23/05/2010
المُقدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، السلام عليكم مشاهدينا الكرام ورحمة الله وبركاته، نحييكم أطيب تحية ونلتقيكم في حلقة جديدة من برنامج مطارحات في العقيدة، عنوان حلقة الليلة: (موقف النهج الأموي من دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) على معاوية: لا أشبع الله بطنه، القسم الأول) في حلقة اليوم سنكون معكم بصحبة سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، مرحباً سماحة السيد.
سماحة السيد كمال الحيدري: أهلاً ومرحباً.
المُقدِّم: يأتي هنا السؤال الأول وهو ما هي المواقف التي أتخذها علماء النهج الأموي من هذا الدعاء الصادر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) على معاوية، وهو بعبارة (لا أشبع الله بطنه).
سماحة السيد كمال الحيدري: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
قبل ان أجيب على سؤال الأخ العزيز الدكتور سالم، بودي أن أشير إلى نقطة أو ملاحظة طالماً كنا نؤكد عليها وعلى فائدتها ونجاحها ولكن كان هناك البعض يشكك في هذه المحاولة. نحن عندما بدأنا هذه الحواريات والتي أسميناها حواريات على الهواء مباشرة، وهو أننا نأتي من خلال منهج علمي موضوعي هادئ قائم على أسس علمية ومنهجية ومعتمدة على أهم مصادر وصحاح ومسانيد مدرسة الصحابة لبيان ما نعتقده من الأمور العقدية والتأريخية وغيرها، وكنا نتوقع في مقابل هذه التساؤلات التي نطرحها وهذه الأمور والحقائق التي نبينها لعموم المسلمين في العالم أنه الاتجاه الآخر والمدرسة الأخرى إذا كانت لها اجابات علمية وموضوعية قائمة على أسس صحيحة كان ينبغي أن يخرجوا إلى الفضائيات والمواقع للإجابة على كثير من هذه التساؤلات، بل جملة من هذه التحديات التي اشرنا إليها وبيناها في الحلقات أو في الأشهر الماضية. والآن أشعر شخصياً أن بعض الفضائيات استجابت من حيث تشعر أو لا تشعر لمثل هذا الحوار على الهواء مباشرة، نحن الآن عندما نطالع ونرى بعض الفضائيات نجد أنها بشكل أو بآخر تحاول أن تجيب على مجموعة من التساؤلات والحقائق التي أشرنا إليها وإن كان بعضها مما يؤسفني ذلك أنها تتناولها أو تمتزج وتختلط معها بأساليب وكلمات فيها الاتهام وفيها التدليس وفيها الكذب وفيها الأمور التي تنسب إلى الآخر وأنا أتصور أننا في غنى عن هذا المنهج وهذه الطريقة التي اعتادها البعض في الفضائيات ومع الأسف في بعض المواقع الالكترونية، يعني بالإمكان أنا عندما أنقل الرواية من أي كتاب من الكتب الأساسية إذا كانت الرواية سنداً غير صحيحة أو دلالة وما استفدته من الدلالة أو مضمون الرواية غير صحيح بالإمكان أن يناقشوا ذلك من غير دخول في أمور لا غنى عنها وأنا أتصور أنها تشنج الجو العلمي بدلاً من أن تخدم كشف الحقيقة لعموم المسلمين، وبحمد الله أن هذه البرامج الآن يستقبلها ملايين المسلمين في جميع أنحاء العالم من مختلف البلاد الإسلامية والعربية والأوربية وغيرها، وبودي أنه واقعاً أن هذا الأسلوب الذي بدأناه مذ أشهر وهو الحوار على الهواء مباشرة نحن نشير إلى الحقائق إذا كانت عندهم إجابات فليجيبوا عنها.
أما فيما يتعلق بتساؤل الأخ العزيز الدكتور سالم وهو أنه أساساً ما هي المواقف التي أتخذها النهج الأموي أو أولئك الذين لهم هوى أموي فيما يتعلق بهذا الحديث الصادر عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أو الدعاء الصادر من رسول الله على معاوية في ذم معاوية، قد يقول لي قائل: لماذا تقولون أن هذا دعاء على معاوية وفي ذم معاوية؟ في الواقع أنا لا أقول، أنا لست القائل بهذا، وإنما القائل بذلك هو مسلم في (صحيح مسلم، ج4، ص383، كتاب البر والصلة والآداب، باب من لعنه النبي (صلى الله عليه وآله) أو سبه أو دعا عليه) حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه الشيخ مسلم بن محمود عثمان السلفي الأثري، وقلنا بأنه هذا الكتاب مطبوع في دار الخير ويتذكر المشاهد الكريم مراراً أشرنا إلى هذه الحقيقة في الأبحاث السابقة وقلنا بأنه الطبعة الأولى للمراسلة دمشق، سوريا. وأورد في ذيل هذا الباب هذا الحديث، قال: فجئت فقلت هو يأكل، فقال رسول الله: لا أشبع الله بطنه. ومن الواضح أن هذا ليس لعناً وليس سباً بل هو دعاء على معاوية بمقتضى العنوان الذي عنون به مسلم هذا الباب، قال: باب من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه. ومن الواضح أن جملة (لا أشبع الله بطنه) لا يمكن أن نضعها في دائرة السب أو اللعن وإنما هي في دائرة الدعاء عليه لا الدعاء له، يعني ذمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الدعاء يعني أراد النبي بهذا الدعاء أن يبين له فضيلة أو يبين له مثلبة؟ من الواضح أن بمقتضى ما ذكره صحيح مسلم أنه كذلك. ولذا نحن نجد في روايات الباب أيضاً ما يؤيد هذه الحقيقة وهي متعددة. قال: قلت لعنتهما، قال: أوما علمتي ما شارطت عليه ربي، اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فأجعله له زكاة وأجراً.
