الأخبار

المحاضرة (57)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

أشرنا إلى أن من أهم – إن لم نقل أهم – المقدمات التي استند إليها المحقق النائيني لإثبات أن الواضع في اللغة هو الله سبحانه وتعالى أهم تلك المقدمات والمقومات، هذه المقدمة، وهي: أن هذا اللفظ إنما وضع لهذا المعنى، هذا اللفظ المخصوص يعني لفظ الإنسان، لفظ الماء، لفظ النار، وضع لهذا المعنى المخصوص أن ذلك لم يكن إلا لمناسبة وخصوصية أدت في جعل هذا اللفظ الخاص لهذا المعنى الخاص. وحيث أن الإحاطة بجميع هذه المناسبات والخصوصيات غير مقدور لبشر واحداً كان أو كثيراً إذن الواضع هو الله.

فلو سألنا المحقق النائيني لماذا تصر أنه لابد من وجود خصوصية؟ قال حتى نتخلص من قاعدة الترجيح، لا نقع في محذور الترجيح بلا مرجح. وإلا لو لم يوجد هذا المحذور لالتزمنا بضرورة الخصوصية أو لا نلتزم؟ لا نلتزم، وبينّا فيما سبق أن المحقق النائيني لم يقل أن هذه الخصوصية بالضرورة ناشئة من اللفظ حتى يشكل عليه أننا لا نجد ذلك بالوجدان، لا لا، مراده خصوصية أي خصوصية لفظية من اللفظ أو من غير اللفظ، ولكن لابد من خصوصية.

من هنا قلنا بأننا لابد أن نقف عند هذا البحث وهي قاعدة الترجيح بلا مرجح، لأنه إذا تم أن المقام من مصاديقها بشكل عام، فالحق مع النائيني، لأن النائيني … واقعاً من يستطيع أن يحيط بمثل هذه الخصوصيات، ثم لو كانت هذه الخصوصيات ملحوظة عند البشر عند وضعهم لأشاروا إليها، ولكنه لا نجد في كلمات الواضعين لهذه الألفاظ للمعاني أي خصوصية تذكر في المقام أبداً.

أما إذا لم يكن المقام يعني وضع اللفظ الخاص للمعنى الخاص من مصاديق القاعدة عند ذلك ينهار أهم أصل اعتمد عليه المحقق النائيني. ولذا التفتوا إلى أن هذه القضية مهمة لمعرفة تمامية كلام المحقق النائيني أو عدم تمامية هذا الكلام.

من هنا لابد من الإشارة إلى القاعدة وإن كنا نخرج عن البحث قليلاً ولكن أعزائي اطمأنوا أن هذه المسألة كثيرة الدوران في البحث الفقهي، وفي الأبحاث العرفية وفي حياتنا اليومية وفي البحث الأصولي وفي البحث الكلامي فضلاً عن البحث الفلسفي، هذه القاعدة سيالة، وإلا ماذا تقولون في الواجب التخييري، الآن الشارع أشار إلى الواجب التخييري أو لم يشر؟ عندنا واجبات تخييرية وأنت تنتخب هذا أو هذا، يجوز بلا مرجح أو لا يجوز، بناء على قاعدة الترجيح بلا مرجح محال، إذن لابد من مرجح وإذا لم يكن مرجح … لماذا؟ لأنه محال عقلاً. وإذا هربت من سبع ووصلت إلى طريق فيه طريقي الهارب، فأنت قبل أن تصل لابد أن تفكر بالمرجح، إذا لم تر مرجح في أحد الطرفين ماذا تفعل؟ تقف حتى … ولهذا السيد الطباطبائي يلتفت يقول: (وأما مثال الهارب من السبع فممنوع، بل الهارب المذكور على فرض التساوي من جميع الجهات يقف في موضعه ولا يتحرك أصلاً) حتى يأتيه السبع ليأكله.

