حديث الثقلين سنده ودلالته ق (5)
30/05/2010
المُقدَّم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين. تحية طيبة لكم مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا موعدكم مع حلقة جديدة من برنامج الأطروحة المهدوية، عنوان حلقة اليوم (حديث الثقلين سنده ودلالته، القسم الخامس) نرحب باسمكم بضيفنا الكريم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، أهلاً ومرحباً بكم سماحة السيد.
سماحة السيد كمال الحيدري: أهلاً ومرحباً بكم دكتور.
المُقدَّم: ذكرتم مجموعة من المصادر لحديث الثقلين في الحلقة السابقة وذكرتم أيضاً جملة من الأعلام فهل هناك أعلام آخرون صححوا حديث الثقلين أو الخليفتين.
سماحة السيد كمال الحيدري: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في الواقع بودي في هذه الليلة بقدر ما يسع وقت البرنامج أن أشير إلى جملة من الأعلام من المتقدمين ومن العلماء الكبار من علماء المسلمين بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والعقدية والفقهية، أن أشير لهم وأبين أن هؤلاء جميعاً كما تقدم أنهم يصححون حديث الخليفتين أو حديث الثقلين، باعتبار أنه مع الأسف الشديد نحن وجدنا من المتقدمين وكذلك من بعض الأعلام ومن بعض الأقلام المتأخرة من الكتابات التي صدرت من بعض الاكاديمين يحاولوا أن يقولوا أن هذا النص الوارد في قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) كتاب وعترتي أهل بيتي، أن هذا النص ضعيف من حيث السند، وسأشير إلى كلمات من ضعّف هذا الحديث، ولكنه كما قلت في الحلقات السابقة نحن أشرنا إلى مجموعة من الأعلام الذين صححوا حديث الثقلين وحديث الخليفتين، في هذه الليلة أيضاً أحاول إنشاء الله تعالى أن أشير إلى بعض آخر من هؤلاء الأعلام.
المورد الأول هو ما ورد في هذا الكتاب الذي لم نشر إليه في الحلقات السابقة وهو كتاب (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، ج4، ص65، الحديث رقم 3972) للحافظ بن حجر أحمد بن علي العسقلاني، تحقيق الأستاذ المحدث الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1414هـ، الرواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) حضر الشجرة بخم ثم خرج أخذاً بيد علي فقال: ألست تشهدون أن الله ربكم، قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم وأن الله ورسوله مولاكم، فقالوا: بلى. قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه. وأخذ بيد علي. وأنا استغرب أن مثل هذه النصوص الصحيحة التي بدأها رسول الله بقوله: فمن كان الله ورسوله مولاه، يعني وظيفة المسلمين ازاء الله وازاء رسوله فقط كانت المحبة والمودة، أم كانت وجوب الإتباع والطاعة، أن البعض من الناس يسقط به الفكر ويسقط به الجهل إلى حدود لا يعلمها إلا الله، كيف يمكن أن ينقل أو يقال أن حديث الثقلين لا يدل، وأن الولاية فيه ليست إلا بمعنى النصرة والمحبة والمودة، وأن رسول الله يستشهد بمثل هذه الآية، ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه. أولوية الرسول بالنسبة إلى المؤمنين والمسلمين هي فقط أولوية على مستوى المحبة أم أنها أولوية على مستوى الإطاعة وعلى مستوى التمسك. وعلى كل حال فهذا ليس مورد حديثنا وسأقف إنشاء في برنامج مطارحات في العقيدة على هذا مفصلاً، من كنت مولاه فهذا علي مولاه، الذي حاول الشيخ ابن تيمية أن يضعف ذلك. قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم، يعني كالحبل (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً) هذا الحبل أحد طرفيه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم أيها الناس أيها المسلمون، فعليكم أن تأخذوا بهذا الحبل وأن تعتصموا به لكي تصل إلى الله (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) بأي طريق نصعد إلى الله، نصعد من خلال كتاب الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام، قال: ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم، وأهل بيتي، يقول الشيخ أو الإمام ابن حجر العسقلاني، بودي أن المشاهد الكريم يلتفت، قال: هذا إسناد صحيح. إذن بعد ذلك يأتي البعض ويقول أن مسألة (ما إن أخذتم به لن تضلوا) هذه ضعيفة السند أو هذا المقطع لم يثبت، لا، الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني يقول: هذا إسناد صحيح. هذا هو المورد الأول.