إذن فيما يتعلق بهذه الحقيقة أن هذا الكلام الصادر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو دعاء وذم لمعاوية الذي يعده القوم صحابياً ويعدونه من كتبة الوحي. من هنا أريد أن أدخل إلى الجواب على هذا التساؤل الذي طرح في أول البحث وهو أنه ما هي المواقف أو مواقف علماء النهج الأموي ازاء هذا الدعاء الصادر من رسول الله، وهنا بودي أن يلتفت المشاهد الكريم إلى هذه الحقيقة وهو أنه هنا سيتضح بشكل كامل وواضح وصريح أن علماء النهج الأموي وأعلام النهج الأموي كيف تعاملوا مع هذا النص الوارد عن الرسول الأعظم والدعاء الوارد عن الرسول ازاء معاوية وعلماء مدرسة الصحابة كيف تعاملت مع هذا الدعاء الوارد من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
في المقدمة واقعاً رجائي من المشاهد الكريم أنه يدقق جيداً في هذه المواقف. المواقف التي يمكن ذكرها في المقام واقعاً متعددة.
الموقف الأول: أننا نجد أن جملة من الأعلام من محدثين وغيرهم عندما جاءوا إلى هذا الدعاء لم يشيروا إليه في كتبهم، لماذا؟ لأنهم وجدوا لا يجدون له مخرجاً ودفاعاً عن معاوية فالأفضل الإعراض عنه كما فعل البخاري، فالبخاري لم يشر إلى هذه الرواية مع أن مسلم قد نقلها في صحيحه، وهم يقولون بأن كتاب مسلم أصح الكتب بعد كتاب الله، بل في بعض الموارد يقدمونه على البخاري، لم يشر إليه، وكذلك آخرون، ولعله أيضاً الشيخ ابن تيمية لم يشر إلى هذا بحسب ما تتبعت فإن وجد أحد هذا الكلام في منهاج السنة أو في فتاوى ابن تيمية أو في كتب أخرى فليبعثه لي، في الواقع بحسب ما تتبعت لم أجد في كتب ابن تيمية إشارة لهذا الحديث، لأنه علم أنه لا يستطيع أن يدافع عن معاوية، فالأفضل الإعراض وترك هذا الحديث. وهذا شيء غريب جداً، أنه عندما ترد رواية صحيحة على مستوى ينقلها مسلم ومع ذلك لم يشر إليها الشيخ ابن تيمية. هذا هو الموقف الأول.
الموقف الثاني: وهو الموقف الذي اتخده مسلم ومن هو على نظير مسلم ومشابه لموقف مسلم، ماذا فعل مسلم؟ في الحلقة السابقة يتذكر المشاهد الكريم والآن مرة أخرى أذكر المشاهد فقط للاستذكار (فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) جعل رواية (لا أشبع الله بطنه) جعلها في باب (من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك) يعني أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض الموارد قد يسب وقد يلعن وقد يدع على شخص وهو غير مستحق، وبعبارة أخرى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد يلعن وقد يسب مؤمناً وهو غير مستحق، لأنهم يعتقدون بأن معاوية من المؤمنين، إذن رسول الله دعا على مؤمن وهو غير مستحق لذلك، ومن هنا تجدون وأشرنا إلى ذلك أن النووي في (شرح صحيح مسلم، ج15، ص371) قال: وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه. هذا قول الإمام النووي، فهم مسلم، وأنا لا أعلم من أين فهم مسلم هذا ليجعله في هذا الباب، المهم النووي يقول هذا المعنى بشكل واضح وصريح، وقد اشرنا إلى هذا المعنى.
وكذلك أشرنا في الحلقة السابقة قلنا أنه في (البداية والنهاية، ج11، ص402 ) لابن كثير القرشي الدمشقي يقول: فركب مسلم من الحديث الأول – الحديث الذي أجعله له قربة وكرامة وزكاة- وهذا الحديث فضيلة لمعاوية. إذن حاولوا بجهدهم أن يجعلوا، وإن كان ظاهره مثلبة ومعاوية ولكن أرادوا أن يحولوه إلى مدح وفضيلة ومنقبة لهذا الصحابي، بهذا التركيب من هنا وهناك، وهذا طبعاً يكون في علم المشاهد الكريم واقعاً هذا لم نجده في كثير من الصحابة، يعني عندما ترد هنا بعض الروايات في كتبهم وفيها ذم لعلي في تركه صلاة الصبح أو كذا لا نجد مثل هذا الدفاع، عندما تصل النوبة والذم إلى معاوية فلابد من أن يركب هذا على هذا وإن انتقص رسول الله وإن كان رسول الله سباباً وإن كان لعاناً وإن كان شتاماً، حتى ننجي معاوية من هذا الذم الوارد بحقه. واقعاً غريب.
الموقف الثالث: وهو أغرب من المواقف السابقة، الآن لو ظهر واحد منا على فضائية، أعني من مدرسة أهل البيت وقال أنه ليست الأحاديث الواردة في صحيح مسلم كلها صحيحة بل فيها ضعيف لرموه بعدم العلم والجهل وأنه متعصب وأنهم يهود وأنه سبأيون وأنهم فرس، ولكن لأن القضية ترتبط بالدفاع عن معاوية وعن رأس النهج الأموي النفاقي الذي حاول تدمير الإسلام فيما مضى وهو مستمر إلى يومنا هذا بنفس النهج، نجد أنهم يخطأون مسلم لأجل حفظ كرامة معاوية.
