أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
انتهينا في بحث الأمس إلى الدعوى الأخيرة من الدعاوى التي ادعاها سيدنا الشهيد قدس الله نفسه في الأسس المنطقية، وهي الدعوى التي تقول بأننا نستطيع من خلال الدليل الاستقرائي أن نصل إلى الجزم واليقين، طبعاً السيد الشهيد له اصطلاح خاص هنا سأوضحه بعد ذلك، يعبر عنه باليقين الموضوعي في قبال اليقين المنطقي والرياضي وفي قبال اليقين الذاتي. ما هو مراده من اليقين الموضوعي لأنه عندما راجعت مجموعة من الكلمات وجدت أنهم لم يفهموا كلام استاذنا الشهيد.
أنا أتكلم عن الفتوى لا عن الاصطلاح السيد الشهيد يعتقد في الأسس المنطقية أننا نستطيع بالدليل الاستقرائي أن نصل إلى اليقين ومراد من اليقين ليس هو اليقين الارسطي الذي هو مركب من جزمين جزم بالثبوت وجزم باستحالة الانفكاك بل المراد من اليقين الجزم البسيط واليقين البسيط يعني غير مركب ولا يوجد فيه استحالة الانفكاك.
بالأمس بينا هذه النقطة وهي نقطة أساسية في فهم المذهب العقلي، عندما أقول المذهب العقلي يعني كل استدلالاتنا التفسيرية، كل استدلالاتنا الكلامية، كل استدلالاتنا الأصولية، كل استدلالاتنا المعرفية، كلها قائمة على المذهب العقلي، لأن الذي خرج عن المذهب العقلي هو فقط السيد الشهيد في المذهب الذاتي، ولذا لا يتبادر إلى ذهن الأخوة ما هي أهمية معرفة مباني واركان نظرية المذهب العقلي، أساساً نحن نعيش ونتنفس ونحيا على مباني المذهب العقلي.
المذهب العقلي يقولون لكي تكون أي نتيجة من النتائج في أي استدلال لكي تكون صحيحة لابد من توفر ركنين أشرنا إليهما بالأمس، الركن الأول أن تكون المقدمات صادقة، أما إذا كان المقدمات فيها خلل فالنتيجة تابعة لأخس المقدمات، هذا الركن الأول.
الركن الثاني أن تكون هناك ملازمة واقعية بين المقدمات وبين النتائج، وهذا لن يتحقق في المنطق الارسطي إلا إذا كانت النتائج أصغر أو مساوية أما إذا كان النتائج أكبر فهل توجد هناك ملازمة بين صحة المقدمات وصحة النتيجة أو لا توجد؟ لا توجد.
ولذا مباشرة المنطق الارسطي العقلية الارسطية، المنهج العقلي بمجرد … أنا جلست مع أساتذة كبار من الذي يعتمدون المذهب العقلي أساساً بمجرد أن يستمع إلى الدعوى التي يدعيها المذهب الذاتي يقول هذه لا تحتاج إلى بحث وعليها خط أحمر، لماذا؟ لأن المذهب الذاتي يدعي، هذا المعنى يدعيه المنطق الارسطي في هذا الكتاب وهو كتاب مهم في فهم نظرية ارسطو، أقرأ بدقة الأسس لا فقط تفهم المذهب الذاتي بل أولاً تفهم المذهب العقلي وتفهم ماذا كان يريد ارسطو أن يقول.
في (ص136) قال: (أن الفكر البشري لا يخطأ إلا في موردين، المورد الأول استعماله لطريقة التوالد الذاتي) ما هي طريقة التوارد الذاتي وهو أن النتيجة لا تكون مستلزمة للمقدمات، وهذا ما أشرنا له بالأمس، يقول هذه النتيجة صحيحة أو خاطئة؟ المنطق العقلي يقول خاطئة (أي استنتاج نتيجة من مقدمات صادقة لا تستلزم تلك النتيجة) هذا يعبر عنه بالتوالد الذاتي، هذه النتيجة صادقة أو كاذبة، صحيحة أو خاطئة؟ خاطئة. والشك الآخر للخطأ، استعماله لطريقة التوالد الموضوعي باستنتاج نتيجة من مقدمات تستلزم النتيجة. ولكن المقدمات خاطئة، أيضاً النتيجة صحيحة أو خاطئة؟ إذن هناك منشئان لخطأ النتائج في المنهج العقلي، المنهج الأول أن المقدمات تكون خاطئة وإن كان هناك تلازم بين المقدمات والنتائج، والمنشأ الثاني أن المقدمات صحيحة ولكن لا تلازم بينها وبين النتائج تلازم منطقي فإن النتيجة كون خاطئة.
