون عالم المثال, يقعون في حيص وبيص, أن هذه العلوم التي مرتبطة بالأمور المثالية هذه اين موجودة التي يرتبط بها الانسان ليراها؟ ما ادري واضح الاشكال أم لا.

    على مباني الاشراقيين والحكمة المتعالية عندنا نشأة المثال المنفصل فيراها في هذه النشأة أما على مباني بعض المشائين الذين يقولون عالم الامكان أما عالم العقل وأما عالم الشهادة, اذن هذه الصور المثالية اين موضعها حتى يراها ويخبر عنها؟ هذه تحتاج الى توجيه ولعلنا نشير إليها. طبعا في ما يرتبط بالأخبار بالمغيبات نزولا وصعودا الروايات فوق حد الإحصاء, لعله إنشاء الله اشرنا الى جملة منها ولعلنا نشير الى جملة أخرى منها, هذا في ما يتعلق بهذا الدليل العقلي الاول لإثبات عالم المثال المنفصل.

    الدليل الثاني: هذا الدليل الذي اعتمده السيد العلامة رحمة الله تعالى عليه في نهاية الحكمة, السيد العلامة في نهاية الحكمة في الإلهيات بالمعنى الأخص ص309 يعني في الفصل السابع عشر من المرحلة الثانية عشرة عنده بيان وهو برهان يقول: بأنه من خلال حصرين عقليين نثبت هذه العوالم الثلاث, من خلال حصرين عقليين, وانتم تعلمون أن الحصر العقلي يعطي نتيجة يقينية او لا يعطي؟ يعطي نتيجة يقينية, ما هو هذا الحصر العقلي؟

    الحصر العقلي الاول يقول: هذه الوجودات نقول أما وجود فيه وصمة القوة والاستعداد بنحو لا اجتماع لكمالاته الأولية والثانوية الممكنة في أول كينونته او لا, صحيح او لا, لذا الشق الثاني هذه لو يبينها يقول: وأما وجود تجتمع كمالاته الأولية والثانية الممكنة في أول كينونته, فلا يتصور بالنسبة الى الثاني, فيه طروا شيء من الكمال بعد ما لم يكن, هذا الذي اصطلحنا عليه بدوه وحشره واحد, والاول الذي بدوه شيء وحشره شيء آخر, والاول عالم المادة وعالم الاستعداد وعالم التكامل وعالم الحركة وعالم التجريد وعالم التصرم وعالم .. الى غير ذلك, والاول عالم المادة, والثاني هذا الذي اجتمعت كمالاته الأولية والثانية او لا؟ أما التفتوا, أما أن يكون مجردا عن المادة وآثارها او لا؟ أما أن يكون مجرد من المادة دون آثارها من كيف وكم وسائر الاعراض الطارية, وأما أن يكون عاريا عن المادة وآثارها جميعا, النتيجة والاول هو عالم المثال والثاني عالم العقل, فالعوالم الكلية كم هي؟ ثلاثة, هذا هو البرهان الذي يعتمد عليه.

    لذا يقول: والاول عالم المثال والثاني عالم العقل هذين القسمين الأخيرين, فالعوالم الكلية ثلاثة وهي … الى آخره, هذا هو الدليل الذي يقيمه السيد الطباطبائي لإثبات عالم المثال. طبعا يبقى بحث وهو انه صحيح من حيث الحصر العقلي هذه ثلاثة, طيب ما المحذور انه يوجد الاول والثالث او يوجد الثالث فقط؟

    هذه تدخل فيه قواعد أخرى من قبيل استحالة الطفرة, من قبيل قانون امكان الأشرف وقوانين أخرى الآن نحن لسنا بصددها ولعله في نهاية الحكمة نحن تعرضنا الى جملة من هذه القواعد فيرجع الى هناك.

    نعم يوجد هنا نقض واحد, ما هو النقض؟ وهو انه كيف هذا الكلام يمكن أن يرد عليه بكلام المشائين, الذين قالوا بان عالم الامكان عقل ومادة, ولكنه كيف ينسجم مع مباني العرفاء الذين قالوا عالم الامكان ثلاثي او رباعي؟ رباعي وانت بالحصر العقلي اثبت ثلاثي اذن كيف يمكن المصير الى وجود حضرة رابعة وعالم رابع وراء هذه العوالم الثلاثة الكلية وهي عالم العقل وعالم المثال وعالم المادة؟ واضح هذا السؤال.