المُقدِّم: وبالتالي يهدمون صحيح مسلم لأجل معاوية.
سماحة السيد كمال الحيدري: واقعاً لأجل معاوية، أنا أرجع وأقول، أقول تحقيق لكتاب مسلم للشيخ محمود عثمان السلفي الأثري، قدم له وقرضه الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزحيلي (صحيح مسلم، ج4، ص387، الباب 25، من كتاب البر والصلاة، الرواية 2604) بعد أن ينقل الرواية يقول المعلق في الحاشية: حديث ضعيف. عجيب، غريب واقعاً، يعني مسلم أيضاً ينقل أحاديث ضعيفة، لماذا لا تقولونه، الجواب يأتي مباشرة، يقول: لا، إذا ارتبط بأمثال معاوية فلابد أن يضعف مسلم لحفظ بني أمية. حديث ضعيف بأبو حمزة القصاب الذي نقل الرواية، لأن الرواية حدثنا شعبة عن أبي حمزة، بودي أني يحفظ المشاهد الكريم هذا السند، حدثنا شعبة عن أبي حمزة القصاب عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله فتواريت خلف باب، قال: فجاء فحطأني حطأة يعني وضع كفه في ظهري، وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت إلى وقلت هو يأكل، قال: ثم قال لي اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت وقلت هو يأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه. يقول: حديث ضعيف، أبو حمزة القصاب ضعفه أبو حاتم والنسائي وأبو داود وأبو زرعة في عبارات مختلفة فإن قلت: يعني لم يوثقه أحد. يقول: نعم وثقه ولكن لا نقبل التوثيق، وتوثيق ابن معين وابن حبان لا يقوى أمام هؤلاء.
المُقدِّم: إذن هؤلاء صاروا أقوياً في قبال مسلم لأجل معاوية.
سماحة السيد كمال الحيدري: نعم لأجل معاوية، وليس له عند مسلم إلا هذا الحديث، يعني أبو حمزة القصاب، المهم إذن الموقف الثالث الذي اتخذوه لحفظ كرامة وحفظ النهج الأموي طعنوا في إمام كمسلم، حتى لا يصل إلى غبار إلى ذيل خطامة معاوية. وأنا لا أعلم لماذا إذن عندما نقول نحن لا نوافق على كل ما ورد في صحيح البخاري أو صحيح مسلم لماذا ينتقدنا البعض، هؤلاء هم محققوكم وعلمائكم يشككون بل ويضعفون نصوصاً صحيحة واردة في صحيح مسلم، هذا باب آخر لعلي اوفق إليه وسيتضح أن تضعيف روايات مسلم ليس مختصاً بهذا الرجل، العلامة الألباني يقول: من اعتقد أن كل ما في الصحيحين صحيح فهو شاذ. هذا من الشذوذ يعتبر العلامة الألباني، وكذلك شيخ الأمويين ابن تيمية في موارد متعددة يخطأ مسلم وغير مسلم وبحثه إنشاء الله إذا وفقت سأشير إليه.
الموقف الرابع: وهو أغرب المواقف، أنا بودي أن الأخوة الأعزاء والمشاهد الكريم يقف عند هذا الذي أريد أن أقوله في الموقف وهذه قضية مع الأسف الشديد نجد لها نظائر كثيرة في كتب القوم وفي صحاحهم وأهم مسانيدهم، وهو أنهم جاءوا إلى هذا الحديث والى هذا النص والى نفس هذا السند لا بسند آخر وبطريق آخر، نقلوا الحديث ولكن حذفوا منه (لا أشبع الله بطنه) هذه هي الأمانة! لأنهم لا يستطيعوا أن يفعلوا له شيئاً، لأنه من حيث المضمون ذم لصاحبي أولاً، وليس لأي صحابي، فلو ذم علي فلا يهمهم، ولكن الذم عندما يصل إلى النهج الأموي وأتباع النهج الأموي وأئمة النهج الأموي أمثال معاوية عند ذلك تجدهم يستنفرون بكل قواهم، فمنهم من لا ينقل الحديث ومنهم من يضعف السند ومنهم من يحاول أن يركب يميناً على يسار ليخرجه عن الذم، ومنهم من يحذف هذا المقطع من الحديث ليتخلص منه بأي ثمن، تقول: هل يوجد هذا الأمر. بودي أن يلتفت المشاهد الكريم معي، هذا كتاب (الموسوعة الحديثية لمسند الإمام أحمد بن حنبل، ج4، ص50، الحديث 2150) أشرف على تحقيقه إمام من أئمة التحقيق المعاصرين وهو العلامة الأرنؤوط، قال: حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة كما قرأنا في صحيح مسلم، عن أبي حمزة – القصاب- سمعت ابن عباس يقول: مر بي رسول الله وأنا ألعب مع الغلمان، بنفس العبارات، فاختبأت منه خلف باب فدعاني فحطأني حطئة ثم بعث بي إلى معاوية والسلام. وينتهي الحديث. لا أعلم ما الفائدة من هذا الموضوع، لأن القضية بمن بمعاوية، فلابد أن يبرأ منه حتى لو كان الذام هو رسول الله الذي (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ولكنه مع الأسف الشديد هذا مسند الإمام أحمد. وفي الذيل الرواية يقول: إسناد حسن، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير أبي حمزة فقد روى له مسلم حديثاً واحداً هو هذا ووثقه ابن معين وابن نميز وقال أحمد: لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات، قال: ولينه أبو زرعة، لينه لا ضعفه، ولكن السلفي يقول ضعفه. وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي، لم يضعفه، ولكن انظروا إلى الأمانة العلمية، بودي أن المشاهد الكريم يلتفت، يقول: ضعفه فلان، يقول: حديث ضعيف مع أن العلامة الأرنؤوط يقول أن هذا السند حسن ولا إشكال فيه، وهو وارد، ثم يقول: أخرجه مسلم من طريقين من شعبة، وأخرجه الطيالسي، وأخرجه العقيلي وغير ذلك.