سؤال: المذهب الذاتي ماذا يدعي؟ يقول الخطأ له منشأ واحد لا منشئان. ما هو؟ يقول: بأنه إذا كانت المقدمات غير صحيحة فالنتيجة تكون غير صحيحة، أما إذا كانت المقدمات لا تستلزم النتائج ضمن شرائط معينة يمكن أن تكون النتائج صحيحة، وهذا ما عبرنا عنها بالتوالد الذاتي. هكذا يدعي السيد الشهيد في (ص137) يقول: (ويؤمن المذهب الذاتي بأن الجزء الأكبر من تلك العلوم والمعارف التي يعترف المنطق الارسطي بصحتها مستنتج من معارفنا الأولية لا بطريقة التوالد الموضوعي فقط، بل بعضها بالموضوعي وبعضها بالذاتي. فهناك في رأي المذهب الذاتي معارف أولية تشكل الجزء العقلي القبلي من المعرفة) هذه البديهيات في المنطق الارسطي (وهناك معارف ثانوية مستنتجة بطريقة التوالد الموضوعي) يعني أن المقدمات تستلزم النتائج (وهناك معارف مستنتجة من معارفنا السابقة بطريقة التوالد الذاتي) سيدنا أضرب لنا أمثلة؟ يقول: (أما القسم الأول من قبيل مبدأ عدم التناقض) ونحن أضفنا وقلنا لابد أن يضيف له مبدأ السببية (أما القسم الثاني من قبيل كل القضايا النظرية المستنتجة من البديهيات الأولية، أما القسم الثالث) وهو محل الشاهد، تصريح من قبل السيد الشهيد (ومثال المعارف الثانوية أي النظرية المستنتجة بطريقة التوالد الذاتي كل تعميمات الاستقرائية فإن) يعني ما نصل إليه من نتائج في الاستقراء (فإن التعميم الاستقرائي مستنتج من مجموعة أمثلة وشواهد لا يوجد أي تلازم بينها وبين ذلك التعميم) المنطق العقلي ماذا قال؟ قال إذا لم يكن تلازم النتيجة تكون خاطئة. المذهب الذاتي ماذا يقول؟ لا أريد أن أقول بالضرورة صحيحة، يقول يمكن أن تكون صحيحة. ذاك بنحو السالبة الكلية إذا لم يكن تلازم فالنتيجة خاطئة. هنا يدعي السيد الشهيد بنحو الموجبة الجزئية أن بعض النتائج يمكن أن تكون ماذا؟ … واقعاً هذه معجزة مع أنه لا تلازم بين المقدمات والنتائج كيف تكون هذه النتيجة صحيحة من هذه المقدمات!
سؤال: كيف يمكن أن تكون؟ ولمزيد مراجعة تراجع (ص139 و140) يقول: (وبهكذا نستطيع أن نبرهن لأنصار المذهب العقلي على أن طريقة التوالد الموضوعي ليست هي الطريقة الوحيدة التي يستعملها العقل للحصول على معارفه بل يستعمل إلى جانبها أيضاً طريقة التوالد الذاتي) إذن هناك طريقان للوصول إلى النتائج الصحيحة.
السؤال الآخر: سيدنا ماذا تقول إذا أنت قبلت أنه مع فرض عدم التلازم بين (أ) و (ب) مع ذلك (أ) ينتج (ب) إذن هذا على الإسلام السلام، لأن كل واحد يقول الشمس طالعة إذن زيد ميت، لأنك لم تشترط التلازم بين المقدمات والنتائج؟
هنا السيد الشهيد يتوقف، يقول: أنا لم أقل هكذا، وإنما هناك ضوابط في المقدمات إذا توفرت فإنها تنتج نتيجة صحيحة وإن لم يكن تلازم، ولذا أنا عبرت الموجبة الجزئية لا الموجبة الكلية.
سيدنا ما هي هذه الضوابط؟ يقول: هذه الضوابط لا يمكن أن تفهم من خلال المنطق الارسطي، بل لابد أن نؤسس لها منطق خاص بها، هذا هو المنطق الذاتي أو المنطق الاحتمالي أو المنطق الاستقرائي، سمه ما شئت. إذن أنت إذا أردت أن تتعامل مع نظرية السيد الشهيد لا تتعامل معها على أساس … مع الأسف الشديد جملة من مناقشات أساتذتنا كالشيخ الجوادي في كتاب (أدلة إثبات وجود الله) بالفارسي، ثمان أدلة يذكر، ومن الأدلة التي يذكرها دليل النظم الذي يقوم على أساس نظرية الاحتمال، هناك يدخل بشكل تفصيلي بمناقشة نظرية الاحتمال من غير أن يشير إلى السيد الشهيد.
