22/04/2010
المُقدَّم: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين. السلام عليكم مشاهدينا الكرام ورحمة الله تعالى وبركاته، نحييكم أطيب تحية ونلتقيكم في هذه الحلقة من برنامج مطارحات في العقيدة، عنوان حلقة الليلة: (موقف ابن تيمية من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي علي السلام: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، القسم الخامس) نرحب باسمكم بضيفنا الكريم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، مرحباً بكم سماحة السيد.
سماحة السيد كمال الحيدري: أهلاً ومرحباً بكم.
المُقدَّم: سماحة السيد عودتم المشاهدين الكرام على أن تقدموا لهم تمهيداً وخلاصة لما تقدم في الحلقات السابقة.
سماحة السيد كمال الحيدري: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في الواقع بأنه انتهينا في الحلقات السابقة وخصوصاً في الحلقة الأخيرة إلى بيان مجموعة من الحقائق أشير إليها إجمالاً. الحقيقة الأولى اتضح لنا بأن القرآن الكريم عندما يتحدث عن المهاجرين وعن الأنصار وعن الذين كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويصفهم بأوصاف خاصة وهو أنه رضي الله عنهم ورضوا عنه، ووعدهم مغفرة وأجراً كريماً، كل هذه إنما هي للمؤمنين من المهاجرين والأنصار، وليست لمطلق من صحب النبي (صلى الله عليه وآله) وهذه حقيقة أساسية لابد أن يلتفت إليها كل من يحاول الدخول إلى معرفة الصحابة وتقييم الصحابة، ينبغي أن يلتفت إلى هذه النقطة المنهجية في البحث وهو أن القرآن الكريم ما ذكره من الصفات والفضائل ومن المناقب ومن توصيفات خاصة إنما ذكرها لطبقة خاصة وهم أو لصنف خاص من الصحابة وهم المؤمنون حقاً، الصادقون حقاً، لا مطلق من صحب النبي ولو كان منافقاً.
الحقيقة الثانية التي لابد أن يلتفت إليها المشاهد الكريم أن القرآن الكريم بيّن مجموعة من الحقائق المرتبطة بالمنافقين، يعني عندما نرجع إلى القرآن الكريم نجد أن القرآن الكريم يبيّن لنا بشكل واضح وصريح بأنه أساساً المنافقون الله سبحانه وتعالى لم يعدهم الجنة وإنما وعدهم النار والدرك الأسفل من النار، القرآن الكريم صرح أن المنافقين لكاذبون، صرح أنهم كانوا يثبطون الناس (لا تنفقوا عند من رسول الله) وهكذا، وأنا لا أريد أن أقف طويلاً عند هذه القضية، وإلا لو كان الوقت يسع كنت وقفت طويلاً عند هذه المسألة، لأن الأبحاث كثيرة ولو أردنا أن نطيل الكلام واقعاً لضاعت علينا أبحاث كثيرة. من هذه الآيات (الآية 68 من سورة التوبة) قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) وبطبيعة الحال إذا كان الصحابي منافقاً فلا يعقل أن يكون مشمولاً للآيات التي دلت على أنه وعدهم الأجر والمغفرة والثواب والى غير ذلك. وكذلك عشرات الآيات التي تكلمت من قبيل (الآية 1 من سورة المنافقون) قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ) إذن هؤلاء شهدوا، جاءوا إلى رسول الله، إذن صحبوا رسول الله، لأنه عرفوا الصحبة بأنها من رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، (قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) مع أننا في آيات سابقة قرأنا أن صحابته إنما استحقوا كل تلك الأوصاف من المغفرة والثواب والأجر والرضا لأنهم صادقون لا لأنهم كاذبون.
إذن النقطة الثانية والحقيقة الثانية التي لابد أن يلتفت إليها المشاهد الكريم هو أنه لابد أن نميّز جيداً بين الصحابة المؤمنين حقاً، والصادقين حقاً، وبين الصحابة المنافقين، يعني الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الإسلام، نشهد أنك رسول الله كما نص الآية المباركة.
هنا يأتي دور هذا الحديث المبارك المتواتر الوارد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) حيث قال: (يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) هذا الحديث هو الذي سوف يكون الفيصل والفاروق والميزان والمعيار الذي به نميز مؤمني الصحابة عن منافقيهم، يعني الضابط الذي وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لنا لنميز أن هذا الصحابي مؤمن وأن هذا الصحابي منافق، أن هذا كاذب وأن هذا صادق، هو أن تعرضه على حب علي، فإن أحب علياً فهو مؤمن، وإن أبغض علياً فهو منافق، لماذا؟ لأنه كما قرأنا في أحاديث سابقة (يا علي من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله) ولا أعتقد أن هناك مسلم يحترم عقله يقول أنه يوجد هناك من يبغض الله سبحانه وتعالى ومع ذلك الله سبحانه وتعالى لأجل أنه رأى رسول الله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار.
على هذا الأساس يتضح لنا بشكل واضح وصريح هذه الحقائق الثلاث الأساسية وهو أنه أساساً كل ما ورد في النصوص القرآنية ومرة أخرى أتأسف أن الوقت لا يسع لأن أقف عندها طويلاً، كل النصوص والآيات القرآنية التي تحدثت عن المهاجرين والأنصار وعن الذين كانوا معه إنما هي مختصة بالمؤمنين حقاً وصدقاً وبالصادقين واقعاً ظاهراً وباطناً، ظاهراً وواقعاً. هذه هي الحقائق التي انتهينا إليها في الحلقة السابقة.
