أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
كان الكلام في المناهج التي ذكرت في كلمات أعلام الأصوليين لبيان المنهج الذي لابد من اتباعه في تقسيم مسائل ومباحث علم الأصول، انتقلنا إلى المنهج الثاني، أشرنا إلى المنهج الأول وهو المنهج المعروف والمشهور في الكتب الأصولية، ثم انتقلنا إلى المنهج الثاني وهو المنهج الذي اشار إليه المحقق الأصفهاني في كتابه (بحوث في الأصول).
قلنا بأن المحقق الأصفهاني أشار إلى نكتتين النكتة الأولى بين أن علم الأصول لا يوجد له موضوع واحد وهذا خير شاهد ودليل على أن علم الأصول ليس علماً بالمعنى الفني والمصطلح للعلم، لأنه من أهم شواخص العلم بالمعنى الفني أن يكون له موضوع واحد، وباقي الأمور تترتب على ذلك فإذا كان الموضوع واحداً فالمنهج يكون واحد، ويكون التمايز بالموضوعات وغير ذلك من الآثار فإذا انتفى أن يكون للعلم موضوع واحد فبطبيعة الحال هل يوجد هناك منهج واحد أو لا يوجد، هل أن التمايز يكون بالموضوعات أو لا يكون؟ لا يكون، هل أن البحث عن العوارض الذاتية، لا، وهكذا. هذه هي النكتة الأولى.
النكتة الثانية المهمة التي أشار إليها، طبعاً هذه النكتة وهي أنه لا يوجد موضوع واحد لعلم الاصول هنا يأتي هذا التساؤل إذن بماذا تتمايز مجموعة هذه المسائل عن مجموعات أخرى من المسائل؟ الجواب: بالغرض المترتب عليها. إذا لم تتمايز أو أن ما يسمى بعلم الأصول لا يتمايز عن غيره بالموضوع، إذن هذه المجموعة ما الذي يميزها عن مجموعة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة. الجواب: تمايزها يكون بالأغراض المترتبة عليها، وهذا ما أشار إليه المحقق الطوسي في (شرح الإشارات والتنبيهات، ج1، ص298) هناك أشار إلى هذه القاعدة أنه تارة يكون التمايز بين العلوم بحسب الموضوعات وأخرى إذا وجد علم وتوجد فيه موضوعات متعددة فإن التمايز يكون بحسب الأغراض المترتبة على تلك المسائل، قال: (والأشياء الكثيرة قد تكون موضوعات لعلم واحد) هي أشياء كثيرة ولكنها تكون موضوعات لعلم واحد، وهنا يأتي هذا التساؤل إذن على أي أساس صارت هذه المجموعة تحت هذا العنوان وتلك المجموعة تحت عنوان آخر؟ يقول بأنه لابد من شرطين أولاً أن يوجد بين هذه المسائل والموضوعات نحو مناسبة، هذا التناسب يؤدي إلى غرض معين، عند ذلك هذه المجموعة من الموضوعات نعبر عنها أو نجعلها تحت عنوان واحد.
يقول: (من قبيل بدن الإنسان وأجزائه وأحواله والأغذية والأدوية وما يشاكلها إذا جعلت جميعاً موضوعات علم الطب فإنها تتشارك في كونها منسوبة إلى الصحة التي هي الغاية في ذلك العلم). إذن موضوعات متعددة، ما هو وجه التناسب؟ أنها تؤدي إلى غرض واحد، عندما نأتي إلى علم الأصول أيضاً كذلك بعضها لغوية وبعضها عرفية وبعضها عقلائية وبعضها شرعية وبعضها عقلية وهكذا، ما الذي جمعها تحت عنوان واحد؟ الذي جمعها تحت عنوان واحد أنها لها مدخلية في استنباط الحكم الشرعي، هذه هي النكتة الأولى التي بالتفصيل الذي بيناه اشار غليه المحقق الأصفهاني.
النكتة الثانية التي أشار إليها المحقق الأصفهاني في كتاب (بحوث في الأصول) أن هناك مجموعة من المسائل التي يبحث عنها في علم الأصول هذه خارجة عن علم الأصول ولكن لماذا بحثناها هنا؟ يقول بحثناها هنا باعتبار أنها لم يبحث عنها في علم آخر مع حاجة الفقيه إليها. يعني هي مختصة بالفقيه أو غير مختصة بالفقيه؟ غير مختصة بالفقيه، إذن لماذا بحثها؟ يقول: هو يحتاج إليها وهي غير موجودة في محل آخر فنضطر لبحثها هنا. وهذه هي النكتة التي وقفنا عندها مفصلاً في الأبحاث السابقة، قلنا أن هذا التعبير أن ما يبحث تحت عنوان علم الأصول ليس من مختصات الاستدلال الفقهي، لا، جملة من هذه المسائل التي يبحث عنها في علم الأصول قد يستفاد منها في غير الاستدلال الفقهي. لماذا جاءت في علم الأصول؟ الجواب: جاءت هنا لأن الفقيه يحتاج إليه وهي غير مبحوث عنها في مكان آخر فبحثها، من قبيل مسألة حجية الظواهر وهذا ما أشرنا إليه مراراً وتكرارً.
الآن ما هو التقسيم المقترح بعد هاتين المقدمتين أو النكتتين في كلام المحقق الأصفهاني، ما هو التقسيم الذي يقترحه المحقق الأصفهاني. المحقق الأصفهاني في المقدمة في (ص17) يقول: (لابد أن نبحث أولاً في علم الأصول عن مجموعة من المقدمات) هذه المقدمات يعبر عنها بالمبادئ، لا علاقة لها بعلم الأصول، ولكن يبحث عنها في مبادئ علم الأصول، هذه المبادئ يقسمها إلى قسمين: مبادئ تصورية، ومبادئ تصديقية. والمراد من التصور والتصديق هنا نفس المعنى الذي قرأتموه في علم المنطق. التصور هو أنه نتصور موضوع البحث ومحمول البحث، أو موضوع المسألة ومحمول المسألة وخصوصياتها ونحو ذلك.
التصديق إقامة الدليل على أن هذا المحمول ثابت لهذا الموضوع.
إذن المبادئ إما تصورية وإما تصديقية، ثم كل واحدة منهما، هذا الكلام غير مبين بشكل واضح في كلامه هو، ولكن حتى يتضح فهذا هو مراده، وكل واحدة من المبادئ التصورية تنقسم إلى لغوية وأحكامية، والتصديقية إلى لغوية وأحكامية.
إذن التقسيم الأول ما هو؟ أن المبادئ إما تصورية وإما تصديقية، والتصورية إما لغوية وإما أحكامية، والتصديقية أيضاً إما لغوية وإما أحكامية. ولكي يتضح المراد من الأحكامية الأعزاء بإمكانهم أن يرجعوا (فوائد الأصول، ج1، ص27) يقول: (إن لكل علم مبادئ تصورية ومبادئ تصديقية والمراد من المبادئ التصورية هو ما يتوقف عليه تصور الموضوع وأجزائه وجزئياته وتصور المحمول كذلك، المراد من المبادئ التصديقية هو ما يتوقف عليه التصديق والإذعان بنسبة المحمول إلى الموضوع، فمسألة العلم … والمراد من المبادئ الأحكامية) جمع حكم، والمراد من الحكم هنا الحكم الشرعي بحسب الاصطلاح (والمراد من المبادئ الأحكامية هو ما يتوقف عليه معرفة الأحكام الشرعية من التكليفية والوضعية بأقسامها وكذلك الأحوال والأعراض) إذا اتضح ما هو المراد من التصور وما هو المراد من التصديق وما هو المراد من الأحكام الآن يتضح عندنا مبادئ تصورية لغوية، يعني من أين نأخذ هذه المبادئ التصورية؟ من اللغة. وعندما مبادئ تصورية أحكامية، يعني فهم اللفظ والمفهوم من أين نأخذه من اللغة أو من الشارع؟ من الشارع، يعني قد تذهب إلى الحكم الوضعي في اللغة يعطيك شيء ولكن الحكم الوضعي بحسب الاصطلاحي الشرعي شيء آخر.