كل المناقشات أو في الأعم الأغلب المناقشات أنه يتعامل مع الدليل الاستقرائي بعقلية المنطق الارسطي، مع أن السيد الشهيد هو بشكل واضح وصريح يقول أن اليقين الذي أنا أدعيه قائم على اساس منطق آخر غير المنطق الارسطي، إذا كان عندك إشكال لابد أن تأتي من المنطق الذي أسسته أنا، لا أن تناقشي على اساس منطق ارسطو. قال: (ويترتب على هذا أن من الضروري الاعتراف بأن هذه الطريقة الجديدة للتوالد ذاتياً تختلف عن طريقة التوالد الموضوعي لا يمكن إخضاعها للمنطق الصوري أو الارسطي الذي يعالج التلازم بين أشكال القضايا؛ إذ لا تقوم طريقة التوالد الذاتي على أساس التوالد الموضوعي).
وهذا له قانون، أصلاً هذا نظام وذاك نظام فكري آخر.
ثم يأتي في (ص141) يقول: (ومن أجل ذلك نلاحظ أننا إذا انطلقنا من وجهة نظر المذهب الذاتي فسوف نجد أنفسنا بحاجة إلى منطق جديد) إلى منطق ذاتي (يكتشف الشروط التي تجعل طريقة التوالد الذاتي معقولة) لأنها بظاهرها غير معقولة، مقدمات لا تستلزم النتائج مع ذلك النتائج صحيحة (كما احتجنا إلى المنطق الصوري لاكتشاف صيغ التلازم في التوالد الموضوعي).
إذن أنت لا تحكم على الأسس من غير أن تقرأه على أن فيه خمسة إشكالات، لا تتعامل مع المنطق الذاتي أو المذهب الذاتي من خلال المنطق الصوري والمذهب العقلي، هذا له قواعده وذاك له قواعده، يكون في علمك لا مشكلة عندنا أن الإنسان يناقش ولا ننظر أن هذا صغير أو كبير أن هذا عالم او ليس بعالم، أبداً، همنا الأصلي هو أن هذا المناقش يعلم ما يقول أو لا يعلم. لأن بعض الأحيان يناقش من حيث لا يعلم.
وحدة الوجود كفر وضلال، أنا أيضاً أعتقد بأن وحدة الوجود التي تعتقدها كفر وضلال، ولكن اعتقد يا أخي القائلين بوحدة الوجود عندهم مباني أفهمها أولاً ثم أشكل عليها، لا مشكلة عندنا في ذلك، لكن أقول افهم ما يقول، ناقشوا لا مشكلة في ذلك، ولكن أولاً ثبت العرش ثبت أنك فهمت مبناه ثم ناقشه، ناقش السيد الشهيد ولكن أولاً ثبت أنك قادر على فهم هذه المباني ثم ناقشها. إذن سيدنا الشهيد أنت إلى هنا أولاً قلت عندي منطق جديد، وثانياً قلت أن ليس كل مقدمات وإن لم تكن بينها وبين النتائج استلزام تنتج، وإنما بعض المقدمات، فلذا عبارته واضحة، وهذا لا يعني فسح المجال لاستنتاج أي قضية من أي قضية أخرى على أساس التوالد الذاتي دون تقيد بالتلازم بين المقدمات والنتائج وإلا للزم، يقول إذا كان هكذا وإلا استلزم أن زيد مات من أن الشمس طالعة.
لأنك لم تشترط التلازم، الشمس طالعة، إذن زيد صار مجتهداً، الآن هكذا عندنا. دخل الحوزة إذن صار مجتهد، ما العلاقة بين هذا وهذا، قد يدخل الحوزة ولا يكون مجتهداً، وقد لا يدخل الحوزة ويصير مجتهداً.
إذن ماذا نفعل سيدنا؟
يقول: عندي ضوابط وقواعد ومنطق جديد؟
وإن حجم الأرض أكبر من حجم القمر من أن الأرض مشتملة على معادي كثيرة، لماذا حجم الأرض أكبر من حجم القمر؟ يقول: لأن الذهب كثير في الأرض. تقبل هذه القضايا سيدنا.
يقول: فإن هذا يؤدي إلى جعل طريقة التوالد الذاتي مبرراً لأي استدلال خاطئ وليس هذا ما نقصده عندما نقرر هذه الطريقة إلى جانب طريقة التوالد الموضوعي.
