أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
قلنا بأن المنطق الارسطي يقوم على عنصرين أساسيين، العنصر الأول وهو العنصر الصوري، وبينا بأنه يعتمد القياس، وأهم الأشكال التي يعتمدها هو القياس من الشكل الأول، وقد قرأتم في محله أن الأشكال الأخرى من القياس مآلها إلى الشكل الأول من القياس، باعتبار أن الشكل الأول بديهي الإنتاج. ولكن عندما يأتي إلى المادة فالمواد التي يستند إليها متعددة، فبعض هذه المواد تعد من اليقينيات التي أشرنا إليها في البحث السابق، وبينا أن اليقينيات بحسب المنطق الارسطي ست، ولكنه بالإضافة إلى اليقينيات توجد هناك مجموعة من القضايا التي يستند إليها المنطق الارسطي للوصول إلى المجهول من خلال هذه المعلومات، من قبيل المظنونات ومن قبيل المسلمات، ومن قبل المقبولات، ومن قبيل الموهمات، ونحو ذلك. هذا المعنى إذا أراد الأخوة المراجعة في (الأسس المنطقية للاستقراء، ص416) (يقول مبادئ الاستدلال في المنطق الارسطي أولاً اليقينيات) وهي القضية الست التي أشرنا إليها (وهي الأوليات والمحسوسات والتجريبيات والمتواترات والحسيات والحدسيات والفطريات) وكذلك يعتمد المظنونات وهي قضايا يرجح العقل صدقها مع تجويز كذبها، حجية خبر الواحد، ولكن بعض المظنونات حجة بحسب الدليل الشرعي وبعضها ليست بحجة حسب الدليل الشرعي، (والمشهورات هي قضايا لا سند للإنسان للتصديق بها إلا شهرتها وعموم الاعتراف بها) باعتبار أنها مشهورة فتقبل (والمسلمات وهي قضايا حصل التسالم بينك وبين غيرك على أنها صادقة، والمقبولات والوهميات) وغير ذلك. الأخوة يراجعوها هناك.
على هذا الأساس إذا كانت، طبعاً شكل القياس في كل الصناعات الخمس واحد، يعني القياس من الشكل الأول أو ما ينتهي إلى الشكل الأول، باعتبار أن المنطق الارسطي لا يقبل الاستقراء والتمثيل، فإذن في كل أنواع الصناعات الخمسة وهي البرهانية والجدلية والخطابية والشعرية والمغالطية القياس واحد، يعني شكل القياس لا يختلف، إذن لماذا يكون القياس برهانياً، لماذا يكون القياس جدلياً، لماذا يكون القياس مغالطياً، لماذا يكون القياس شعرياً؟ قرأتم، الجواب يختلف باختلاف المواد المستعملة. فإذا كانت القضية المستعملة من اليقينيات فالقياس يكون برهاني، أما إذا كان القياس مستعمل مواد جدلية، هذا البحث أشرنا له بنحو الإجمال في (المنطق الذاتي، ص134) القياس البرهاني هو المؤلف من مقدمات تفيد التصديق الجازم المطابق للواقع. والقياس الجدلي هو المؤلف من كذا، والقياس الخطابي مؤلف من مقدمات كذا، والقياس المغالطي مؤلف من كذا، والقياس الشعري مؤلف من كذا.
والأصول عندما تستعمل فيها القياس أي نوع من القياس، القياس البرهاني أو القياس الجدلي أو القياس الشعري أو القياس الخطابي، أي منها؟
بحسب المقدمات التي بحثناها سابقاً القياسات المستعملة في علم الأصول، أضرب لك مثالاً، بعد ذلك سيأتي أن المرزا يقول أن المسألة الأصولية هي ما تقع كبرى في عملية الاستنباط، يعني من علم الرجال نقول زرارة ثقة، هذه نأخذها من علم الرجال، علم الأصول نأتيه يقول لنا وكل ثقة فهو يمكن الاحتجاج بكلامه. إذن النتيجة زرارة يصح الاحتجاج بكلامه. هذا قياس، وهو قياس من الشكل الأول، أي نوع من أنواع القياس؟ قياس برهاني أو قياس غير برهاني؟ الجواب: جزماً القياس ليس قياساً برهانياً، لماذا؟ لأننا اشترطنا في القياس البرهاني أن تكون المقدمات يقينية بالمعنى الارسطي وقولنا كل خبر ثقة حجة هذه يقينية من اليقينيات الست المعروفة أو قضية مجعولة من قبل الشارع؟ إذن لا معنى أن ندخلها في القياس البرهاني.