المورد الثاني الذي لابد أن يشار إليه ما ورد في (تفسير القرآن العظيم، ج12، ص271) للإمامالجليل الحافظ عماد الدين أبي الفداء ابن كثير الدمشقي، هذه الطبعة لم نشر لها وهي أول طبعة مقابلة على النسخة الأزهرية وعلى نسخة كاملة بدار الكتب المصرية، تحقيق مصطفى السيد محمد ومحمد السيد رشاد ومحمد فضل العجماوي علي أحمد عبد الباقي، حسن عباس قطب، الطبعة الأولى سنة 1425هـ، المملكة العربية السعودية. قال: وفي الصحيح، التفتوا جيداً لقول الإمام الحافظ ابن كثير، وفي الصحيح أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في خطبته بغدير خم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأنهم لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. الحديث يقول: لم يفترقا، وبعض النصوص تقول: لن يفترقا، فإذن في المضي والحال والاستقبال لا يوجد افتراق بين القرآن وبين العترة، عترة النبي (صلى الله عليه وآله). هنا بودي أن أشير إلى نكتة للمشاهد الكريم، عبر الإمام والحافظ ابن كثير عبر في الصحيح، البعض حاول أن يعترض على الإمام ابن كثير الدمشقي بأنه نحن راجعنا صحيح البخاري وصحيح مسلم ولم نجد هذا الحديث، إذن لماذا يقول في الصحيح، لا يوجد في الصحيحين، هنا بودي أن هناك نكتة فنية وعلمية لابد أن يلتفت إليها، وهو أن الإمام ابن كثير وأمثال هؤلاء الأعلام عندما يقولون في الصحيح ليس مرادهم أن هذا موجود في الصحيحين في البخاري أو مسلم أو فيهما معاً، وإنما يريدوا أن يقولوا أن الرواية صحيحة السند، لا أنه موجود في الصحيحين أو في أحد الصحيحين حتى يعترض على ذلك ويقال أننا راجعنا الصحيحين ولم نجد هذه الصيغة موجودة لا في صحيح البخاري ولا في مسلم. والشاهد على ما أقول أنه يستعمل الصحيح ويراد بالصحيح يعني الحديث الصحيح، الرواية الصحيحة، لا أنه موجود في الصحيحين.
انظروا إلى هذا الكتاب، وهو كتاب (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ص108) تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية، حققه وخرّج أحاديثه عبد القادر الأرنؤوط، دار القاسمي، طبعت إذن من رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1421هـ. يقول الشيخ ابن تيمية: وفي الصحيح عن النبي أنه قال: ما من داعٍ يدعو الله بدعوة ليس … ليس همي الرواية بل همي قوله (وفي الصحيح) ما هو مراد الشيخ ابن تيمية من قوله وفي الصحيح، يقول المعلق في الحاشية: لا يريد المؤلف بذلك أن الحديث في أحد الصحيحين وإنما يريد بذلك صحة الحديث، إذن لا يعترض أحد على الإمام ابن كثير لماذا قال في الصحيح وهو غير موجود في الصحيحين، لأنه وجدت أن بعض الذين يدعون العلم واقعاً لا أعلم ماذا أعبر عنهم يقول: أن الإمام ابن كثير أخطأ في هذه القضية، هذا الحديث غير موجود في الصحيحين، ولكنه ليس مراد الإمام ابن كثير في الصحيحين بل مراده أن الحديث صحيح الإسناد. هذا هو المورد الثاني.
المورد الثالث، وهو أيضاً من الكتب التي لم نعرض لها في الأبحاث السابقة وهو كتاب (المنتخب من مسند عبد حميد، ج1، ص، الرواية رقم 240) تحقيق وتعليق أبي عبد الله مصطفى بن العدوي، دار بلنسية للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الثانية، 1423هـ، يقول بعد أن ينقل الحديث، قال عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. يقول: صحيح لغيره. إذن الرواية أيضاً صحيحة الإسناد ولكن لغيره. هذا هو المورد الثالث.