    الجواب عن هذا السؤال مبتني على بيان نقطة أخرى: وهي أن هذه العوالم الثلاثة يوجد بينها سبق ولحوق او لا يوجد؟ لعل قائل يقول: صحيح انه ثبت أن عالم الامكان هو عالم ثلاثي ولكن ما الدليل على انه يوجد بينها سبق ولحوق, من قال انه يوجد بينها ترتب, الاول عالم العقل ثم عالم المثال ثم عالم المادة, لعل الله (سبحانه وتعالى) خلق هذه العوالم جميعا في عرض واحد, يعني عالم, نعم عالم العقل اشرف من عالم المثال وعالم المثال اشرف من عالم المادة ولكنه الاشرفية ليست كافية لإثبات العلية والمعلولية الآن في عالمنا يوجد عندنا عالم ويوجد عندنا جاهل والعالم اشرف من الجاهل ولكن بينهما علية ومعلولية؟ هل يوجد تلازم اذا كان احدهما اشرف أن يكون بينهما ترتب علة ومعلولي؟ لا. اذن من اين أثبتم انه يوجد بين هذه العوالم علية ومعلولية؟

    لأنه السيد الطباطبائي رحمة الله تعالى عليه بعد أن يبين هذه الحقيقة يأتي في الفصل التاسع عشر في ترتيب أفعاله وهو نظام الخلقة يقول: اولا أن العوالم الثلاثة مترتبة وجودا بالسبق واللحوق, فعالم العقل قبل عالم المثال وعالم المثال قبل عالم المادة, أن الترتب المذكور ترتب علي او تركيب علي, لأنه ليس كل السبق واللحوق بالضرورة هو علية ومعلولية, طيب هذا من اين استخرجه؟ فعالم العقل علة لعالم المثال وعالم المثال علة مفيضة لعالم المادة من اين يخرج هذا؟

    الجواب: يقولون برهانه هذا التفتوا: انت اذا فرضت على سبيل المثال فرضت أن عالم العقل اوجد المثال واوجد المادة في عرض واحد, يعني المثال يكون واسطة فيض بالنسبة الى عالم المادة او لا يكون؟ لا يكون, طيب وجوده يكون له تأثير او ليس له تأثير؟ (كلام أحد الحضور) طيب يلزم التعطيل في نظام الكون, لا يقال بان عالم المادة ليست علة لغيره؟ الجواب: عالم المادة باعتبار يوجد فيه حركة تكاملية اذن لا يوجد فيه تعطيل أما عالم المثال توجد فيه حركة تكاملية او لا توجد؟ (كلام أحد الحضور) اذن لكي نخرجه عن عالم التعطيل المثال, لابد أن يكون واسطة بين ماذا وماذا؟ يكون معلولا للعقل ويكون علة لعالم المادة, أما اذا لم يكن علة لعالم المادة فله اثر في هذا العالم او ليس له اثر؟ ليس له اثر, نفس البيان يأتي في العقل, اذا لم نجعل عالم العقل علة لعالم المثال وفرضنا أن عالم العقل خلق في عرض عالم المثال يرد نفس الاشكال.

    اذن نحن عندما نقول عوالم كلية مقصودنا من العوالم الكلية ماذا؟ بينها علية ومعلولية, الآن سوف نجيب على السؤال انه يلزم النقض على مباني العرفاء؟ الجواب: لا يلزم النقض لان عالم الامكان الكامل ليست عالما من العوالم الكلية, يعني أن يكون علة لباقي العوالم لا لا, إنما جعل عالما لأهميته, لعظمه, لجامعيته والا مرادنا أن الانسان الكامل عالم بمعنى انه واجد لكل هذه الكمالات لا عالم بالمعنى الذي نقوله في عالم العقل بالمعنى الذي نقوله في عالم المثال, بالمعنى الذي نقوله في عالم المادة, واضح هذه المعنى.