ولذا بعض فلاسفة الغرب حتى يستهزئوا بهذه القاعدة عند الفلاسفة رسموا كاريكاتير رسموا مثلث وضعوا حماراً على رأس هذا المثلث وجعلوا خطي المثلث متساوي النسبة إلى الطعام هذا مع هذا مساوي، فالمسكين بقي هنا واقف إلى أن مات، لماذا؟ لأنه لا مرجح أن يذهب إلى هنا أو إلى هنا، وهكذا بدأ الاستهزاء بهذا البحث العقلي العميق، لماذا؟ لأنه طبق، أريد أن استبق الأبحاث، لأنه طبق في غير مورده، وإلا المشكلة ليست في القاعدة بل المشكلة في تطبيقاتها في غير مواردها، إذن أعزائي القضية خطيرة جداً، يعني خطيرة علمياً، وإلا أنت في البحث الفقهي عندك، في بحث الأصول عندك في مسألة الخبرين المتعارضين والقائل بالتخيير، هناك يقول بالتخيير يستطيع أن يختار أحدهما بلا مرجح أو لا يستطيع؟ لا يستطيع، بناء على أن القاعدة جارية في الأبحاث الأصولية وفي الأبحاث الفقهية.

طبعاً وتشتد القضية تعقيداً في المثليات الصناعية، ما هي المثليات الصناعية؟ أنت تريد سيارة بالمواصفات الكذائية لونها كذا وحجمها كذا موديلها كذا، الشركة تصنع واحدة أو ألف واحدة؟ تصنع ألف … يخيرونك بين عشرة ويقولون لك أنت خذ، هل هناك مرجح أو لا يوجد مرجح، هذه مثلية صناعية، بناء على جريان القاعدة يمكن الترجيح أو لا يمكن، فلو انتخبت واحدة لا على التعيين للزم الترجيح بلا مرجح. وهو محال. وهكذا.

إذن تعالوا نقف قليلاً عند هذه القاعدة لدرس أو لدرسين حتى يتضح للأعزاء أن المقام … طبعاً مرتبط ارتباط مباشر بالبحث.

أعزائي لهذه القاعدة إطلاقات متعددة قد تصل إلى سبعة، أنا لا أشير لها جميعاً ولكن أقف عند موردين منها لارتباطهما بالبحث، وإلا لو أردنا أن نشير إلى كل الموارد لخرجنا عن البحث كثيراً.

المورد الأول الذي تستعمل فيه هذه القاعدة: هو أنه إذا فرضنا في مورد كان هناك طرفان ولكن لكل طرف حكمه الخاص به، ولكن هذان الطرفان متساويان، إذا لكل منهما حكمه الخاص كيف يكونا متساويين؟ الجواب: من قبيل الوجود والعدم للأمور الممكنة. السؤال: الوجود والعدم للممكن متساوية أو غير متساوية؟ نعم، تقولون أن الماهية تتساوى نسبتها إلى الوجود وإلى العدم. ولكن هل أن كلاً من الطرفين، هذا الطرف يساوي هذا الطرف في الهدف والغاية والآثار المترتبة أو أن هذا له حكم وذاك له حكم آخر؟ من الواضح أن الشيء إذا وجد فله حكم وإن لم يجد وهو العدم فله حكم آخر. إذن ما معنى تساويهما؟ تساوي الوجود والعدم؟ نقول: لا، نريد من التساوي – أحفظوا لفظ التساوي- نريد من التساوي يعني لا الوجود ضروري لها وإلا لما أمكن العدم، ولا العدم ضروري لها وإلا لما أمكن الوجود. نريد أن نقول: يمكن أن توجد ويمكن أن لا توجد، ولكن الغرض المترتب على الوجود هو نفس الغرض المترتب على العدم أو غرض آخر؟ لا، هذا له غرض وذاك له غرض آخر.

إذن عندما نقول في الماهية المتساوية ليس مرادنا من التساوي يعني التساوي بين الوجود والعدم، لا، مرادنا أنه لا هذا ضروري لها ولا ذاك ضروري لها. السؤال: في هذا المورد هل يجوز الترجيح بلا مرجح أو لا يجوز؟ الجواب: لا يجوز. لكي نرجح هذا الطرف نحتاج إلى مرجح ولكي – طبعاً من باب التسامح- ولكي نحتاج إلى ذاك الطرف نحتاج إلى مرجح، يعني يدور الأمر بين الفعل، الفعل يحتاج إلى مرجح، والترك يحتاج إلى مرجح، وإن كان مرجح الترك عدم وجود مرجح الفعل، ليس بالضرورة يعني أن الترك يحتاج إلى مرجح وجودي، لا لا، عدم وجود المرجح الوجودي هو مرجح العدم، هذا هو المورد الأول.