يكون في علم المشاهد الكريم أن العلامة الأرنؤوط قد أورده في (مسند الإمام أحمد، ج4، ص397) قال: أخبرنا أبو حمزة، قال: سمعت ابن عباس يقول… أيضاً في ذيل الحديث يقول: إسناده حسن رجاله ثقات. هذا في المجلد الرابع من مسند الإمام أحمد.
وكذلك في (مسند الإمام أحمد، ج5، ص217، الرواية 3104) أنا هنا فقط أشير إلى المصادر والأخوة المشاهدين يراجعون ذلك، أيضاً الرواية عن أبي حمزة قال: سمعت ابن عباس.
وكذلك في (ص234، الرواية 3131) في هذه المواضع الأربعة، يعني في (ج4، ج5) كل منهما في موضعين، يشير إلى هذا النص وهذا الحديث بحذف (لا أشبع الله بطنه) وهنا يأتي هذا التساؤل وإن كنت سأطيل شيئاً على المشاهد الكريم، لماذا أن أحمد بن حنبل حذف هذا المقطع؟ لا يستطيع أحد أن يقول أن أحمد بن حنبل لم يرَ هذا النص، لأنه نفس السند، والذين نقل عنهم مسلم هم الذين نقل عنهم أحمد.
لكي يتضح هذا الأمر بشكل جيد بودي أن نقف ولو قليلاً لنعرف موقف أحمد بن حنبل من معاوية بن أبي سفيان، أنه كان له موقف إيجابي أو موقف سلبي؟ أو لا اقل كان يدافع عنه أو أنه لا، كما هو كثير من علماء المسلمين يقولون بأنه يسكت عنه أفضل.
أنا أشير إلى كلمتين أو ثلاث في هذا المجال، وفي موردين أنا بودي أن أشير:
المورد الأول: ما ورد في كتاب (السنة) لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال، أنا أريد أن أبين موقف أحمد بن حنبل من معاوية حتى يتضح لماذا حذف هذا المقطع من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من هذا الحديث. في هذا الكتاب (ج1، ص432) هناك مجموعة من الروايات لا يسع الوقت لنقلها جميعاً ولكن اكتفي ببعضها. الرواية الأولى وهي رقم (654، ص432، ج1) الرواية: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي. قال: بلا. قلت: وهذه لمعاوية، قال: نعم، له صهر ونسب، قال: وسمعت بن حنبل يقول: ما لهم ومعاوية، ماذا يريدون من معاوية، لماذا يتكلمون عليه، وكأنه الذين تكلمنا عليه ولم يتكلم عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) ذمه ودعا عليه، نسأل الله العافية، يقول في الحاشية: إسناده صحيح. هذه الرواية الأولى.
الرواية الثانية: سمعت هارون بن عبد الله يقول لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل، جاءني كتاب من الرقة، أن قوماً قالوا لا نقول معاوية خال المؤمنين فغضب، وكأنه آية منزلة أو من المستحبات المؤكدة أو من الفرائض الدينية أنك عندما تقول معاوية لابد أن تقول خال المؤمنين، وإلا فيك ما فيك، بل أنت فاسق إذا لم تقل خال المؤمنين، أحمد بن حنبل يقول، فغضب وقال: ما اعتراضهم في هذا الموضع، لماذا يعترضون، يجفون حتى يتوبوا، هذا عمل يؤدي بصاحبه إلى الفسق والفجور والخروج عن الصراط المستقيم. وفي الحاشية أيضاً يقول: إسناده صحيح.
الرواية الثالثة، قال: وجهنا رقعة إلى أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل، ما تقول رحمك الله في من قال: لا أقول إن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول أنه خال المؤمنين، فإنه أخذها بالسيف غصباً، لم يصر خليفة بالموازين وإنما بالسيف. قال أبو عبد الله: هذا قول سوء رديء يجانبون هؤلاء القوم، لا يجلس معهم، ولا يجالسون ونبين أمرهم للناس، نفضحهم للملأ كأنهم خرجوا على الصراط المستقيم. هذا موقفه في (السنة) للخلال.