المُقدَّم: سماحة السيد إذن ننتقل إلى محور آخر بعد هذه الخلاصة، وهو هل هناك نص قرآني يمنع النيل من المؤمنين من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
سماحة السيد كمال الحيدري: في الواقع أنه هذا السؤال، يحاول البعض ممن يخرجون على الفضائيات، وأنا لا أريد أن أستعمل نفس الأساليب التي يستعملونها وهي التدليس على الناس، لا، في الأعم الأغلب هؤلاء الذين يخرجون على الفضائيات ويقرءون هذه الآيات، واقعاً هم من أهل الجهل لا من أهل العلم، يعني لا يوجد عندهم تدبر في القرآن الكريم، لأن القرآن الكريم صريح في هذا يقول: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) هؤلاء توجد أقفال على قلوبهم وإلا لو قرءوا القرآن كما ينبغي وتدبروا في آيات القرآن، وإلا وجدت بعضهم يقول: أنظروا إلى قوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ويحاول أن يطبقها على الصحابة، يقول أن الصحابة كلهم خير الأمة، واستغرب واقعاً، ما هي علاقة الأمة بمسألة الصحابة.
المهم من الآيات التي يتكرر ذكرها في كلمات كثير من أولئك ويؤكدون عليها هذه الآية المباركة وهي (سورة الحشر، الآية 10) قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ– يعني نحن وأمثالنا إلى قيام الساعة من التابعين وتابعي التابعين إلى قيام الساعة- يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) هذه الآية المباركة واقعاً كذلك، والحق أنه كذلك، يعني هذا الدعاء ينبغي أن يكون دعاء كل مسلم ومؤمن، وهو أن يقول (ربنا اغفر لنا) ولكن لمن؟ (وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ) لا أنهم سبقونا وكانوا منافقين، استغرب واقعاً. الآية تقول (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ) ونحن واقعاً نطلب الغفران لكل صحابي مؤمن، مما لا إشكال فيه، نعم كلامنا في بعض الصحابة الذين لم يثبت لنا أنهم كانوا مؤمنين، بل ثبت لنا أنهم كانوا منافقين. قد يقول لنا قائل: أنتم تقولون أن كل صحابي ثبت إيمانه فأنتم تدعون له بالغفران؟ الجواب: القرآن الكريم ذكر شروطاً أخرى، الروايات الصحيحة ذكرت شروطاً أخرى. مثلاً من الشروط التي ذكرت للصحابي بعد الإيمان أن لا يحدث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أن لا ينقلب بعد رسول الله، أن لا يرتد بعد رسول الله، أما إذا ارتد وأحدث وانقلب بعد رسول الله عند ذلك يكون من المحدثين وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إذن الشرط الأول والأصل الأول في الصحابي أن يكون مؤمناً، الأصل الثاني في الصحابي أن لا يحدث وأن لا يرتد وأن لا ينقلب على عقبيه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هل يوجد أصل ثالث؟ نعم يوجد أصل ثالث وهو ما قرأناه في الأطروحة المهدوية، ويتذكر المشاهد الكريم (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) إذن أولئك الذين حاربوا علياً في زمان إمامته وخلافته، أنا لا أتكلم قبل ذلك، هؤلاء بايعوه أو لم يبايعوه؟ نعم بعضهم بايع ونكث البيعة، وبعضهم أمثال عبد الله بن عمر أصلاً لم يبايع، هذا مات ميتة جاهلية، مات ميتة على الضلالة، إذن هذه الأصول الثلاثة لابد أن تحفظ عندما نريد أن نتعرف على صحابي أنه من أهل الجنة أو ليس من أهل الجنة. الأصل الأول هو الإيمان، الأصل الثاني هو أن لا يكون محدثاً ومرتداً ومنقلباً على عقبيه، الأصل الثالث أن يكون قد بايع إمام زمانه حتى لا يموت ميتة جاهلية (من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية) (من مات وليس في عنقه بيعة لإمام عدل) وإلا بيعة إمام فاسق فاجر، بيعة إمام منافق أنا لا أعلم كيف أن بيعة إمام منافق تؤدي بإنسان إلى الجنة؟!. إذن هذه لابد من الالتفات إليها.
طبعاً يكون في علم المشاهد الكريم أن هذه الآية وهي (الآية 10 من سورة الحشر) وردت بعد الآيات (8 و 9) في قوله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) ثم قالت الآية: (والذين جاءوا بعدهم) أي بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار قال: (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَِلأَخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ – لا مطلق المهاجرين والأنصار- وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ- بغضاً، حقداً، حسداً، تبرءاً- لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهو كذلك، يعني لا ينبغي لمؤمن أن يجعل في قلبه حقداً أو غلاً أو بغضاً أو تبرءاً من الذين أمنوا، سواء كانوا من الصحابة أو من غيرهم، فالميزان ليس هو الصحبة بما هي صحبة، ولا أريد أن أدخل في هذا البحث، الصحبة أخواني الأعزاء ليست امتياز، الصحبة مسؤولية مؤكدة، مسؤولية مركزة، مسؤولية إضافية، ليس من صحب النبي يكون له امتياز حتى إذا فعل ما فعل قتل ما قتل ظلم ما ظلم فإن هذا يكون له براءة من النار، حتى يأتي بعض الجهلة على الفضائيات ويقول (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) يعني على الصحابة وفيهم (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) أو (وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) إذن على هذا الأساس لا ينبغي إلا لجاهل واقعا، إلا لإنسان لا يعرف منطق القرآن، لا يعرف التدبر في القرآن، ولذا قلت أن هؤلاء يقينا ليسوا من الصنف الذين (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) بل من الصنف الذين (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) وإلا صريح القرآن الكريم (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) صريح الآيات القرآنية.