سيدنا إذن ماذا تقصد؟
في آخر (ص141) يقول ما أقصده هذا بنحو الإجمال، فتاوى هذه، أنتم ترون بأنا لا ندخل في البحث الاستدلال بل نبين النظرية فقط، ما نذكره خلاصة للأسس المنطقية للاستقراء، هذه الخلاصة لفهم هذه النظرية، الأسس المنطقية التي تقولون أنها أعمق ما أنتجه فكر السيد الشهيد، واقعاً أعمق وأدق ما أنتجه فكر السيد الشهيد في الأسس المنطقية، وكان يفتخر بذلك.
هذا نص عبارته أنقلها لكم مباشرة منه قدس الله نفسه، قال: هذا الأسس عاش معي أربع سنوات، حتى في الليل كنت أحلم بالأسس.
قلت له: لماذا؟
قال: لأني قرأت فلسفة هيوم ووجدت أن فلسفة هيوم لو تمت لقضي على الدليل العلمي لإثبات وجود الله. ديفيد هيوم من كبار الفلاسفة الانكليز، وله مباحث كثيرة في الاستقراء والرياضيات، يقول: نحن مع الذين يقولون بوجود الله إذا قالوا بأن عندنا دليل فلسفي فلا كلام لنا مع معهم. إما إذا قالوا بأن لهم دليل علمي، هذا النظام والطبيعة (أفلا ينظرون إلى الأبل) (سنريهم آياتنا في الآفاق) هذه الأدلة كلها لا تثبت وجود الله. طريق علمي لا يوجد، يعني قائم على الأسس الطبيعية والعلوم التجريبية، ولذا أنتم إذا تلتفتون إلى عنوان الكتاب تجدون أهمية الكتاب بالنسبة للسيد. (دراسة جديدة للاستقراء تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعية وللإيمان بالله) إذن مشكلة الأساسية كان يريد أن يقول أن الأساس المنطقية للعلوم الطبيعية هو الذي يوصل إلى الله، فإما إذا آمنت هذا الأساس العملي تؤمن أيضاً بوجود الله وإذا أردت أن تنكر وجود الله فلابد أن تنكر العلوم الطبيعية، لأنه يلزم التناقض. أن الهدف كان هدف إيماني عقائدي كلامي، هذا الكتاب كتاب، نحن نقول نظرية معرفة، لا يا أخي، هذا الكتاب من أهم الكتب لإثبات وجود الله سبحانه وتعالى، هذه القضية الحاضرة على مر التاريخ البشري إلى يومنا هذا.
قبل عشرة أيام زارني مجموعة من أهل الاختصاص من عمان، قالوا: أن هناك نظرية في بريطانيا من أحد الفلاسفة هناك، ثبت أن هذا النظام أنا استقرأت هذا النظام الذي يحكم عالم الطبيعية وجدت أن هذا النظام يمكن أن يدار ذاتياً ولا يحتاج إلى مدبر من الخارج. وحصلت فوضى، لا فقط في الفكر الغربي بل بدأت آثارها تصل إلى الجامعات الإسلامية، طلبوا مني أن أذكر أدلة لإثبات وجود الله، لأن هؤلاء هذه هي أدلتهم هذا النظام كيف أن أحداً صنع معملاً يعمل ذاتياً، هذا من قبيل نظرية المعتزلة الذي قالوا أن هذا العالم يحتاج إلى الله حدوثاً ولا يحتاج إليه بقاء، فلو أمكن عدمه لما ضر وجود العالم شيئاً.
أريد أن أبين أهمية المطلب.
سيدنا ما هو طريقك، وما هو منطقك الذي تريد أن توصلنا من خلاله إلى التوالد الذاتي تكون النتيجة يقينية وإن لم تكن هناك ملازمة بين المقدمات وبين النتائج.
يقول: يمر عملي من خلال مرحلتين، المرحلة الأولى وهي، طبعاً هذا المعنى، يقول وأنا أعتقد أن كل معرفة لكي نحصل عليها تمر بمرحلتين، مرحلة التوالد الموضوعي، وفي هذه المرحلة …، ومرحلة الذاتي التي نرفع فيها نتيجة التوالد الموضوعي في المرحلة الأولى إلى درجة اليقين في المرحلة الثانية.
سؤال: ما هو مراد السيد الشهيد من التوالد الموضوعي في نظريته، لأنه في نظريته التوالد الموضوعي غير التوالد الموضوعي هنا، لأن التوالد الموضوعي عند الارسطيين قائم على منطق ارسطو وهو عندما يقول توالد موضوعي مراده على منطقه المذهب الذاتي.