والأغرب من ذلك وبودي أن المشاهد الكريم واقعاً لا يستغرب هذا الحديث الذي سأقرأه، هذا الكتاب للإمام الحنبلي (شذرات الذهب لأخبار من ذهب، ج1، ص270) لابن العماد الإمام شهاب الدين الحنبلي الدمشقي، أشرف على تحقيقه وخرج أحاديثه عبد القادر الأرنؤوط ومحمود الأرنؤوط، دار ابن كثير، بودي أن يلتفت المشاهد الكريم ماذا يقول ابن العماد الحنبلي عن إمامه أحمد بن حنبل، فلا يمكن أن يتهمه أحد في هذا المجال، يقول: توفي معاوية بن أبي سفيان وفلان وتملكها فلان، وسار بالرعية سيرة جميلة – معاوية- يضرب به المثل وهو أحد كتبة الوحي، وهو الميزان في حب الصحابة، إذن إذا أردتم أن تزنوا الناس فزنوهم بحب معاوية وبغض معاوية، هذا نص الحديث الذي ثبت لعلي هم نقلوه لإنسان سب علياً ولعن علياً وآذى رسول الله وسب رسول الله بالبيان الذي تقدم، وسن سنة سب ولعن علي وأهل بيته إلى زمن عمر بن عبد العزيز، بل أكثر من ذلك، من دعا عليه رسول الله وقال (لا أشبع الله بطنه) يقول ابن حماد الحنبلي وهو الميزان في حب الصحابة، ومفتاح الصحابة، هذا عندما قلناه في علي والله وبالله لم يوافق عليه الشيخ ابن تيمية، الشيخ ابن تيمية قال: كيف يمكن أن يكون شخصاً هو المفتاح والميزان في الإيمان والنفاق، وهذا ليس محل الشاهد، بل أن محل الشاهد هو هذه الجملة التي ينقلها ابن العماد، يقول: سأل الإمام أحمد بن حنبل أيهما الأفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز، فقال: لغبار، غبار مقدار من التراب الخفيف، لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله، وأنا لا أعلم متى حارب معاوية بين يدي رسول الله، هذا للتاريخ وليس الآن بحثه، لغبار لحق بأنف جواد معاوية خير من عمر بن عبد العزيز، باعتبار أن معاوية صحابي. وباعتبار أنه كاتب الحي، وباعتبار أنه له صهر ونسب مع رسول الله، إذن الغبار الذي يجلس على فرس معاوية وجواد معاوية يكون أقدس وأفضل من عمر عبد العزيز، وهو الخليفة الراشد الخامس عندكم، وعند مدرسة الصحابة، وليس أنا الذي أقول، وفي الحاشية يقول: أنه عد عند الكثيرين من أئمة المسلمين في مقام الخلفاء الراشدين. إذن تبين أن غبار لحق بأنف جواد وفرس معاوية أفضل ممن هو في صف الخلفاء الراشدين. قداسته تصل إلى هذا الحد.
المُقدِّم: وعندما نقول أن غبار زوار الحسين يقولون أن هذا بدعة.
سماحة السيد كمال الحيدري: والله أنا لا اريد أن أتكلم عن غبار زوار الحسين، أريد أن أتكلم عن الغبار الذي على الحسين وعلى قبر الحسين، من الحسين؟ صحابي، فلا شك في هذا، سبط رسول الله، هل في هذا شك، ريحانة رسول الله، هل في هذا شك، سيد شباب أهل الجنة، هل في هذا شك، هو من العترة الذين قرنوا بحديث الثقلين لا يفارقهم الكتاب ولا يفارقهم الكتاب، هل في هذا شك، هو من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، هل في هذا شك، فلو قائل: أن غبار أنفِ جواد الإمام الحسين في يوم العاشر من محرم أفضل من يزيد مثلاً، لوجدتم الصراخ وا إسلاماه انظروا إلى الغلو، انظروا إلى الشرك، انظروا إلى عبادة غير الله، ولكن عندما تصل النوبة إلى معاوية فلا، لغبار لحق بأنف جواد معاوية أشرف وأقدس من عمر بن عبد العزيز، وأنا لا أعلم هل يمكن أن يكون غبار أنف جواد صحابي أفضل من ممن هو الخليفة الراشد الخامس أو من هو في عدل الخلفاء الأول والثاني والثالث يعني أبو بكر وعمر وعثمان، وإلا نحن لا نعتقد هذا الكلام بالنسبة لعلي، علي في جانب، بحسب ما تعتقدون أنتم، بحسب مبانيكم الرجالية وعقائدكم، أنتم تعتقدون. إذن يمكن أن يكون غبار لحق بأنف جواد صحابي يكون أشرف ممن هو من علية الصحابة. هل تقبلون هذا أو لا؟ إن كنتم لا تقبلون فلماذا لا تتكلمون؟! لماذا انتم ساكتون على هذا التراث، هذا التراث المدسوس في كتبكم، لماذا أنتم ساكتون، لماذا فقط تطالبون منا تصحيح كتبنا، تقولون أنه يوجد في كتبنا ما لا يمكن السكوت عليه، تطالبونا بالتصحيح، تطالبونا بالحذف، تطالبونا بالتهذيب، أنتم أولاً مطالبون بمثل هذا الكلام، أنتم لابد أن ترفعوا مثل هذه الكلمات البائسة السقيمة التي لا يقولها عاقل، وليس لا يقولها عالم، لا يقول عالم إلا مختلط ومجنون ينقل هذا الكلام، أن يكون غبار لحق بأنف جواد منافق، بل رأس المنافقين في زمانه، بل أساس الخط الأموي المنافق الذي كان بناءه على تدمير الإسلام إلى يومنا هذا، أنتم هكذا تقدسون، فما بالكم إذا وجدكم أننا نحن نعطي قيمة خاصة للحسن والحسين ولعلي ولأهل البيت، تأخذكم الحمية والغيرة على الإسلام، هذه هي كلماتكم، هذه هي مبانيكم، لا تعتقدون، أخرجوا على الفضائيات، واتحداكم ان تخرجوا على أي فضائية وتنكروا هذا الكلام. هذا تحدٍ لكل فضائياكم، أتحداكم على مواقعكم وفضائياتكم وكتاباتكم، بل على العكس من ذلك تصرون، أخذتكم العزة بالأثم، إنشاء الله تعالى سأتي بالكتب التي كتبتموها أخيراً في الدفاع عن معاوية، وكتبتكم كلمات واقعاً الإنسان لا فقط يشمئز بل أنه يخجل أن يقرأ عناوين هذه الكتب، أخيراً وقع كتاب في يدي وهو (إسكات الكلاب العاوية لفضائل خال المؤمنين معاوية) يعتقد من يختلف معه في الرأي من الكلاب العاوية، هذا الإنسان الجاهل لا أقل لم يكن يعرف أن الكلاب لا تعوي وأن الكلاب تنبح، الغبي كان غبياً إلى هذه الدرجة حتى لا يعرف النباح وغيره.