وهنا أشير إلى نقطة وهو أنه إذا ثبت أن صحابي، لا صحابي بل أياً كان، وأنا إنما أؤكد على الصحابي باعتبار أن الحديث في الصحابة، وإلا هذا مطلق، إذا ثبت أن إنساناً كان منافقاً فيجب التبرأ منه، يجب قلباً أن نتبرأ منه، لا أن نتولاه، لماذا؟ لأن القرآن الكريم قال: (أَلَمْ تَرى إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا) إذن المنافقون أخوان الكافرين، والمراد من الأخوان هنا أمثالهم، المراد من الأخوة هنا المثل لا الأخ النسبي، من قبيل كان وأخواتها، ما معنى كان وأخواتها يعني مثيلاتها (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) يعني على مثلها وعلى منهاجها، القرآن الكريم يعبر عن المنافقين يقول: (يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني هؤلاء المنافقون والكفار على منهج واحد، على طريقة واحدة، والفرق هو أن هذا يظهر الكفر وذاك يبطنه، وهذا خطره أعظم ومصيبته أشد على الإسلام. (الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) – حتى مع الكفار، هؤلاء شيمتهم الكذب والغدر والخداع- والله يشهد أنهم لكاذبون، إذن على هذا الأساس عندما نأتي نجد أن القرآن الكريم، إذا كان هؤلاء كفار فطبيعة البحث العلمي والبحث القرآني يقتضي منا التبرأ منهم (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) ومن الواضح أن من أوضح مصاديق الكفار هم المشركون، (فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ … * وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ).
كيف يطلب أحد منا أن نتولى المنافقين وهم الكفار حتى ولو كانوا صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هؤلاء مغضوب عليهم، وفي الدرك الأسفل من النار.
هذه الآية المباركة التي أشير إليها (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا) هذه لا علاقة لها بأن تزكي لنا كل الصحابة، وإنما هي مختصة بالمؤمنين الصادقين من الصحابة بالإضافة إلى الشروط السابقة التي أشرنا إليها. إذن على هذا الأساس يتضح لنا بعد آخر وهو أن هذه الآية المباركة التي يتكرر ذكرها على جملة من الفضائيات أيضاً لا علاقة لها ولا تستطيع … لأني وجدت البعض يحاول أن يقول أن القرآن أمرنا بالاستغفار لهم وطلب الغفران لهم. نعم أمرنا للمؤمنين والصادقين منهم لا للمنافقين منهم الذين يبطنون الكفر والذين يجعلون هدفهم ومنهجهم مع الكفار منهجاً واحداً.
المُقدَّم: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) وإبراهيم عليه السلام تبرأ من عمه. يعني هل يمكن الإشارة سماحة السيد إلى بعض من أبغض علياً عليه السلام ونصب له العداء بحيث يدخل في قوله (ولا يبغضك إلا منافق).
سماحة السيد كمال الحيدري: بطبيعة الحال لا هذا البرنامج ولا وقت البرنامج ولا أنا بصدد استقراء كل أولئك الذين أبغضوا علياً ونصبوا له العداء، لماذا نحن نقف عند هذه النقطة؟ لأنا ذكرنا مراراً وتكراراً بأن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) جعل ميزان إيمان الإنسان ونفاق الإنسان المسلم هو حبه لعلي وبغضه لعلي، هذا هو الذي من أراد أن يعمل بسنة رسول الله فهذه سنة رسول الله, ولكن أحاول بإذن الله تعالى في هذه الليلة ولعله في الليالي القادمة أن نقف عند بعض كبار الذين يدعون لهم الصحبة وإلا بالنسبة إلينا نحن لا نرى أن هذه الصحبة التي لها قيمة في القرآن الكريم، ليس كل من رأى رسول الله وادعى أنه مسلم فهو صحابي بالمعنى الصحيح عندنا، ولعله سنذكر الميزان الصحيح للصحبة لرسول الله التي نعتقدها، لذا أنا الآن لست بصدد الاستقراء ولكن أحاول أن أقف عند بعض الشخصيات التي إلى يومنا هذه تكتب عنه عشرات الكتب وأنه أمير المؤمنين، وأنه الإنسان الذي كتب الوحي، وأنه خال المؤمنين، وعشرات العناوين، الملك المجاهد، وأنه أمير المؤمنين، ومقصودي من ذلك هو معاوية بن أبي سفيان، وأنتم تعلمون أساساً أن أبحاثنا في المطارحات في الحلقات الأخيرة هي (معالم الإسلام الأموي) وباعتقادي أن من الناحية السياسية ومن الناحية الفكرية أنه إنما بدأ هذا النهج بشكل واضح وصريح في المجتمع الإسلامي على يد بني أمية وعلى رأسهم معاوية الذي كان بعد ذلك يسمى عندهم خليفة المسلمين.