المورد الرابع الذي لابد من الإشارة إليه ما ورد في (المستدرك على الصحيحين، ج3، ص148) للحاكم النيسابوري، وفي ذيله تلخيص المستدرك للإمام الذهبي، دار الفكر، الرواية عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني تارك فيكم الثقلين … إلى أن يقول: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. يعني كل شروط الشيخين متوفرة فيه ولكنهما لم يخرجاه. يعلق الإمام الذهبي على هذا الحديث يقول: الحسن بن عبيد النخعي عن مسلم بن صبيح عن زيد بن أرقم مرفوعاً، وإنشاء الله بعد ذلك سيتضح أن هذه الرواية مرفوعة أو غير مرفوعة، إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، يقول: (خ م) يعني موجودة في البخاري ومسلم، ولكن هنا لابد أن يقال والحق لابد أن يقال، أن هذه الرواية يعني بعض من في هذه الرواية لم يخرج لهم البخاري، فهي صحيحة على شرط مسلم فقط. إذن هذه الرواية صحيحة أيضاً على شرط مسلم كما أشرنا.
المورد الخامس الذي لابد من الإشارة إليه وبودي أن المشاهد الكريم يصبر معي حتى يتضح أن هذه القضية، واقعاً أن هذا الحديث حديث الثقلين والخليفتين أخذ مساحة واسعة من كتابات علماء المسلمين، بل أعلام علماء المسلمين، وبعد ذلك سيأتي التعليق على هذه الأحاديث.
المورد الخامس ما ورد (استجلاء ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف، ج1، ص357) دار البشائر الإسلامية، الرواية قال: وأما حديث علي فهو عند إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق كثير بن زيد عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي رضي الله عنه، أن النبي قال: قد تركت فيكم ما إن اخذتم به لن تضلوا … الخ. التفتوا إلى ماذا يقول في الحاشية يعني المعلق والمحقق وهو خالد بن أحمد الصمي بابطين، يقول: إسناده صحيح. هذا أيضاً من الموارد.
المورد السادس ما ورد في (صحيح الجامع الصغير، ج1، ص482، الرواية رقم 2457) للعلامة الألباني، المكتب الإسلامي، أني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض. إلى الآن نحن قرأنا حوالي 20 أو 30 نص وكلها صحيحة ومن طرق متعددة من أصحاب رسول الله وكلها يوجد فيها (وأنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) ماذا يقول العلامة الألباني، يقول: صحيح أيضاً. يثبت صحة هذا الطريق، وهو الرواية كما يقول واردة بهذا المضمون الذي أشرنا إليه.
كذلك في (ص533، رقم الحديث 2748) من الكتاب السابقة، أيضاً الرواية واردة وهي صحيحة السند، قال: أيها الناس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي. يقول: صحيح. وعندما يعدد لتعدد طرق الرواية وتعدد الصحابة الذين نقلوا هذه الرواية.
وكذلك في (ج2، ص1303، الرواية رقم 7877) من الكتاب السابق، يا أيها الناس إني تركت فيكم … إلى أن يقول: صحيح.
ومن الأعلام الآخرين الذين صححوا أو حسنوا هذه الرواية وهو ما ورد في (شرح مشكل الآثار، ج5، ص13، الحديث 1760) هذا الكتاب أشرنا إليه فيما سبق، تأليف الإمام أبي جعفر الطحاوي، المتوفى 321هـ، حققه وضبط نصه وخرج أحاديث وعلق عليه شعيب الأرنؤوط، بعد أن ينقل الرواية عن علي أن النبي حضر الشجرة بخم فخرج آخذاً بيد علي … نفس النص الذي قرأناه من المطالب العالية، انظروا إلى ماذا يقول؟ يقول: إسناده حسن. فالعلامة الأرنؤوط أيضاً يحسن سند هذا الحديث كما هو واضح.
وكذلك ممن حسن سند هذا الحديث (المسند للإمام أحمد بن حنبل، ج10، ص48، رقم الحديث 11046) شرحه ووضعه فهارسه حمزة أحمد الزين، دار الحديث، القاهرة، قال: إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر … وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا. يقول: إسناده حسن.
وكذلك ورد هذا الحديث في (ص58، رقم الحديث 11073) من نفس الجزء، وكذلك ورد في (ص86، الحديث رقم 11154).