إذن مبادئ تصورية أحكامية. ثم تنقسم إلى مبادئ تصديقية لغوية، يعني ثبوت المحمول للموضوع، ما هو دليله وبرهانه، الدليل الذي تقيمه من أين؟ من اللغة، من القواعد اللغوية، لا من الشارع، الفاعل مرفوع أو العطف تفسيري هذه لابد أن يتكلم فيها اللغة لا الشارع. مبادئ تصديقية لغوية ومبادئ تصديقية أحكامية.
وبعد ذلك يأتي المحقق الأصفهاني يقول وبعد ذلك هذه المبادئ وكلها خارجة عن علم الأصول فهي مقدمات لعلم الأصول.
ثم يأتي في (ص22) يقول: (فقد جعلنا الكتاب مرتباً على مقدمة وأبواب أربعة وخاتمة، أما المقدمة في المبادئ التصورية والتصديقية بقسميها من اللغوية والأحكامية) يعني التصورية تنقسم إلى لغوية وأحكامية والتصديقية تنقسم إلى لغوية وأحكامية. (وأما الأبواب فهي أربعة) طبعاً بحوث في الأصول مرتب على هذا التقسيم الذي أشار إليه (الباب الأول في المسائل العقلية النظرية والعملية) لماذا قدمتها؟ يقول: إنما قدمناها على اللفظية لشرافتها وقلة مواردها (الباب الثاني في المسائل اللفظية وفيه مقاصد: الأول، في المجعولات التشريعية من حيث نفسها من الأوامر والنواهي، الثاني في المجعولات التشريعية من حيث تعليقها على شرط أو وصف، الثالث في موضوعات المجعولات التشريعية من حيث العموم والخصوص) هذا الباب الثاني وفي مقاصد ثلاثة (الباب الثالث ما يتعلق بالحجج الشرعية من حجية الظاهر مطلقاً وخصوص ظاهر الكتاب وحجية حكاية السنة وحجية نقل الإجماع وحجية الاستصحاب يذكر كل منها في ضمن مطلب. الباب الرابع في تعارض الحجتين دلالة أو سنداً والخاتمة في البراءة والاجتهاد والتقليد) هذا هو التقسيم الذي ذكره المحقق الأصفهاني.
التقسيم الثالث أو المنهج الثالث: وقد أشار إليها السيد الخوئي في (محاضرات في أصول الفقه، ص6 وما بعدها) بتقرير الشيخ الفياض، قال: (وينبغي التنبيه على أمور، الأمر الأول: أن هذه القواعد والمبادئ على أقسام) يقسمها إلى أربعة أقسام، هذه المسائل المبحوث عنها في علم الأصول يقول على أربعة أقسام (القسم الأول: يبحث فيه عما يفيد العلم الوجداني) يعني بحسب اصطلاح الأصوليين القطع، إذن في القسم الأول ماذا نبحث؟ نبحث ما يفيد العلم الوجداني، فكل ما أفاد العلم الوجداني فيدخل في القسم الأول، من قبيل ماذا؟ يقول: (من قبيل الاستلزامات العقلية كمقدمة الواجب ومبحث الضد ومبحث اجتماع الأمر والنهي ومبحث النهي في العبادات …). القسم الثاني (ما يفيد) طبعاً ما يفيد القطع الوجداني بالحكم الشرعي لأن المدار كله في علم الفقه على استفادة الحكم الشرعي لا شيء آخر (ما يفيد القطع الوجداني بالحكم الشرعي) فإنه بقاعدة المقدمة الواجب نحن نثبت مقدمة الواجب بعلم ماذا … لأن البحث بحث عقلي، والعقل يفيد الظن أو القطع؟ لا إشكال ولا شبهة أنه يفيد القطع. أو اجتماع الأمر والنهي أو النهي عن العبادة يؤدي إلى الفساد ونحو ذلك.