طبعاً نحن نتكلم في الفاعل المختار، بحثنا ليس في مطلق الفواعل حتى الفاعل الطبيعي كالنار، بل نتكلم في الفاعل العالم المختار الذي لا يفعل إلا عن إرادة واختيار حتى تأتي مسألة الترجيح وعدم الترجيح، وإلا إذا كان الفاعل طبيعي فلا يأتي بحث الترجيح وعدم الترجيح، إذن الآن بحثنا ليس في الفواعل الطبيعية وإنما في الفواعل الاختيارية.

المورد الثاني: وهو أن الفاعل يريد هدفاً وغرضاً حقيقة يريد الوصول إليها، لماذا؟ لأن الفاعل فاعل يريد في طريق الاستكمال، مرة أن الفاعل ليس في طريق الاستكمال كما الواجب سبحانه وتعالى يفعل لغرض الوصول إلى غاية تنفعه أو لا؟ لا، لأنه غني عن العالمين. ومرة أنا وأنت عندما أفعل هذا الفعل، عندما أشرب وعندما أتحرك وعندما أدرس أريد تحقيق غاية وغرض، فإذا فرضنا أن هذه الغاية وهذا الهدف كلي وله أفراد متساوية، ما معنى متساوية؟ معنى متساوية يعني كما أن هذا يحقق الغرض هذا أيضاً يحقق الغرض، كما في رغيفي الخبز المثال المعروف، أنت تريد أن تشبع ووضعوا أمامك رغيفين من الخبز، أو تريد سيارة ووضعوا أمامك سيارتين بنفس المواصفات، لكي تختار أحدهما يحتاج إلى مرجح أو لا يحتاج؟

تقول لي: ما الفرق بين الأول والثاني؟

الفرق في الأول ليس كلا الطرفين يحقق الغرض، هذا الطرف يحقق غرض وذاك الطرف يحقق ماذا … التفتوا لي أعزائي هذه نقطة المغالطة الرئيسية في كل الكلمات، وبعد ذلك سأشير لها. أنه في الأول الغرض المترتب على الفعل هو نفس الغرض المترتب على الترك أم غرضان. أما هنا الغرض المترتب على الفرد (أ) غير الغرض المترتب على الفرد (ب) أو غرض واحد؟ هذا يحقق الشبع وهذا يحقق الشبع، هذا يحقق النجاة من السبع وهذا يحقق النجاة من السبع، هذا يحقق الغرض من شراء السيارة وهذا يحقق الغرض من شراء السيارة، هذا الفعل في الواجب التخييري يحقق الغرض الذي هو مصلحتي للوصول إلى كمالي وهذا الفعل أيضاً كذلك، العمل بهذه الرواية يحقق … يحققها على درجات متفاوتة أو على درجة واحدة؟ على درجة واحدة. نعم، الاختلاف ليس في الكلي بل الاختلاف في الأفراد. وإذا أرادت عبارة أدق التعدد في الأفراد وليس التعدد في الغرض المترتب.

هنا أيضاً نقول أن الأفراد متساوية ولكن ما معنى التساوي؟ متساوية يعني كل فرد فرد منها يحقق الغرض. هناك كيف كان معنى التساوي؟ كل فرد فرد يحقق الغرض، هذا كان معنى التساوي؟ وهذا الاشتراك اللفظي هو منشأ المغالطة، لأنهم وجدوا هناك تساوي وهنا أيضاً وجدوا تساوي، فقالوا حكمها ماذا يكون؟ فكما أنه هناك لا يمكن الترجيح بلا مرجح هنا أيضاً لا يمكن الترجيح بين الأفراد بلا مرجح، فكما لا يجوز الترجيح للفعل أو الترك بلا مرجح كذلك لا يجوز لانتخاب هذا الفرد على ذاك إلا لمرجح.

بعد ذلك سيأتي هذا البحث وهو انتخاب هذا اللفظ لهذا المعنى من القسم الأول من من القسم الثاني؟ فمن اعتبره في القسم الأول له حكم ومن اعتبره من القسم الثاني فله حكم، وسيأتي بحثه. هذا سؤال.