وهكذا أمثلة كثيرة موجودة في الأصول.
نعم، إذا كانت المسألة المبحوث عنها في علم الأصول، أضرب لك مثالاً آخر، حتى يتضح بأن هذه المقدمات التي اشير لها لا يخطر على ذهن الأخوة كما سألوا أن هذه أبحاث منطقية نقرأها في المنطق. الجواب: نعم، هي أبحاث منطقية ولكنها متداخلة مع البحث الأصولي عندنا، هذا أولاً. وثانياً أن الأعزاء لعله قرأوا المنطق قبل سنوات طويلة لعلهم لا يستذكرون الكثير من القواعد، ومنهجي في التدريس أنه عندما نصل إلى أي مسألة منطقية أو فلسفية أو كلامية نقف عندها قليلاً حتى يتذكر الأعزاء المباني الموجودة في المسألة.
هناك بحث في أن العدل حسن أو الظلم قبيح هل هي يقينية أو هي مشهورية، أي منها؟ يوجد اتجاهان، اتجاه يرى أن قولك العدل حسن من قبيل قولك إثنان بالإضافة إلى إثنان تساوي اربعة، كيف أن قضية 2 بالإضافة إلى 2 تساوي اربعة قضية يقينية، كيف أن قولك الكل أعظم جزئه يقينية كذلك العدل حسن أيضاً يقينية.
رأي آخر يقول: لا، ليست يقينية، العقلاء فيما بينهم لكي ينظموا الحياة الاجتماعية جلسوا فيما بينهم واتفقوا على أن يكون العدل حسن. وإلا لو لم يكن هناك مجتمع ولم لو يمكن تنافر وتخاصم فالعدل أساساً لا موضوع له، يسمونها من المشهورات لا من اليقينيات. إذن أنت عندما تأتي في بحث الأصول وتقول التجري ظلم وكل ظلم قبيح فالتجري قبيح، هذا قياس برهاني أو قياس مشهوري؟ الجواب: على المبنى، فإن أمنت بأن الظلم قبيح من اليقينيات فهذا قياس قياس برهاني، وإن أمنت أن هذه القضية من المشهورات فالقياس مشهوري. هذا الذي قلته في أول هذه الأبحاث شئت أم أبيت بطانة وأحشاء كل معارفنا الدينية داخل فيها ارسطو فهو حاضر ليلاً نهاراً شئت أم أبيت، سواء كان مؤمن أو كافر، نبي أو لا، ملحد أو لا، المهم أنه حاضر معك بمنطقه الصوري والمادي. لا أتكلم عن الفلسفة.
أنت مضطر شئت أم أبيت لكي تفهم هذه الحقائق لابد أن تعطف على مباني هذا المنطق بشكل دقيق، ولذا السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه قال: (والمشهورات هي قضايا لا سند للإنسان في التصديق بها) لماذا تصدق بهذه القضية ما هو دليلك؟ يقول لا دليل عندي ولكن العادة والشهرة عليها (إلا شهرتها وعموم الاعتراف بها كحسن العدل وقبح الظلم) طبعاً هذا ليس مبناه في علم الأصول بل مبناه من القضايا اليقينية في العقل العملي ولكن هنا يتكلم على مباني المشهور.