القسم الثاني (ما يوصل إلى الحكم الشرعي) أعم من التكليفي أو الوضعي ولكن بعلم لا وجداني بل بعلم تعبدي بعلم جعلي لا بعلم ذاتي. وهنا يدخل فيه مباحث الحجج والأمارات جميعاً، كل مباحث الحجج والأمارات تدخل في القسم الثاني، ثم هو يقسمها ويقول فيما يتعلق بالقسم الثاني يعني ما يفيد العلم التعبدي بالحكم الشرعي الأعم من التكليفي والوضعي لابد من البحث في مقامين: البحث الأول ما يعد صغرى، والبحث الثاني ما يعد كبرى. يقول: (وهو على ضربين: الضرب الأول ما يكون البحث فيه عن الصغرى) ما هي الصغرى (بعد إحراز الكبرى والفراغ عنها) ويتذكر الأعزاء قلنا بأن ما يتعلق بالصغرى يعني مباحث الألفاظ والظهورات، الأوامر والنواهي والإطلاق والعموم والخصوص والمفاهيم ونحو ذلك، هذه كلها صغريات لكبرى حجية الظهور. إذن الضرب الأول (ما يكون البحث فيه عن الصغرى وهي مباحث الألفاظ بأجمعها) كبراها أين نبحثها؟ يتذكر الأعزاء السيد الخوئي ماذا قال؟ قال الكبرى لا نبحثها في علم الأصول لأنها مفروغ عنها. يقول: (فإن كبرى هذه المباحث وهي مسألة حجية الظهور محرزة ومفروغ عنها وثابتة من جهة بناء العقلاء) نعم ماذا نبحث؟ نبحث في صغريات أو تفصيلات هذه الكبرى. انظروا المفارقة. يقول أصل الكبرى يعني كان التامة لا نبحث عنها في علم الأصول، أما تفصيلاتها فنبحث عنها في علم الأصول، يعني أن ظواهر الكتاب حجة أو ليست بحجة؟ هذا الكلام ليس في أصل الكبرى بل كلام في تفصيلات الكبرى، أنه هل يشترط أن لا يكون هناك ظن على خلافه أو لا يشترط؟ مولانا الجليل إذا أصل الكبرى لا نبحثها كيف يمكن البحث في تفصيلاتها. هل يمكن البحث في تفصيلات شيء ذلك الشيء غير معلوم الحدود في علم الأصول. إذا لم تكن عملية استدلالية دقيقة علمية لماذا وقع فيها إشكال في هذه التفصيلات. إذن بطبيعة الحال لابد ولو من باب المقدمية، لابد من بحث حجية الظهور ككبرى ثم الدخول في تفصيلات هذه الكبرى. (ثم أن البحث في هذا الضرب) الأول الذي هو بحث عن الصغرى (يقع البحث في جهتين) هذا الكلام كله في القسم الثاني ما يوصل إلى الحكم الشرعي بعلم تعبدي، قال: (يقع على ضربين: الضرب الأول ما يكون البحث فيه عن الصغرى) هذا الضرب الأول يقع البحث فيه في جهتين: (الجهة الأولى: في إثبات ظهور الألفاظ وهي على قسمين) يراجعها الأخوة، يشير إلى قسمين، هذا الضرب الأول وهو جهتين. (الضرب الثاني ما يكون البحث فيه عن الكبرى) ولكن ليس كبرى حجية الظهور وإنما (كمبحث حجية خبر الواحد والإجماعات المنقولة والشهرات الفتوائية وظواهر الكتاب ويدخل فيه بحث التعادل والتراجيح) إذن بحث التعادل والتراجيح يدخله السيد الخوئي في القسم الثاني وهو البحث إلى ما يوصل إلى الحكم الشرعي بعلم تعبدي. القسم الثالث (ما يبحث فيه عن الوظيفة الشرعية) هنا لا نصل إلى الحكم الشرعي لا بعلم وجداني ولا بعلم تعبدي وإنما نبحث عن الوظيفة العملية، ما هي وظيفة الشاك والمتحير، ما هي وظيفته العملية؟ إما وظيفة شرعية في حال العجز عن معرفة الحكم الواقعي واليأس عن الظفر بأي دليل اجتهادي (وهي مباحث الأصول العملية الشرعية كالاستصحاب والبراءة والاشتغال ونحو ذلك). القسم الرابع (ما يبحث فيه عن الوظيفة العملية العقلية لا الشرعية وهو كالبراءة والاحتياط العقليين).