إذن أعزائي الترجيح بلا مرجح لا أقل يطلق في المورد الأول المتساوي ويراد من التساوي يعني تساوي نسبة الوجود والعدم إلى الماهية، لا تساوي الوجود العدم في الغرض المترتب، ليس هذا. وفي الثاني يطلق التساوي ويراد من التساوي التساوي في تحقيق الغرض الذي يريده الفاعل من فعله.

السؤال: وهذا السؤال أعزائي هي محط أنظار الفلاسفة والمتكلمين والأصوليين لعله مذ 2000 عام إلى يومنا هذا، وليس عند المسلمين فقط بل عند غيرهم أيضاً هذه المشكلة موجودة، وهو أنه: ما هو المرجح في هذين الموردين؟ أنت تقول في المورد الأول نحتاج إلى ماذا؟ الترجيح بلا مرجح محال.

وهنا أريد أن أبين مقدمة مطوية وهي: أنه اتفق الجميع للترجيح نحتاج إلى مرجح، محال أنه أرجح الفعل على الترك بلا مرجح. ومحال ارجح هذا الفرد على هذا الفرد بلا مرجح، هذا لا اختلاف فيه. إنما الاختلاف – لا اقل بين الأصوليين وبين الحكماء والفلاسفة- أنه ما هو المرجح في هذين الموردين؟ يعني في مورد الفعل والترك الذي هو للماهية، وفي مورد أفراد حقيقة تحقق الغرض؟

اتفقت تقريباً كلمة الفلاسفة أن الإرادة، إرادة الفاعل، لا يمكن أن تكون مرجحة، لابد أن تكون هناك خصوصية في هذا الطرف يرجح على هذا الطرف، في هذا الفرد يرجح على ذاك الفرد. أين تظهر النتيجة؟ تظهر النتيجة الله سبحانه وتعالى رجح وجود العالم على عدمه. ما الذي جعله يرجح؟ قالوا: لا تقولوا إرادته، لا، الإرادة بنفسها متساوية النسبة إلى الوجود والعدم. فوقعنا في مشكلة وهي أن أساساً لا تصور للخصوصية قبل خلق العالم وقبل خلق العالم ليس عندنا شيء حتى نقول هذا رجح الوجود على العدم. نتكلم على مبنى الحدوث الزماني للعالم. الله خلق العالم في ظرف معين في نقطة معينة، وقبلها كان العالم موجود أو غير موجود؟ لماذا اختار هذه النقطة، لا قبلها ولا بعدها؟ الأصوليين والمتكلمين ارتاحوا، أما الأشاعرة فقالوا (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) نحن لنحل مشاكلنا أولاً … الأصوليون ليس أشاعرة، قالوا: لا، أن سلطنته هي التي رجحت، أراد في هذا الظرف فخلق. الفلاسفة قالوا: لا نقبل هذا الكلام، ماذا يعني أراد، نقول: ما المشكلة؟ يقول: لأن الإرادة أداة تنفيذ وقبلها شوق مؤكد، والشوق لا يحصل إلا على أساس العلم والعلم من الحقائق ذات الإضافة يعني علم في الشيء خصوصية لابد في هذا الظرف دون هذا الظرف، فلا معنى لأن تكون السلطنة وإعمال الإرادة الإلهية مرجحة في هذا قبل ذاك. وكذلك نقول في المورد الثاني. هذا كان في المورد الأول.

في المورد الثاني نقول أيضاً كذلك، نقول: لا معنى لأن يختار هذا الفرد على هذا الفرد بنفس الإرادة، أقول: لماذا اخترت هذا دون ذاك؟ يقول: لأني أردت، يقولون السلطنة أيضاً لا ترجح، لابد من وجود خصوصية في هذا الفرد رجحت على هذا الفرد، وإلا لماذا هذا الفرد دون ذاك؟

إذن كلمة الحكماء واضحة أن الترجيح بلا مرجح لا يكفي إعمال السلطنة للترجيح لا في المورد الأول ولا في المورد الثاني. ولذا السيد الطباطبائي في (نهاية الحكمة، ص162، الفصل الثالث، المرحلة الثامنة) يقول: (أن الممكن المتساوي الجانبين يحتاج في ترجح أحد الجانبين إلى مرجح) سيدنا وهل تكفي الإرادة مرجحة؟ يقول: مستحيل. لابد أن تكون خصوصية أين؟ الإرادة ليست مرجحة، بل المرجح خصوصية الفعل على الترك في المورد الأول، خصوصية هذا الفرد على ذاك الفرد في المورد الثاني. ولذا هذه القاعدة (الترجيح بلا مرجح) محال عقلاً في المورد الأول وفي المورد ا لثاني وهذا مورد الاتفاق.