إذن أنت هناك في علم الأصول عندما تصل وتقول التجري، لأن هناك بحث سيأتي في محله أن التجري ظلم على المولى أو ليس ظلم على المولى؟ أنت تتصور أن هذا الإناء الذي أمامك خمر وفي الواقع كان ماء، وأنت شربته بعنوان أنه خمر، هنا واقعاً هنا انتهكت حرمة المولى أو لم تنتهكها؟ لا يوجد عاقل يقول أنك لم تنتهك حرمة المولى، وفعلت قبيحاً، أي قبيح هذا؟ قبيح عقلائي أو قبيح الواقع ونفس الأمر والقضية اليقينية تقول، أي منها؟ ثم، انظروا إلى المباني وكيف هي متلازمة، ثم القاعدة العقلية التي كل ما حكم العقل بقبحه حكم الشرع بحرمته أي قبيح الذي يحكم الشرع بحرمته، القبيح العقلائي أو القبيح الواقعي؟ أليس عندكم قاعدة الملازمة كل ما حكم العقل بقبحه حكم الشرع بحرمته، أي قبح الذي يلازم الحرمة، القبح في نظر العقلاء أو القبح الواقعي؟ هذه القضية لم يبحثها علمائنا، مع أن هذه القضية كثيراً تؤثر، لأنه إذا كان قبيحاً عقلائياً غير معلوم أن الشارع يحرمه، أما إذا كان قبيحاً واقعياً لعل الشارع يحرم لأن أحكام الشارع قائمة على أساس المصالح والمفاسد الواقعية، لا على اساس المفاسد والمصالح العقلائية المشهورية فيما بيننا.
وهكذا عندما نأتي إلى القياس المغالطي والقياس الشعري وغيرها.
سؤال: إذن إلى هنا اتضح لنا لماذا أن الصناعات صارت خمسة أو خمس. الجواب: باعتبار المواد المستعملة في القياس، فإن كانت يقينية فالقياس برهاني، وإن كانت كذا فالقياس جدلي … والنتائج التي تأخذها أنت تنسجم مع المواد المستعملة في مقدمات البرهان.
بالأمس انتهنيا إلى هذه النقطة، وهي أن اليقينيات الست في المنطق الارسطي هل يعترف بها المنطق الاستقرائي أم لا يعترف بها؟
أشرنا بالأمس بنحو الإجمال وقلنا أن المنطق الاستقرائي يعني المنطق الذي بناه السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه في كتابه الأسس المنطقية للاستقراء يقول (بأن ما ادعي من أن هذه القضايا الست كلها قضايا أولية عقلية يقينية بالمعنى الذي يقصده المنطق الارسطي من اليقين هذا كلام عارٍ عن الصحة) هذا كلام غير تام. لماذا؟ يقول نحن نعتقد بنحو الإجمال وسأشير إلى المورد، نحن نعتقد على بنحو الإجمال القضايا التجريبية والقضايا الحسية والقضايا المتواترة القضايا الست التي يشير لها المحسوسات والتجريبيات والمتواترات والحدسيات هذه كلها قضايا ليست يقينية. يعني إذا أردنا أن نتكلم بلغة الأعداد تقريباً 60% من اليقينيات الارسطية بهذا البيان الإجمالي سقطت عن الاعتبار.
إذن لطالب العلم والمحقق لابد أن يبحث في صحة هذا الكلام أو عدم صحته. فإن صح إذن لا يحق له أن يستدل بقضية من التجربة تفيد اليقين، أبداً لا تفيد اليقين. وأخطر هذه القضايا المحسوسات، ما هي المحسوسات؟ الآن جنابك أنت موجود أمامي بأي دليل أقول أنك موجود أمامي؟ بحس الباصرة، وهذا الكتاب أمامي بالباصرة وباللامسة، وهذه الروائح بالشامة، وتلك الاصوات بالسماعة، وهكذا. اساساً يطرح هذا التساؤل وإن كنا نخرج به عن البحث ولكنه مهم جداً.
هناك بحث وهو أنه بأي دليل نقول أن هناك واقع موضوعي خارجي وراء وجودي، لعل كل ما أره وهم في وهم، لست أنا وهم بل أنا حقيقة، ولكن ما أراه لعله وهم، أنا أراكم الآن وهم، أساساً لا يوجد هناك أي واقع موضوعي في الخارج، ويضمون إليه ما أثبتت العلوم الحديثة من كثرة أخطاء الحواس. ما الدليل على وجود الواقع الموضوعي؟ هذه مشكلة عندنا، وهي مشكلة عويصة في نظرية المعرفة.