أما هو دليلنا على أن معاوية كان مبغضاً لعلي، في المقدمة لابد أن أشير للمشاهد الكريم أساساً أن البغض عندما نقول فلان يبغض فلان البغض له مظهر، تارة يأتي شخص ويصرح ويقول أنا أبغض فلان، وعندنا روايات وسنقرأها بعد ذلك ونبين أن بعض الصحابة كان يصرح أني أبغض علياً، بل أحب فلان لأنه يبغض علياً، يعني إنما يحب فلاناً لأجل بغضه علياً، إذن يصرح ببغضه، وأخرى قد لا نجد رواية تصرح أن معاوية كان يظهر بغضاً لعلي، ولكن البغض له مظاهر ومن أهم مظاهره أنه يلعن شخصاً، أنه يسب شخصاً، أنه ينال من شخص، بأي دليل أقول أن السب واللعن والنيل يسمى بغضاً؟ انظروا الآن للذين يخرجون على الفضائيات ويقولون أن الشيعة يبغضون بعض الصحابة، لا يقولون يبغضون، نعم بعض الجهلة منهم يقولون أن الشيعة يبغضون كل الصحابة، لا، هذا كلام فارغ لا اساس له، نعم قد يستدلون ببعض الروايات، أنه لم يبق إلا ثلاثة إلا سبعة، إلا تسعة، والذين أتأسف له أن بعض من يدعي أنه صاحب دكتوراه وصاحب شهادات أكاديمية يقول أن الشيعة يقولن أنه لم يبق من الصحابة إلا تسعة، نعم توجد روايات ولكنه كما علمنا الأخوة وعلمنا المشاهد الكريم ليست كل رواية بالضرورة أنها صحيحة وأنها يمكن الاعتماد عليها ويعول عليها، ولذا انتم تنظرون أنه كثيراً من الروايات نحن لا نقرأها لأنها غير مقبول عند الطرف الآخر، ضعيفة عند الطرف الآخر، هذه الروايات التي قالت إما لها محمل وهو أنهم المراد من الارتداد ليس الارتداد عن الدين وإنما له معنى كما أنه في الصحابة بعضهم ارتدوا بعدك، ليس المراد من الارتداد يعني خرجوا عن الإسلام، لا ليس الأمر كذلك، وإنما المراد من الارتداد يعني رفضوا بعض الضروريات الثابتة في الدين. على أي الأحوال ذاك بحث، ولكن اعتقادنا أن كثيراً من الصحابة مع علي قتل في صفين 700 من الصحابة، هؤلاء كانوا مع علي في صفين، فكيف نقول سبعة أو ثلاثة أو تسعة كما يقول بعض الأميين على الفضائيات.
إذن من أوضح مظاهر البغض هو السب، هو النيل، هو اللعن، وإلا نحن لا توجد في كتب أحد يقول: نبغض، لا ليس كذلك الأمر. هو التبري فهو من مظاهر البغض، السب من مظاهر البغض، اللعن من مظاهر البغض، إذا كان الأمر كذلك نأتي إلى معاوية لنرى أنه كان ينال من علي أو لا ينال، سب علياً أو لا يسب، بل سيتضح أنه ليس فقط يسب علياً بل سن سنة سيئة، ومن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهو كذلك، واقعاً كل من ينال من علي بطريق أو بآخر فوزرها على رأس النفاق معاوية في زمانه.
لابد أن ننظر إلى النصوص الصحيحة لنرى أن النصوص الصحيحة تبين لنا أن معاوية كان ينال ويسب ويلعن علياً أو لا؟ الروايات الواردة في هذا المجال كثيرة جداً وأنا أحاول أن أقف عند بعضها.
الرواية الأولى في (السنن، ج1، ص88، الرواية رقم 121) لابن ماجة القزويني، بتحقيق وضبط شعيب الأرنؤوط، الرسالة العالمية، دمشق، الحجاز، شارع البارودي، الطبعة الأولى، 1430هـ، الرواية عن سعد بن أبي وقاص، قال: قدم معاوية في بعض حجاته فدخل عليه سعد، فذكروا علياً فنال منه، قد يقول قائل: لعل سعد نال منه. الجواب: كلا، لأن الرواية تقول: فغضب سعد، وهذا يكشف عن أن ضمير (نال منه) يعني معاوية نال من علي، ولذا هذا تغيير الضمائر أو حذف الأسماء بعد ذلك سيتضح التلاعب فيه، وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، وسمعته يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وسمعته يقول: لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله كما في النصوص ويحبه الله ورسوله. في هذه الرواية يقول: حديث صحيح وهذا سند رجاله ثقات – شعيب الأرنؤوط يقول وهو من الأعلام في علم الجرح والتعديل المعاصرين- يقول: وأخرجه النسائي في الكبرى، وأخرجه بأطول مما هنا …، وأخرجه الترمذي، وانظر ما سلف برقم (116) يشير إلى رواية أخرى، الرواية عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله في حجته، وهي مرتبطة بغدير خم، ولا أريد الدخول فيه. إذن المصدر الأول هو رواية صحيحة تقول أن معاوية نال من علي.