وممن أيضاً أورد هذا الحديث وأيضاً حسنه أو صححه هو في كتاب (السنة، ج2، ص1026، رقم الحديث 1602) للإمام أبي بكر أحمد بن عمر بن أبي عاصم، المتوفى 287هـ، حققه وخرج أحاديثه الأستاذ الدكتور باسم بن فيصل الجوابرة، الرياض. بعد أن ينقل الحديث (إني تركت فيكم ما إن أخذتم لن تضلوا كتاب الله وأهل بيتي) يقول: إسناده حسن. إلى هنا اتضح أنه لا اقل عشرة من الأعلام نجد إما هم وإما بحسب التعليقات التي صدرت من المحققين والمعلقين صححوا هذا الحديث المبارك أو حسنوه وهو حديث الثقلين الصادر عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
المُقدَّم: يأتي السؤال بعد هذا العرض سماحة السيد وهو هل أن النصوص الواردة في حديث الثقلين هي أخبار آحاد أو هي أحاديث متواترة.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذا السؤال بودي أن المشاهد الكريم يصبر معي قليلاً ويتأمل فيما أقول. قبل أن أجيب على هذا التساؤل وهو أن هذا الحديث هل هو أخبار آحاد أو أنه خبر متواتر.
أشير إجمالاً إلى أمور ثلاثة:
الأمر الأول: ما هو تعريف الحديث المتواتر، يعني عندما نقول أن هذا حديث متواتر أو هذا حديث آحاد ما هو مرادنا، وقد اشرت إلى هذا ولكن من باب استذكار الأبحاث واحتياجنا إلى هذا البحث.
الأمر الثاني: ماذا يفيد الحديث المتواتر، يعني إذا ثبت أن حديثاً من الأحاديث كان متواتراً فماذا يفيد، ما هي النتيجة المترتبة، ما الفرق بين الحديث المتواتر وغير المتواتر يعني الآحاد من حيث النتيجة المترتبة على ذلك.
الأمر الثالث: بماذا يتحقق التواتر، يعني متى نقول أن هذا الحديث خبر آحاد وأن هذا الحديث خبر متواتر.
أما فيما يتعلق بالأمر والأول والأمر الثاني، ما هو تعريف التواتر وماذا يفيد التواتر، أنا أشير إلى كلمات بعض الأعلام في هذا المجال. في كتاب (مصطلح الحديث، ص10 و11) لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، سلسلة مؤلفات فضيلة الشيخ، رقم 48. يقول: المتواتر ما رواه جماعة يستحيل في العادة أن تواطؤا على الكذب وأسندوه إلى شيء محسوس ثم يقول: وينقسم المتواتر إلى قسمين، متواتر لفظاً ومعنى، فالمتواتر لفظاً ومعنى ما اتفق فيه الرواية على لفظه ومعناه، من قبيل من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. الآن في حديث الثقلين نحن نجد أن هناك جملة من المقاطع متفق عليها في اللفظ والمعنى (تارك فيكم، ما إن تمسكتم به، ما إن أخذتم به، لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا) هذه (وأنهما لن يفترقا) في كل النصوص التي قرأناها موجودة (كتاب الله وعترتي) موجودة في كل النصوص والصيغ، نعم فيما يتعلق في الثقلين أو الخليفتين نجد أنه قد اختلفت الصيغة، أما فيما يتعلق بـ (كتاب الله وعترتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) هذا كان لفظاً متفق عليه بين كل الصيغ التي قرأناها والرواة والصحابة الذين نقلوا هذا النص.
السؤال والمتواتر، هذا السؤال الاول، ما هو تعريف المتواتر، ماذا يفيد المتواتر، التواتر ماذا يفيد، التواتر بقسميه سواء كان لفظاً ومعنى، أو معنى من غير اللفظ، يفيد أولاً العلم وهو القطع بصحة نسبته إلى من نقل عنه، يعني إذا ثبت أن حديث الثقلين وحديث الخليفتين متواتر يعني نحن نجزم جزماً ويقيناً أن هذا الحديث صدر من فم رسول الله من فم من (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) وبهذا يمتاز الخبر المتواتر عن خبر الآحاد، فإن الخبر الآحاد على بعض المباني يقول: أنه لا يفيد إلا ظناً، أما بخلاف الخبر المتواتر فأنه لا يفيد إلا القطع واليقين أن هذا صدر من فم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).
الثاني العمل بما دل عليه، نعم إذا ثبت تواتره وخصوصاً إذا كان في الأمور العقدية لابد من الاعتقاد به ولابد من التصديق، وإذا كان في الأمور العملية فلابد من التطبيق خارجاً، قال: العمل بما دل عليه بتصديقه إن كان خبراً وتطبيقه إن كان طلباً. هذا هو المصدر الأول.