بنحو الإجمال ما هو التوالد الموضوعي؟
يقول في التوالد الموضوعي نحن عندنا من خلال إخبار، يخبر شخص أن فلان مات، أو من خلال تجربة، أو من خلال رأي عالم، أنت بمجرد أن تسمع هذا الخبر لا أقل يحصل عندك درجة من احتمالات صدق، مرة قاطع بكذبه فلا يحصل عندك احتمال الصدق، ومرة جاء وقال لك اليوم أنا رأيت شخصاً عنده رأسين، وأربع أيادي، قضية محالة عقلاً؟ لا، بل ممكنة، وقوعها كم؟ واحد من الألف أو من المليون. ولكن الناقل ليس إنسان مرة الناقل قد يرى الهلال هلالين وذاك لا ربط لنا به، ولكن الرجل متزن عالم صحيح الحواس يقول أنا رأيته، تقول أنت رأيته. يقول: نعم. ضع هذه في بودقة الصدق بدرجة واحد من الألف. العصر يأتيك خمسة آخرين يقولون نحن رأينا ذلك أيضاً، هنا درجة الصدق ترتفع، وبعد أيام لعلك ترى أن المخبرين لك يصلون إلى مئة شخص وكلهم ثقة يتصفون بالضبط والصدق والوثاقة، ماذا يحصل عندك بالإخبار بخبر جديد؟ هذه تزداد احتمالية صدق الخبر في المقابل ماذا يكون، لأن التناقض باطل، يضعف الاحتمال الآخر.
في التوالد الموضوعي السيد الشهيد يسعى بكل ما أوتي من قوة وعبقرية أن يصعد احتمال أحد طرفي الخبر، طبعاً هذا أين تستطيع أن تطبقه؟ تطبقه في التواتر، وتطبقه في الشهرات، وتطبقه في الإجماعات، واقعاً ترى أن هناك ثلاثة يدعون الإجماع، أربعة يدعون الإجماع، عشرة يدعون الإجماع، وهم في عرض واحد، لا أن أحدهم متأثر بآخر، كلهم في زمان واحد يدعون قضية واحد. أنا أردت أن أعرف مباني السيد الشهيد عندما نصل إلى الأصول هذه النظرية كاملاً تتضح مبانيها أين.
يقول: التوالد الذاتي، الموضوعي للفكر، وتسمى هذه المرحلة بالمرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي لأن الدليل في هذه المرحلة يمارس عملية استنباط. سؤال: في مرحلة التوالد الموضوعي لا الذاتي سير من الخاص إلى العام أو سير من العام إلى الخاص؟ يقول على الطريقة الارسطية سير من العام إلى الخاص، ولهذا يعبر عنها بالاستنباطية. ولكن لا استنباطية التي تورث اليقين، استنباطية تورث أعلى درجات الاحتمال. لماذا؟ لأننا نتكلم في هذا المنطق لا نتكلم … نتكلم في فضاء هذا المنطق لا في فضاء المنطق الارسطي.
والدليل الاستقرائي في هذه المرحلة ماذا يفعل؟ ينمي احتمال التعميم الاستقرائي ويصل به إلى أعلى درجة من درجات التصديق الاحتمالي مستنتجاً تلك الدرجة بطريقة استنباطية، لا بطريقة استقرائية، وقرأنا الاستنباط ما هو في أول مقدمة الكتاب، قال الاستنباط كل نتيجة لا تكبر عن مقدماتها. يقول في المرحلة الأولى ايضاً أمر بهذه المراحل.
إلى أن يأتي … إني أريد في هذا البحث أن أثبت، يعني في التوالد الموضوعي (ص252) إن الاستقراء يمكنه أن ينمي قيمة احتمال التعميم، أي يصعد القيمة، ويرتفع بها إلى درجة عالية من درجات التصديق الاحتمالي. ولكن في هذه المرحلة يصل هذا الاحتمال إلى اليقين أو لا يصل؟ لا يصل أبداً. يبقى هذا الاحتمال احتمال المخالف قائم دائماً، سيدنا ماذا نحتاج لكي نصل إلى اليقين؟ يقول هنا تدخل على الخط المرحلة الثانية وهي مرحلة التوالد الذاتي.
هذا المعنى في (ص356) من الكتاب قال: (والسؤال الأساس الذي يواجهنا لدى دراسة المرحلة الثانية من الدليل الاستقرائي) يعني التوالد الذاتي (هل أن هذه القيمة الاحتمالية الكبيرة تتحول إلى يقين في مرحلة تالية من الدليل الاستقرائي أو أنها تبقى احتمال عالٍ جداً ولا يفنى الكسر الضئيل). في (ص362) قال: (هل أن القيمة الاحتمالية الكبيرة التي يحققها الدليل الاستقرائي في مرحلته الأولى الاستنباطية تتحول إلى يقين في مرحلة تالية أو أنها لا تتحول) ويشير في (ص363) (إنما نريد باليقين هل هناك فلان … فهل أن الدليل الاستقرائي الذي وصل إلى أعلى درجة ممكنة من احتمالات التصديق هل تصل إلى درجة الجزم واليقين) هل هي صحيحة أو ماذا؟ يعني إذا جاء أحد وأدعى أن هذه الدرجة العالية صارت جزماً فهل هي صحيحة أو يغر صحيحة.
السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه يقول: نعم. في مرحلة التوالد الذاتي عندنا قاعدة وعندنا أصل هذا الأصل يحول هذه الدرجة الاحتمالية الكبيرة أو درجة التصديق الكبيرة، انظروا التصديقات لها مراتب، قد يكون التصديق احتمالي، وقد يكون تصديق شكي، وقد يكون تصديق ظني، وقد يكون تصديق يقيني. نحن في المرحلة الأولى وصلنا إلى التصديق … ولكن أعلى درجات التصديق الاحتمالي، الآن في مرحلة التوالد الذاتي نريد أن نصل إلى التصديق الجزمي. لا إلى التصديق الاحتمالي. تصديق جزمي.
سؤال: سيدنا أولاً قل لنا يتحول أو لا يتحول، فتاوى؟ يقول: نعم، يتحول.
سؤال: هذا التحول مربوط بالواقعيات أو مربوط بالعلم؟ يقول: لا، هنا أختلف مع المنطق الارسطي، أنا لا أعتقد بأنه فقط المعلومات تنمو، بل العلم أيضاً ينمو، هو العلم يتحول من درجة إلى درجة جديدة، العلم، التصديق، التصديق مرتبط بالواقع الخارجي أو مرتبط بالذهن البشري، تصدق أو لا تصدق، زيد قائم، هذا موجود في الواقع، تصديقك بزيد قائم هذا أمر مرتبط بالمعرفة وبالعلم لا بالمدرك لا بالمعلوم، بالعلم، أنت الذي تدعي يتحول من درجة إلى درجة مربوط بالمعلوم او مربوط بالعلم؟ يقول: مرتبط بالعلم.
في (ص367) قال: (إن المصادرة التي يفترضها الدليل الاستقرائي في مرحلته الثانية) وهو التوالد الذاتي (لا ترتبط بالواقع الموضوعي) على الإطلاق (وإنما ترتبط بالمعرفة البشرية) يعني مربوطة بالعلم والإدراك أو بالمدرك والمعلوم؟ وهذا هو الذي بالأمس بيناه وقلنا أن الفارق بين المذهب الذاتي والمذهب العقلي.
سؤال: ما هي المصادرة؟
هناك مجموعة من الأصول والقواعد والأمور عبر عنها والمصادرات لا يستطيع أحد أن ينكرها، بل مضطر الإنسان أن يقبلها، الآن أنا أقول لك اجتماع النقيضين، بماذا تجيب؟ تقول لي ممتنع، تقول لي: من أين هذا؟ تقول أن العقل البشري مصمم عندما ينظر إلى هذا الموضوع وهذا المحمول بالاضطرار والضرورة يقول هذا المحمول ثابت لهذا. ولهذا قال لماذا سميت ضروريات لأن النفس الإنسانية مضطرة لقبولها، وليست مختارة، نعم الإيمان اختياري لا العلم، العلم اضطراري. الآن أنت في مكان النور موجود وشرائط الإضاءة موجودة وعينك سالمة ولا وجود للمانع، يعني المقتضي تام والمانع مرفوع والشرط متوفر، المقتضى يتحقق بالضرورة يتحقق، الآن أنا لو أصدّر للنفس ألف أمر أقول أنظر إلى فلان ولكن لا تجعل صورة منه تنطبع في ذهنك؟ هذا الأمر لا اختيار لك فيه. بمجرد أسمعك (2 بالإضافة إلى 2) ذهنك يذهب إلى 4. تقول للنفس لا تقبلي هذه النتيجة، لا تقبل بذلك. هذه النفس البشرية هكذا صممت.
المصادرة، السيد الشهيد يعتقد في هذه الدعوى أو الذي أعبر عنها بالمصادرة، يقول أن النفس الإنسان صممت، طبعاً النفس الإنسانية السوية يعني بشرط المحمول وإلا إذا لم يكن سوياً حتى الأوليات لا يفهمها. إذن هذا الشرط شرط طبيعي لأنه حتى في الأوليات هذا الشرط عندك. إذن السوي هذا شرط بشرط المحمول كما يقولون وضروري الأخذ لأنه إذا لم يكن سوياً حتى الأوليات لا يفهمها فضلاً عن هذه المصادرة.