المصدر الثاني في هذا المجال ما ورد في (صحيح ابن ماجة، ج1، ص58، الحديث 120) تأليف العلامة الألباني، يقول: قدم معاوية فذكروا علياً فنال منه، المهم عندي أولاً يقول: صحيح، ويشير إلى أن الرواية، لأنه يذكر الرواية في صحيح سنن ابن ماجة، المهم عندي ما في الحاشية حيث يعلق على قوله (فنال منه) يقول: فنال منه، أي نال معاوية من علي وتكلم فيه. وهذا تصريح من العلامة الألباني أن الفاعل الذي نال من علي وتكلم في علي هو معاوية. هذا هو المورد الثاني أو الرواية الثانية الواردة في هذا المجال. وهذا ما صرح به الإمام السندي في (شرح سنن ابن ماجة، ج1، ص86) بشرح الإمام أبي الحسن الحنفي المعروف بالسندي، المتوفى سنة 1138هـ حققه الشيخ خليل مأمون شيحة، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1420هـ، يقول الإمام السندي: قوله فناله منه أي نال معاوية من علي ووقع فيه وسبه. والسندي حنفي وليس شيعياً رافضياً، وليس ممن خرج من الدين، ليس من الذين غالوا في علي. لا يكتفي بسبه، بل أمر سعداً بالسب، كما في مسلم، أنه أساساً كما قيل في مسلم والترمذي، ما منعك، يعني أنه أمره بالسب، وهذه ما منعك تعني أنه امتنع عن السب، وقال له لماذا لا تسبه، يقول: ومنشأ ذلك – مع الأسف الشديد لا أعلم سبب هذا الكلام- الأمور الدنيوية التي كانت بينهما – أنا لا أعلم ما هي الأمور الدنيوية التي كانت بين علي ومعاوية- ولا حول ولا قوة إلا بالله والله يغفر لنا ويتجاوز عن سيئاتنا ومقتضى حسن الظن – وأنا لا أعلم أي حسن ظن مع أن رسول الله يقول لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق- أن يُحمل السب على التخطئة – أنا لا أعلم كيف أنه إذا أراد أحد أن يخطّأ أحداً يسبه، هذا تكلفهم- ونحوها مما يجوز بالنسبة إلى أهل الاجتهاد – حتى يقول اجتهد فأخطأ فله أجر، يسب علي لا يكون منافقاً بل يكون له أجر، هذا منطق البعض، وأنا لا أريد أن أعلق أكثر، والحكم للمشاهد الكريم، الحكم للعاقل المنصف، يقول أنه لابد أن يحمل، لأنه لابد أن يدافع عن معاوية بأي ثمن، كونوا على ثقة لو أن علياً فعل هذا لما وجدتم من يحمل فعله، كما وجدنا ذلك في ابن تيمية حيث نسب أمور لم تصدر من علي عليه السلام إليه.
يقول: ونحوها مما يجوز بالنسبة للاجتهاد لا اللعن وغير اللعن، لا ينبغي أن يحمل هذا الكلام، مع أنه صريح يقول نال من علي ووقع فيه وسبه. هذا هو المورد الثالث.
وهنا بودي أن المشاهد الكريم يلتفت، وهو أن هذه الرواية واردة في (المصنف لابن أبي شيبة، ج17، ص101، ذيل الحديث 32741) الإمام ابن أبي شيبة العبسي الكوفي، المولد سنة 159هـ، المتوفى سنة 235هـ، يعني من أهم المصادر الأساسية، حققه وقوم نصوصه محمد عوامة، مؤسسة علوم القرآن، وقد أشرنا إلى هذا المصدر فيما سبق. الرواية حدثنا فلان حدثنا فلان … إلى أن يقول: قدم فذكروا علياً فنال منه معاوية. يتبين أن النص كان نال منه معاوية والتلاعب حصل بعد ذلك، رفعوا كلمة معاوية، فنال منه حتى يحتمل أن يكون الفاعل معاوية أو سعد أو أي شخص أخر، يعني يأتي التأويل خلاف الظاهر، ومن الآن أنصح المشاهد الكريم عندما يريد أن يراجع فليراجع المصادر الأصلية لأنه في كثير من الأحيان وجدت أنهم يرفعون الاسم ويضعون بدله ضمير لكي يكون قابلاً للتمويه، يعني في (شرح الأحوذي) قالوا أن (نال منه) من قال أن معاوية نال منه، لعله غيره. الرواية صريحة في هذا المجال، الرواية تقول: فنال منه معاوية، فغضب سعد فقال: تقول هذا لرجل … الخ.
في ذيل الرواية – محمد عوامة يقول- إسناده قول، لا فقط صحيح، إسناد قوي، وقد رواه ابن أبي عاصم في السنة … ورواه بمثل إسناد المصنف مصنف ابن ماجة ورواه النسائي ورواه بهذا اللفظ أحمد، وعندما راجعنا كل هذه وجدنا أن لفظ (معاوية) غير موجود فيها، ورواه بهذا اللفظ أحمد ومسلم والترمذي والنسائي والحاكم وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي وروى الحاكم طرفاً منه …
فإذن الروايات واضحة وصريحة أن معاوية، أنا لا أتصور إذا كانوا يريدوا أن ينكروا هذه النصوص فإلى أي نص يمكن أن يطمئنوا من مصادرهم، هذه أهم مصادرهم تقول أن معاوية نال من علي وسبه، بل أمر سعد بن أبي وقاص، يعني أمر صحابياً أخر أن يسب علياً. إلى هنا المرحلة الأولى.