    اذن على هذا يتضح: التفتوا جيدا, هذا الذي كنا نحن نقوله في البداية والنهاية والأسفار أن العرفاء يقسمون عالم الامكان الى عالم رباعي كان فيه مسامحة في التعبير يبقى عالم الامكان ما هو عالم ثلاثي بهذا المعنى من العالمية يعني بينها ترتب علي, والانسان الكامل ليس عالما في قبال هذه العوالم يعني يقع في الترتب العلي بين هذه العوالم وإنما سمي عالما باعتبار جامعيته لكمالات هذه العوالم, لماذا؟

    لأننا عندما نضع يدنا على بعض الموجودات الامكانية نجد انها لا توجد لها الا عالم المادة كالأشياء, نضع يدنا على بعضها نجد انه لا بالإضافة الى الطبيعة توجد عندها عالم المثال كالحيوانات, نضع يدنا على بعض الموجودات كالمجردات نجد انها لا فقط يوجد عندها عالم التجرد ولا يوجد عندها عالم المادة, أما الموجود الذي هو واجد او يمكنه أن يكون واجدا لجميع هذه الكلمات من هو؟ الانسان فلأهميته ولعظمته ولهذه الاستعدادات التي فيه جعلناه عالما لا باعتبار هذا المعنى من العالمية التي اشرنا إليها, ما ادري واضح صار هذا البيان أيضاً.

    اذن النقطة الأخرى الدليل الثاني الذي انتهينا إليه وهو: انه أساسا البرهان العقلي يدلنا على أن الحصر من خلال حصرين عقليين نصل الى عوالم ثلاثة اذن لابد أن تكون موجودة هذه العوالم الثلاثة الآن أما ببرهان قاعدة امكان الأشرف, وأما ببرهان استحالة الطفرة, وأما بأي بيان آخر.

    هذا تمام الكلام في الدليل العقلي, طبعا توجد أدلة أخرى ولكن أتصور كافي هذا القدر, هذا تمام الكلام في الدليل العقلي لإثبات عالم المثال المنفصل.

    أما الدليل النقلي: من أهم الأدلة النقلية لإثبات عالم المثال المنفصل هو الاخبار بالغيب, ونحن عندما نرجع الى القران الكريم, ونرجع الى كلمات ائمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) نجد تصريحا واضحا بالأخبار بالغيب.

    أما على مستوى القران الكريم فالآيات التي تعرضت لإثبات الغيب وانه يتحقق بعد ذلك, انظر الى هذه الآية {وإذ قال يوسف لأبيه يا أبتي إني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رايتهم ليس ساجدين} هذه الرؤيا تحققت بعد ذلك او لا؟ {قال هذا تأويل رؤياك} هذه الحقيقة تحققت بعد ذلك, يوسف الصديق اين رأي هذه الحقيقة؟ هذه الآية.

    الآية الثانية: {قال احدهما إني أراني أعصر خمرا} وقال الآخر {إني أراني احمل فوق راسي خبزا تأكل الطير منه نبأنا بتأويله أنا نراك من المحسنين} تحقق أم لم يتحقق؟ تحقق, اين؟ طبعا ذاك كان من المعصوم وهذا من غير المعصوم.

    رؤية ثالثة طبعا من غير المعصوم, {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} هذه الرؤيا تحققت خارجا او لم تتحقق؟ تحققت.

    وقال تعالى {ولقد صدق الله رسوله بالحق لتدخلن المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون} الى آخر الآية, تحققت هذه الرؤية أم لم تتحقق؟

    هذا مضافا الى ما لا عد له ولا حصر, من رؤى الناس لا أتصور الا وكل واحد منا لا اقل ولو لمرة واحدة رأى رؤية وبعد ذلك تحققت او لا اقل سمع رؤيا من احد وبعد ذلك تحققت, فكيف يمكن توجيه هذه الإخبارات بالغيب؟

    هذا بيانه وتتمة الامر يأتي إنشاء الله غداً.

     والحمد لله رب العالمين.

    • تاريخ النشر : 2018/02/05
    • مرات التنزيل : 2158

  • جديد المرئيات