المُقدِّم: ألم يعلم هذا الكاتب أن أول من فعل ذلك هو رسول الله.
سماحة السيد كمال الحيدري: وهو أول من فتح الباب (لا أشبع الله بطنه) ولذا تجدهم يحذفون كل هذا الكلام.
الموقف الخامس: وهو أشنعها موقفاً، وهو أنهم قالوا: من قال لكم بأن هذا ذم لمعاوية ودعاء على معاوية بل هذا دعاء لمعاوية، النبي (صلى الله عليه وآله) بهذا الكلام أراد أن يبين منقبة وفضيلة لمعاوية، انظروا ماذا يقول في (سير أعلام النبلاء، ج14، ص129) للإمام الذهبي، هذه عبارته بعد أن يقول: حديث (اللهم لا تشبع بطنه) بعد أن نقل هذا الحديث، يقول: قلت لعل أن يقال هذه منقبة لمعاوية، من قال أن هذا ذم لمعاوية، مسلم يضعها في من دعا عليه الرسول، والإمام الذهبي يقول لعل أن يقال هذه منقبة لمعاوية لقوله (صلى الله عليه وآله): اللهم من لعنته وسببته فأجعل ذلك له زكاة ورحمة. ورب قائل يقول: كيف، يقول: باعتبار أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول أن من لعنته وسببته ودعوت عليه أجعل له زكاة، فهو دعا عليه حتى يكون مشمولاً بهذا الأجر والثواب والمغفرة والقرب الإلهي، يعني الرسول (صلى الله عليه وآله) كأنه لا توجد هناك طرق للمغفرة فاختار له هذا الطريق، وهو أنه يلعن معاوية أو يدع على معاوية لأنهم يعلمون أن جملة من أصحابه وعلية الأصحاب رسول الله لعنهم وسبهم وطردهم ودعا عليهم فوضعوا هذا الباب وحلوا هذه المشكلة، حل جيد، قال: الرواية هذه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم إنما أنا بشر فأي ما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته، طبعاً وهو غير أهلاً له، وإلا لو كان أهلاً له فلماذا يجعل له زكاة ورحمة. وفي رواية أخرى ورحمة، وفي رواية ثالثة: اللهم أني اتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فأي المؤمنين أذيته، مؤمن، ورسول الله آذاه بغير حق، فأي ما مؤمن آذيته، شتمته، عجيب أن رسول الله كان شتاماً وكان سباباً ولعناناً ونحن لا نعلم، شتمته، لعنته، جلدته، فأجعلها له صلاة وزكاة تقربه بها إليك يوم القيامة.
المُقدِّم: هذا كله لأجل معاوية.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذا لأجل معاوية وأمثال معاوية، وغير مختص بمعاوية، لأنكم تعلمون أنه جملة من الذي يعتقد بهم النهج الأموي، هؤلاء مشمولون لدعاء النبي، النبي دعا عليهم، النبي لعنهم، النبي طردهم، النبي قال ما فيهم، فأفضل طريق لهم. ولازم هذا الكلام أنه كلما ازدادت اللعنة على صحابي ازداد الأجر والثواب والقرب إلى الله تعالى، والله لا أعلم هؤلاء يخادعون أنفسهم، هؤلاء لا أعلم ما هم.
المُقدِّم: في المقابل يقولون كان رسول الله كريماً إذا أراد أن يدعوا على أحد يقول: تربت جبينك، حتى الدعاء كان بالسجود.
سماحة السيد كمال الحيدري: سأقف عند هذا فيما بعد، ولكن انظروا إلى هذه الروايات العجيبة الغريبة التي ينقلونها وكلها لرفع درجات، هذا معناه أنه لماذا رسول الله يدعو لأحد فالأفضل أن يلعنه ويسبه بدل أن يدعو له.
الرواية الأخرى، سمعت رسول الله يقول: اللهم أنما أنا محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وأني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه فأي ما مؤمن أذيته أو سببته أو جلدته فأجعلها لها كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة. إذن إذا صدرت معاصي وفجور من بعض الصحابة فهي كفارة له تقربه إلى الله.
إذن هؤلاء بشكل واضح وصريح يريدون أن يجعلوا أو جعلوا من رسول الله سباباً ولعاناً وشتاماً ومؤذياً للمؤمنين، هناك بحث آخر ولا اريد أن أدخل فيه وهو ما علاقة معاوية بهذا، لأن معاوية ليس بمؤمن، بل ثبت نفاقه، بل هو رأس المنافقين في زمانه. من رؤوس المنافقين هو وجملة ممن سايره إلى خطه، فهذه الرواية لا تشمله، لأن الرواية تقول: فأي ما مؤمن أذيته، وهو ليس بمؤمن، هذا فضلاً عن اللوازم الأخرى التي يشار إليها.
فتحصل إلى هنا أن المواقف التي اتخذها النهج الأموي ألخصها في خمسة:
الموقف الأول: أنهم لم يشيروا إلى هذا الحديث.
الموقف الثاني: أنهم ذكروه في باب يشم منه رائحة أنه غير مستحق له كما قرأنا.
الموقف الثالث: أنهم ضعفوا سند الحديث.
الموقف الرابع: أنهم حذفوا هذا المقطع من الحديث.
الموقف الخامس: أنهم جعلوه منقبة وفضيلة.
وهو ما ورد أيضاً في (سر أعلام النبلاء، ج3، ص123) يشير إلى هذه الحقيقة يقول: فسره – لا أشبع الله بطنه- بعض المحبين قال: لا أشبع الله بطنه حتى لا يكون ممن يجوع يوم القيامة، لماذا؟ يقول: لأن الخبر عن رسول الله أنه قال: أطول الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة، وحيث أن معاوية لم يشبع في الدنيا فلا يطول وقوفه يوم القيامة، إذن تبين أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا له حتى يخلصه من الوقوف في الحشر الأكبر، هذا بيان آخر لما ذكروه في المقام، وهذا هو التلاعب بالألفاظ، يحرفون الكلام عن مواضعه، هذه المواقف الخمسة لأتباع النهج الأموي فيما يتعلق بهذا الدعاء.
المُقدِّم: هذا فيما يتعلق بعلماء النهج الأموي عموماً، ولكن هل يوافقهم علماء مدرسة الصحابة في الموقف من هذا الدعاء الذي صدر عن رسول (صلى الله عليه وآله) أم لا، كان لهم موقف مغاير.
سماحة السيد كمال الحيدري: الشواهد كثيرة من أعلام مدرسة الصحابة الذين لهم موقف مخالف لهذا الموقف الذي تقدم من أتباع النهج الأموي، يعني أنهم وقفوا موقفاً سلبياً من معاوية، وعلموا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا على معاوية، من هؤلاء الإمام النسائي صاحب السنن المعروف، في (سير أعلام النبلاء، ج14، ص125، الترجمة رقم 67) أنا فيما سبق أشرت إلى الإمام النسائي من هو، ولكنه من باب الإشارة أيضاً أشير، يقول: الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام، ناقد الحديث، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني النسائي، صاحب السنن، انظروا ماذا يقول عنه الإمام الذهبي، قال الحافظ أبو علي النيسابوي: أخبرنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي، يعني إمام في الحديث بلا منازع، وقال أبو الحسن الدراقطني: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يُذكر بهذا العلم من أهل عصره، وقال الحافظ ابن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه فقلت: قد ضعفه النسائي، فقال: يا بني إن لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم. فهو متحفظ إلى هذا الحد. يقول الذهبي: قلت: صدق فأنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم، إلى أن يقول – الذهبي- : قلت: هذا أصح، ولم يكن أحد في رأس الثلاثمئة أحفظ من النسائي، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ومن أبي داود ومن أبي عيسى وهو جارٍ في مضمار البخاري وأبي زرعة، واضح هذا. الآن انظروا إلى هذا الرجل وهذا العلم يقول: قال الوزير ابن حنزابة: سمعت محمد بن موسى المأموني صاحب النسائي، قال: سمعت قوماً ينكرون على أبي عبد الرحمن النسائي كتاب (الخصائص لعلي) لماذا تكتب عن علي وفي فضائل علي وتركه تصنيف فضائل الشيخين أبي بكر وعمر، فذكرت ذلك له، فقال: دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير، فصنفت كتاب الخصائص، رجوت أن يهديهم الله ثم أنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة فقيل له وأنا اسمع: ألا تخرج فضائل معاوية، فقال: أي شيء أخرج، حديث اللهم لا تشبع بطنه. وهو ذم له، وإلا لو كان فضيلة لكان النسائي قال نعم، يعني يقول هذه مثلبة ما بعدها مثلبة، يقول: فسكت السائل، فعرف ماذا يقول الإمام النسائي، هذه هي مشكلته، ثم بعد ذلك بعد أن ذكر كل هذا – الذهبي- وهو جارٍ في مضمار البخاري وأبي زرعة، قال: إلا أن فيه قليل تشيع، التفت ما هو تشيعه، والله ليس تشيع الإمام النسائي لأنه معتقد بإمامة علي بن أبي طالب وخلافته بعد رسول الله وأنه منصوص عليه، وليس معتقداً بعصمة علي، وإنما معتقد أنه كان منحرفاً عن خصوم الإمام علي كمعاوية وعمر بن العاص، هذا أسقطه عن كل اعتبار، لأنه كما قال ابن العماد الحنبلي قال أن حبه ميزان الصحابة ومفتاح الصحابة.
إذن هذا هو رأي مدرسة الصحابة أمثال النسائي وهم كثير، وهم الأكثرية.
المُقدِّم: معنا الأخ أبو يوسف من لندن، تفضلوا.
الأخ أبو يوسف: السلام عليكم.
المُقدِّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة وبركاته.
الأخ أبو يوسف: جناب السيد لو تسمح لي، عندي كتاب (الترغيب والترهيب من الحديث الشريف) للإمام الحافظ زكي الدين المنذري، علق عليه مصطفى أحمد أمارة (ج1، ص81، الحديث رقم 4) هذا نص الحديث: عن عائشة رضي الله عنها إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب، الزاهد في كتاب الله عز وجل، والمكذب بقدر الله، والمتسلط على أمتي بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله، والمستحل حرمة الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، وتارك السنة. رواه الطبراني في الكبير وابن حبان في صحيحه والحاكم. وفي الحاشية يقول: من هم عترته، هو يقول عن النووي في (رياض الصالحين) يقول: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
سماحة السيد كمال الحيدري: أحسنتم، سأعقد بحثاً مستقلاً للسنة التي تركها معاوية.