المصدر الثاني في هذا المجال ما ورد في كتاب (النكت على نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، ص56 و 58) للحافظ ابن حجر العسقلاني وهذا الكتاب أشرنا إليه سابقاً، بقلم علي بن الحسين بن عبد الحميد الحلبي الأثري، دار ابن الجوزي، أولاً يبين شروط التواتر وبعد ذلك يقول: فالمتواتر وهو المفيد للعلم اليقيني، إذن بعد أن يبين التواتر وشروطه، يقول ما هي النتيجة المترتبة على الخبر المتواتر، هذا إنما أقوله للمشاهد بعد ذلك إذا ثبت أن حديث الثقلين الخليفتين متواتر فأنه إذن يفيد العلم اليقيني.
السؤال الثالث الذي لابد أن نقف عنده في هذا المجال، وهو أنه بماذا يتحقق التواتر؟ جملة من الأعلام قالوا أن التواتر يتحقق إذا نقله عشرة من الصحابة، إذا نقل النص عشرة من الصحابة فالرواية تكون متواترة، وهذا ما أشار إليه في (نظم المتناثر من الحديث المتواتر، ص10) للكتاني، قال: قال الحافظ السيوطي في (الإزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) إن كل حديث رواه عشرة من الصحابة فهو متواتر عندنا. إذن إذا نقلت الرواية من قبل عشرة من الصحابة ثبت تواترها. ونجد أن جملة من الأعلام أن الرواية إذا نقلها خمسة من الصحابة تكون متواترة، وهذا ما ورد في كتاب (المهدي وفقه اشراط الساعة، ص133) للدكتور محمد أحمد إسماعيل المقدم، قال: حتى أن جماعة من العلماء منهم ابن حزم قرروا أن الحديث إذا اجتمع على روايته خمسة من الصحابة كان متواتراً، ونظرهم في ذلك يقول سديد، لأن الصحابة خصوصاً اجلاء الصحابة وأعلام الصحابة إذا عرفوا بالضبط والإيمان والتقوى وعموم الصحابة وكثير من الصحابة كانوا بهذه المواصفات إلا من خرج منهم بدليل وهذا ما تعتقده مدرسة أهل البيت أن عموم الصحابة كانوا هكذا إلا من خرج بالدليل أنه كان منافقاً وهذا بحثه موكول إلى محل آخر. هذا هو المورد الثاني.
المورد الثالث وهو نجد أن الإمام ابن حزم في (المحلى، ص7، المسألة 1511) دار الآفاق الجديدة، بيروت، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة يقول: إذا نقل الرواية أربعة من الصحابة يحصل التواتر أيضاً. هذا نص عبارته، يقول: مسنداً من طريق، فهؤلاء أربعة من الصحابة رضي الله عنهم فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته. إذن أربعة من الصحابة إذا نقلوا تكون الرواية متواترة. بل أكثر من ذلك نجد أن الشيخ ابن تيمية في كتابه (علم الحديث، ص58) دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، يقول: والتواتر لا يشترط له عدد معين، من قال أنه يشترط له عدد، لعله يحصل التواتر من صحابي أو من صحابيين، وهو الحق في هذا، واقعاً هذه القضية صحيحة. يقول: وأيضاً فالخبر الذي رواه الواحد من الصحابة والاثنان من الصحابة إذا تلقته الأمة بالقبول والتصديق أفاد العلم عند جماهير العلماء، لو جاءنا صحابيان يفيد العلم أيضاً، بل بعض الأحيان لو جاءنا من صحابي واحد، لماذا؟ باعتبار إذا كان ذلك الصحابي له مقام عظيم، وكان جليلاً وكان عظيماً من عظماء الصحابة يكفي أن يكون واحداً، ويضرب مثالاً: ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم صحته، مع أن البخاري ومسلم ليسوا من الصحابة ولكن باعتبار أن الشيخ ابن تيمية يعتقد بجلالة وعظمة البخاري ومسلم فيقول لو نقلا رواية يحصل لنا العلم منها، ولكن لا أعلم أنه لماذا عندما شهد صحابيان وهما فاطمة وعلي على فدك لم تقبل شهادتهما. يعني هؤلاء لم يكونوا من أجلة الصحابة، هؤلاء لم يكونوا من أهل البيت الذين طهرهم الله تطهيراً، هؤلاء لم يكونوا من أولئك الذين ينطبق عليهم حديث الثقلين وحديث الخليفتين، وهل يوجد أجلّ من سيدة نساء العالمين في الصحابيات، وقد تقدم هذا البحث، واقعاً إذا كانوا منصفين مع الزهراء عليها السلام التي قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) (أنه يغضب لغضبها) ألم تكن شهادتها كافية في إرجاع فدك إليها، ثم نضم إليها شهادة علي أمير المؤمنين، ألم تقولوا فالخبر الذي رواه الواحد من الصحابة والاثنان قد يفيد العلم عند جماهير العلماء، لماذا باء باقي الصحابة تجر أما باء علي وفاطمة لا تجر؟! لماذا؟! واقعاً هذا سؤال أطرحه للمشاهد الكريم وللمنصفين منهم، لما لاقاه أهل البيت عليهم الصلاة والسلام من بعض ممن حرموهم حقوقهم.