المرحلة الثانية، معاوية ماذا فعل؟ في المرحلة الثانية حاول معاوية بكل ما أوتي من قوة أن يربي جيلاً على سب علي، لا في مجالسه الخاصة وإن كان المسلمون فليحبوا علياً، ولينقلوا فضائله ومناقبه، وإنما حاول أن يقوم بعمل ثقافي فكري عقدي لقلب موازين الحب والبغض عند المسلمين.
المُقدَّم: وهو بهذا يرد على رسول الله.
سماحة السيد كمال الحيدري: متى آمن هو برسول الله حتى يرد على رسول الله، هو متى آمن برسول الله، هو رأس النفاق في زمانه، على أي الأحوال بعد ذلك سوف توضح الأبحاث أكثر، وهذا المعنى يشير إليه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) يقول أن معاوية استطاع أن يربي أهل الشام على بعض علي والنصب لعلي، وهذا لستُ أن القائل به، ولا القائل به شخص من مدرسة الصحابة أن من مدرسة أهل البيت، وإنما يقوله شخص يمدح معاوية ويدافع عنه ويقول أنه كان مجتهداً ونترضى له ونطلب المغفرة له.
هذا المعنى ذكره الذهبي في (سير أعلام النبلاء، ج3، ص128) يقول: وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلونه – على علي- إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء- يعبر عنه بالكرم والحلم والعطاء مع أنه كان سرقة من بيت مال المسلمين- وإما ولدوا على الشام على حبه وتربى أولادهم على هذا الحب، وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة وعدد كبير من التابعين والفضلاء وحاربوا معه أهل العراق – احفظوا هذه الجملة – ونشأوا على النصب، نعوذ بالله من هذا. من أنشأوا ورباهم على النصب لعلي، من هم النواصب؟ بعد ذلك سأقرأ لكم من هم النواصب بتصريح الذهبي وغيره، وابن تيمية، من هم النواصب بغض النظر عن كلمات اللغويين. يقول: ونشأوا على النصب – يعني نصب علي-.
النصب كما ورد في (سير أعلام النبلاء، ج4) بتحقيق الأرنؤوط يقول: الناصبية وهم المنافقون والمتدينون ببغضة علي. إذن لا فقط يبغضون علي، بل يدينون لله ويتقربون له ببغض علي. من أنشأ أهل الشام على بغض علي؟ هذا السؤال لابد أن يذكر ويطرح على التأريخ وعلى المحققين وعلى الأساتذة وعلى العلماء، واللطيف ليس أنه نشأ جيل وكذا ناس من الشامين على بغض علي، بل كبار من العلماء نشأوا على ذلك أمثال ابن تيمية، أمثال وابن كثير، أمثال والذهبي، أمثال وابن حجر وابن القيم الجوزية وهذه الطبقة، هؤلاء كلهم نشأوا على بغض علي ولكنه ما استطاع كثيراً منهم أن يصرح لماذا؟ لأن صريح الرواية المتواترة تقول: لا يبغضك إلا منافق.
قال: سموا بذلك لأنهم نصبوا له – أي لعلي- وعادوه. هذا صريح عبارة الذهبي في سير أعلام النبلاء.
ونفس هذا المعنى يقوله ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، ج3، ص175) في النسخة الحديثة، أما في النسخة القديمة (ج4، ص554) يقول: وكانت الكوفة بها قوم من الشيعة المنتصرين للحسين وكان رأسه المختار بن أبي عبيد الكذاب، وقوم من الناصبة المبغضين لعلي وأولاده. إذن من هم النواصب؟ الذين يبغضون علي وأولاد عليه، يعني يبغضون أهل البيت، يعني يبغضون من طهرهم الله في (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) يبغضون من جعلهم النبي الأكرم عدلاً للقرآن (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي) قد يقول لنا قائل أن هذا ليس مختصاً، بحثي الآن ليس كونه مختصاً بهؤلاء أو لا، المهم يشمل هؤلاء، لا إشكال أنه لم يخالف أحد من علماء المسلمين في ذلك.