نأتي إلى أن الإرادة مرجحة أو ليست مرجحة؟ قالوا: أن الإرادة ليست بمرجحة، (وأما قوله القائل أن الإرادة مرجحة بذاتها يتعين بها أحد الأفعال المتساوية من غير حاجة إلى مرجح وراء الإرادة) لا أنه لا يوجد مرجح، بل يوجد مرجح، ولكن من المرجح؟ نفس الإرادة كافية أو غير كافية؟ يقول: (ففيه أن الإرادة) غير كافية للترجيح. إذن ما هو المرجح؟ خصوصية، وإلا إن لم تكن هناك خصوصية الإرادة نفسها لا ترجح الفعل على الترك في الأول، ولا الفرد الأول على الثاني في المورد الثاني. هذا المورد موجود أيضاً في (الأسفار، ج1، ص208، المواد الثلاث، الفصل 13) الاخوة الذين يريدون مراجعة هذا البحث عندي تفصيلاً من (الدرس 157 إلى الدرس 162) أو أكثر في الأسفار الجزء الأول.

طبعاً هذا التفصيل الذي ذكره هنا لم يذكره هناك، فقط شرح نظرية الحكماء، ولذا عبارته في (ص208) يقول: (المستحلون ترجيح أحد المتساويين بلا سبب) أصلاً هؤلاء لابد أن يكفرون فلسفياً، مستحيل مثلما يحلل أحد شيئاً حرام، أصلاً هؤلاء أهل بدعة ولكن ليس البدعة الفقهية بل البدعة العقلية (المستحلون توسيط الحق) هذه العبارات عبارات الشيخ الرئيس في آخر الإشارات، يقول: (المستحلون توسيط الحق) هناك من يريد الله حتى يوصلني إلى الجنة، فأنت تريد الله واسطة أم غاية، الشيخ يقول (المستحلون) هؤلاء الذي يعبدون الله طمعاً أو خوفاً، هؤلاء لا ربط لهم بالله، الله لأنهم يخافون منه ويطمعون وإلا لو كانوا يحققون الطمع والخوف بطريق آخر فلا ربط الله بالله، (المستحلون توسيط الحق) هذه من هناك مأخوذة.

(المستحلون ترجيح أحد المتساويين بلا سبب) أي متساويان؟ ملا صدرا لا يميز المتساوي في المورد الأول عن المتساوي في المورد الثاني، يقول كل متساويين يحتاج إلى سبب.

سؤال: هذا السبب الإرادة؟ يقول: لا، الإرادة آلة التنفيذ، لابد أن يكون السبب ما وراء الإرادة.

ومن هنا قالوا، التفتوا لي جيداً الفلاسفة، ما هي النتيجة؟ قالوا: أن الترجيح بلا سبب وراء الإرادة مرجعه إلى الترجح بلا مرجح، يعني وجد الشيء بلا علة. لأن الذي كان يرجح هو العلة وهي في المقام غير الإرادة توجد علة أو لا توجد؟ إذن مآل الترجيح بلا مرجح إلى الترجح بلا مرجح. يعني وجود الشيء بلا علة. لأن علة انتخاب هذا الفعل على الترك هو السبب، علة انتخاب هذا الفرد على ذاك هو السبب، فإذا لم يكن السبب إذن وجد الشيء بلا سبب. ولهذا قالوا: مآل الترجيح بلا مرجح إلى الترجح بلا مرجح. نقول: يوجد فاعل. يقول: نعم، فعل الفاعل بلا سبب وبلا مرجح.

يقول: (تشعب، ففرقة قالت أن الله خلق العالم في وقت بعينه دون سائر الأوقات من دون مخصص يتخصص به ذلك الوقت) لماذا الله خلقه في الزمان (أ) لماذا لم يكن في النقطة قبل ذلك أو في النقطة بعد ذلك. الأشاعرة قالوا: لأنه لا يُسأل عما يفعل. الأصوليون قالوا نفس الإرادة تكون هي المخصصة. (وفرقة تقول أن الذوات متساوية بأسرها في الذاتية فهذا متشبثاتهم في الجدال ولو تنبهوا قليلاً من نوم الغفلة وتيقظوا من رقدة الجهالة لتفطنوا … وفي كل من الأمثلة الجزئية التي تمسكوا بها في مجازفاتهم) من قبيل ماذا؟ يقول: (من قبيل قدحي العطشان ورغيفي الجائع وطريقي الهارب) تقول: نحن نجد بالوجدان ينتخب أحدهما من غير مرجح، وهذا خير دليل على أن الإرادة كافية ولا نحتاج إلى سبب خارجي. يقول: لا.