ثم يصل إلى نتيجة فيقول في (ص8): (أن المسائل الأصولية على أقسام: الأول ما يثبت الحكم الشرعي بعلم وجداني، الثاني ما يثبته بعلم تعبدي، الثالث ما يعين الوظيفة) لا يعين الحكم الواقعي، لا توجد كاشفية (ما يعين الوظيفة العملية شرعاً، الرابع ما يعين الوظيفة العملية عقلاً). هذا هو التقسيم الذي ذكره السيد الخوئي.
السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه يقول بأنه تارة أن هذا التقسيم الرباعي ليس مبنياً على أساس نكتة فنية، في النتيجة لابد مسائل علم الأصول تكون لها منهجة، أنا أقترح هذه المنهجة، ولا مشاحة فيها. أنا أجد هذا أفضل. تارة أن هذا التقسيم ليس على أساس نكتة فنية، لا مشاحة كما يقال في الاصطلاح، لا مشاحة في التقسيم والمنهج. وأخرى لا، ولعل الصحيح هو هذا، وهو عندما نريد أن نبين التقسيم لا أقل نبينه على أساس نكتة فنية، إذا تتذكرون في المنهج الأول كانت هناك نكتة فنية وهي أنه أساساً نبين الصغرى ثم نذهب إلى الكبرى ثم نذهب إلى التعارض، فعند القدماء بحثوا الصغرى ثم بحثوا الكبرى ثم انتهوا إلى التعارض، القضية واضحة. نعم في هذه الأحكام صغرى كانت أو كبرى هناك بعض المبادئ بحثوا هذه المبادئ، إما لفظية أو لغوية أو عقلية كحجية القطع. فهنا ما هي النكتة الفنية التي على أساسها اختار السيد الخوئي هذا التقسيم الرباعي لمباحث ومسائل علم الأصول؟
يوجد احتمالان:
الاحتمال الأول: أن السيد الخوئي عندما قسم هذا التقسيم الرباعي كان يلحظ الطولية في عملية الاستدلال، يعني أن الإنسان إذا كان عنده دليل قطعي وجداني على الحكم الشرعي لا تصل النوبة إلى الدليل العلمي التعبدي، وكذلك عندما يوجد عنده دليل تعبدي على الحكم الشرعي لا تصل النوبة إلى الأصول الشرعية، وهكذا بالنسبة إلى الأصول العملية الشرعية مع وجودها لا تصل النوبة إلى الأدلة العقلية أو الأصول العملية العقلية. إذن هو يبين التسلسل الذي يسير عليه الفقيه في عملية الاستدلال، أولاً يبحث عن القسم الأول فإن لم يكن فالقسم الثاني فإن لم يكن فإلى القسم الثالث فإن لم يكن ينتهي إلى القسم الرابع.