ارجع إلى نص الذهبي في سير أعلام النبلاء، قال: ونشأوا على النصب، وتبين ما هو النصب، يتدينون ببغض علي وأهل بيته. وهنا يظهر نصب هذا الرجل – الذهبي- يقول: كما نشأ جيش علي ورعيته على حبه والقيام معه. يقول: هذا رباهم على حبه وذاك أيضاً رباهم على حبه. كأن حب هذا وحب ذاك سيان، وهنا يظهر نصبه، يعني الذهبي لا أعلم هل لا يفرق بين من أحب علياً ومن أبغض علياً، لا يفرق بين من أحب علياً وبين من أحب معاوية، ولكنه هو مباشرةً يدخل على الخط بهذه الطريقة ويقول: كما نشأ جيش علي إلا الخوارج على حبه والقيام معه وبغض من بغى عليه والتبرأ منه. يعني علي رباهم مع أن هؤلاء لم يربهم علي، إنما رسول الله رباهم، والقرآن رباهم، لأن الرسول قال: (لا يبغضك إلا منافق) ووجدوا أن معاوية منافق إذن أبغضوه. وغلى خلق منهم في التشيع، فبالله كيف يكون حال من نشأ في أقليم. فالقضية مرتبطة بالظروف والتربية وغير مرتبطة بتربية القرآن ورسول الله. لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً … ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال فنحمد الله على العافية. باعتبار أنه أموي. فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق واتضح من الطرفين – باعتبار أنه في زمان أمير المؤمنين كانت هناك شبهة والحق غير واضح- وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين وتبصرنا فعذرنا واستغفرنا. يستغفر لمعاوية الذي أنشأ أهل الشام – أهل الشام في ذلك الزمان لا في هذا الزمان- أنشأهم على بغض علي. وأحببنا – يحب من أبغض علياً- باقتصاد وترحمنا على البغاة – معاوية-. لأنه لا إشكال أن الباغي عندهم هو من؟ وهذا دليل على أن الذهبي من رؤوس النهج الأموي الذي قلته مراراً وتكراراً، البعض قال لنا سيدنا من أين تقول أن الإمام الذهبي منهم؟ هذا ما يبين ذلك. قال: وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة – هؤلاء تأولوا فأخطأوا- أو بخطأ إنشاء الله مغفور – عجيب يقول أخطأوا ولكن خطأ مغفور لهم- وقلنا كما علمنا الله (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا). أيها المسلم، أيها الإمام، يدعون أنه إمام، الآية تقول (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا) لا للذين نافقوا، ومعاوية نافق، ولم يؤمن بدليل (لا يبغضك إلا منافق).
أساساً لست أنا فقط أقول بأن معاوية كان ناصبياً، كان منافقاً، انظروا إلى (البداية والنهاية، ج17، ص375) للحافظ عماد الدين أبي الفداء ابن كثير القرشي الدمشقي، المتوفى 774هـ، وهو من أعلام النهج الأموي، في (ص373) من الكتاب يقول: قال الشيخ عماد الدين بن كثير ثم قلت أنا بعد ذلك أبياتاً، يذكر مجموعة من الأبيات ينقلها عنه، وهي أرجوزة لبعض الفضلاء، ثم بعد ذلك يقول قلت أنا بعد ذلك، هو ينشأ أبياتاً، وهي:
وهكذا خلفا بني أمية
عدتهم كعدة الرفضية
ولكن المدة كانت ناقصة
عن مئة من السنين خالصة
وكلهم قد كان ناصبياً – كل الخلفاء الأمويين، شهد شاهد من أهلها، يقول: وكلهم قد كان ناصبياً، البعض يقول: لماذا يقول اتباع مدرسة أهل البيت (اللهم العن بني أمية قاطبة)؟
وكلهم قد كان ناصبياً
إلا الإمام عمر التقيا – يعتقد أن عمر بن عبد العزيز مستثنى منهم.
قد يقول قائل أن مقصوده ليس معاوية، ولكن التفت جيداً، يقول:
معاوية ثم ابنه يزيد – إذن معاوية كان من النواصب بإقرار وشهادة ابن كثير وشهادة أمثال الذهبي كما قرأنا.
معاوية ثم ابنه يزيد
وابن ابنه معاوية السديد
مروان ثم ابن له عبد الملك.
وهكذا يعد كل خلفاء بني أمية ويجعلهم من النواصب. وهناك شواهد أخرى كثيرة في هذا المجال.
المُقدَّم: معنا الأخ حبيب من فرنسا، تفضلوا.
الأخ حبيب: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ حبيب: بارك الله في خدمتكم يا شيخ، لي مداخلة لأن أصحاب النهج الأموي يحاولون أن يضللوا أكثر عدداً من الناس، وقد حضرت صلاة الجماعة في أحد المساجد، فكان الإمام في خطبته يوصي المصلين أنهم إذا كانوا في عجلة من أمرهم في الصلاة فأنه لا يجب عليهم أن يذكروا (آل محمد) في التشهد بل يكتفون بالصلاة على النبي فقط، فأقول له: ما هو الوقت الذي يستغرقه الصلاة على (آل محمد) مع الصلاة على النبي. فيتبين من ذلك أن شيخهم ابن تيمية قد أضلهم كثيراً.
سماحة السيد كمال الحيدري: شكراً كثيراً على هذه المداخلة القيمة، التي يظهر منها البغض على فلتات لسانهم من حيث لا يشعرون، وإلا فكم يأخذ من الوقت ذكر (آل محمد) في الصلاة، ولكنهم يريد بأي طريق أن يذكر كل شيء إلا آل محمد.
المُقدَّم: معنا الأخ محمد من سوريا، تفضلوا.
الأخ محمد: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ محمد: سيدنا ممكن سؤال: ممكن نعرف مكانة الصحابة والخلفاء الثلاثة بالنسبة لاخواننا الشيعة.