مشكلة أخرى، افترضوا أنه يوجد عندنا في الخارج واقع موضوعي ما الدليل على أن ما في الواقع الموضوعي عندما أخذ الصورة منه هذه الصورة مطابقة للواقع الموضوعي، هذا من أين؟ يعني أن علمي مطابق للواقع، أراه مربعاً، من قال أنه مربع؟ هذا يهدم كل الفقه والأصول والدين، لأنه أنت كيف تريد أن تثبت أن هذا واقع موضوعي، يعني علمك، افترض أنك جالس مع رسول الله وتسمع رسول الله، علمك بما قال رسول الله من ماذا؟ سامعة، ما الدليل أن هذه السامعة هو قال (أ) أنت سمعت (ب) ما الدليل على المطابقة؟ فما بالك بنا الذين عشنا بعد أكثر من ألف سنة.
في الدرس السابق أنا قلت أن هذه الإشكالات بجدية وبإصرار الآن تطرح من قبل الفكر الآخر، إذا لم تتسلح بها أنت في الحوزة العلمية واقعاً يسقط ما في يديك، اسقط كل ما في يديك عندما يطرح علي هذا الأمر، يقول من يقول أنه أحمر في الواقع عندما تراه أحمر، من يقول أن الذي سمعته هو الواقع نفسه لعله شيء آخر وصل إلى سمعك، من قال أن ما رأيته هو في الواقع الخارجي أيضاً كذلك. إذن عندنا مشكلتان أصليتان، المشكلة الأولى ما الدليل على وجود الواقع الموضوعي خارجاً، هذه أساس المعارف الدينية إذا سقط هذا الأصل فالمعارف الدينية لا قيمة لها. تقول: كيف. يقول: أنت تقرأ في القرآن ماذا تقرأ؟ هذه الآيات. ارتباطك بهذه النقوش من خلال الباصرة، الآن العلم الحديث أثبت ألف خطأ في الباصرة، من قال أنك تراه كما هو؟ من يقول أن هذا الذي نزل على قلب الخاتم، ذاك بحث آخر، لا هو نفسه هذا، أصلاً رسول الله بيده المباركة كتب القرآن، أنت كيف ترتبط بالقرآن، أنت ترتبط بالقرآن من خلال حاسة البصر.
عندما تركب الطائرة ترى الناس على الأرض صغاراً، هذه الباصرة تخطأ، الآن كأنه متصلة هذه حركة المروحة بينما في الواقع هي غير متصلة بل بينها فراغات.
هذه صح أو هذه صح، أي منها، هذه صح أو هذه صح، أكثر من ذلك إذا كان عندك ماء بارد في هذا الطرف وماء حار في هذا الطرف، وكنت واضعاً يدك في الماء الفاتر عندما تضع يدك في البارد تحس بإحساس وعندما تضعها في الحار تحس بإحساس آخر، أي منها الصحيح.
وكتبت الآن في علم الفيزياء مئات الكتاب لإثبات آلاف أخطاء الحواس، وأنت ارتباط بالدين عن طريق الحواس لا غير، دلني، علمك ليس حضوري وجداني أفاضه الله عليك بالوحي، بل أن علمك حصولي، فلذا طرحت إشكاليتان:
الإشكالية الأول: ما الدليل على وجود الواقع الموضوعي؟
الإشكالية الثانية: مع التسليم بوجود الواقع الموضوعي، ما الدليل على مطابقة ما عندي من الصور مع …
المنطق الارسطي والفلسفة الارسطية والفلسفة الإسلامية قالوا كلاهما بديهيتان، الاول أدعى أنه من الفطريات، والثاني أيضاً ادعوه في بحث الوجود الذهني أنه … السيد العلامة يقول لو لم يطابق للزمت السفسطة، وكأن السفسطة نزلت فيها آية، فليزم السفسطة وإن كان.
ما الدليل على المطابقة؟
المنطق الأرسطي جعل هذه في الفطريات وقال أن هذه قياساتها معها. السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه جاء وناقش بشكل جدي هذه الادعاءات، قال بانه لا دليل على أنها من اليقينيات لا إثبات الواقع الموضوعي ولا إثبات المطابقة بين الصورة الحاصلة والواقع الموضوعي.