إن كان هذا هو مراده+ من هذا التقسيم الرباعي. الجواب أنه لا ينسجم مع مشهور ما قاله الأصوليون حتى هو+. حيث أنهم ذكروا أن المصير إلى العلم لا يتوقف على فقدان العلم الوجداني، إن شاء الله سيأتي في بحث الانسداد في محله، إذا كان يمكن لك أن تحصل العلم الوجداني ولكن قام عندك علم تعبدي هل يجب عليك تحصيل العلم الوجداني؟ الجواب: كلا. إذن لا طولية بين القسم الثاني والقسم الثالث، بل يمكن المصير إلى العلم التعبدي مع إمكان الحصول على العلم الوجداني. مثالها الواضح افترضوا أن أشخاص في زمن الغيبة توجد رسالة عملية والرسالة العملية مبنية على الظواهر وخبر الواحد وكم أصل عقلائي لابد أن تطبق عدم السهو وعدم الخطأ وعدم الاشتباه الاملائي، هذه الرسالة العملية فيها الكثير من المشاكل، فإنك عندما تقرأ المسألة في الرسالة العملية احتمال وجود حرف زائد أو ناقص، احتمال الفاعل أصبح مفعول، احتمال الاولى أصبح أحوط، وأنتم تجدون أنهم يومياً يصححون المسائل العملية، وأنت تريد العمل بالرسالة العملية، افترض كما يقال فرض المحال ليس بمحال، افترض أن المرجع تلفونه بيده فكلما اتصلت به يرفع التلفون ويجيبك. أنت هل يجوز لك العمل بالرسالة العملية مع أنك يمكنك أن تحصل العلم بالاتصال بالمرجع أو لا يجوز. لا يقول أحد بأنه يجب تحصيل العلم من المرجع، يقول هذه الرسالة العملية كافية، مع أن هذا علم أو علمي؟ هذا علمي، يعني علم وجداني أو تعبدي، علم تعبدي. وهكذا في زمن الحضور، أنه يأتي زرارة وينقل لك عن الإمام الصادق عليه السلام شيء وافترض أنك تستطيع أن ترى الإمام الصادق في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي وتسأله، إذا قال لك زرارة شيء وضمن موازين العلم التعبدي حصل لك العلم التعبدي فهل يجب عليك تحصيل العلم الوجداني؟ لا يجب، إذن لا توجد طولية بين القسم الأول والقسم الثاني. وبإمكان الأخوة أن يطالعوا البحث يجدوه في (ج1 من القسم الأول، تقريرات السيد الحائري، ص76). قال: (ويرد على هذا اللحاظ، اولاً … ثانياً … ثالثاً … رابعاً). الأول بيناه للأعزاء، ثانياً ما هو؟ أقوله إجمالاً، ثانياً أنه أساساً هذا القسم الثاني فيما بينه أيضاً توجد طولية، نفس القسم الثاني، بعض الأمارات متقدمة على بعضها الآخر، ظهور القرآن علم وجداني أو علم تعبدي؟ حجية ظواهر القرآن، الظهور يفيد القطع الوجداني أو يفيد العلم التعبدي؟ ظواهر، والظاهر لا يفيد العلم الوجداني، احتمال الخلاف موجود فيه، فإذا كان يوجد عندك ظاهر قرآني وظاهر روائي وتعارضا، أي ظاهر يتقدم؟ ظاهر قرآني، ليس مصداق الذي بيناه في درس الفقه، ظاهر قرآني وظاهر روائي، أيهما يتقدم؟ لا ربط لنا بالسند، لا نتكلم في أن السند القطعي يتقدم على السند الظني. لا، السند الذي هو قطعي وجداني علمي وعلم وجداني يقيناً مقدم على العلم التعبدي، الآن لا نتكلم في السند، بل نتكلم في الظاهر، أي ظاهر يتقدم الظاهر القرآني أو الظاهر الروائي؟ في محله إن شاء الله يقولون الظاهر القرآني مع أن كلتاهما أمارة.