سماحة السيد كمال الحيدري: في كلمة واحدة، أخواني الاعزاء، حديثنا ليس في الخلفاء الثلاثة الأول والثاني والثالث، إنشاء الله تعالى إذا تهيأت فرصة مناسبة سنقف للحديث عن هؤلاء الخلفاء، ولكن المهم عندي هو بيان تأثير النهج الأموي في تراث المسلمين عموماً، وأنه كيف يحاول أتباع النهج الأموي في السعودية أو في غيرها يحاولوا أن يبشروا بهذا النهج بعنوان أنهم يمثلون مدرسة أهل السنة والجماعة، وقد ذكرت مراراً أن هؤلاء دخلاء على مدرسة أهل السنة والجماعة، فإن أهل السنة والجماعة لهم منهجهم ولهم حبهم وارتباطهم بأهل البيت عليهم الصلاة والسلام، بخلاف هؤلاء الذين تربوا ونشأوا على بغض علي وأهل بيته.
المُقدَّم: معنا الأخ مؤيد من إيران، تفضلوا.
الأخ مؤيد: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ مؤيد: أشكركم على برامجكم الرائعة، بعض الوهابيين يستشكلون علينا على ما يستفاد من هذه الرواية الشريفة (لا يحبك إلا مؤمن) بأن الصديقة الطاهرة سلام الله عليها أيضاً غضبت على أمير المؤمنين ويسندون ذلك إلى علل الشرائع للشيخ الصدوق عليه الرحمة في المجلد الأول، ولكن أنا شخصياً لم أعثر عليه، فالسؤال أولاً هل هذه الرواية موجودة، وثانياً: لو وردت ما معنى هذه الرواية، يعني رجاءً اشرحوا لنا.
سماحة السيد كمال الحيدري: في كلمة واحدة، نود أن تكون الأسئلة في تكون في موضوع البحث وما هو خارج عن موضوع البحث كما هو منهجي لا أتعرض للجواب على ذلك، لأن هذه القضية تحتاج إلى تتبع لا أن نعرف سند الرواية ونعرف ما هو موردها لنستطيع أن نتكلم فيها.
نجد أن النهج الأموي وعلى رأسه معاوية، يعني رأس النفاق في زمانه، نجد أنهم أساساً تربى جيل على أنهم يخافون أن يعملوا بسنة رسول الله لأنهم يخافون أن يعترض عليهم معاوية، لأن هذه السنة كان قد عمل بها علي، فيخافون أن يعملوا بسنة رسول الله فيتهمون بأنهم يحبون علي، ولذا كانوا يبتعدون عن سنة رسول الله حتى لا يتهموا بالحب لعلي، يعني بعبارة أخرى قلب سنة رسول الله إلى بدعة حتى لا يرتبط الناس بحبهم لعلي، النصوص في هذا المجال كثيرة جداً، وأنا أشير إلى نصين أو ثلاثة:
الرواية الأولى واردة في (صحيح سنن النسائي، ج2، ص343، الرواية 3006) للألباني، الرواية عن سعيد بن جبير، قال: كنت مع ابن عباس بعرفات فقال – ابن عباس-: ما لي لا أسمع الناس يلبون، قال: قلت – سعيد بن جبير-: يخافون من معاوية. فخرج بن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم لبيك، فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي. التفتوا جيداً، هذه السنة ليست سنة علي، وإنما هي سنة رسول الله، ولكن لأن علي عمل بها فلابد أن تترك السنة حتى … تركوا السنة بغضاً من علي. والرواية صحيحة الإسناد كما ورد في صحيح سنن النسائي.
وكذلك وردت هذه الرواية في (التعليقات السلفية على سنن النسائي، ج1، ص464) يقول والرواية صحيحة الإسناد، وعلق على الرواية الإمام السندي في (شرح سنن النسائي، ج5، ص279) بعد أن ينقل الرواية يقول: فأنهم تركوا السنة من بغض علي، يعني (سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي وحاشية الإمام السندي)، نص العبارة، يقول: وبهذا ظهر منشأ الخلاف بين العلماء في التلبية في عرفات، لأن معاوية كان يمنع والسنة النبوية كان لابد أن يرفع صوته. وظهر أن الحق مع أي الفريقين، مع السنة النبوية أو النهج الأموي. من بغض علي أي لأجل بغضه أي وهو كان يتقيد بالسنن فهؤلاء تركوها بغضاً لعلي. يعني بدأوا بترك وطمس السنن النبوية بغضاً لعلي. وابن تيمية يقول عز الإسلام ومنعته بمعاوية وبني أمية.
المُقدَّم: معنا الأخ أبو زهراء من إيران، تفضلوا.
الأخ أبو زهراء: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ أبو زهراء: عندي مداخلة، وهي أنه في (صحيح البخاري ج4، ص160)، دار الفكر، بيروت، 1401، لما يقولون للنبي لنقتل عبد الله أبي النبي يقول: لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه، فيسمي النبي هذا المنافق وهو عبد الله بن أبي أنه كان صحابي، فهم يقولون أن الصحابي ليس منافقاً، والنبي يقول هذا في صحيح البخاري (الجزء 4، ص160) يقول: لا يقول الناس أنه يقتل أصحابه.
المُقدَّم: شكراً لكم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، كما أشكر الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
- تاريخ النشر : 2011/10/22
- مرات التنزيل : 3686
-