سيدنا أنت تؤمن بالواقع الموضوعي؟ يقول: نعم أؤمن بالواقع الموضوعي. تؤمن بأن هناك مطابقة ولو بنحو الموجبة الجزئية بين الصور الحاصلة عندك والواقع الموضوعي؟ يقول: نعم أؤمن بذلك. تقول له بأي دليل؟ يقول: بالاستقراء لا بالمنطق الارسطي، أنا دليلي على وجود الواقع الموضوعي هو الاستقراء، أنا دليلي على أن ما أراه هو الواقع هو الاستقراء، فأنت إما أن تتبنى مبانيي في الاستقراء وأما لا طريق لك لإثبات الواقع الموضوعي، أما أن تجلس أمامي وتدافع عن المنطق الارسطي، لا حل آخر. إذا تريد أن تكون علمياً منهجياً، السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه في (الأسس المنطقية للاستقراء، ص470) يقول بعد أن يبحث بحث في حدود 150 صفحة يقول: (إلى هنا انتهينا من دراسة أربعة أصناف من القضايا اليقينية الست وخرجنا بنتيجة محددة وهي أن القضايا التجريبية) واحد، (والحدسية) اثنين (والمتواترة) ثلاثة (والمحسوسة بالحواس الظاهرة) لا المحسوسة بالحواس الباطنة لأن المحسوسة بالحواس الباطنة ليست صورة عن الواقع بل هي نفس الواقع موجود عندك. يعني عندما أنت تحس بالجوع هذا ليس صورة عن الجوع بل هو نفس الواقع، هذا ليس قابلاً للخطأ. ولذا يقيد يقول (والمحسوسة بالحواس الظاهر كلها قضايا استقرائية تقوم على أساس تراكم القيم الاحتمالية في محور واحد).
إذن إلى هنا ستة أربعة منها يعتقد المنطق الاستقرائي أنها أولية أو ليست أولية؟ ليست أولية.
مطلب جديد، ما هي العلامات التي من خلالها نميز أن قضية من القضايا أولية أو أنها استقرائية؟ شواهد وقرائن؟
في الواقع نستطيع أن نذكر قرائن ثلاثة:
القرينة الأولى: إذا وجدتم في قضية من القضايا كلما ازدادت القرائن والشواهد تزداد القضية قوة، إذن هي قضية يقينية أو استقرائية؟ استقرائية، أما إذا وجدتم كلما ازداد مصاديقها وقرائنها لا تزداد قوة إذن هي قضية أولية.
أضرب لك مثالاً، الآن أنت تؤمن بأن الكل أكبر من الجزء، وأن اجتماع النقيضين محال، أنت في قضية اجتماع النقيضين محال لو ازدادت ألف قضية جديدة عليها تزداد إيماناً بها أو لا تتغير؟ لا تتغير. اثنين بالإضافة إلى اثنين تساوي أربعة، حتى لو كانت ألف مرة 2 بالإضافة إلى 2 تساوي أربعة، ألف قضية تساوي أربعة، مليون قضية تساوي أربعة. يعني في التجربة الأولى كان إيمانك بهذه القضية 90% وفي التجربة 1000 صارت 100% أم أنها لم تتحول، يعني متواطئة أم مشككة؟ متواطئة.
مثال آخر، افرض التواتر يحصل بعشرة، المنطق الارسطي يقول التواتر قضية يقينية، انظروا إلى الفارق كم هو واضح، إذا نقل لك عشرة الخبر يحصل لك الاطمئنان إذا نقل لك خمسون يحصل لك اطمئنان أكثر، إذا نقل لك ألف … ولذا أنت ترى أني عندما أنقل لك الرواية من الكافي تحصل لك درجة من الإيمان، إما إذا نقلت لك من ابن تيمية يحصل لك ماذا … لماذا؟ مع أن خبر الواحد تواتر تواتر، إذا يقينية ينبغي أن تكون متواطئة لماذا صارت مشككة؟ هذا يكشف عن أن القضية إذن أولية أو استقرائية. لأنه كلما ازدادت عدد التجارب ازداد الإيمان. هذا ضبط جيد. هذا الضابط الأول.
الضابط الثاني: إذا وجدت أن القضية قابلة لأن يرفع اليد عنها إذا كانت هناك قرائن مخالفة فهذه القضية قضية استقرائية، أما إذا وجدت والله لو الدنيا جاءوك بشواهد كثيرة تقول شبهة في مقابل البديهيات.
أضرب لك مثال حسي، من يقطع رأسه يبقى حياً أو لا يبقى؟ من أين تقول؟ المنطق الارسطي يقول قضية يقينية لأنه من المحسوسات، وقضية تجريبية جربنا على مئة وعلى ألف وعلى ألفين وعشرة آلاف رأينا أن من يقطع رأسه يموت.
من يبقى تحت الماء بلا أداة فترة طويلة يموت. جرب على واحد اثنين عشرة مئة.
هذه القضية من المحسوسات، لو جاءك عشرة، مئة، جاءك المعصوم قال فلان قطع رأسه وبقي يتكلم. يزول اطمئنانك أو تستثنيه من القاعدة أو لا تستثنيه، القواعد الأولية قابلة للاستثناء أو غير قابلة للاستثناء، يعني تستطيع أن تقول اجتماع النقيضين ممتنع إلا في هذا المورد، يمكن أو لا يمكن؟ القضايا العقلية لا تخصص. الكل أعظم من جزئه إلا في هذا المورد فإن الجزء أعظم من الكل. معقول أو غير معقول؟
أما عندما تقول كل إنسان قطع رأسه يموت ولكن تستطيع أن تستثني وتقول إلا إذا قام الدليل أن الإمام الحسين مع أنه كان مقطوع الرأس إلا أنه إذا تم الدليل على ذلك كان يقرأ القرآن. هذه تستغربها أو لا إذا تم الدليل؟ ليس فيها استحالة عقلية. أما هناك فتوجد استحالة عقلية، هذه قرينة ثانية على أنه هذه قضية أولية أو قضية مستنتجة استقرائية؟
أنا لا أريد أن أدخل في القضايا الست اليقينية وأطبق الضوابط، وإلا إذا أردنا تطبيقها فسيطول بنا المقام. ويتضح عند ذلك ان هذه 80% من اليقينيات ليست بيقينيات.
الضابط الثالث: أن القضايا إذا وجدت أنها تختلف أحكامها من عالم إلى عالم آخر، فهي أولية أو ليست بأولية؟ ليست أولية. يعني في الدنيا لها حكم ولكن عندما ننتقل إلى عالم البرزخ لها حكم آخر. اجتماع النقيضين هل يمكن أن يختلف حكمه في الدنيا عن حكمه في عالم البرزخ، اثنين بالإضافة إلى اثنين في البرزخ تساوي سبعة، لا، بل تبقى تساوي أربعة.
تقول لي: لعل هكذا.
إذن حتى القضايا الرياضية ليست أولية. إذا احتملت اجتماع النقيضين في الآخرة إذن حتى اجتماع النقيضين ليس بأولي بل هو مستنتج.
هذه الضوابط الثلاثة التي أشرنا إليها بشكل واضح عندما نطبقها على هذه اليقينيات الست نجد أنها تخرج منها التجريبية والحدسية والمتواترة والمحسوسة بالحواس الظاهرة.
سؤال: المنطق الارسطي لم يتعب نفسه لإثبات صحة التجريبيات والحدسيات والمتواترات والمحسوسات، قال هذه أولية يقينية. وبهذا البيان أتضح أنها كذلك أو ليست كذلك؟ ليست كذلك. إذن ما الدليل على أن المحسوسات تفيد اليقين؟
أمامك أحد طريقين، أما أن تنتهي إلى النتيجة وتقول لا دليل عندي على أن الواقع الخارجي معلوم، لعله موجود ولعله غير موجود. وأن المحسوسات قد تطابق الواقع وقد تخالف الواقع وأما تقيم لي دليل آخر على إثبات صحة هذه القضايا وهي الحسيات والتجريبيات وخصوصاً المتواترات، لأنه نحن 80% من عقيدتنا قائمة على التواتر، فإذا سقط السند العلمي لحجية الخبر المتواتر، الآن لو طبقنا عليه هذه الضوابط الثلاثة أو بعض هذه الضوابط المتقدمة يجعلها أولية أو يجعلها غير أولية؟ غير أولية. فإذا سقط السند المنطقي والدليل المنطقي الارسطي لحجية التواتر فما هو سندك المنطقي لإثبات حجية التواتر؟ إذن يمكن الدخول في علم الأصول أو في علم الفقه أو في علم العقائد أو في علم التفسير ونحن غير منتهين من هذه المسألة أو لا يمكن من الناحية المنهجية؟ هذا يكون من قبيل إذا أراد أحد أن يدخل في هذه المسائل من غير أن يبحث في سند حجية التواتر يكون من قبيل من يدخل إلى علم الفقه وهو لا يعلم أن خبر الواحد ثقة أو ليس بثقة، فلا يمكن أن يستنبط الحكم الفقهي. 90% من الأحكام الشرعية قائمة على حجية خبر الثقة، يسألك يقول لك أنت تقول هذا خبر زرارة وزرارة ثقة، من قال لك أن خبر الثقة حجة في الوجه، تقول له لا نحتاج إلى إليها إن شاء الله حجة ونتوكل على الله، هل هذا صحيح منهجياً أو غير صحيح؟ أنت الآن 80% أو 70% أو 90% من عقائدك الأساسية في الإمامة وفي غير الإمامة بواسطة ماذا تثبتها أكثر من خبر التواتر. عندك شيء آخر؟ حديث الثقلين أقصاه تجعله متواتراً، تصعد إلى السماء تنزل إلى الطبقة السابقة من الأرض واقعة الغدير تكون متواترة.