أما على مبنى الأشاعرة فأنتم تعلمون أن الله يفعل إذن المرجح موجود عند الله، ليس بالضرورة هذا الذي تقدم، لأنه مجبور على فعله ليس بالضرورة هو يعلم حتى تقول وجداناً لا يعلم، أما وعلى مبنانا يعني الأمر بين الأمرين، يقول باعتبار أنه نصفه مربوط بالله ونصفه مربوط بالعبد، هذا المربوط بالله فيه سبب الترجيح وإن لم يكن هو ملتفتاً إليه، ولذا يقول: لا يشترط في الترجيح في طريقي الهارب أن يكون هو ملتفتاً إلى ذلك لأنه يقول أنها هذه كلها لعله توجد ولكن ملتفت إليها الذي رجح أو غير ملتفت؟ إذن القاعدة عندما أن الترجيح بلا مرجح محال وأن الإرادة والسلطنة غير كافية، إذن يوجد مرجح، ولكن بعض الأحيان أنت غير ملتفت إلى المرجح، لا أنه لا يوجد، عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

يقول: (ولعله) بعض الأحيان أن السبب هو مرجحات الكواكب، الكواكب تعلمون القمر ماذا يؤثر والشمس ماذا تؤثر والنجوم ماذا تؤثر، ولكنك ملتفت أو غير ملتفت؟ إذن لا يمكن أن هذا الإنسان رجح بلا دليل.

وأفضل من أوضح هذه القضية شيخنا الشيخ مصباح اليزدي في (تعليقته على المصباح، ص236) الشيخ مصباح أنا لم أتتلمذ عليه مباشرة، يعني بشكل درس مباشر لم أحضر، ولكن سمعت له كثيراً، يعني ما يتعلق بشرح النهاية عنده دورتين دورة 146 كاسيت ودورة 171 كاسيت وقد سمعتها جميعاً. عنده في الأسفار وعنده في برهان الشفاء، وكنت كثير الممارسة والجلوس والقيام معه، وواقعاً للتاريخ أقول، أنا أتكلم على بعده الأخلاقي لا يقول أحد أن السيد يؤيد مبانيه السياسية، أن الشيخ من حيث التواضع أنا قليل رأيت أحد أنه مثل تواضع الشيخ الأخلاقي والعلمي، يعني كونوا على ثقة ليس في مورد أو موردين، كان يكون البحث وجداً يصل إلى بعض الزوايا الحرجة أقول هذه عبارة السيد الطباطبائي ليست كذا وليست كذا وليست كذا، يقول: أنا هذا القدر أعرفه عن ا لسيد الطباطبائي، أما الشيخ جوادي فقد كان أكثر ارتباطاً مني بالسيد الطباطبائي ومعرفة بمبانيه، وهذا نادر أن نجده بين العلماء الذين هم في عرض واحد أنه يرجع واحد إلى آخر، هذا أنا رأيته.

هذا البحث في (الحاشية رقم 238) وفي ذيل هذا المطلب، قال: (وكيف كان فلا شك أن الإرادة بمعنى التصميم على الفعل) ليست هي بنفسها – بيان مني- مرجحة وإنما الكلام في مبادئ تلك الإرادة وأنه هل يكفي في تعلقها بفعل خاص من فعلين متساويين، يعني المورد الثاني لا المورد الأول، من فعلين متساويين كون كل واحد منهما محققاً لغرضه، هل تكفي الإرادة أو يلزم علاوة على ذلك ما يعين تعلقها بأحدهما بعينه. أي منهما؟

سؤال: هذه نظرية الفلاسفة، في الموردين نحتاج إلى مرجح غير الإرادة، لا أننا نحتاج إلى مرجح، الكل يقول نحتاج إلى ماذا … لا ينصرف ذهنك إلى هذا … ولذا إن شاء الله بعد ذلك عبارة السيد الخوئي سنصححها بهذا الشكل وهو أن الترجيح بلا مرجح ممكن ليس مقصودنا يحتاج إلى مرجح حتى الإرادة، لا، يحتاج مرجح وراء الإرادة، هو يتكلم على المبنى، لأن الأصوليين يعتقدون أن الإرادة كافية للترجيح بلا حاجة إلى خصوصية وراء الإرادة.

