من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية ق (4)
11/04/2010
المُقدَّم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم أطيب تحية ونلتقيكم في حلقة جديدة من برنامج: الأطروحة المهدوية، عنوان حلقة الليلة استمرارا للحلقات السابقة ( قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية، القسم الرابع) أرحب باسمكم بضيفنا الكريم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، أهلاً ومرحباً بكم سماحة السيد.
سماحة السيد كمال الحيدري: أهلاً ومرحباً بكم دكتور.
المُقدَّم:سماحة السيد ذكرتم جملة في الحلقات السابقة وما قبلها أن الوقائع التي كانت في واقعة الحرة التي أمر بها يزيد مسلم بن عقبة في المدينة المنورة، فهل هناك وقائع أخرى لم يتم ذكرها.
سماحة السيد كمال الحيدري: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في المقدمة بودي أن أشير أن هذه الأبحاث التي عرضنا لها لنبين النظرية التي يعتقدها الاتجاه الأموي في الإمام الذي تجب بيعته، وأن من لم يبايعه مات ميتة جاهلية، ونحن قلنا بأنه من مصاديق نظرية الاتجاه الأموي هو الاعتقاد بأن يزيد بن معاوية أيضاً ممن تجب بيعته، طبعاً وعلى من كان على شاكلة يزيد، فالقضية لا تختص بيزيد بن معاوية وإنما تشمل غير يزيد أيضاً. لذا من هذا المنطلق إنشاء الله بعد أن أبين نظرية الاتجاه الأموي في الإمام وفي شروط الإمام الذي تجب بيعته وأنه من يبايعه مات ميتة جاهلية نرجع واقعاً إلى النصوص الواردة عن النبي الأكرم الذي قال: (من مات وليس في عنقه بيعة، أو من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية) يأتي هذا التساؤل وهو أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) هل بيّن شروط هذا الإمام الذي تجب بيعته وهل عين عدد هؤلاء الأئمة، وهل أشار إلى أن الأرض تخلو منهم أو لا تخلو منهم، هذه مجموعة أبحاث نحن إنما دخلنا لهذا البحث – إن صح التعبير- بنحو الاستطراد وإلا في الواقع أنه بحثنا يرتبط ما هي شروط الإمام الذي تجب بيعته ويجب على كل مسلم أن يبايعه وأنه من لم يبايعه ومات مات ميتة جاهلية.
ذكرنا في الحلقة السابقة مجموعة من الفضائع والفجائع التي ارتكبها مسلم بن عقبة بأمر يزيد لأن يزيد أمره بأن يبيح المدينة ثلاثة أيام، وهذا ما صرح به جملة من الأعلام في هذا المجال، ولكن هناك نكتة بودي أن أشير إليها وأشرت إليها في الأسبوع الماضي وأؤكدها اليوم وهو أن هذه الفجائع والفضائع التي ارتكتب والقبائح التي ارتكبت في المدينة المنورة، مدينة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) التي هي أشرف البقاع بعد مكة المكرمة، أن هذا إنما صار بوصية من معاوية ليزيد، قال: إذا حدث كذا فولي عليهم مسلم بن عقبة. إذن هذا الذي صار كان بوصية من معاوية أولاً، هذا المعنى بشكل واضح وصريح أشار إليه ابن كثير القرشي الدمشقي، المتوفى 774هـ، (البداية والنهاية، ج11، ص624) دار عالم الكتب، بشكل واضح وصريح يشير إلى هذه الحقيقة، وبودي أن المشاهد الكريم يلتفت إلى هذه الجمل، طبعاً أنا إنما أنقل من ابن كثير باعتبار أن ابن كثير هو من شيوخ النهج الأموي، واللطيف أنه مدفون في نفس المقبرة التي دفن فيها ابن تيمية، يعني دفن مع شيخه ابن تيمية. يقول: سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون أن معاوية لما حضرته الوفاة دعا ابنه يزيد فقال له: إن لك من أهل المدينة يوما، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإنه رجل قد عرفت نصيحته. إذن هذه الوصية وصية معاوية وصية ما يصطلح عليه النهج الأموي أنه أمير المؤمنين عندهم، وهو الخليفة الخامس من الاثني عشر الذين يصرح بهم الشيخ ابن تيمية، شيخ الإسلام الأموي كما اصطلحنا عليه سابقاً.
إذن كل ما حدث في المدينة لمعاوية نصيب وسهم منه باعتبار أنه من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. الآن انظروا ماذا يقول ابن كثير في هذا المجال، ابن كثير عندما يأتي إلى هذه القضية في (ص621) قال: قال المدائني عن أبي قرة قال هشام بن حسان: ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد الحرة من غير زوج. في الحلقة السابقة قرأنا عن السيوطي أنه افتضت في واقعة الحرة ألف عذراء، ولكن هنا ماذا يقول؟ أنه ولدت ألف امرأة من نساء المدينة، أما عدد مَنْ افتضت مِن النساء لا يعلمه إلا الله، من ولدت منهم ألف امرأة، وفرق كبير بين الافتضاض وبين أن تلد، ليس كل من اعتدي عليها بالضرورة قد ولدت، إذن هنا الرواية تقول: ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد الحرة من غير زوج. ثم يقول المدائني: وقد اكتفى جماعة من سادات الصحابة منهم جابر بن عبد الله وخرج أبو سعيد الخدري فلجأ إلى غار في جبل … إلى أن يأتي ويقول في (ص623) يقول: قال المدائني عن شيخ من أهل المدينة، قال: سألت الزهري: كم كان القتلى يوم الحرة. قال: سبعمئة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي وممن لا يعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف إنسان. أنا إنما قرأت هذا النص لأنه بعد ذلك سيأتي الشيخ ابن تيمية يقول: لم يقتل هناك عشرة آلاف في المدينة، وأن الدماء لم تصل إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله). يعني كان يتوقع أن الدماء تصل إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن تصريح من ابن كثير يقول بأنه: وممن لا يعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف إنسان. هذا هو الذي وقع بنحو الإجمال في واقعة الحرة. وهناك تفاصيل أخرى الآن لا يسع الوقت للإشارة إليها، وإلا الروايات الواردة في هذا المجال فوق حد الإحصاء.
المُقدَّم:الآن من خلال ما تفضلتم به صار واضحاً، وكل عاقل يستطيع أن يميز منزلة يزيد، ولكن هناك سؤال آخر وهو أنه هل هناك نصوص يمكن الاستفادة منها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد لعن يزيداً.
سماحة السيد كمال الحيدري: في الواقع هذه المسألة من المسائل، أقول في المقدمة أنها لا تستحق أن الإنسان يقف عندها وهو ان يزيد هل يستحق اللعن أو لا يستحق اللعن، لأن يزيد لا يستحق هذا المعنى ولكنه مع الأسف الشديد أن النهج الأموي استطاع أن يجعل من هذه المسألة قضية حتى كتبت فيها رسائل وكتب بل حتى في زماننا نجد من يسميه أمير المؤمنين ومن يسميه الخليفة المظلوم ويكتب كتابات كثيرة في هذا المجال. ولكنه حتى يتضح بأنه مدرسة أهل البيت عندما يلعنون يزيداً أن هذه هل هي سنة واردة من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أو أنه لم ترد السنة في لعن يزيد وأمثال يزيد. لأنه واحدة من الإشكالات التي يشيرون إليها في الفضائيات أنه لم يرد هناك دليل على لعن يزيد وأشباه يزيد.
في الواقع هذه المسألة بودي أن المشاهد الكريم يلتفت إليها بشكل دقيق، الروايات تكلمت بشكل مستفيض وروايات متعددة وصحيحة السند أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن من أخاف أهل المدينة، يعنيبشكل عام الروايات الواردة في هذا المجال كثيرة وأنا أشير إلى بعضها.
من هذه الروايات ما ورد في (المصنف، ج17) لابن ابي شيبه، الإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي، المتوفى سنة 235هـ، حققه وقوم نصوصه وخرج أحاديثه محمد عوامه، شركة دار القبلة، مؤسسة علوم القرآن، الطبعة الأولى، المملكة العربية السعودية، جدة، قبل أن أنقل النص من هذا الكتاب بودي أن أعرف من هو أبن أبي شيبة.