إذن في نفس القسم الثاني أيضاً ليست جميعاً في رتبة واحدة. وهكذا في الاصول العملية، فإن الاستصحاب يتقدم على البراءة، مع أن الاستصحاب أصل عملي والبراءة أيضاً اصل عملية. الإشكال الرابع وكذلك قولكم أن الأصول العملية الشرعية مقدمة على الأصول العملية العقلية هذا ليس على إطلاقه وإنما فيه تفصيل موكول إلى محله. هذا كله أعزائي بلحاظ إذا قلنا أن السيد الخوئي قسم هذا التقسيم الرباعي بلحاظ الترتب الطولي في عملية الاستدلال والاستناد، وقد يقول قائل لا، أن السيد الخوئي لم يقسم هذا التقسيم الرباعي بهذا اللحاظ ولا علاقة له بعملية الاستدلال وإنما وجد كل مجموعة من هذه المجموعات الأربعة هناك مشتركات فيما بينها فبحثها تحت عنوان قسم واحد. يعني عندما وضع يده على الاستلزامات العقلية وجد أنها فيما بينها توجد مناسبات مشتركة، وضع يده على العلم التعبدي وجد أن هناك مجموعة من المشتركات، فإذن ليس هو نظره إلى الطولية في عملية الاستدلال وإنما إلى هذه المجموعات فوجد أن كل مجموعة فيها من المناسبات ما لا توجد في غيرها. هذا واقعاً يحتاج إلى استقراء هذه الأقسام لنرى بأنه واقعاً يتم فإذا تم فهو وجه وجيه وهو أنه لماذا جمعت هذه المسائل تحت القسم الرابع، يقول لأنها مشتركة في مبادئها التصورية والتصديقية ومناسباتها. لا اريد أن أشير إلى الترتب الطولي في عملية الاستدلال وإنما جمعتها هنا لأنها كلها مشتركة في هذه المسائل البحثية، هذا إذا كان بهذا اللحاظ كلام تام ولكن يحتاج إلى الاستقراء والسيد الخوئي قدس الله نفسه لم يبين النكتة حتى نقول بهذا اللحاظ أو بذاك اللحاظ. هذا هو المنهج الثالث.
سؤال لأحد الطلبة: غير واضح في الأصل.
جواب سماحة السيد: قلنا لا يوجد ترتب، وإنما هذه المجموعة لها مشتركات فجعلها تحت قسم، لا ترتب بين القسم الأول والثاني، ابداً لا يوجد أي ترتب، وإنما من قبيل أنها لماذا جمعت كل مباحث الألفاظ في المنهج الأول تحت عنوان واحد، باعتبار أنها مشتركات في صغرى الدليل، وبطبيعة الحال أن بيان الصغرى متقدم على بيان الكبرى. وإلا لا محذور أن نقدم الكبرى على الصغرى، لا محذور فيه. إذن هذه الطولية ليست طولية بحسب الاستدلال وإنما ترتيب بحثي، لماذا هذه المجموعة هنا وهذه المجموعة هنا، الجواب: لنكات بحثية ومناسبات ومسانخات بين مجموعة هذه المسائل ومجموعة تلك المسائل بلا أي طولية في عملية الاستدلال.
إلى الآن صار المنهج القدمائي، ومنهج المحقق الأصفهاني، ومنهج السيد الخوئي.
بعد ذلك السيد الشهيد يقترح منهجين لتقسيم مباحث علم الأصول، وأيضاً إن شاء الله تعالى سنعرض لهما إجمالاً وكذلك السيد السيستاني يقترح منهجين لتنظيم المباحث الأصولية، تبقى عندنا أربعة مناهج أخرى نمر عليها إن شاء الله سريعاً ثم ندخل في بحث الوضع.
والحمد لله رب العالمين.