إلى هنا اتضح لنا ما هو التواتر، وماذا يفيد التواتر، وبماذا يتحقق التواتر، الآن أجيب على سؤالكم.
السؤال: ما هو عدد الصحابة والصحابيات الذين نقلوا لنا حديث الثقلين وحديث الخليفتين، هل هم أربعة، هل هم خمسة، هل هم عشرة، هل هم عشرون، ما هو عددهم؟
أنا أتصور مما تقدم اتضح أنه مثل الإمام ابن حزم يقول لو جاء من أربعة، بل اتضح من الشيخ ابن تيمية أنه لو صدر من واحد أو اثنان من الصحابة يحصل العلم، ابن حزم يقول يحصل من أربعة العلم، ما ذكرناه من ابن حزم في قول آخر في خمسة يحصل العلم، من السيوطي يقول من العشرة يحصل العلم.
الآن تعال معنا أيها المشاهد الكريم لتروا بأعينكم ولتسمعوا باذانكم عدد الصحابة الذين رووا حديث الثقلين وهو (كتاب الله وعترتي).
النص الأول ما ورد في (جواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم الجلي والنسب النبوي، ص234) للإمام السمهودي، دراسة وتعليق مصطفى عبد القادر عطا، منشورات محمد علي بيضون لنشر كتب السنة والجماعة، دار الكتب العلمية، أيها المسلمون أيها المحققون أيها المنصفون التفتوا، قال: وفي الباب، يعني باب هذا الحديث وهو حديث الثقلين أو الخليفتين، وفي الباب عن زيادة على عشرين من الصحابة رضوان الله عليه. يزيدون على عشرين، يعني إذا أخذنا المقياس ابن تيمية فعشرة مرات تواتر، إذا أخذنا ابن حزم فخمس مرات تواتر، وإذا أخذنا السيوطي فيعني تواتر مضاعف ومتواتر، ثم يبدأ يقول: عن جابر ثم يقول وعن حذيفة ثم يقول وعن وعن ثم يبدأ بتعداد الصحابة الذين نقلوا هذا النص. هذا المورد الأول.
المورد الثاني ما ورد في (الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، ج2، ص440) تأليف ابن حجر الهيتمي، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الله التركي. ثم أعلم أن لحديث التمسك، وقد قلنا في الحلقة السابقة بأنه يعبر عن حديث الثقلين بحديث التمسك، ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى أنه قاله لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف، ولا تنافي، لماذا أن رسول الله كان مصراً في كل مناسبة يؤكد على هذا؟ هل هي مسألة محبة فقط؟ والمحبة ثبتت بالقرآن (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) كان يريد أن يؤسس لمنهج من بعده عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا هو الذي يفسر لنا اختلاف صيغ الحديث، لأن هذا الحديث لم يرد في مورد واحد حتى نقول أن الصحابة نقلوا بالمعنى، لا أبداً، وإنما الصحابة نقلوا اللفظ كما ورد عن رسول الله، ولكن الرسول كان مرة يقول خليفتين ومرة يقول الثقلين ومرة كان يقول لن يفترقا ومرة كان يقول لم يفترقا وهكذا. يقول: ولا تنافي؛ إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها؛ اهتماماً بشأن الكتاب والعزيز والعترة الطاهرة. هذا هو المورد الثاني.