يقول أن النفس الله صممها بنحو إذا تكاثرت الاحتمالات في طرفي قضية ووصلت إلى درجة كبيرة من الاحتمال صارت 99999 او أكثر … فإن العقل البشري صمم تصميماً يستطيع أن يحتفظ بذلك الكسر الضئيل أو يتحول هذا الاحتمال القوي إلى يقين؟ السيد الشهيد يقول محال أن العقل البشري قادر أن يحتفظ بتلك الكسور الضئيلة. شيئاً فشيئاً أن ذلك الكسر الضئيل سوف يفنى لصالح الكسر الكبير، ويتحول ذلك التصديق الاحتمالي العالي إلى الجزم واليقين. يتحول إلى الجزم واليقين، تقول له: هل يستطيع الإنسان أن يقف أمام هذه الطريقة من خلق الله، الله خلقه هكذا هل يستطيع أن يقف، يقول إذا استطاع أن يقف في الأوليات هنا أيضاً يستطيع أن يقف، كما أنه هناك مضطر هنا أيضاً مضطر. إلا إذا كان عنده مشكلة نفسية أو فسلوجية، نعم هذه القضية تختلف من شخص إلى شخص آخر كما في الأوليات كذلك، في الأوليات وفي الفطريات وفي الحدسيات بعض الناس بمجرد أن تقول له القضية هو يقبلها، بعض الناس تقيم له ألف دليل حتى يقبلها، يقول: كما أن الناس يختلفون في الاوليات لا تقول لي بأن الناس هنا ايضاً بعضهم يحصل له سقوط الكسر الضئيل من إخبار عشرين وبعضهم لا يسقط عنده الكسر الضئيل من إخبار عشرين، لا مانع، في النتيجة إذا لم يسقط عنده الاحتمال الصغير بإخبار عشرين يسقط عنده بإخبار ثلاثين، تقول لي قد لا يسقط، أقول يسقط بإخبار خمسين. إلا إذا كان غير سوي، ولذا لا يستطيع أن يقف أمام هذا.
يقول هذا من قوانين الذهن البشري، كلما تجمع عدد كبير من القيم الاحتمالية في محور واحد (ص368): (في محور واحد علي عليه أفضل الصلاة والسلام نصب للإمام في غدير خم) جاء مخبر وأخبر وموالي أو ليس بموالي؟ غير موالي، هذا احتمال، لعله والله العالم كان عنده مصلحة ونقل الخبر، انتقلت إلى صحابي آخر من مكان آخر وثالث ورابع وخامس وعاشر ومئة اجتمعت الكلمة على أنه نصب، هذه كلما زادت يزداد صدق الخبر واحتمالية صدق الخبر (فحصل هذا المحور نتيجة لذلك) يعني نتيجة التوالد الموضوعي (على قيمة احتمالية كبيرة فإن هذه القيمة الاحتمالية الكبيرة تتحول ضمن شروط معينة) لا مطلقاً بل لها قواعد، لا أن كل أحد يأتي ويطبقها كما يريد (تتحول إلى يقين فكأن المعرفة البشرية) الله مصمم الإنسان بهذه الطريقة (فكأن المعرفة البشرية مصممة بطريقة لا تتيح لها أن تحتفظ بالقيم الاحتمالية الصغيرة جداً، فأي قيمة احتمالية صغيرة تفنى لحساب القيمة الاحتمالية الكبيرة المقابلة وهذا يعني تحول هذه القيمة إلى) تحول الاحتمال الاعلائي الذي كان في كسر ضئيل يتحول إلى جزم.
سيدنا هذا الاحتمال مرتبط بالواقع الخارجي؟ يقول: لا، أساساً الاحتمال والتصديق الاحتمالي واليقين مربوط بالمعرفة، التصديق والتصور مرتبط بالواقع أو بالمعرفة، مرتبط بالكاشف أو بالمنكشف؟ من الواضح بأنه لا علاقة له بالمنكشف وإنما هو مرتبط الكاشف، يقول: قوانين الكاشف وقوانين المعرفة وقوانين العلم هكذا صممت.
سؤال: سيدنا أنا أربي نفسي على شكل أن هذه القيمة الاحتمالية الكبيرة لا تتحول إلى يقين، يعني القيمة الاحتمالية الصغيرة تبقى محتفظ بها.
يقول: إلى حد، إلى حدين، إلى مرتبة، إلى مرتبتين، تستطيع أن تحتفظ ولكن بعد ذلك لا تستطيع.