المنهج الحديث الذي بدءوا يدخلون علينا من خلاله، لا يناقشك في مضمون حديث الغدير، لا يأتي ليناقشك في مضمون حديث الثقلين، يطلب منك الأساس المنطقي لحديث الغدير ولحديث الثقلين، يقول: من أين نثبت حديث الثقلين أو حديث الغدير؟ هذه مسألة خطيرة في الآونة الأخيرة، ولذا الطرف الآخر بدأ يقوم بعملين معاً بشكل مزدوج، أولاً أن ينفي أنه يوجد حديث صحيح لحديث الثقلين أو لحديث الغدير. بدأ ينفي هذا، ثانياً ماذا يفعل؟ يقول حتى لو كان موجوداً فهو خبر آحاد، وخبر الآحاد لا يفيد إلا ظناً والظن لا يغني من الحق شيئاً في المسائل العقائدية. أنا في هذا البحث أريد أن ارتفع بالأخوة إلى مرتبة ثالثة تقول حتى لو سلمنا أن حديث الثقلين متواتر حديث الغدير متواتر، حديث الطير المشوي متواتر، من قال أن التواتر حجة ويفيد اليقين، من أين جاء هذا؟ أنت عندك أحد طريقين: الطريق الأول تقول المنطق الارسطي، يقول أعوذ بالله تستند إلى ارسطو لإثبات عقائدك. عندك طريق آخر؟ هذه حوزتنا العلمية، قل له سلمنا معكم أن حديث الثقلين متواتر، أسأله وقل له لا تخرجني من المذهب، أسأله ما الدليل على حجية التواتر؟ ما هو جوابهم؟ واقعاً لا يوجد غير أن يقول أن المتواترات من الأوليات. ولا شيء آخر. وإذا سألته هذا السؤال ومن حقك أن تسأل من خلال هذه الضوابط الثلاثة التي أشرت لها، ومن قال لكم أنها من الأوليات؟ ولذا اضطر السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه أن يؤسس الأسس المنطقية للاستقراء، وجد بأنه إذا لم يتم في المرحلة السابقة تأسيس الأساس المنطقي للحديث المتواتر وللمحسوس وللتجريبيات …. إذن هذه لا قيمة لها، لا فقط الفقه والأصول يسقط عن الاعتبار، العقائد أيضاً تسقط عن الاعتبار.
إذن أنت من الآن فصاعداً مسئول من الناحية المنهجية والعلمية كيف يعد الأصولي مسئولاً أولاً تثبت العرش ثم تنقش، تثبت أن خبر الثقة حجة ثم تستدل بخبر الثقة، تثبت أن البراءة الشرعية حجة فتستدل بالبراءة الشرعية، تثبت أن الاستصحاب حجة فتستدل به، تثبت أن الإجماع حجة فتستند إلى الإجماع، لابد أن تثبت لنا أن التواتر حجة فتستند إليه. وطريقك إما المنطق الارسطي أو طريق آخر. أنا لا أريد أن أسميه الاستقرائي، ابحث لي عن طريق يقول لي هذا الطريق ليس بصحيح ولكن عندي أنا طريق آخر.
والحمد لله رب العالمين.