المورد الثالث وهو ما أشار إليه في (فيض القدير شرح شرح الجامع الصغير، ج3) للعلامة المناوي. وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة. إذن القضية، قضية حديث الثقلين وحديث الخليفتين من الأحاديث المسلّم تواترها الواردة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).
أنا أريد هنا أشير إلى قضيتين أو أمرين، انظروا هذا الحديث بهذا الحجم من الاسانيد الصحيحة بل الأدلة المتواترة، ولكن مع ذلك مع الأسف الشديد نجد أن بعض الأعلام المتقدمين ماذا يقولون؟ في كتاب (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، ج1، ص268) للإمام أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، المتوفى سنة 597هـ، قدم له وضبطه الشيخ خليل الميس، مدير أزهر لبنان، منشورات محمد علي بيضون، 1424هـ، بعد أن ينقل حديث الثقلين، قال: قال رسول الله: إني تارك … قال المصنف يعني ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح. يعني أنا واقعاً كيف أعلق لا أعرف، كيف أعلق على مثل هذه الكلمات، وصار هذا منشأً فجاء ممن يدعي العلم الذي تجاهلوا أو حاولوا أن يطمسوا هذه الحقيقة وسيأتي بحثه. يقول: هذا حديث لا يصح. لأنه يشير إلى نص. أما عطية فقد ضعفه أحمد ويحيى وغيرهما, وأما ابن عبد القدوس قال يحيى ليس بشيء رافضي خبيث، وأما عبد الله بن دار فقال أحمد ويحيى ليس بشيء ما يكتب منه إنسان فيه خير. كأن هذا الحديث ورد بهؤلاء الأشخاص الثلاثة فقط وهؤلاء كلهم ضعاف ومدلسون وخبثاء وغير ذلك. هذا مورد.
والمورد الثاني ما ورد في كلام شخص كالشيخ ابن تيمية، وهم يشهدون للشيخ ابن تيمية بأنه كان يحفظ جميع الأحاديث، يقول في كتابه (مجموعة الفتاوى، ج14، ص269) اعتنى بها وخرج أحاديثها عامر الجزار وأنور الباز، دار الوفاء. بعد أن يقول: قال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. رواه الترمذي وحسنه، إذن لا توجد رواية صحيحة فقط توجد رواية واحدة حسنة. وفيه نظر، يعني حتى أن التحسين الذي حسنه الترمذي لا يقبله الشيخ ابن تيمية، هذه أمانة الشيخ ابن تيمية في الأحاديث المتعلقة بأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، هذا الذي نقوله مراراً وتكراراً أن الشيخ أو شيخ الإسلام الأموي ابن تيمية كلما جاء حديث يتعلق بفضائل ومناقب ودرجات أهل البيت والعترة يحاول بأي ثمن أن يجعله جانباً ولكنه سيتضح إنشاء الله في مطارحات في العقيدة تجده عندما يصل إلى معاوية لابد أن يثبت له المناقب والفضائل بأي ثمن حتى وإن صرح كل علماء المسلمين أنه لم تصح رواية واحدة في فضائل معاوية بن أبي سفيان، ولكن هذه الروايات الصحيحة المتواترة الحسنة التي لا أقل رواها عشرون صحابي أو يزيدون ولكنها يقول فيه نظر.
وهنا أشير إلى أسماء الصحابة الذين نقلوا هذا الحديث وفي الأسبوع القادم إنشاء الله سأقف كاملاً عند ترجمة هؤلاء الصحابة.
يقول: وفي الباب عن جابر الأنصار، وحذيفة بن أسيد، وخزيمة بن ثابت، وزيد بن ثابت، وسهل بن سعد، وأميرة، وعامر بن ليلى، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعدي بن حاتم، وعقبة بن عامر، وعلي بن أبي طالب، وأبي ذر، وأبي رافع، وأبي شريح الخزاعي، وأبي قدامة الأنصاري، وأبي هريرة، وأبي الهيثم ابن التيهان، وأم سلمة، وأم هاني ابنة أبي طالب، الصحابة رضوان الله عليهم. يعني 21 صحابي ينقلونه وهم من أجلاء وأعلام الصحابة، ومع ذلك يقول ابن تيمية فيه نظر.
المُقدَّم: شكراً لكم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري كما أشكر الأخوة والأخوات، نلتقيكم إنشاء الله في الحلقات القادمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.