يقول: (وهذا يعني وليس فناء القيمة الاحتمالية الصغيرة نتيجة لتدخل عوامل بالإمكان التغلب عليها والتحرر منها) لأنه مصمم بالطريقة التي أشرت لها (بل أن المصادرة تفترض أن فناء القيمة الصغيرة وتحولها إلى يقين يفرضه التحرك الطبيعي للمعرفة البشرية) هكذا مصمم.
في (ص369): (وهكذا نعرف بهذا التحليل إلى أن محوراً معيناً قد يمتص الجزء الأكبر من قيمة علم عن طريق تجمع القيم الاحتمالية وهذا يعني حصوله على قيمة احتمالية كبيرة وتتحول هذه القيمة إلى يقين وأما القيمة الاحتمالية الصغيرة المضادة التي لم يمتصها فتفنى لضآلتها أمام تلك القيمة الاحتمالية الكبيرة). يعني تلك الدرجة من الاحتمال الصغيرة التي بقيت قائمة في التوالد الموضوعي، يعني التوالد الموضوعي لم يستطع أن يفنيها، لأن القضية ممكنة ومع ذلك لا تفنى، من الذي يفنها؟ هذا التحرك وهذه الحركة.
سؤال: هذه المصادر لها شروط أو ليس لها شروط؟ نعم، لأنك حتى في اجتماع النقيضين محال ليس مطلقاً وإلا لما قرأنا الوحدات التسع في المنطق الارسطي. هذا معناه شروط اجتماع النقيضين محال، هناك أيضاً شروط، ما هي الشروط؟ ذاك بحث آخر. هذا هو الادعاء.
سيدنا ما هو دليل على هذا؟
والامر إليكم تريدوا أن تقبلوا أهلاً وسهلاً، تريدوا عدم القبول أيضاً أهلاً وسهلاً بكم، هذا هو معنى المصادرة.
(2 بالإضافة 2=4) لو سألك أحد ما الدليل على هذا، ماذا تقول له؟ تقول له أنت حر في القبول وعدم القبول.
ما الدليل على امتناع اجتماع النقيضين، ما الدليل على أن الكل أكبر من الجزء، ما الدليل على أن الله تجب طاعته؟
واقعاً لو سألك أحد لماذا أجب الله؟ تقول للكتب والرسل والأنبياء، يقول نعم، ولكن ما الدليل على وجوب طاعته، تقول له: خالق، يقول: ومن قال أن الخالق يجب طاعته، تقول: أنت حر، لأن كل أدلتنا على وجوب الطاعة لله إما إثبات وجوب شكر المنعم، أو كونه خالقاً، أو …. وهو يقول افترض ان الله خلقني وأعطاني كل شيء، من قال له أن يخلقني، أنا لم أقل له أن يخلقني، بينك وبين الله لو جاء أحد وأشكل عليك بهذه الطريقة، إلا أن ترجعه إلى وجدانياته ليس عندك طريق آخر. والآن بدأت هذه الأسئلة تأتي.
كان يريد أن يخلقني في عالم الذر في عالم الملكوت في عالم الجبروت أو في عالم اللاهوت، كان يستأذني قبل أن يخلقني، وإذا خلقتك وفعلت كذا سأصنع بك كذا. أقول: لا أريد أن تخلقني.
بلا إذن خلقني وجاء بي إلى هذه الدنيا، الآن يقول أريد منك أن تفعل هكذا وتذهب إلى الجنة، لا أريد الجنة، هذه الدنيا تكفيني. ماذا يريد مني؟ تقول له: هناك خلود، يقول: لا أريد خلود، هذه الخمسين سنة كافية لي.
إذن في النتيجة هناك مجموعة من المصادرات أنت ينتهي إليها الوجدان الإنسان، السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه عندما يعبر مصادرة يقصد بها أنها غير مستدلة، نعم وجدانية، يقول استقرأ وجدانك أنه إذا ازدادت القيم الاحتمالية في محور إلى درجة كبيرة ترى أنك في 90% من حياتك في الأمور الذي وصلت فيها إلى يقين وقضاياك التي وصلت فيها إلى اليقين كلها ناشئة من ماذا؟ أنت تتصور أنها بديهيات، وهي ليست بديهيات، تتصور أنها أوليات ولكن لأنها راكزة في وجودك تتصور أنها ناتجة من ماذا … هذا تراكم الاحتمالات وتراكم التجربة، تقول أنا لم أجرب على أن النار حارة ولكن أؤمن حارة إذن هي من الأوليات، يقول: لا، لأن هذا تراكم التجارب انتقل إليك كمحتوى لقضية من القضايا، تتمة الكلام تأتي.
والحمد لله رب العالمين.