ما ورد في (سير أعلام النبلاء، ج11، ص122) للذهبي، هذه عباراته، يقول: عبد الله بن محمد القاضي أبي شيبة، الإمام، العلم، سيد الحفاظ وصاحب الكتب الكبار (المسند والمصنف والتفسير) أبو بكر العبسي مولاهم، حدث عنه الشيخان، إذن هو من شيوخ البخاري ومسلم. حدث عنه الشيخان وأبو داود وابن ماجه وروى النسائي عن أصحابه ولا شيء له في (جامع أبي عيسى) هذه قيمة ابن أبي شيبة.
ماذا يقول ابن أبي شيبة، في هذا الكتاب (ج17، ص314، الحديث 33094) الرواية عن جابر بن عبد الله قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أخاف أهل المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، من أخافها فقد أخاف ما بين هذين – يعني ما بين جنبتي الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)- من أخاف أهل المدينة فقد أخاف رسول الله (صلى الله عليه وآله). ومن الواضح أن من أخاف رسول الله، الروايات واردة بشكل صريح في البخاري ومسلم وسنقرأها، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. قال: الرواية صحيحة السند. ورواه فلان ورواه فلان، يقول أحد الثقات: والإسناد صحيح، هذا المعلق يقول، يعني محمد عوامه، يقول: والإسناد صحيح. هنا بودي أن أشير إلى نكتة وهي أنه عندما راجعت القرآن الكريم وجدت أن هذا النوع من اللعنة مرتبط بنوع خاص من الناس لا للجميع، وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يضع هذه اللعنة على من أخاف المدينة، وسيأتي بحثه بعد ذلك، هذا المعنى وجدته في القرآن أنه عندما يقول (عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) مرتبط بالذين كفروا وماتوا وهم كفار، يعني لم يتوبوا عن معاصيهم، هذا بحث سيأتي بعد ذلك، هذا هو المصدر الأول.
المصدر الثاني في هذا المجال، ما ورد في (سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج5، ص 382، الحديث 2304) للعلامة الألباني، العبارة واضحة وصريحة، قال: من أخاف أهل المدينة أخافه الله. إذن يوم القيامة هو في أمن أو في خوف، يعني ليسوا (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) ليسوا في أمن من العذاب الإلهي. قال: أخرجه ابن حبان وابن النجار وفلان … إلى أن يقول: وعن جابر بن عبد الله وزاده (فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ) إلى أن يقول: قلت: وإسناد، العلامة الألباني بعد أن ذكر هذه الزيادة (فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً) قال: قلت: وإسناده صحيح، العلامة الألباني أيضاً يشير إلى هذا المعنى.
وممن أشار إلى هذا المعنى أيضاً (مسند أحمد بن حنبل، ج2، ص94) الرواية واضحة الدلالة على ما قلنا، قال:عن السائب بن خلاد قال: إن رسول الله قال: من أخاف أهل المدينة أخافه الله عز وجل، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً. يقول: إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، وأخرجه الطبراني في الكبير، وأخرجه النسائي في الكبرى، وأورده البخاري في التأريخ الكبير، ج3. وعشرات ممن نقلوا هذا النص وهو أن رسول الله قال: (من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكةوالناس أجمعين).
ومن المصادر الأخرى في هذا المجال ما ورد في (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ج1، ص313، الحديث 360) تأليف مقبل بن أبي عبد الرحمن الوادعي، الذي اشرنا إليه سابقاً، مسند السائب بن خلاد بعد أن ينقل الحديث يقول: إن رسول الله قال: من أخاف أهل المدينة أخافه الله. ثم ينقل رواية أخرى: من أخاف أهل المدينة ظالماً أخافه الله. في الأولى لا يوجد ظالماً وفي الثانية يوجد ظالماً. وكانت عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدلاً ولا صرفاً، قال: هذا صحيح. تعلمون أن الوادعي من الأعلام المتأخرين. هذا حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح. بشكل واضح وصريح. إذن الروايات الواردة في هذا المجال واقعاً عشرات المصادر أشارت إلى هذه الحقيقة.
نعم، يبقى سؤال وهو أنه هل تنطبق هذه على يزيد أو لا تنطبق؟ هل أن يزيد أخاف المدنية أو لم يخف المدينة. والحكم للمشاهد الكريم، أنه من يبيح المدينة ثلاثاً ويأخذ منهم البيعة على أن يكونوا له عبيداً في الطاعة والمعصية ويقتل منهم من يقتل ويفعل ما يفعل، هذا أخاف المدينة أو لم يخف المدينة. أنا لا أتصور أنه يوجد عاقل يقول أنه لم يخف المدينة. ولكنه مع هذا كله أنا بودي أن أشير إلى أن جملة من الأعلام طبقوا هذه الرواية على يزيد، ومنهم من هو على طريقة النهج الأموي.
من الذين أشاروا إلى ذلك ما ورد في (صحيح مسلم بشرح الإمام محيي الدين النووي، المتوفى سنة 676هـ، المسمى (المنهاج شرح صحيح بن مسلم الحجاج، ج9 و 10، ص141) حقق أصوله الشيخ خليل مأمون شيحة، دار المعرفة، بيروت، لبنان، عبارة النووي هكذا في ذيل الرواية التي قرأنها هي، هذه الرواية منقولة في صحيح مسلم والبخاري، الرواية عن سعد بن ابي وقاص عن أبيه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ثم ذكر مثل حديث ابن نمير وزاد في الحديث، ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا اذابه الله في النار. وبعد ذلك سيتضح أنه ماذا يقول الشيخ ابن تيمية أن يزيد منأهل النار أو ليس من أهل النار. أنه مغفور له أو ليس مغفوراً. قال: ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا اذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء. ويعلق النووي عليه ويقول: ويكون ذلك لمن أرادها – يعني أراد المدينة بسوء- في الدنيا فلا يمهله الله ولا يمكن له سلطان، بل يذهب عن قرب كمن قضى شأن من حاربها أيام بني أمية. وواضح أن المقصود يزيد. يقول: كمن قضى شأن من حاربها أيام بني أمية مثل مسلم بن عقبة فإنه هلك في منصرفه عنها – عن المدينة- ثم هلك يزيد بن معاوية مرسله على أثر ذلك. ولذا تجدون بأنه في موارد متعددة نجد أن ابن كثير يقول: الله سبحانه وتعالى قاصم الجبارين فعل فيه ما فعل، على سبيل المثال هذه العبارة الواردة في (البداية والنهاية) يقول: وقد اراد بإرسال مسلم بن عقبة توطيد سلطانه وملكه ودوام أيامه فعاقبه الله بنقيض قصده فقصمه الله قاصم الجبابرة، وأخذه أخذ عزيز مقتدر. هذا ابن كثير. وكذلك غير ابن كثير أيضاً اشاروا إلى هذه الحقيقة، كما في (تهذيب التهذيب، ج4، ص429) للعسقلاني أيضاً نجد أنه أشار إلى هذه العبارة بشكل واضح وصريح: وفي أثناء أفعالهم القبيحة فجئهم الخبر بهلاك يزيد بن معاوية.
وكذلك نجد أنه في (فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج4، ص122) لابن حجر العسقلاني، يشير إلى هذه القضية بشكل واضح، يقول: ويحتمل أن يكون المراد لمن أرادها في الدنيا بسوء هو أنه لا يهمل، بل يذهب سلطانه عن قرب كما وقع لمسلم بن عقبة وغيره فإنه عوجل عن قرب وكذلك الذي ارسله.
إذن جملة من الأعلام أشاروا إلى هذه الحقيقة، ومنهم أيضاً ابن كثير في (البداية والنهاية، ص627) ابن كثير بعد أن أشرنا إلى هذه العبارة التي قرأناها قبل قليل بعد أن يشير إلى هذا المعنى، يقول: وقد رواه مسلم من حديث فلان .. إلى أن يقول: وقال الإمام أحمد: من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. رواه النسائي من غير وجه. يعني من وجوه ووسائل ووسائط ورجال واسناد متعددين ومختلفين.
إذن أنا أتصور بجمع هذه المصادر وما صدر ليزيد أتصور أن القضية واضحة، إذن كأنه يوجد قياس إن صح التعبير كما يقولون في المنطق قياس من الشكل الأول (يزيد أخاف أهل المدينة – وهذا تقدم في واقعة الحرة وقلنا بانه أمر مسلم بن عقبة أن يفعل ما يفعل، هذه صغرى القياس كما هو في المنطق- يزيد أخاف أهل المدينة في واقعة الحرة، وكل – كبرى القياس- وكل من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، إذن فيزيد ملعون على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)). إلا أن يأتي إنسان وأنا لا أعلم أن هذا إنسان أو ليس بإنسان ويقول: إن يزيد عندما بعث مسلم بن عقبة إلى المدينة لم يخف أهل المدينة، مع كل تلك الأفاعيل والقبائح والفجائع والفضائع التي ارتكبها لا يصدق عليه أنه أخاف أهل المدينة، بل هو الخليفة المظلوم، الخليفة في كتاباتهم وكلماتهم يعبرون عن يزيد الخليفة المظلوم لأنه اتُهم بقتل سبط رسول الله سيد شباب أهل الجنة وهو لم يكن راض عن ذلك، يقولون أنه لم يكن راضياً عن ذلك، يقول ابن تيمية: نعم لم يسئه ذلك ولكنه لم يكن راضياً بقتل الحسين.
إذن بهذا البيان يتضح للمشاهد الكريم بشكل واضح وصريح أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن يزيداً ولكنه بالبيان الذي أشرنا إليه.
المُقدَّم:سماحة السيد الآن ذكرتم أنه عقلاً ومن خلال معطيات ثبت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يعني من خلال ما نقلتم أن اللعن على من ينطبق.
سماحة السيد كمال الحيدري: عن طريق النقل ورد، وصريح النووي وابن حجر العسقلاني وابن كثير لا تنطبق إلا على يزيد.
المُقدَّم:ولكن يأتي سؤال آخر هل يوجد من الأعلام من لعن يزيد صراحة بالاسم والشخص، يعني عندما يذكر يزيد يقوله لعنه الله. هل يوجد من هذا القبيل.
سماحة السيد كمال الحيدري: أيضاً هذه من الأمور التي يحاول النهج الأموي أن يقول أنه أساساً لم يرد ولا يوجد من يلعن يزيد، نعم وردت عناوين عامة وهذه العناوين العامة قد تنطبق على يزيد وقد لا تنطبق. ولكنه في الواقع أنا بودي أن المشاهد الكريم يكون هذا الكتاب بيده ليطالعه ولو إجمالاً، في كتاب (الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد) تأليف الإمام العلامة جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، المتوفى سنة 597هـ، تحقيق الدكتور هيثم عبد السلام محمد، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 2005م، 1426هـ، ولكنه قبل أن أشير إلى ما ورد في هذا الكتاب بودي ولو إجمالاً أن يتعرف المشاهد الكريم على من هو ابن الجوزي.
في (شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ج6، ص537) لابن العماد الحنبلي، دار ابن كثير، هذه عبارته، يقول: وفيها أبو الفرج ابن الجوزي … إلى أن يقول: القرشي، التيمي، البكري – لأن نسبه يرجع إلى محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق-، البغدادي، الحنبلي، الواعظ، المتفنن، صاحب التصانيف الكثيرة، الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والوعظ والأخبار والتأريخ والطب وغير ذلك، وقال الحافظ الذهبي – في سير أعلام النبلاء-: ما علمت أن أحداً من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل. إذن يعد من الأئمة والأعلام في هذا المجال.
انظروا هذا الرجل ماذا يقول في كتابه الذي اشرنا إليه (الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد، ص11) يقول: من الأسئلة التي وجهت إلى ابن الجوزي مسألة لعن يزيد، لأنه يقول أن سبب تأليف الكتاب، فقال ابن الجوزي: السكوت أصلح، فقالوا له: نعلم أن السكوت أصلح، ولكن هل يجوز لعنه؟ فقال: ما تقولون في رجل ولي ثلاث سنين، في السنة الأولى قتل الحسين، في الثانية أخاف المدينة وأباحها، وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها. أيضاً أنا أقرأ هذه العبارة لأنه بعد ذلك سيتضح أن ابن تيمية كيف يدافع عن يزيد وأنه هدم الكعبة أو لم يهدمها، يقول: لا، الكعبة المشرفة لم يتعرض لها أحد بسوء. فقالوا: نلعن. فقال: العنوه، فلعنه ابن الجوزي على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء. التفتوا جيداً. فلعنه ابن الجوزي على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر. ويذكر في الحاشية المصادر. وأكابر العلماء. نعم، وقام جماعة من الحفاة من مجلسه. هؤلاء الذين هم النهج الأموي والمتطرفون والذين يسمون أنفسهم بكذا وكذا. فذهبوا وقام جماعة من الحفاة من مجلسه فذهبوا – فقام جماعة من الحفاة يعني أولئك الذين لا حظ لهم من العلم، وإذا وجدتموهم يخرجون على الفضائيات ويحاولوا أن يدفعوا اللعن عن يزيد إذن هؤلاء من الحفاة علمياً، نعم فليسموا أنفسهم بأهل العلم- وقام جماعة من الحفاة من مجلسه فذهبوا فقال – ابن الجوزي-: ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود.
المُقدَّم:يقول أخاف المدينة يشير إلى قول رسول الله.
سماحة السيد كمال الحيدري: نعم إشارة إلى النصوص الصحيحة الواردة في هذا المجال. ثم نأتي إلى (ص40) وقد ذكر أحمد بن حنبل في حق يزيد ما يزيد على اللعنة، وذكر القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن أبي الفراء في كتابه (المعتمد في الأصول) عن أبي جعفر العكبري حدثنا أبو علي الحسين بن الجنيد قال: حدثنا أبو طالب بن شهاب، قال: سمعت ابا بكر بن محمد بن العباس قال: سمعت صالح بن أحمد بن حنبل يقول: قلت لأبي: إن قوماً ينسبونا إلى تولي يزيد. فقال: يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله. هذه الجملة دقيقة وعميقة جداً. ولذا قال بأنه ذكر في حق يزيد أكثر من اللعن، لأنه قد الفاسق والظالم يلعن ولكنه لا يخرج عن الإيمان. وبعد ذلك سأبين لكم أن الشيخ ابن تيمية واقعاً يتولى يزيد أو لا يتولى، يعني من يقول أنه أمير المؤمنين وأنه ولي الأمر وأنه من لم يبايعه مات ميتة جاهلية إذن يتولاه كإمام أو لا يتولاه؟ هذا طبيعي. قال: يا بني وهل يتولى يزيد أحداً يؤمن بالله، ثم يقول: وصنف القاضي أبو الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى بن الفراء قال: كتاباً فيه بيان من يستحق اللعن وذكر فيهم يزيد وقال: الممتنع من ذلك – من لعن يزيد- أما أن يكون غير عالم كما عبر الحفاة الجهلة، أما أن يكون غير عالم بجواز ذلك أو منافقاً يريد أن يوهم بذلك. وهذا هو الواقع واقعاً إما جاهل كالحفاة الذين قاموا من المجلس وإما منافق كما الشيخ ابن تيمية ومن على شاكلته، يعرف ذلك ولكنه مع ذلك يتولاه ويدافع عنه ويقول هو الولي الذي تجب طاعته ومن لم يبايعه مات ميتة جاهلية. طبعاً الكتاب يحتوي على ما يقرب 90 صفحة، بودي أن المشاهد الكريم يقتنيه ويطالع مسألة لعن يزيد هل هي من مختصات أتباع مدرسة أهل البيت حتى يشنع عليهم هذا التشنيع أو أن القضية أعمق من ذلك أن القضية أوسع من ذلك، كثير من أعلام مدرسة الصحابة ذهبوا إلى جواز اللعن وإن لم يلعنه إما جاهل وإما منافق. ولكن الأعجب من هذا كله، وبودي أن المشاهد الكريم يلتفت إلى هذه الحقيقة أن ابن حجر الهيتمي ماذا ينقل عن أحمد بن حنبل، وهذه قضية خطيرة جداً في الفكر الإسلامي، في كتاب (المنح المكية في شرح الهمزية المسمى أفضل القرى لقراء أم القرى) للإمام العلامة الفقيه المحقق شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي الشافعي، صاحب الصواعق المحرقة، المتوفى سنة 974 هـ دار المنهاج للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1426هـ، لبنان، بيروت، هناك في هذا الكتاب بودي أن المشاهد الكريم، يقول: والعجب كل العجب من ضرب يزيد ثنايا الحسين بالقضيب وحمل آل النبي على اقتاب الجمال موثقين في الحبال والنساء مكشوفات الوجوه والرؤوس. هذا احترامه لآل البيت ولأهل البيت الذين طهرهم الله تطهيراً. يقول ابن حجر الهيتمي: ولا عجب فإن يزيد بلغ من قبائح الفسق والانحلال عن التقوى مبلغاً لا تستكثر عليه صدور تلك القبائح منه، بل قال أحمد بن حنبل بكفره. إذن ليس فقط أنه كان منافقاً كما قال الذهبي فيما سبق لأن المنافق يظهر الإسلام ويبطن الكفر، لا أحمد بن حنبل يقول أنه كان يظهر الكفر، كافر صراحة، يظهر الكفر، لا أنه منافق لأنا فيما سبق قرأنا أن العلامة الالوسي والذهبي وغيرهم قالوا أنه كان ناصبياً يعني كان منافقاً (لا يبغضك إلا منافق) ولكن هنا ابن حجر الهيتمي ينقل عن إمام الحنابلة الذي يدعي اتباع ابن تيمية أنهم من أتباع أحمد بن حنبل، يقول: بل قال أحمد بن حنبل بكفره … ثم يقول: وناهيك به- أحمد بن حنبل- ورعاً وعلماً يقضيان بأنه لم يقل ذلك إلا لقضايا وقعت منه صريحة في ذلك.
المُقدَّم:لعبت هاشم بالملك …
سماحة السيد كمال الحيدري: الآن قد يقول قائل أن هذا البيت من الشعر منحول وموضوع، وهذا لا يهم أنه قال هذا البيت من الشعر أو لم يقله. ولكن المهم عندي أن علماً من أعلام المسلمين وهو أحمد بن حنبل يقول بكفر يزيد في مقابل ذلك ابن تيمية يقول أنه أمير المؤمنين. أنا مشكلتي واقعاً مع النهج الأموي في هذه القضية. يقول: بل قال أحمد بن حنبل بكفره وناهيك به – بأحمد بن حنبل- ورعاً وعلماً يقضيان بأنه لم يقل ذلك إلا لقضايا وقعت منه صريحة في ذلك. وإلا كيف يحكم بكفر إنسان مسلم، أيعقل ذلك … إلى أن يقول: وهناك من بالغ في تحريم سبه ولعنه. من؟ كابن العربي المالكي صاحب القواصم، فأنه نقل عنه ما يقشعر منه الجلد أنه قال: لم يقتل يزيد الحسين إلا بسيف جده، أي بحسب اعتقاده الباطل أنه الخليفة والحسين باغٍ عليه والبيعة سبقت ليزيد ويكفي فيها بعض أهل الحل .. الخ.
إذن اتضح ا لنهج الأموي ونهج الصحابة، هذا نهج الصحابة ابن الجوزي، وابن العربي المالكي يمثل النهج الأموي الذي يبالغ في تحريم سبه ولعنه، والأول يصر على ضرورة لعنه. وهنا يأتي الآية التي قرأناها وهو أنه أساساً نستطيع أن نؤيد كلام ابن حجر الهيتمي في (المنح المكية) بما ورد في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) النبي (صلى الله عليه وآله) قال: فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وفي النص القرآني أن ذلك لمن كان كافراً لا منافقاً، لمن كان كافراً ومات على كفره.
المُقدَّم:والمنافق في الدرك الأسفل من النار.
سماحة السيد كمال الحيدري: ذاك المنافق، ونحن نتكلم في الكافر. يبقى عندنا بحث أخير حتى إنشاء الله في الأسبوع القادم ندخل في بحث جديد وهو أنه هل أن النبي (صلى الله عليه وآله) عين من هم هؤلاء الأئمة الذين تجب بيعتهم وأنه من لم يبايعهم مات ميتة جاهلية، هذا في الأسبوع القادم، ولكن قبل أن ندخل البحث سنقف على موقف ابن تيمية من يزيد ثم ندخل في البحث اللاحق.
إلى هنا اتضح لنا هذه النقاط التالية، وأختمها بكلام أحد الأعلام المعاصرين، إلى هنا اتضح لنا أن يزيد بن معاوية واقعاً جمع كل القبائح وكل الموبقات، وما بقي محرم من المحرمات إلا وانتهكه، أولاً: ثبت أنه ناصبي، وهذا ما تقدم بحثه فيما سبق. ثانياً: ثبت أنه كافر، كما نقلنا عن أحمد بن حنبل. ثالثاً: ثبت أنه قاتل للحسين. رابعاً: ثبت أنه شارب للخمر. خامساً: ثبت أنه أباح المدينة وفعل فيها ما فعل. سادساً: أنه رمى الكعبة بالمنجنيق.
ولذا توجد عبارة لأحد الأعلام المعاصرين وهو العلامة عبد الله العلايلي في كتابه (الإمام الحسين، ص58) يقول: يبدو مستغرباً بادئ ذي بدء كيف يمكن لخليفة يدعي أنه خليفة المسلمين ولكن يقتل ابن بنت رسول الله. يقول: لكي نفهم مصرع الحسين يلزمنا أن نعرف من يزيد. فإذا عرفنا من هو يزيد عند ذلك يرتفع الاستغراب.
يقول: يكفي أن نعرف أن يزيد نشأ نشأة مسيحية تبعد كثيراً عن عرف الإسلام، ثم يدخل في بحث مفصل للإشارة إلى الشواهد التاريخية أنه لم ينشأ نشأة إسلامية وإنما نشأ نشأة مسيحية، ولذا تجد أن أحمد بن حنبل قال بكفره ولم يقبل إسلام يزيد … إلى أن يقول: إذا كان يقيناً أو يشبه اليقين أن تربية يزيد لم تكن إسلامية خالصة أو بعبارة أخرى كانت مسيحية خالصة. بودي أن يلتفت المشاهد الكريم إلى العبارة يقول لم تكن تربية يزيد تربية إسلامية خالطها شيء من المسيحية، بل كانت مسيحية خالصة. فلم يبقى ما يستغرب معه أن يكون متجاوزاً مستحقراً مستخفاً بما عليه الجماعة الإسلامية، لا يحسب لتقاليدها واعتقاداتها أي حساب ولا يقيم لها وزناً، الذي يستغرب أن يكون على غير ذلك.
وأختم حديثي في هذا المجال في جملتين من الشيخ ابن تيمية، في (منهاج السنة، ج3، ص184).
المُقدَّم:سماحة السيد الوقت لا يكفي لبيان مطلبكم.
سماحة السيد كمال الحيدري: من هذه الليلة أعد المشاهد الكريم في الأسبوع القادم أن أول سأبينه للمشاهد الكريم بعد أن ثبتت هذه الحقائق ماذا يقول ابن تيمية في يزيد، يعتقد أنه عز الإسلام، يعتقد أنه مؤمن، يعتقد أنه مشمول بالشفاعة، يعتقد أنه ليس من الفساق الظالمين، يعتقد أنه حتى لو كان مذنباً فقد تاب قبل أن يموت، يعني ما شاء الله، تستطيع أن تكتب كتاباً في مناقب يزيد من منهاج السنة.
المُقدَّم:شكراً لكم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، كما نشكر الأخوة والأخوات، ملتقانا وإياكم في الحلقات القادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.