المُقدِّم: معنا الأخت ملك من فرنسا.
الأخت ملك: السلام عليكم.
المُقدِّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخت ملك: جزاك الله كل خير سيدنا عن كل هذه التوضيحات التي تغيبت علينا منذ زمن طويل، سيدنا الأجل كثيراً ما تركزون على التمييز بين المدرسة الأموية ومدرسة الصحابة ولكن ألا يمكن القول أن هذا التفريق هو تفريق نظري أكثر مما هو عملي على اعتبار أن الأصل الأموي لم يقتصر على الجانب المتعلق بالموقف من أهل البيت، بل أن الأصل الأموي يمتد إلى مدرسة الصحابة، وبقوة في الأبعاد العقدية والفقهية والفكرية وغيرها، فما هي الضابطة التي يمكن معها تمييز المدرسة الأموية عن مدرسة الصحابة في مختلف الأبعاد.
المُقدِّم: معنا الأخ حيدر من السودان، تفضلوا.
الأخ حيدر: السلام عليكم.
المُقدِّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ حيدر: سماحة السيد لو قلنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يدعو على معاوية فكونه لم يستجب لأوامر الرسول (صلى الله عليه وآله)، هذا بحد ذاته منقصة، يعني كونه يفضل الطعام على أوامر رسول الله هذه بحد ذاتها منقصة. سؤالي هو عندما وقف رسول الله بعد فتح مكة وقال لا هجرة بعد الفتح، يعني يا أهل مكة أبقوا في أماكنكم، ولكن مع ذلك نجد معاوية وأبيه تركوا مكة ولا هجرة لهم وذهبوا إلى المدينة، لماذا.
المُقدِّم: بالنسبة لسؤال الأخت ملاك حول التفريق بين المنهج الأموي ومنهج مدرسة الصحابة حيث قالت أنه تفريق نظري لا تفريق عملي.
سماحة السيد كمال الحيدري: واقعاً نعم التمييز فيه بعد نظري، لأن الأبعاد العقدية في عمومها أبحاث نظرية وليست عملية، ولكن أيضاً توجد هناك أبعاد عملية، في الواقع أنا كان كل همي من التمييز بين الخط الأموي وخط مدرسة الصحابة ونهج مدرسة الصحابة أنه ذلك الميزان الذي وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث المتواتر والمتفق عليه بين جميع علماء المسلمين لم يتكلم عن مسألة الإمام، وعن مسألة العصمة وعن مسألة الخلافة وإنما تكلم عن مسألة الحب والبغض، إذن هذه قضية مركزية، نحن إذا وجدنا في كتابات أحد فيه انتقاص لعلي إذن يدخل في النهج الأموي، وإذا وجدنا فيه تعلية وفيه كرامات ومناقب لمن أبغض علياً ولمن سب علياً ولمن لعن علياً على المنابر هذا أيضاً من النهج الأموي، إذن الميزان واضح، وأنا أتصور بأنه الآن ذكرنا أمثلة واضحة مثل الإمام النسائي الذي كتب في خصائص أمير المؤمنين، ويكتب في خصائص الشيخين أبي بكر وعمر، ولكنه عندما تصل النوبة إلى معاوية يقول: ماذا أكتب عنه (لا أشبع الله بطنه). أما في قبال ذلك يعتبره جملة من أتباع النهج الأموي أن هذا ليس دعاءً على معاوية بل هو منقبة وفضيلة لمعاوية.
إذن الخط واضح جداً، إذن نحن واقعاً الآن الفضائيات أمامكم تجدون ليس بالضرورة أن يحاول البعض في الآونة الأخيرة وهذا بحمد الله من أثر هذا البرنامج الآن بدأوا على فضائياتهم يتكلمون عن الإمام علي وعن أهل البيت ويصرحون بحبهم بل وجدت بعضهم وهذا واقعاً الإنسان يستغرب منه أن بعضهم يقرأ مصيبة الإمام الحسين يوم العاشر من محرم وأنه كيف وقع من على الفرس وكيف استشهد، ولكنهم من قبل كان يوم العاشر من محرم يوم عيد وفرح وسرور عندهم، هذا القدر جيد، ولكنه لا يجرأ أحد منهم أن يذم بني أمية لهذا العمل، بل يحاولوا أن يبرءوا بني أمية. إذن عندنا ميزان واضح وصريح، نقول نحن شيعة وأتباع مدرسة أهل البيت وعموم المسلمين ممن يحبون أهل البيت، نعم قد نختلف مع جملة من أعلام المسلمين هم لا يعتقدون بعصمة أئمة أهل البيت ونحن نعتقد بعصمتهم، هم يعتقدون بأن الإمام علي هو الخليفة الرابع، نحن نعتقد أن الإمام علي هو الإمام المنصوص من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعده على الخلافة. ولكن هذا واقعاً ليس هو الخلاف الذي نريد أن نقف عنده، نحن نريد من يحب علياً ومن يبغض علياً، فمن يمجد من يبغض علياً ويسب علياً نعتبره من النهج الأموي.
المُقدِّم: ومن أحب قوماً حشر معهم.
سماحة السيد كمال الحيدري: وهذه روايات صريحة.
المُقدِّم: شكراً لكم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، كما أشكر الأخوة والأخوات، ملتقانا وإياكم إنشاء الله تعالى في الحلقات القادمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
- تاريخ النشر : 2011/10/22
- مرات التنزيل : 3616
-