وهذا من موارد النزاع الأساسية بين الفلاسفة وبين الأصوليين، ولذا تجد السيد الصدر& والسيد الخوئي … إن شاء الله هذا في مباحث الإرادة عندما نأتي إلى الطلب والإرادة في مباحث الأوامر إن شاء الله تعالى سنبحث هذه القضية تفصيلاً.

ولكن السيد الصدر في (تقريرات السيد الهاشمي، ج2، ص37) قال: (أن هذه السلطنة موجودة في الحق وبها يتعين أحد الطرفين) طبعاً تعبير السلطنة الذي أنا عبرت إرادة، الإرادة فيها اصطلاحات عديدة لعلها ثلاثة أو أربعة، مرادهم من السلطنة يعني هذا الذي أنت به تختار هذا أو ذاك. تعبير السلطنة من تعبيرات المرزا النائيني ولذا لابد قد سمعتم هذه القاعدة (أن الشيء ما لم يجب لم يوجب) هذه كلمة الفلاسفة، مطلقاً فواعل طبيعية وفواعل اختيارية، أما المرزا النائيني وتبعه كل تلامذته ومنهم السيد الصدر يقول: أن الشيء ما لم يجب في الفواعل الطبيعية وما لم يعمل السلطنة في الفواعل الاختيارية. قالوا تلك القاعدة نقبلها ولكن فقط في الفواعل الطبيعية ولكن في الفواعل الاختيارية نفس السلطنة كافية.

يقول: هذا مرتبط بالله … ثم يقول: (من قبيل حالة الجوع أو العطش أو حالة الحب أو البغض كما يقال في رغيفي الجائع وطريقي الهارب، فلو كان الفعل لا يصدر إلا بقانون الوجوب بالعلة إذن لبقي جائعاً إلى أن يموت لعدم المرجح لأحدهما، بينما بناءً على قاعدة السلطنة يرجح أحدهما بلا مرجح) عجيب بلا مرجح؟ يقول: لا، يوجد مرجح، وهذا الذي لم يفهمه جملة ممن نظر في كلمات الأصوليين، تصور أن هؤلاء يقولون بجواز الترجيح بلا مرجح، لا، وهذه نقطة أحفظها في ذاكرتك، الأصوليون أجل من أن ينسب إليهم أنهم يقولون بجواز الترجيح بلا مرجح، يقولون بأن المرجح هو السلطنة، لا نحتاج إلى خصوصية وراء السلطنة. يقول: (بناء على قاعدة السلطنة يرجح أحدهما بلا مرجح وإن عرض هذا الكلام على الحكماء لقالوا أن المرجح موجود في علم المولى) وإن لم يلتفت إليه الفاعل (أو بعض الملائكة المدبرين للأمور).

السؤال المطروح – أعنونه فقط لضيق الوقت-: هل المقام وهو انتخاب لفظ معين لمعنى معين، هل هو من قبيل المورد الأول أو هو من قبيل المورد الثاني؟ تقول لي: سيدنا ما الفرق بينهما، إذا كان من المورد الأول فإن بنينا على مباني الفلاسفة سواء كان من الأول أو من الثاني يحتاج إلى مرجح وراء الإرادة. وإن بنينا على مبنى الأصوليين سواء كان من الأول أو من الثاني فلا يحتاج إلى مرجح وراء الإرادة.

الجواب: نحن لا نوافق الحكماء في مورد، ولا نوافق الأصوليين في مورد. نحن نتفق مع الحكماء في المورد الأول، ونختلف معهم في المورد الثاني. ونتفق مع الأصوليين في المورد الثاني ونختلف معهم في المورد الأول. إذا كان الأمر كذلك إذن تظهر ثمرة أن نعرف أن الوضع مرتبط بالمورد الأول أو بالمورد الثاني، وتحقيقه يأتي.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات